Canalblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

مدونة الدكتور عبد الإله كنفاوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان- المغرب

10 mai 2017

الأنساق الايقاعية في القصيدة المعاصرة تكريما للشاعر حسن الأمراني

 

1 ـ طرح المفهوم:

الحديث عن الشعر المغربي المعاصر، هو حديث عن ماهية هذا الشعر، هل هو ذلك الجنس الشعري الذي تذهب بخصوصه كل النظريات النقدية العربية بما فيها اليونانية القديمة، وما تلتهما من نظريات حديثة، عربية كانت أو غربية، تستمد أصولها من الدرس النقدي العربي والأرسطي الذي حدد الشعر في الوزن والقافية وما يستدعيانه من محاكاة وتخييل  للمعاني النفسية بالنسبة للشعر العربي، أو غيره من أشعار الأمم الغربية، أم أن  هذا التعريف العام لا يستوعب هذه القصيدة المعاصرة... [1]

إن  إعادة طرح مفهوم الشعر في الدراسات االشعرية الحديثة (اللسانية والبلاغية) إلى الواجهة، باعتباره مفهوما غير ثابت، يفترض حسب ياكبسون الانطلاق من قناعة مفادها أنه " حتى لو تمكنّا من تحديد الأدوات الشعرية النمطية لدى شعراء عصر ما ، فإننا لن نكون بذلك قد اكتشفنا بعد حدود الشعر. إن نفس الجناسات وأدوات تناغمية أخرى تستعملها خطابة هذه المرحلة، والأكثر من هذا فإن الكلام اليومي يستعملها.[2]

 وقد نبّه إلى مسألة في غاية الأهمية ذهب فيها إلى القول: فإذا كانت "الخصيصة النوعية للغة الشعرية هي، بداهة، خطاطتها العروضية، أي شكلها كشعر. فإن هذا القول يمكن أن يظهر كتحصيل حاصل: فالشعر هو شعر. لكنه يتغير مع الزمن، ولذلك يجب للحقيقة التالية ألا تغيب عن بالنا. وهي أن عنصرا لسانيا نوعيا يهيمن على الأثر الأدبي لفنان مفرد في مجموعه، ويعمل بشكل قسري، لا راد له، ممارسا بصورة مباشرة تأثيره على العناصر الأخرى. إما في إطار حقبة أدبية معينة أيضا، أو في مجوع مدرسة شعرية كذلك.[3]

وقد سبق لجيرار مانلي هوبكنس الذي كان رائدا لعلم اللغة الشعرية، أن عرف النظم باعتباره خطابا يكرر كليا أو جزئيا نفس الصورة الصوتية.[4] غير أن تعريفا من هذا القبيل يثير الكثير من المشاكل.  فإذا كان أساس التكرار في اللغة الفرنسية، كما نعلم، هو التماثل المقطعي أو تساوي عدد المقاطع. فإن هذا التعريف لا يناسب إلا النظم المطرد. لكن ماذا عن النظم الحر ؟. أي النظم الذي لا يلتزم لا وزنا ولا قافية؟ هل لنا أن نحرمه من صفة النظم؟.[5]

إن الصفة أو الصفات المعرفة ينبغي أن تكون مناسبة لكل ما دعي نظما، وألا تتجاوزه إلى غيره. ويبنبغي هنا قطعا أن لا ننكر وجود أو أهمية الايقاع النبري في النظم الفرنسي،. خصوصا وأن الشعر وضع للانشاد.[6]

غير أنه يجب التأكيد على مسألة هامة وهي أن النظم لا يوجد إلا كعلاقة بين الصوت والمعنى. ولمقتضيات التحليل لا يمانع جان كوهين من تمييزه عن المستوى الدلالي. وإن كان يرى أن العملية الشعرية ـ وإن كانت تعطي الحُضوة للمستوى الدلالي، فهي تجري في المستوى الصوتي أيضا.[7]

 

وهكذا يجب أن يستجيب تعريفنا للشعر المعاصر لثلاثة شروط:

1ـ أن يلائم أصناف النظم الحر والمطرد.

2ـ ألا ينطبق على أ ي نوع من النثر.

3ـ أن يؤسس على المعطيات الخطية وحدها.

2ـ تأصيل المفهوم:

فما هو العنصر الذي يعتبر وجوده ضروريا في كل أثر شعري، ومنه أثر المحتفى به؟ انه باستثناء هذين الملمحين (الوزن والقافية) لا يمكن الحديث عن الشعر وخاصة الشعر العربي عبر مراحل تطوره، بدءا من الهزج والرمل والرجز وصولا إلى القصيد، الذي استمر يتعايش ـ مع أشكال مُتناسِلة تباعا ـ كالمزدوج والمسمط، والمخمس، والدوبيت، والكان كان، والقوما، والموشحات، ثم الأزجال. وهذه كلها أنماط شعرية ستساهم بدورها في بناء القصيدة المعاصرة وفي لغتها،  وإعطائها من مفاتيح النظم، ما سيُؤهلها لدخول عالم الشعر، بجواز سفر يمكِّنها هذه المرة من مساءلة المخاض الذي بات يُميز التجربة الشعرية العربية، بخصوصياتها وأنساقها الإيقاعية الواعية أيضا بمرحلة التجريب في بعده الانساني والكوني، وما تطرحه القصيدة الغربية بأبعادها النقدية والتنظرية

وهي تجربة بالقدر الذي كانت تنطلق من الأبعاد المأساوية التي طبعت المرحلة الشعرية بحمولتها السياسية والاجتماعية والثقافية كذلك، تظل في الآن نفسه خاضعة للعنف الذي قوبلت به هذه الدعوى / دعوى التجديد في إسرارها على الانفلات والقطيعة والتجاوز المستمر أحيانا، نحو العودة مرات عديدة إلى البيت الآمن في أنساقه العروضية القائمة على التفعيلة أحيانا، وعلى نظام من القوافي المتجاوبة، أو المسترسلة والتي تسمح بكسر كل القيود الموروثة، دون الابتعاد عنها كثيرا، وسواء كانت تميل نحو النظام المقطعي حين يتلاشى الوزن أو تعمد إلى تبني النظرية النبرية القائمة على التنغيم، مثلما هو عليه الحال مع القصيدة النثرية، أو ما اصطلح عليه بالنثر الشعري، أو الشعر النثري..

لذلك تجدنا نفضل أن ننطلق من النسق القائم على مفهوم (التقطيع النظمي والتمفصل الدلالي) كنسق حر، يكشف بكل سهولة عن الملمح المميز للقصيدة المعاصرة من خلال قراءة وصفية مسطحة، تاركا المجال للحديث عن بنياتها العميقة إلى فرصة لاحقة نقف من خلالها على أكبر عينة شعرية تستطيع أن نميز من خلالها بين السمات الخاصة والبنيات العامة للانساق الايقاعية التي طبعت التجربة الشعرية المعاصرة بأشكالها المتعددة...

ونحن حين نذهب إلى القول بأن الايقاع هو الملمح النوعي المميز ـ دوما ـ للشعر العربي عبر مراحل تطوره، أو هو الملمح الحاضر في كل النصوص الشعرية، بأنماطها المختلفة والمتعددة، فهذا يعني أن الايقاع هو الشرط الضروري لدخول نص ما منطقة الشعر.

3ـ مفهوم الإيقاع

ينطلق تحديدنا لمفهوم الإيقاع في الشعر المعاصر، من الدائرة الزمنية التي استهوت التجربة المعاصرة، فانجذبت إليها بكل ما تحمله من تجريب، او انزياح. لذلك تجدنا لا نتردد في طرح هذا التساؤل، أي: ما هو الايقاع الذي نرمي حصره من خلال التجربة الشعرية المعاصرة، هل هو الوزن، أم هو هذا المحسن البديعي الذي قامت برصده الدراسات البلاغية فجمعت صوره من الشعر والنثر الموقع، ومن القران الكريم، حتى غذا صناعة من الصناعات وغرضا من الأغراض الشعرية، أو مجرد كتابة فارغة مثقلة بكل محسن بديعي، أم هو هذا القرار القافوي الذي يميز الشعر عن التقطيع الداخلي القائم على الفواصل في النص النثري من قبيل السجع والتجنيس، بما تقتضيه هذه الفواصل أحيانا من بنيات عروضية، تغري الشاعر العربي بالبناء عليها، وبالتالي الانفتاح على التفعيلة بديلا للوزن الشعري ما دامت تحقق للشاعر المعاصر هذه الرغبة، وهذا الفضول لطرق كل الامكانات الجديدة التي تمليها البنيات الايقاعية الصافية في استجابتها للدفقة الشعورية ولنظام السطر الشعري كبديل لنظام الشطرين بوقفاته الثلات، ثم ما تستوجبه هذه الوقفات  من طرق إنشاد قد تحتكم فيه إلى قواعد للنبر، أو تحتملها حين يختفي النص الشفوي ليحل محله النص المكتوب؟؟

طبعا لا أحد يجادل في كون الوزن ظل أحد أهم المكونات الأساسية التي تميز بين الشعر وبين غيره من الفنون الأدبية المعروفة، على خلاف القافية التي اعتبرت دوما شريكة الوزن في الاختصاص بالشعر. وفي ذلك يقول ابن رشيق:

"الوزن أعظم أركان حد الشعر، وأولاها به خصوصية، وهو مشتمل على القافية، وجالب لها ضرورة، إلا أن تختلف القوافي، فيكون ذلك عيبا في التقفية لا في الوزن، وقد لا يكون عيبا نحو المخمسات وما شاكلها".[8]

إن تخلي الوزن والقافية عن دورها الرئيسي في إعطاء مفهوم متكامل لحد الشعر المعاصر، ليس معناه التنازل عن سلطة الوزن في صياغة هذا المفهوم، وإنما هو تنازل لوضع حدود جديدة، كانت دائما تنطلق من الوزن لتميز داخل الشعر بين القريض، وبين غيره من الأنماط الشعرية التي كانت تحيى إلى جانبه، دون تخليها عن الأوزان التقليدية. وربما لهذا السبب بقيت ضمن حدود الشعر من الوجهة النقدية القديمة، مثل: المسمط، والمخمس، والمزدوج، والرجز بأنواعه الثلاثة غير المشطور والمنهوك والمقطع الذي يبنى على جزء واحد. وقد أشار ابن رشيق إلى نوع شعري غريب، يسمونه " القواديسي" تشبيها بقواديس السانية، لارتفاع بعض قوافيه من ناحية، وانخفاضها من الجهة الأخرى.

وعلى هذا الأساس في الاستعمال المتوارث عن شعراء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، عانت كل المحاولات التي جاءت على البحور المهملة، والسلسلة، والدوبيت، والقوما، والمواليا، من دخول حلبة الشعر، رغم حضور الوزن فيها. وما يقال عن هذه الأنواع يقال أيضا عن الأزجال والموشحات، فهي الأخرى عانت في بدايتها من ولوج المدونات الرسمية بسبب تخليها عن القوانين التي سارت عليها القصيدة العربية، في تمام بيتها وزنا ومعنى وقافية، وعدِّها من الفنون الشعرية التي تنتمي إلى حضيرة النظم. ولقد قوبلت القصيدة المعاصرة في دعوتها إلى التجديد بعنف شديد  في مراحل نشأتها الأولى هي الأخرى حتى من مبدعين كبار كانوا قد وجدوا أنفسهم  في كثير من الأحيان منفيين ضائعين  وسط لغط لغوي وإيقاعي لا ضوابط تربط بين مكوناته..

وهذا معناه بقتضي إيجاد حدود وضوابط مرسومة لهذا النمط الشعري الجديد، حتى لا تلتبس أنساقه الايقاعية بالأنساق العروضية أو الإيقاعية للقريض مثلا،

آراء نازك الملائكة في هذا الباب واضحة، وفيها نوع من المرونة في التعامل مع هذه التجربة لمن يريد أن يقترب من  رؤيتها دفئها، لكن هل يمكن اعتبار نظريتها ناضجة الى الحد الذي لا يمكن تجاوزها.. الشعر تجريب، ومراس ومثاقفة، وتحكمه ظروف نفسية وسياسية,,,وكونية إنسانية...ولذلك لم تستقر نظرية من النظريات الشعرية الحديثة على قرار واحد، يمكن الأخذ بقوانينه وقواعده، خاصة حين يتعلق الأمر بالبنيات المعقدة والتي لا يشبه بعضها البعض، مَثَلُ القصيدة المعاصرة مثل الموشحة، لا بيت لها لا قرار، تجريب  يلاحقه تجريب، أو بناء فوقه بناء.

فقضية الشعر" الحديث" أو "المعاصر" لا تشكل ردة فعل سالبة  وموجبة في آن معا ، على الأنماط الشعرية السابقة، وإنما تشكل إلى جانب ذلك انعطافة حاسمة في تاريخ شعرنا، تبدو مرتبطة بتحول عميق في الاختيار الفكري والروحي والإبداعي لقسم كبير من النخبة العربية. ناهيكم عن العلاقة العضوية المؤكدة بين ولادة الشعر العربي وتطوره، وتوجهاته، وبين مجموع الظروف التي حاولت القصيدة المعاصرة أن تتحقق وسطها

ـ واستحضارنا لهذه الأنماط المختلفة في تاريخ الشعر العربي، يساعد بصورة أكثر مباشرة على فهم الأطوار المتباعدة لتطور البيت العربي، هذا التطور الذي سيشكل بالنسبة للشعراء المعاصرين مصدر إلهام شعري وتبريرا تقليديا لتجديداتهم الإيقاعية التي تندرج ضمن موسيقى الشعر بمكوناتها المتمثلة في مستويات أربعة التي هي الوزن والقافية والمعنى إضافة إلى عنصر الإلقاء الذي صار اليوم أشد أهمية في الشعر الحديث كعنصر متحكم في تأويل التداخل بين التمفصل الدلالي والتقطيع النظمي والتوزيع الفضائي لتوليد مستويات متعددة من الدلالة

لذلك لم يكن غريبا أن يستحضر الشاعر المعاصر النسق العروضي اللامتناهي، فيعمد إلى البناء على نقيضه المتمثل في كل الامكانات العروضية التي يطرحها مفهوم البيت في توليد بنيات إيقاعية شبيهة بالبنيات العروضية للأشكال الشعرية المزاحمة للقصيدة العربية التقليدية ومعماريتها الثابتة

وقد تتبعنا  ذلك في كتابنا حينما عرضنا للرجز، الذي أغرى الوشاحين بتبني نظام الشطر، وصولا إلى نظام الموشحات، التي يغيب معها مفهوم البيت، فاسحا المجال للتسميط والتطريز والترصيع لتنازع العروض سلطته، بحيث لم تترك له سوى الفضاء الخارجي الذي يوفره اتساق التفعيلات في القصيدة الحديثة، أي أمام وزن نثري يقوم هناك على الأسجاع والتوازنات الترصيعيية الصوتية داخل الأوزان العروضية. من قبيل ما يطالعنا في أشعار نخبة من شعرائنا الذين اختاروا بناء أشعارهم على نظام التفعيلة دون الخروج عنها، غير آبهين بمفهوم البيت أو الشطر، أو بمفهوم السطر نفسه، بحيث يختفي النسق العروضي في النسق الحر وتغييب العروض (باعتباره بيتا وشطرا وتفعيلة) تغييبا مطلقا أو شبه مطلق. بل لا يمكن الشعور به إلا عن طريق التقطيع، أو التأويل إذا تطلب الأمر البحث عن التقطيع النظمي والتمفصل الدلالي كقيمة ايقاعية ستفسح المجال للتضمين الداخلي والخارجي لكي يلعب دورا أساسيا في الخروج من وزن إلى آخر أو من تفعيلة إلى أخرى بعيدا عن الوقفة الثلاثية التي ميزت البيت التقليدي القديم

وفي هذا الموقع من استحضار الأنساق الوزنية القديمة ومحاورتها يندرج شعر المحتفى به حسن الأمراني باعتباره من رواد القصيدة المعاصرة التي نحثث جماليها الايقاعية من استلهام الثراث الشعري بأنساقة المتعددة، يمثل بعضها انزياحا عن بعض، وذلك في مثل قوله من قصيدة:  بيروت الدم


تتحوَّلُ كلُّ السنابل
كل القنابل
...والـ
كل الجياد الجريحة
كل البلاد الكسيحة
كل الجبال...
...رجالا تقاتل في خندق واحد
ثم يشتعل القلب بالفرح المتوحش
.والوحشة الزاحفة
لسيدة تسكن البحر
أعلنُ أني تجردت من كل ثوب مَخِيطٍ
ولا أرتدي غيرها
إنني العاشق اللابسُ الموتَ
والرعشة الأبديهْ
وأنا لا أرى غير أفئدة مطفأه
لسيدتي الغجريةِ ـ قامت قيامة كل العواصم
حتما سترحل كل العواصم عن صمتها
ثم تبقى ـ على العري ـ ببيروت سيدة المدن العربيه
أنا لا أغني
ولكنني أنسج الآن من حَزَنِ البحر
من صلوات الجبال رداء امرأه
تتمدد بين محيطين
مرت عليها سنابك خيل المغول
فلم تتألم ولا فقدت وجهها المستنير
ومرت عليها سنابك خيل ملوك الطوائف
..فانتفضت
جردوها من الدفء يا ويلتا
أوقفوها على شفة الروم عاريةً
فمن خبَّأَ الحزنَ خلف المحاجر؟
من خبَّأَه؟
***
لسيدة تسكن البحرَ
أَوْرَ قَتِ البندقيةُ حُزْناً

أو قوله:

شَرَّدَتْـكَ البِلادُ الحَبـيبَةُ

واحْتضَنَتْـكَ المَنافي.

أيُّها العاشِقُ المُتغَرِّبُ في الذاتِ

أو في البلادِ العَريضَةِ

قدْ شرَّدَتْـك الحُروفُ

وأسْلمَـكَ الأهْلُ للّـيْل

غَرَّبَكَ العِشقُ واحْتَضَنَتْـك السُّجونْ.

 

فإذا كان شاعرنا قد وجد في النظام الذي خلفته الكلاسيكيات الشعرية القديمة، ما يساعده على التقدم خطوة نحو بنية إيقاعية تكون وعاء مناسبا لما تحبل به الأسرار الشعرية  الجديدة  من معان ورؤى، تسعى للانفلات بدورها من كل قيد، فإنه من حيث المبدإ العام لم يخرج عن بحور الخليل ونظامه، وإن كان قد تخلى عن وحدة البيت واستقلاليته لفظا ووزنا ومعنى

والحال هذه، فإنه يجب أن لا ننسى أن الشاعر قد وُجد في زمان "التجربة" المعاصرة، إلى جانب كونه أستاذا جامعيا منظرا ومهووسا بثقل الكلمة وبما تناشده من آلام وآمال..كل هذا جعل منه شاعرا حداثيا مهووسا بالطرح الجديد للتجربة الشعرية الحديثة، التي لم تعد تولي للبيت أي اهتمام يذكر، بل وقع التركيز في هذه المرحلة على ما يمكن تسميته بمزايا الكتابة بالتفعيلة، نظرا لارتباطها بالحالة النفسية أو الشعورية التي يصدر عنها الشاعر. فالحالة الشعورية أو المعنى هما المتحكمان في طول الأسطر أو قصرها، شريطة ألا يتجاوز السطر ثمان تفعيلات، أي أقصى ما يصل إليه عددها في البيت التقليدي. ويمكن أن يصل إلى عشر أو إثني عشرة تفعيلة. أما إذا زاد على ست عشر تفعيلة اعتبر جملة شعرية طويلة.

وقد جرب شاعرنا جميع الامكانات المتاحة، فحقق نوعا من التصالح بين القصيدة الحديثة والقصيدة القديمة، فالتزم في اغلب أسطرها بالأوزان الصافية التي منها هذا الوزن الذي يقوم نظام الشطر فيه على فاعلن، وقد كان التدوير الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا التصالح الذي يغيب أحيانا كثيرة في جملة من التجارب الشعرية، ومن بينها تجربة المجاطي في قصيدة "الفروسية"

فالسطر الشعري فيها لا يقوم مقام الشطر، وإنما يخضع لطبيعة الجملة الشعرية والدفقة الشعورية، ولعل هذا هو ما جعل الشاعر يحطم وحدة البنية الايقاعية في قصيدته هذه، ويجمع فيها بين وزنين هما: الرجز(مستفعلن) والمتدارك(فاعلن)

وإنطلاقا من هذه النماذج التي ترقى في نظرنا إلى مستوى الكفاية التمثيلية للقصيدة المعاصرة، وما أكثرها، يمكن أن نخلص إلى القول بأن الأنساق الايقاعية في التجربة الحديثة لا تخص النغم أو الموسيقى أو حتى الوزن في شموليته، فذلك لم يعد من الضروري أن يكون تقليديا أو موروثا أو مفروضا مسبقا على الشاعر، بعد أن أصبح للشاعر كامل الحرية في إيجاد إيقاعه الخاص ولعل هذا هو ما يميز المفهوم الحديث في الشعر عن المفهوم القديم الذي كان يصر على نوع معين من قواعد الوزن والقافية.

 

 



[1] ـ نحيل هنا على التعريفات الكلاسيكية لمفهوم الشعر بدءا من أرسطو( فن الشعر: ) ومرورا  بقدامة بن جعبفر ( نقد الشعر: )، وحازم القرطاجني  ( منهاج البلغاء وسراج الأدباء: )، وانتهاء بالدراسات المعاصرة و الحديثة في الموضوع، بدءا من  دراسة نازك الملائكة، وما تلاها من اجتهادات تطول اللائحة بذكرها.

[2] ـ قضايا الشعرية : 10.

[3] ـ نظرية المنهج الشكلي . 81

[4] ـ قضايا الشعرية: 34

[5]  ـ [5] كوهين :52 ـ 53

[6] ـ وسواء كان علماء الأصوات أنفسهم ليسوا متفقين على طريقة واحدة في إنشاد بيت شعري، وأن المنشدين لا ينشدونه بطريقة واحدة ، وأن الفوارق تظل كبيرة أحيانا، وأن الشعراء لم يهتموا أبدا بوضع أدنى علامات تُبيِّن التقسيم الموسيقي لأشعارهم، وفيما يرجع إلى الايقاع خاصة، فإن تعيين موقع النبر  بعلامة يظل أمرا ميسورا ـ بحسب رأي  جان كوهين ـ وفي ذلك يقول : "وإذا ما شئنا أن نقف عند المعطيات الموضوعية المسلمة، فينبغي أن نمسك بما حدده الشاعر صراحة أي بالنص المكتوب. ففي المعطى الخطي نتمنى أن نجد الصفة التي نبحث عنها". كوهين 54

[7] ـ كوهين 51

[8]ـ العمدة: 1/ 268.

Publicité
Publicité
30 juin 2016

نحو قراءة إيقاعية للنص الشعري القديم*

الملخص :

قد يخيل إلينا، أن إشكالية الوزن والغرض، كان يجب أن تنتهي عند حدود الذوق والاستقراء الجزئي، وألا تقف عند أحضان المنهج النفسي وعيوبه، والارتكان إلى نتائجه التي تدعي أنها تستمد أصولها من الدرس الإيقاعي الحديث.

فالنتيجة في النهاية لا تعدو، إثبات هذه العلاقة عند فريق، ونفيها عند فريق آخر. بل ما كان عليها أن تدخل مجال الإحصاء الموسع، وكذا متابعة الإشكالات النقدية التي تميل نحو التنظير للموضوع، واختبارها من خلال ما توفره النصوص الشعرية من نماذج تكتسي صفة الكفاية التمثيلية.

ونحن، إذ نعيد -الآن- مساءلة هذا الموضوع ، انطلاقا من هذه المداخلة التي نختار أن يكون عنوانها هو : " نحو قراءة إيقاعية للنص الشعري القديم "، فإنما نريد، أن ننبه إلى القيمة التي يجب أن يحظى بها الطرح النظري لوظيفة الجانب الصوتي في شموليته، باعتباره عنصرا بنائيا في الشعر، وذلك من خلال اعتماد مبدأ "التناسب" الذي يقوم في جانب كبير منه، عند حازم، على علم البلاغة الكلي الذي لا تتبين علوم اللسان الجزئية ومباديه إلا فيه.

وحتى نمضي، جميعا، بهذه الإشكالية التي رسمها حازم، نختار أن ننهي مداخلتنا -هذه- باستعراض مجموعة من الإشكالات النقدية، كان حازم قد اعتذر عن الخوض فيها لتشعبها، وربما لاحتياجها إلى مقاربات كثيرة لا تستجيب لطبيعة رؤيته النقدية القائمة على التنظير، لا التطبيق.

نص المداخلة:

إن اختيار مبدأ " التناسب "، منطلقا لفهم إيقاع النص الشعري القديم، لم يكن اختارا عشوائيا، فهذا المبدأ شكل منذ بدايات ما قبل التنظير أساس القيمة الجمالية في الشعر والفن بصفة عامة.

فقد نشأ الشعر العربي ضمن ثقافة صوتية سماعية، تدرك بالاستجابة المباشرة، والقائمة على الذوق والحس المرهف المدرب، ما للتناسب من قيمة كبيرة في صيانة الشعر من الخلل، وزيادة حظه من الجمال. حيث لم يقف الأمر عند تقويم الأخطاء الإيقاعية، أو الفخر بالبراءة منها، بل تجلى أيضا في الإحساس بتفاوت والقوافي وجمالها، وفي الاقترانات المعنوية التي تميز هذا البيت عن غيره. وتبع ذلك أن ترجم هذا الإحساس إلى مجموعة من النعوت، كانت تصف الكلام بالحلاوة، والطلاوة، والعذوبة، دون اللجوء إلى التحليل والتعليل في الغالب من الأحيان،[1]  أو الاعتماد على نقد موضوعي له قواعد وأصول تمكن من الفحص والتأمل والنظر.

ونقاد الشعر، قبل حازم، وإن لم يستعملوا مصطلح " التناسب"، فإنهم راموا غيره من الاصطلاحات القريبة منه، " كالموازنة "، و" المشاكلة "، و" التلاؤم "، و" التشابه "، و" الاتلاف"، فجعلوها من شروط فصاحة الكلام، وقواعده البلاغية، وذلك أثناء حديثهم عن " اللفظة" في انفرادها، وائتلافها، وارتباطها " بالمعنى"، أو في أثناء حديث بعضهم عن" الوزن" وعلاقته باللفظ، أو في علاقته بالمعنى، ضمن علاقة أفقية، تضمن للبيت، إلى جانب استقلاله، سلاسته وإيقاعه. وهو ما عبر عنه ابن طباطبا بقوله :

" وللشعر الموزون إيقاع يطرب الفهم لصوابه، ويرد عليه من حسن تركيبه، واعتدال أجزاءه، فإذا اجتمع للفهم مع صحة وزن الشعر، صحة المعنى وعذوبة اللفظ، فصفا مسموعه ومعقوله من الكدر، تم قبوله له، واشتماله عليه، وإن نقص جزء من أجزائه التي يعمل بها، وهي: اعتدال الوزن، وصواب المعنى، وحسن الألفاظ، كان إنكار الفهم إياه على قدر نقصان أجزائه".[2]

ويهمنا من هذه العناصر التي أشرنا إليها " ائتلاف الوزن والمعنى"، فقد ذكر قدامة من نعوته : " أن تكون المعاني تامة مستوفاة، لم تضطر بإقامة الوزن إلى نقصها عن الواجب، ولا الزيادة فيها عليه، وأن تكون المعاني أيضا مواجهة للغرض، لم تمتنع عن ذلك، وتعدل عنه من أجل إقامة الوزن والطلب لصحته ".[3]

فإذا طال المعنى، أن يتحمل العروض بتمامه في بيت واحد وأكمله في البيت الثاني كان عيبا.[4]

وقد تطرق ابن سنان الخفاجي إلى هذه العلاقة الأفقية، بصورة أوضح، من خلال نقطتين  اثنتين :

-أولهما ألا تقع الكلمة حشوا لإصلاح الوزن، إلا إذا أريد بها فائدة زائدة، واستدل على ذلك، بقول أبي الطيب المتنبي:

وتحتقر الدنيا احتقار مجرب          ترى كل ما فيها، وحاشاك، فانيا

وعلق على ذلك، بقوله: " لأن، حاشاك -هنا"، وإن كان الكلام دونها صحيحا مستقيما "فقد أفادت مع إصلاح الوزن دعاء حسنا للممدوح في موضعه".[5]

-وثانيتهما : مراعاة التناسب في المقدار، إذ لا يسمح باختلاف البيت في الطول والقصر.[6]

إن هذه العلاقة الأفقية التي انصبت على جانب اللفظ والمعنى، في إطار حدود البيت، أو الوزن الذي يتخذ فضاء للمعنى،[7] لا ينفصل فيه الوزن عن اللفظ - من أجل أن يتحقق للبيت (لفظا ومعنى ووزنا) سلاسته واستقلاله، هي التي أغرت حازم ببحث إشكالية الوزن والغرض، استنادا إلى مبدأ التناسب الذي جعله عمود نظريته في الشعر.

وقد أهله لطرح هذا المبدأ، احتكامه إلى علم البلاغة، التي لا تتبين علوم اللسان الجزئية ومباديه إلا فيه،[8] فعضد أحكامه بالآراء المنطقية والحكمية والفلسفية والموسيقية، وما تأتى له من إحاطة شاملة بقضايا الشعر والنقد العربي واليوناني، ناهيك عن إلمامه الكبير بعلم العروض، ومكانته الشعرية بين شعراء الأندلس والعرب قاطبة. فنظرا لما يكتسيه مبدأ التناسب هذا، من قيمة تضمن للشعر غاياته التخيلية، وخاصياته الجمالية، إنشادا أو سماعا، لم يتوان حازم في التبصير بقواعده وقوانينه، وإعادة صياغتها في سلك جامع، يقوم على تخييل الأشياء في ذاتها، وفي انتظاماتها، وفق منطق يراعي أوجه التناسب والتشاكل بين المفهوم والمسموع من القول.[9] حيث يقول:

" إن معرفة طرق التناسب في المسموعات والمفهومات، لا يوصل إليها بشيء من علوم اللسان، إلا بالعلم الكلي في ذلك، وهو علم البلاغة الذي لا تندرج تحت تفاصيل كلياته ضروب التناسب والوضع، فيعرف حال ما خفيت به طرق الاعتبارات من ذلك، بحال ما وضحت فيه طرق الاعتبار، وتوجد طرقهم في جميع ذلك تترامى إلى جهة واحدة، من اعتماد ما يلائم، واجتناب ما ينافر".[10]

استنادا إلى تلك الاعتبارات في تناسب المسموعات، وتناسب انتظاماتها، وكون المناسبات الوزنية، تدخل تلك الجملة، انتهى حازم إلى أن تلاؤما حميما يقع بين الأوزان والأغراض الشعرية، ويشد بعضها إلى الآخر ويستدعيه، وهو ما عبر عنه بتوافق "المسموع" و" المفهوم"، نقلا عن ابن سينا في تعداد الأمور التي تجعل القول مخيلا، يقول هذا الأخير:

" والأمور التي تجعل القول مخيلا: منها أمور تتعلق بزمان القول وعدد زمانه وهو الوزن، ومنها أمور تتعلق بالمسموع من القول، ومنها أمور تتعلق بالمفهوم من القول، ومنها أمور تتردد بين المسموع والمفهوم.[11]

" فالوزن" و" المسموع من القول"، ينتميان إلى المستوى الصوتي الموسيقي، و" المفهوم من القول"، ينتمي إلى المحتوى الدلالي، أما " المتردد بينهما "، فالراجح أن يكون ما عبر عنه البلاغيون العرب، في حدود البيت، بالوزن والمعنى، فيما يتسعان له من ظواهر صوتية مثل التجنيس والقافية.

إن معرفة طرق جهات التناسب الصوتي في الخطاب الشعري، لا ينفصل فيها الوزن بأية حال عن مادة الشعر، وهي لغته، في تركيب حروفها، وتنسيق ألفاظها وعباراتها، بحيث تكشف عن التفاعل الوثيق بين العمل الأدبي والعالم والمبدع والملتقي على السواء.

ولعل هذا، هو ما دفع حازم إلى النظر في تحقيق التناسب بين المسموعات من الأوزان، والنظر في تجزئتها من منظور بلاغي يراعي تناسب المسموعات في انتظاماتها، مؤكدا أن من كان له أدنى بصيرة، لم يخالجه الشك في أن الصحيح، ما استند إلى علم اللسان الكلي الذي لا تتبين أصول علوم اللسان الجزئية ومباديه إلا فيه.[12]

وفي هذا المعرض أشار، أيضا، إلى أن قيام علم البلاغة (النقد الأدبي)، يغدو مستحيلا ما لم يعتمد على أصول منطقية وآراء فلسفية حكمية، وقوانين موسيقية، يستعان بها في معرفة جهات تناسب الأوزان، وتجزئتها المتناسبة، دون إغفال للأذواق الصحيحة، وللسماع الشائع عن فصحاء العرب، وأصول علم العروض.[13]

صحيح أن التناسب، يمثل أساس قيمة الأوزان في ذاتها، ولكن هذا الأساس قد يختلف من وزن إلى آخر، استنادا إلى قاعدة عامة، مفادها أن القيمة الصوتية للأوزان بنوعيها البسيط والمركبة، رهينة باكتمال مجموعة من الخصائص الصوتية المستقلة التي تشكل مستويات متعددة للتناسب.[14]

فالأوزان تكتسب أوصافا، بحسب قوة " المشاكلة " و" المناسبة " بين الأجزاء، وبحسب ما تكون عليه الأجزاء من " كزازة "، و" جعودة "، أو" سباطة "، أو" لدونة "، أو" اعتدال ". وذلك بحسب أعداد المتحركات والسواكن في كل وزن منها، وبحسب نسبة عدد المتحركات إلى عدد السواكن، وبحسب ترتيب وضع بعضها من بعض، وبحسب ما تكون عليه مظان الاعتمادات، كأن تكون " قوية شديدة " أو" ضعيفة لينة "، أو" معتدله ".[15]

وتلك الصفات هي:" المتانة "، و" الجزالة "، و" الحلاوة "، و" اللين "، و" الطلاوة "،       و" الخشونة "، و" الرصانة "، و" الطيش "،[16] إلى غير ذلك من الصفات التي يتضمنها النص التالي:

" فالعروض الطويل تجد فيه أبدا بهاء وقوة، وتجد للبسيط سباطة وطلاوة، وتجد للكامل جزالة وحسن اطراد، وللخفيف جزالة ورشاقة، وللمتقارب سباطة وسهولة، وللمديد رقة ولينا، مع رشاقة، وللرمل لينا وسهولة".[17]

وهي صفات تساهم في إحداث تأثيرات قوية في النفس الإنسانية، باعتبارها مدخلا لتحديد كيفية مناسبة الوزن للغرض، حيث تتحول من أنماط وتركيبات إيقاعية مجردة، إلى إيقاعات نفسية، تتماشى وطبيعة الغرض الذي يناسبها.

ولما كانت ، أيضا، أغراض الشعر كثيرة :" وكان منها ما يقصد به الجد والرصانة، وما يقصد به الهزل والرشاقة، ومنها ما يقصد به البهاء والتفخيم، وما يقصد به الصغار والتحقير"،[18] فإنه ليس بالضرورة أن تكون كل الأوزان مناسبة لكل الأغراض، بل يجب أن تحاكى تلك المقاصد بما يناسبها من الأوزان ويخيلها للنفوس.

إن مثل هذه الصفات الذاتية، وهذا التميز بينها، جدير ببحث هذا التصور الذي انتهى إليه حازم عن تناسب الوزن والغرض، ومن الوجهة الإيقاعية.

فالتخيل - كما أشرنا- يتحقق "بالمسموع" و" المفهوم من القول"، والصلة بين الاثنين، هي ما يمكن أن نسميه " بالغرض" الذي يتشكل من خلال المفهومات (المعاني)، ويبحث لنفسه - بعد تشكله- عن أوزان تناسبه وتتجانس مع محتواه، بحكم خصائصها الصوتية المستقلة، فتخيلها في النفوس.

إن هذه المعطيات، هي التي كانت وراء القول بضرورة أوجه التناسب بين الأوزان والأغراض الشعرية، تناسبا جدليا، يلخصه النص التالي :

" فإذا قصد الشاعر الفخر حاكي غرضه بالأوزان الفخمة الباهية الرصينة، وإذا قصد في موضوع قصدا هزليا أو استخفافيا، وقصد تحقير شيء أو العبث به حاكى ذلك بما يناسبه من الأوزان الطائشة القليلة البهاء، وكذلك في كل مقصد ".[19]

هذا النص، على تعدد أبعاده ودلالاته، يعتبر خلاصة مبحث تناسب الوزن والغرض عند حازم. ونظرا لأهمية الموضوع، وتعدد قضاياه وتشابكها، فقد أوضح حازم ان للأوزان اعتباران:

-اعتبار من جهة ما تليق به من الأغراض.

-واعتبار من جهة ما تليق به من أنماط النظم.

وفي ذلك يقول :" ومنها أعاريض فخمة رصينة، تصلح لمقاصد الجد كالفخر ونحوه، نحو عروض الطويل (وفئة … 3/1 سطر، حذف)، وكثير من مقصرات ما سواه من الأعاريض.

" ومنها أعاريض تليق (2/1 سطر …) مقاصد التي تحتاج إلى جزالة نمط النظم، يجب أن تنتظم في سلك الأعاريض التي من شأن الكلام أن يكون نظمه فيها جزلا، نحو عروض الطويل والكامل.

و " أما المقاصد التي يقصد فيها إظهار الشجو، والإكتئاب، فقد تليق بها الأعاريض التي فيها حنان ورقة، وقلما يخلو الكلام الرقيق من ضعف مع ذلك، لكن ما قصد من الشعر هذا المقصد، فمن شأنه أن يصفح فيه عن اعتبار القوة والفخامة، لأن المقصود بحسب هذا الغرض، أن تحاكي الحال الشاجية بما يناسبها من لفظ ونمط تأليف وزن، فكانت الأعريض التي بهذه الصفة غير منافية لهذا الغرض، وذلك نحو المديد والرمل،[20] فهما -عنده- أليق بالرثاء وما جرى مجراه منهما بغير ذلك من أغراض الشعر.[21]

وإذا كان حازم في هذا النص، يشير إلى أن لتناسب الوزن والغرض، أبعادا متعددة، تقوم في مجملها على المعنى، والأسلوب، والنظم، والوزن، فإنه في نص آخر، يطالعنا بمجموعة من المعطيات، يجب أخذها بعين الاعتبار في فهم إيقاع النص الشعري. فبعد دراسته لأنماط الكلام العربي دراسة أسلوبية، من حيث ما يعتريه من قوه ومتانة وجزالة، أو ضعف وليونة ورقة، انتهى إلى أن لكل وزن طابعا يصير نمط الكلام مائلا إليه، بحسب ما بين الشعراء من اختلاف في الطبائع. وفي ذلك يقول:

" إن الشاعر القوي إذا صنع شعرا على الوافر، اعتدل كلامه وزال عنه ما يوجد فيه مع غيره من الأعاريض القوية من قوة العارضة وصلابة النبع.[22]

وأشار أيضا إلى أن الشاعر القوي، إذا قال في المديد والرمل، ضعف كلامه، وانحط عن طبقته في الوافر كانحطاطهما في الوافر عن الطويل.[23]

بينما لاحظ أن كلام الشعراء الضعفاء في الوافر، وما أشبهه من الأعاريض المتوسطة أقل قبحا، بل إنهم حين يلجئون إلى الأعاريض الطويلة، أو القصيرة، فإن ضعفهم يبدو واضحا للعيان. ففي الأعاريض الطويلة التي تفضل عن المعاني، تجدهم يكثرون من الحشو وقبح التذييل لدرجة تتخاذل معه بعض أجزاء الكلام عن بعض. أما في الأعاريض القصار، التي تفضل فيها المعاني فيضطرون إلى التكلف والحذف المخل، فلذلك كان حالهم في نظم الشعر مضادا لحال الأقوياء من الشعراء.[24]

وذهب حازم إلى أبعد من ذلك، فتتبع كلام الشعراء في جميع الأعاريض، فوجد الكلام الواقع فيها تختلف أنماطه بحسب اختلاف مجاريها من الأوزان ووجد الافتتان في بعضها أعم من بعض:" فأعلاها درجة الطويل والبسيط، ويتلوهما الوافر والكامل، ومجال الشاعر في الكامل أفسح منه في غيره، ويتلو الوافر والكامل عند بعض الناس الخفيف، أما المديد والرمل ففيهما لين وضعف، وقلما وقع كلام فيهما قوي إلا للعرب، وكلامهم مع ذلك في غيرهما أقوى … أما المنسرح ففي اطراد الكلام عليه بعض اضطراب وتقلقل، وإن كان الكلام فيه جزلا، فأما السريع والرجز، ففيهما كزازة، فأما المتقارب فالكلام فيه حسن الاطراد، إلا أنه من الأعاريض الساذجة المتكررة الأجزاء، فأما الهزج ففيه مع سذاجته حدة زائدة، فأما المضارع ففيه كل قبيحة ".[25]

وتكمن أهمية هذا النص -على طوله- في الجمع بين نسبة شيوع الوزن، وما يصلح له من نمط القول، ولعل حازم تعمد القيام بهذا الاستقراء، ليكون له سندا، يعضد به آراءه في الموضوع، ويدل به على حسن الاختيار والتدبير.

إن هذه الرؤية التي عالج بها حازم الأوزان الشعرية، بحيث لا تنفصل فيها الأوزان عن البنية الإيقاعية التي لا تنفصل هي الأخرى عن البنية الدلالية للقصيدة العربية، تعتبر - في نظرنا- من أنظج القراءات التي يمكن التعويل عليها في فهم إيقاع النص الشعري القديم.

إلا أن اختزال النتائج التي توصل إليها الناقد، في شكل خلاصات دقيقة، أمر لا يغري الباحث في العلوم الإنسانية، لذلك تجدنا ندعو إلى توسيع دائرة البحث، من خلال طرح الإشكالات التي يولدها موضوع تناسب الوزن والغرض، فتتولد به من جديد، وتعيد تأسيسه من منظور حازم القرطاجني.

وبهذه المناسبة أذكر بالسؤال الذي يطرح نفسه، وهو : هل خص حازم القرطاجني كل وزن بغرض معين ؟ أو حدث أن أعلن عكس ذلك؟

إن نظريته لا تفيد أجوبة صريحة بهذا الشأن، صحيح أنه اكتفى بإبراز بعض القوانين الظاهرة والمتوسطة، واعتبر من تفهمها وأحكما، قادر أن ينفذ منها إلى أسرار هذه الصنعة ودقائقها. وصحيح أن بعض الأوزان تكون أليق ببعض الأغراض، كما أثبتت إحصائيات كثيرة، إلا أن هذه القاعدة لا تطرد في كل الأحوال، نظرا لتعدد أصناف القول والمهيئات والدواعي التي تؤلف بينها، في ظهور الاختلافات الحاصلة باختلاف الشعر نفسه، بحسب طرقه وأنماطه، ثم بحسب اختلاف أحوال الشعراء، واختلاف ملكاتهم وطبائعهم، وقدراتهم الذاتية وتباين بيئاتهم وأزمانهم، وما يوجد فيها مما شأنه أن يوصف ويتعلق به، ثم بحسب اختلاف الأشياء، وما يليق بها من الأوصاف والمعاني، ناهيك عن أحوال المخاطبين، وتباينهم، وما يليق بهم، ويتعلق بأذواقهم المختلفة من الأوصاف والمعاني والأوزان.[26]

أوجه مختلفة لإشكالية واحدة، لا مفر من استنطاقها. ومحاولة تفكيك الموضوع على ضوئها.

ولعل من بين أكثر الدلالات النقدية وأهمها في فهم إشكالية الوزن والغرض، هي التي اعتذر حازم القرطاجني عن ذكرها، لتشعبها وتعذر استقصائها، من ذلك :

-بحث كل نمط من أنماط اللفظ، وما يصلح له من أنماط المعاني والنظم والأساليب والأوزان.

-معرفة ما يصلح لكل نمط من المعاني، من أنماط اللفظ والنظم والأساليب والأوزان.

-معرفة ما يصلح لكل وزن، من أنماط اللفظ والمعنى والنظم والأسلوب

-التمييز بين ما يكون ملائما لهذه الأنماط، وما يكون منافرا لها.[27]

وفي انتظار أن تتضافر الجهود لتقليب الموضوع على جميع مستوياته المتعددة، نتمنى أن تكون قد ساهمنا ولو بقسط ضئيل في تقريب النص الإيقاعي من القراءة والتأويل.

 

 

تطوان : الخامسة من صباح 05-03-2000

د. عبد الإله كنفاوي



[1] ـ راجع: تاريخ النقد الأدبي عند العرب من العصر الجاهلي إلى القرن الرابع الهجري ، لطه أحمد إبراهيم. دار الحكمة، بيروت-لبنان (د.ت)، ص: 24-25، وتاريخ النقد الأدبي عند العرب-نقد الشعر من القرن الثاني حتى القرن الثامن الهجري" لإحسان عباس، دار الشروق، عمان-الأردن: 1986، ص" 14، "والنقد واللغة في رسالة الغفران"، أمجد الطرابلسي، مطبعة الجامعة السورية، دمشق " 1951، ص: 12.

[2] ـ عيار الشعر. ابن طباطبا العلوي، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت1982، ص: 11.

[3] ـ نقد الشعر، قدامه بن جعفر -تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان (د.ت)، ص: 69

[4] ـ نفسه : 166

[5] - سر الفصاحة، ابن سنان الخفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان : 1982، ص :146-147

[6] - نفسه : 192-193

[7] - استعمل مصطلح "معنى" في النقد العربي، بمعان يهمنا منها : الدلالة على الفكرة الجزئية التي يتضمنها اليبت، أو الجزء من البيت حين يستقل بمعناه، وهو بهذا المعنى يرادف الصورة الذهنية من حيث وضع بازاتها اللفظ.

 

[8] ـ - المنهاج : 247-244.

[9] - فهو يرى أن الشعر لن يعود إليه ازدهاره، إلا بوضوح "منهاج" يهدي عملية التذوق والتحليل والتفسير وبالتالي التقييم على المستوى التلقي، ووضع  "سراج" يضيء عملية التعلم على مستوى الإبداع.  المنهاج 26.

[10] - نفسه : 226-227.

[11]- فن الشعر من كتاب الشفاء ضمن كتاب "فن الشعر" لأرسطو، ترجمة عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت. ط 2/73، ص : 163، وانظر : منهاج البلغاء : 266

[12] - المنهاج : 247-244.

[13] -نفسه : 235-244-258.

[14] - انظر، منهاج البلغاء : 227، 243، 245، 249، 267، 238.

[15] - فالأوزان "السبطات" بسكون الباء، أو كسرها -هي التي تتوالى فيها ثلاث متحركات تمنح الوزن لدونة وتدفقا واسترسالا وسهولة واستواء.

و" الجعدة" هي التي تتوالى فيها أربعة سواكن من جزءين، أو ثلاثة من جزء، "ويعني بتواليها " ألا يكون بين ساكن منها وآخر إلا حركة" ، يفقد معها الوزن استرساله، ولذلك يوكد "حازم" أن عدد السواكن -في الوزن- يجب أن تكون حائمة حول ثلث مجموع  المتحركات إما بزيادة قليلة أو نقص، ولأن تكون أقل من الثلث أشد ملاءمة من أن تكون فوقه.

أما "المعتدلة"، فهي :" التي تتلاقى فيها ثلاثة سواكن من جزءين، أو ساكنان في جزء".

و"القوية الشديدة"، هي التي يكون الوقوف في نهاية أجزائها على سبب واحد، ويكون طرفاه قابلين للتغيير"

وتكون "معتدلة "، بين القوة والضعف " إذا تركب الضعيف مع القوي، فربما غطى على ضعفه، وخصوصا إذ حدثت في التركيب جعودة كالحال في الخفيف، أما ذا تركيب "الضعيف" مع "المعتدل" لم يخف عنه ضعفه كالحال في المديد . (المنهاج: 260-267)

[16] -نفسه: 267-268

[17] -نفسه :269

[18] -نفسه : 266

[19] - نفسه : 205

[20] - نفسه : 205

[21] - نفسه : 269

[22] - نفسه : 269

 

[23] - نفسه : 270

[24] - نفسه : 268

 

[25] ـ

[26] - نفسه : 374-375

 

[27] - نفسه : 379-380

 

8 avril 2016

قراءة تقويمية عروضية لتحقيقات منجزة في الشعر الأندلسي

 

       إن توخي الدقة في تخريج النص ، والتعليق عليه ، مرورا بعملية القراءة ، ووضع الفهارس ، أو وضع الهوامش ، وتخريج الفروق ، وشرح الغريب ، والإحالة على مظان النقول ، وغيرها، كلها شروط أساسية ، لابد منها أثناء عملية التحقيق ، حتى تتوفر لنا الشروط العلمية الدقيقة ، ونضمن بالتالي للعمل الذي نريد تحقيقه ، مشروعية الاعتماد في الأخذ بنتائجه أثناء البناء والاستنتاج [1] .

       ولعل هذه التجربة المتواضعة التي نريد تقديمها بين يدي المهتمين بحقل الدراسات الشعرية الأندلسية ، تدخل ضمن أحد جوانب هذا المجال . ويتعلق الأمر هنا بتصحيح الأخطاء التي
مست الجانب العروضي ، فمارست تضليلا كبيرا على مجموعة من النصوص والمقطعات الشعرية ، عصفت بقيمتها العلمية عند من لا يأبه بمثل هذه الأخطاء التي تستدعي إعادة النظر في تقطيعها تقطيعا عروضيا مسؤولا ، يضمن لها السلامة والدقة قبل بناء الأحكام .

       فبعد إعادة تقطيع الأشعار الواردة بالدواوين الشعرية الأندلسية ، والمحققة من طرف رجال ذوي كفاءة علمية مسؤولية، تبين لنا أن اثني عشر ديوانا منها ، قد شاب بعضا من تخريجاتها العروضية ، أخطاء وصلت في مجموعها ، اثنان وخمسون خطأ عروضيا ، لا تستحيي الأمانة العلمية من التنبيه إليها ، وإبرازها ، وتعيين مواطنها ، وتقديمها للقارئ في حلة سليمة وصحيحة ، تضمن لمن يأخذ بها مشروعية الاعتماد ، وتجنبها بالتالي كل شائبة شك يمكن أن تحوم حولها ، فتعصف بقيمتها العلمية . وتشمل هذه الأخطاء الدواوين التالية :

 

 

* ديوان ابن عبد ربه : تحقيق وجمع وشرح محمد رضوان الداية . مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط1/1979.

      

أورد له المحقق القطع التالية على غير أوزانها :

       1 ـ القطعة الوارد بالصفحة (42) من مشط السريع ، وليست من الرجز ، كما يذهب محقق الديوان ومطلعها :

" رب بقيع طامس المنهاج "

       2 ـ القطعة / ص : (46) من الكامل ، وليست من البسيط، ومطلعها :

سيف عليه نجاد سيف مثله

في حده للمفسدين صلاح

       3 ـ القطعة / ص : (85) من مجزوء الخفيف ، وليست من الرمل المجزوء ، ومطلعها :

مـا لليلـى تبـدلــت

بعدنــا ود غيرنــا

       4 ـ القطعة / ص : (106) من السريع ، وهي عند المحقق على وزن البسيط المجزوء ، وطالعها :

" وحومة غادرت فرسانها

في مبرك للحرب جعجاع "

       5 ـ القطعة / ص : (121) من الوافر ، وليست من الرمل المجزوء ، ومطلعها :

" وبدر غير ممحــوق

من العقيان مخلــوق "

6 ـ القطعة/ص: (149) من الرجز وليست من السريع، ومطلعها:

"خليت قلبي في يدي ذات الخال

مصفدا مقيدا في الأغلال "

 

* ديوان أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون ، وشرح وتحقيق: علي عبد العظيم، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، الفجالة ـ القاهرة

 

       1 ـ أورد له المحقق القطعة الواردة بالصفحة (182) على وزن الكامل المجزوء ، ولعله وهم في ذلك ، فهي من الرجز المجزوء ، ومطلعها :

يا ليل طل ، لا أشتهي

إلا بوصل ـ قصرك

       2 ـ القصيدة الواردة بالصفحة (154) من مشطور الرجز، وليست من الرجز ، ومطلعها :

" يا دمع صب ما شئت أن تصوبا "

* ديوان محمد بن أحمد بن عثمان القيسي ، أبي عبد الله الحداد، جمع وتحقيق وتقديم منال منيزل ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط1/1985.

 

       أوردت له المحققة :

       1 ـ القطعة رقم (6) على وزن المنسرح ، وهي من السريع ، ومطلعها :

" قلبي في ذات الأثيلات

رهين لوعات وروعات "

       2 ـ القطعتان (39)و(69) من السريع ، وليستا من الرجز، ومطلعهما :

ق:39 = أستودع الرحمان مستودعي

شوقا كمثل النار في أضلعي

ق:69 = يا ليت ملكي مائة ليتهــا

فهي اقتراحي فافهم التعمية

       3 ـ القطعة (43) من السريع ، وليست من مجزوء الكامل، ومطلعها :

" مهد جدير أن يسمى أفـق

فإن فيها كوكبا يأتلـق "

       4 ـ القطعة (64) من المنسرح ، وليست من السريع ، ومطلعها :

" يا من بجسمي ليعده سقـم

ما منه ما منه غير الدنو يبريني "

       وقد عثرت مؤخرا على تحقيق آخر لديوان ابن الحداد ، قام بجمعه وتحقيقه وشرحه والتقديم له الدكتور يوسف علي الطويل دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان ، ط1/90 ، وفوجئت بخلو هذا الديوان من المقطوعة التي أوردتها "منال المنيزل" تحت رقم : "64" . والحقيقة أن هذه القطع التي أتيت على ذكرها ، توجد عند يوسف علي الطويل صحيحة الأوزان .

 

* ديوان المعتمد عباد ، جمع وتقديم : رضا الحبيب السويسي ، الدار التونسية للنشر ، تونس : 1975.

 

       ـ بعد إعادة تقطيع الأشعار ، اتضح لنا أن مجموعة من القطع الشعرية قد نسبت إلى غير أوزانها ، وهي :

       1 ـ القطع رقم (2،3،23،54) وقد جاء بها المحقق على وزن الرجز التام ، وهي من مجزوء الرجز ، وتبتدئ هذه القطع بالأبيات التالية :

ق:2 " يا صفوتي من البشر

يا كوكبا ، بل يا قمر "

ق:3 " قلت : متى ترحمني

قال : ولا طول  الأبد "

ق:23 " جوهرة ! عذبنـي

منك تمادي الـغضب "

ق:54 " أخلفتني وعدك لي

ومـخلفـا  أعهـدك "

       2 ـ القطع رقم (62،94،121) من مخلع البسيط ، وليست من البسيط ، ومطلعها :

ق:62 " قد زارنا النرجس الذكي

وآن مـن يومنا العشى "

ق:94 " بعثت بالرسل انبساطـا

مني على خلقك الجميل "

ق:121 " يا قمرا  أفقه فـؤادي

مقالة لم تشب بإفــك "

       3 ـ القطعتان رقم : (58،101) ، من البسيط ، وليستا من مجزوء ، وطالعها :

ق:58 " تم له الحسن بالعـذار

واقترن الليل بالنهار "

ق:101 " مولاي أشكو إليك داء

أصبح قلبي به قريحا "

       4 ـ القطع رقم : (4،19،113) من الرمل المجزوء ، وليست من الرمل التام ، ومطلعها :

ق:4 " يا بديع الحسن والإحسـ

ــان ، يا بدر الدياجي "

ق:19 " حرم النوم علينا ورقـد

وابتلانا بهواه ثـم صـد "

ق:113 " أيها الفائق أهل الــ

ـعصر في مرأى ومخبر "

       5 ـ القطعة رقم : (97) من الكامل المجزوء ، وليست من الكامل التام ، ومطلعها :

" الشمس تخجل من جمالك

فتغيب مسرعة لذلــك "

6 ـ القطعة رقم : (116) من مجزوء الخفيف ، وليست من الخفيف التام ، ومطلعها :

" شعر من مـحــض وده

لـك في علم طـيـره "

7 ـ القطعة رقم : (165) من الطويل ، وليست من البسيط، ومطلعها :

" غريب بأرض المغربين أسير

سيبكي عليه منبر وسرير "

8 ـ القطعة رقم : (64) من المنسرح ، وليست من السريع، ومطلعها :

" حـمت بخفاقة الجنـاح وقد

أمكن ورد فلا يطل حوم "

 

* ديوان ابن اللبانة الداني (محمد بن عيسى بن محمد اللخمي ، أبو بكر) جمع وتحقيق الدكتور محمد مجيد السعيد . دار الكتب للطباعة والنشر ، جامعة الموصل 1977

 

       1 ـ القطعة رقم : (4) من مخلع البسيط ، وليست من مجزوء البسيط ، وطالعها :

" بـدا علـى خـذه عـذار

في مثله يعـذر الكئيـب "

       2 ـ القطعة رقم : (27) من مخلع البسيط ، وليست من مجزوء البسيط أيضا ، كما يذهب السيد المحقق ، وطالعها :

" أتوب لله من هوى رشـإ

غيره فالعطاء من غير كذا "

 

 

* ديوان الأعمى التطيلي (أحمد بن عبد الله بن أبي هريرة القيسي ، أبو العباس الأعمى) ، تحقيق الدكتور إحسان عباس ، نشر وتوزيع دار الثقافة، بيروت ـ لبنان (د.ت).

 

       ـ أمكننا تقطيع أشعار الديوان من ضبط القطعة رقم (79)، فهي من البسيط المخلع ، وليست من البسيط المجزوء ، كما يشير السيد المحقق ، ومطلعها :

" ليس على لهونـا مزيـد

ولا لحمامنا ضريب "

 

* ديوان ابن زقاق البلنسي ، تحقيق عفيفة محمود ديراني ، نشر وتوزيع دار الثقافة ، بيروت ـ لبنان (د.ت)

 

       1 ـ القطعة رقم (137)، من الرجز المنهوك ، وهي عند محققة الديوان على وزن الرجز ، دون تمييز بين أوزانه ، ومطلعها :

" وسـافـر عــن قـمـر

مـبـتـسـم عــن درر "

       2 ـ القطعة رقم (140)، من المنسرح ، وليست من السريع، كما تذهب محققة الديوان ، وطالعها :

" وروضة عاطر بنفسجهــا

عطرها وشيها وسندسهـا "

 

* ديوان إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الهواري الأندلسي ، تحقيق الدكتور سيد غازي ، منشأة المعارف بالإسكندرية ، ط2

 

       1 ـ أمكننا تقطيع أشعار الديوان ، من ضبط وزن القطعة رقم (225)، فهي من الكامل ، وليست من الطويل ، ومطلعها :

" وعشي أنس أضجعتني نشوة

فيه تمهد مضجعي وتدمث "

 

* ديوان محمد بن عبد الله بن أبي بكر ، القفاعي ، البلنسي ، أبي عبد الله ، ابن الآبار ، قراءة وتعليق الدكتور عبد السلام الهراس ، الدار التونسية للنشر ، تونس 1985

 

       إن إعادة تقطيع المتن المدروس ، تؤكد أن :

1 ـ القطعة رقم (56) من الطويل ، وليست من الوافر ، وطالعها :

" أسوسنة أم عيبة لسلاح

بدا كبنود وسطها ورماح "

 

2 ـ القطعة رقم (167) من الكامل ، وليست من الطويل ، وطالعها :

" يا ربة المقل المراض فتورها

أعدى علي من الحمام القاطع "

3 ـ القطعة رقم (191) من الكامل ـ أيضا ـ وليست من الوافر ، وطالعها :

" أما الكئيب فما يطار حماه

من دونه تجري الدماء دماه"

4 ـ القطعة رقم (36) بالملحق الأول من الوافر ، وليست من الطويل ، وطالعها :

" رجوت الله في واللأواء لما

يلوث الناس من ساه ولاهي "

 

* ديوان أبي الحسن الششتري ، تحقيق وتعليق الدكتور علي سامي النشار، ط1/ نشأة المعارف بالاسكندرية 1960

      

إن إعادة تقطيع الأشعار الكاملة بالديوان ، تؤكد عدم صحة أوزان القصائد والمقطعات التالية :

1 ـ القطع رقم (1،13،20،31،38) أوردها محقق الديوان على وزن المنسرح المجزوء ، في حين أنها من البسيط المخلع ، وطالع هذه القصائد والمقطعات هو :

ق:1 " سقيت كأس الهوى قديما

من غير أرضي ولا سمائي "

ق:13 " إذا بريق الحما استنارا

أوشمته فاخلع العـــذارا "

ق:20 " يا صاح هل هذه شموس

تلـوح  للحـي أم كـؤوس "

ق:31 " صب على عهدكم مقيـم

يـا من بكـم مثلـه يهيـم "

ق:38 " يا ساقي القوم من شذاه

الكل لمـن سقيـت تاهـوا "

       2 ـ القطعة رقم (5) من الخفيف ، وليست من الرمل ، ومطلعها :

" طاب شرب المدام في الخلوات

أسقني يا نديـم بالآنيـات "

       3 ـ القطعة رقم (22) من مجزوء الرجز ، وليست من الرمل المجزوء ، ومطلعها :

" أنـخ ـ هـذيـت الأيـنقـا

فـقـد وصلـت الأبـرقـا "

 

* ديوان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي الأندلسي الجياني ، تحقيق الدكتور أحمد مطلوب وخديجة الحديثي ، مطبعة العاني ، بغداد ، ط1/1969

 

       ـ أورد المحققان القطعة رقم (64) على وزن البسيط ، وهي من الطويل ، ومطلعها :

" هنيئا لك النجل السعيد الذي به

سعدنا لو وافاك بالبشر البشر"

       ـ هذا الخطأ تكرر مع القطعة رقم (175) فهي من الخفيف، وليست من المنسرح ، ومطلعها :

" ذات قلبي لحادث طـرقــه

حين قالوا مات الفتى صدقه "

 

* ديوان ابن الخطيب ، تحقيق وتقديم الدكتور محمد مفتاح ، دار الثقافة ، البيضاء ، ط1/1989.

 

       بعد إعادة تقطيع أشعار الديوان ، تأكد لنا أن :

       1 ـ القطعة رقم (169) من الرمل المجزوء ، وليست من المديد المجزوء ، ومطلعها :

" قــال مـن يعنـي بأمـري

ليـت ربـي قـد أراحـك"

       2 ـ القطعة رقم (427) من المديد ، وليست من الرمل ، ومطلعها :

" لا تهج بالذكر مـن جـلـدي

نار شـوق شـق محتملـه"

3 ـ القطعة رقم (464) من مجزوء الرجز ، وليست من الرجز ، ومطلعها :

" أبـيـت إلا كــرمــا

دل عـليـك الغـرمــا "

4 ـ القطعة رقم (497) من الرمل ، وليست من المديد ، ومطلعها :

" جلس المولى لتسليم الـورى

ولفصل البرد في الجو احتكام "

 



[1] ـ انظر : مقال الدكتور عبد الله المرابط الترغي : " كتب تراجم الرجال بالأندلس ، نظرات في الضبط والتحقيق " ، ص : 60 ـ 62 . ومقال الدكتور محمد الكتاني : " أوليات منهجية لتحقيق التراث المخطوط " روضة التعريف نموذجا " ، ص : 44 ـ 48 ، ضمن منشورات كلية الآداب ـ تطوان ، ندوات 4 : " التراث المغربي والأندلسي ـ التوثيق والقراءة " ، ط : 1991 ، مطبعة النجاح الجديدة ـ البيضاء .

30 janvier 2016

فضاء اشتغال العروض في الشعر العربي المعاصر

                 

                   (عرض قدم ضمن ندوة :أسئلة الشعر المغربي في القرن العشرين، تكريما للشاعر الدكتور حسن الطريبق، أيام:28ـ29 دجنبر2004 برحاب كلية آداب تطوان ).

 

         تقديم:

         لن نعرض هنا للأسباب التي دعت الفاعلية الشعرية الجديدة للتمرد على الأوضاع القديمة المتوارثة، التي كانت تحكمها مجموعة من القوانين الصارمة، وإنما سنتحدث عن الوضع الذي آل إليه العروض مع هذه التجربة الجديدة التي نحثث لنفسها اسما يتلاءم والعصر الذي ولدت فيه، إنها تجربة الشعر المعاصر.

         لقد كان رواد هذه التجربة، على وعي تام بأن الحل لا يكمن في التمرد على سلطة القوانين التي كانت ترسم للشاعر خطوطا لا ينبغي تجاوزها، أو الانحراف عنها، وإنما في نحث قوانين تنبع من صميم التجربة الشعرية الكلاسيكية، علما منها، أن الكتابة الشعرية، لا يمكن أن تكون كتابة سائبة، لا تخضع لأية مقاييس أو معايير. ولم يكن نسف البيت إلا استجابة لصدق حرارة هذه التجربة التي أصبحت تستدعي فضاء شعريا مخالفا لفضاء البيت التقليدي.

         يقول عبد الله راجع:"لقد أدرك الشاعر العربي المعاصر، أنه لكي يعبر عن هذه التجربة الشعرية بكل صدق وحرارة ، مطالب بأن ينصت إلى حركة هذه التجربة في اضطرابها وهدوئها، قبل أن ينصت إلى الحركات التي تفرضها القوالب الجاهزة، فكثيرا ما استلزمت حركة التجربة توفيقا للمعنى أو للصوت داخل البيت، فكان الشاعر يضطر لإكمال البيت، الذي يظل فاغرا فمه منتظرا الألفاظ التي تملأه، وإلى أن يلهث وراء القافية المفروضة فرضا في نهاية كل بيتين وكثيرا ما استلزمت هذه الحركة اندفاعا للصوت وللمعنى، يتجاوز الحدود التي تقيمها القافية، فيجد الشاعر نفسه مضطرا إلى بتر هذه الاندفاعة، بإحداث وقفة تحد من اندفاع الدلالات، بطريقة تحول الكتابة الشعرية على محاولة لإحداث تلاءم قسري بين القالب الجاهز والتجربة المنطلقة".[1]

 

         ـ صيرورة البيت في الشعر العربي:

         1 ـ في الشعر العربي القديم:

 

         يقوم الشكل القديم للقصيدة العربية، على التزام كل بيت من أبياتها، بعدد محدد من التفاعيل، لا يزيد الشاعر عليه ولا ينقص منه، من أول بيت إلى آخر بيت في قصيدته. ويقوم أيضا على انقسام كل بيت إلى شطرين متساويين، بينهما فاصل زمني قصير، قد ينقطع فيه الصوت قليلا في حالة استقلال أحدهما بمعناه، وقد لا يسكت الصوت تماما حين يكون الشطر الأول يقتضي الثاني ، والثاني يفتقر إلى الأول، أو يكون الشطر الأول مدمجا في الثاني. ثم يعود، فيكرر نفس الوزن الذي ابتدأ به قصيدته تكريرا مضبوطا، يراعي ما قد يوجد من فرق بين العروض والضرب، وهو فرق لا يمكن التخلي عنه في البيات اللاحقة، وإلا دخل الشاعر في وزن مخالف للوزن الذي ابتدأ به قصيدته.

         هذا ويظل مفهوم البيت في تصور الشعرية التقليدية ناقصا، ما لم يأبه فيه إلى القافية. "فهي شريكة الوزن في الاختصاص بالشعر، ولا يسمى شعرا حتى يكون له وزن وقافية".[2] وفي ذلك يقول حازم القرطاجني: "وجعلوا القافية بمنزلة تحصين منتهى الخباء (....) ويمكن أن يقال: إنها قد جعلت بمنزلة ما قد يعالى به عمود البيت من شعبة الخباء الوسطى التي هي ملتقى أعالي كسور البيت، وبها مناطها"[3].

         والتصور العام الذي نروم تقديمه للبيت، يجعل من القافية الموحدة، ذلك المنظم للعلاقة بين الوحدات التركيبية والوزنية، من غير أن يكون عاملا أولا لبناء البيت. والتنظيم يعني لحم الصراع بين التركيب والوزن أثناء بناء البيت، حتى تتحقق لهذا الأخير تلك الوقفة التي تنتهي عند القافية، بانتهاء تمام الوزن[4].

         إن تنظيم العلاقة بين وحدات البيت، وبين أبيات القصيدة، معناه أن القافية ليست محايدة في بناء دلالية البيت، والشعر عامة، وهذا هو الشرط الثالث الذي يحقق للبيت استقلاله الدلالي التام. وقد راهنت الشعرية القديمة عليه كثيرا، فأولته عناية فائقة، سواء كان في بداية القصيدة، أو في سياقها، أو في خاتمتها، وذلك ضمن حديثهم عن كثير من الصور البلاغية التي يمكن إرجاعها إلى حقل العناصر العروضية، وكانت بمثابة طرق احتال بها الشعراء على الوزن، حتى يحقق وقفته الوزنية والتركيبية والدلالية.

         ويكفي الرجوع إلى كتاب نقد الشعر لقدامة بن جعفر الذي أعار هذه القضية اهتماما كبيرا أثناء حديثه عن " الايغال" و"الحشو" و"التعطيل"، وغير ذلك من الجوانب الأخرى التي تناولها ضمن نعث ائتلاف اللفظ والوزن، ونعث ائتلاف القافية مع ما يدل عليه سائر البيت.

         وبهذا المعنى، تصبح القافية عاملا من عوامل الإيقاع، وعنصرا من عناصر العروض، تخضع لنظام يعطيها هيئة بنية. فبقدر ما تبني القافية السلسلة اللغوية في البيت، كخطاب، بقدر ما يبنيها الوزن والوقفة.

         وأمام هذا الاهتمام المتزايد بوحدة البيت، أصبح من السهل أن نعزل كل بيت من أبيات القصيدة، دون أن يفقد شيئا من دلالته، أو انسجامه البنائي، أو الجمالي، أو الفني. وفي ذلك يقول ابن خلدون: "وينفرد كل بيت منه بإفادته وتراكيبه، حتى كأنه كلام وحده مستقل عما قبله وما بعده، وإذا أفرد كان تاما في بابه من مدح، أو تشبيب، أو رثاء، فيحرص الشاعر على إعطاء ذلك في البيت ما يستقل في إفادته، ثم يستأنف في البيت الآخر كلاما آخر كذلك".[5]

         وناذرا ما كان الشاعر، يعلق معنى البيت الأول على الثاني، أو يجعل البيت الثاني مفتقرا إلى الأول. لكن لو تأملنا النماذج الشعرية التي تدخل ضمن "التضمين"، كأحد عيوب القافية، فإننا سنلاحظ نزوع هذه البيات نحو تدشين كيان زخرفي أوهندسي، استطاع بفضل تطوره مع الموشحات ، أن يلهم كثيرا من الشعراء،والحركات الشعرية الشعبية الميالة إلى النثرية وتغليب الجملة. من ذلك ـ مثلا ـ هذه الأبيات، وهي أيضا مشطورة، أي ألقي من كل بيت نصف، وبني على نصف[6]:

                   ياذا الذي في الحب يلحى، أما تخشى عقاب الله فينا، أما

(الأبيات)

 

         وقد لاحظ السكاكي ، أن الشاعر الذي نظم هذه الأبيات ( أو الأشطر)، كان يتحدى أحد عيوب القافية، ويروضه ليصبح مصدرا للشاعرية، وفي ذلك يقول: " واعلم أن لك في كثير من عيوب القافية، أن تكسوها بهذا  الطريق ما يبرزها في معرض الحسن...كما فعل الخليل، قدس الله روحه، بالتضمين حيث التزمه، فانظر كيف ملح ذلك".[7]

         وتبرز هذه الظاهرة التي ولدت فكرة الشطر الواحد، بصورة واضحة في الأراجيز، ولزوم ما لايلزم، وغالبا ما كان الشاعر يحتال عليها بالقافية، حتى لا يفقد النظم هويته، يصير نثرا مرسلا.

 

         2ـ مفهوم البيت في الشعر المعاصر.

         ونحن حين ننتقل إلى مفهوم البيت في الشعر المعاصر، لا نصادف أثرا لمفهوم الشطرين، إذ لم يعد الشاعر محصورا بفكرة وحدة البيت دلاليا ونظميا وعروضيا، وغنما أصبح حرا في إطالة بيته، بعد أن تبنى فكرة " الشطر" التي كانت قد وجدت طريقها إلى الشعرية العربية القديمة، انطلاقا من تلك الأراجيز التي تتحقق فيها تلك الوقفة العروضية والنظمية. وقد غذى مفهوم "التضمين" رغبتها الجموحة في التعبير عما يخالج صدرها من دفقات شعورية، ليس من الضروري أن تكتمل في السطر الأول، أو تمتد حتى السطر الثاني أو الثالث، أو يتركب فيها السطر من تفعيلة واحدة، أو فما فوق، المهم أن تتسع لإرادته وحاجته وذوقه.

         وكانت نازك الملائكة، قد تنبهت إلى هذا الخرق الجديد، وحاولت أن تضع له حدودا، أقصاها ثمان تفعيلات في السطر الواحد، ورفضت أن يجمع الشاعر بين خمس تفعيلات، أو تسع تفعيلات في السطر الواحد. وقد اعتمدت في جميع ذلك على حجج واهية، لا تمت بصلة إلى واقع الشعر العربي، وإلى انزياحا ته التي كانت تظهر من حين لآخر، إلا أنها بقيت خارج حدود التنظير.

         والحقيقة، أن محاولتها هذه، لم تصادف حماسا من طرف زملائها الشعراء في  المشرق أو المغرب، فتجاوزوا العدد الذي قالت به، وخالفوا بين الأسطر، حتى إنهم أحيانا كثيرة، كانوا يمزقون التفعيلة إلى جزأين، كما يتبين من هذا النموذج:

         1ـ راية تتناسل أوتتمزق في صخب وثنيٍٍّ

         2ـ غذت رايتينِ

         3ـ غذت مزقا

         4ـ كلما اشتعلت لعنت أختها

         5ـ تغسل الدم بالدم بالفرح الهمجيِّ

         6ـ أكان انهزاما

         7ـ لمن

         8ـ أو كان انتصارا

         9ـ على من

             //0 /0

         إن أول ما يلفت نظرنا في هذا المقطع، هو أن القصيدة المعاصرة، قد أصبحت تعتمد على وحدة "التفعيلة"، كنظام أساسي لها. وهذا ما أكدته نازك الملائكة، حين اقترحت الصياغة التالية لأسلوب الشعر الحر، قائلة إنه: " شعر ذوشطرواحد، ليس له طول ثابث، وإنما يصح أن يتغير عدد التفاعيل من شطر إلى شطر".

         وبالرجوع إلى الأسطر السابقة، نلاحظ أن الشاعر قد عمد إلى تكرار الوحدة الوزنية لبحر المتدارك " فاعلن"ـ كما يتبين من تقطيع الأبيات ـ سبع مرات في السطر الأول، ومرتين في السطر الثاني والثالث، وأربع مرات في السطر الرابع، وخمس مرات في السطر الخامس، وجاء بالسطر السادس موزعا بين الخامس والسابع، واكتفى في هذا الأخير بنصف التفعيلة، وجاء بالثامن مكملا للتاسع، وأوقف هذا الأخير على [فا] مسبوقة ب[علن]، وهذه التقنية لم ينج منها البيت الأول، والثاني ، والخامس. فعروضيا لا يستقيم السطر الثاني إلا بالأول، والثالث إلا بالثاني، ولا يستقيم السادس إلا بالخامس، والسابع إلا بالسادس، والتاسع إلا بالثامن، والأسطر جميعا تربطها علاقة اقتضاء وافتقار.

         وسواء تحققت الوقفة أم لا، فقد أصبحت هذه الأخيرة مرهونة في القصيدة المعاصرة باختيار الشاعر، وباختلاف مشاعره، إن لم نقل إنها قد أصبحت خارج إرادة المبدع، ورهينة كذلك بالقراءة المسترسلة أحيانا، عندما يغيب النص علامات الترقيم. فما دام المعنى لم يتم في السطر الأول، فالقراءة ينبغي أن تستمر إلى أن ينتهي المعنى، وإلا فإنه سيظل ناقصا، وبالتالي فإن الوزن سيختل، وستضيع ملامحه، وسيختل معه الإيقاع العام الذي يؤلف بين هذه الأسطر. ومن الأمثلة الدالة في هذا الباب، قول الشاعر:

         تركت أصابعي في وجهه المبتلِّ، وقعَ يديَّ

         إذ مسحَتْ ستارَ زُجاجهِ الغَبَشِيَّ

         منْ نَفَسٍ ودُخانِ.

         توقَّفَ ما وراءَ الغيم من برقٍ وأمطارِ

         سوى ما عادَ يجري فوقَ جُدْرانِ

         البيوتِ، أو استقرَّ بأغصُنِ الأشجارِ

         مثلَ غمامةٍ، إِنْ حَرَّكَتْها قَبْضَةُ الرِّيحِ

         تَرُشُّ الرَّحْبَ بالمطرِ

         تُنَقِّطُ فوقها ماءَ،

         صَفاَ مِنْ وَقْعِهِ وجهُ المصابيحِ

         وكان من الغُبارِ خبا، ومن ضَجَرِ

         اللَّيالي، من جَناحِ فراشةٍ، فانْهَلَّ أَضْواءَ.

         فمن خلال تقطيع السطر الأول والثاني، نلاحظ أن السلسلة الصوتية الأولى مخالفة للسلسلة الصوتية الثانية:

         س1ـ //0///0  //0/0/0 //0/0/0 //0/0/0 //0///0  /

                مفاعلتن  مفاعيلن   مفاعيلن  مفاعيلن  مفاعلتن م

         س2ـ /0///0  //0///0  //0///0  /

                مفتعلن  مفاعلتن   مفاعلتن م

         لكن قراءة دلالية، تفيد أن السلسلة الصوتية الأولى مكملة للسلسلة الصوتية الثانية، والثانية مقتضية للأولى. وتطابق السلسلتين رهين بقراءة نظمية دلالية، تفيد من كل الإمكانيات التي يقدمها الوقف الدلالي والنظمي إن أمكن.

         إن هذه التدفقية التي سمح بها تفكيك عناصر الوقفة الثلاثية، هي التي منحت للشاعر المعاصر، قدرة على الأداء، وجعلته ينساب وراء عواطفه وأحاسيسه، بدل أن يخضع لتلك القوالب الجاهزة. وربما كانت هذه النقطة بالذات، هي التي غابت عن نازك الملائكة، حين رأت في عنصر التدفق، العنصر المضلل في الشعر المعاصر، طالما أنه يجنح بعباراته إلى أن تكون طويلة طولا فادحا، وثانيا لأن القصائد الحرة، تبدو معه، لفرط تدفقها، وكأنها لا تريد أن تنتهي. وفي ذلك تقول: " وسبب هذه الظاهرة ما سبق أن نبهنا إليه من انعدام الوقفات، ففي نظام الشطرين، تقدم الوقفة القسرية للشاعر مساعدة كبيرة، لأنها هي في ذاتها وقفة، فلا يبقى على الشاعر إلا أن يختم المعنى...أما في الوزن الحر، فإن الوقفات الطبيعية معدومة، حتى إذا استعمل أشد العبارات جهورية وقطعا، يحس أن القصيدة لم تقف، وإنما استمرت تتدفق، وعليه لذلك أن يستمر في تغذيتها وإطالته رغم انتهائه مما أراد أن يقول"

         ولم يتوقف الأمر عند الأوزان الصافية، بل واصلت كل المقاييس والأشكال الوزنية المختلفة الحضور والعمل بشكل أو بآخر في تأثيث فضاء السطر الشعري في التجربة الشعرة المعاصرة، غير أن توزيعها المتماثل والمنتظم سيصبح لاغيا، وسيجد الشاعر الشاعر نفسه أمام فرصة تسمح له باستخدام أوزان البحر الواحد كما شاء، ثم الجمع بين مجمل الصيغ العروضية الجائزة لكل من تفعيلتي البيت الكلاسيكي النهائيتن، ليس في إطار الصيغة التامة لهذا الوزن، أو ذاك وحسب، وإنما حتى في صيغه المختزلة التي يطرحها الجزء والشطر والنهك. وبالإضافة إلى تنوع الضرب، لجأ الشاعر إلى اعتماد إحدى تفعيلتي البحر كملمح يمكن الانتقال من خلاله إلى وزن آخر، تماشيا مع اندفاعاته المتسارعة، وغير المنتظمة لشحنته الشعرية، وما أكثر هذه الأوزان.

         وأما المرحلة ما بعد الأخيرة، فهي التي اهتم فيها الشعراء المعاصرون، بخلق نماذج إيقاعية جديدة للشعر العربي، من الصعب القبض عليها بمساعدة الأوزان الكلاسيكية، أو فروعها العديدة التي خلفها لنا علماء العروض العربية، وهذه المرحلة تحتاج إلى دراسة نبرية، نأمل أن نرجع إليها مستقبلا.



[1]ـالقصيدة المغربية المعاصرة:1/103ـ104

ـ العمدة 1/301[2]

[3]ـمنهاج البلغاء:250ـ251

ـ بنيس.160؟[4]

[5] ـالمقدمة:1299

[6] ـ الأبيات لأبي العتاهية وليست للخليل.

[7] ـ مفتاح العلوم:576

15 décembre 2015

فروسيـة القـدس عند أحمد المجاطي

 

إنها فروسية في اتجاه الرفض للمؤامرة التي تعرض لها الفلسطيني، في بيته الروحي الطاهر : القدس1.

وإن شئت هذه هي الرؤيا في شعر المجاطي، إنها رؤية كارثية، تصدر عن وعي يعرف أنه مهزوم، ولكن يظل يبحث عن مجالات للصراع، لأنه وعي جمعي، يشكل الأمة ويتمثلها، والأمة لا تستقيل، ولا تستسلم، أما القادة والزعماء فنعم2.

 

" منتظرا مازلت

        أرقب العصا

       تفسخ جلد الحية الرقطاء " (الفروسية)

 

سلاح الشاعر -إذن- حسه الشاعري المرهف، وشعوره العميق بمأساة الشعب العربي قاطبة، مأساة أشبه بجنازة سوداء، إستعار لها الشاعر، هذا التعبير الرمادي القاتم، مستهلا قصيدته : "القدس"، بما يشبه الدفن الحقيقي حين قال :

 

" رأيتك تدفنين الريح

 تحت عرائش العتمة

وتلتحفين صمتك

خلف أعمدة الشبابيك

تصبين القبور

وتشربين

فتظمأ الأحقاب"

فماذا يقصد بهذه الريح، التي رآها تدفن في مملكة الظلام ؟ هل هي تلك الفروسية التي كانت تدفع بالعربي أن يكون مثل ريح عاتية. لصد كل عدوان يتهدد خيمته! كل القرائن تخدم هذا الاحتمال.

في البدء، نختار أن نقف عند عنوان هذه المداخلة التي تستمد مشروعيتها من التجربة المجاطية، وبالضبط من قصيدتيه : "الفروسية" و"القدس".

ولا بأس -إذن- أن نتوقف عند لسان العرب، لنتعرف على دلالة الكلمتين، باعتبارهما النواتين المشكلتين لهذه المقصدية التي نريد بلوغها.

فكلمة فرس، تعني الخيل، وتجمع على أفراس، وراكبه فارس، والفارس : صاحب الفرس على إدارة النسب.

وحكى اللحياني وحده، فرس، وفرس إذا صار فارسا. والفَراسة بالفتح، مصدر قولك رجل فارس على الخيل.

الأصمعي : يقال : فارس بين الفروسية والفراسة والفروسية، وإذا كان فارسا بعينه ونظره، فهو بين الفراسة، بكسر الفاء.

ويقال : إن فلان لفارس بذلك الأمر إذا كان عالما به.

ويقال : اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله. وقد فرس فلان بالضم، يفرس فروسة وفراسة إذا حذق أمر الخيل، قال : وهو يتفرس إذا كان يرى الناس أنه فارس على الخيل، ويقال : وهو يتفرس إذا كان يتثبت وينظر[1].

فأين تتموقع قصيدة "الفروسية", والشاعر من هذه المعاني، وما هي علاقتها بقصيدة القدس. ذلك ما سنحاول الإجابة عنه خطوة خطوة.  

أما كلمة "قدس"، فتعني : التقديس، أي تنزيه الله عز وجل، وفي التهذيب، القدس : تنزيه الله تعالى.

والتقديس : التطهير والتبريك، وتقدس أي تطهر.

وفي التنزيل؛ ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك. الزجاج : معنى نقدس لك، أي نطهر أنفسنا لك، وكذلك نفعل بمن أطاعك، نقدسه، أي نطهره.

ومن هذا بيت المقدس، أي البيت المطهر، أي المكان الذي يتطهر به من الذنوب.

وحكى ابن الأعرابي، والمقدس المبارك، والأرض المقدسة : المطهرة. وقال الفراء : الأرض المقدسة الطاهرة " وهي دمشق وفلسطين وبعض الأردن[2].

هذه هي القدس، مكان مقدس، طاهر، ومطهر " جملة معان تستحق أكثر من فارس، وفرس يبديان عن فروسيتهما لحمايتها وتطهيرها من الدنس" ومن "خناجر الثعبان"، من "لسعة العقرب"، و"ضحكة القرصان".

إنها "القدس"، متعطشة للموت :

"ظمئنا والردى فيك

فأين نموت يا عمه".   (الفروسية)

فقد تربع على عرشها، انتصار العدو، وبدت الصحراء، أكثر تعطشا لـ"صريف الموت"، والثعبان والقرصان، يذبح، يشمخ :

 

-" تحز خناجر الثعبان

     ضوء عيونك

الأشيب.

-" تشمخ في شقوق التيه

تسمخ لسعة العقرب.   (القدس)

 

بينما هذه "الهزيمة"، أو هذا "السقوط"، لم يصنع إلا :" أشباحا من خبب بطئ "أو "كئيب"، ولم يعرف سوى "خيولا تعلك المدى" و"قنبا سال من جعبة باروده" و"تائهون في مدار الوخد يحلمون بلحظة ينحسر الزمان فيها وراء كان" ؛.

فـ :"أنت لا تملك أن تسدد المهماز … فتصرع الشيب" حتى "الباروده" "استفاق الثلج في أحشائها"، فقد :

 

"ذب الأسى في مكبس القرس،

واستنامت فورة اللهيب

لنشوة الصمت

خلال رعشة الدخان."    (الفروسية)

 

ولم "تستطع أن ترى "التفاحة في ضحكة الثعبان" إلى أن يقول :

"منتظرا ما زلت

أرقب العصا

تفسخ جلد الحية الرقطاء".     (الفروسية)

 

بمعنى، إذا كان الشيطان قد أغرى آدم وحواء، فإن الشاعر، ما يزال ينتظر أن تتحول العصا إلى ثعبان حقيقي، فتلقف هذه الحية الرقطاء، التي ابتلعت معها " البيت المقدس"، وهذا لن يتحقق إلا بإثارة مشاعر الحماسة والفروسية والإقدام، وبإعادة الدفء والحرارة إلى "مكبس الباروده"، يصاحبه خبب، بالشد والمجدول والكمية، خبب سريع، يسمع صهيله في كل الأرجاء.

فإذا كان الشاعر، قد استند في التخفيف من حدة هذه المأساوية، على أسلوب التوقع والمفاجأة، أو المخادعة، وما يستتبعه من استشارة للهمم العربية، فإنه  موازاة مع ذلك كان يعيى ما تتطلبه حداثة شعرية، تكون تعبيرا موفقا لما يتطلع إليه الوجدان الجمعي للأمة العربية.

فهو، إذا كان قد وجد في النظام الذي خلفته الكلاسيكيات الشعرية القديمة، ما يساعده على التقدم خطوة نحو بنية إيقاعية، تكون وعاء مناسبا لما تحبل به الأسرار الشعرية الجديدة من معان ورؤى، تسعى للانفلات من كل قيد، فإنه من حيث المبدأ العام، لم يخرج عن بحور الخليل ونظامه، وإن كان قد تخلى عن وحدة البيت، واستقلاليته لفظا ووزنا ومعنى.

والحال هذه، فإنه يجب أن لا ننسى أن الشاعر، قد وجد في زمان "التجربة"، إلى جانب كونه أستاذا "ومنظرا، ناهيك أنه كان واحدا من المهووسين بثقل الكلمة، (فسيطرة هوس الكتابة على نفسيته)، كل هذا جعل منه شاعرا حداثيا، مهموما بالطرح الجديد للتجربة الشعرية الحديثة، التي لم تعد تولي للبيت أي اهتمام يذكر، بل وقع التركيز في هذه المرحلة على ما يمكن تسميته بمزايا "الكتابة بالفعيلة"، نظرا لارتباطها بالحالة النفسية أو الشعورية، التي يصدر عنها الشاعر. فالحالة الشعورية أو المعنى هما المتحكمان في قصر الأسطر وطولها، شريطة ألا يتجاوز السطر ثمان تفعيلات، أي أقصى ما يصل إليها عددها في البيت التقليدي. ويمكن أن يصل إلى عشر أو اثني عشر تفعيله1. أما إذا زاد على ست عشر تفعيله، اعتبر جملة شعرية طويلة2.

وقد جرب شاعرنا، جميع الإمكانات المتاحة، فحقق -في قصيدة القدس- نوعا من التصالح بين القصيدة الحديثة، والقصيدة القديمة، فالتزم في أغلب أسطرها بنفس النظام ذي الشطرين، بحيث أن كل سطر من أسطرها مكون من تفعيلتين، وهذا يتماشى مع طبيعة الوافر المجزوء الذي اختاره أن يكون قالبا يصب فيه تجربته الشعرية هذه، باعتبارها تجربة حديثة تتناسب والأوزان الصافية التي منها، هذا الوزن الذي يقوم نظام الشطرين فيه على : مفاعلتن مفاعلتن (مرتين). وقد كان التدوير الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا التصالح، الذي لا نكاد نعثر له عن أثر في قصيدة "الفروسية".

فالسطر الشعري فيها لن يقوم مقام الشطر، وإنما سيخضع لطبيعة الجملة الشعرية والدفقة الشعورية. ولعل هذا هو ما جعل الشاعر يحطم وحدة البنية الإيقاعية، في قصيدته هذه، ويجمع فيها بين وزنين هما :

الرجز /مستفعلن، والمتدارك /فاعن

إلى حدود هنا، نكون قد وصلنا إلى بيت القصيد. فإذا كنا قد ربطنا بين الفروسية والقدس، من خلال الحمولة الثقافية للكلمتين، إن على مستوى المعجم، أو على مستوى التجربة الشعرية عند المجاطي، فإن ما يشجعنا أكثر على هذا الربط بين الكلمتين، هو الاختيار الموفق لأوزانهما الشعرية.

فما هي -إذن- العلاقة المشتركة بين هذه الأوزان، وما هي خاصياتها الموسيقية، أو ما هو الدافع إلى اختيارها لكي تكون وعاء تصب فيها هذه التجربة؟.

للإجابة عن هذه التساؤلات، نختار أن تكون مرجعيتنا وجهات النظر النقدية المختلفة إلى الموضوع، لأننا سواء عملنا على تبني وجهة النظر التقليدية، أو عمدنا إلى تبني وجهة النظر الإيقاعية، فإننا -في نهاية المطاف- سنصطدم بمجموعة من الأوصاف التي تلصقها وجهات النظر المختلفة بالأوزان الشعرية، وهي أوصاف تستدعي مراعاتها أثناء العملية الإبداعية.

 

فالأوزان تكسب أوصافا، بحسب قوة المشاكلة والمناسبة بين الأجزاء، وبحسب ما تكون عليه الأجزاء من كزازة وجعودة أو سباطة أو لدونة أو اعتدال، وذلك بحسب أعداد المتحركات إلى عدد السواكن، وبحسب ترتيب وضع بعضها من بعض، وبحسب ما تكون عليه مظان الاعتمادات، كأن تكون "قوية شديدة " أو" ضعيفة لينة" أو معتدلة1.

إن مثل هذه الصفات الذاتية، وهذا التميز بينها، هو ما جعل الشعراء يتخيرون أنسبها للتعبير عن تجاربهم النفسية.

فما هي الأوصاف التي تميز أوزان هاتين القصيدتين ؟

بدءا، نتوقف عند قصيدة "القدس"، فالبناء الوزني فيها يقوم على "متفاعلتن"، أي على وتد مجموع (- -0) "مفا" وفاصلة صغرى (- - -0) علتن، وإن شئت قلت كل تفعيلة تقوم على خمس حركات وساكنين.

"وما ائتلف من أجزاء تكثر فيه الحركات، فإن فيه لدونة وسباطة"2.

وقد لجأ المجاطي أحيانا كثيرة إلى تسكين خامسه المتحرك، فأبدل "مفاعلتن" "بمفاعيلن" (- -0 - 0 - 0)، وتقوم هذه التفعيلة على وتد مجموع (- - 0) وسببين           حفيفين (- 0) (- 0) مضيفا بذلك إلى هذا الوزن خاصيات أخرى هي : الكزازة والتوعر. "فما ائتلف من أجزاء تكثر فيها السواكن، فإن فيه كزازة وتوعرا3 بحيث أصبحت سكنات شطر المجزوء اثني عشر ساكنا أي بزيادة أربع سواكن في كل شطر.

فعدم استقراره على حالة نفسية واحدة، هو الذي جعله ينوع من إيقاع هذا الوزن، حتى إننا نرى تفاوتا في عدد التفاعيل الصحيحة والمزاحقة في فقرات قصيدته.

فالدفقة الشعورية الأولى، تتكون عنده من عشرين تفعيلة منها ثمان تفعيلات، سكن خامسها المتحرك بالعصب، واثنين سكن خامسها المتحرك وأسقط سابعها الساكن بالنقص، وهما "الشبابيك" و"الردى فيك "، وهذه التقنية سيعاودها مع الدفقة الشعورية الثانية في عبارته "من أين آتيك"، بحيث جمع فيها بين اثنين وعشرين تفعيلة، منها خمسة عشر تفعيلة عمد إلى تسكين خامسها المتحرك، أي بزيادة ثمان تفعيلات عن الفقرة الأولى.

وتزداد الدفقة الشعورية تناميا كلما توجهنا نحو الفقرة الموالية، إذ ستجمع بين سبعة وعشرين تفعيلة، منها ست عشر تفعيلة سكن خامسها المتحرك.

وليست الزحافات والعلل التي يخرج إليها الشاعر عن قصد، أو دون قصد، سوى تعبير عن تلك الحركة النفسية الإيقاعية التي تلح عليه، فتجعله يسرع أو يبطئ. ويمكن القول، بأن مبدأ التحول هذا المتمثل في تسكين الخامس المتحرك. بالنسبة لما مجموعة اثنان وأربعون تفعيلة، وحذف السابع الساكن، مع تسكين الخامس المتحرك، بالنسبة لثلاث تفعيلات، هو ما جعل إيقاع هذه القصيدة، يميل نحو صفات هي :

السباطة والجعودة، مع الاحتفاظ بصفة الاعتدال، وكذا القوة والشدة فيما يتعلق بالتفاعيل الصحيحة والتي يبلغ مجموعها تسعة وعشرون تفعيلة.

 فنسبة التفعيلات التي تمتاز بالسباطة والجعودة، هو حسب الدفقات الشعورية الثلاث كالتالي 10-8-11/ مقابل 10-16-16. وهذا وحده يؤكد غلبة المقاطع الساكنة على الموقف الشعوري الذي ازدادت معه سرعة التنفس، فتطلب بحرا قصيرا يلائم أحزانه وأشجانه.

وكما تلاحظون، فقد عمد الشاعر إلى استخدام تنويعاته الثلاث الممكنة، وهي :

-مفاعلتن / الصحيحة             

-مفاعيلن / المعصوبة

-مفاعيل / الناقصة

فما الذي يجمع بين تنويعات تفاعيل هذا الوزن وخاصياته الموسيقية، وبين البناء الوزني لقصيدة الفروسية، بل لماذا هذا الاقتران بين القصيدتين ؟.

لقد سبقت الإشارة، إلى أن هذه القصيدة تجمع بين تفعيلتين هما :               تفعيلة /الرجز : مستفعلن.

وتفعيلة / المتدارك : فاعلن

وبالرجوع إلى التنويعات التي مست التفعيلتين معا، نلاحظ أن تفعيلة الرجز، أخذت الصور التالية :

-إما صحيحة : مستفعلن (- 0 / - 0 / - - 0)

-أو مخبونة : متفعلن (- - 0 / - - 0)

-أو مطوية : متفعلن (- 0 / - - - 0)

-أو تجمع بين الجنن والطي : فعلتن ( - - - - 0)

-أو تجمع بين الجنن والقطع : فعولن (- - 0 / - 0)

ولن نعرض إلى عدد كل واحدة من هذه التشكيلات الإيقاعية لأنها جميعا، لا تخرج عن طبيعة تفعيلة "المتدارك" والتي أخذت هي  الأخرى التشكيلات التالية :

-صحيحة : فاعلن (- 0 / - - 0)

-مخبونة : فعلن (- - - 0)

-أو مقطوعة : فعلن (- 0 / - 0)

وبالنظر إلى عدد سكنات هذه التشكيلات وحركاتها، فإن هذين الوزنين يكتسبان صفات هي :

-" الجعودة"، بالنسبة (مستفعلن، / 0 / 0 / / 0)" إلى الرجزية، فهي تتوالى فيها ثلاث سواكن من جزء واحد، بالإضافة إلى القوة والشدة لوقوف نهايتها على وتد.

-" الاعتدال" : بالنسبة لـ(متفعلن، / / 0 / / 0) و(فعولن، / / 0 / 0) لتوالي ساكنين من جزء واحد.

-" السباطة" : بالنسبة لـ (مفتعلن، /0 / / / 0)، فهي تتوالى فيها ثلاث حركات من جزء واحد.

-أما (فعلتن، / / / / 0)، فالأصل فيها "مستفعلن"، حذف ثانيها، وطوي رابعها، فبقي :" متعلن"، فنقلت إلى "فعلتن"، وهو "المخبول" والغريزة تنفر منه، فاجتماع أربع حركات يعني : الازدحام والتراكم والاضطراب، ومخالفة المعتاد. وربما لذلك كان استعمال هذا التركيب قليلا في الشعر العربي1.

وتمتاز التشكيلات "المتداركية"، بالخاصيات التالية :

-"الاعتدال والقوة والشدة"، بالنسبة لـ "(فاعلن ، / 0 / / 0)

-"السباطة "، بالنسبة لـ (فعلن، / / / 0)

-القوة والشدة بالإضافة إلى الاعتدال بالنسبة لـ(فعلن، / 0 / 0).

وتبقى "الجعودة" التي تمتاز بها "مستفعلن" الزجرية، هي الغائبة عن تشكيلات المتدارك.

إن هذه الخاصيات الموسيقية التي أتينا على ذكرها، هي التي تميز تشكيلات الوافر :

فـ "مفاعلتن، / / 0 / / / 0)، تمتاز بالسياطة والسهولة،                          و" مفاعيلن، / /0 / 0 / 0) بالجعودة والقوة والشدة، بينما تمتاز (مفاعيل، / / 0 / 0 /) بالقوة والاعتدال.

إذن، ما الذي يوحد بين هذه التفعيلات الثلاث ؟ هل هي هذه الفروسية التي جعلت الشاعر يركض ركض الخيل في قصيدته، باعتماد حركية البطء والإسراع المتمثلة في تقنية تثقيل الخفيف، وتخفيف الثقيل من كل ميزان ؟ !

كان أول ما استرعى انتباهي لطرق هذه الإشكالية، مقطعين شعريين، تضمنا لفظ "الخبب" مقرونا بالبطء والكآبة في قصيدته "الفروسية"2. ولولا أنني لم أعمد إلى تقطيع هذه القصيدة، لقلت إن وزنها هو الخبب، أو ركض الخيل، تشبيها له في السرعة، لكني لم أفاجأ، حينما وجدت الشاعر زواج بينه وبين الرجز، فبينهما خاصيات موسيقية مشتركة، تعود في الأصل إلى نسبة عدد حركات وسكنات كل واحد منهما. وهو ما جعل الشاعر يربط بينهما تحت نسق واحد، هو هذا الركض الذي يؤلف بينهما، وبين "وافر" "القدس" المجزوء، وما يوحي به هو الآخر من معاني الفروسية، بعد تلك التعديلات التي لجأ إليها الشاعر، والمتمثلة في تكسير تثاقله، وتحويل (مفاعلتن، / / 0 / / / 0) إلى          (مفاعيلن، / / 0 / 0 / 0)، بحيث تصبح  "مفاعلتن، هي مفاعيلن"، وكلاهما يتضمنان :        " فعلن / / / 0، علتن" و"فعلن، / 0 / 0) عيلن".

هذه الملاحظة تنطبق هي الأخرى على تفعيلة الرجز فـ"مستفعلن، / 0 / 0 / / 0" تتضمن :( فعلن /مستف) و(فاعلن/ تفعلن).

بالإضافة إلى الخاصيات الموسيقية المشتركة بين هذه التفاعيل، يمكن أن نخلص إلى القول، بأن علاقة القدس بالفروسية، هي علاقة خببية، أفرزها هذا التعديل الذي تعمده الشاعر بجعل اثنين وأربعين تفعيلة مزاحفة، مقابل تسع وعشرين تفعيلة صحيحة، مجموع سكناها جميعا إلى عدد متحركاتها هو واحد وسبعون ومائة ساكن، مقابل تسعة ومائتان حركة، وهذا وحده يكفي للدلالة على أن إيقاع هذه القصيدة، هو إيقاع خببي سريع، ولا يستند إلى المبدأ العام الذي يرى أن عدد السواكن، يجب أن يحوم حول الثلث ولا يتعداه.

وأخيرا، فإنه إذا أخذنا بعين الاعتبار كذلك عنوان الديوان الذي تخيره الشاعر لقصائده، فإنه سيصبح التساؤل عن فروسية القدس (الكئيبة) تساؤلا مشروعا.

 

 

 

المصادر والمراجع :

 

-ديوان الفروسية : أحمد المجاطي، سلسلة الابداع 2، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية. طI /487)

-قضايا الشعر العربي المعاصر : نازك الملائكة. مكتبة النهضة،                 بغداد ط 2/1965.

-لسان العرب لابن منظور. دار صادر. بيروت-لبنان(د.ت)

-منهاج البلغاء وسراج الأدباء : حازم القرطاجني، تحقيق : محمد الحبيب بن الخوجة. دار الغرب الإسلامي ط.3/ 1986.

-موسيقى الشعر، إبراهيم أنيس، دار القلم، بيروت-لبنان (د.ت)

-الوافي في العروض والقوافي : الخطيب التبريزي، تحقيق :عمر يحيى وفخر الدين قباوة، دار الفكر. دمشق ط3/1979.

        الملحق 1

الفروسية (1)

 

سحائب من نشوة الغبار

في الساحه

تصفع وجه النجم

أو تصوغ أشباحا

من خبب بطيء

والخيل تعلك المدى

تدك الواحة

بالشد والمجدول والكمية

والكف في معارك الجواد

والوجه الذي لاح

من خلل الزحام

وعورة اللحام

للريح مرميه،

وتنتشى زغروده

تهل أو تضيء

ويستفيق الثلج في أحشاء

باروده

* * *

التائهون في مدار الوخد

يحلمون

بلحظة ينحسر الزمان

فيها وراء كان

وبعدما يكون

رأيتهم يصاولون النجم

يرقصون

والخمر والمرايا

والكحل في الجراب

دب الأسى في مكبس القرس

استنامت فورة اللهيب

لنشوة الصمت

خلال رعشة الدخان

يا نافش الطاووس في ذيل

بلا سبيب

كيف ارتمت حوافر الجواد

دون أن أرى التفاحه

في ضحكة الثعبان

وقبل أن يهل فجر اللحظة الموعوده

فتنفث الباروده

سحائبا من نشوة الغبار في الساحه

* * *

منتظرا ما زلت

أرقب العصا

تفسخ جلد الحية الرقطاء

ألقيتها على الثرى

فلم تفض

أخشابها باللحم والدماء

منتظرا

تفلت من أصابعي الثوان

ويستفيض البرص الأبلق

في رجائي

وأنت لا تملك أن تسدد المهماز

لا تملك أن تخوض في الحناء

فتصرع الشيب

ولا تملك أن تعيدني

    فتى يمص الخمر من مراضع الدنان

حتى الصهيل الميت

حتى الخبب الكئيب

والقنب المفتول في حبالك

الممدوده

أمسى سرابا سال من جعبته

باروده،

يا نافش الطاووس في ذيل

بلا شيب.

 

 

       الملحق 2

"القدس"1

 

رأيتك تدفنين الريح

تحت عرائش العتمه

وتلتحفين صمتك

خلف أعمدة الشبابيك

تصبين القبور

وتشربين

فتظمأ الأحقاب

ويظمأ كل ما عتقت

من سحب ومن أكواب

ظمئنا

والردى فيك

فأين نموت يا عمه

* * *

تحز خناجر الثعبان

ضوء عيونك

الأشيب

وتشمخ في شقوق التيه

تشمخ لسعة العقرب

وأكبر من سمائي

من صفاء الحقد في عيني

أكبر

 وجهك الأجدب.

أيا بابا إلى الله

ارتمى

من أين آتيك

وأنت الموت، أنت الموت

    أنت المبتغى

الأصعب

* * *

مددت إليك فجرا من حنيني

للردى وغمست محراثي

ببطن الحوت

فأية غشوة نبضت بقلبي

في دم الصحراء

وأي رجاء

تفسخ في نقاء الموت

أشعل ظلمة الثابوت

في عيني

فجئت إليك مدفونا

أنوء بضحكة القرصان

وبؤس الفجر

في وهران

وصمت الرب أبحر في خرائب مكة

أوطور سنينا

* * *

 

وتلتفتين لا يبقى مع الدم

غير فجر في نواصيك

وغير نعامة ربداء

وليل من صريف الموت

قص جوانح الخيمة

تصبين القبور

وتشربين

فتظمأ الصحراء

ظمئنا

والردى فيك

فأين نموت

يا عمه1.

 



1 -اعتمدنا في هذه المداخلة قصيدتي الشاعر :" الفروسية والقدس"، أنظرهما في الملحق 1 و2.

2 - انظر : غلاف ديوان الفروسية لأحمد المجاطي، سلسلة الإبداع 2. منشورات المجلس القومي للثقافة العربية. ط I /1987.

[1] اللسان : مادة /فرس

[2] نفسه.

1 - أنظر : موسيقى الشعر : إبراهيم أنيس : 193 وما بعدها.

2 - أنظر : قضايا الشعر العربي المعاصر، نازك الملائكة. :29.

1-    الكزازة : الانقباض والتوعر

-اللدونة : الليونة

-السباطة : اللدونة والتدفق والاسترسال والسهولة والاستواء.

-الجعودة : أو" الجعدة" فهي "التي تتوالى فيها أربع سواكن من جزءين أو ثلاثة من جزء ". ويعني جازم بتواليها " ألا يكون بين ساكن منها وآخر إلا حركة يفقد معها الوزن استرساله".

-المعتدلة : فهي "التي تتلاقى فيها ثلاثة سواكن من جزءين، أو ساكنان من جزء".

-والقوية الشديدة : هي التي يكون الوقوف في نهاية أجزاءها على وتد أو سببين.

-والضعيفة اللينة : هي التي يكون الوقوف في نهاية أجزاءها على سبب واحد، ويكون طرفاه قابلين للتغيير. (انظر منهاج البلغاء : ص 260 267).

2 - المنهاج : 267.

3 - نفسه : 267.

1 - أنظر : الوافي في العروض -والقوافي : 218.

2 - المقطع الأول هو :

سحائب من نشوة الغبار

في الساحة

تصفع وجه النجم

أو تصوغ أشباحا

من خبب بطيء

والخيل تعلك المدى

تدك الواحة

(……)

المقطع الثاني، فهو :

حتى الصهيل الميت

حتى الخبب الكئيب

والقنب المفتول في حبالك

الممدودة

أمسى سرابا سال من جعبه

باروده

يا نافش الطاووس في ذيل

بلا سبيب

(……)

 

1 - ديوان الفروسية/ : أحمد مجاطي، سلسلة إبداع 2، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية. ط I / 1987.

1 - ديوان الفروسية. أحمد المجاطي، سلسلة الإبداع 2، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية. ط I /1987.

Publicité
Publicité
15 décembre 2015

المتلقي ودوره في بناء القصيدة الشعرية بين الممارسة والتنظير

 

إن دور القراءة والتلقي في تجسيد الأدبية، عملية تتحقق في تحيين النصوص الأدبية من طرف القارئ الذي يقرأ والناقد الذي يتأمل والكاتب نفسه الذي يدفع بدوره الى الكتابة. فهؤلاء جميعا في نظر ياوس قراء، و ليس بالإمكان تصور حياة العمل الأدبي عبر التاريخ دون المشاركة الحية لهؤلاء جميعا .

فالتجربة المسبقة التي كونها القارئ عن الجنس الأدبي الذي ينتمي اليه العمل، وشكل وموضوع الأعمال الأدبية التي تفرض معرفته بها والتعارض الحاصل بين اللغة الشعرية واللغة العلمية، من شأنها جميعا أن تساهم في الإقتراب من دور المتلقي وأفق انتظاره أو توقعه في بناء النص الشعري القديم واكتماله .....موضوع هذه المداخلة

1-الملاحظ العام وجمالية الإسماع والإطراب:

لقد نظر إلى الشعر نقديا في المراحل الأولى من بدايات تكونه عبر معيار التأثير المطرب، و بنيت الشعرية على جمالية الإسماع والإطراب التي حولها البعد البلاغي الى نوع من جمالية الإقناع و التأثير، بحيث يصبح الشعر فنا قوليا يؤثر بطريقته الخاصة في النفوس سواء كان مدحا أو هجاء أو ترغيبا أو ترهيبا.

والمتتبع لدور المتلقي في بناء القصيدة العربية، سيرى أن هذا الأخير لعب دورا كبيرا في الخروج بالقصيدة العربية إلى الصيغة التي انتهت إليها، لما تراكم لهذا الأخير من إحساس وذوق فطري، يميز بين الجيد والرديء والسالم والمكسور.

وقد ظهر هذا الإحساس في شكل ملاحظات رويت وقيلت في بعض ما وصل إليه من الشعر، وهي ملاحظات وإن كانت تبدو بسيطة، فإنها قد شكلت في مرحلة التنظير نواة صلبة تعبد لشعر الشعراء اللاحقين طرقا جديدة، وتفسح لهم آفاقا جديدة يتميز بها عمله عما قبله وما بعده.

فمن صور التلقي هذه، ما كان للقدماء من آر اءكثيرة، شملت المستوى الإيقاعي والمستوى الدلالي بألفاظه ومعانيه وصياغته. فعلى المستوى الإيقاعي، توجد لدينا حكايات طريفة تتعلق بالقافية وعيوبها، كعنصر من العناصر التي ستحقق للمتلقي أفق انتظاره، والمتمثل في الخروج بالشعر من بداياته والملتبسة أحيانا بسجع الكهان. بحيث ستصبح القافية خاصية شعرية جوهرية في العربية على خلاف  اللغات الأرامية والسريانية والعبرية واليونانية، ولذلك كانت عنايتهم بها تستأثر باهتمام خاص، لأنها قرار المعنى، ولأنها الصوت الطبيعي الذي ينزل من البيت منزلة الإشارة التي تصحب كلام المتكلم. ويمكن أن نمهد لهذه الحكاية بقول المرزباني أبي عبيد الله محمد بن عمران بن موسى (ت 384هـ)، يقول: " سألتَ، حرس اللبه النعمة عليك، وأسبغ الموهبة لديك، أن أذكر لك طرفا مما أُنكر على الشعراء في أشعارهم من العيوب التي سبيل أهل  عصرنا هذا ومن بعدهم أن يجتنبوها ويعدلوا عنها، وأودعت هذا الكتاب ما سهلَ وجودُه، وأمكن جمعخ، وقرُب متناوله من ذكر عيوب الشعراء التي نبه عليها أهل العلم، وأوضحوا الغلط فيها من اللحن، والتضمين، والكسر، والإحالة، والتناقض، واختلاف اللفظ، وهلهلة النسج، وغير ذلك  من سائر ما عيب على الشعراء قديمهم ومُحدَثِهم في أشعارهم خاصة.."

فقد جمع هذا النص بين مجموعة من الأخطاء التي تنبه إليها ذلك المتلقي المتمرس بسماع الشعر وتذوقه، ورسم خريطة طريق له من خلال إبداء مثل هذه الملاحظات النقدية. وأغلب هذه الأخطاء  أو الملاحظات تمس الجانب المتعلق بالقافية في علا قتها بالوزن وباللفظ وبالمعنى، وفي علاقة هذه العناصر جميعا بالمستوى الأفقي والعمودي للقصيدة من الناحية الجمالية والدلالية والإيقاعية.

يحكى أن النابغة الذبياني، على جلالته ومهابته، بحكم ممارسته للشعر وتذوقه ونقده، فإن شعره هو أيضا لم يسلم من الإقواء، "وهو اختلاف المجرى"، أي "اختلاف حركةحرف الروي الذي تبنى عليه القصيدة"، من الرفع إلى الجر مثلا. فقد قيل أنه دخل المدينة، فعيب عليه ذلك، فلم يأبه إلى أ، جاؤوه بجارية، فقالوا لها إذا صرت إلى القافية، فرتِّلي، إي اعملي على إبانة النطق، فجعات تغنيه "أمن آل مية"، وتبين الياء في "مغتدي" و"مزوّدي"، ثم غنت البيت الآخر، فبينت الضمة في قوله"الأسود" بمن الفساد عد الدال، ففطن لذلك فغيره، وقال:  "وبذاك تنعاب الغرابُ الأسودِ". وقال: قدمت الحجاز وفي شعري "صنعةٌ" ورحلت عنها  وأنا أشعر الناس. وفي رواية أخرى: "قدمت الحجاز وفي شعري بعض العهدة، وهو العيب، فصدرت وأنا أشعر العرب".

فكثيرا ما استعانت العرب (من أهل الشعر)، بالجواري في الغناء بالنصب، والنصب في القوافي  أن تسلم القافية من الفساد وتكون تامة البناء. وكانت أيضا تستعين بالغناء في وزن الشعر.

كما نبهوا إلى اجتناب " الإكفاء" و"السناد" و"الإيطاء" و"التضمين". وألأشادوا بوحدة البيت لفظا و معنى و وزنا و قافية من خلال حديثه عن التضمين,فعابوا منه

و اشادوا بوحدة البيت لفظا و معنى و قافية، من خلال حديثهم عن التضمين كأحد العيوب الخمسة للقافية، حين عابوا على النابغة قوته:

و هم وزدوا الجفار على تهيم وهم اصحاب قوم عكاط اني شهدت لهم مواطن صالحات أتينهم بحسن الود مني و هذا نوع من أنواع التضمين، و ليس فيه أقبح منه، لأنه حل قافية الأول.

و لولا احساسهم بهذه العيوب، و أثرها على السماع... و على بلاسة الشعر و حلاوته،

لما وجدنا منهم من يفتخر بخلو شعره من مثل هذه الهنات، كقول جرير|:

فلا إقواء إذ مرس القوافي    بأفواه الرواة ولا سنادا

وإذا كانت هذه العيوب، قد وردت بكثرة في شعر الأعراب، وفي من دون الفحول من الشعراء، فيبدو أنه لا يجوز لمولد بعدهم، أن يأتي به في شعره وقد عرف عيبه. وفي ذلك يقول علي بن الرقاع:

وقصيدة قد بت أجمع بينها   ؛تى أُقوم ميلها وسِنادها

نظر المثقف في كعوب قناته   حتى يقيم ثقافه منآدها

ومن النواذر والمُلح في هذا الباب، أ،هم قد تهاجوا بهذه العيوب التي تنسب إلى ظفولة الشعر، وهم بذلك إنما ينبهون إلى ضرورة اجتنابها والابتعاد عنها، حتى لا تكون أشعارهم أشعارا مرقعة. من ذلك قول أحدهم، ولعله حماد عجرد، أو مساور الوراق في حفص أبي وده:

فأذناك إقواء، وأنفك مكفأ      وعيناك إيطاء، فأنت المرقع

2 ـ الملاحظ اللغوي وضرورة الفهم والإفهام:
من صور التلقي هذه، ما تناول اللفظ والمعنى والصياغة التي تناوات الصورة الشعرية:

ـ يروى أن طرفة بن العبد سمع المسيب بن علس يقول:

وقد أتناسى الهم عند احتضاره  بتاج عليه الصيعرية مكدم

فقال له طرفة: استنوق الجمل، أي أنك كنت في صفة الجمل، فلما قلت " الصيعرية" عدت إلى ما توصف به النوق

ـ ومن صور المعنى، قول الأعشى من قصيدة مدح بها قيس بن معد يكرب الكندي:

ونبئت قيسا ولم أبله     كما زعموا خير أهل اليمن

فجئتك مرتاد ما خبروا     ولولا الذي  خبروا لم ترن

ففي هذا البيت خطأ معنوي، لأ، عدم اختيار الممدوج يضعف الحِلم، ولأن الزعم في عرف العرب مطية للكذب.

ـ كذلك التفت المتلقي في الجاهلية إلى الصورة الشعرية، من حيث قدرة الشاعر على أدائها ، وقصة علقمة وامريء القيس، واحتكامهما إلى أم جندب معروفة...

فقد قالت لهما قولا شعرا تصفان فيه الخيل على وزن واحد، وروي واحد، وقافية واحدة، فأنشداها، فقالت لامريء القيس: علقمة أشعر منك، قال كيف؟ قالت: لأنك قلت:

فللسوط ألهوب وللساق درة    وللزجر منه وقع أهوج منعب

فجهدت فرسك بسوطك ومريته بساقك، وقال علقمة:

فأدركهن ثانيا من عنانه    يمر كمر الرائح المتحلب

فأدرك طريدته وهو ثان من عنان فرسه، لم يضربه بسوط، ولا مراه بساق ولا زجره.

وبغض النظر أنة تكزن هده المحاكمة موضوعة، أو أنها من صيغ المتأخرين، فهي لا تنفي دور المتلقي في النظر إلى كيفبة بناء الصورة.

وأم جندب في نظرنا لم تكن امرأة عادية، فهي صاحبة خمارة. و كانت تأتيها الشعراء بحثا عن اللذة،و سماع الشعر، و التفاخر بما كانت تجود به قرائحهم، و الاحتكام الى بعضهم البعض، و ايذاء الملاحظات، التي من شأنها تذوق الشعر ، و صقل الذوق. كل هذا و غيره، من شأنه أن  يبصرها               يجيد الشعر من رديئه.

و من هنا انتقد استعمال الأتفاظ الغربية في الشعر و الكلمات التي تتركب من حروف يثقل النقط بها، و يعذب سماعها. و هذا ما لخصه الجاحظ لاحقا. بقوله: 'وكذلك حروف الكلام، و أجزاء الشعر من البيت، تراها ملسا و لينة المعاطف سهلة، و رطبة مواتية سلسلة النظام خفيفة على اللسان، حتى كان البيت بأسره كلمة واحدة، و حتى و كأن الكلمة بأسرها حرف واحد.

  فلا يقال فيه:

و شعر كبعر الآرام فرق بينه     لسان دعي  في القريض دخيل         

وفي ذلك يقول عبد العزيز عتيق: "ولكننا لا نستبعد صدور مثل هذا النقد عن عربية جاهلية، لأن الحياة الأدبية في عصر امرئ القيس، لم تكن من البساطة إلى حدِّ عدم القدرة على إدراك مثل هذه الملاحظات النقدية... "

ـ كذلك تنبه المتلقي إلى الغلو في المبالغة، وعدَّها من العيوب التي يجب تجاوزها في بناء الشعر. ولذلك عابوا على مهلهل بن ربيعة "الغلو" في القول بادعاء ما هو ممتنع عقلا وعادة حين قال:

وكأن غذوة وأبي أبينا    بِجَنْبِ عُنَيْزةٍ  رَحيا مدير

فلولا الريح أُسمِع من بحجر   صليلُ البيضِ تُقرعُ بالذّكور

فقد كان بين "حجر" وبين "عنيزة"محلَّ الوقعة والتي فيها قيلت القصيدة مسيرة أيام

وهذه من المبالغات المغرقة في الغلو، ليس من شأنها إفساد المعنى فحسب، وإنما هي أيضا مُنافية للصدق، وكأنّ في ذلك التفاتا مبكرا إلى ضرورة اعتماد عنصر الصدق في الشعر واتخاذه أصلا من أصوله.

ـ ولا نريد أن نتناول هنا الأحكام العامة التي كان يصدرها المتلقي على شعر الشاعر جملة وتفصيلا، كأن يصف شعره بمزادةٍ أُحكم خِرزها، أو يحكم له انطلاقا من بعض القصائد، فيُقدّم حسان على النابغة مثلا، ويخلع على هذه القصيدة أو تلك تسمية من التسميات المعروفة لدينا جميعا، كاليتيمة، والبتارة، وسمطا الدهر، أو كالمعلّقات.

فالغرض من الحكم على شعر شاعر، أو من الحكم بتفضيله على سائر الشعراء، نوع "منالاشادة بالمنزلة التي يستحقها، ونوع من التمييز بين صِغار الشعراء وكبارهم، حتى لا يتقدّم الصِّغارُ الكبارَ، والضِّعافُ الفحولَ.

وهي أيضا إشادة ضمنية بالأشعار والشعراء الذين سيأتون فيما بعد، وسينهلون من أساليبهم، وسيقتفون أثرهم.

ولا يجب أن ننسى كذلك ، أن من الشعراء الجاهليين، "من كان له أساتذة ومرشدون يأخذ عنهم رسوم الشعر ، ومنهم يتعلّم أصوله. وفي هذا التلقي شيء من الهداية والتوجيه. فزهير بن أبي سلمى كان متصلا ببشامة الغذير، وكان لهذا أثره الواضح في تقويم ما اعوجَّ من شعره، إلى أن سلك به سبيل الاجادة والاتقان. ولا نستثني في هذه المناسبة دور الراوي الذي كا يتخيَّرُ جيِّد الشعر من رديئه، فيُلقيه في الأسواق ، إذا أعجب به وطرب له، إشاعة له بين القبائل، حتى إذا تلقٌّفهُ الرُّواة، بنى عليه اللاحقون أشعارهم، وراحوا يقتفون قوافيه وأساليبه ومعانيه وأوزانه وصوره..

ويجدر بنا أن نذكر في هذا المجال، جملة من أعلام الاختيارات الشعرية العامة، أمثال أبي عمرو بن العلاء، وأبي عبيدة، والأصمعي وغيرهم كثير ممن ساهموا كذلك في عملية التدوين الشعري، وجمع الدواوين الفردية والجماعية (كالمفضليات، والأصمعيات، وحماسة أبي تمام، وحماسة البحتري، وجمهرة أشعار العرب، ومجموعات أشعار العرب)، فكان لهم تأثير حاسم في المصادر الأساسية التي ظهرت بعدهم، وبما كان لهم منآراء في تصنيف الشعراء الجاهليين والاسلاميين إلى طبقات، وإلفى ما أقاموه من اختيارات وموازنات بين مجموعات تنتمي إلى عصور مختلفة، مرورا بمصنفات أخرى تهتم بالتراجم وأخبار الشعراء والشعر، وغيرها من كتب الأدب التي كان للشعر حضور بينها (ككتاب الحيوان للجاحظ، وعيون الأخبار لابن قتيبة، والكامل للمبرد، والعقد الفريد لابن عبد ربه.

والنظر إليها، وكأنها ألواح التشريع الشعري، فمن سار على نهجها، ارتقلى إلى معالمها ومقامها، وما لم يسر على هداها ولم يلتزم بقوانينها وقواعدها، كان إلى الرداءة أقرب، ومن درجات الجودة أبعد..

ويعني هذا المنهج في الاختيار  للنوذج الأمثل، دعوة صريحة إلى التشبث بالنموذج العربي في بناء القصيدة العربية، في اتجاه ترسيمها وحصرها في القصيدة المدحية.

3ـ المتدخل الحاكم وضرورة الاستجابة لبنيات تحت الطلب، أي معدّة مسبقا:

ولنا ىعلى مستوى الأغراض مجموعة من القراءات التي يمكن التعويلف عليها  في هذا الجانب المتعلق ببناء القصيدة الشعرية، من ذلك مثلا هذه القراءة التي وجهها النابغة الذبياني لحسان بن ثابت (وطبعا للذين سيأتون من بعده)، حينما أشار عليه بضرورة الافراط والغلو في الفخر (حيقث قال له أنت شاعر، ولكنك أقللت جفانك، وأسيافك، وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك)، لأن المقصود من مضمونه، إنما هو بلوغ الغاية القصوى لكل فضيلة نفسية، أو معنى أخلاقي، وذلك حين قال حسان:

لنا الجفنات الغر، يلمعن في الضحى    وأسيافنا تقطر من نجدة دما

ولدنا بني العنقاء، وابني محرق    فأكرم بنا خال وأكرم بنا بْنما

والحديث عن الفخر، هو حديث عن المدح، فالأمر فيهما لا يعدو أن يكون تغنيا بالفضائل والأمجاد المرتبطة بالذات والعشيرة فيحال، والمتعلقة بالمخاطب أو الممدوح في حال ثانية. فالقيم الأخلاقية التي يتغنى بها الشاعر في هذين الغرضين واحد.

وقد اعتبر عبد الملك بن مروان "الإفراط والغلو" في ذكر الفضائل، سمة من السمات البلاغية التي يجب أن بعيرها الشاعر الاهتمام في قصائده المدحية، فانتصر للأعشى على كثير عزة.
أما قيس الرقيات فقد عتب عليه في مدحه إياه. فقال له: إنك قلت في مصعب بن الزبير:

إنما مصعب شهاب من اللــــــــــــــــــــــــه تجلت عن وجهه الظلماء

وقلت في:

يأتلق التاج فوق مفرقه   على جبين كأنه الذهب

"من أجل أن هذا المدح عدل به عن الفضائل النفسية التي هي العقل، والشجاعة والعفة، وما يليق بأوصاف الجسم من البهاء والزينة.

    

 

18 juin 2015

قراءة في بلاغة العتبات من خلال الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة

 

أثار مصطلح العتبات  (Le paratexte) في استعمالات وتوظيفات جيرار جنيت استعمالات متعددة داخل الساحة الثقافية العربية تأرجحت مابين:

ـ النصوص الموازية، أو الملحقات النصية، أو هوامش النص، مع توظيف مفاهيم أخرى لتعضيد هذا المصطلح.[1]  في مقاربة النصوص الابداعية. وليست هذه العتبات، سوى ملحقات وعناصر نصية تحيط بالنص سواء من الداخل أم من الخارج.[2] وهي تتحدث مباشرة أو غير مباشرة عن النص، إذ تفسره وتضيء جوانبه الغامضة، وتبعد عنه التباساته وما أشكل على القارئ. وتشكل هذه العناصر الموازية في الحقيقة نصوصا مستقلة مجاورة وموازية للنص، غالبا ما تتحدث عنه بالشرح والتفسير والتوضيح، كعتبة المؤلف، والعنوان، والمقدمات،  والعناوين الداخلية، والملحقات، والتنبيهات، والتمهيد، والهوامش في أسفل الصفحة أو في النهاية، والمقتبسات، والتزيينات، والرسوم، وعبارات الإهداء والتنويه والشكر، وغيرها من توابع نص المتن والمتممات له مما ألحقه المؤلف أو الناشر أو الطابع داخل الكتاب أو خارجه، مثل الشهادات والمحاورات والإعلانات وغيرها، سواء لبيان بواعث إبداعه وغاياته، أو لإرشاد القارئ وتوجيهه حتى يضمن له القراءة المنتجة.

وتندرج هذه المداخلة "ضمن سياق نظري وتحليلي عام أضحى، في الوقت الراهن يعنى بإبراز ما للعتبات من وظيفة في فهم خصوصية النص وتحديد جانب أساسي من مقاصده الدلالية والجمالية والتداولية، أو ما يصنع به النص من نفسه كتابا، على حد تعبير جينيت، ويقترح ذاته بهذه الصفة على قرائه وعموما على الجمهور. وهو اهتمام كان قد انبثق بدرجات متفاوتة ـ مع ظهور النصوص الأولى التي خصها العلماء بالشروح في القديم، وأخذ في التنامي والتطور وفق مستوى وعي القدامى بقيمة عتبات النص وأهميتها،  وخاصة منها العناصر التي تسبق متن الكتاب وتنتج خطاباً حوله يعرف به ويقنع القارئ بقيمته وأهميته، كعتبة المؤلف، وليس كل مؤلف، والعنوان، والمقدمة، و ما تسعه  من مفاهيم من قبيل  الفاتحة، والتمهيد، والتوطئة. [3] ثم اتسعت دائرته شيئا فشيئا بظهور الطباعة وتطورها، ودخول الكتاب عالم المنافسة التجارية والصناعية التي أصبحت تراهن على ملحقات نصية جمالية إضافية من شأنها أن تستأثر بالمتلقي، وما صاحب هذا التحول على المستوى الفكري، اصبح ينظر فيه إلى العتبات كأداة إجرائية مساعدة في تحليل النصوص ومقاربتها. ومن هنا جاء الخلط عند عدد من الدارسين الذين ذهبوا إلى القول بحداثة هذا المفهوم

وتقدم هذه العتبة ـ [1] ـ وثمة تصنيفات أخرى تنطلق من مضمون المقدماتوطبيعة الخطاب الذيتقدمه، منها:
أ‌ -  مقدمات تقريظية تحاول إبداء المحاسنوالتغاضي عن العيوب.
ب‌-  مقدمات نقدية :تدخل في مجال تحليل العمل الإبداعي ،وإضاءته مستلهمة مختلف المفاهيم النقدية قديمها وحديثها.
ت‌-  مقدمات فنية: تقدمللنص من جنسه .
ث‌-  مقدمات موازية وتكون مستقلة عن المتن الإبداعي تسبح في أفقعام لا علاقة له بالعمل الذي تقدمه.

المداخلة، نفسها باعتبارها حديث المؤلف عن موضوعه، وما تطرحه من قضاياـ وتصورات منهجية تخص التأليف ونوع التأليف الذي أتى به من حيث جدته وما حقق فيه من سبق في مجاله المعرفي الخاص ، وهي مقدمة  لا تشكل نصا موازيا مستقلا بذاته، بل هي جزء لا يتجزأ من كتاب  الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة. فهي إن صحت المشابهة- بمثابة الرأس له.

ويندرج هذا النوع من المقدمات ضمن النصوص الموازية الداخلية التي يكون لها اتصال مباشر بالنص. بل وتعد من الأنواع التي تم الاصطلاح عليها بالمقدمات " :الذاتية ، أو الأصلية[4]، التي يوقعها كاتب النص نفسه، وهي هنا عبارة عن تعاقد ضمني أو صريح بين الكاتب وقارئه، قصد بناء علاقة بين هذا الأخير، كمتلق، وبين النص باعتباره رسالة الكاتب إلى ذلك القارئ.  ففيها يلجأ الكاتب إلى الكشف عن الأثر الأدبي وتوضيح الهدف منه، وأهم الموضوعات التي سيتناولها، علاوة على تنبيه القارئ والبوح له بملابسات وظروف كتابته، كي يسهل عليه استيعاب تعرجات النص وفضاءاته الواسعة، ويغريه من ثم بمتابعة أحداثه المتنوعة ودلالاته المختلفة، وهذه الإستراتيجية في التقديم لها حضور قوي في كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة . وهي استيراتيجية استقطابية وتوصيلية في الآن ذاته، ولا أحد يخالف جيرار جينيت في ما يمكن أن تضطلع به مثل هذه المقدمات الأصلية من وظائف مركزية سواء في فتح مغالق النص للقارئ أوشده إليه. [5]  أو في ضمان قراءة حسنة له، من خلال بسط الأسس والمفاهيم النظرية الخاصة بالإبداع والكتابة والتأليف. [6]

عتبة المؤلف:

ويمكن تلمس بلاغة هذه العتبة التي قدم بها ابن بسام بين يدي كتابه، في النقط التالية: وهي عموما لا تخرج عن الدواعي الموضوعية والذاتية والعلمية

 

1ـ الدواعي الموضوعية، أو دواعي التأليف:

وهي دواع يصعب الفصل فيها بين الأسباب الموضوعية والأسباب الذاتية، والعلمية أيضا، مثلما يصعب فيها الفصل بين مجموعة من الوظائف. التي تروم هذه العتبة استحضارها ،من ذلك، الوظيفة التعريفية والوظيفة التوجيهية، والوظيفة التعيينية أيضا، كما يستخلص من النقط التالية المتحكمة في هذه العتبة والموجهة لها، وهي:

ـ بزوغ دولة الأدب، نظمه ونثره في سماء الأندلس وسطوع شمسها

ـ تميز فرسان وأئمة الأندلس، شعراء وأدباء، عن هؤلاء المشارقة الذين ظل الأندلسيون يقتفون أثرهم ويرون في كل شيء يأتي من المشرق أمرا جديرا بالعناية والرعاية، "حتى لو نعق بتلك الأفاق غراب، أو طن بأقصى الشام والعراق ذباب" وعد هذا إهمالا لأدبهم وانجذابا إلى تراث المشرق،

ـ غيرة ابن بسام وقلقه على أدب بلده وعصره. وقد وصف هذه الحالة في صورة تحمل الكثير من القلق، فقال: " فغاضني منهم ذلك، وأنفت مما هنالك، وأخذت نفسي بجمع ما وجدت من حسنات أهل بلدي وعصري، غيرة لهذا الأفق الغريب أن تعود بدوره أهلة، وتصبح بحاره ثمادا مضمحلة، مع كثرة أدبائه، ووفور علمائه".

ـ إيمانه بضرورة الانسلاخ عن كل ما هو مشرقي أو قديم، والاهتمام أيضا بما هو متأخر أو حديث، خاصة إذا كانت تتوفر فيه من الشروط الأدبية والأساليب الجمالية والإبداعية ما يستحق التقييد والخلود. أو كان يرقى إلى هذا المستوى من الإبداع، الذي خصه بالشهادة التالية  ـ "نثر لو رآه البديع لنسي اسمه، أو اجتلاه ابن هلال لولاه حكمه، ونظملو سمعه كثير ما نسب ولا مدح، أو تتبعه جرول ما عوا ولا نبح..."

ـ حرصه على أن يأتي اختياره جامعا مانعا لمشروعه الفكري والأدبي المتمثل في محاسن ذخيرة أهل الجزيرة، حتى يضمن له من عناصر الإغراء، والإيحاء، والوصف، والتعيين، ما يجعله يجوب الآفاق ويسير به الرفاق. ويربو به على أهل المشرق.

ولتحقيق الغايتين جمع فيه " من عجائب علمهم، وغرائب نثرهم ونظمهم، ما هو أحلى من مناجاة الأحبة، بين التمنع والرقة، وأشهى من معاطاة العقار على نغمات المثالث والأزيار، لأن أهل هذه الجزيرة ـ مذ كانوا ـ رؤساء خطابة، ورؤوسُ شعر وكتابة تدفقوا فأنسوا البحور، وأشرقوا فباروا الشموس والبدور، وذهب كلامهم بين رقة الهواء، وجزالة الصخرة الصماء".

فكان أول من"فتح  أقفالها، وفض قيودها وأغلالها، فأضحت غايات تبيين وبيان، ووضحت آيات حسن وإحسان", وهذه واحدة من الغايات التي كان يرمي إلى تحقيقها.

ـ ولم يقتصر في مؤلفه على الجمع بين الشعر والنثر، ووضع التراجم، بل تضمن أيضا جملة مهمة من وقائع وأخبار المائة الخامسة من الهجرة، غذا معها وثيقة  تاريخية مهمة يمكن التعويل عليها في شرح بعض المحن، ووجوه الفتن، والأسباب التي كانت مثلا وراء استيلاء الفونسو السادس على شنترين ولشبونه، وخلع ملوكهم واجتثاث أصلهم وفرعهم،

 ـ وتوسل في جميع ذلك بأسلوب غلب عليه الحزن والهم لما لقيه من تقلب الدهر وغلبة طوائف الروم، وفراره مع من أُخرجوا من شنترين مهزومين، ثم استقراره مغتربا بإشبيلية، لا حول له ولا قوة، غير زاده من هذا الكتاب الذي يعتبر " حامله أضيع من قمر الشتاء"، لولا الظروف التي جدَّت بتولي " سير بن أبي بكر" إشبيلية فترة تأليف الذخيرة، والذي عرف بشغفه وحبه الكبيرين للأدب والأدباء. فطالع " حضرته المقدسة بهذا الكتاب على حكمه، مطرزا بسمته واسمه، مستدلا بمجده، ومتوسلا إليه بكرم عهده. تحذوه في ذلك رغبة كبيرة في أن يجوب هذا الكتاب الافاق، ويسير به الرفاق، ويضمن له من أخبار هذا الأفق ما لعله يربي به على أهل المشرق،  فتنفق سوقه ولا تضيع حقوقه.

بين المنهج والوظيفة التعليمية:

ـ أما منهجه في الجمع والتأليف، فناذرا ما كان يتأرجح بين التفسير والتبيين، وإنما كان يكتفي بإيراد الأخبار والأشعار،" فلا يفك معماها ، في شئء من لفظها ومعناها" وفي أحيان قليلة  كان يكتفي بالوقوف عند بعض أنواع البديع التي بها يتميز الشعر، وبها يعرف تفاضله وتباينه، فيشرح جملا من أسمائه وألقابه، وكان إذا ظفر بمعنى حسن أو وقف عند لفظ مستحسن، ذكر من سبق إليه، وأشار إلى من نقص عنه، أو زاد عليه،

ـ  و حدد موقفه  من بعض القضايا النقدية ، من ذلك موقفه من الشعر، ومن مسألة السرقات الأدبية، وما لها من تداعيات قد تجني على كثير من الأشعار، وتستثني كثيرا من الشعراء وخاصة المغمورين منهم، فكان له في ذلك رأي صريح، مفاده قوله : " ولست أقول : أخذ هذا من هذا قولا مطلقا، فقد تتوارد الخواطر، ويقع الحافر حيث الحافر، إذ الشعر ميدان، والشعراء فرسان". إيمانا منه بأن هذه المهمة موكولة إلى رؤساء الكلام من نقدة الشعر وصيارفة النثر.

ـ أما منهجه في الجمع والتأليف، فيبتدئ من الحديث عن الظروف والصعاب التي اعترضته، وهي كثيرة جدا، وصولا إلى مادة الكتاب في صورته النهائية، كما يتبين من بعض قوله: " ..على أن عامة من ذكرته في هذا الديوان، لم أجد له أخبارا موضوعة، ولا أشعارا مجموعة، تفسح لي طريق الاختيار منها، إنما انتقدت ما وجدت، وخالست في ذلك الخمول، ومارست هنالك البحث الطويل، والزمان المستحيل، حتى ضمنت كتابي هذا من أخبار هذا الأفق، ما لعلي سأربي به على أهل المشرق، وما قصدت به  ـ علم الله ـ الطعن على فاضل، ولا التعصب لقائل على قائل".

ـ وجعله أربعة أقسام:

ـ القسم ألأول لأهل حضرة قرطبة وما يجاورها من بلاد متوسطة الأندلس. ويشمل أخبار جماعة من أسماء الرؤساء وأعيان الكتاب والشعراء.

ـ القسم الثاني وخصه لأهل الجانب الغربي من الأندلس، وذكر أهل حضرة إشبيلية، وما يتصل بها من بلاد ساحل البحر المحيط الرومي، وضمنه جملة موفورة من الأخبار وأسماء الرؤساء، وأعيان الكتاب والشعراء.

ـ القسم الثالث، ويشمل أهل الجانب الشرقي من الأندلس، ومن برز منهم في  افق ذلك العصر من الثغر الأعلى إلى غروب الإسلام هناك. وفيه جملة من القصص وأسماء الرؤساء وأعيان الكتاب والشعراء.

أما القسم الرابع فقد// سلك فيه مسلك صاحب يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر// فأفرده لمن طرأ من الأدباء والشعراء المشارقة على جزيرة الأندلس في المدة المؤرخة ، ووصلهم بذكر طائفة من مشهوري أهل تلك الآفاق من شعراء وأدباء إفرقيا والشام والعراق.

ـ والتزم في جميع الأقسام بخطة واضحة، حيث ابتدأ بذكر الكتاب أو بمن له حظ من الرياسة، أو يدعو إلى تقديمه بعض السياسة، وتلاهم بالوزراء، ثم بأعيان الشعراء، ثم بطوائف من المقلين منهم، وناذرا ما كان يتخلى عن هذا النهج، فيذكر الشاعر الخامل، وينشد الشعر النازل، وقد يذكر الرجل لنباهة ذكره، لا لجودة شعره، وقد يقدم الآخر لاشتهار إحسانه، مع تأخر زمانه.

وقد شكلت مادة  هذه العتبة إلى جانب نص الكتاب فيما بعد، نواة أساسية لعدد من المؤلفين وشجعت الكثير من علماء الأندلس للتصدي للكتابة في مختلف المجلات، والكتاب لا يزال إلى يومنا هذا من أهم مصادر البحث في حقل الدراسات الأندلسية وقراءته للمتخصص وغير المتخصص فيها الكثير من الفائدة والمتعة.

استنتاجات:

ويمكن تلخيص أهم الاستنتاجات أو الملاحظات التي ميزت هذه العتبة في النقط التالية:

 ـ وعي ابن بسام بأهمية مقدمة الكتاب ـ مثله في ذلك مثل القدماء ـ. فقد تنبه إلى ضرورة وجودها، واعتبرها لحظة من لحظات الإبداع التي تبوح فيها الذات الإنسانية بمعاناتها، وتكون مناسبة للكشف عن تصوراتها للموضوع، ومدى إحاطتها به، كما أنه اعتبرها فرصة رسم من خلالها منحنيات الإبداع في الثراث الأندلسي ، وفرصة للإضافات التي أحس أنه أسهم بها في إثراء التجربة الإنسانية العربية بصفة عامة والأندلسية بصفة خاصة ، ورصد تحولاتها الفكرية، وتصوراتها الحاصلة في مجالات الإبداع،  ومدى مساهمته بما كان له من سبق في الموضوع، كشف فيه عن مظاهر التجديد والعطاء الفكري في تاريخ التأليف العربي.

وقد تحققت له هذه المقدمة بالصورة العلمية التي تحققت لها في التأليف العربي، وتوجد عليها الآن في مجالات البحث العلمي عامة. فدراسة مقدمة الكتاب تكشف عن حضور مسألة المنهج بصورة واضحة منذ مراحله الأولى، حيث تنطلق من تجربة حياتية وعلمية عاشها المؤلف، وأقام عليها قضيته على أساس ملاحظة ما تم إنجازه وما لم يتم إنجازه، ويحتاج إلى المغامرة وتجشم الصعاب، ثم القيام بعملية الاستقراء في ضوء المنجز من تلك الأعمال، وما يتلو ذلك من وصف وموازنة ومقارنة وشرح وتحليل.

ومن أهم السمات العلمية والمنهجية التي تحققت لهذه العتبة، أن صاحبها صنع تصميما لمؤلفه، يستجيب لمنهجيته في تحقيق نتيجة كان قد راهن، وتمثلت في تقسيم العمل إلى أربعة أقسام ، كل قسم خصص له أعلامه

خلاصة:

وتأسيسا على ما سبق، يمكن القول، أن دراسة العتبات الذاتية في الثرات العربي، من أهم عتبات النصوص، ومداخل قراءتها. فالمقدمات من النصوص التمهيدية التي قد يعول عليها الكاتب كثيرا في جذب قارئه، أو في التأثير عليه، أوفي البوح له باستيراتيجيته الخاصة، وكذا في إضاءة بعض من الجوانب المعتمة في النص.

كما تعتبر مادة علمية أساسية، يمكن التعويل عليها منهجيا ، والاستفادة منها في مجالات الابداع والبحث العلمي.

 



[1]  ـ وهذه المصطلحات هي:ـ المناصصات / اوا لمناصات. سعيد يقطين وهي عنده في كتابه (القراءة والتجربة) تلك "التي تأتي على شكل هوامش نصية للنص الأصل بهدف التوضيح أو التعليق أو إثارة الالتباس الوارد. وتبدو لنا -يقول الباحث- هذه المناصصات خارجية (ويمكن أن تكون داخلية) غالبا»

ـ المناص. عبد العالي بوطيب، على غرار ترجمة سعيد يقطين

ـ النصوص الموازية. محمد بنيس، وعبد الفتاح الحجمري. وجميل حمداوي. ويقصد بها الأول الطريقة التي بها "يصنع به من نفسه كتابا ويقترح ذاته بهذه الصفة على قرائه، وعموما على الجمهور". وهي مجموع "العناصر الموجودة على حدود النص، داخله وخارجه في آن، تتصل به اتصالا يجعلها تتداخل معه إلى حد تبلغ فيه درجة من تعيين استقلاليته، وتنفصل عنه انفصالا يسمح للداخل النصي، كبنية وبناء، أن يشتغل وينتج دلاليته

ـ الموازيات: عبد الرحيم العلام.

ـ المحيط الخارجي أو محيط النص الخارجي. فريد الزاهي

ـ الموازية النصية أو الموازي النصي. الباحث التونسي محمد الهادي

ـ الملحقات النصية . السوري محمد خير البقاعي ، وهي ترجمة جيدة ودقيقة؛ لأن النص الموازي عبارة عن عتبات وملحقات تحيط بالنص من الداخل أو من الخارج. وإلى هذه الترجمة مال الدكتور جميل حمداوي

ـ النصية الموازية. المختار حسني واستعمل مقداد قاسم مصطلح الترافق.

[2] ـ النـص المــوازي الداخــلي (Péritexte):  وتعني السابقة اليونانية (Péri) حول، أو كل نص مواز يحيط بالنص أو المتن (النص المحيط)، أو النص الموازي الداخلي أو المصاحب أو المجاور. والنص الموازي الداخلي عبارة عن ملحقات نصية، وعتبات تتصل بالنص مباشرة. ويشمل كل ما ورد محيطا بالكتاب من الغلاف، والمؤلف، والعنوان، والإهداء، والمقتبسات، والمقدمات، والهوامش، وغير ذلك مما حلله جنيت في الأحد عشر فصلا الأولى من كتابه "عتبات"([28]). د. جميل حمداوي

ـ النص المــوازي الخارجي (Epitexte):  وتعني السابقة اليونانية (Epi) "على"، أي النص الموازي الخارجي أو الرديف أو النص العمومي المصاحب. "وهو كل نص من غير النوع الأول مما يكون بينه وبين الكتاب بعد فضائي وفي أحيان كثيرة زماني أيضا، ويحمل صبغة إعلامية مثل الاستجوابات والمذكرات، والشهادات، والإعلانات، ويشمل الفصلين الأخيرين من كتاب جنيت السابق ذكره"([29]). د. جميل حمداوي

إذن، فالنص الموازي الخارجي هو كل نص مواز لا يوجد ماديا ملحقا بالنص ضمن نفس الكتاب، ولكن ينتشر في فضاء فيزيائي واجتماعي غير محدد بالقوة، وبذلك يكون موضع (النص العمومي المصاحب) في أي مكان خارج الكتاب: كأن يكون منشورا بالجرائد والمجلات وبرامج إذاعية، ولقاءات وندوات... إلخ

فهذان النصان (الداخلي والخارجي للنص الموازي) يحيطان بنص مركزي بؤري هو النص الإبداعي الرئيس. ولا يمكن فهم هذا النص أو تفسيره إلا بالمرور عبر العتبات المحيطة ومساءلة ملحقاته النصية والخارجية. د. جميل حمداوي

[3]  ـ المقدّمة Préface- التّمهيد Introduction - التّوطئة Avant-propos - الفاتحة أو الافتتاحيّة Prologue - الإشارة Note

[4]  ومنها الخطاب المقدماتي الغيري:
يتجلى هذا النوع من الخطابات المقدماتية في ذلك التقديم الذي يكتبه مقدم آخر للنص، يقوم من خلاله بتقديم شهادة حول النص أو مؤلفه أو كلاهما في نفس الوقت، وعادة ما يكون بين المقدم والمقدم له قواسم مشتركة , كأن تجمع بينهما علاقة الصحبة والصداقة أو الاتجاه الأدبي ولذا قل أن تخلو المقدمات الغيرية من روح المجاملة والدعاية والإشهار . إلا أنها تظل الأقدر على إنتاج معرفة نقدية لها فاعليتها وخصوصيتها وبالذات إذا كان المقدم شخصية لها مكانة إبداعية خاصة، ووضع اعتباري مميز. وهذا المقدم لا يختاره المؤلف (أو الناشر) اعتباطا، فهو شخصية ذات مكانة إبداعية خاصة، ووضع اعتباري مميز، بما يعني أن العلاقة ما بين المؤلف والمقدم يطبعها أكثر من قاسم مشترك.

[5] ـ وثمة تصنيفات أخرى تنطلق من مضمون المقدماتوطبيعة الخطاب الذيتقدمه، منها:
أ‌ -  مقدمات تقريظية تحاول إبداء المحاسنوالتغاضي عن العيوب.
ب‌-  مقدمات نقدية :تدخل في مجال تحليل العمل الإبداعي ،وإضاءته مستلهمة مختلف المفاهيم النقدية قديمها وحديثها.
ت‌-  مقدمات فنية: تقدمللنص من جنسه .
ث‌-  مقدمات موازية وتكون مستقلة عن المتن الإبداعي تسبح في أفقعام لا علاقة له بالعمل الذي تقدمه.

وقد أفضى تعدد المقدمات إلى تعدد الوظائف التي تؤديها, ويمكن تحديدها في:
1  ـ وظيفية تعريفية:تنبيهيه حيث يتم التعريف بالأثر الإبداعي أو بصاحبه أو بانتماء المبدع ومسقط رأسه,أو بأسباب تأليفه.
2  ـ وظيفة تحليلية:وتخص المقدمات التي تدخل في تحليل بعض دلالات العمل الأدبي.
 3  ـ وظيفة توجيهية :تحدد وجهة التأويل والقراءة كتحليل العنوان وشرحه .
4  ـ وظيفة تجنيسية وجمالية : تحدد جنس المقدم له في لغة نقدية أو شعرية .
5  ـ وظيفة ميتالغوية: تحول المقدمة إلى خطاب نقدي حول المكونات الفنية للظاهرة الإبداعية.
6  ـ وظيفة أيديولوجية: ترسل خطابا ذا حمولة إيديولوجية تعكس مواقف المقدم نحو قضايا ثقافية أو سياسية أو اجتماعية.
مع أن هذا التوصيف الوظيفي والتصنيف النوعي ليس نهائيا بحيث يمكن سحبه على مختلف المقدمات, إذ بقدر ما تتعدد المقدمات بقدر ما تتعدد وظائفها؛ إلا أن أغلبها لايخرج عن هذا التوصيف الذي يبقي لها ارتباطات مباشرة مع النص المقدم له، إما بدراسته أو بإضاءة جوانب مـنه أو مــن سيـرة مؤلفه

[6]  ـ وقد اشتمل تقديم المحقق على أهمية الذخيرة... وعلى الطريقة التي اتبعها  والتعديلات التي أدخلها عل بعض..

وعلل تقسيمه للدخيرة إلى أربعة أقسام، وجعل كل قسم من جزئين وخصص للفهارس حيزا داخل الجزء الثاني من كل قسم

والوظيفة المركزية للفهارس هي إرشاد جمهور القراء إلى طريقة التصنيف. فابتدأ بتصنيف.... مقدمة حسب مطالعها والترتيب الأبجدي لقوافيها وهذه الطريقة تسهل على القارئ اختيار ما يريد بسرعة وترك ما لا يريد

عتبة العنوان: يقول جينيت محذرا من تبسيط أو اختزال العنوان قائلا: " ربما كان التعريف نفسه، يطرح اكثر من عنصر آخر للنص الموازي، بعض القضايا، ويتطلب مجهودا في التحليل، ذلك أن الجهاز العنواني،...هو في الغالب مجموعة شبه مركبة، أكثر من كونها عنصرا حقيقيا، وذات تركيبة لا تمس بالضبط طولها." Seuil. P; 54

 الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة, طبعة الدار العربية للكناب, ليبيا, تونس 1395هـ/ 1975م

دواعي التحقيق:

ـ ظهور القسم الأول من الكتاب في مجلدين، بين سنتي 1939 ـ 1942 بعناية لجنة من المحققين ولجنة من المشرفين على التحقيق.

ـ ظهور قطعة من القسم الرابع، سنة 1945

ـ توقف اللجنة المظطلعة بتحقيق الكتاب عن متابعة عملها

ـ عزم المحقق على مواصلة إخراج الذخيرة وبخاصة القسمين الثاني والثالث، وما تبقى من القسم الرابع، مع إعادة النظر في القسم الأول، إذ من الصعب على كل دارس أن يحصل على أصولها الخطية ، ناهيك عن كون هذه الأخيرة غير ميسرة للقراءة على نحو مباشر وطيع,

ومرد هذا الاهتمام إلى وعي المحقق بأهمية الذخيرة واعتبارها من أهم مصادر الأدب الأندلسي, وفي ذلك يقول: " وأنا على يقين من أن الدراسات في الأدب الأندلسي ستجد في الذخيرة مجالا خصبا لا يدانيه في غناه واتساعه أي مصدر آخر."

وتميز عمل المحقق، عن النص في صيغته المحققة من طرف اللجنتين السالفتي الذكر، بميزات كثيرة منها:

ـ تصحيح عدد غير قليل من أخطاء القراءة

ـ التعريف بالأعلام والأماكن

ـ شرح بعض الألفاظ والمصطلحات الأندلسية الغير مألوفة أو معروفة لدى المشارقة

ـ تخريج كثير من الشواهد الشعرية التي ادرجها المؤلف في الكتاب وتمييز الأصيل من الدخيل في نص الكتاب

ـ مراجعة النص على المصادر التي استمدت من الذخيرة وعلى سائر المصادر الأندلسية التي طبعت بعد صدور ما طبع منها

كما عرف المحقق بالنسخ الخمس التي اعتمدها في تحقيقه،وهي: نسخة الخزانة العامة بالرباط رقم 1324ط . نسخة دار الكتب الملكية بالقاهرة.  نسخة باريز رقم 3321س. نسخة المكتبة التيمورية، ورمزها م. نسخة خاصة كانت في ملك الأستاذ ليفي بروفاسيال رمزها ب,

وعرف بالمنهج الذي اتبعه في تخريج نصوص الذخيرة

وخص هذه العتبة بالإشارة إلى ما أقبل عليه من عمل فهرست خاص بكل قسم بدلا من إرجاء الفهرست إلى أن يتم ظهور الأجزاء جميعا. وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أن القسم  الثالث قد صدر سنة 1975، بينما لم يصدر القسم الأول والثاني إلا سنة 1978، أما القسم الرابع فصدر سنة 1979.

وقد يرتبط الخطاب التّقديمي من الناحية الزّمانيّة بمناسبات تجعلُه في حاجة إلى تحديث وتجديد، فتُجعَل لكلّ طبعة جديدة من طبعات النص أو الكتاب مقدّمة تشرح التّطوّرات الطّارئة . د. بودرع

. وجعل كل قسم من جزئين متسلسلي الترقيم. وضمن فهارسه: ـ فهرست الأعلام ـ فهرست الأماكن ـ  فهرس القبائل والأمم والطوائف ـ فهرس الكتب المذكورة في المتن المذكور ـ فهرس القوافي ـ مصادر التحقيق ـ محتويات الكتاب

ووعد بأن يخصص الجزء التاسع لدراسة مؤلف الكتاب ومنزلته الأدبية وقيمة كتابه من النواحي التاريخية والأدبية والفنية. وأن يشمل أيضا الاستدراكات العامة والتعليقات وبعض الفهارس الفنية التي تيسر الإفادة من هذا الكتاب القيم. وعيا منه بصعوبة هذا الكتاب الذي ما يزال يحتاج تناوله إلى الموازنة  بين الشرح والتعليق والتخريج وترجيح القراءات والاقتصار على الضروري ، مع مراعاة الربط بينه وبين المصادر الأندلسية وغيرها أيضا.

 

11 février 2015

النقوش الشعرية في أندلس القرن التاسع الهجري [1]

 

       تتوخى هذه المداخلة التي نقدمها بين أيديكم مساءلة النصوص المنقوشة على الجدران والطيقان ، وغيرهما ، ومدى ملاءمتها للأغراض التي عالجتها ، دون إغفال للأوزان العروضية التي كانت وعاء لها عند كل من عبد الكريم القيسي ، ويوسف الثالث ، وابن زمرك . ونشير بهذه المناسبة إلى أننا لم نعتمد من أشعار ابن زمرك ، سوى ما ورد في الجزء السابع من نفح الطيب ، لأسباب تتعلق بغياب ديوانه عن مكتبنا .

       ولإبراز الإنزياحات الكبيرة التي عرفتها الأشعار المنقوشة في القرن التاسع الهجري بالأندلس ، عملنا على تطوير طموحنا، فقمنا بمساءلة هذه النصوص ومقارنتها بمثيلتها من النصوص الشعرية المنقوشة لابن الخطيب ، وكذا عند غير هؤلاء من الشعراء الذين ضربوا بسهم وافر في مثل هذه الأغراض التي سنأتي على ذكرها ، فلم ترق في زمنهم إلى هذا المستوى من النقش أو التعليق.

       إن أول ما استرعى انتباهنا ـ ونحن نقوم بجمع المادة الشعرية التي توفرت لدينا ، وقراءتها قراءة متبصرة ومتأنية ـ هي أن هذه الأشعار كان الهدف منها ، هو تقديم دعاية مكثفة للسلطة القائمة آنذاك ، قصد تثبيت دعائمها والتأريخ لحضارتها تأريخا يليق بمجدها وسلطانها . فاختارت لذلك أشكالا شعرية معمارية تناسب الحضارة المعمارية الهندسية التي عرفتها المدينة الأندلسية اللعوب ، وهذه الأشكال أو الطرق هي على التوالي :

       ـ الكتابة .

       ـ الرسم .

       ـ النقش .

       ـ الرقم .

       أما موضوعاتها ، وإن تعددت ، فإنها لم تخرج عن الأغراض التالية : فهي إما مدح ، أو فخر ، أو وصف ، أو رثاء في أحيان قليلة . أو مركبة في بعض الأحيان ، إما بين المدح والفخر ، أو بين المدح والوصف ، أو بين الفخر والوصف خاصة فيما يكتب على الأشياء ويكون مدحا أو فخرا على لسانها ، ففي مثل هذه الأحوال يصعب الفصل بين المدح والفخر وإن كان الوصف يظل حاضرا معهما .

       إن هذا الدور البطولي الذي تفصح عنه القصائد (المنقوشة) ، يعتبر من أهم مميزات هذه الأشكال الشعرية المعمارية التي تجعل الطيقان والقباب والأقواس ، وحتى كل مبنى من تلك المباني ، تنطق بصيغة المتكلم.

       وباستثناء ما قيل في الرثاء ، فإن تحكم هذه الصياغة يظل حاضرا في جميع قصائد ومقطعات الأنواع الشعرية السابقة ، ويمكن أن نستدل على ذلك ، يقول يوسف الثالث لترسم في مبنى (م.الرمل) [2]

أنا مطلع السعـود

أنـا  قـبة الـوفـود

يوسـف شرفنـي

حيث جدد الـعـهـود

ناصري لم تـزل

رحـمـاتـه تـجـود

فتأمـل مصنعـي

تلقـه روضـا مجـود

والظـلال حولـه

كخـوافـق  البـنـود

وأمامـي  وقفـت

ربـة الثغر الـبـرود

خـصـة معجبـة

أخـذت أوج الصعـود

كلمـا  تبصرنـي

تـترامـى للسـجـود

خجلت  في مشيها

حيث ريعـت بالأسـود

لا تـراع إنـهـا

في حمى  مولى الوجود

       إننا حسب تعبير خوسيه ميغيل بويرطا " أمام تطبيق نوع من الفخر أو الافتخار بكتابة هي أقرب ما تكون بلعبة متقطعة من ثناء السلطان والافتخار بذاتها ، فهي
تعلن من ناحية عن قدرة وإبداع الملك الباني ، ومن ناحية ثانية تعرض نفسها كتحفة جميلة وكعمل كامل وتام، ثم كمثال جمالي " [3].

       فعروضه وقوافيه ، وقوانين الفصحى ، كلها تشترك مع التناظر البصري المقوم بتوزيع الأبيات داخل فضاء الجداريات وما يتصل بها . وتكيفها هذا مع التخطيط المعماري والزخرفي ، هو الذي يجعلها تسوق كل المشروع الفني والرمزي للسلطة ، ولهذا السبب تشهد فيها اختصار القصائد السلطانية الطويلة النفس ، واختزال محتوياتها على المستوى الأفقي حتى تنتج خطابا شعريا جديدا ، ومختلفا عن القصائد الرسمية الكلاسيكية .

       لقد تطلب هذا الاندماج الرائع والناذر بين العمارة والشعر ، بنية عروضية متميزة ، بحيث أننا لو تجاوزنا ابن الخطيب ـ الذي يشكل مرحلة أولى مستقلة بذاتها ـ وقد اختار الطويل ، والكامل والبسيط والخفيف والسريع ، وما تستدعيه هذه الأوزان من الإطالة أحيانا ـ لوجدنا أن هذه الأنواع من الكتابة الشعرية ، ستنحو نحوا مخالفا في اختيار بنيتها العروضية ، مع يوسف الثالث ، والقيسي وابن زمرك ، بحيث ستفسح المجال للقصار لتحتل
الصدارة، مقارنة كذلك بالمتن الشعري الأندلسي [4] . وهكذا سنجد الرمل المجزوء قد قفز إلى المرتبة الأولى بعد أن كان يحتل في المتن المذكور المرتبة الثانية عشر، يليه مجزوء الكامل الذي كان في المرتبة التاسعة ، ثم مجزوء الخفيف صاحب الرتبة السابعة عشر .

       أما الطويل والبسيط ، فكانا أقل هذه الأوزان حظا ، ويليهما الكامل والسريع بوحدتين شعريتين ، أما الخفيف فخصه ابن زمرك بثلاث وحدات شعرية ، جعلته في المرتبة الثالثة إلى جانب أخيه المجزوء ، بعد أن كان يحتل الرتبة الخامسة في المتن الأندلسي ، ولم يتأخر من القصار سوى مجزوء الرجز الذي خصه القيسي بوحدة شعرية ، مثله في ذلك مثل الطويل والبسيط ، كما يتبين من الجدول رقم 1.

الجدول رقم 1 : بأنواع الأشعار المرصودة

حسب توزيعها على الشعراء

الأوزان

المكتوبة

المرسومة

المنقوشة

المرموقة

المجموع

ابن الخطيب

القيسي

يوسف الثالث

ابن زمرك

ابن الخطيب

القيسي

يوسف الثالث

ابن زمرك

ابن الخطيب

القيسي

يوسف الثالث

ابن زمرك

ابن الخطيب

القيسي

يوسف الثالث

ابن زمرك

م.الرمل

 

9

1

 

 

1

3

6

 

 

 

 

 

 

 

 

20

الطويل

10

 

1

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

11

الكامل

5

 

1

 

 

 

1

 

2

 

 

 

1

 

 

 

10

 

../..

 
م.الكامل

 

3

 

 

 

 

2

2

 

 

 

 

 

 

 

 

7

الخفيف

1

 

 

1

 

 

 

2

1

 

 

 

 

 

 

 

5

البسيط

1

1

 

 

 

 

 

 

2

 

 

 

 

 

 

 

4

السريع

1

2

 

 

 

 

 

 

1

 

 

 

 

 

 

 

4

م.الخفيف

 

1

 

2

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

3

م.الرجز

 

1

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

1

المجموع

18

17

3

3

0

1

6

10

6

0

0

0

1

0

0

0

66

 

ولا أستبعد أن تكون الكتابات التي اختارت لنفسها الأوزان الطوال ، على قلة أبياتها قد انتقيت من قصائد طويلة ، راقت السلطان ، فأمر بكتابتها ، لتؤرخ لعظمته وجلاله . ففي ذلك يقول كرسية غومس :

       " ولأن كل بيت في الشعر العربي يتضمن معنى كاملا ، وقلما يتوقف على البيت الذي سبقه ، أو يرتبط بالبيت الذي يليه ، فقد كان من اليسير جدا القيام بمثل هذا اللون من الانتفاء والمطابقة ، وربما أدخل عليها الشاعر أحيانا تغييرات طفيفة للغاية لتناسب المقام ، وتأخذ الأبيات المختارة شكل قصيدة جديدة لها ملامحها الذاتية الخاصة بها ، كالقصيدة الأكثر طولا التي سلبت منها " [5].

       لقد تركز هم السلطة القائمة آنذاك على إيجاد مجموعة من العلامات لتثبيت ذاتها ، ولجعل نظامها مرئيا، شامخا ، فوجدت في فنون أو لغات العمارة ، والزخرفة ، والخط ، إلى جانبي فن الرسم والنقش ما يحقق طموحها ، ويثبت علاماتها الشخصية في حوار مستمر يتعايش فيه شعر معماري وعمارة شعرية ، ضمن مشروع مدحي عام .

       ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه علينا بإلحاح ، هو إلى أي حد سلمت هذه النصوص من عبث أولئك الذين رمموا القصر العربي في الأندلس ؟ إننا لا نستبعد أن يكون هؤلاء قد ضحوا أيضا بالطريقة التي "نقشت" بها هذه الأشعار ، فلم يميز فيها بين المكتوبة والمرسومة والمنقوشة والمرقومة ، ولا بين أنواع الخط الذي زينت به ، خصوصا وأن لدينا من الشهادات عن السؤال الأول ، ما يثبت صحة هذه الافتراضات التي تبدو أكيدة إلى حد ما.

       فقد كتب "غومس" عن الأعمال التعسفية التي لحقت نصوص القصر العربي قائلا : " من المؤكد أنه لتحقيقها، ضحي في مرات كثيرة بالنصوص الأدبية ، ـ فهذه الأخيرة ـ كانت في نظر المشرفين والعمال مجرد حروف ميتة ، فقلدوا كيفما اتفق بعض فقرات العناوين ، وأقحموها في أمكنة غير مناسبة ، لمجرد مراعاة التناسق والزخرفة فحسب ، دون أن يقع في خاطرهم ، أنهم بذلك يدمرون تسلسل النص ، أو معنى أبيات من الشعر . وهكذا اختفت بقاياها المجهدة ، وضاعت إلى الأبد " [6] .

       أمام هذه الحقائق ، وأمام عدم وقوفنا ـ في عين المكان ـ على هذه المنمنمات الشعرية ، بالإضافة إلى عدم توفرنا على صور لها قام مستشرقون بنقلها على الطبيعة ، نرى أن نكتفي الآن بقراءة هذه النصوص في علاقتها بأنواع الكتابة ، وما ناسبها من أوزان وأغراض شعرية ، لعلنا نسهم في تقريب صورة من صور هذا الوجود الرائع الذي زينت به بعض المباني السلطانية ، وما يتصل بها من قباب ، وطيقان ، وفخار ، وأقواس ، وسكاكين ، وسيوف ، وحمالات ، وخزائن ، وقبور ، وأثواب حريرية وغير حريرية ، إلى غير ذلك من الموصوفات التي ستأتي على ذكرها .

       1 ـ الأشعار المكتوبة :

       وعددها واحد وأربعون (41) وحدة شعرية ، أي ما يعادل (64,06%) من مجموع الأنواع الشعرية . أما أبياتها فتشكل نسبة 67,78% ، وتنظر هذه النسب هنا إلى نتاج ابن الخطيب الذي يصل إلى ثمانية عشرة وحدة (18)، عدد أبياتها مائة وعشرون بيتا (120) ، الشيء الذي جعل أوزان هذه الكتابة تخضع للترتيب التالي :

       الطويل في المرتبة الأولى ، بنسبة (26,82%) ، ثم مجزوء الرمل بنسبة (24,39%) ، فالكامل بنسبة (14,63%) ، والسريع ، ومجزوء الخفيف ، ومجزوء الكامل في مرتبة رابعة بنسبة (7,31%) ، يليها الخفيف والبسيط بنسبة (4,87%) ، وأخيرا الرجز المجزوء بنسبة (2,43%) .

       لكن إذا احتكمنا إلى العامل التاريخي الذي يوجه خطواتنا في هذه الدراسة ، فإننا سنلاحظ تخلي الطويل كذلك عن صدارته لمجزوء الرمل . فإبعاد الإنتاج الشعري لابن الخطيب ، باعتباره خارج الحقبة الزمنية المرصودة ، يضعنا أمام معطيات جديدة ، هي أقرب ما تكون إلى الصواب الذي يرتضيه الشعر الذي قصد به إلى الكتابة في القرن التاسع الهجري . بحيث سيصل معدل الرمل المجزوء إلى (43,47%) ، يليه مجزوء الخفيف ومجزوء الكامل بنسبة (13,04%) . أما بقية الأوزان التي حظيت بهذا اللون الشعري ، فلن تتعدى (8,69%) مع وزن السريع ، و (4,34%) مع الطويل والكامل والخفيف ومجزوء الرجز .

       هذا ، وقد صاحب هذه المجزوءات ، ميل شديد نحو التقصير على المستوى العمودي (متراوحة ما بين البيتين، وخمسة أبيات) حتى تناسب الفضاء المخصص لها ، وتنتج بذلك خطابا دقيقا في معانيه وصوره . أما تعابيرها ، فأغلبها تعلن العزة والملك والفتح للسلطان ، وتدعو له بالنصر والتمكين والسعادة كقول ابن زمرك (م.الخفيف) [7]

رفعت قوس سمائي

يزهى بتـاج الهـلال

قد قلدته  نقوشـي

در الدراري العوالـي

ترى الأباريق فيـه

تهديك عـذب الـزلال

قد زان قصري سعد

بسـعـده الـمتوالـي

فدام بعـمر ربعـي

في كلء مولى الموالي

       ومن نماذج البيتين ، قول يوسف الثالث ، لتكتب في سيف : (م.الرمل) [8] :

يوسف قلدنــي

ربــه أيدنــي

فأنا  فـي كفـه

حتف  من عاندني

       والجدير بالذكر ، أن الكتابة على الأشياء ، لم تقتصر على دعائم السلطان ، وإنما عملت كذلك على تقديم نوع من الدعاية الإشهارية التي يكون القصد منها جلب اهتمام المشاهد . وقد أكثر القيسي من هذا النوع الإشهاري المدحي القائم على تمجيد الشيء ، مثل قوله ، ليكتب على قوس : (م.الرجز) [9] :

من اشترى القوس بما

يملكه لا يعذل

فـرمـيـة  واحـدة

مخلفة ما يبذل

       وقد وجد في تقنية التجنيس ، ما يساعده على هذه المهمة ، ففي المعنى المذكور قال : (م.الرمل) [10] :

ليس يخفى قدر حظي

في المحاماة وسهمي

عندمـا  أرمي بنبلي

من يعاديني وسهمي

       ولهذا التزيين اللفظي إلى جانب الوزن ، قوة جمالية وإقناعية ثمينة ، حيث أنها تستميل الشعور ، وتثير العزيمة من أجل الدفع إلى فعل الاقتناء .

       فمما قاله ليكتب على ترس خشب (م.الكامل) [11] :

في الحرب أحفظ حاملي

من كل  سوء يتقي

فعلى الذي يخشى الوغى

مثلي وقاء ينتقـي

 

       ونكتفـي بهذا النماذج ، لننتقل إلى وضع (الجدول رقم 2 ) نبين للقارئ من خلاله علاقة هذه الأنواع من الكتابة الشعرية بالموضوعات والأغراض التي ناسبتها في اتصالها بالأوزان المنتقاة ، كما ارتضاها كل من يوسف الثالث وعبد الكريم القيسي وابن زمرك ، ونوضح من خلاله كذلك ، تعامل ابن الخطيب مع هذا النوع من الكتابة، حتى تبدو لنا المقارنة سهلة ، وذات أهمية في فهم الانزياحات التي يوضحها الجدول نفسه ، فيما يتعلق بعلاقة الشعراء بالأوزان الشعرية في هذا الموضوع .

 

(جدول رقم :2) جدول الأشعار التي حظيت بالكتابة

الوزن

الشعراء

موضوعاتها وأغراضها

ع.الأبيات

الـطـويــــل

ابن الخطيب

ـ ق/18 : لتكتب في قبة العرض (مدح/فخر)

9

ـ ق/270 : من المكتوبات في المباني السلطانية (فخر/مدح)

4

ـ ق/20 : لتكتب في لوح حذق الأمير (مدح)

32

ـ ق/51 : لتكتب في سكين أبي سالم (فخر)

51

ـ ق/233 : ليكتب في سكين الكم (فخر)

04

ـ ق/234 : ليكتب على سفرة طعام (فخر/مدح)

03

ـ ق/291 : ليكتب على مروحة (فخر/مدح)

27

ـ ق/303 : ليكتب على قبر السلطان أبي سالم (رثاء)

27

ـ ق/321 : ليكتب على سرير من خشب (وصف/مدح)

14

ـ ق/248 : ليكتب على سرير من خشب (وصف مدح)

15

يوسف الثالث

ـ ق/130 : ليكتب في غمد سيف رائق أمرنا أن يكون في غاية الاحتفال

2

م.الرمل

القيسي

ص 117 : ليكتب في مدح فخار (فخر)

2

ص 118 : ليكتب في مدح فخار (فخر)

2

ص 152 : مما يكتب على سهم (فخر)

2

ص 228 : مما يكتب على خزانة كتب العلم (فخر)

2

ص 153 : ومما كتب على سهم (فخر)

2

ص 238 : ليكتب على قوس (فخر)

2

ص 240 : ما يكتب على قوس (فخر)

2

ص 246 : ليكتب على معد الدراهم (فخر)

2

ص 247 : ليكتب على معد الدراهم (فخر)

2

يوسف الثالث

ص 130 : ليكتب في غمد سيف رائق أمرنا أن يكون في غاية الاحتفال

2

السريع

ابن الخطيب

ص 123 : لتكتب في سكين أبي سالم (فخر/وصف)

2

القيسي

ص 251 : لتكتب على ترس خشب

2

ص 241 : لتكتب على قوس

2

 ./.

م.الكامل

القيسي

ص 252 : لتكتب على ترس خشب

2

ص 245 : ليكتب على معد الدراهم

2

ص 247 : ليكتب على معد الدراهم

2

البسيط

ابن الخطيب

ق/228 : مما كتب على ثوب غير حريري اختص بلباسه أبو الحجاج

4

القيسي

ص 119 : ليكتب في مدح فخار

2

الخفيف

ابن الخطيب

ق/166 : ليكتب في سكين أبي سالم

2

ابن زمرك

ص 230 : ليكتب في سكين لعمنا الأمير سعد

2

م.الرجز

القيسي

ص 239 : ليكتب على قوس

2

 

2 ـ الرسم بالأشعار :

لقد تعالى الفنان بأعماله الخطية وأشكاله الصورية التي طوع البسملة لها بدافع كراهية الدين للتصوير وعدم تشجيعه له، وغدت رغبة الفنان في الخلق والابتكار عبر الرسم بالحروف والكلمات هدفا ملحا تتوق إليه روح المهرة .

وانتشار هذا النوع من الكتابة بالرسم ـ الذي يمكن اعتباره مرحلة متطورة عن المرحلة السابقة في الأندلس ـ له علاقة مباشرة مع شعار بني الأحمر " ولا غالب إلا الله " . فلهذا الشعار الذي يأتي بالخط الكوفي أو بالخط النسخي ، أو بهما معا، قوة تعبيرية خاصة هي التأكيد على القدرة الإلهية .

ومن ثمة جاء اهتمام السلطة النصرية بالتخطيط الزخرفي، بصوره المختلفة الجميلة ، لتثبيت سلطتها الدينية والدنيوية ، فأضافت لبلاغة الأقواس والأبواب والطيقان وغيرها ، بلاغة شعرية فنية بعيدة عن التخطيط التشكيلي للخط العربي ، بما تحمله حروفه من أبعاد رمزية مختلفة تتصل مباشرة بالثقافة العربية وبالعقيدة الإسلامية .

إن هذه الصورة الطريفة للمدينة المطرزة اللعوب ، وهي تصب عصارة جهدها الفني في تصميم تريد له البقاء والخلود : " كانت تنطلق من مبادئ وطموحات جمالية أكثر هندسية بقصد الإحكام الصناعي والإيقاع الجميل ، وتمثيل آراء عميقة مثل التوحيد والاتحاد الجوهري الهندسي للطبيعة بأكملها " [12].

لذلك خصت هذا النوع بموصوفات معينة ، تكاد لا تخرج عن الطيقان والقباب ، بحيث شكلت هذه لوحدها نسبة (82,52%)، منها (33,33%) للرسم على القباب ، و (52,94%) للرسم على الطيقان . ويمكن تفسير هذا الميل نحو هذه الأشكال الدائرية ، بما ذهب إليه علي زعبور حين قال : " إن الشكل الدائري شديد الحضور في بعض نتاجات الفن الإسلامي ، كنقوش منابر الجوامع وجدرانيات المسابح ، لا لهدف هندسي أو لاقتصاد في المساحة ، أو ما أشبه من أسباب ، وإنما في ذلك الشكل تعبيرا عن التفريد ، فالفنان هنا يعبر عن روح حضارية معينة ، وعن نظرات الأمة وعن لون من التعبد ، فيرى في الكتابة على شكل دائري تقريب الإنسان من الكمال" [13].

أما على مستوى عدد الأبيات ، فبلغت نسبة الطيقان منها ـ على تعدد وحداتها ـ (21,64%) ، في حين ارتفعت في القباب ، وعددها ثلاثة وحدات ، إلى (23,71%) ، بحيث لم تتعدى أبيات الأولى البيتين والثلاثة ، بينما وصلت في الثانية بين ستة وعشرة أبيات ، وذلك تماشيا مع فضاءها الجغرافي الذي لا تسمح فراغاته بأكثر من ذلك . وهو ما يفسر كذلك اعتماد الرمل المجزوء في جميعها ، باستثناء قطعتين لابن زمرك ركب فيهما وزن الخفيف .

وأما موضوعاتها ، فلا تخرج عن الفخر والمدح ، ويمكن أن يستدل على ذلك بقول يوسف الثالث لترسم في إحدى القباب : (م.الرمل) [14]:

أنا للضمـآن ري

ولي القدر العلي

قد أقام حسن شكلي

المقام اليوسفـي

كلما شـح غمـام

أنا  بالورد حري

       وفي نفس المعنى ، يقول ابن زمرك (م.الرمل) [15] :

أنـا تـاج  كهـلال

أنا كـرسي جمـال

ينجلي الإبريق فيـه

كعروس ذي اختيال

جود مولانا ابن نصر

قد حباني بالكمـال

       ولم يقتصر شعر الرسم على هذه الوظيفة ، وإنما لعب دورا تزيينيا إضافيا فيما يتعلق بالأثواب التي تليق بهدايا الملك،
أو بسيف من السيوف . فهذا يوسف الثالث يقول في سيف له ، وقد خصه بأوصاف معينة : " ومما ناضمناه وأمرنا أن ترسم على سيف بلغ حسن التخير ، أصيل القائم ، ماضي الغرار ، نهري الصفحة ، ذهبي الحلية ، مباهيا بنجاده الزاهر الحديقة ، مستظهرا بالجفن الذي يقعد اللحظ في بديع الزينة : (م.الرمل)[16]

أنـا سيف للذي

فاق في المجد البشر

يوسف بن يوسف

وكفـى لي مفتخـر

       ويمكن إلصاق هذه الوظيفة التزيينية أيضا ، بأبيات القيسي التي قالها لترسم في مرشم الخبز : (م.الرمل) [17] :

من يرد تحسين خبز

من أولي الفضل لأكل

فليحسن خبزه بـي

مـالـه والله مثلـي

       ونضف إلى المقطوعتين اللتين اختار لهما ابن زمرك وزنا طويلا ، المرثية الطويلة التي نظمها يوسف الثالث على بحر الكامل لترسم على لحد أخيه ، وتملأ جميع فراغاته بما مجموعه أربعة وعشرون بيتا .

       ويودعنا يوسف الثالث ، والقيسي ، وابن زمرك ، كما ودعنا من قبل ابن الخطيب ، فهو ربما لم يدرك هذه المرحلة من الرسم بالأشعار ، كما يتبين لنا من الجدول رقم 3 ، ولكنه أدرك مرحلتين لم يدركها لاحقوه ونعني بهما مرحلة النقش والرسم بالأشعار .

 

الوزن

الشعراء

موضوعاتها وأغراضها

ع.الأبيات

مجزوء الرمل

ابن زمرك

ص 229 : مما رسم في طيقان الأبواب بالمباني السعيدة

3

ص 229 : وفي مثله

3

ص 229 : وفيه

3

ص 229 : وفيه

3

ص 232 : مما يرسم للغني بالله

2

ص 232 : وقال أيضا

2

ص 232 : ومن مقطوعاته

2

يوسف الثالث

ص 53 : وأمرنا أن ترسم في مبنى

10

ص 73 : وأمرنا أن ترسم على سيف

2

ص 165 : ليرسم في طاقة إحدى القباب

3

القيسي

ق/166 : ليرسم في مرشم الخبز

2

مجزوء الكامل

ابن زمرك

ص 225 : ليرسم على ثوب بعض هدايا مولانا رحمه الله

14

ص 226 : في مثل ذلك

8

يوسف الثالث

ص 54 : وأمرنا أن ترسم في مبنى

6

ص 104 : ليرسم في الجهة اليسرى من القبة التي أمرنا بتجديدها وتناهت العناية في تشييدها

7

الخفيف

ابن زمرك

ص 232 : مما يرسم للغني بالله

3

ص 232 : //   //    //   // 

2

الكامل

يوسف الثالث

ص 169 : ليرسم على لحد أخينا

24

 

3 ـ النقش والرقم بالأشعار :

       إنهما طريقتان في تخليد الأثر ، عن طريق الكتابة ، بأحرف بينة متقاربة ، ذات أشكال جمالية رائعة ، تستطيع أن تحيا أبدا فوق الجدران ، وتخلد بالتالي حضارة الخارجين من الأندلس .

       والحقيقة أن هاتين الطريقتين ، لم يكتب لهما من الشيوع ما يجعل شعراء القرن التاسع الهجري يلتفتون إليهما . فكل ما نتوفر عليه من نصوص ، لا يتعدى في مجموعه سبع مقطوعات، واحدة منها لترقم على حمالة سيف ولد السلطان . أما نصيب المنقوش منها ، فوصل إلى ست مقطوعات ، بما مجموعه تسعة وعشرون بيتا ، أغلبها لينقش على طيقان الماء للقبة السلطانية اليوسفية (انظر الجدولين رقم 4 و 5) .

الجدول رقم 4 : جدول الأشعار المنقوشة

الوزن

الشعراء

موضوعاتها وأغراضها

ع.الأبيات

البسيط

ابن الخطيب

ق/454 : مما نقش في قبة المشور (مدح/فخر)

14

ق/693 : مما نقش في قبة المشور (مدح)

4

الكامل

//

ق/653 : لتنقش على طيقان الماء بالقبة السلطانية اليوسفية (فخر/وصف)

3

ق/200 : لتنقش على برادة (فخر)

2

الخفيف

//

ق/462 : لتنقش على طيقان الماء بالقبة السلطانية اليوسفية (فخر/وصف)

3

السريع

//

ق/100 : لتنقش على قبر سكن عزيز (رثاء)

3

الجدول رقم 5 : جدول الأشعار المرقومة

الوزن

الشعراء

موضوعاتها وأغراضها

ع.الأبيات

الكامل

ابن الخطيب

ق/290 : لترقم على حمالة سيف ولد السلطان (وصف/مدح)

2

 

       وأظن أن نسبة شيوع الطرقتين ، له ارتباط كبير بمعاني هذه الأنماط المرصودة من الكتابة ، خاصة في المراحل اللاحقة لابن الخطيب ، لذلك لم تصادف إقبالا عند شعراء القرن التاسع الهجري ، إن لم نقل إنها قد اختلطت عندهم بمفهوم الرسم والكتابة [18] .

       هذه ـ إذن ـ كانت الأوجه المتعددة  للأنماط الشعرية الجديدة ، التي أوجدها البعد الحضاري للعمارة الأندلسية في شموخها وبقاءها ، وهي تستوقف ـ الآن ـ كل ناظر إليها ، يسأل عن الدور الذي لعبته هذه الأنواع الشعرية الأربعة ، التي أتينا على ذكرها ، في تقديم لوحة فنية جميلة ، تناظر اللوحة التي صاغتها مهارة الشاعر الأندلسي ، وتحقق بالتالي طموح سلطان مثل يوسف الثالث الذي كان يأمر أن تكون الطريقة المنتقاة في غاية من الاحتفال .

 

أ ـ المصادر :

1 ـ ديوان ابن الخطيب : تحقيق محمد مفتاح ، دار الثقافة ـ البيضاء ، ط1 ، 1989 .

2 ـ ديوان عبد الكريم القيسي : تحقيق جمعة شيخة ومحمد الهادي الطرابلسي ، المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات ، بيت الحكمة ، قرطاج ـ تونس ، 1988 .

3 ـ ديوان يوسف الثالث : تحقيق عبد الله كنون ، المكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، ط2 ، 1965 .

4 ـ لسان العرب لابن منظور : دار صادر ، بيروت ـ لبنان .

5 ـ نفح الطيب ، ج7 : تأليف أحمد بن محمد التلمساني ، تحقيق إحسان عباس ، دار صادر بيروت ، طبعة 1988 .

ب ـ المراجع :

1 ـ التحليل النفسي للدار العربية ، أنماطها السلوكية والأسطورية : علي زعبور ، دار الطليعة بيروت ، ط3 ، 1981.

2 ـ قضية تناسب الوزن والغرض في الشعر العربي بالأندلس : عبد الإله كنفاوي ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ، مرقونة بكلية الآداب ـ الرباط تحت رقم 811,1 كنف .

3 ـ مع شعراء الأندلس والمتنبي : كارسيا غومت ، تعريب الطاهر أحمد المكي ، دار المعارف القاهرة ، ط4 ، 1985 .

ج ـ المجلات :

1 ـ العرب والفكر العالمي: مركز الإنماء القومي، ع19،1992.



[1] ـ عرض تقدم به الباحث برسم الملتقى السادس الذي نظمته كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان ، شعبة اللغة العربية وآدابها ، حول موضوع "المغرب والأندلس في القرن التاسع الهجري" ، معالم في الأدب والفكر والتاريخ ( أيام 15و16و17 ماي 2000 مقر الكلية) ، تعهدت إدارة الكلية بنشره ضمن أعمال الندوة.

[2] ـ ديوانه ، ص : 53.

[3] ـ البنية الطوباوية لقصور الحمراء : العرب والفكر العالمي ، ع19/1992 ، ص : 35.

[4] ـ نشير هنا إلى دراسة إحصائية قمنا بها ، وشملت 4970 وحدة شعرية، لثمان وعشرين ديوانا (انظر رسالتنا لنيل د.د.ع) ، قضية تناسب الوزن والغرض في الشعر العربي بالأندلس ، مرقونة بكلية الآداب ـ الرباط تحت رقم 811,1 كنف.

[5] ـ مع شعراء الأندلس والمتنبي ، تعريب الطاهر أحمد مكي ، دار المعارف ، القاهرة ، ط4/1985 ، ص : 70.

[6] ـ المرجع السابق ، ص : 224.

[7] ـ الدخيرة ، ج7 ، ص : 230 .

[8] ـ ديوانه ، ص : 130.

[9] ـ ديوانه ، ص : 239 .

[10] ـ ديوانه ، ص : 240 .

[11] ـ ديوانه ، ص : 251.

[12] ـ

[13] ـ التحليل النفسي للذات العربية ، " أنماطها السلوكية والأسطورية " ، دار الطليعة بيروت ، ط3 ، 1981 ، ص : 123.

[14] ـ ديوانه ، ص : 165.

[15] ـ الدخيرة ، ج7 ، ص : 229 .

[16] ـ

[17] ـ

[18] ـ يؤيد زعمنا هذا هذه المعاني التي تدل عليها كل من كلمتي "نقش" و "رقم" ، "فنقش" : تعني في المعجم ، الأثر والنمنمة ، أي الرقش والزخرفة والرقم (مادة نقش/اللسان) ، وتعني "رقم" : تعجيم الكتاب . وكتاب مرقـوم: أي بينت حروفه بعلاماتها من التنقيط. وقوله عز وجل : " كتاب مرقوم " كتاب مكتوب. وفي الحديث: (أتا فاطمة عليها السلام، = = فوجد على بابها سترا موشى فقال:ما لنا والدنيا والرقم‌ !) يريد: النقش والوشي ، والأصل فيه الكتابة ، ورقم الثوب يرقمه رقما ورقمه : خططه (مادة "رقم" اللسان).

20 octobre 2014

مصطلحات عروضية

 

 

مصطلحات عروضية

 

 

مطبوع دراسي في مادة:

بلاغة وعروض

لطلبة مسلك الإجازة

 في الدراسات العربية

الفصل الأول

 

 

 

السنة الدراسية: 2014 ـ 2015

                                     2015 ـ 2016                 

 

 

 

إعداد: الدكتور عبد الإله كنفاوي


 

 

مصطلحات عروضية:

 

 

ـ 1 ـ البحور:

إنها مجموعة من الأنساق الإيقاعية التي تقوم على احترام نظام معين في تتابع الحركات والسكنات، وبتعبير أدق، فالبحر هو القالب الإيقاعي المنتظم الذي يوجد خارج النص ومستقلا عنه، والذي يمكن أن يتحقق في نصوص كثيرة، أو لا يمكن أن يتحقق، مادام أن العرب لم يأتوا به على صورته النظريةفهذه الأخيرة إما خماسية أو سباعية، أو مركبة من سباعية وخماسية.

  • فالخماسية، ما تركبت من أجزاء خماسية، هي :

ـ المتقارب: (فعولن): [فعولن+فعولن+فعولن+فعولن]

ـ المتدارك : (فاعلن): [فاعلن + فاعلن + فاعلن + فاعلن]

  • · والسباعية، ما تتركبت من أجزاء سباعية، وهي:

1 ـ إما مركبة من جزء واحد، وهذه هي:

ـ الوافر: (مفاعلتن) = مفاعلتن/ مفاعلتن/ مفاعلتن.

ـ الكامل: (متفاعلن) = متفاعلن/ متفاعلن/ متفاعلن.

ـ الهزج :(مفاعيلن) = مفاعيلن/ مفاعيلن/ مفاعيلن

ـ الرجز : (مستفعلن) = مستفعلن/ مستفعلن/ مستفعلن

ـ الرمل : (فاعلاتن): فاعلاتن/ فاعلاتن/ فاعلاتن

وإما مركبة من جزأين سباعيين، وهذه هي:

ـ السريع : (مستفعلن/ مفعولات) = مستفعلن/مستفعلن/مفعولات.

ـ المنسرح : (مستفعلن/ مفعولات) = مستفعلن/ مفعولات/مستفعلن,

ـ الخفيف : (فاعلاتن/ مستفع لن) = فاعلاتن/ مستفع لن/ فاعلاتن.

ـ المضارع : (مفاعيلن/ فاع لاتن) = مفاعيلن/ فاع لاتن/ مفاعيلن

ـ المقتضب : (مفعولات/ مستفعلن) = مفعولات/ مستفعلن/ مستفعلن.

ـ المجتث : (مستفع لن/ فاعلاتن) = مستفع لن/ فاعلاتن/ فاعلاتن.

  • أما الخماسية السباعية، فهى التي تتركب من أجزاء خماسية وسباعية، وهي:

ـ الطويل : (فعولن/ مفاعيلن) = فعولن/ مفاعيلن/فعولن/ مفاعيلن,

ـ المديد : (فاعلاتن/ فاعلن) = فاعلاتن/فاعلن/فاعلاتن,

ـ البسيط :(مستفعلن/ فاعلن) = مستفعلن/ فاعلن/ مستفعلن/ فاعلن

هذه إذن الأجزاء والتركيبات التي تتألف منها بحور الشعر العربي في صورتها النظرية.[1]

وتنتمي إلى هذه اللائحة من البحور، مجموعة من الأوزان المهملة، كان قد أفرزها نظام الخليل الدائري، وهي:

ـ مقلوب الطويل:  وهو الذي سماه ابن الحداد بالوسيط، ومفكه من الدائرة الأولى، وبناء الشطر فيه على: [ مفاعيلن/ فعولن/ مفاعيلن/ فعولن].

ـ مقلوب المديد: ويخرج هو الآخر من الدائرة الأولى، ويسمى عندهم بالوسيم، ووزنه: [ فاعلن/ فاعلاتن/ فاعلن/ فاعلاتن ]. ويستعمل مثمنا، ويستعمل مربعا، فمن مثمنه قوله: ( وسيم).[2]

قَدْ شَجانِي حَبيبٌ وَاعْتَرانِي اذِّكارٌ **  لَيْتَهُ إِذْ شَجانِي مَا شَجَتْنِي الدِّيارُ

وبيت مربعه: ( مشطور الوسيم).

مَنْ لِصَبٍّ مَعَنَّى ** بِالَّذِي يَتَمَنَّى

ـ ويخرج من دائرة المؤتلف: مهمل سماه ابن الحداد بالمعتمد، وسماه ابن كيسان السالم، وسماه آخرون المتوافر أو المتوفر، وبناء شطره على:

[ فاعلاتك/ فاعلاتك/ فاعلاتك ].

 

ـ ويخرج من دائرة المجتلب، حسبما اقتضاه تفكيكها، ثلاثة أبحر مهملة، قال عليها المحدثون، وهي:

ـ المتئد: [ فاعلاتن/ فاعلاتن/ مستفع لن ].

ـ المنسرد: [ مفاعيلن/ مفاعيلن/ فاع لاتن ].

ـ المطرد: [ فاع لاتن/ مفاعيلن/ مفاعيلن ].

 

 

         1ـ 3 ـ الزحافات والعلل:

وهي تغييرات تحدث في موازين الشعر وتفاعيله، بالنقص أو الزيادة ، بتقديم أوتأخير، أو تسكين، أو حذف أوغير ذلك مما سنأتي على ذكره.

1 ـ 3 ـ 1ـ الزحاف:

وهو تغيير يختص بثواني الأسباب بالحذف، أو التسكين. ومن خصائصه أنه لا يلتزم في القصيدة، إلا في أماكن خاصة كالقبض في عروض الطويل والخبن في بعض أعاريض البسيط. ولا يختص بمكان ما، فقد نجده في العروض والضرب والحشو. والزحاف نوعان: مفرد ومزدوج.

أ ـ الزحاف المفرد:

وهو ما وقع في مكان واحد من الجزء. وقد أعطى الخليل لكل صنف من أنواعه الثمانية، بحسب موقعه إسما خاصا به، بعد أن وجد أن موقعه في الجزء لا يعدو أن يكون ثانيا، أو رابعا، أو خامسا، أو سابعا. ( وهذه خاصية يشاركه فيها المزدوج كذلك).

فالذي يدخل ثاني الجزء:

ـ حذف الثاني الساكن : الخبن.

ـ تسكين المتحرك: الإضمار.

ـ حذف الثاني المتحرك: الوقص.

والذي يدخل رابع الجزء، فله حالة واحدة:

ـ وهي : حذف الرابع الساكن، وقد سماه بالطي.

والذي يدخل خامس الجزء:

ـ حذف الساكن: القبض.

ـ تسكين المتحرك: العصب.

ـ حذف المتحرك سمي: العقل.

والذي يدخل سابع الجزء، فله حالة واحدة هي:

ـ حذف السابع الساكن، وهذا هو الكف.

ب ـ الزحاف المزدوج:

وهو الذي يأتي في موضعين من التفعيلة. وأنواعه أربعة هي:

ـ الخبل: وهو اجتماع الطي مع الخبن، بتوالي الحذف في موضعين، فيحذف الرابع والثاني، في مثل: مفعولات = معلات ¬ فعلات.

ـ الخزل: وهو اجتماع الطي مع الإضمار، بتوالي الحذف والتسكين في موضعين، فيحذف الرابع ويسكن الثاني، وهو منحصر في تفعيلة: متفاعلن، فيحذف ألفها، وتسكن تاؤها فتصبح : مُتَفعلن، وتنقل إلى: مُفْتعلن.

ـ الشكل: وهو اجتماع الكف مع الخبن، بتوالي الحذف في موضعين، فيحذف السابع الساكن بالكف، ويحذف الثاني الساكن بالخبن، فتصير فاعلاتن ¬ فعلات.

ـ النقص: وهو اجتماع الكف مع العصب، فيحذف السابع الساكن، ويسكن الخامس المتحرك، فتصير: مفاعلتن = مفاعلْتُ ¬ مفاعيل.

1 ـ 3 ـ 2 ـ العلل:

وهذه بخلاف الزحاف، فهي لا تختص بثواني الأسباب، وإنما تختص بالعروض والضرب. ولا تأتي في الحشو، وإذا دخلت العروض أو الضرب لزمها الشاعر في القصيدة كلها، لا كالزحاف الذي لايلزم،[3] وهي قسمان: علل بالزيادة وعلل بالنقص.

أ ـ علل النقص: وهي تسعة أنواع. وقد خصها صاحب الرياضة الغامزة بأوزان دون غيرها، وهي التي تشير إليها التفريعات التالية:

1 ـ الحذف: (حذف السبب الأخير من آخر الجزء)، ويدخل:

2 ـ القطف: ( تسكين الخامس مع حذف السبب الأخير من آخر الجزء)، ويدخل:

3 ـ القصر: (حذف ساكن السبب الأخير من آخر الجزء مع إسكان متحركه)،

4 ـ القطع: (حذف آخر الوتد المجموع وإسكان ما قبله)،:                  

5 ـ البتر : حذف السبب الخفيف من آخر الجزء مع آخر الوتد المجموع وإسكان ما قبله)،

6 ـ الحذذ : ( حذف الوتد المجموع من آخر الجزء)،

7 ـ الصلم : (حذف الوتد المفروق من آخر الجزء

8 ـ  الوقف ← ( إسكان السابع المتحرك)،

9 ـ  الكسف ← (حذف السابع المتحرك)،

ويمكن أن نضيف إلى علل النقص هذه، كما يتبين من هذا التشجير،  أنواع ثلاثة من التحولات التي تساهم بدورها في وصف أعاريض وضروب الأنساق الإيقاعية، ستساهم هذه الأخرى بدورها في خلق أوزان شعرية قصيرة. وهي:

*. الجزء: وهو ذهاب جزء من آخر الصدر، وآخر من آخر العجز، وهذا هو المجزوء. ويصيب فقط: البسيط، الوافر، الكامل، الرجز، الرمل، الخفيف، المتقارب، المتدارك. ثم أوزان لا تأتي إلا مجزوءة، وهي : المديد،  المضارع، المقتضب، المجتث. فهذه الأوزان كلها لاتأتي على صورتها النظرية. أما الطويل والسريع والمنسرح، فلا يصيبها الجزء.

*. الشطر: وهو ذهاب شطر بأكمله، وبقاء شطر، وهذا هو المشطور. ويصيب هذا التغيير : الرجز والسريع.

*. النهك: وهوذهاب أربعة أجزاء من البحر، وبقاء جزأين، وهذا هو المنهوك. ويصيب هذا التغيير: الرجز والمنسرح.

*. وإذا بقي جزء واحد، سميبالمقطع.

 

 

ب ـ علل الزيادة: وهي ثلاثة أنواع، ولا تقع إلا في الأوزان القصيرة وهذه هي:

1 ـ  التذييل ← (زيادة حرف ساكن على ما آخره وتد مجموع)،

2 ـ الترفيل ← (زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع)،

وإذا كانت هذه العلة، لا تصيب سوى المجزوءات من الأوزان، فإنها لا تدخل مجزوء البسيط، أو بتعبير أصح، فإن الخليل لا يسمح بدخولها هذا الوزن، كما لايسمح بدخولها الرجز المجزوء.

3 ـ التسبيغ ← (زيادة حرف ساكن على ما آخره سبب خفيف

1 ـ 3 ـ 3ـ أشباه العلل : ( زحاف تقوم مقام العلة في اللزوم)

يلاحظ من خلال عرض البنيات الإيقاعية أن الزحاف في بعض الأحيان، يخالف المبدأ العام الذي سبق الحديث عنه، فيلزم في بعض الصور، ويعامل معاملة العلة في اللزوم.

فالحالات التي يقوم الزحاف فيها بتعويض العلة في مهمة تحديد العلاقة بين مختلف صور الأعاريض والضروب، وتمييز بعضها عن بعض هي :

ـ القبض : وهو حذف الخامس الساكن في كل من :فعولن ومفاعيلن           

ـ الخبن: وهو حذف الثاني الساكن في كل من فعولن ومفاعيلن

ـ الطي: (وهو حذف الرابع الساكن)

ـ العصب : (وهو إسكان الخامس المتحرك)

 

ج ـ أوزان البحور المهملة:

أما الأوزان التي يمكن توليدها من البحور المهملة، فهي كثيرة، ويمكن أن نقتصر فيها على الأوزان التي تسمح بها التغييرات التي تطرأ على العروضة، دون الضرب، وهذه هي: [4]

مقلوب الطويل:

وزنه،: [ مفاعيلن/ فعولن/ مفاعيلن/ فعولن × 2 ]

البحر الثاني:

[ فاعلن / فاعلاتن / فاعلن / فاعلاتن× 2 ]

البحر الثالث :

فاعلاتك/ فاعلاتك/ فاعلاتك ** فاعلاتك/ فاعلاتك/ فاعلاتك

البحر الرابع :

[ فاعلاتن/ فاعلاتن/ مستفع لن × 2 ]

البحر الخامس :

مفاعيلن/ مفاعيلن/ فاع لاتن**مفاعيلن/ مفاعيلن/ فاع لاتن

البحر السادس :

فاع لاتن/ مفاعيلن/مفاعيلن **فاع لاتن/ مفاعيلن/ مفاعيلن


 

 

1 ـ 3 ـ 5 ـ العلل الجارية مجرى الزحاف:

هذا ومن العلل ما يجري مجري الزحاف في عدم اللزوم، وهذه العلل، أو أشباه العلل التي تخالف مبدأ العلة، فلا تقع في موقعها، وحين تقع، لاتلزم، هي:

-            الحذف في العروض الأولى لبحر المتقارب.

-            والتشعيب، ثم الخرم، والخزم.[5]

  • فالتشعيت هو حذف أول الوتد المجموع، وهو خاص بالضرب دون العروض إلا عند التصريع، ففي مثل هذه الحالة يدخل العروض، ويصيب كلا من الخفيف، والمجتث، والمتدارك. فـ (فاعلاتن) الموجودة في بحر الخفيف، تصير: (مفعولن).    
  • أما الخرم، فهو حذف أول الوتد المجموع في الجزء الأول من البيت. ويقع في فعولن، ومفاعيلن، ومفاعلتن، من الطويل والمتقارب والهزج والمضارع والوافر.

ـ أما الخزم : فهو ضد الخرم، بالراء غير معجمة، الناقص منهما ناقص نقطة، والزائد منهما زائد نقطة. وغالبا ما يكون بزيادة حرف من حروف المعاني، أو كلمة، وقل ما يخزم بحرف من نفس الكلمة. إلا أنهم لم يأتوا فيه بأكثر من أربعة أحرف.[6] وهذه الزيادة غير لازمة ولا دخل لها في تقطيع البيت، وهي غير مختصة ببحر من البحور. وقد يقع في أول الشطر الثاني، لكن بحرف أو حرفين لا غير، وهو أيضا غير لازم . وإذا سقط لم يفد المعنى، ولا أخل به ولا بالوزن.[7]  وفي ذلك يقول المبرد: " الفصحاء من العرب يزيدون ما عليه المعنى ولا يعتدون به في الوزن علما بأن المخاطب يعلم ما يزيدونه".[8]

 


2 ـ البيت والقافية:

غالبا ما يرتبط تعريف الشعر عند العرب القدامى بالمفهوم الكلاسيكي للبيت، (بشطريه الإثنين)، أكان في بداية القصيدة أو في سياقها أو في خاتمتها. وكانت القصيدة، بالنتيجة، عبارة عن هذا التراكم المطرد للعناصر الشعرية التي تنغلق عليها.

ويتحقق مفهوم البيت في التجربة الشعرية القديمة ـ تأصيلا وتطبيقا ـ على أساس من تكرار النسق الإيقاعي المعين عدداً من المرات في كل بيت من أبيات القصيدة. ويتناسب هذا العدد تناسباً عكسياً مع عدد العناصر التي يتألف منها النسق الإيقاعي، دون الخروج عن المعايير التي تحدد هذا النسق، أو ذاك. ومع ذلك فقد كان الشاعر دوماً حراً في الوقف عند الحد الذي يشاؤه في عملية التكرار أو عدمه .

ففي نسق الرجز  مثلاً ، يبلغ طول البيت أحياناً ستة أنساق، وأحياناً أربعة أنساق، فيكون البيت مقسما إلى شطرين، يشتمل كل منهما على العدد نفسه من التفاعيل، وقد يتخلى عن هذا المفهوم، فيكون مشطرا، من ثلاثة أنساق. ويمكن أن يكون منهوكا، وهو نوع من المشطر إلا أنه يقوم على جزأين. وقد يكون من هذا النوع المشطر ما هو أقل، فيقوم على جزء واحد، وهذا هو المقطع.

وقد يصل البيت مع الأوزان الثمانية إلى ثمانية أجزاء، كل شطرة فيه من أربعة أجزاء، وقد لا يمكن أن يتحول عنها إلى غيرها كما هو الحال في الطويل مثلا. فكل شطر من شطريه يجب أن يحتفظ على العدد نفسه من التفاعيل وعلى نفس القافية، والعروضة والضرب.

فحد البيت ما انبنى من مصراعين،( الصدر والعجز)، ولكون المصراع هو النصف، علم أن البيت لا يكون من أكثر من مصراعين. وحد المصراع ما انبنى من نصف أجزاء دائرته. وما كان على هذه الصورة، فلا يسمى بيتا. وكذلك ما انبنى من أقل من النصف، أو جاء على جزء واحد. ويخرج من هذا الحد كذلك ما انبنى من مصراع وجزء أو أكثر، وذلك كقول القائل:

شق جيب الليل عن نحر الصباح

وبــــدا للطل فــــي جيــــد اللقاح

ودعــانا للذيــــــذ الاصـطــــباح

**

**

**

أيها الساقون

لؤلؤ مكنون

طائر ميمون

 

 

 

" فإن هذا مركب من مصراع الرمل، وثلث، وسبب خفيف، وحرف من الوتد سكن للوقف، وشاهد ذلك وهو التقطيع، وهو:

شققجيبل ليلعننح رصصباح فــاعلاتن فاعلـن  فاعــلان

 

أييهسسا قون    فاعلاتن  فعل

وأصل فعل ساكن اللام فيه" فاع" أو " فال" من فاعلاتن الثاني من المصراع الثاني...".[9]

وأما مازاد عن حد المصراعين، فخرج عن مفهوم البيت، هذا البيت الذي جاء شطره الثاني من ستة أجزاء، أي بزيادة تفعيلتين:

ألا إنني باك على جبل باك ** يقود بنا باك ويتبعنا باك ويحدو بنا باك

أ ـ الأقفال :

والأقفال كما حددها ابن سناء الملك ـ هي أجزاء مؤلفة يلزم أن يكون كل قفل منها متفقا مع بقيتها في وزنها وقوافيها وعدد أجزائها. والقفل، كما تقدم، يتردد في الموشح ست مرات في التام، و خمس مرات في الأقرع. ويسمى القفل الأول في الموشحة مطلعا، وقد يسمى مذهبا. ويطلق على القفل الأخير اسم المركز أو الخرجة.

ب ـ الأدوار:

الأدوار مفرد دور، وهي: [ الأبيات ] عند ابن سناء، مكانها من الموشحة بعد القفل، إذا كان الموشح تاما، وقد تكون قبله إذا كان أقرعا. و(البيت) لا بد أن يتردد في التام وفي الأقرع خمس مرات. وهي غالبا ما تأتي في شكل أجزاء مؤلفة مفردة أو مركبة يلزم في كل (بيت) منها أن يكون متفقا مع بقية (أبيات) الموشح في وزنها وعدد أجزائها لا في قوافيها، بل يحسن أن تكون قوافي كل (بيت) منها مخالفة لقوافي( البيت) الآخر [10] 

والدور ( البيت) في الموشحة نوعان: بسيط ومركب.

فالبسيط ما كان سمطه ثلاثة أجزاء على الأقل. وقد يكون في الناذر من جزأين.

فمما جاء منها على ثلاثة أجزاء مفردة:[11] ( وهذه هي الأسماط)

ومما جاء منها على أربعة أجزاء مفردة:[12]

قد باح دمعي بما أكتمـه   وحن قلبي لمن يظلمـه    رشا تمرن في لا فمـه     كم بالمنى أبـــــدا ألثمــه

أما البيت المركب فهو ما تألف من فقرتين، أو ثلات فقر، وقد يتركب في الأقل من أربعة فقر. وقد يكون من ثلاثة أجزاء ونصف أيضا. وأكثر ما يكون من خمسة أجزاء.[13]

فمما تركب بيته من فقرتين وثلاث أجزاء:[14]

أقم عذري على خمر كما تدري

 

فقـد آن لي أن أعـكف يـطوف بها أوطــف هضيم الحشــى مخطـف

ومثال ما تركب بيته من فقرتين وثلاثة أجزاء ونصف:[15]

من أودع الأجـــفان    

قضى على الهيمان  

وأنبت الريحــــــان    

أنـــى وللكتـــــــمان

 

صوارم الهنـــد

في صفحة الخد

بالدمـع  والشهد

ومثال ما تركب بيته من فقرتين وأربعة أجزاء:[16]

ما حوى محاسن الدهر

معرق الخدين من فهر

نسبــة للنايل الغمــــــر

فأنا أهـــواه للفخـــــــر

 

إلا غزال

عم وخال

وللنــزال

وللجمـال

ومثال ما تركب  بيته من فقرتين وخمسة أجزاء:[17] 

هن الضباء الشمس

ما إن لها من كنس

القرب  منها عرس

تلك الشفاه اللعـــس

لها لحاظ نعـــــــس

 

قنيصهن   الضيغم

إلا القلوب  الهيـــم

والبعد عنها مأتـــم

يحيى  بهن المغرم

ترنو إلى من يسقـم

وقد يندر في بعض الموشحات ما يكون بيته جزئين مركبين من فقرتين، وهو شاذ جدا، وهو:[18]

باكر إلى الخمـر فالعمر فـــي  خســــر

 

واستنشق الزهرا  ما لم  يكن سكـرا

ومثال ما تركب بيته من ثلاث فقر وثلاث أجزاء:[19]

من لي به يرنو ينأى به الحسن وتارة يـــــدنــــــو

 

بمقلتي ساحـر   فينثني نافــــر      كما احتسى  الطايــر

 

إلى العباد صعب القياد مـــاء الثمـــاد

ومثال ما تركب بيته من أربع فقر وثلاث أجزاء: [20]

بأبي  مذهبي يستبــي

 

ضبي حمى   رشف لمى  قلبــــي  بمــا

 

تكنفه      قرقفه                 يعطفـــــــــــه        

 

أسد غيل   سلسبيل        إ ذ  يميـل

3 ـ 1ـ الأسماط والأغصان:

ـ  السمط  لغة خيط النظم ويجمع على سموط وأسماط، والمسمط من الشعر، أبيات تجمعها قافية واحدة مخالفة لازمة للقصيدة حتى تنقضي، كقول الشاعر:[21]

ومستلئم كشفت بالرمح ذيلــه ** أقمت بعضب ذي سفاسق ميلـــه

فجت به في ملتقى الحي خيله ** تركت عناق الطير تحجل حوله

كأن على أثوابه نضح جريال

وهـو في المعنى الاصطلاحي، اسم لكل شطر من أشطر الدور( البيت). 

ـ أما الأغصان: ، فمفرد غصن، وهو ما تشعب عن ساق الشجرة من دقاقها وغلاظها.[22]

وفي الاصطلاح الشعري هي كل شطر من أشطر المطلع أو القفل أو الخرجة. وتتساوى الأغصان عددا وترتيبا وقافية في كل الموشحة وقلما يشذ الوشاح عن هذه القاعدة، فلا تتساوى فيها الأقفال والخرجة مع المطلع.[23]

 



[1] ـ أما إذا أخذنا بصورها في حال الإنجاز، فإن الأوزان التالية ستأخذ الرسم التالي:

ـ الهزج: [1+1] مفاعيلن مفاعيلن.

ـ المضارع: [1+2] مفاعيلن فاع لاتن.

ـ المقتضب: [1+2] مفعولات مستفعلن.

ـ المجتث: [1+2] مستفع لن فاعلاتن.

ـ المديد: [1+2+1] فاعلاتن فاعلن فاعلاتن.

[2] ـ ابن زاكور. النفحات الأرجية: 34.

[3] ـ وهناك فرق آخر بين الزحاف والعلة، وهو أن الزحاف لايكون إلا بالنقص، أما العلة فتكون بالزيادة والنقصان. ويلاحظ من خلال عرض العلل، أنها لا تختص بالعروض والضرب فقط، بل وبآخرهما دون أولهما أو وسطهما.

 

[4] _ اكتفينا بهذه التحولات التي تصيب الضرب دون العروضة، لأنها في نظرنا كافية لتفسير أوزان الموشحات التي تقوم على نظام الشطر.

[5] ـ هناك خلاف في الرأي حول الخرم والخزم، فجماعة ـ ومنهم صاحب الخزرجية ـ ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن محمد الخزرجي، وابن زاكور، وغيرهما ـ ترى أنه علة. وجماعة أخرى ترى أنه زحاف، ومن هؤلاء ابن السقاط، والقللوسي الذي وجدناه قسم الزحاف إلى ستة أقسام: أولي، ويشمل: الخرم والخزم، وثنائي، ورباعي، وخماسي، وسباعي، وما ازدوج منها مفردا مركبا. ( انظر: النفحات الأرجية والنسمات البنفسجية بنشر ما راق من مقاصد الخزرجية: 73)، و( الختام المفضوض: 114 )، و( شرح الغموض: الورقة: 21. مخطوط ).

[6] ـ الشريف السبتي. (الرياضة الغامزة: 68). ويرى القللوسي أن القياس يقتضي، إذا جاز الخزم بكلمة، أن تبلغ الكلمة سبعة أحرف عدد أطول ما تبلغه الكلم بالزيادة . (الختام المفضوض: 125).

[7] ـ ابن رشيق. العمدة: 1/ 278.

[8] ـ الكامل: 1/ 128.

[9] ـ النفحات الأرجية: 48.

[10] ـ دار الطراز: 33.

[11] ـ دار الطراز: 36. ومطلعه : " أأفردت بالحسن ** أم خلقك إبداع ".

[12] ـ نفسه: 37. ومطلعه: " كم ذا يؤرقني ذو حدق ** مرضى صحاح ** لا بلين بالأرق".

[13] ـ نفسه: 34.

[14] ـ نفسه: 37. ومطلعه: " كذا يقتاد ** سنا الكوكب الوقاد ** إلى الجلاس ** مشعشعة الآكواس ".

[15] ـ نفسه: 76.

[16] ـ توشيع التوشيح: 26. ومطلعه: بأبي أحوى رشيق * في الهوى لا يشفق *أنصف الله من الصد * من يعشق

[17] ـ توشيع التوشيح: 26. ومطلعه: " كم في قدود البان ** تحت اللمم ** من أقمر ** عواط ".

[18] ـ دار الطراز: 39.

[19] ـ دار الطراز: 39. ومطلعه: " أعيا على العود ** رهين بلبال ** مؤرق "

[20] ـ دار الطراز: 40.

[21]  ـ تاج العروس: مادة [ سمط].

[22] ـ اللسان: مادة [ غصن ].

[23]  ـ معجم مصطلحات العروض والقافية: 295

20 janvier 2014

القوافي والأوزان أية علاقة *

قديما تنبه النقاد إلى أن القافية شريكة الوزن في الاختصاص بالشعر العربي. ولا يسمى شعرا حتى يكون الكلام موزون مقفى دال على معنى.[1]  وإلى هذا الرأي يميل ابن رشيق ، حيث يقول : "الوزن أعظم أركان الشعر، وأولاها به خصوصية ، وهو مشتمل على القافية، وجالب لها ضرورة ، إلا أن تختلف القوافي ، فيكون ذلك عيبا في القافية ، لا في الوزن ، وقد لا يكون عيبا ، نحو المخمسات ، وما شاكلها ". [2]

وقد سميت كذلك ، لأنها تجيء في آخر البيت . ففي لسان العرب قافية كل شيء آخره . والقافية من الشعر ، الذي يقفو البيت ، وفي الصحاح ، لأن بعضها يتبع أثر بعض.

    وقال بعض الناس هي القصيدة بهذا البيت : (متقارب)

 

وقافيه مثل حد السنـا

  • §

ن تبقى ويذهب من قالهـا

 

 وقال بعضهم : القافية هي البيت ، واحتج بقول عبد بني الحسحاس (الطويل) :

 

أشارت بمدارها وقالت لتربها

  • §

أعبد بني الحسحاس يزجي القوافيا [3]

 

وقال قطرب النحوى : " القافية : الحرف الذي تبنى القصيدة عليه ، وهو المسمى رويا " . وهذا التعريف قال به ثعلب ، ولم يأخذ به علماء العروض بعده،
ولكنه لا يزال هو المفهوم الشائع للقافية [4] .

أما الأخفش ، فأنكر أن تكون القافية حرفا ، أو حرف الروي ، وهي عنده "آخر كلمة في البيت" [5] . وقد ذكر الخليل قولان ، أحدهما أنها " آخر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه، مع حركة الحرف الذي قبله " . وعلى هذا القول تكون القافية في قول الشاعر :

 

إذا ما أتتك من صاحب زلة

  • §

فكن أنت محتالا لزلته عذرا

 

  هي حركة العين والذال والراء والألف (عذرا = /0/0) [6].

والقافية على قول الخليل الآخر : " ما بين الساكنين الأخيرين من البيت مع الساكن الأخير فقط " [7] .

فالقافية على المذهب الأول ، وهو الصحيح ، والثابت في كتب العروض ، يجعل القافية جزءا من الوزن، أو طرفا من جزء ، ويدخل في مدلولها حرف الروي ، وغيره من وصل ، وخروج ، وتأسيس ، وردف، وما أشبه ، وهذا ما فهمه ابن رشيق ، ولذلك أورد تعريف أبي موسى الحامض للقافية حين جعلها : " ما لزم الشاعر تكراره في آخر كل بيت من الحروف والحركات " . معقبا عليه بأنـه " كلام مختصر مليح الظاهر ، إلا أنه إذا تأملته ، كلام الخليل بعينه لا زيادة فيه ولا نقصان ". [8]

وينبغي أن يفهم من هذه التعريفات ، أن النظام الصوتي القافوي ، في أي صورة من صوره ، غير مستقل عن النظام العروضي وقوانينه . فالتحقق الوزني للقصيدة، هو تحقق يتم في حضور البنية الإيقاعية للقافية، ويتفاعل معها ، ومع الوحدات اللغوية من ناحية ثانية ، في بناء البيت ، وضمان استقلاليته العروضية (والنظمية والدلالية، وسلاسته على اللسان) . وهو ما عبر عنه ابن رشيق ، حين ألف بينها وبين وحدة البيت في القصيدة برمتها ، قائلا : ويكون " البيت كله هو القافية ، لأنك لا تبني بيتا على أنه من الطويل ، ثم تخرج منه إلى البسيط ، ولا إلى غيره من الأوزان ". [9]

ويمكن أن نجتهد نحن، فنقول: إنه لا يمكن بناء البيت على أنه من الطويل الأول، ثم نخرج منه إلى الطويل الثاني، أو الثالث. كذلك ، فإنه لا يمكننا الجمع بين قافيتين من نظامين مختلفين داخل قصيدة واحدة ، فنأتي بقافية متداركة مرات ، وبقافية مترادفة مرات أخرى.

فعدم المطابقة بين النظامين الوزني والقافوي، يعتبر ازدواجا يتعارض والتشاكل الصوتي الإيقاعي الذي بنيت عليه قوافي الشعر القديم وأبياته ، بل إن التعارض بينهما يعتبر غير مقبول على الإطلاق في المنظومة الشعرية التقليدية.

وهذا ما أراد أن ينبه عليه الخليل بن أحمد الفراهيدي، في تقسيمه لأنواع القوافي وأعدادها التسع والعشرين ، أو الثلاثين ، كما يتبين من هذا النص الذي رواه الأخفش:

قال في باب عدة القوافي : " وهي ثلاثون قافية ، يجمعها خمسة أسماء: متكاوس، متراكب، متدارك، متواتر، مترادف.

فللمتكاوس منها واحدة … وذلك فعلتن ، أربعة أحرف متحركة بين نوها ونون الجزء الذي قبلها .

وللمتراكب أربع … وهي : مفاعلتن، مفتعلن، فعلن، … وفعل ، إذا كان يعتمد على حرف متحرك نحو: فعول فعل .

وللمتدارك، ست قواف … وهي: متفاعلن، مستفعلن، مفاعلن، فاعلن، وفعل إذا اعتمد على حرف ساكن نحو فعولن فعل … وفل إذا اعتمد على حرف متحرك نحو فعول فل .

وللمتواتر سبع … وهي مفاعيلن، فاعلاتن، فعلاتن، مفعولن وفعولن، فعلن، وفل إذا اعتمد على حرف ساكن..

وللمترادف إثنتا عشرة... وهي متفاعلان، مستفعلان، مفتعلان، مفاعلان، فعلتان، فاعليان، فعليان، مفعولان، فاعلان، مفاعيل، فعول ".[10]

فمن يتدبر أمر هذه القوافي، ينتهي إلى أن عددها بعدد الأوزان المأثورة عن العرب، ولا يشذ عنها سوى وزن المنسرح المنهوك الموقوف: "مستفعلن مفعولات ". فالقافية فيه تنتهي بـ (لات//0/ ). وهي قافية لا تمت بصلة إلى هذه الأنواع التي ذكرها الخليل ، عكس ما يمكن ملاحظته مع بقية الأوزان ، كما يتبين من خلال هذا الجزء بأنواع القوافي ، وما يندرج تحتها من أوزان .

 

1 ـ القافية المتكاوسة :

وهي القافية التي تتوالى فيها أربع حركات بين ساكنيها ، في آخر البيت ، وذلك "فعلتن" ، ولا تكون إلا فيما ضربه "مستفعلن" ، بعد حذف ثانيه ، وطي رابعه ، فتبقى "متعلن " ، فتنتقل إلى " فعلتن " . وهو المخبول ، والغريزة تنفر منه ، وربما لذلك كان استعمال هذا النوع قليلا في الشعر العربي ، ولا توجد سوى في خمسة من الأوزان يختصرها الجدول التالي :

المتكاوسة

أوزانـــــــهــــا

(////0)

فعلتن

ـ البسيط الرابـع المجزوء  (المطوي المخبون)

ـ الـرجــــز الأول (   / /         / /  )

ـ الرجز الثالث المجزوء (   / /         / /  )

ـ الرجز الرابع المشطور (   / /        / /  )

ـ الرجز الخامس المنهوك (   / /        / /  )

 

وأوزان هذه القافية ، لا تدخل عندنا ضمن الأوزان المأثورة عن العرب ، فجميعها مزاحفة بالطي والخبن ، ولا تستقل بذاتها ، بل كان على الخليل أن يبعد هذه القافية عن الأنواع المتبقية ، ولكنه لم يفعل ، لأن أبياتا مزاحفة للأوزان المرصودة صادفته ، فاتخذها لتكون صورا للقافية المتكاوسة ، وليجعل أنواع القوافي بعدد الدوائر .

2 ـ القافية المتراكبة :

وهي التي تتوالى فيها ثلاث حركات بين ساكنيها ، وسميت بذلك ، لأن الحركة فيها توالت ، فركب بعضها بعضا ، وهذا دون المتكاوس ، لأن مجيء الشيء بعضه إثر بعض ، دون الاضطراب [11] ، ولذلك كان حظها من مجموع القوافي والأوزان أوفر من سابقتها ، كما يتبين من هذا الجرد :

 

 

المتراكبة

أوزانــــهــــــــــا

فعلن

/0[///0]

ـ المديد الخامس المجزوء (المخبون المحذوف)

ـ البسيط الأول المخبون

ـ الكامل الرابع الأحذ

ـ السريع الرابع المخبول المكسوف

ـ المتدارك الثاني المخبون 

مفاعلتن

/[/0///0]

ـ الوافر الثاني المجزوء الصحيح

مفتعلن

[/0///0]

ـ ضرب المنسرح الأول المطوي

ـ المقتضب الأول المطوي

فعول فعل

/[/0///0]

ـ ضرب المتقارب الثالث المحذوف          إذا اعتمدا على

ـ المتقارب الخامس المجزوء المحذوف    على حرف متحرك [12]

 

3 ـ القافية المتدراكة :

وهي التي تتوالى فيها حركتان بين ساكنيها [/0//0]، وسمي هذا النوع بالمتدراك ، لأن الحركة فيها أدركت الأخرى ، فلم ينقصها حركة أو سكون ، والخيل وغيرها إذا جاءت متداركة ، كان أحسن من أن يركب بعضها بعضا [13] ، ولذلك كان حظ هذه القافية أوفر من المتراكبة، بحيث وصلت إلى ست قواف ، موزعة على تسعة عشر وزنا ، يوضحها الجدول التالي :

 

 

المتراكبة

أوزانــــهــــــــــا

مفاعلن

/[/0//0]

ـ الطويل الثاني المقبوض

فاعلن

[/0//0]

ـ المديد الثالث المجزوء المحذوف

ـ الرمل الثالث المحذوف

ـ ضرب الرمل السادس المجزوء المحذوف

ـ السريع الثاني المطوي المكسوف

ـ ضرب الخفيف الثاني المحذوف 

ـ الخفيف الثالث المحذوف

ـ المتدارك الأول التام

ـ المتدارك الرابع المجزوء الصحيح

مستفعلن

/0[/0//0]

ـ البسيط الرابع المجزوء الصحيح

ـ الرجز الأول الصحيح

ـ الرجز الثالث المجزوء الصحيح

ـ الرجز الرابع المشطور

ـ الرجز الخامس المنهوك

ـ الخفيف الرابع المجزوء الصحيح

متفاعلن

//[/0//0]

ـ الكامل الأول التام

ـ الكامل الثامن المجزوء الصحيح

لن فعو

[/0//0]

ـ المتقارب الثالث المحذوف

ـ المتقارب الخامس المجزوء المحذوف

فعو فل

/[/0//0]

ـ المتقارب الرابع الأبتر                   إذا اعتمدا على

ـ المتقارب السادس المجزوء الأبتر        على حرف متحرك [14]

 

4 ـ القافية المتواترة :

وهي القافية التي بها حركة واحدة بين ساكنيها [/0/0] ، سميت كذلك ، لأن السكون الثاني جاء بعد السكون الأول بتراخ بسبب توسط الحركة بينهما . إذ ليس هناك من تتابع الحركات ما في المتدارك، والمتراكب ، والمتكاوس ، ويقال تواترت الأشياء ، إذا تتابعت الأشياء بعضها في إثر بعض ، وبينها فترات ، من ذلك توالي الإبل ، إذا جاء شيء منهـا ، ثم انقطع ، ثم جاء آخر كذلك [15] .

أما أوزان هذا النوع ، فواحد وثلاثون وزنا موزعة ما بين سبعة قواف يوضحها الرسم التالي :

1) مفاعيلن

(عيلن) [/0/0]

ـ ضرب الطويل الأول

 

 

ـ الوافر الثالث المعصوب المجزوء

 

 

ـ الهزج الأول الصحيح

 

2) فاعلاتن

(لاتن)[/0/0]

ـ المديد الأول المجزوء الصحيح

 

 

ـ ضرب الرمل الأول التام

 

 

ـ الرمل الخامس المجزوء الصحيح

 

 

ـ الخفيف الأول التام

 

 

ـ المضارع الأول المجزوء الصحيح

 

 

ـ المجتث الأول المجزوء الصحيح

 

3) فعلاتن

(لاتن) [/0/0]

ـ الكامل الثاني المقطوع الضرب

 

 

ـ الكامل التاسع المجزوء المقطوع الضرب

 

 

ـ المتدارك السادس المجزوء المخبون المرفل الضرب

 

4) مفعولن

(عولن) [/0/0]

ـ البسيط الخامس المجزوء المقطوع العروضة

 

 

ـ الرجز الثاني المقطوع الضرب

 

 

ـ السريع السادس المكسوف المشطور

 

 

ـ المنسرح الثالث المنهوك المكسوف

 

5) فعولن

(عولن) [/0/0]

ـ الطويل الثالث المحذوف الضرب

 

 

ـ البسيط السادس المخلع

 

 

ـ الوافر الأول المقطوف

 

 

ـ الهزج الثاني المحذوف الضرب

 

 

ـ الخفيف الخامس م.المخبون المقصور الضرب

 

 

ـ المتقارب الأول التام

 

6)  فعلن

[/0/0]

ـ المديد الرابع المجزوء الميتور الضرب (ع.محذوفة)

 

 

ـ المديد السادس المجزوء الميتور الضرب (ع.مخبونة محذوفة)

 

 

ـ البسيط الثاني المقطوع الضرب

 

 

ـ الكامل الثالث الأخذ المضمر (عروضة تامة)

 

 

ـ الكامل الخامس الأخذ المضمر كذلك (عروضة حذاء)

 

 

ـ السريع الثالث الأصلم

 

 

ـ المتدارك الثالث المقطوع الصحيح

 

7) فعولن فل

(لن فل) [/0/0]

ـ المتقارب الرابع المبتور الضرب

 

 

ـ المتقارب السادس المجزوء المبتور الضرب

5 ـ القافية المترادفة :

وهي القافية التي اجتمع ساكناها [00] ، وإنما سميت بذلك ، لأن أحد الساكنين يردف الآخر ، يقال أردف الرجل صاحبه ، إذا أركبه خلفه . ويجوز أن يكون سري كذلك ، لأنه الأكثر ما يستعمل بحرف لين ، وربما أتى بغير لين ، فيسمى مصمتا كقول بعض العرب ، وهو خامس السريع :

رفعت أذيال الحيي وأربعن

  • §

مشي حييات كأن لم يفزعن

إن يمنع اليوم نساء تمنعن [16]

 

وقد عدد الأخفش أنواع هذه القافية ، فذكر منها إحدى عشر ، بدل اثنى عشر ، كما هو بين في النص السابق . والملاحظ ، أن صور بعض هذه القوافي ، يبدو غريبا أو لا وجـود له بين ضروب أعاريض الشعر العربي ، ما لم يهتد الدارس إلى تأويل معقول يتناسب ونظام الخليل القائم على مفهوم الحركة والسكون . فـ "فاعلتان" و "فعليان" صورتان غريبتان إلى حد ما عن الصور التي تختم بها الأوزان المعروفة ، ولكن تحليلهما على أساس مفهوم الحركة والسكون ، هو الذي انتهى بواحدة من الطالبات إلى إزاحة اللبس عن هاتين التفعيلتين، وردهما إلى أصلهما الذي هو "فاعلاتان" ، فكلاهما يقومان على نفس النظام من
الحركات والسكنات ، مع تغيير بسيط لحق "فعليان" ، يسمى بالخبن ، فذهب بثانيه الساكن ، كما يتضح من هذا التحليل الذي تقدمت به بين أيدينا . فبعد فك إدغام كل من التفعيلتين ، نصبح أمام الصورتين التاليتين :

1ـ فاعليان ـــــــــــ فاعلييان

                      /0//0/00

وتقابل: ــــــــــــــ فاعلاتان

 

2ـ فعليان ــــــــــ فعلييان

                    ///0/00

 وتقابل: ــــــــــ فعلاتان

 

والقافيتان ـ معا ـ للرمل الرابع المجزوء المسبغ، وقد أصابه الخبن في الفاقية الثانية :

وبالجملة ، فإنه يمكن توضيح أوزان هذه القوافي المترادفة ، التي رواها الأخفش عن الخليل ، انطلاقا من الجدول التالي :

المتراكبة

أوزانــــهــــــــــا

متفاعلان

///0//(00)

ـ الكامل السابع المجزوء المذال

مستفعلان

/0/0//(00)

ـ البسيط المجزوء المذال

مفتعلان

/0///(00)

ـ البسيط المجزوء المذال (المطوي) [17]

مفاعلان

//0//(00)

ـ البسيط المجزوء المذال (المخبون) 17

فعلتـان

////(00)

ـ البسيط المجزوء المذال (المجزول) 17

فاعليان

/0//0/(00)

ـ الرمل الرابع المجزوء المسبغ

فعليـان

///0/(00)

ـ الرمل الرابع المجزوء المسبغ (المخبون) [18]

مفعولان

/0/0/(00)

ـ السريع الخامس الموقوف المشطور

فاعلان

/0//(00)

ـ المديد الثاني المجزوء المقصور

ـ الرمل الثاني المقصور

ـ المتدارك الخامس المجزوء المذال

ـ السريع الأول المطوي الموقوف

فعلان

/// (00)

؟؟؟؟

مفاعيل

//0/(00)

ـ الطويل الرابع المحذوق المذال (وزن استدركه الأخفش على الخليل)

فعول

//(00)

ـ المتدارك الثاني المقصور الضرب

 

ونخلص إلى القول ، بأن هذه القوافي ، التي رواها الأخفش عن الخليل ، تحت الأنواع الخمسة المذكورة تستوعي جميع الأوزان القافوية [19] والعروضية البالغ عددها تسع وستون وزنا ، بإضافة طويل الأخفش الرابع . وتتوزع هذه الأوزان والصور القافوية ، ما بين الأنواع الخمسة ، على الشكل التالي :

            الأوزان

القوافي

القافوية

العروضية

المتكاوسة

5

0

المتراكبة

10

8

المتداركة

21

19

المتواترة

31

31

المترادفة

14

11

المجموع

81

69

                                                                                       

ولا يغيب على هذه الأنواع ، سوى وزن وقافية المنسرح المنهوك الموقوف "مفعولات" . وربما تعمد الأخفش ، أو الخليل ، تجاهل هذه القافية ، بحجة أن الأنواع المذكورة لا تستوعب ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، مع العلم أن الأخفش ذكر أن الخليل قد جمع ثلاثين قافية . فهل نسي أحدهما ـ إذن ـ أن يذكر مفعولات ؟

إن السؤال يظل مطروحا ، وأهم منه هذا الذي طرح على أبي العلاء المعري ، فيما يتعلق بموضوع علاقة الأوزان بالقوافي ، فقد قيل له : " ما يسمى القصد من الرجز تجتمع فيها القافية المتكاوسة والمتراكبة والمتداركة (…) فقال : ما علمت أحدا قاله " [20] ، بمعنى أنه لا يجوز الجمع في قصيدة واحدة بين هذه الأنواع المذكورة ، بل يسمح للشاعر الجمع في قصيدته بين أن تكون قافيته بعض كلمة أو كلمة أو أكثر ، إذا كانت قافيته تستوعب ذلك .

أما التنوخي فقال بصدد القصيدة التي تجمع بين هذه الأنواع : " وأنا أسمي هذه القصيدة المثفاة ، يذهب بذلك إلى ثفية ، ومنه المرأة المثفاة ، وهي التي نكحت ثلاثة أزواج " [21] .

 

المصادر والمراجع

 

1 ـ العمدة في محاسن الشعر وآدابه لابن رشيق ، تحقيق محمد قرقزان ، دار المعرفة بيروت ـ لبنان ، ط1، 1988 .

2 ـ كتاب القوافي للأخفش ، تحقيق عزت حسن ، دمشق 1970.

3 ـ كتاب القوافي للتنوخي ، تحقيق عوني عبد الرؤوف، مكتبة الخانجي ، مصر ، ط2 ، 1978.

4 ـ كتاب الشفاء لابن سيناء ضمن فن الشعر لأرسطو ، تحقيق وترجمة عبد الرحمن بدوي ، دار الثقافة بيروت ـ لبنان ، 1973.

5 ـ لسان العرب لابن منظور ، دار صادر بيروت ـ لبنان .

6 ـ موسيقى الشعر ، مشروع دراسة علمية : شكري محمد عياد ، دار المعرفة القاهرة ، ط2 ، 1978.

7 ـ نقد الشعر لقدامة بن جعفر ، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان ، (د.ت).

8 ـ الوافي في العروض والقوافي : الخطيب التبريزي ، تحقيق عمر يحيى وفخر الدين قباوة ، دار الفكر دمشق ـ سوريا ، ط3، 1979.



* ـ محاضرة ألقيت على طلبة السنة الثانية من السلك الأول، شعبة اللغة العربية، أواخر أبريل من السنة الجامعية 1999/2000.

[1] ـ انظر : " نقد الشعر " ، ص :     ، وكتاب " الشفاء " لابن سينا ضمن " فن الشعر " لأرسطو ، ص : 161.

[2] ـ العمدة، 1/68.

[3] ـ اللسان، مادة " قفا "

[4] ـ موسيقى الشعر العربي ، مشروع دراسة علمية ، ص : 99.

[5] ـ العمدة ، 1/268 .

[6] ـ كتاب القوافي للتنوخي ، ص : 67.

[7] ـ نفسه ، ص : 68.

[8] ـ العمدة ، 1/296.

[9] ـ نفسه ، 1/297.

[10] ـ قوافي الأخفش ، ص : 11 ـ 12.

[11] ـ انظر الوافي في العرض والقوافي ، ص : 218 ـ 219 .

[12] ـ الزحاف هنا غير لازم ، لذلك يحق لنا طرح الوزنين معا من قائمة الأوزان المأثورة ، واعتبارهما ، فقط صورا قافوية ، وليست وزنية ، مثلها في ذلك مثل المتكاوسة.

[13] ـ الوافي في العروض والقوافي ، ص : 219 .

[14] ـ نستبعد هذين الوزنين باعتبارها صورتين للقافية المتداركة ، فتحققهما رهين بدخول زحاف القبض على التفعيلة ما قبل الأخيرة ، أما كوزنان متحققان ، فسيظهران مع القافية المتواترة .

[15] ـ

[16] ـ انظر : كتاب القوافي للتنوخي ، ص : 71.

[17] ـ هذه ليست أوزان مستقلة بذاتها ، إنها فقط صور للمجزوء المذال ، دخلتها الزحافات المرصودة ، فاعتبرت صورا للقافية المترادفة .

[18] ـ إنها صورة للرمل الرابع المجزوء المسبغ ، تضاف إلى صور القافية المترادفة .

[19] ـ وهذه تجمع بين الأوزان المتحققة عروضيا وبين الأوزان الغير متحققة إلا على مستوى القافية . وفد سبق إبعاد صورها التي تأتي عرضا والتركيز على المتحقق منها عروضيا ، باعتبارها قواف لازمة.

[20] ـ كتاب القوافي للتنوخي ، ص : 71.

[21] ـ نفسه ، ص : 72.

14 janvier 2014

نظرية الأوزان والأغراض بين النظرية والتطبيق

 

تقديم:

   نقصد من وراء هذه الدراسة، معرفة ما ناسب الغرض الواحد من أوزان شعرية في ضوء ما تمليه نسبها من المقاييس الاحصائية. ومما ساعدنا على تتبع هذه القراءة، حرص أستاذنا الدكتور محمد العمري ووعيه الكبير بازدواجية أبعاد قضية تناسب الوزن والغرض وأهميتها في الدرس النقدي. هذه القضية التي شغلت كثيرا من النقاد والدارسين، دون أن يلتفتوا إلى ازدواجية بعدها وما تطرحه من نتائج تستدعي إعادة النظر في ما أنجز من أعمال سابقة في الموضوع والتعامل مع نتائجها الراهنة بحذر شديد.

    فالنسب العامة التي تدلي بها المقاييس الاحصائية على اختلافها، تغري بتتبع القراءتين من زاويتيها المنفصلتين، تلافيا لكل انتقاد أو نقص قد يشوب هذه الدراسة في غياب التوقف عند هذا الجانب. وتراعي خطتنا في هذا المحورن نفس الطريقة التي اتبعناها في رصد نتائج العلاقة الأفقية، حيث سنضع الدارس أمام جداول ذات قيمة إحصائية عالية ومتنوعة، تمكنه من معرفة أوزان الغرض الشعري واختلافها داخل نفس الغرض.

     وستتجلى أهمية هذا المبحث في مساءلته للإتجاهات النقدية التي تناولت بالدرس علاقة الغرض بالوزن، وذلك من خلال طرح بعض الإشكالات المفيدة في بحث الموضوع وتعميقه ومحاولة الإجابة عنها، عن طريق استدعاء بعض النصوص الشعرية التي يغلب عليها طابع النموذج الشعري، وتسمح بها النتائج الإحصائية المتنوعة لديوان الشعر الأندلسي ويدعمها الواقع الإحصائي لديوان الشعر العربي.

      ويتناول هذا المحور الأغراض التي حظيت باهتمام الشعراء وقبلتها الأذواق. وهي نفس الأغراض التي راج حولها الحديث في الدرس النقدي ووقع عليها اتفاق جماعي دون مراعاة لأصل أو فرع.[1]وذلك رغم وعي أحدهم باختلاف طرق الناس في الشعر وتباين أذواقهم وأساليبهم ومنازعهم ومآخذهم في جميع ذلك، وما تقتضيه القسمة الصحيحة من الاقتصار على الأقسام الأربعة التي هي: التهاني، والتعازي، والمدائح، والأهاجي.[2]

     وهذه الأغراض هي: النسيب، والمدح، والوصف، والهجاء، والرثاء، والفخر. أما بقية الأغراض في علاقتها بالأوزان الشعرية، فسنكتفي فيها بجداول خاصة توضح نسبها من المقاييس الاحصائية.

 

1 - الغزل:

يأتي الغزل في مقدمة الأغراض التي تداولها شعراء الأندلس، بوحدات معدلها (21.89%) وبنسبة أبيات لا تزيد عن (10.75%)، لتشكل هذا الغرض من مقطوعات شعرية بلغت نسبتها (26.06%)، دون أن تتجاوز نسبة (13.62%) من القصائد، أما نسبته من التداول فتقدر بـ(92.52%).[3]

         وكان قدامة بن جعفر قد ميّز بين النسيب والغزل، فخص الأول بـ"ذكر خلق النساء وأخلاقهن وتصرف أحوال الهوى به معهن".[4] وعرف الثاني بقوله: "والغزل إنّما هو التّصابي والاستهتار بمودّات النساء".[5] وجعلهما ابن رشيق بمعنى واحد،[6] استنادا إلى رأي قدامة الذي يفهم من ظاهره أن "الغزل هو المعنى الذي إذا اعتقده الانسان في الصبوة إلى النِّساء نسب بهن من أجله، فكأن النسيب ذكر الغزل، والغزل المعنى نفسه".[7] ومن تم يظل التّمييز بينهما ضروريا لفهم صلتهما بالأوزان الشعرية، ويتعلق الأمر بأنواع الغزل التي عرفها الشعر العربي بصفة عامة، والتي يمكن إجمالها في اتجاهين كبيرين: اتجاه حسي، واتجاه عفيف.[8]ونماذج الاتجاهين إما حديث عن جمال المرأة ومفاتن جسدها وخفة روحها، أو حديث عن الآلام التي يحس بها العاشق المهجور والحرقة  التي تعتمل في قلبه. وهي في بعض الأحيان مؤلمة تنضح بالقلق واليأس، أو ملذة تفيض بأمل اللقاء واجتماع الشمل، أو تجمع بينهما معا.[9] يقول حازم: "فكل قول نسيبي لا يخلو من أن يكون متعلقا بوصف المحبوب ومحاكاته أو وصف بعض أحواله وما له به علقة من زمان أو مكان أو غير ذلك. أو يكون متعلقا بوصف المحب أو وصف  بعض أحواله وما له بذلك علقة، أو يكون متعلقا بوصف حال تقاسماها معا".[10]

        وتدعم هذه القسمة آراء نقدية تناولت بوضوح ما يجب أن يعتمد من الأساليب والألفاظ والمعاني والأوزان، إذا قصد الشاعر إلى الغزل بمعنى النسيب وما يتعلق به من رقيق الشعر في النساء.[11] ومعظم هذه الأراء تؤكد أن النسيب الذي يتم به الغرض، "هو ما كثرت فيه الأدلة على التهالك في الصبابة، وتظاهرت فيه الشواهد على إفراط الوجد واللوعة، وما كان فيه من التصابي والرقة أكثر مما يكون من الخشن والجلادة، ومن الخشوع والذلة أكثر مما يكون من الإباء والعز"،[12] ودل على الحنين وشدة التأسف.[13]

        ومن آرائهم في هذا الباب، أن يكون اللفظ مستعذبا رشيقا، حسن السبك، والمعنى رقيقا حلوا، لطيف المنازع، سهلا غير متوعر "وان يختار به من الكلام ما كان طاهر الماءن لين الأثناءن رطب المكسر، شفاف الجوهرن يطرب الحزين، ويستخف الرصين".[14]

       ولم يتناول أحد من النقاد في حديثه عن الغزل الذي يميل إلى وصف مفاتن المراة والاستهتار بمودتها في جرأة وصراحة تفيض بالشهوة العارمة، ما يليق بذلك من المعاني والألفاظ والأساليب والأوزان. وإبعاد هذا الاتجاه الحسي الفاحش عن دائرة النقد الشعري، لم يكن ليروق الناقد العربي لأسباب  دينية وأخلاقية.[15]ومن جانب آخر فإنه لم يستطع إبعاد هذا النوع الغزلي عن متناول الشعراء.

       ولعل هذه النظرة الأحادية لشعر الغزل الذي أباحه الناقد العربي، هي التي أوحت لحازم القرطاجني بالقول بضرورة اختيار الشاعر للأوزان التي فيها حنان ورقة وضعف كذلك، يقول: "وأما المقاصد التي يقصد فيها إظهار الشجو والاكتئاب، فقد تليق بها الأعايض التي فيها حنان ورقة، وقلما يخلو الكلام الرقيق من ضعف مع ذلك، لكن ما قصد به من الشعر هذا المقصد، فمن شأنه أن يصفح فيه عن اعتبار القوة والفخامة، لأن المقصود بحسب هذا الغرض أن تحاكى الحال الشاجية بما يناسبها من لفظ ونمط تأليف وزن. فكانت الأعاريض التي بهذه الصفة غير منافية لهذا الغرض، وذلك نحو المديد والرمل".[16]

       وإذا كان شعر حازم لا يخالف هذه النظرة النقدية، فإن الشعر الأندلسي عرف جميع ألوان الغزل التي شاعت في المشرق. "ولم يكن صادقا كله، بل كان جله لونا من ألوان البراعة الفنية، والتباهي بالمقدرة الشعرية، والغلبة في التفوق على الأقران من الشعراء، فصار يحمل آثار الفكر الكادح، ولونا من الرياضة العقلية، والترف الثقافي والذكاء الإجتماعي"،[17] وأسهم فيه الحكام ومن يلوذ بهم، كما أسهم فيه خاصة الشعراء وعامتهم، وقد ظل الاتجاه المحافظ يتراءى في جميع أنواعه، وربما ليس بدافع من التقليد، بل لأنه يتلاءم مع واقع الشعراء، وتنوع أحوالهم واتجاهاتهم.[18] لكل ذلك لم يكن غريبا أن تتعدد أوزانه وتتباين نسبها كما يتضح من الجدول التالي:

الجدول رقم : 37.

 

الرتبة

الغزل

نسبة التداول

نسبة الأبيات

نسبة المقطعات

نسبة القصائد

نسبة الوحدات

1

الطويل

88.88

30.09

23.46

34.36

25.73

2

الكامل

85.18

16.26

17.65

14.97

17.09

3

البسيط

85.18

13.23

13.70

10.57

13.05

4

الخفيف

74.07

6.42

7.43

7.04

7.35

5

السريع

66.66

6.76

6.96

7.48

7.07

6

الوافر

51.85

4.29

5.22

3.52

7.87

7

المتقارب

66.66

3.98

4.87

3.96

4.68

8

الرمل

55.55

4.34

2.90

4.84

3.30

9

مخ. البسيط

62.96

2.01

3.01

1.76

2.75

10

مج. الكامل

29.62

1.62

2.20

1.32

2.02

المنسرح

48.14

1.59

2.09

1.76

2.02

11

مج. الرمل

40.74

1.81

1.97

1.76

1.93

المجتث

37.03

1.55

2.09

1.32

1.93

12

المديد

18.51

1.11

1.62

0.44

1.37

13

م. الرجز

25.92

1.36

1.16

1.76

1.28

14

م. الخفيف

22.22

0.72

0.81

0.44

0.73

م. الوافر

18.51

0.59

0.81

0.44

0.73

15

م. البسيط

7.40

0.35

0.96

-

0.55

16

الهزج

7.40

0.53

0.34

0.44

0.76

17

الرجز

3.70

0.13

0.34

-

0.27

18

مشط. الرجز

7.40

0.59

0.11

0.44

0.18

المقتضب

7.40

0.19

0.23

-

0.18

منهـ. المنسرح

3.70

0.08

0.23

-

0.18

19

المتدارك

3.70

0.13

-

0.44

0.09

م .المتقارب

3.70

0.06

0.11

-

0.09

منهـ .الرجز

3.70

0.04

0.11

-

0.09

 

    إن نظرية حازم وأنصاره من المحدثين لا تتضح في الغزل وضوحا يمكن من القول بها، واتباع شعراء الأندلس لها، حيث يتبين من الاحصاء في جميع مقاييسه المعتمدة أن الغزل ناسب مجموعة من الأوزان الشعرية ذات أوصاف وخصوصيات موسيقية لا تتماشى في معظمها مع ما صرح به أصحاب نظرية تناسب الأوزان والأغراض الشعرية.

     ويأتي الطويل في مقدمة هذه الأوزان، حيث تصل نسبه إلى (25.73%) من الوحدات، و(30.09%) من الأبيات، و(23.46%) من المقطعات، و(34.36%) من القصائد، و(88.88%) من التداول. ولم يسجل غيابه سوى عند أبي إسحاق الألبيري، وابن عبدون، وحازم القرطاجني.

        ويحتل الكامل الرتبة الثانية، بوحدات معدلها (17.09%)، وبنسبة (16.26%) من الأبيات، و(17.65%) من المقطعات، و(14.97%) من القصائد، و(85.18%) من التداول. ثم يليه البسيط في الرتبة الثالثة بنسب تقدر بـ(13.05%) من الوحدات، و(13.23%) من الأبيات، و(13.70%) من المقطعات، و(10.57%) من القصائد، و(85.18%) من التداول.

        وتمتاز هذه الأوزان إلى جانب طولها بالقوة والشدة والجزالة، وهي لا تصلح ـ في نظر حازم ـ إلا لمقاصد الجد،[19] وإن تعلق الأمر بالغزل. فهذا عبد الله الطيب يقول بصدد الطويل: "ولما كان الطويل بحر جد وعمق فإن مجرد العبث الغزلي لا يكاد يستقيم فيه...وإنما يصلح فيه الغزل إذا ما زجته نفحة من جد وعمق".[20]

ولعل إحساس حازم القرطاجني بخاصية هذه الأوزان الموسيقية وما يلائمها من الأغراض الشعرية التي تذهب مذهب الجد والعمق، هو الذي جعله يتنكبها إلى جانب الغزل بصفة نهائية لا تتضح إلا في بيت شعر يتيم من وزن البسيط، يقول فيه: [21]

سلطان حُسْنٍ عليه للصِبا علم

 

إذا رأته جيوش الصبر تنهزمُ

وهذا البيت لا يخلو من نفحة جد وعمق، فهو يستوحي معانيه من معجم المدح وما يتصل بألفاظه وأساليبه وصوره وأوزانه. ومن نماذجه في الشعر الأندلسي قول المعتمد بن عباد من الطويل:[22]

أدار النوى كم دار فيك تلددي

حلـفت به لو تـــعــــرض دونه

لجردت للضرب المهند فانقضى

 

وكم عقتني عن دار أهيف أغيد

كماة الأعادي في النسيج الـمسرد

مرادي، وعـــزما مثل حد المهند

ومن أمثلة أيضا قول يوسف الثالث في نفس المعنى:[23]

جُفُــــونُ لِحاظٍ أم جـفــــون سـلاح

لها الغارة الشعـــواء يفعل حـــدُّها

وتقصرُ عنها المرهفات إذا انْبَرَتْ

 

وسُمْرُ قدودٍ أم نصول رماحِ

بأفْــئِــدَةِ العشاق فعل صفاحِ[24]

إلى ملــتقى الأبطالِ يوم كفاحِ[25]

والحقيقة أن هذه النماذج ـ على كثرتها في الشعر الأندلسي ـ لا تعني القول المطلق برأي حازم وعبد الله الطيب، فهناك من شواهد العبث التي ناسبت هذه الأوزان ما يدحض رأيهما ويقلل من قيمة نظريتهما واستقرائهما للموضوع. يقول الشاعر (الطويل):[26]

أبــو طالب في كـــفه وبخـده

وبنــتــا شعيب مقلتاه، وخاله

 

أبـــو لهــب، والقــلب منه أبـــو جهل

إلى الصدغ موسى قد تولى إلى الظل[27]

ومن نماذج الكامل، قول ابن سهل أيضا: [28]

والنجم في خذ الحبيب إذا هوى

 

ما ظل قلبي عن هواه وما غـــوى

ونموذجه من البسيط، قول ابن عبد ربه: [29]

خرجت أجتاز قفرا غير مجـتاز

صقــــر على كــفه صقر يؤلفه

 

فصادني أشهل العينين كالبازي[30]

ذا فوق بغـــل وهذا فــوق قفــار

    وقد كان عبد الله الطيب ـ فيما يبدو ـ على وعي بتنوع الطرق الشعرية وتباينها داخل حقل الغزل بتباين الشعراء واختلاف أمزجتهم وميولهم الشخصية، لذلك وجدناه يسير في اتجاه المبادئ العامة التي سطرها حازم القرطاجني، ويلين من موقفه بخصوص الكامل والبسيط، فيجعلهما يلينان في مواقف اللين، ويشتدان في مواقف الشدة.[31]

     ولم يكن سليمان البستاني على هذا المستوى من الوعي بحقيقة هذه الأوزان ومدى ملاءمتها أو عدم ملاءمتها للغزل، بل إن كل ما ورد له في الموضوع لا يتجاوز قوله أن الكامل "إذا دخله الحذذ، وجاد نظمه بات مطربا مرقصا، وكانت به نبرة تهيج العاطفة... وهو كذلك إذا اجتمع فيه الحذذ والاضمار".[32]

    ومثل هذا الرأي لا يحتاج إلى إيراد شواهد في الغزل لبحث مدى صحة إطرابها ورقصها، لأن هاتين الصفتين يمكن أن تطالعنا في أماكن متعددة من أغراض الشعر العربي. ولا بأس أن نشير في هذا المقام إلى أن الطابع الغالب على هذه الأوزان، هو إظهار الحزن والآلام التي يتكبدها الشاعر عند صد محبوبته وهجرها أو بعدها وانفصالها، وما يخلفه الهجر والفراق من تعلق وشوق شديد إلى المحبوبة كقول ابن زيدون: (طويل).[33]

أجــد، ومــن أهــواه في الحـــب، عابث

حبيب نأى عني ـ مع القرب ـ والأسى

جــفـــانــي بإلطـــاف العـــــدا، وأزالـه

تغيرت عــــــن عهدي، ومازالت واثقا

وما كنت ـ إذ ملــــكتك القلب ـ عالما

فديتك، إن الشـــوق لي ـ مذ هجرتني

ستبلي اللـــيالي ـ والــــــوداد بحــــاله

ولـــــو أنني أقســـــمت، أنــــــك قاتلي

 

وأوفــــي لـــــه بالعـــهد، إذ هــــو ناكت

مقـــيــــم له في مضمر القــلب ماكــــث

عن الوصل ـ رأي في القطيعة ـ حادث

بـــتعـــهدك، لــكــــن غيــرتك الحوادث

بــــــأني – عن حتفي – بكـــفي بــاحث

مميت، فهــل لي ـ من وصالك ـ باعث

جــــديــد ـ وتفــنى وهو للأرض وارث

وأنــــي مقــــتـــول، لما قــيل: "حانت"

 

   وفي مثل هذه المواقف غالبا ما يلجأ الشاعر إلى تذكر أيامه الماضية السعيدة حين كان يصل محبوبته، فيسرد في جرأة وصراحة مغامراته وقطعه للمخاطر أيام شبابه وفتوته. وقد يركز – في مثل هذه القصائد – على وصف المشاعر المتبادلة بينه وبين محبوبته في أسلوب قصصي يتناسب والأوزان الطويلة، فيقول مثلا: (بسيط).[34]

وكــــم لــــيـــال قطـعناها بكـــــاظمة

كتمت مسراك فيها خوف عـــــــــاذلة

غنى الوشاح على خصريك من طرب

وقـد عففت على حــرصي، بآيــــة ما

 

نجوى وشكوى بما يلقــــاه مضناك

وعـــاذل فـــأذاع المسك مســــراك

فيها فأصغى لما غناك حـــجــــلاك

بذلت طوعا، فلم أعرض لهن فاك

أو يقول على لسان "أم المجد" وقد أسر إليها بما يلقاه من صاحبته من جفاء وإهمال: (طويل).[35]

فقالت أشك إليها ما لقيت ولا

عسى هواك سيعديها فيعطفها

 

تــــــرهب فلن تبلغ الآمال بالرهب

فقد يكون الهوى أعدى من الجرب

   وهو في بعض الأحيان كان يكتفي بوصف مفاتن محبوبته، فيتناول جسدها عضوا عضوا في إطالة واستفصاء حينا وإيجاز وإشارة حينا آخر، أو يتجاوز ذلك إلى ذكر ما تخلفه هذه المفاتن من حب وشهوة في نفسه، نحو قول ابن زقاق من الكامل:[36]

أترى مخصرها أعير سوارها

فتطـــوقت من ثغرها بقــلادة

 

والجيد لؤلؤ ثغــرها البراق

وتوشحت من حليـها بنطاق[37]

ونحو قول ابن فركون من الطويل: [38]

وقد كان قلبي يحذر الحب جهده

إلـــى أن بـــدا للقلب لــما بداله

ولله در راق من ثـــــغرها الذي

 

وما كان ذاك الحــــذر إلا ليسلما

محيا يفوق الشمس في أفق السما

سقاني كؤوس الحب حين تبسما

    وهذه الطرق وإن كانت تختار من رقيق اللفظ ورقيق المشاعر ما يتناسب مع الغزل،[39] فإن حضورها بصفة مكثفة في هذه الأوزان، لا يدع مجالا للشك بالتزام الشاعر الأندلسي للإطار الشكلي الذي تميزت به المقدمة الغزلية في اتجاهاتها المختلفة قبل أن تستقل بنفسها عن القصيدة المدحية، ناهيك عن الأثر الفعلي الذي مارسته هذه الأخيرة على أغراض الشعر العربي في اختيار الأوزان الطويلة التي تذهب مذهب الخطابة والإقناع.

    ولا نبعد إذا قلنا إن هذا الاختلاف في الطرق الشعرية، كما هيأت له عوامل مختلفة لاختلاف الشعراء وتوجهاتهم حينا وتعددها حينا آخر، قد تكررت نماذجها بشكل متفاوت النسب بين مجموعة من الأوزان تجمعها أوصاف أخرى تميل بالكلام إلى الاعتدال على عكس ما يوجد فيه مع غيرها من الأوزان القوية العارضة وصلابة النبع. وهذه الأوزان هي: الخفيف والسريع والوافر والمتقارب.

 وكان من المفروض حسب رأي بعض الدارسين والنقاد،[40] أن تتصدر هذه الأخيرة قائمة الأوزان التي ناسبت الغزل، نظرا لما تمتاز به من خصوصيات موسيقية تشاكل هذا النوع من الأغراض الشعرية. وتأخرها في الغزل الأندلسي لا يلغي صلاحيتها بالمرة، بقدر ما يدل على توسط نسبها داخل هذا الحقل، حيث يأتي الخفيف في الرتبة الرابعة بمعدل (7.35%) من الوحدات، و(6.42%) من الأبيات، و(7.43%) من المقطعات، و(7.04%) من القصائد، و(74.07%) من التداول.

      ويأتي السريع في الرتبة الخامسة بفارق لا يتعدى (0.27%) من الوحدات، و(7.40%) من التداول، ويزيد في الأبيات بـ (0.54%). ويحتل الوافر الرتبة السادسة بمعدل ينزل إلى (4.87%) من الوحدات، و(4.29%) من الأبيات، و(5.22%) من المقطعات، و(3.52%) من القصائد، و(51.85%) من التداول. ولا ينقص المتقارب عن الوافر إلا بوحدتين فقط، وتأتي نسبه كالتالي: (4.68%) من الوحدات، و(3.98%) من الأبيات، و(4.87%) من المقطعات، و(3.96%) من القاصائد، أما نسبة تداوله فترتفع إلى (66.66%).

   ولا يأتي الرمل والمديد على ما فيهما من رقة وحنان وضعف، تجعلهما أنسب لهذا الغرض،[41] إلا في مرحلة متأخرة. فالأول احتل الرتبة الثامنة بوحدات معدلها (3.30%)، وبنسبة أبيات تصل (4.34%)، وهي موزعة ما بين (2.90%) من المقطعات، و(4.84%) من القصائد. ورغم ارتفاع نسبة تداوله إلى (55.55%)، فإن استعمالاته الفردية بقيت محدودة في ما دون خمس وحدات، بحيث لا تتجاوز في مجموعها ستا وعشرين قصيدة ومقطوعة شعرية.

    واحتل المديد الرتبة الثانية عشرة بوحدات معدلها (1.37%) من المقطعات، و(0.44%) من القصائد، و(18.51%) من التداول. ويأتي ابن عبد ربه على رأس الشعراء الذين ناسبوا بين هذا الوزن وغرض الغزل، حيث وصل به إلى عشر وحدات شعرية.

أما المنسرح الذي وصفه عبد الله الطيب بالتخنث،[42] لشيوعه بين طوائف المرققين في العصر الأموي وقلته عند شعراء الفخامة أمثال كثير والأخطل والقطامي وجرير وابن الرقاع والفرزدق،[43] فإن نسبته من الغزل في الشعر الأندلسي لا تتجاوز (2.02%) من الوحدات. وهي نسبة تقعده في الرتبة العاشرة، حيث لا تتجاوز (1.59%) من الأبيات، و(2.09%) من المقطعات، و(1.76%) من القصائد. ورغم ارتفاع نسبة تداوله إلى (48.14%)، فإن استعمالاته الفردية لا تزيد عن أربع وحدات شعرية، بل هي دون ذلك عند أغلب الشعراء. ويمثل قول الحكيم أبي الصلت الداني – إلى حدما – نموذجا صادقا على تخنث المنسرح: [44]

أقبل يسعى أبو الفوارس في

أقبل في قــرمـــزيـة عجـب

كأنـــمــا جــيــده وغـــــرته

عـــمــود فــجــر فــويقه قمر

 

مــرأى عجـــيب ومنظر أنق

قد صبغت لون خـده الشرف[45]

من دونها إن برزت في نسق

دارت به قطعة من الشفـــق

    وإذا كان هذا الشاهد يطبعه نوع من التخنث، يستشف من هذه الأوصاف التي ألصقها الشاعر بغلامه، والتي تفصح عن أنوثة ظاهرة تعلقت بمشيته أو بلباسه أو بمنظره إلى غير ذلك من الأوصاف التي تضمنتها هذه المقطوعة، فإننا لانعدم أن نجد أوصافا أخرى لهذا الوزن، كان على عبد الله الطيب أن يعمل على اكتشافها وإبرازها من خلال تحليله لنماذج من أغراض الوزن الواحد بدل القيام بمقارنات خارج هذا الوزن.[46] ولا أدل على ضيق رؤيته لوزن المنسرح من تلك الانتقادات التي وجهت له من قبل دارسين، تفصح عن مفارقات وخصوصيات مختلفة لهذا الوزن سواء داخل هذا الغرض أو خارجه.[47]

وكما يلاحظ فإن نتائج رقيق غزل هذه الأوزان الثلاث، يأتي على عكس ما تمليه الدراسة الأفقية،[48]ويدعمه الواقع النظري، شأنها في ذلك شأن بقية الأوزان التي يختصرها الجدول بما في ذلك الأوزان المجزوءة والقصيرة.

  وكان عبد الله الطيب على وعي كبير باتساع الغزل لهذه الأوزان الأخيرة، حيث ذكر منها: المتقارب القصير، والمقتضب، والمنسرح القصير، والبسيط المنهوك، والهزج، والرجز، ومجزوء الرمل، والمجتث، ومجزوء البسيط، ومخلعه.[49]ولم يشد عن استقرائنا إلا فيما يتعلق بمجزوء الوافر، ومشطور الرجز، ومنهوكه، ثم بإضافته لمنهوك البسيط والمضارع.

وهو في كل ذلك نادرا ما كان يقف عند بعض الشواهد الشعرية، يستفتيها الرأي فيما يخص موسيقية هذه الأوزان وما تستدعيه من أغراض شعرية. أما سليمان البستاني فلم يكن قد تعرض لواحد من هذه الأوزان إلا من خلال إشارة عابرة، يقر فيها بصلاحية المضارع والمقتضب والجتث والهزج للأناشيد والتواشيح الخفيفة.[50] وعلى العموم فإن نسب هذه الأوزان الأخيرة لا تفيد علاقة وطيدة بينها وبين الغزل، رغم خضوعها لنفس الاتجاه الذي سارت فيه المقطوعة الغزلية من حيث الرقة والضعف وقصر الوزن. وتؤكد هذه الحقائق التي أتينا على ذكرها النتائج الاحصائية التالية:

    إن هذه الإحصائيات تقلل بدوره من قيمة القواعد النظرية والتقريرات الإجمالية المتسرعة، وتتجاوز بنتائجها الأحكام الانطباعية التي لا تستند إلى دليل علمي. فهي لا ترى استدعاء الغزل لأوزان فيها حنان أو رقة، أو لأوزان قصيرة، كانت قد تطلبتها موجات الغناء، فتسربت إلى الشعر إلى الأندلسي بعد شيوع مجالس الطرب وألوان الغناء واللهو والمجون، فمالت به عن الأوزان الطويلة تأثرا بالنهضة المشرقية.[51]

     وقد رد كل من عبد القادر القط وصالح بن رمضان على هذا الادعاء انطلاقا من تناولهما بالاحصاء لشعر عمر بن أبي ربيعة.[52] في حين تركز رد حسين بكار على أشعر بشار بن برد، ومسلم بن الوليد، والعباس بن الأحنف، والحسين الضحاك ومطيع بن إياس.[53]

ولا جدال في أن الغزل قد تأثر بالغناء، ولكن في تلك الحدود التي تخلق عند الشاعر حسا عاما بموسيقى العصر، دون أن تؤثر تأثيرا مباشرا في صوره وأساليبه وموسيقاه.بل نستطيع أن نقول بعد هذا الجرد الاحصائي المتنوع أن الشاعر الأندلسي – كغيره من القدامى – لم يكن  يتخذ للغزل وزنا خاصا يلتزم به في قصائده ومقطوعاته، بالأحرى أن يلتزم بهذه الأوزان القصيرة والمجزوءة وهي التي لم تصادف شيوعا موسعا بين الشعراء. إلا أن السؤال الذي يظل مطروحا بعد ذلك، هو هل كان هؤلاء الشعراء صادقين في التعبير عن أحاسيسهم  حتى يتسنى لنا القول برؤية الاتجاه الايقاعي التي تترك الاختيار للحالة النفسية التي يحياها الشاعر ساعة النظم؟[54]

قديما تنبه الناقد العربي إلى ما يشبه الحديث عن التجربة الشعرية بالمفهوم الحديث، إلا أنه لم يلزم فيها الشاعر بضرورة الاخلاص في التعبير عن تجربته الذاتية، كما يستفاد من حديثه عن قضية الصدق والكذب في الشعر بصفة عامة،[55] ومنه الغزل بصفة جاصة . يقول قدامة بن جعفر في معرض كلامه عن نعت النسيب: "ووصف الشاعر لذلك هو الذي يستجاد لا اعتقاده إذا كان الشعر إنما هو قول، وإذا أجاد فيه القائل لم يطالب بالاعتقاد".[56]

    فلا مجال لعقد مقارنة بين الفهم القديم للقصيدة الشعرية، وبين فهم المحدثين لها. إلا أننا لا نجادل في صحة الرأيين ونسبيتهما، والأخذ بأحدهما يعتبر تفريطا في نتائج الآخر، فهناك نصوص كثيرة من الغزل لم تكن بدافع تجربة ومعاناة حقيقية، وإنما كانت بدافع الرغبة في إبداء الشاعرية والقدرة على الاغتراف من كل لون شعري.[57]

      وإذا كانت علاقة الوزن بالحالات النفسية لا تتضح في مثل هذه الأشعار، فإن الاقتراب من النصوص التي عبر فيها الشعراء عن تجاربهم الشخصية، تسمح بتقسيمها ـ حسب رأي الاتجاه الايقاعي ـ إلى نمطين من الأشعار:

ـ نمط يحتفظ لنفسه بأوزان كثيرة المقاطع، في حالة اليأس والجزع.

ـ ونمط يحتاج إلى أوزان قصيرة المقاطع، في حالة السرور والبهجة أو إذا قيل الشعر وقت المصيبة والهلع. ومن بين أشعار النمط الثاني ما اصطلح عليه إبراهيم أنيس "بالغزل الثائر". فقد ذهب هذا الأخير إلى القول: "أما الغزل الثائر العنيف الذي قد يشتمل على وله ولوعة، فأحرى به أن ينظم في بحور قصيرة أو متوسطة وألا تطول قصائده".[58]

وكان بودنا أن نضع القارئ أمام مجموعة من النماذج الشعرية، نوضح من خلالها مدى صحة رأي أنيس، لولا الغموض الذي شاب اصطلاحه. فهو لم يبصرنا بحقيقة الغزل الثائر، ولم يقدم لنا سوى مؤشرات خارجية تستند إلى الوجدان وإلى قصر النفس الشعري من حيث أوزانه وعدد أبياته. لذلك تجدنا نطرح السؤال التالي: هل كل غزل قيل في الأوزان القصيرة أو المتوسطة دون أن تطول أبياته، يعتبر غزلا ثائرا؟ إذا كان كذلك، فماهو موقع القصائد التي جاءت من هذه الأوزان؟

   إن قراءة الجدول الإحصائي بمقطعات الغزل الأندلسي وقصائده، تؤكد أن ابراهيم أنيس جانبه الصدق – إلى حد ما – من ناحية تعلق هذه الأوزان  بالمقطوعات القصيرة.[59] لكن إذا حاولنا الاقتراب من جسد هذه المقطوعات، فإننا لن نجد ما يؤكد اطراد رأي أنيس في الموضوع. ويعود احتضان أوزان هذه المقطوعات لحالات انفعال متنوعة، إلى تعدد تجارب الشعراء واختلافها باختلاف أحوالها الشخصية وظروفهم الاجتماعية والسياسية.

    فهذا ابن عبد ربه ـ على سبيل المثال ـ أكثر شعراء الأندلس ميلا في الغزل إلى المقطعات والأوزان القصيرة المجزوءة،[60] لا يشارك ابن زيدون في تجربته الشعرية التي كانت وليدة حبه لولادة ولتطلعاته السياسية،[61] ولكنه لا يتوانى في ركوب نفس الأوزان التي اتخذها ابن زيدون مطية للتعبير عن شدة انفعاله. يقول من مجزوء الخفيف: [62]

أشرقـــت لــــي بــدور

طـــار قــــلبـــي بحبها

 

فــــي ظـــلاتم تـــنــــيــر

مـــــن لقــــلبـــي يطــيــر؟

حيث صور نفسه بصورة الطائر المنتشي الطرب بحبه، وهو بذلك يفارق ابن زيدون في تجربته حين يقول من المجتث:[63]

متى أبـــثــــك مــا بــي

متى يــنـــوب لســـانـي

 

يـــا راحـــتـي وعــذابي

في شـــرحه عن كـتابي

ثم استمع إليه يقول وقد تطاول به العمر وأدركته الشيخوخة، يعبر عن انفعال ممزوج بالهدوء والثورة لفقدان أيام الشباب والوصال: (مجزوء البسيط). [64]

يا طالبا في الهوى ما لا ينال

ولت ليــالي الصبــــا محمودة

وأعقبتها التي واصــــــــلتــها

لا تلتمس وصــــلة من مخلف

 

وسائلا لم يعف ذل الســـؤال

لو أنها رجعت تلك اللــــيالي

اهجر لما رأت شيب القذال[65]

ولا تـــكـــن طاـلبا مالا ينال

  إن هذه الرؤية الطربية[66]التي صدر عنها ابن عبد ربه لم تفارق جل قصائده ومقطوعاته. وقد جاء نصيب الأوزان الطويلة منها أوفر حظا من الأوزان القصيرة والمجزوؤة. يقول: (من الطويل).[67]

معــــتذبتــي رفـــقا بــقــلب مــعـذب

لعـــمري لقد باعــدت غير مـباعـــد

بنــــــفـــسي بدر أجمل البدر نــوره

لو أن امرئ القيس بن حجر بدت له

 

وإن كـــان يرضـــك العذاب فعـــذبي

كما أنـــني قـــربت غيــر مــقـــــرب

وشمس متى تطلع إلى الشمس تغرب

لمـا قــال: "مـــرا بي على أم جندب"

ويكشف هذا النموذج عن تجربة مخالفة لتجربة ابن زيدون في قصيدته المتقاربية:[68]

ليــن قصر اليأس منك الأمــــــــل      وحــــــال تجـــنيك دون الحـــــيل

    فقد علق عباس الجراري على هذه القصيدة، فقال: "نحس من خلال تقطيعها أنها تعبر عن انفعال هادئ وشعور متزن"،[69] يخالف إيقاع قصيدتين له من نفس الوزن، يعبر إيقاعها السريع عن جيشان عاطفة وتعجل في نيل ما تهفو له نفسه من متع.[70]

    ولا أدل ـ كذلك ـ على قصور رأي إبراهيم أنيس وعدم اطراده، من تلك القصائد والمقطوعات الشعرية التي كانت وليدة صناعة كلامية لا تسمح بتلمس هذه العلاقة، ناهيك عن الاستدراكات التي طالت فهم أنيس للموضوع على يد كل من عز الدين إسماعيل ومحمد غنيمي هلال ومحمد النويهي. وإحساس الأولين باتساع الوزن الشعري لحالات متنوعة من الانفعال النفسي،[71] هو الذي قاد ثالتهما إلى القول: "إن البحور المختلفة، وإن لم تختلف في نوع العواطف التي تصلح لها فهي تختلف في (درجة)  العاطفة".[72]

وعلى كل حال فلسنا مؤهلين لمعرفة أي درجات الحالات النفسية، ينتمي الغزل الذي قيل في هذه الأوزان التي أتينا على حصرها، فالتحليل المقطعي يظل دائما في حاجة لمعرفة جرس الألفاظ ودلالتها، ولن يتسنى ذلك إلا عن طريق معالجة غزل هذه الأوزان من منظور ايقاعي محض لا يغفل جانبا من جوانب البنى الايقاعية.

ولكننا نستطيع أن نؤكد من خلال هذه الاحصائيات على احتفاظ الغزل الأندلسي بصلاحيته للأوزان الطويلة التي ظل لها قصب السبق على مستوى الشيوع بين أوزان الشعر العربي وأغراضه وخاصة: الطويل والكامل والبسيط، إلى جانب الخفيف والسريع والوافر والمتفارب، بنسب متوسطة إلى ضعيفة أو شبه منعدمة في غيرها من الأوزان القصيرة أو المجزوءة.

 

 

2- المدح:[73]

المدح في اللغة هو الثناء الحسن، والمدائح جمع المديح الذي يمدح به.[74] كان قدامة بن جعفر قد قدم له في باب المعاني الدال عليها الشعر بقوله: "إنه لما كانت فضائل الناس ..إنما هي العقل، والشجاعة، والعدل، والعفة، كان القاصد لمدح الرجال بهذه الأربع  الخصال مصيبا، والمادح بغيرها مخطئا".[75]حيث لا تجد ما يطعن في جدة هذه الفضائل التي عليها مدار المدح، أو ما يتفرع عنها من انواع وأقسام، وأوصاف عرضية أو جسمية كانت موضع خلاف، غير ما يتعلق بقضية المقام، وذلك لاختلاف طبقات الممدوحين وتباينهم في الارتفاع والاتضاع وضروب الصناعات والتبدي والتحضر، فكان من الواجب أن يمدح الرجل بما يكون له وفيه وبما يليق به ولا ينفر عنه.[76]

     وفيما يتعلق بالبناء الداخلي لقصيدة المدح، روعي "أن تكون ألفاظه ومعانيه جزلة مذهوبا بها مذهب الفخامة في المواضع التي يصلح فيها ذلك. وأن تكون فيه مع ذلك عذوبة ورقة"،[77] إذ لا بأس أن ينحرف ذو الجد إلى طريقة الهزل، على جهة المزح والدعابة حين يليق ذلك بالحال والموطن، "فإن الكريم قد يطرب وقد يحتاج إلى أطرابه".[78]

   وقد التزم الشاعر العربي بهذه الرسوم والقوالب حتى فيما يتعلق بطول القصيدة، وما يتقدمها من نسيب أو غيره، وفق ما يمليه نقد الشعر الذي سار في كثير من شرعته في ركاب الممدوحين وأهوائهم. [79]

     وهكذا ساعدت ظاهرة التكسب إلى جانب عوامل أخرى[80] على ازدهار المديح، فاحتل في الشعر الأندلسي الرتبة الثانية بوحدات معدلها (21.05%)، ثم الرتبة الأولى من حيث عدد الأبيات، بمعدل (49.13%). وبلغت نسبته من المقطعات (10.50%)، وفي القصائد (41.96%). أما نسبة تداوله فارتفعت إلى الرتبة الأولى بمعدل (96.29%)، حيث لم ينظم منه سوى أبي الحسن الششتري.

         ولما كانت الأوزان مما يتقوم به الشعر وتعد من جملة جوهره، وجب أن يحاكى هذا الغرض بما يناسبه من الأوزان، ويخيله في نفس متلقيه لبعثه على المكافأة وهزه للسماح.[81]وفي ذلك يقول حازم: "والمقاصد التي تحتاج إلى جزالة نمط النظم يجب أن تنتظم في سلك الأعاريض التي من شأن الكلام أن يكون فيها جزلا نحو عروض الطويل والكامل"، و"البسيط".[82]

 فهل وفق الشاعر الأندلسي في اختيار الأعاريض الفخمة التي تصلح لمقاصد الجد ؟ لقد حاول حازم أن يسير في مدائح ديوانه على هدي الخطوات النظرية، فجعل الكامل في مقدمة هذه الأوزان بثلاث عشرة وحدة شعرية،[83]موزعة ما بين ثلاث مقطوعات وعشر قصائد، مجموع أبياتها خمسمائة وستة وسبعون (576) بيتا، ثم جاء بالطويل في الرتبة الثانية، فوزعه ما بين مقطوعتين وثمان قصائد،[84] مجموعها من الأبيات خمسمائة وثمان وخمسون (558) بيتا، ولم ينظم من البسيط سوى خمس وحدات شعرية،[85]مجموع أبياتها مائتان وثلاثة وسبعون (273) بيتا شعريا، وهي موزعة عنده بين مقطوعة واحدة وبين أربع قصائد مكنته جميعا من احتلال الرتبة الثالثة.

        ومن تتبع كلام الشعراء في جميع هذه الأعاريض، وجد الكلام الواقع فيها لا تختلف أنماطه من حيث الجلالة والفخامة والبهاء والقوة والجزالة وما يخالطها من عذوبة ورشاقة. وإذا تقدمنا خطوة إلى عموم المديح الأندلسي وأوزانه، فإننا سنلاحظ أن حازما الناقد، قد جانبه الصدق إلى حد كبير في ما انتهى إليه من ضرورة تناسب الأوزان الباهية والأغراض الجادة، وهي هنا لا تخرج عن الطويل والكامل والبسيط على اختلاف نسبها الفردية وعلاقتها بالمدح إنتاجا وتداولا.

وتشكل في مجموعها نسبة (71.68%) من الوحدات، و(77.63%) من الأبيات، و(61.65%) من المقطعات، و(76.67%) من القصائد. وتبلغ نسبها من التداول (88.88%) في الطويل، و(77.77%) في كل من الكامل والبسيط.

     والجدير بالذكر أن الشعراء الذين تنكبوا هذه الأوزان في مدائحهم وخاصة وزن البسيط، لم يُعْرَفُوا بإكثارهم من المدح، بل إن أبا الحسن الششتري قد استبعده بصفة نهائية من أشعاره. ومن جهة أخرى فإن هذا الغياب لم يستطع أن يقلل من أهمية هذه الأوزان في علاقتها بغرض المدح.

ولم يكن سليمان البستاني قد أشار في صراحة إلى صلاحية هذه الأوزان لغرض المدح،[86]كما هي عادة عبد الله الطيب حين يعرض لوزن من الأوزان الشعرية. فقد أبان هذا الأخير عن أوزان أخرى تشارك الطويل، والكامل، والبسيط في صلاحيتها لغرض المدح، فذكر السريع الثاني والثالث، والكامل الأحذ المضمر، وذكر المنسرح، والخفيف، والمتقارب والوافر.[87]

وإلى قريب من ذلك انتهى إبراهيم أنيس ومحمد غنيمي هلال. يقول أنيس: "أما المدح فليس من الموضوعات التي تنفعل لها النفوس، وتضطرب لها القلوب، وأجدر به أن يكون في قصائد طويلة وبحور كثيرة المقاطع كالطويل والبسيط والكامل".[88]

       وذهب غنيمي هلال إلى القول بأن الشاعر "قد يقع على البحر ذي التفاعيل الطويلة... لملاءمة موسيقاه لأغراضه الجدية الرصينة من فخر وحماسة ودعوة إلى قتال أو ما إليها، ولهذا كانت البحور الغالبة في الأغراض القديمة هي: الطويل، والكامل، والبسيط ، والوافر".[89]

وحكمهما يتضمن صلاحية "المدح" لكل الأوزان الطويلة، إلا أنه يلغي كمّا مهما من القصائد المدحية التي قيلت في هذه الأوزان. وأمام هذا القصور تجدنا نعمل على توسيع دائرة الإتجاه الذي ينتمي إليه كل من الدارسين، فنقول إن الشاعر في حالة اليأس والجزع، يختار أوزانا طويلة، ذات مقاطع كثيرة تناسب العاطفة الشعرية وحركاتها المتتابعة في استنفاد سائر الوزن لكل ما يريد الشاعر إبلاغه عن ممدوحه. [90]ويتضمن رأي هذا الاتجاه:

- قصائد مدحية لا تنفعل لها النفوس ولا تضطرب لها القلوب. وهي ـ في نظر إبراهيم أنيس ومحمد غنيمي هلال ـ أخص بالأوزان الكثيرة المقاطع، وبالقصائد الطويلة حسب فهم أنيس وحده.[91]

- وقصائد مدحية تنفعل لها النفوس في حالة اليأس والجزع وهي ـ في نظر الاتجاه الايقاعي ـ أخص بالأوزان الطويلة كذلك.

      وتعتبر القصائد التكسبية التي تشد رحالها إلى الممدوح دونما إشارة إلى متاعب السفر وأهواله،[92]نموذجا صالحا للأخذ برأي الدارسَين الأوَّلَين وذلك لخلوها من صدق العاطفة والشعور والوفاء. ويمكن أن نمثل لذلك بقول ابن فركون وقد وجه إليه يوسف الثالث بيتي شعر أولهما: "وكم عائد"، وأمره بالتصدير لهما والتدليل عليهما بحسب الغرض في الإنحطاط  عن الجزالة، وفي قريب من التاريخ:(الطويل).[93]

ومدحي على من جاد قبل سؤاله

هـو الملك العلى الهمام الذي غذا

فيــهمي نداه كــلمــا بخــل الحيا

فتســعف قصـاد وتقضي مآرب

ينــــم من المداح طيــب ثنــائــه

أمـولاي عذرا إن وصفك معجز

ولكــنــني أرجوك في كـل حالة

ولكــنــني أرجوك في كـل حالة

فكـــل مَــرامٍ أبــتــغــيه مــبــلغ

 

ومن أركب الامال وهي ركوب

لـــديه مجــال العز وهو رحيب

وإن مطل الإ صباح عنه يـنوب

ويمرع من ربع العـفـاة جـديــب[94]

فـــتــنـعم أسمــاع بــه وقـلــوب

ولـــوجــاء بشــار بــه وحبيـب

على أن من يرجوك ليس يخيب

على أن من يرجوك ليس يخيب

وكـــــل بعـــيد أرتجـــيه قريب

        ونماذج هذا اللون الشعري لا تخلو من أعاريض البسيط والكامل، وهي في جميع ذلك تمتاز بالرصانة وإعمال الفكر والروية في اختيارها لما يتطلبه المقام من معان شعرية، وما يلحق بها من ألفاظ وأساليب، كان قد سلكها من تقدم درب المديح، ليس فقط احتراما لهذه القوانين التي استجمعها الناقد العربي من شتات الشعر الجيد، بل نزولا عند رغبة الممدوح وذوقه.

       وهكذا انعكس هذا التضييق على نبض القصيدة المدحية، فجاء فاترا خاليا من كل معاناة شعرية صادقة، حيث لم يعد الشاعر يلتفت في قصيدة المدح لعواطفه وصدق مشاعره، وإنما انصرف إلى إرضاء الممدوح رغبة في الاستمناح والطمع في العطاء. وهو ما جعل كثيرا من معانيه وصيغه عبارة عن كلام جاهز مكرور بين الشعراء، لا يترددون في صبغه بما يتوافق وأفق انتظار الممدوح داخل طبقته وعصره، ويليق وأخلاقيات مقتضى الحال.[95]

     وقد ارتبطت معظم قصائد هذا اللون الشعري بمناسبات رسمية، إما بتكليف من ممدوحي البلاط، أو لأن شعراءها قد اختصوا بشخص معين في غالب الأحيان. ناهيك على أن "المدح تقليد شعري، لا يمكن للشاعر أن يطير ذكره في الأفاق، إلا إذا كان من مداح الملوك والأمراء".[96]

ولم تكن قصائد هذا اللون الشعري وقفا على شاعر معين، فالطمع والخوف حركا كثيرا من الشعراء إلى القول ارتجالا أو على البديهة كلما وجد الشاعر نفسه بحضرة خليفة أو وزير أو أمير أو ذي جاه يطمع في عطائه أو يرهب جانبه.[97] إلا أنه في غياب الظروف الخارجية المحيطة بالقصيدة المدحية، فإنه يغدو من الصعب ـ أحيانا ـ تمييز هذا الضرب الشعري عن غيره من الأشعار، لا تخرج ـ هي الأخرى ـ عند الشاعر الواحد عن بعض هذه المناسبات، ليس رغبة في العطاء أو رهبة من الممدوح، ولكن إعجابا بهذا الأخير ووفاء بحبه.[98]

      وقد مثل الممدوح في هذه القصائد خلاص الشاعر من ضيق المكان والزمان، فجاءت معبرة عن تجربة صادقة، وشعور يحركه، أحيانا ما يوجد عليه الشاعر من يأس وجزع. وتعتبر نماذج هذه الأشعار قاعدة صالحة لمناقشة رأي إبراهيم أنيس الذي يقف عند القصائد التكسبية الخالية من كل عاطفة شعرية، وإن كنا نرى أنه كغيره من أصحاب الإتجاه الإيقاعي ـ قد صاغ قاعدة عامة، مفادها أن الشاعر في حالة اليأس والجزع يختار أوزانا طويلة يصب فيها من أشجانه ما ينفس عنه حزنه وألمه.

     ولا جدال في أن الشعر الأندلسي قد خضع في بعضه لمجموعة من البواعث النفسية، تعددت بتعدد الشعراء واختلاف تجاربهم الشخصية وظروفهم الاجتماعية، فارتبط "بالغربة" عند شاعر كابن حمديس، و"بالشكوى" عند آخر كالتطيلي، و"بالاضطراب والتوزع والخوف والرجاء"، كما عند ابن اللبانة،[99]وأن نماذج هذه البواعث لا تختلف من حيث المغزى العام عن التصور الذي صاغه الإتجاه الإيقاعي حين ربط بين الأوزان الطويلة وبين حالات من اليأس والجزع، سواء كانت هذه النماذج تعبر عن ذات الشاعر أو عن ذات الجماعة أو تجمع بينهما معا. ويمكن أن نمثل للأشعار التي تعبر عن ذات الشاعر بنموذج لابن حمديس  في مدح علي بن يحيى.[100](الطويل):[101]

فقـــل لأناس عرسوا بسفاقـــس       وفرخ صغير لانهوض لمثـــله        إذا ما راى في الجو ظل محلــق  يظن أباه واقعـــــا فـــــإذا أبـــى         يلد بعيني أن ترى عيـــنــه وأن                 أحـــن إلى أوطـــانكم وكــــأنما     ولم أر أرضا مثل أرضكم التي          يــمـــد كجيـــش زاحف فإذا رأى             

 

لطــائر قلبــــي في مُعَرســكـــم وكـــر

يـــراطـــن أشكــــالا ملاقطــــها صفر

ترنم واهـــــتـــزت قــــوادمــته العـشر

وقــــوعا عــليـــه شب في قلــبه الجمر

يـــلــف بنـــحر في التـــلاقي له نحـــر

ألاقي بها عصر الصـــبا، سقي العصر

يقبل ذيـــــــل القصر في شطها البـحــر

عـــــطاء علــــي كان من مـــــــده جزر

    وقد افتتح قصيدته بمقدمة في وصف الطيف تناسب الجو النفسي الذي حرك شاعريته، واختار لذلك وزنا طويلا يلائم ما يحسه من غربة وحنين إلى وطنه وأحبته بسرقوسة، بعد أن غادر وطنه فظل يتشوق إليه، ويعلل نفسه بمدح الملوك والوزراء وغيرهم، "يستشعرهم الإقلال وضيق الحال، إذا امتنع عنه الرسم، أو أبطأ عليه الرسم".[102]

      ولا تختلف القصائد التي تمزج بين الفردي والجماعي في مغزاها العام عن الحالة الشعورية التي خضع لها معظم الشعراء أثناء مثولهما بين يدي الملوك والأمراء.[103]ويمكن أن نستحضر شاهدا على ذلك، قول الأعمى التطيلي[104] من قصيدة يمدح فيها أبا يحيى: (البسيط). [105]

فسائل الروم هل كانت على ثقة

قــاد الجـــياد إليها من مرابطها

 

من غزو أروع يعطي الغزو ما يسل

مـــــاض إذا عرض الهيابة والوكـل

       والقصيدة طويلة جدا، وهي تجمع بين كل المعاني التي دونها الشعراء في مدائحهم إلى ذوي السلطان. وقد ابتغى الشاعر من وراءها تحقيق غايتين: وتتجلى الغاية الأولى في الدفاع عن الأمة الإسلامية من خلال الحفاظ على قيمها ومثلها العليا وصون ملكها وتوسيعه، أما الثانية  فتتجلى في سعي الشاعر إلى تحقيق أماله الخاصة وطموحاته الفردية،[106] كما يتضح من هذه الأبيات التي اختتم بها قصيدته. يقول:[107]

يأيــها المـــلك المــيــمون طائـره

أتاركي لصروف الدهر تلعب بي

شكـــرت نعـماك لما قل شاكرهـا

وهاكها يقتــضيك الحسن رونقـها

تطــاول الدهر منها لـو يعارضـه

سيارة في أقاصي الأرض شاردة

 

يا بدر يا بحر يا ضرغام يا رجــل

وقــــد حداني إليك الحب والأمـل

إن الكــريم علـــى العلات يعتمــل[108]

وإن لوتها به الأعــذار والعــــلــل

دهر علاك به الأسحار والأصل

مـــما تـروي لك العلـــيا وترتجل

      أما القصائد التي ظلت تنوه بالبطل سواء كان ملكا أو أميرا أو قائد جيش، فلا أجدها تصلح للإطار الذي صاغه الإتجاه الإيقاعي حين ربط بين الأوزان الطويلة وبين حالات من اليأس والجزع. فكيف والحالة هذه أن تنطبق أشعار تعبر عن جو حماسي بطولي عن هذه القاعدة العامة؟ يقول بن دراج في مدح المظفر يحيى بن المنصور أبي الحكم: [109] (من البسيط).[110]

إقبال جـــدك للإســـــــلام إقبـــال

ولا مـــعــــقـب للحكم الذي سبقت

أحق حقك في الملك الذي ضمنت

وحق للـمـفـــخـر المـرفوع معلمه

فاسـعد بمـلك مفـــاتيح الفتوح ولا

ولا كفــــتح غـــذت أعلام دعوته

 

وعز نصرك للإشراك إذلال

به مــــن الله أحكــام وأفعـال

ميراثه لك أمـــلاك وأقــيــال

حق وللباطل المجهول إبطال

خابــت بسعـيك للإسلام آمال

ترسو به وكئيب الشرك ينهال

        وقد صدر فيها الشاعر عن حماسة دينية متأججة تنوه بشجاعة الممدوح وقوته وببسالة أسوده وصموده في قتال العدو وشل شوكته دفاعا عن ثغور المسلمين. وتتكرر نماذج هذه القصيدة لدى جل شعراء الأندلس من أمثال ابن حمديس، والأعمى التطيلي، وابن خفاجة، وابن الآبار، وابن الخطيب، وابن فركون. ومثل هذه القصائد التوثيقية التي تذهب مذاهب الجلالة في إظهار عظمة الممدوح وما كان له من انتصارات وفضل على الرعية، لا تستطيع إخفاء حماسة الشاعر وإعجابه بممدوحه وما يلاقيه من ترحاب تخرج إليه الرعية أثناء قفوله من معركته التي أبلى فيها بلاء حسنا:[111]

فتح – كفاتحه في الخلق – ليس له

أضــحـــت بــه حلل الدنيا لنا جددا

وشب شيباننا من ذكــــره فــــرحا

وغنــت الطير في أغصانها طربا

 

مما خلا من فتوح الأرض أشكال

ولبس والــي العدى والغدر أسمال

وشاب من خزيه في الشرك أطفال

وشدو طير العدى والكفر إعـــوال

      وغالبا ما تأنق الشعراء في صياغة هذه القصائد غاية التأنق، بحيث نوّعوا في أساليبها بين الجزالة والفخامة، والرقة والسهولة، طبقا لما تقترحه عليهم طبيعة المعاني وأقدار الممدوحين.

وتمثل هذه القصائد جانبا مهما من جوانب المديح الأندلسي  كان على "إبراهيم أنيس" أن ينتبه إليه قبل أن يصوغ نظريته العامة خصوصا وأن هذه القصائد قد اختارت لنفسها أوزانا طويلة تناسب هذا المذهب البطولي والقصصي الذي يفصح عنه كم لا يستهان به من القصائد الشعرية الطويلة النفس.

      وحضور هذه الألوان الشعرية بصورة مكثفة على وزن الطويل، والكامل، والبسيط، لم يقف دون مجيئها على بعض من الأوزان الطويلة الأخرى كان أن تأخرت قليلا في الشعر العربي وأغراضه، وخاصة في الشعر الجاهلي الذي ظل يمثل النموذج الراقي طوال الأزمنة الشعرية المتوالية. وهي أوزان تضمنتها أحكام كل من حازم القرطاجني، وعبد الله الطيب، وإبراهيم أنيس، ومحمد غنيمي هلال. وتمتاز هذه الأوزان في صورتها المجردة بأوصاف وخصوصيات موسيقية مختلفة فيما بينها وبين سابقتها من الأوزان الطويلة. وهي أوصاف تجعلها لا تتماشى مع وجهة النظر التي ترفض تخصيصها بهذا الغرض الشعري أو تسمح لها بحالة واحدة من الحالات النفسية.[112]

      ويعتبر "الوافر" أحد هذه المجالات الايقاعية، إلا أن نسبة وحداته لا تزيد عن (6.21%)، رغم ارتفاع نسبة تداوله إلى (62.96%)، بل تنزل في الأبيات إلى(4.15%) لاقتصارها على المقطعات بنسبة (9.22%) مقابل (4.72%) من القصائد، ناهيك عن قلة اختيارات الشعراء له، والتي لم تزيد في أقصاها عن اختيار ابن الآبار الذي وصل به إلى إحدى عشرة وحدة شعرية.

        ويأتي المتقارب في الرتبة الخامسة بعد أن كان في المديح الجاهلي يحتل الرتبة الثانية. ولم أجد أحدا من الأندلسيين استعمله بكثرة في مدائحه، غير ابن دراج الذي ركبه سبع عشرة مرة. وهو عند غيره لا يزيد عن خمس وحدات فما دون ذلك. وعلاقة هذا الوزن بالمدح لا تزيد عن (5.73%) من الوحدات، و(5.36%) من الأبيات، و(6.05%) من المقطعات،  و(5.57%) من القصائد، و(74.07%) من التداول، وقد سُجِل غيابه عند الغزال، وابن عبد ربه، والألبيري، وابن اللبانة، والرصافي البلنسي، وأبي الحسن الششتري، وحازم القرطاجني.

      واحتل الخفيف الرتبة السادسة بنسب تنزل إلى (4.68%) من الوحدات، و(3.27%) من الأبيات، وتصل في المقطعات إلى (7.20%)، مقابل (3.43%) من القصائد. وقد بلغ عدد الشعراء الذين اختاروا هذا الوزن لمدائحم تسعة عشر شاعرا، لم تتجاوز استعمالاتهم الفردية له أكثر من ثمان وحدات شعرية إذا نحن استثنينا ابن الخطيب الذي وصل به إلى هذا العدد.

       وينتمي إلى هذه المجموعة الثانية، وزن السريع بنسب وحدات لا تتجاوز (4.20%)، موزعة ما بين تسعة عشر شاعرا، يتقدمهم ابن الخطيب من حيث الاتجاه بسبع وحدات. وتبلغ نسبة أبياته (2.70%) لارتفاع مقطعاته إلى (7.49%) مقابل (2.57%) من القصائد. أما نسبة تداوله فتصل (62.96%).

      ونماذج هذه الأوزان لا تختلف في ألوانها المتعددة عن وضعها بين الأوزان السابقة من حيث البهاء والقوة والجزالة وما يخالطها من رشاقة وعذوبة يقتضيها معرض الجد والجلالة، سواء كانت هذه النماذج تصدر في ألوانها المتعددة عن رغبة نفسية مبعثها الحزن والفرح، أو عن حب وتملق يدفع إليها الطمع في العطاء والاستمناح.

        بعد هذه الفئة التي قلت نسبتها في المدح دون نسب تداولها كما تبين، يأتي الرمل على رأس مجموعة أخرى تأخرت نسبها لدرجة تكاد تكون غير ذات دلالة في المديح الأندلسي. وتضم هذه المجموعة أربعة عشر وزنا يبلغ مجموع نسبها (7.38%) من الوحدات، و(6.56%) من الأبيات، و(8.31%) من المقطعات، و(6.95%) من القصائد. ويمثل فيها الرمل نسبة (2.19%) من الوحدات، و(2.57%) من القصائد، و( 1.44%) من المقطعات، و(2.47%) من الأبيات، و(37.03%) من التداول. ويمتاز هذا الوزن برقة وعذوبة ورشاقة منسابة تجعله  في رأي عبد الله الطيب – ينبو عن الصلابة  والجد وما إلى ذلك. وحكمه هذا يتفق مع الأغراض التي خصها بنه حازم القرطاجني وسليمان البستاني.[113]

      وقد التجأ عبد الله الطيب إلى الإستشهاد بأوزان وأغراض مختلفة، من أجل تمرير وجهة نظره المسبقة عن هذا الوزن، وذلك بعد أن اصطدم  بمجموعة من النصوص المدحية وعمل على رفضها وتخطيء شعرائها من حيث عدم مناسبة هذا الوزن لفحوى معاني المدح وتنافرها مع رقته.[114]

      ومثل هذا الحكم يصعب الأخذ به ما لم نقم بدراسة جميع الأشعار التي جاءت أوزانها المختلفة في غرض المدح لا خارجه، ونبحث فيما إذا كانت تجمعهما بنية مشتركة أو لا تجمعها، وفيما إذا كانت أوزانه تحتفظ بخصائصها الموسيقية المجردة أم تستمد إيقاعها من مادة صياغة الشعر ذاتها. وهذا باب كبير نأمل أن نقوم مستقبلا بتحمل جانب منه.

     وإذا استثنينا مجزوء الكامل الذي قارب الرمل قليلا من حيث نسبه من المقاييس الإحصائية، فإن بقية الأوزان المنضوية تحت هذه الفئة، لا توجد على علاقة بالمدح إلا بنسب ضعيفة جدا. فهذا وزن المنسرح لا تزيد وحداته عن (0.86%) موزعة ما بين قلة من الشعراء وهم: ابن عبد ربه، والغزال، وابن هانئ، وأمية الداني، وابن سهل، وابن الخطيب. وعدم إكثار شعراء الأندلس من هذا الوزن وعزوف معظمهم عنه في مجال المدح، لا يرجع إلى اضطرابه وتقلقله، وإنما لقلته عند شعراء الفخامة أمثال كثير، والأخطل، والقطامي، وجرير، وابن الرقاع، والفرزدق، وممن سبقهم من طلاب الجزالة والفحولة.[115]

    أما مخلع البسيط فلم ينظم منه سوى ابن عبد ربه والمعتمد بن عباد مرة واحدة، ثم ابن دراج والتطيلي مرتين. ونظرا لما يمتاز به المتدارك من سرعة وخفة شبيهة بوقع الفرس على الأرض وبضرب النواقيس.[116] فقد مال إليه أمية الداني في مدح الحسن بن علي الصنهاجي من قصيدة يقول فيها:[117]

ندب ندس حلو شرس

لــو لـــلأيـــام شمائله

ولـــو أن البحر كنائله

 

شهم فـطــن لـيــن حسن[118]

لـم تحن عليك ولــم تحن

لــم يدنُ مداه على السفن

      وكونه كذلك هو الذي أثار استحسان شعراء المديح الأندلسي وإقبالهم على تداوله والنظم عليه. فقد اختاره ابن حمديس وابن الخطيب مرتين، واستعمله أمية الداني وابن الآبار مرة واحدة.[119] وإذا أخدنا بعين الاعتبار هذه الحقيقة إلى جانب نسبة المدح بين الأغراض التي لاءمت هذا الوزن أفقيا،[120] أو حاولنا النظر إليه من خلال مدائحه التي منها قول ابن الخطيب:[121]

وافيــت إلــــيك بها راكضا

فســـبــكت التــــبر له لجما

فأنل، واحمل، وأعد، وأبد

مـــا لاح النــــور بـمشرقه

 

ولغــمر نــوالـــك مستــبـقا

وجعـــلت أعنتـــها ســرقا

وانعم، في ظل حمى، وبـقا

أو هـــزت ريح غصن نقا

    وجدنا أن عبد الله الطيب لم يكن محقا حين ذهب إلى إلصاق هذا الوزن بكل ما يصلح للحركة الراقصة الجنونية.[122] وربما لو كان تنبه ـ كسليمان البستاني ـ[123]لما يوحي به هذا الوزن المسمى ركض الخيل من معاني الفروسية والإقدام ـ تجعله أنسب لهذا الغرض لما كان قد أخرجه من دائرة المدح.

ولا تتعدى بقية الاختيارات الوزنية، ثلاث وحدات في المديد، ومجزوء الرجز، ووحدة شعرية في مجزوء الوافر، والمقتضب، والرجز. وهذه الأوزان لا يخرج ـ بعضها ـ عن أشعار ابن دراج، وأمية الداني، وابن الآبار، وحازم القرطاجني، وعبد الكريم القيسي، وابن زيدون، وابن الخطيب، وابن سهل، وأبي حيان، وابن عبد ربه، والأعمى  التطيلي.

     ونشير إلى أن اختيار هؤلاء الشعراء لأحد الأوزان السابقة، لم يكن اختيارا عشوائيا، وإنما دفعت إليه أسباب سنأتي على ذكرها من خلال الوقوف عند نماذج بعض هذه الأوزان وخاصة تلك التي أثارت إشكالا وانتباها متعددين داخل حقل الإبداع الشعري ونقده. وهذه الأوزان هي : المديد، ومج.الرمل، والمقتضب. فقد أشار الإتجاه التقليدي إلى خاصية هذه الأوزان الثلاث، وربطها بأغراض معينة لا يتسع لها المدح.

 فنظرا لما يحمله المديد من رقة ولين وضعف أو قعقعة، أو ثقل يجعله ينبو على الذوق،[124] فإن الشاعر الأندلسي قد أقل منه بكثرة، ولم ينظم منه سوى ابن الآبار، وأمية الداني، وابن دراج. أما حازم القرطاجني ففضل أن يبتعد به قليلا عن المدح، ربما نزولا عند نظريته النقدية التي تقارن بين الأوزان وبين المقام الشعري فاختاره للتقريظ في قصيدتين شعريتين، أحجم عن ذكر صاحبهما، يقول في إحداهما:[125]

بـــنــت فكــر لا نظير لها

أمـــــــــد الله خــــاطـــره

فــحــــباها الله إذ كـــملت

وعلى الأقول فضـلها من

 

صاغها من لا نظير له

بــهــــداه حين أعــمله

ما حــــــابه حين كمله

من على الأقوام فضله

إلا أن حماسة حازم للربط بين الأوزان الطويلة وبين المدح لا تستقيم في ديوانه، فقد اختار قصيدتين مدحيتين على مجزوء الرمل، والمقتضب ليس جهلا بالقواعد التي وضعها بين يدي الشاعر أو قصد التنويع وإظهار البراعة الشعرية، وإنما لغاية لا يمكن أن تخرج عن الافتراضات التالية:

    ويتمحور الافتراض الأول في قلة حلاوة المقتضب وطيشه،[126]وفي طيب مج.الرمل.[127]

أما الافتراض الثاني فيتجلى في ما قد تحدثه مثل هذه الأوزان القصيرة من وقع طيب في النفوس التواقة إلى الإطراب والتخفيف من عبء الدولة ومسؤولياتها.[128]

     وقد نظم حازم القرطاجني مدحته التني جاءت على المقتضب لنفس هذه الغاية، فتغنى بخصال ممدوحه وما كان له من انتصارات أمن بها بلاده وحماها من الأعداء، يقول من أبياتها:[129]

كــــم  علا ومكرمة

جـــــود كـــفه مطر

كـــــاد لا يكون لهم

فالـــبحار فائــــضة

نخــــبة الملوك متى

 

أحـــرزت به العرب

والخـــــلائق العشب

في الحـــــيا به أرب[130]

في يـــديــه والسحب

يـــــبـــد للعدا يغبوا

      ويتعلق الافتراض الأخير بالحالة النفسية التي حركت الشاعر لاختيار هذين الوزنين. فإذا كان دافعه إلى انتقاء المقتضب لا يخرج عن حبوره وإعجابه المتزايد بممدوحه،[131] فإن باعثه لركوب مجزوء الرمل في مدحته التي توجه بها إلى الأمير أبي زكريا، يلتقي مع تفسير إبراهيم أنيس حين يقول: "فإذا قيل الشعر وقت المصيبة والهلع تأثر بالانفعال النفسي، وتطلب بحرا يتلاءم وسرعة التنفس وازدياد النبضات القلبية".[132]

فالشاعر كان يحس بالأخطار التي تهددت المدن الأندلسية بعد خيبة وقعة العُقاب سنة 609 هـ،[133]ولذلك افتتح قصيدته بمقدمة في غاية من الانفعال النفسي، يقول من أبياتها:[134]

أَيـــمَنُ الـــرَّكبُ فَيَامِنْ

ولتســــل عنــهم نسيما

واستـــــــمع نغمة شاد

يا نـــوى الحباب كائن

آه مــــن حـــلم مضاع

 

تـــــــزجر الطير أيامن

ضاع من تلك الضعائن

للـــــحلى في جـــد شاد

هجت من خطب وكائن

يــــوم ذاك الخلم ظاعن[135]

     وانتقل بعده إلى مدح أبي زكريا بما تمدح به الأمراء، ومستصرخا إياه تدارك "سبتة" وإعداد العدة لاسترجاعها إلى أهلها:

فَــــادرِكْها بالجـــيَّادِ الـ

فمغـــــــــاني غربها قد

ومغاني الشرق داجـــن

أصبحت وهي مواطــن

يا ربــــوعا أقفــرت من

كـــــم حــديث عن قديم

آه مــــن رشـــــد مفات

ولحـــــــــاء بالمواضي

عل يـــــحيى منك يحي

بخمـــــــيس ضاقت الأ

 

ـلاَّحِقِـــــيَاتِ الصوافن[136]

أوحشت منها المساكن

أفـــــــقها بالنقع داجن

للــــعـدا تلك المواطن

ناطق فـــيـــها وقاطن

منك شاج لي شـــاجن

فـــيـــك عن إي مفاتن

جــــالـــب حينا لحائن[137]

مــــا أماتته الضغائن

فــــاق عنه والأماكن

      والنموذجان معا، يؤكدان ما سبق أن كشف عنه تحليل شواهد بعض الأوزان الطويلة أو المتوسطة الطول من حيث عدم اختصاصها بحالة معينة، وأن الأمر متروك فيها إلى الشاعر وما قد يعانيه من حالة نفسية ساعة النظم، قد تكون يأسا وجزعا، أو إعجابا بالممدوح، أو مجرد صناعة شعرية خالية من أية عاطفة صادقة، فتتطلب أنذاك بحورا قصيرة أو خفيفة.

      وتؤكد إحصائيات في الموضوع،[138] صحة هذه النتائج العامة واتخاذها كقوانين وقواعد ترسمها الشاعر العربي، وخاصة بالنسبة لأوزان الطويل، والكامل، والبسيط، ثم الوافر، والمتقارب، والخفيف. فالاحتكام إلى نتائج المديح الجاهلي في عدد أبياته، لا يطعن في صحة ما توصلت إليه دراستنا من نتائج تعطي الأولوية للأوزان الطويلة، غير ما كان للمتقارب من حب في نفس الشاعر الجاهلي، دفعه لسبب ما إلى تفضيله على الكامل والبسيط، وتفضيل هذا الأخير على الكامل.

       وتشير نتائج إحصائيات ديوان أبي تمام، وأبي نواس، وابن الجياب الغرناطي، والحطيئة، والأخطل، والمتنبي، والبحتري، وبشار بن برد، ومسلم بن الوليد، وشوقي، وشعر النبويات في عصر بني مرين، إلى تناوب الرتب في ما بين الطويل والكامل والبسيط، وتنازل بعضها  للوافر والخفيف عن الرتبة الثالثة. أما  المتقارب  فتأخر قليلا عن وضعه في الشعر الجاهلي، وخلا بصفة نهائية من مدائح أبي نواس، وابن الجياب، وبشار بن برد، ومسلم بن الوليد، وشوقي.

وقد حافظت بقية الأوزان التي يختزلها الجدول على وضعها في جميع هذه الاحصائيات، مع بعض الاستثناءات شملت تأخر  بعضها أو تقدمها هنا أو هناك. وتنطبق هذه الملاحظة على وزن المنسرح الذي تأخر في الشعر الجاهلي، فجاء في الرتبة الحادية عشر بمعدل (1.10%) في حين عرف الرمل والرجز قفزة نوعية، بلغ معدل أولها في مدائح ابن الجياب (12.82%)، ليحتل ثانيها الرتبة الرابعة في مديح بشار بن برد ومسلم بن الوليد بمعدل (9.25%).

      ولا تسير أوزان هذه المجموعة على وتيرة واحدة من الشيوع، فوزن المديد – مثلا – لا يسجل حضوره إلا بقلة فقط في مدائح الشعر الجاهلي وشعر أبي نواس وابن الجياب. أما  السريع و الرمل، فلم يغيبا سوى عن مدائح الأخطل والحطيئة والمتنبي وشوقي.

     وقد أظهرت هذه الاحصائيات نفور شعرائها من الأوزان القصيرة والمجزوءة، بحيث لا نرى لها أثرا في مدائح أبي تمام، والحطيئة، والأخطل، والمتنبي، وشوقي. وهي عند غير هؤلاء، لا تتكرر بصفة مطردة تمكن من اتباع الشعراء لها. ووضعها هذا لا يسمح بطرحها بعيدا عن دائرة الأوزان التي لاءمت غرض المدح لأسباب تتعلق بجمالية القصيدة العربية في خروجها عما هو مألوف ومتداول.

      ولعل قلة شيوع هذه الأوزان في مدائح الشعر العربي بصفة عامة، هو الذي أوحى لحازم القرطاجني بتنكبها نهائيا في نظريته التي تربط بين المدح وبين الأوزان الطويلة التي لقيت أعلى مراتب الشيوع في الشعر العربي إلى حدود القرن الخامس الهجري.

      وهكذا لم يتم النظر إلى هذه الظواهر على أنها انزياخات شعرية، قد ترقى في وقت لاحق إلى النموذج أو القاعدة العامة. ويعتبر مجزوء الكامل الذي احتل في الشعر الجاهلي نسبة (4.08%) خير مثال شعري، يسمح للشعراء من طرق الأوزان القصار، ومحاولة تكييفها مع غرض المدح. وقد سبق أن سجلنا في ارتياح كبير صلاحية المدح لوزن المتدارك بمعدل (70%.).

      هذا وقد أبانت بعض هذه الدراسات عن اتساع المدح لأوزان أخرى يمكن إضافتها إلى ما انتهى إليه الجرد الاحصائي لآوزان المديح الأندلسي، ومن هذه الأوزان: المضارع، وكشف عنه شعراء النبويات في عصر بني مرين بمعدل (1.20%)، ثم الهزج، ونظم منه ابن الجياب، وأبو نواس، والبحتري بمعدل (1.32%). وأخيرا مجزوء البسيط الذي اختاره البحتري بمعدل (0.14%).

    وإذا كان هناك من اختلاف، فلا مناص من الإشارة إلى أن معظم هذه الاحصائيات قد اقتصرت على متن شاعر واحد، دون أن تتجاوزه إلى غيره من الشعراء، أو توقفه على عصر معين إلا في النادر من الأحيان. ومن جهة فإن من هذه الدراسات، ما كان يبحث في تطور الأوزان وما رافقها من تطورعلى مستوى الأغراض، فلم تحاول البحث عن قاعدة عامة تمكن الدارس من عقد مقارنة سليمة، ولذلك بدت نتائجها مخالفة في بعض الأحيان لما انتهى إليه بحثنا.

     وعلى العموم فقد حافظت هذه الأوزان عبر تاريخ الشعر العربي على وضعها في عرض المدح، مع بعض الاختلافات البسيطة كان لعامل الزمن وربما لعوامل كثيرة، الأثر في توجيهها وجهة مختلفة، لم يستطع الشاعر الأندلسي هو الآخر الإفلات منها، خصوصا إذا حاولنا أن نتعامل مع أشعاره من زاوية تنظر إلى إبداعه الفردي.

 

 

3 - الوصف:

     تحيل لفظة "وصف" في لسان العرب على التحلية، والنعت، والابانة، والظهور.[139] أما على  المستوى الاصطلاحي فللكلمة معنى آخر استعمله النقاد استعمالا عاما وخاصا.

أ- الاستعمال العام: ويعنون به القول العري عامة،[140]فقلما كان النقاد القدامى يعدون الوصف من أغراض الشعر المستقلة بذاتها فهم كانوا يعتقدون "بأن الوصف عنصر أصيل لاغنى عنه في كل غرض من أغراض الشعر، أو كل موضوع من موضوعاته، فلا ضرورة في ضنهم في إفراده في غرض مستقل إذ المديح نوع من وصف خصال الممدوح، والرثاء ضرب من وصف مناقب الفقيد، والغزل نمط من وصف محاسن المرأة".[141]

ب ـ  الاستعمال الخاص: هو الذي عناه قدامة بن جعفر بقوله: "الوصف إنما هو ذكر الشيء بما فيه من الأحوال والهيئات. ولما كان أكثر وصف الشعراء إنما يقع على الأشياء المركبة من دروب المعاني، كان أحسنهم من أتى في شعره بأكثر المعاني، التي الموصوف مركب منها، ثم بأظهرها فيه وأولاها حتى يحكيه بشعره ويمثله للحس بنعته".[142]

    وقد أجمع جل النقاد على هذا التعريف،[143]مؤكدين على أن "المحاكاة التامة في الوصف"، لا يمكن أن تتحقق إلا عن "طريق استقصاء الأجزاء التي بمولاتها يكمل تخييل الشيء الموصوف"،[144] ويجعله في متناول حاسة البصر خاصة.

    أما التشبيه،[145] والاستعارة، والمجاز، والتمثيل، فليست إلا اصطلاحات تستند بعضها في تقديم صورة مستوفاة عن الشيء المراد تخييله.[146]             

      إن هذا الحد الذي وضعه القدامى، ينم عن "واقعية مثالية"،[147]تستند إلى معايير نموذجية كان قد صورها الشعراء في كل موضوعات وصفهم العامة، فعبر الناقد العربي عن اهتمامه بها من خلال مجموعة من النماذج الشعرية لا تنحصر مرجعيتها في غرض الوصف، بل تتجاوزه إلى أغراض متعددة.[148] حيث لم يستطيع أن يتخلص من الاعتقاد السائد بأن "الشعر ـ إلا أقله ـ راجع إلى باب الوصف، فلا سبيل إلى حصره واستقصائه".[149]

      وقد نبه حازم القرطاجني إلى هذا الخلط الذي وقع للناقد العربي، وهو يتحدث عن الوصف فقال: "جاعل الوصف قسما إنما يعني الأوصاف التي ليس للإنسان حاجة إلى حمد موصوفاتها ولا إلى ذمها ولا هي أيضا يصل إليها من ذلك شيء، وإنما القصد بوصفها سبر الخواطر ورياضتها. وقد يكون الباعث على ذلك اعتبار أو استغراب".[150]

     وفي هذا المعرض، نشير إلى أن موضوعات الوصف، كغرض مستقل بذاته، لا يمكن حصرها بصفة نهائية. فهي ـ في نظر ابن رشيق ـ تكثر بتعدد الموصوفات واختلاف العصور والأمصار.[151]

    ولا نستغرب بعد ذلك، إذا كان الوصف غير مضاف إلى غرض من الأغراض الشعرية، قد أخذ قسطا كبيرا من اهتمامات الشاعر الأندلسي، فاحتل الرتبة الثالثة بمعدل وحدات بلغت (11.31%)، وإن بنسب تنزل إلى (3.76%) من الأبيات، و( 3%) من القصائد. فهو غالبا ما كان يأخذ صورة مقطوعات يُضمٍّنُ فيها الشاعر أحاسيسه وفكره نحو المنظر الذي ينفعل به، ولذلك تجد نسبته من المقطعات قد ارتفعت إلى (15.50%)، لتصل إلى (88.88%) من التداول.

 أما الأوزان التي ناسبت هذا الغرض، فتستدعي الاجابة عن الساؤلات التالية: ما هو التأثير الذي يمكن أن يكون قد مارسه النقد العربي القديم، بعد اختياره لنماذج شعرية تعددت مرجعياتها دون أن تنحصر في غرض الوصف؟ وما هو موقف النقد المؤيد لإشكالية الوزن والغرض؟ وهل كان القصد من هذه الموصوفات سبر الخواطر ورياضتها، أم أن الباعث على ذلك اعتبار أو استغراب كما يرى حازم القرطاجني؟ وهل كانت هذه الموصوفات أو هذه المقطوعات تستدعي أوزانا قصارا تنطبق ومذهب المقعد الذي يشد القصار بالارتجال والقول على البديهة، وبشكل  يساير الرأي الذي يرى مناسبة هذه الأوزان للحالة النفسية الي يعيشها الشاعر أثناء مواجهته للشيء الموصوف وانفعاله به، وما قد يتطلبه الموقف في حالات مغايرة من أوزان طويلة تلائم العاطفة الشعرية، أم أن هذه الموصوفات ـ طويلة كانت أو قصيرة ـ لا تختلف في اختيار مجالاتها الايقاعية؟ ثم ما هي الأوزان التي يضيفها الشاعر الأندلسي إلى قائمة الانجازات الاحصائية في الموضوع؟ وماهي أسباب اختياره لها؟

     إن العودة إلى الكتابات المقعدة للشعرية العربية واستنطاقها لمعرفة الأوزان التي أتبث الجرد الاحصائي صلاحيتها لغرض الوصف، تفيد ممارسة فعلية للنموذج الشعري على أكثر من واجهة ايقاعية يلخصها الجدول "42". ولن نهتم بما تفصح عنه النسب لأن هدفنا يتمحور حول معرفة الأوزان التي اعتمدت "كشاهد"، عمل الشعراء على احتذائه والقول على منواله. وبهذه المناسبة لا نرى مانعا من اقحام القارئ في متاهة هذه الشواهد نظرا لطرافتها وانفتاحها على أغراض شعرية متعددة، أهمها المدح والغزل، وهما حقلان يوجدان على طرفي نقيض من حيث الجزالة والرقة وما يتطلبانه من أوزان تناسب مذهبيهما.

   وتتجه الغاية الأولى من وراء هذا الجدول، إلى ملإ الفراغ المعلن عنه في منهاج حازم القرطاجني، حين لم يعمل على تعيين الأوزان التي تصلح لهذا الغرض ومقاصده، وذلك من خلال اختيارنا لإحدى المرجعيات التي كان لها حضور قوي في الساحتين الابداعية والنقدية على السواء إلى ما بعد  حازم وشعراء عصره.[152]

      أما الغاية الثانية فتتجه نحو الأوزان التي أعرض عنها الفكر المؤيد أو الرافض لقضية الوزن والغرض. وسنتخذ من المنهج الاحصائي ومن النص الشعري شاهدا على الأوزان التي لاءمت غرض الوصف في الشعر الأندلسي كغرض مستقل بذاته.

إن انفتاح الأندلسيين على الأوزان التي أبان عنها الشاهد الشعري وكذا الشعر الجاهلي بما أضاف هذا الأخير من أوزان أهمها: الخفيف والسريع،[153] ليس إلا دليلا على احتفائهم بجمالية الشعر العربي القديم في تراتبية أوزانه وصلاحيته لغرض الوصف. إلا أننا لانعدم وجود بعض الاختلافات ـ سنأتي على ذكرها ـ والتي تتجه نحو أوزان خاصة وتُدبِرُ عن أخرى، في ما تقبل على أوزان قد ظلت خارج حدود الوصف في الابداعات التي وصلنا إحصاء أوزانها.

       وإذا كان حازم القرطاجني يفجر على مستوى إبداعه الشخصي صمته ـ إلى حد ما ـ باتخاذه للطويل والكامل نواتين إيقاعيتين لهذا الغرض،[154] فإن سليمان البستاني وعبد الله الطيب يتفقان حول صلاحية الوصف لأوزان: الكامل، والطويل، والبسيط، السريع، والخفيف، والرمل، والرجز، والمتدارك.[155]

       واشتغال عبد الله الطيب على غير الإلياذة، جعله ينفرد بالإشارة إلى وزن المتقارب.[156]أما بالنسبة  للمنسرح، ومجزوء الرمل، ومخلع البسيط، والرمل، والمجتث، ومجزوء الرجز، ومجزوء الخفيف، فلم يخصها بهذا الغرض إلا من خلال مجموعة من الأبيات الشعرية،[157] التي كان يستشهد بها للتأكيد على ما تمتاز به هذا الأوزان من خصائص موسيقية تلائم تصوره الشخصي وما تصلح لها من أغراض، تضل فيها محتفظة بهذه الخاصيات المسبقة. وقد كان هذا صنيعه حتى بالنسبة للسريع والخفيف والرمل.[158]

      ولم أجده قد تطرق لـلوافر ولـمجزوء الكامل، رغم الحضور القوي الذي امتاز به الأول في أوصاف الجاهليين وغيرهم من الشعراء أمثال أبي تمام، والبحتري، وشوقي، أو غيرهم من الأندلسيين.[159]

          كما أنه لم يتعرض بصفة نهائية في كتابه لمجزوء الوافر، ومشطور السريع، ومشطور الرجز. والحقيقة أن نسب هذه الأوزان من الوصف، ضعيفة جدا بحيث لا تزيد في أحسنها عن (0.53%). إلا أن السؤال الذي يظل مطروحا وهو لماذا لم يتطرق عبد الله الطيب إلى هذه الأوزان الثلاثة في مرشده؟

        وكان سليمان البستاني قد أعرض، فيما تناول من أوزان عن بحرالمنسرح لعدم استقامته على إحدى موضوعات الالياذة.[160] أما المجتث، فلا يجود ـ في نظره ـ إلا في الأناشيد والتواشيح الخفيفة.[161]واستعمال الدارس لصيغة التفضيل هاته تجعلنا نقبل بضم هذا الوزن إلى قائمة الأوزان التي ذكرها لغرض الوصف،[162] رغم أن نسبته لا تزيد في الشعر الأندلسي عن (1.77%) من الوحدات.

     إن انفتاح الوصف في الشعر الأندلسي على هذا العدد من الأوزان الشعرية كان يوازيه جمال الطبيعة من جهة، والحياة اللاهية التي عاشها الشعراء في اتصال ببعض الملوك والأمراء، ناهيك عن الظروف العامة التي أحاطت بالشاعر الأندلسي في ظل التقلبات السياسية التي عرفتها بلاد الأندلس.[163]

وشغف الأندلسيين ببيئتهم الطبيعية وبمظاهر حضارتهم في ظل هذه الظروف، كان ينطوي على ما اصطبغت به الأندلس من مرح وأوجه قلق واضطراب،[164]  "جعلها تسعى إلى ما يشعرها بالأمن أو إلى ما يسكن على الأقل بعض هذا القلق".[165] وهو نتيجة لذلك، امتاز بالرقة والسهولة والبساطة والوضوح، فضلا عن جزالة الألفاظ خصوصا في مراحله الأولى وحتى القرن الخامس الهجري.[166]

وتدل الاختيارات التي عرضت للمجالات التي التي اتصلت بها ملكة التصوير عند الأندلسيين،[167] على مبلغ ما بذله هؤلاء من عناية بالصورة منذ وقت مبكر من تاريخ الشعر الأندلسي "حتى أصبح طلب الصورة فيه غاية كبرى، بل أصبح بعد زمن أكبر غاية".[168]وفي ذلك يقول الأديب أبو الوليد إسماعيل بن عامر الحميري (تـ 440هـ): "فلهم في وصف الربيع أحسن المعاني مجتلى وأطيبها مجتنى"، و"لهم فيه من الاختراع الفائق، والإبداع الرائق وحسن التمثيل والتشبيه ما لا يقوم أولئك مقامهم فيه".[169]

     إن غلبة هذا التوجه على شعر الوصف، هو الذي حذا بالشاعر الأندلسي إلى ركوب الأوزان الطويلة وتفضيلها على سائر الأوزان الأخرى.[170]وقد استطاع كثير من الشعراء وبخاصة شعراء القصور وغيرهم من أبناء النعمة والرفاهية، أن يتحفونا بإبداعات شعرية تعتبر غاية في الصنعة، وإعمال الفكر، والتأنق في العمل، كقول الشاعر: (من البسيط) [171]

وما روضة بالحزن حاك لها الندى

يقـــيــم الــدجـــــى أعناقها ويميلها

إذا ضـــاحكتها الشمس تبكي بأعين

حكت أرضـها لون السماء، وزانها

بأطيب نشرا مــن خلائقه التي  لها

 

بـــرود من الــــموشي حمر الشقائق

شعاع الضحى المستن في كل شارق[172]

مكــــلــــلة الأجفــــان صفر الحمالق

نجوم كأمثــــال النجـــــــوم الخوافق

خضعت في الحسن زهر الخــــلائق

      فأنت ترى أناقة اللفظ وبهجة الصورة التي خلعها الشاعر على روضته، وقد كساها من الألوان والزينة البديعية، ما جعلها أنسب في هذا الوزن لطوله واتساعه لمثل هذا الترف في الخيال والتأنق في الفكر. ونماذج هذا الشاهد لا حصر لها في الشعر الأندلسي، بحيث تراها تكتسح كل الفضاء الذي تعاملت معه الدراسة، وخاصة فيما تعلق منه بالأوزان الطويلة.[173] ولم تشد سوى عن نتائج ثلاثة من الشعراء هم: أبو إسحاق الإلبيري، وابن زيدون، وأبو الحسن الششتري، وليس ذلك إلا لعدم تعرضهم لهذا الغرض في استقلال بذاته.

       وتُفصِحُ نماذج هذا اللون الشعري عن علم بأسرار اللعبة الشعرية، وما تتطلبه من حذق ومهارة فائقة، تجعلها لا تنبو عن الأوزان الطويلة، ولا تخالف مذهب إبراهيم أنيس الذي يعتبر الوصف من الأغراض التي لا تنفعل لها النفوس، وتضطرب لها القلوب، وأن الأجدر به أن يكون في قصائد طويلة وبحور كثيرة المقاطع.[174] واعترافنا بهذا الجهد المبذول في ترقيش الصورة الشعرية، وشحنها بغرائب الأشكال وروائع الأصباغ، لا يجب أن يذهلنا عما تحمله نماذج كثيرة من انتقادات تضعف من بعض جوانب رأي إبراهيم أنيس ومن سار على ركبه.[175]

        وتمتازهذه النماذج بدفق وحيوية يؤكدها "اندماج الفنان في الطبيعة وفناؤه في شخصيتها، وتلاشيه في روحها الشامل، فإذا هو...يصدر عنها في حركاته وخلجاته وأحاسيسه المختلفة".[176]ذلك أن اهتمام الشاعر الأندلسي بالطبيعة لم يكن شكلا من أشكال الزينة ومعرضا للجمال فقط، بل كان أيضا مصدرا لمرحه وطربه، كما أنه كان مرتعا لتأملاته واعتباراته".[177]ومن شواهد النوع الأول قول ابن حمديس يصف النارنج: [178][كامل]

باكر صبوحك من سلاف القهــــوة

وانظر إلى النارنْج في الطبق الذي

ومن العجائب أن تضرَّم بينـــنـــــا

 

وامزج بسمعك صرفها بالنغمــة

أبدى تداني وَجْنَــةٍ مـــن وجْنــةِ

جمـــراتُ نارِ تجتــنى من جنَّـة

ونظيره من المتقارب، قول ابن زقاق: [179]

أرق نسيــــم الصبــــا عــرفه

ومــــر بنـــا يتهــــادى وقـــد

ومــــر لمــــبســمه راحـــــة

أشـــــار لتقبيلها فــي السـلام

 

وراق قضيــب النقا عطفه

نضـــا سيف أجفانه طرفه

فخلــــــت  القاح دنا قطفه

فقــــال فمـــــي ليتني كفه

          ولا مجال لإنكار هذه الرؤية الطربية التي تشد الشاعر بشدة إلى أن يباكر صبوحه، وينعم بهذا الجمال الذي حسبه ابن زقاق غادة حسناء هم بتقبيلها. وربما انقياد الإتجاه الإيقاعي وراء الفكر الأجنبي، وعدم وقوفه عند النص العربي، هو الذي جعله لا يلتفت إلى ما يزخر به هذا الأخير من حالات نفسية متباينة، تسير جنبا إلى جنب في الوزن الواحد، وبخاصة إذا كان من الأوزان التي تمتاز بنسبة مهمة من الشيوع.

     وعُلوُّ نماذج هذا اللون الشعري عن الرأي الذي يشد الطوال إلى حالات اليأس والجزع فقط، لا يرفض الإستجابة لرأيهم في الأوزان القصيرة ـ على قلتها ـ حين يربطون بينها وبين هذه الرؤية الطربية الغالبة في الأوزان الطويلة. ويمكن أن نستدعي شاهدا على ذلك، قول ابن الآبار يصف نهرا: [180]

لله نهــــر كالـــحــــــبــــاب

يصــــــف السمــاء صفاؤه

وكـــــأنـــــما هــــو رقــــة

غــــازلـــــت في شطــيه أبـ

والظـــــل يـــبــدو فـــــوقه

 

تــــرقيشه سـامي الحبــاب[181]

فحصاه ليس بذي احتجاب

من خالص الورق المـذاب

ــكار المنى عصر الشبـاب

كالخــال فـــي خــد الكعاب

     واختيار الشاعر لمجزوء الكامل يناسب هذه الرؤية الطربية التي أعرب من خلالها عن إعجابه بهذا النهر وبما كان له فيه من مغازلات أيام الشباب. وتطالعنا بعد هذا الإتجاه الذي تملأه نوع من الطربية بمباهج الطبيعة، نصوص قيلت لقصد الإستغراب والإعتبار. وهي أقرب ما تكون إلى التعبير المطلق عن حالات اليأس والجزع التي تناسبها البحور الكثيرة المقاطع. وربما لذلك رفض الشاعر أن يختار لها غير هذا الوزن، فقال ابن خفاجة:(طويل). [182]

ألا رب رأس لا تــزاور بيـنـه

أناف به صلد الصفا وهو منبر

يقول حذارا لا اغترارا فطالما

وينشــــدنا إنـــا غريبان هاهنا

فإن لم يزره صاحب او خليلية

فها هو اما منظرا فهو ضاحك

 

وبــيــن أخــيه والمحل قريب

وقام على أعلاه وهو خطيب[183]

أنـــاخ قتـــيـل بي ومر سليب[184]

وكـــل غريب للغريب نسيب

فــقــد زاره نسر هناك وذيب

إلــيــك وأمــا نصبـــه فكئيب

      ومن يتأمل هذه المقطوعة التي يصف فيها ابن خفاجة هذا الخرق المخوف وهذين الرأسين، وقد وضعا على كدس صخر ببعض الطريق، يدرك إلى أي حد لاءم الطويل هذا المعنى الذي قصد إليه الشاعر. فقد وقف ينصت إلى أحدهما كأنما ينصت إلى خطيب اتخذ من مرتفع صلد منبرا له، وقام خاطبا في الناس يعظهم ويقدم لهم العبر التي استخلصها من كل النوائب التي مرت به. فطالما كان موطن قتيل، ومعبر سليب، ومرتع ذيب ونسر. وليست هذه الغربة التي عناها الشاعر بقوله:

وينشدنا: إنا غريبان هاهنا      وكل غريب للغريب نسيب

سوى غربته نفسه وإحساسه الحاد بمشكلة التحول الزمني وذهاب الأقران. ولعل ارتياح ابن خفاجة للطبيعة هو الذي جعله يلفت نظره إلى "كل ما يوحي بالسكون والرهبة والامتداد، ويوحي بالسؤية والمجهول"،[185] فيُكثِرُ من وصف الجبل والقمر والليل.[186]

     أما عِبَرُ ابن خاتمة، وابن الخطيب، فكانت تغذيها رؤية ثقافية دينية، تنذر باغتراب الأندلس الحبيب. ولجسامة المصاب وما يقابله من تعلق بالدين والوطن، أقبل الشاعران على أوزان: الطويل، والكامل، والبسيط، والمتقارب، والسريع، لما  تمتاز به من نفس طويل يناسب هذه الدفقة المكلومة بهاجس السقوط.[187] إلا أن طول هذه القصائد لا يخضع لمقياس معين.

      وإن المتتبع لنصوص الوصف وموضوعاته التي تناسبها البحور الطوال، يدرك إلى أي حد ارتبط في جانب منه بقضية المقام، وبأهمية الشيء الموصوف تاريخيا في الشعر العربي. أما الأشعار التي ارتبطت بالمقام، فهي التي قيلت في القصور وما يتصل بها من برك، وتماثيل وبساتين، وأطعمة فاخرة، كانت تُسْتدعَى إليها  الشعراء.[188]   يقول ابن عبد ربه في وصف "منية كنتش"،[189]التي بناها الأمير محمد بن عبد الر حمان: (طويل).[190]  

ألــــما على قصر الخليفة فـــانـظـــرا       

مــــــزوقــتة تــستـــودع النجم سرها         

هي الزهراء الـــبــيــضاء فــي ألبست          

يود ودادا كل عـــضــــــو ومــفــصـل         

بنـــــــاء إذا ما اللـــيــــل حـــل قناعه          

تعالى علوا فـــــات عن كل واصـــف          

ترى المنية البـيـــــضاء في كل شارق         

إذا سدلت سترا على كــــل كـــوكـــب         

فإن عذرت شمس الضحى في نجومها        

ودونك فانظر هل ترى من تــفــــاوت     

 

إلى مـنــية زهــــراء شــيــــدت لأزهـــــرا

فـــتـــحـــسبــه يـــصــــغــي إلــيها لـتخبرا

لها الزهر الحمـراء في الجــو مـــغـــفـــرا

لـمـبـــــصـــــرها لـو انه كــــــان أبـــصرا

بدا الصــبح من أعــــرافــه الشم مـــسفـــرا

إذا اكــثروا في وصــــــفـه كـــان أكــــثــرا

تـــــــلـــبـس وجــه الشمس ثــــوبا معصفرا

كــبــا نــوره مــــن نــــورهـــا فــتــســتــرا

على الجو كان كان القصر في الشمس أعذرا

بـــه أو رأت عــيـنـاك أحــســن مــنــظــــرا؟

      وتصف هذه القصيدة فنا معماريا معجزا، يحكي عن الفخامة والبذخ اللذين صاحبا إنشاء هذه القصور والتنافس في تشييدها والولع بتزيينها.[191]وهي من حيث قيمتها الفنية، ترقى إلى المستوى الذي ينبغي أن يرتفع إليه فن رسمي في اختيار صوره وأوزانه وطول نفسه الشعري.

     ويوازي نصوص هذا النموذج، تلك الأشعار التي دوَّنها بشكل واسع كل من ابن الخطيب، ويوسف الثالث، وابن فركون، وعبد الكريم القيسي، لتؤرخ لهؤلاء السلاطين من خلال النقش على الجدران والطيقان والسيوف والحمالات والأسِرّة وآنيات الفخار التي كان يشرب منها هؤلاء.[192] ومن ذلك قول ابن الخطيب في مقطوعة لتنقش على طاق الماء بباب القبة:  (الخفيف). [193]

أنا طــــاق تزهو بي الأيام      

وتبديت للــــنواضر محرا       

واقف للصلاة حـتى إذا ما      

 

تعــبـــــــت في تدائع الأفهام

با، كأن الإنــــاء فــي إمـــام

جئت للشرب حان منه سلام

      وتتبنى هذه الكتابات في غالب الأحيان وظيفة متنوعة:

1- فهي من جهة تقدم صورة ذاتية للسلطان.

2 - ومن جهة ثانية  تسجل دلائل الدين ونصوصه.

3 - أما من الناحية الفنية، فتوحي بعمارة خيالية موازية للعمارة المبنية الحقيقية.[194]

   وبتعبير أدق فإن هذه الكتابات تؤرخ للقصور بكل محتوياتها، وتخصصها للأسرة الحاكمة وملوكها، وللسبب نفسه اختارت من الأوزان التقليدية ما يكمل هذا المشروع الفني والرمزي للسلطة. وتتعلق نماذج النوع الثاني بكل ما يتصل في الشعر العربي بمعاني الشجاعة والفروسية، والإقدام في ميدان الحرب من خيول، وسيوف، ودروع، وأقواس، ورماح، وأساطيل.[195]

       إلا أن من شواهد هذه الموصوفات ما ارتبط أحيانا في شعر ابن هاني بالمقام الشعري، متخلية عن التزامها بالأوزان الطويلة في قطعة واحدة تصف سيف "يحيى بن علي"،[196]يقول فيها ابن هانيء: (مخلع البسيط).[197]

أكـــوكب في يمين يحيى

حـــــامــــلــه للمعز عبد

 

أم صـــارم باتك الغرار

والسيف عبد لذي الفقار

     وكان علينا أن ننتظر طويلا عصر الكتابة التأريخية التي اتخذت من النقش وسيلة متطورة لتدشين نمط شعري جديد، يناظر الفضاء الزخرفي الذي عم قصور الأندلس، حتى نشاهد كيف أدت الأوزان القصيرة تلك الوظيفة التي لعبتها البحور الطويلة، سواء في ارتباطها بأهمية الشيء الموصوف تاريخيا، أو بأهمية المقام، أو بهما معا، ثم نرى أيضا كيف قامت في جانب منها باختصار تلك القصائد السلطانية واختزال محتوياتها، حتى تنتج خطابا شعريا دقيقا في معانيه وصوره بعيدا عن ثقل وإفراط تلك القصائد الرسمية،[198] كقول يوسف الثالث لترسم في مبنى:(مجزوء الرمل). [199]

فـــتــــأمــل مصـــنــعــتي

والظــــــــــلال حـــــولـــه

وأمــــامــــي وقــــفـــــت

خــــصـــــة مـــعــجـــبـة

كــــلـمــا تــبـــصــرنـــي

خــــجــلــــت فــي مشيها

لا تــــــراع إنــــــــــــهــا

 

تـــلـــفــــه روضا مجود

كـــــخــــوافــــــق البنود

ربـــــة الــثـــغـر البرود

أخــــذت أوج الصــعـود

تــتـــرامـــى لــــســجود

حـــيـن ريـــعت بالأسود

في حمى مولـــى الوجود

     ويأتي مجزوء الرمل على رأس الأوزان القصيرة التي ناسبت هذا النمط الشعري، يليه مجزوء الكامل، ثم المجتث، ومجزوء الرجز، وبعدهما مخلع البسيط، ومجزوء الخفيف، ثم مجزوء والوافر، والمتدارك.[200]

       أما على المستوى الإحصائي، فتسمح النتائج بإمكانية تقسيم الأوزان التي ناسبت غرض الوصف إلى مجموعها ثلاثة:

ـ المجموعة الأولى: وهي الأكثر تناسبا وتضم الكامل، والطويل، ثم البسيط، بمجموع نسب تصل (54.43%) من الوحدات، (58.22%) من الأبيات، (53.50%) من المقطعات، و(64%) من القصائد. أما نسبتها من التداول فتتراوح ما بين (48.14%)، و(77.77%).

وتشير نسبها الفردية إلى مزاحمة الكامل لوزن الطويل بفارق لا يتعدى (0.53%) من الوحدات، و(0.99%) من المقطعات، في حين توجد حصصه من المقاييس الإحصائية الأخرى دون حصص الطويل. ومن جهة ثانية فإن هذا الأخير قد فاق في بعض استعمالاته الفردية اختيارات الكامل، حيث استعمله ابن الخطيب وابن حمديس وابن خفاجة بزيادة تقدر في إنتاجهم بعشر وحدات.

     وعلى تقدم رتبة البسيط، فإنه لم يتجاوز نسبة (10.14%) من الوحدات، و( 8.54%) من الأبيات، و(9.96%) من المقطعات، و(12%) من القصائد، و(48.14%) من التداول، حيث لم أجد أحدا من الأندلسيين قد أكثر منه غير ابن الخطيب وابن حمديس. وقد استعمله الأول خمس عشرة مرة، أما الثاني فركبه إحدى عشرة مرة. في حين اقتصرت بقية استعمالاته فيما دون خمس وحدات شعرية.

       وتضم المجموعة الثانية: السريع، والمتقارب، والخفيف، والوافر، بنسب أكثر تقاربا فيما بينها إلى حد ما. وهي في السريع والمتقارب أقرب إلى نسب البسيط منها إلى نسب الخفيف والوافر، فهما دون معدلاتهما وتناسبهما للوصف. ومما يؤكد ذلك هذا الفارق الكبير بين استعمالاتها والذي يقدر من حيث الوحدات بـ(3.46%). ونشير إلى أن مجموع استعمالات هذه الأوزان، لا يتعدى تسعا وأربعين وحدة شعرية في وزن السريع، ولا ينزل عن ثلاث وعشرين مقطوعة شعرية في وزن الوافر.

     أما استعمالات الشعراء لهذه الأوزان، فلا تتجاوز خمس عشرة وحدة شعرية في وزن المتقارب، وإثنتي عشرة وحدة شعرية في الوافر. واختيار الوزن الأول والرابع من نظم ابن خفاجة، أما الثاني والثالث فمن نظم ابن الخطيب. وتوجد هذه الأوزان دون هذه الاختيارات عند معظم الشعراء، بل إن غالبيتهم لم يتجاوزوا بها الوحدة الشعرية إلا في النادر من الأحيان. ونتيجة لذلك وجدنا نسبها من الوصف أقل من الأوزان الثلاثة الأولى، ناهيك عن قلة تداولها بين شعراء المتن المدروس.

     ويأتي المنسرح على رأس أوزان المجموعة الأخيرة، بنسب غير ذات أهمية في غرض الوصف. وهي في الآن نفسه لا تسمح لنا برفضها، خصوصا إذا كانت هذه الأوزان على المستوى الأفقي تسمح في معظمها للوصف باحتلال مراكز الصدارة، رغم أنها لا تعرف نسبة كبيرة من الشيوع في الشعر الأندلسي، تؤهلها هنا لاحتضان الوصف بنسب ترقى إلى مقام القاعدة العامة.

      ونحن إذا استثنينا نسبة تداول المنسرح، ثم مخلع البسيط، ومجزوء الكامل، والتي تقدر في الأول بـ(44.44%)،وفي الثاني والثالث ب (33.33%)، فسنجد أن نسب تداول أوزان هذه المجموعة على كثرتها لا يتعدى هذه النسب، بل ينزل إلى (3.70%) في مشطور الرجز، ومجزوء الخفيف، والمتدارك، ومشطور السريع.

      وهي من حيث استعمالاتها الفردية واختيارات الشعراء لها، لا تتعدى في مجزوء الرمل، مع عبد الكريم القيسي، عشر مقطوعات شعرية، بل توجد في غيره من الأوزان دون خمس وحدات. لكل ذلك وجدنا نسب هذه الأوزان من الوصف، تتخلى عن موقعها من الإنتاجية العامة، وهي تسير في اتجاه تنازلي باهت، يؤكد على أهمية الإنتاجية الفردية في بناء رؤية شعرية تستجيب لتوابث الشعر العربي في أوزانه وأغراضه وللعوامل التي أنتجت هذا الشعر، وعملت من حين لآخر على خلخلة بعض توابثه. ولنا في إحصائيات الشعر الجاهلي خاصة،ما يؤكد ـ إلى حد ما ـ هذه النتائج ويؤازرها. [201]

فاعتماد نسب الأبيات كمقياس للمقارنة، يؤكد أن الشاعر الأندلسي غالبا ما كان يترسم خطى أسلافه من الجاهليين "ولم يشد بوجه عام عن القواعد والأساليب التي اتبعها المشارقة في أشعارهم"،[202]حيث حافظ على نسب الأوزان الطوال ولم يخالفه إلا نادرا. وفي ذلك يقول إمليو غرسيه غومس: "ونظرا لما تمتاز به قوالب الشعر العربي من أبيات طوال، وإيقاع تتخلله الوقفات، وجد الشاعر العربي نفسه مضطرا إلى تأمل ما حوله وتصويره في فتور وبطء وتراخ".[203]

     وقد وجدناه خالف الشعر الجاهلي في ترتيب الوزن الثاني والثالث حين قدم الكامل على البسيط، ونقل السريع إلى الرتبة الرابعة بعد أن كان يحتل الرتبة السابعة في الشعر الجاهلي، وأخر المتقارب والخفيف والوافر برتبة واحدة، والرمل ومشطور الرجز برتبتين، ونقل مخلع البسيط من الرتبة السادسة إلى الرتبة التاسعة، وأقعد مجزوء الكامل في الرتبة العاشرة بعد أن كان في الشعر الجاهلي يحتل الرتبة الثالثة عشرة.

 واستبعد من دائرته المديد، ومجزوء البسيط ، والهزج، فربما كانت تفرضها على الشاعر الجاهلي بداوة الأول والثاني وسذاجة الثالث. أما منهوك الرجز، فلم يثبت لنا وروده إلا من خلال قطعة رجزية لرؤبة أوردها ابن رشيق في عمدته.[204]

     وقد حاول شوقي النظم على المقتضب، فأتحفنا بقصيدة طويلة من تسعة وسبعين بيتا معدلها (7.10%)، لتتعدد بذلك الأوزان التي ناسبت غرض الوصف في الشعر العربي على اختلاف في النتائج. وفي مقابل ذلك وجدنا الشاعر الأندلسي ينفرد في قصائده ومقطوعاته الوصفية بمجزوء الرمل، والمجتث، والرجز، ومجزوء الرجز، ومجزوء الخفيف، والمتدارك، ومشطور السريع، ربما لقصرها وملاءمة إيقاعها لغرض الوصف، أو لسهولة النظم عليها، أو ربما قصد التنويع، بعد أن رأينا عدم إكثاره منها وخلوها من أشعار غالبية الشعراء، ناهيك عن اختفائها بصفة نهائية من الابداعات الشعرية التي وصلنا إحصاء أوزانها، فجاءت نسبها ضعيفة ومن قبيل الإنزياحات الفردية التي تسعى دائما إلى خلخلة ما هو تابث.

 

 

4- الهجاء:

للهجاء في أصل اللغة معان، منها: الشتم والذم بالشعر والوقيعة في الأشعار.[205]وهو في الاصطلاح الأدبي، نقيض المدح، حيث يقوم على سلب الفضائل الإنسانية، وما تركب من بعضها مع البعض بحسب المراتب والدرجات والأقسام،[206]وبالجملة "ما يعلم أو يقدر أن المهجو يجزع من ذكره ويتألم من سمعه مما له به علقة".[207]

وضروبه ثلاثة: تعريض، وتصريح، وتحقير.[208]ويكاد الاجماع ينعقد على اعتماد "التعريض" بديلا للهجاء، وإباحة القول فيه. وذكر عبد العزيز الجرجاني، أن أبلغ الهجو "ما جرى مجرى الهزل والتهافت، وما اعترض بين التصريح والتعريض...فأما القذف والإفحاش فسباب محض، وليس للشاعر فيه إلا إقامة الوزن".[209]

وقد خص ابن رشيق التعريض بمن هو على قدر في حسبه ونسبه، واعتبره أهجى من التصريح، لاتساع الظن فيه.[210]وهذا النوع في نظر ابن بسام "لا أدب فيه على قائله ولا وصمة أعظم على من قيل فيه".[211]وكان ابن شهيد قد اعتبره من محاسن القول.[212]

أما إذا كان المهجو ممن لا يوقظه التلويح والتعريض، فإن ابن رشيق لا يمانع من اعتماد النوع الذي يسمونه "بالتصريح".[213] وهذا النوع رفضه ابن بسام في رد له، وجهه إلى ابن شهيد حين عرض بأبي جعفر الكاتب قائلا: (متقارب). [214]

أبو جعفرٍ رَجُـلٌ كاتبٌ

 

مليحُ شَبَا الخَطِّ حُلْوُ الخَطَابهْ

تَملَّأَ شَحْماً ولــحماً ومـا

 

يليـق تَمَلُّؤُهُ بالـكتابهْ

وذو عرَقٍ ليس ماءَ الحياءِ

 

ولكِنَّه ُرشْحُ فــضْلِ الجَنابِه

جرى الماءُ في سُفْلِهِ جَرْيَ لَيْنٍ

 

فَأَحْدثَ في العُلْوِ منهُ صَلابَهْ

حيث قال: "وليث شعري ما التصريح عند أبي عامر إذا سمى هذا تعريضا؟ ولولا أن الحديث شجون...لما استجزت أن أشين كتابي بهذا الكلام البارد معرضه، البعيد من السداد غرضه".[215]

         ووقف نفس الموقف من "السباب" الذي أحدثه جرير وطبقته،[216] لاعتبارات دينية-أخلاقية، يفسرها رأي ابن حزم(ت: 456هـ) في الهجاء جملة وتفصيلا. فهو يعد هذا الضرب من أفسد الأغراض التي ينبغي للشاعر تجنبها لأنه: "يهون على المرء الكون في حالة أهل السَّفَهِ من كناسي الحشوش، والمعاناة لصنعة الزمير المتكسبين بالسفاهة والنذالة والخساسة وتمزيق الأعراض وذكر العورات وانتهاك حرم الآباء والأمهات وفي هذا حلول الدمار في الدنيا والآخرة".[217]

         وتعود هذه المواقف إلى زمن الرسول(ص) وصحابته الكرام، وبخاصة من "الهجاء المقذع" الذي كان يقوم في المجتمع الجاهلي على أساس من المفاضلة، تدفع بعشائره إلى التطاحن والاقتتال. فقد روي عن النبي(ص) أنه قال: "من قال في الإسلام هجاء مقذعا فلسانه هدر".[218]والهجاء المقذع على حد تعبير عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو: "أن تقول هؤلاء أفضل من هؤلاء وأشرف، وتبني شعراً على مدح لقوم وذم لمن يعاديهم".[219]

         وطبيعي أن يدعو الإسلام إلى رفض الهجاء المقذع لاستكمال الصرح الحضاري التي تضمنته الرسالة النبوية، من خلال الحفاظ على تماسك المسلمين، وحماية وحدتهم من كل انشقاق تجر إليه مكاوي اللسان. إلا أن ذك لم يحل دون استمرارية هذا التقليد وإعادة حيويته والتشجيع عليه زمن بني أمية الذين أقاموا حكمهم على العصبية والقبلية.

         وعلى العموم، فإن ارتباط هذا الغرض منذ نشأته الأولى بصراع الأفراد في حياتهم الاجتماعية والقبلية،[220]نتيجة تفاوتهم في الحظوظ من الرزق والجمال والجاه والسلطان، لم يعد في معظمه من العصور المتوالية، مجرد هزل يقتصر على تصوير وجوه القبح في مظهره الفردي، بل انصرف أيضا إلى طرق وظيفة جديدة وجادة، بدافع من الغيرة على الدولة الإسلامية، وعلى تقاليدها وأحكامها، وذلك من خلال ملامح الشر والاختلال الجمعي، محاولة نشر الفضيلة الدينية والسياسية والاجتماعية، بعد أن كان ينظر إلى الهجاء على أنه انحراف عن جادة الفطرة السوية، ومركب ذلول لنشر الفساد والعبث في الدنيا والآخرة.[221]

         وكأني بالشاعر العربي قد تنبه إلى تلك اللمحات النقدية التي كانت تؤسس للهجاء الجاد، بعد أن أجاز نقَدة الشعر بالاجماع شعر الهجاء، بمعنى التفكه والتلمح فقط، حرصا منهم على تفشي العداوة والبغضاء التي يؤدي إليها الهجاء الفاحش المقذع.

         وتمتد هذه اللمحات النقدية ـ فيما نعلم ـ إلى عهد الجاحظ، حين قال: "ولم تدر أن المزاح جد إذا اجتلب ليكون علة للجد".[222] وقد تحمس عبد القاهر الجرجاني لهذه الفكرة، بعد أن وعى قيمة هذه الأعمال الجدية التي تقدم نفسها كأنها نوع من العبث، فقال في رد وجهه إلى من زهد في رواية الشعر وذم الاشتغال بعلمه وتتبعه: "رب هزل صار أداة في جد، وكلام جرى في باطل ثم استعين به على حق، كما أنه رب شيء خسيس، توصل به إلى شريف، بأن ضرب مثلا فيه، وجعل مثالا له".[223]

         وربما نتيجة هذا التضييق الذي مارسه النقد العربي على شعر الهجاء، لم يكن هذا الأخير، بجميع أنواعه، غرضا ذا شأن يذكر في الشعر الأندلسي. ولعل أكثر العوامل التي حالت دون ازدهار الهجاء الأندلسي، غير هذا التضييق الذي كان يستمد مقاييسه النقدية من العامل الديني، خلو الأندلس من تلك الأحزاب المتصارعة التي وجدت في المشرق أرضا خصبة، وبخاصة زمن بني أمية.[224]وتزداد الصورة وضوحا إذا أضفنا إلى هذا العامل، ما كان للبيئة الأندلسية من أثر في خلق طبع رقيق، وذوق رفيع،[225] دفع مجموعة من الشعراء إلى الإعراض عن أبواب الهجاء، حيث أضرب عن هذا الغرض كل من ابن دراج، والأعمى التطيلي، والرصافي البلنسي، وأبي الحسن الششتري، وحازم القرطاجني، ويوسف الثالث، وابن فركون.[226]

         فكل ما قيل من هذا الغرض، كان وثيق الصلة بظروف الغضب وسرعة الخاطر، لا يتجاوز نسبة(4.47٪) من الوحدات، و(1.54٪) من الأبيات، رغم ارتفاع نسبة تداوله إلى (74.07٪) واحتلاله للرتبة الرابعة على مستوى الشيوع.

         وعلى العموم، فإن الشعراء الذين طرقوا هذا الغرض، لم يبلغوا فيه شأن المشارقة زمن بني العباس.[227] كل ما هنالك أنه حافظ على شكل المقطوعات الشعرية، (6.05٪ مقابل 1.32٪ من القصائد)، سيرا على النهج المتبع عند كافة الشعراء. وفي ذلك يقول ابن رشيق: "وجميع الشعراء يرون قصر الهجاء أجود...إلا جريرا، فإنه قال لبنيه: إذا مدحتم فلا تطيلوا الممادحة، وإذا هجرتم فخالفوا".[228]

         ويمكن أن نجد تفسيرا  لهذا الإجماع في ما تحفل به المقطوعة الهجائية من علوق وحفظ وسيرورة بين الناس، يلخصها قول ابن الزبعري: "يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق".[229]

ويبدو أنه من الصعب أحيانا التمييز بين أنواع الهجاء، خصوصا إذا كانت نماذجه وحدوده تظل نسبية متفاوتة بين النقاد.[230] ولذلك تجدنا نميل إلى التقسيم الثنائي الذي أفرزه التطور الحضاري، لما له من أهمية كبرى في تسليط الضوء على إشكالية الوزن الغرض، بحيث سيسمح لنا بتناول هذا الإشكال من زاويتين: زاوية تنظر إلى أوزان الهجاء الساخر في ذاته، وثانية تنظر إلى أوزان الهجاء الهادف.

ورغم إيماننا بطغيان عنصر السخرية فيهما جميعا، فقد آثرنا هذا التقسيم انطلاقا من الصفة الغالبة والموجهة لهذين النوعين. أما تعريضهما أو تحقيرهما، أو تصغيرهما، أو تصريحهما وما تضمناه من  فحش، وإقذاع، وتهزل، وتهافت، وقذف، فلن نعتني بأمرها إلا بالقدر الذي يخدم هدفنا في هذه الدراسة، سواء أثناء مناقشتنا للاتجاه المؤيد لقضية الوزن والغرض، أو أثناء تعرضنا للفريق القائل بترابط الوزن والعاطفة، أو بتناسب الوزن ودرجة العاطفة.

         وموضوع النوع الأول، شخصي ذاتي، تدفع إليه مصحلة خاصة؛ حيث يعتمده الشاعر، أحيانا، في إرهاب من كانت له بيده حاجة، فمطله بها.[231] وقد يتخذه مطية للتعبير عن عداءاته وغضبه من الخصوم وحقده عليهم.[232]وهذا النوع قد يقف عند الحشمة، فلا يتعرض لأعراض الخصوم بالنبش، وقد يعدوها في الغالب، إلى التقاذف بالشتائم والقبيح من القول، أو يتجاوزها إلى السخرية والتنذر؛ حيث يتماجن الشاعر، ويعبث في نسبة العيوب إلى خصمه، في خفة ولهو، وسلاطة لسان. وهو في جميع الأحوال لا يتجاوز السخرية اللاذعة، أو الخفيفة، ولا يقف عند الإقذاع.

         ويستدعي هذا الغرض الألفاظ الساقطة، والعبارات الرشيقة، والمعاني القريبة، البعيدة عن التكلف.[233]فطريقة الهزل: "مذهب في الكلام تصدر الأقاويل فيه عن مجون وسخف بنزاع الهمة والهوى إلى ذلك".[234]وقديما قال الجاحظ: "ولكل ضرب من الحديث ضرب من اللفظ...فالسخيف للسخيف".[235]. ولا بأس للشاعر أن يأخذ فيه بطرف من المتانة: "ليس فيه تعرض لما يقدح في الطريقة الهزلية".[236]

والأهم من ذلك، أن حازما قد خصه بالأوزان الطائشة القليلة البهاء.[237] لكنك إذا انصرفت إلى استقراء ما جاء من هذا النوع على الأوزان الباهية، فستجد حازما قد خالفه الصواب من هذه الناحية. فأكثر ما قيل من هذا النوع، جاء على وزن الطويل، والكامل، والبسيط.[238]

 ومن الأدلة على ذلك قول يحيى بن الحكم الغزال: (طويل). [239]

قَصَدتُ بِمَدحي جاهِداً نَحوَ خـــالِدٍ

 

أؤَمَّلُ مِن جَدواهُ فوقَ مُنائي

فلَم يُعطِني مِن مالِهِ غَـــــيرَ دِرْهَمٍ

 

تَكَلَّفَهُ بَعدَ اِنقِطاعِ رَجـــــائي

كَما اِقتَلَعَ الحَجّامُ ضِرساً صَحيحَةً

 

إِذا اِستُخْرِجَت مِن شِدَّةٍ بِبُكاءِ

وقد صرح فيها الشاعر بخصمه، وجعله في مرتبة المهجو الذي لا يوقظه إلا التصريح، ثم نسبه إلى البخل، وسلبه فضيلة من الفضائل التي يمدح بها الإنسان. وأسخر منها وألذع، قول ابن خفاجة، معرضا بشعر ابن زيدون:(كامل). [240]

ومُعَرِّضٍ لِي بالهِجاءِ وَهُجْرِهِ

 

جَاوَبْتُهُ عَنْ شِعْرِهِ فِي ظَهْرِهِ

فَلَئِنْ نَكُنْ بِالأَمْسِ قَدْ لُطْنَا بِه

 

فَاليَوْمَ أشْعارِي تَلُوطُ بــــــهِ

وتمثل هذه المقطوعة مبلغ الفحش الذي تقبلته الأوزان الطويلة بصدر رحب، دون أن تبدو نابية فيها. ونموذجا من البسيط، قول ابن شهيد في هجاء كاتب:[241]

وَيْح الكِتَابَةَ من شيخ هبِنَّقَةٍ

 

يلْقَى العُيُون برأَسٍ مخه رار[242]

ومُنْتِنِ الرِّيحِ إِنْ نَاجَيتَهُ أَبداً

 

كأَنَّما مات في خَيْشُومِهِ فــارُ

وقد سلك ابن شهيد في هذه المقطوعة، مسلك غيره من الشعراء الذين أولعوا في هذه الأوزان بالقصار كأداة للهجاء والسخرية والتنذر بخصومهم، فأرسلوها مثالا تَنِزُّ لها القلوب، ويرشح لها الجبين.[243]

         والظاهر أن أن حازما لم يكن يشجع على هذا اللون الشعري وأنواعه، لدرجة أنه تغاضى عنه بصفة نهائية في ديوانه، واكتفى على مستوى التنظير، بأن خصه بالأوزان الطائشة القليلة البهاء. والجذير بالذكر، أن مشروع حازم، لا يفيد أجوبة صريحة وأكيدة فيما يتعلق بالأوزان التي عناها بهذه الصفات. فأعلاها درجة عنده: الطويل والبسيط، ويتلوهما الوافر والكامل عند بعض الناس، ثم الخفيف. أما المديد والرمل ففيهما لين وضعف، تجعلهما أنسب للرثاء وما بمجراه.[244]

         ويظل المنسرح، والسريع، والمتقارب، والهزج في حاجة إلى أن تكمل لصفاتها شروط التأويل والمواجهة، إن لم نستطع أن نقدر أنها الأوزان المقصودة بهذه الصفات، وأن حازما كان يسعى إلى الترويج لها من خلال الدفع بالشعراء إلى ركوبها في ما يعرضون له من هزل.

         ولنا في هذه الإحصائيات التي نقدمها لشعر الهجاء الأندلسي،[245]ما يكمل هذا المشروع النقدي الذي أومأ إليه حازم، أو تغاضى عن بعض أوزانه ثم اختلف فيه ما بين الأوساط الحديثة. أما المجتث والمقتضب، فهما أوضح هذه الأوزان، وأقربها إلى شعر الهجاء، كما يستفاد من قول حازم: "فالحلاوة فيهما قليلة على طيش فيهما".[246]

 وقد تخلى الهجاء الأندلسي بصفة نهائية عن المقتضب، واختار المجتث لاحتضان الرتبة السابعة، بمعدل (3.15٪) من الوحدات، و(2٪) من الأبيات، و(3.50٪) من المقطعات، و(18.51٪) من التداول؛ حيث استعمله بمجموع سبع وحدات، كل من الغزال، وابن خفاجة، وابن الأبار، وابن عبدون، وابن الخطيب.[247]

وهجائيات هذا الوزن، تُضعِف من نظرية حازم القرطاجني، فهي لا تمت بصلة إلى الهزل، بل تدخل في إطار الهجاء الجاد الذي كان يهدف إلى الصلاح العام كقول الغزال:[248]

لقـــد سمعتُ عـجِـيباً

 

من آبدات "يُخَـامـــِرْ"[249]

قرا عليه غـــــــــلامٌ

 

"طه" وسورةَ "غافر"  

فقال: من قال هـــذا؟

 

هذا لعمري شــــاعرْ

أردْتُ صـــفْعَ قـفــاهُ

 

فخفت صولـــة جائرْ

أتيت يــوما بتــــيـسٍ

 

مستعبراً متجـــــاسرْ

فقلتُ: قوموا اذبحوهُ

 

فقال: إني يُخــــــَامرْ

والمقطوعة في التعريض بالقاضي "يخامر"،[250]وهي إشارة ذكية وجريئة من "الغزال" في التنبيه على سوء استعمال المنصب. فالرجل لا يحفظ القرآن، ولا يميز بين سوره وبين الشعر، ومن ثمة فإنه لا يرقى إلى المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه رجل الدين والقضاء.

         وإن بدت مقطوعات هذا الوزن تتخلص أحيانا من جديتها، وتتجه نحو السخرية، أو تبلغ في حدتها منطق الهجاء الذاتي اللاذع، فإن ارتباطها بمقام القضاة والخلفاء، أو ببعض القضايا الاجتماعية، جعلها خارج حدود الرسم الذي سطره حازم لمثل هذا الوزن القصير، وقبله عبد الله الطيب حين اعتبرالمجتث من الأبحر التي "يحسن فيها تطويل الكلام للإطراب والإمتاع".[251]

         ولم يتطرق سليمان البستاني في صراحة إلى ما يصلح لهذا الغرض من أوزان، إلا ما كان من قوله بصلاحية الطويل، والكامل، والبسيط، والخفيف، لكل نوع من أنواع الشعر. أما بالنسبة للأوزان المتبقية، والتي اتسعت لها ترجمة الإياذة، فاكتفى فيها بصيغ التفضيل، وكفى عنه شر التحصيل.[252]

         وقد وجدنا عبد الله الطيب لا يمانع في معظم هذه الأوزان التي تضمنها الجرد الإحصائي لهجاء الشعر الأندلسي.[253] ولكنه يشترط للطويل شروطا لا يمكن أن تستقيم إلا في الهجاء الجاد. وهو بذلك يحرم هذا الوزن من الهجاء الذي يقصد منه إلى الهزل، ويكون موضوعه شخص بعينه، إن لم أقل إنه بذلك يمارس نفس الرقابة التي لعبها النقد العربي القديم حين رفض هذا النوع الشعري، خوفا من الدخول به في دائرة الحقد والابتعاد عن العمق.[254]

         وليس هذا التعارض الحاصل بين عبد الله الطيب وبين الواقع الشعري، في نماذجه اللاهية، سوى إسرار منه على الارتباط بخصائص وزن الطويل التي يلخصها قوله: "وحقيقة الطويل أنه بحر الجلالة والنبالة والجد، ولو قلنا إنه بحر العمق لاستغنينا بهذه الكلمة عن غيرها، لأن العمق لا يمكن أن يتصور بدون جد، وبدون نبل وجلالة".[255]

وإذا كان عبد الله الطيب يستنذ في حكمة إلى أشعار الفرزدق،[256]فإن القبول به كحصيلة أكيدة، ربما يكون غير مطابق لنماذج الهجاء الجاهلي الذي احتل فيه الطويل الرتبة الأولى بمعدل(39.78٪).[257]

         والحقيقة أن الواقع الشعري الذي أتحفنا به شعراء الأندلس، لا يعدم مثل هذا التصور الشخصي المعياري لنموذج الهجاء الجاد،[258]ولا يلغي سابقه. وتتوزع نماذجه بين الغزال، وابن عبد ربه، وابن شهيد، والألبيري، وابن خفاجة، وأبي حيان، وابن الخطيب، وابن فركون. وتزداد صورة هذا النوع من الهجاء أكثر وضوحا كلما توجهنا نحو الأوزان التي قمنا بحصرها، فهي تكاد تعم نتاج جميع الشعراء الذين طرقوا هذا الغرض الشعري:

وقد رأينا كيف استجاب المجتث كأحد الأوزان القصيرة، أو الطائشة لهذا النوع الشعري، وكيف استجابت البحور الكثيرة المقاطع للهجاء الذي يقصد منه إلى الهزل كالطويل، والبسيط، والكامل، وذلك في معرض ردنا على حازم القرطاجني، وعبد الله الطيب، ثم كيف خلصنا للحديث عن الأوزان الطويلة واتساعها للهجاء.

ويمكن أن نختار كنموذج شعري على مصداقية رأي عبد الله الطيب خاصة، هذه المقطوعة التي يقول فيها ابن خفاجة: (طويل).[259]

لعمري لو أوْضعتَ في منهج التقى

 

لكان لنا فـــي كل صالحـة نهـجُ

فما يَسْتَقيمُ الأمــــر والمُلْكُ جائـــرٌ

 

وهل يستقِيمُ الظِّلُّ والعودُ مُعَوَّجُ

فهي تقدم نقدا موجزا عن جور الحكام وتسلطهم على الرعية، في أسلوب تملأه اللمحة الدالة، والنظرة الحكمية التي تتطلب وزنا كثير المقاطع، يصب فيه الشاعر تأملاته وآرائه النقدية. ولم يكن ابن خفاجة، سوى فرد من بين مجموعة من الشعراء الذين لم يتوانوا في تسديد انتقاداتهم وتوجيهاتهم السامية، قصد تدارك ما يراه كل واحد منهم يتهاوى تحت ظل هذه الحضارة الفتية التي رامت الانغماس في الترف والملذات، فحادت عن النهج السليم، حتى فيما يتعلق بتدبير الحكم من طرف الخلفاء، والقضاة، والفقهاء، وغيرهم من ذوي السلطة والمسؤولية.

وهكذا لم يتأخر الشاعر الأندلسي، باعتباره صاحب رسالة سامية، في إبداء انتقاداته وتوزيعها ما بين النقد الاجتماعي والنقد السياسي والديني،[260]فراح يحذر من فساد الأخلاق، ومن شيوع البدع، والموبقات، والمحرمات، وانتشار الدسائس، والكذب، والرياء، والرشوة، والجشع، وغير ذلك من القضايا التي تمس بالحكم الأندلسي الذي ما فتئ نتيجة لواحدة من هذه الأسباب أن انتهى إلى السقوط والزوال، بعد ذهاب كل القيم الإسلامية التي كان يرتكز عليها الحكم العربي في عهد الرسول (ص) وصحابته الكرام.

ويمكن أن نسوق مثالا على ذهاب القيم الاجتماعية، هذا النموذج الساخر الذي اختار له الغزال وزن الخفيف مجالا إيقاعيا، فصب فيه من سخريته وغضبه ما نفس عنه حزنه وألمه:[261]

لا، ومن أَعْمَلِ المَطَايَا إِلَيْهِ

 

كلُّ من يرتجي إليه نصيباَ

ما أرى هَهُنَا من الناس إلا

 

ثعْلَباً يطلب الدجــاج وذيبا

أو شبيهاً بالقط ألقى بعينيـ

 

ـه إلى فأرة يـريـد الوثوبا

وتتجلى الرؤية الجادة من هذه السخرية، في الدعوة إلى قيام مجتمع سليم، تربط بين أفراده أواصر المحبة والمصلحة العامة، بدل المصلحة الفردية التي أصبح لا يميز فيها بين الإنسان وبين الذئب والثعلب والقط. وتظهر هذه السخرية بصورة أكثر بروزا، سواء على مستوى الكم، أو على مستوى تنويع الأوزان، في القصائد الهجائية التي كانت تسدد بصفة خاصة إلى القضاة والفقهاء، ثم من بعدهم الوزراء الذين أساؤوا استخدام سلطتهم، فعبثوا بالأحكام الدينية والدنيوية والسياسية. ولنا في النماذج التي تستهدف القضاة، ما يغني الحديث عن قضية الوزن والغرض على أكثر من واجهة. فهي من ناحية الكم، تستأثر باهتمام معظم الشعراء الأندلسيين، ولا تتوقف على وزن معين،إلا بحسب ما رأيناه من ميل نحو الأوزان الكثيرة المقاطع، والتي تحتفظ بالمراتب الأولى على مستوى الشيوع. [262]

وقد جاءت هذه الأشعار في غاية الجودة والبساطة والوضوح، ومن غير أن تبدو نابية في هذا الوزن ومستقيمة على الآخر. من ذلك، قول عبد الكريم القيسي معرضا ببعض القضاة:(الكامل). [263]

يا أهْلَ بسْطَةَ دعْـــوةٌ مـــنْ مُشـْفِقٍ

 

لوْ فِيكُمْ لدُعَاِئـــهِ مَـــــــنْ يسمُع

إنَّ القَضـــَاَء وظيفــــةٌ دينــيـــــــةٌ

 

ما قطُّ قام بـحقــها مــنْ يَسْمَـــعُ

وأَرى الذِّي وُلِيَ القضاءَ بِمَصْرِكُمْ

 

قد صارَ يطْمَعُ بالقَضَاءِ ويَجْمَعُ

والحنْش محـــْكُومٌ عليــــه بأنــــــه

 

لِسِـــواهُ مبْـــتَلــع إذا ما يلْمَـــــعُ

وإن الفتى لقضـــائِــــه لم يفْتـَقِــــرْ

 

قال الرسول فسارقٌ لا يَقْــطَــعُ

وتعالج هذه المقطوعة، في سخرية لاذعة، ظاهرة الرشوة والجشع التي كان يتصف بها القضاة بدافع الإثراء السريع. وتكاد لا تجد قطعة فيهم تخلو من وصفهم بالرشوة، والدجل والرياء، والجهل، وإحلال المحرمات، واستعمال السلطة، والدين في تحقيق المصالح الفردية. ولا يستثنى من ذلك، ما قيل فيهم من مقطعات يجوز ضمها إلى الهجاء الساخر لذاته، كقول ابن الخطيب،في القاضي جعسوس:[264](وافر). [265]

إذا "جعْسوسٌ"جاءَ الى صَلاةٍ

 

وطالَعَنَا بطَلْعَتِهِ النّـحِيسَــهْ

رأيْنا منْ يَديْـــهِ ومــن قـــَفاهُ

 

صَليباً قد أطلَّ علَى كَنيسَهْ

وهذا النموذج لا يختلف عن سابقيه من الارتباط بوزن معين، ولا يختلف عن قول الشاعر من نفس المعنى: (م.الكامل).[266]

ما عِمَّــــةُ البُنِّيِّ إِلاَّ

 

ذاتُ أَشْكالٍ طَريفَــةْ

فكأنها مــن حولـــهِ

 

ملفوفةٌ وبه مُطيفـــةْ

عَصْبَاَنَةٌ مذْ كُوِّرَتْ

 

أمعَاؤُها بعظامِ جيفَةْ

وربما قد يطمئن المرء إلى القول بقرب هذين النموذجين من الهجاء الهادف، لاتصالهما بالقضاة، كنادرة دفعت بالشعراء إلى طرق أكثر المناحي الشعرية الممكنة لكسر شوكة هؤلاء الفقهاء وتل عروشهم. إلا أن ذلك لا يستقيم من وجهة النظر التي تخص الأوزان الطويلة ـ دائما ـ بالأغراض الجادة، وتلصق الأوزان القصيرة والمجزوءة بالأغراض الطائشة.[267]

وتتظافر النماذج التي أتينا على ذكرها (الساخرة والهادفة)، في إعطاء صورة واضحة عن ضياع قضية الوزن والغرض كما حددها الاتجاه المؤيد في شخص حازم القرطاجني خاصة. واضطراب هذه العلاقة هي التي حدت بجيل آخر إلى محو الحدود الفاصلة بين الأوزان الشعرية، والعمل على تقسيمها إلى مجموعتين، كل مجموعة نرتبط بحالة عامة من أحوال النفس، وفي إطار إحدى هذه الحالات يختار الشاعر وزنا من أوزان المجموعتين اختيارا تلقائيا.[268]

ورغم ما تمتاز به وجهة النظر هذه، من مرونة تتجلى في الحرية التلقائية التي تمنح للشاعر ساعة النظم، فإنه يصعب في ضوء النماذج التي يوفرها لنا الشعر الهجائي، أن نقول بصلاحية الأوزان الطويلة لحالات من اليأس والجزع، وبصلاحية الأوزان القصيرة لحالات الانفعال الشديد. وقد رأينا كيف عبر الشاعر في وزن الكامل عن سخطه وغضبه من قاضي بسطة، وكيف سخِر في الوافر من "جعسوس"، دون أن نلمح أثرا لهذا الغضب والجزع، لا فرق بين هذين النموذجين، وبين قول الشاعر من مجزوء الكامل:[269]

عجبا لقاضٍ حُكْمُــــهُ

 

أمضى من السُّمْرٍ الرقاقِ

جازتْ شهادات النِّسَا

 

ء لديه حتَّى فــي الطَّلاقِ

وبين قوله من نفس الوزن: [270]

إنَّ الدَّقيـــق ولعْقــَــــــــــهُ

 

لَمِنَ السَّكينة والوقـــارْ

للـــــــه درُّك قــــاضـــــيّاً

 

قد جاء في مِسْلاَحِ فارْ

لعَقَ الــهريسة جاهــــــــداً

 

والليلُ مسـدولُ الإزارْ

وأتى لمــجلسِ حُكْمِــــــــهِ

 

وعليـــــه آثار الــغبارْ

شهِدَتْ على ترْكِ الوضُوء

 

وكانَ عاراً أيُّ عــــارْ

وإذا كانت هذه النماذج تنقض بعضها، وتؤكد في جانب منها على صدق هذه النظرية، فإن أغلب النماذج الهجائية لا تسمح بهذا التأويل. فالسخرية والفكاهة والقدرة على التهكم والتندر تشع فيها جميعا،[271]ناهيك عن سهولة التعبير، وقرب المعاني من الأفكار العادية المألوفة بين عوام الناس،[272]لا فرق في ذلك بين نماذج الأوزان الطويلة، وبين نماذج الأوزان القصيرة.

         أما فيما يتعلق بالتلقائية التي نفترض أنها كانت توجه الشاعر في اختياره للوزن الذي يصدف له، وأن المقطعات الصغيرة، غالبا ما تكون وليدة الفطنة وسرعة الخاطر، لتجافيها عن التكلف والتقعر وإطالة التفكير، فإن جري الشعراء وراء الأوزان التي حظيت بنسبة عالية من الشيوع، يقلل من هذه التلقائية، ويفسح المجال أمام الهيمنة التاريخية للوزن الشعري بين إجماع الشعراء وأغراضهم، للإسهام في صنع هذه العلاقة، لا دخل في ذلك للمواقف والحالات التي يعبر عنها إلا بالقدر الذي يسمح لهما به أحيانا.[273]

         وتشير النسب إلى اختصاص الهجاء في الدرجة الأولى، بأوزان المدح الثلاثة الأولى، دون اختلاف في ترتيبها. وذلك على نقيض ما خصه به حازم من أوزان طائشة قليلة البهاء، إذا نحن استثنينا وزن السريع الذي احتل مع البسيط الرتبة الثالثة بعد الطويل والكامل، وبعد أن كان يحتل الرتبة السابعة في غرض المدح.[274]

ونصيب هذه الأوزان الأربعة يفوق نصف شعر الهجاء الأندلسي، حيث يقدر ب (61.70٪)  من الوحدات، و(58.75٪) من الأبيات، و(61 ٪) من المقطعات، و (68.17٪) من القصائد. أما نسبتها من التداول، فبلغت من الطويل (48.14٪)، وفي الكامل (40.74٪)، وفي البسيط، والسريع (37.03٪).

وتتوزع بقية النسب، مجموعتين من الأوزان توجد على علاقة بالهجاء بمعدل أقل من سابقاتها، وتضم أولاها: الخفيف، والوافر، والمتقارب بمجموع معدل يقدر ب(20.25٪) من الوحدات، (22.79٪) من المقطعات، و(22.72٪) من القصائد. وقد سجلنا خلو المتقارب من القصائد الهجائية، واقتصاره على المقطوعات منها بنسبة لا تزيد عن (5٪). أما نسبتها من التداول، فنزلت إلى (33.33٪) في الخفيف والوافر، وإلى (29.62٪) في وزن المتقارب.

وتضم المجموعة الأخيرة وبنسب ضعيفة جدا: المنسرح، والمجتث، ومجزوء الرمل، ومجزوء الكامل، ومخلع البسيط، والرمل، ومجزوء الخفيف، ومشطور الرجز، ومجزوء الوافر، والهزج. وهذه الأوزان لا تتعدى استعمالاتها الفردية سبع وحدات، وهي دون ذلك في أغلبيتها، ولا تتجاوز نسبة (18.51٪) من التداول، ولا تخرج في الأوزان الخمسة الأخيرة عن اختيار شاعر واحد. وتقدر نسبتها العامة ب (18٪) من الوحدات، (18.36٪) من الأبيات، (19٪) من المقطعات، و(9.08٪) من القصائد في المنسرح ومخلع البسيط دون غيرها من أوزان هذه المجموعة الأخيرة.

ولم أجد أحدا نوع من استخدام هذه الأوزان في مجموعها، غير ابن الخطيب ومن بعده يحيى بن الحكم الغزال ثم عبد الكريم القيسي. وقد وجدت هذا الأخير قد أعطى الأولوية للكامل خلاف سابقيه.[275]أما باقي شعراء المتن الهجائي، فخالفوا في اختياراتهم بين هذه الأوزان، دون الإكثار من أوزان المجموعتين الأخيرتين، وكان هذا شأنهم جميعا مع هذه المجالات الإيقاعية، لذلك بدت في علاقتها بالهجاء متوسطة إلى ضعيفة، وخالية من معظم الانتاجات الفردية.

وعلى العموم فقد سار الأندلسي في ركب اختيارات الجاهلي لأوزانه الهجائية، ولم يخالفه إلا مرتين أو ثلاث مرات. مرة حين أنزل الوافر من الرتبة الثانية إلى الرتبة السادسة. ومرة حين عاد بـالسريع من الرتبة العاشرة إلى الرتبة الثالثة.[276]وهذا التحول في نظري مرده إلى نسبة اختلاف شيوع أوزانهما وأغراضهما الشعرية،[277]وإلى الدور الذي لعبته الهيمنة في ظل عوامل كثيرة كانت وراء توجيه الشعرين وجهة مختلفة، دفعت بالجاهلي إلى الاقتصار على الأوزان الطويلة والابتعاد عن الأوزان القصيرة إلا ما كان من مجزوء الكامل، ومشطور الرجز اللذين احتلا عنده موقعا متميزا في علاقتهما بالهجاء، بنسبة بلغت في الأول(6.30٪)، وفي الثاني (5.38٪).[278]

وربما بدافع من التقليد أيضا، وجدنا الشاعر الأندلسي يقتفي أثره، ويتجاوزه ثالثة في ظل الظروف السابقة، إلى تجريب أوزان أخرى لم تكن محبوبة بين شعراء الجاهلية، فخص بها هجائياته بنسبة (10.35٪). وهذه الأوزان هي المجتث، ومجزوء الرمل، ومخلع البسيط، ومجزوء الخفيف، ومجزوء الوافر، والهزج. وهي أوزان تكاد تختفي بصفة نهائية من الشعر الجاهلي، بحيث لا تشكل سوى نسبة (0.78٪) أي ما يعادل خمسة عشرة وحدة شعرية.[279]في حين بلغت نسبتها في الشعر الأندلسي إلى (6.19٪)، وتعادل هذه النسبة ثلاثمائة وثماني(308) وحدة شعرية، وهذا وحده كاف لتفسير قيمة الهيمنة في فهم تناسب الوزن والغرض.

 

 

5- الرثاء:

الرثاء في اللغة، بكاء الميت، ومدحه بعد موته، وكذلك إذا قيل فيه شعر. ومن معانيه: ما يرثي فلان لي، أي ما يتوجع ولا يبالي. ورثى له: أي رقّ له، ورأف بحاله.[280]

وتتآلف هذه المعاني في تقديم مفهوم اصطلاحي متكامل لهذا الغرض الشعري الذي يستمد خصائصه من مقومات المدح، مع ما تتضمنه هذه المعاني من رقة وحزن وتوجع. فقد عرَّفه قدامة بن جعفر بقوله: "ليس بين المرثية والمدحة فصل إلا أن يذكر في اللفظ ما يدل على أنه لهالك... لأن تأبين الميت إنما هو بمثل ما كان يمدح في حياته".[281]

         ومن أنواعه: التوجع، والتأبين، والتعزية،. يقول أبو البقاء الرندي: "وأما التوجع فيكون بتعظيم الرزء، وإجلال الخطب، وإعمال التأسف. وأما التأبين: فبذكر مآثر المرثي ومكارمه، ووصف ما يجب له. وأما التعزية: فبالحض على الصبر، والترغيب في الأجر، والتأسي بالسلف في ما ناب من فجائع الدنيا وقوارع البلوى، ليأسى بذلك ولي الهالك".[282]

         ويبدو من الصعب على المستوى التطبيقي، وضع حدود فاصلة بين هذه الأنواع،[283] وما قد تستدعيه من أوزان مختلفة، بحسب اختلاف طبيعتها، واختلاف نمط القول فيها، وتداخل معانيها في معظم الأحيان. ثم إننا لا نجد أحدا من النقاد، غير أبي البقاء الرندي، أشار إلى هذه التفريعات في تعريفه لغرض الرثاء، سوى ما كان من النوع الأول الذي تضمنه قول ابن رشيق: "وسبيل الرثاء أن يكون ظاهر التفجع بين الحسرة، مخلوطاً بالتلهف والأسف والاستعظام، إن كان الميت ملكاً أو رئيساً كبيرا".[284]

ويعتبر حازم القرطاجني أحد هؤلاء النقاد الذين لم يميزوا بين هذه الأنحاء الثلاثة، فاكتفى بتسطير قاعدة عامة صدر فيها من بناء المرثية نفسها، مفادها أن "الرثاء يجب أن يكون شاجي الأقاويل، مبكي المعاني، مثيرا للتباريح، وأن يكون بألفاظ مألوفة سهلة في وزن متناسب ملذوذ".[285]

والرثاء من أصعب أنواع الشعر "لأنه لا يعمل رغبة ولا رهبة"،[286]والأصل فيه أن ينزع إلى الصدق والقوة والحرارة. وقد "قيل لأعرابي ما بال المراثي أجود أشعاركم. فقال: لأنا نقول وأكبادنا تحترق".[287]إلا أن الغالب على الرثاء الذي مبعثه التكسب، الضعف والفتور. قال أحمد بن يوسف الكاتب لأبي الحزيمي: "أنت في مدائحك لمحمد بن منصور كاتب البرامكة أشعر منك في مراثيك له. فقال: كنا يومئذ نعمل على الرجاء، ونحن اليوم نعمل على الوفاء".[288]وهذا النوع غالبا ما يقصد به إلى التعزية، أكثر من اتجاهه إلى الحزن على الفقيد والتوجع عليه، وإبداء الألم الشديد لفقده.

ويمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك، فتأخذ  برأي شوقي ضيف الذي يجعل الرثاء من الموضوعات التي تتصل اتصالا واضحا بالحماسة الجاهلية، حيث يقول: "فقد كانوا يرثون أبطالهم في قصائد حماسية يريدون بها أنْ يُثيروا قبائلَهم؛ لتأخذَ بثأرهم، فكانوا يُمجِّدون خلالَهم، ويصِفون مناقبهم التي فقدتْها القبيلة فيهم؛ حتى تنفر إلى حرب مَن قتلوهم، وكان يُشركُ الرجالَ في ذلك النساءُ، فقد كُنَّ ما يزلن ينُحن على القتيل؛ حتى تثأر القبيلة له".[289]

وإذا كان الرثاء قد تخلى عن هذه الوظيفة بدخول الإسلام، وبعد أن تهيأت عوامل التأليف والتنظير، فإنه لم يستطع أن يتخلص من الحمولة الثقافية التي كانت تمتاز بها الأوزان الطويلة بين الأوساط الإبداعية والنقدية، بالأحرى وقد قوّمه النقد العربي على أساس أنه مدح بصيغة الماضي.

فقد تم النظر إلى الرثاء في ظل القواعد البلاطية التي كانت تؤرخ للسادة والكبراء من ذوي السلطة والجاه حتى بعد رحيلهم، إما وفاء من الشاعر لهم، أو حرصا على إبرام تعاقد جديد مع أحد أقاربهم.[290]

ومن ثمة، فقد توجب على الشاعر أن يسلك القواعد التي تضمن نجاح "المدحة" فيتغنى بفضائل الميت وبخصاله التي كان يمدح بها في حياته. وفي ذلك يقول قدامة: "فإصابة المعنى به ومواجة غرضه أن يجري الأمر فيه على سبيل المدح".[291]

ونماذجه وإن لم تكن تختص بالطبقة الحاكمة فقط، فإنها قد حافظت في جميع الأحوال على هذا الإرث الثقافي القديم الذي يشد الرثاء إلى الأوزان الطويلة في الأغلب من الأحيان. وقد نبه ابن سينا إلى هذه الخاصية الشكلية في شِفاءِه من كتاب الشعر، حين قال: "وكذلك كان يعمل بطراغوديا، وهو المديح الذي يقصد به إنسان حي أو ميت، وكانوا يغنون به غناء فحلا، وكانوا يبتدئون فيذكرون الفضائل والمحاسن ثم ينسبونها الى واحد. فإن كان ميتا زادوا في طول البيت أو في لحنه نغمات تدل على أنها مرثية ونياحة".[292]

والحقيقة أن هذه المعطيات النقدية، لا يمكن أن تبدو مفيدة في فهم إشكالية الوزن والغرض، ما لم يتم النظر إليها مقرونة بالخاصية المميزة للرثاء، والتي تتجلى في طابعه الحزين، وما يتطلبه من رقة وحسرة وتلهف أو إعمال تأسف، سواء قصد به إلى التأبين، أو التوجع، أو إلى التعزية، أم قصد به إلى ذلك جميعا.

فاستحضار هذه المعاني التي تؤلف مقصدية الرثاء، تؤكد إلى حد ما المقولة التي تربط الأوزان الطويلة بحالة الحزن والجزع. وقد بينا كيف اختلفت مقاصد الشعراء في مراثيهم من حيث صدق العاطفة أو تكلفها، أي بحسب أهمية المرثي، وأثره في نفس الشاعر. وسنلاحظ كيف تعمل هذه المعطيات في توجيه الشعراء نحو الأوزان التي تصدف لهم، وتبدو معبرة عن قصدهم.

ويمكن أن نأخذ كنموذج جامع لهذه المعطيات النقدية قول ابن فركون في رثاء شقيق ملك غرناطة أبي الحسن علي الملقب بمعز الدين: (طويل).[293]

فيا نَجْمَ أُفُقٍ قد هوى بــــيَدِ النـوى

 

وما كان إلا للــهداية أطلـــــــعا

ويا غَيْثَ سُحْبٍ طالما جادَ بِالنـَّدَى

 

فرَوَّى جَناباً قد ذَوَى حينَ أقْلَـــعَا

ويا بدْرَ تِرْبٍ ضَمَّهُ التُّرْبُ مُغْـرِباً

 

وكأنْ لهُ أُفقُ المكارمِ مَطْلِعا

وَعَهْدي بِبَدرِ تِمٍّ يَسْمو إلى العُلى

 

فما باله في التُّرْبِ أصْبَحَ مـودَعَا

رَحَلْتَ فما خلَّفْتَ إلا مـــُرَوَّعاً

 

مَشوقاً مُعنَّى مُغْرمَ القلبِ مُوجَعا

 

 

 

 

وتنتمي هذه القصيدة إلى "المراثي البلاطية" التي تذهب مذهب الجلالة في اختيار ألفاظها ومعانيها وطول نفسها الشعري، سواء على المستوى الأفقي، أو على مستوى عدد الأبيات. وقد صدر فيها الشاعر عن إلمام كبير بالمعطيات النقدية التي تسيج غرض الرثاء، فلم يترك معنى من المعاني التي كان يمدح بها هذا الأمير في حياته، إلا وضمنها قصيدته، وساق كل ذلك في جمل شعرية طويلة، تسمح باستيعاب آهاته وأحزانه، يقيده في ذلك كل ما يستدعيه الموقف من حض على الصبر، والتأسي بقوارع البلوى، حيث قال في مطلع قصيدته معزيا يوسف الثالث، ومهدئا من روعه فيما ابتلي به:

عزاءً فإن الخطْبَ قد جلَّ مَوْقِعا

 

وصبرا وإن لم يبق للصبر مَوْضِعَا

تأَسَّ أَميرَ المسلمينَ فــإنه

 

وُرُودُ سبيلٍ لم يـزلْ مُتَوقَّعَا

تعزَّ إمام الأكـــرمينَ فإن في

 

بقائكَ فينا للحوادث مُرْدَعَا

أما الرثاء الذي نظمه الشعراء في البكاء عن المدن والإمارات البائدة والمجد الغابر، فكان أكثر صدقا وروعة، لما في نفوسهم من محبة صادقة لوطنهم، وشغف عظيم بجمال طبيعيته وعمرانه.[294]

وقريب من هذا الرثاء الذي يصدر فيه الشاعر عن معاناة حقيقية، تلك المراثي التي كانت تبكي الآباء والأمهات والأبناء، أو من هم في منزلتهم من الأحباب والأصفياء. فالشاعر لا يصدر فيها عن رغبة أو رهبة، وإنما عن إحساس بعظيم الحزن والتوجع فيما فجع به. ولهذه الأسباب مجتمعة، وجد الشاعر الأندلسي نفسه أمام عدد هائل من الإمكانات الإيقاعية.

 

وكما يتضح من الجرد الإحصائي الذي قمنا به

، فإن معظم هذه الأوزان- وخاصة منها الطويلة- لا تتماشى مع نظرية حازم القرطاجني التي تقول: "وأما المقاصد التي يقصد فيها إظهار الشجو والاكتئاب، فقد يليق بها الأعاريض التي فيها حنان ورقة.. لأن المقصود بحسب هذا الغرض أن تحاكى الحال الشاجية بما يناسبها من لفظ ونمط تأليف ووزن.. وذلك نحو المديد والرمل".[295]

وعدم خضوع الشاعر لهذه القاعدة، لا ينظر إلى ما يطبع هذا الغرض من رقة، وإنما ينظر إلى معانيه التي تؤلف بينه وبين المدح. أما بالنسبة لصيغة الحزن والأسى التي يجب أن تميزه عن المدح، فللاتجاه الإيقاعي وجهة نظر لا تخدم رأي حازم القرطاجني.

ومن النماذج الصالحة للأوزان الطويلة، تلك المراثي التي تنطلق من الذات الشاعرة، ويكون موضوعها بكاء الأهل أوالوطن. ويمثل شعر المعتمد بن عباد، بعد سقوطه والزج به في سجن أغمات بعيدا عن وطنه وملكه،[296] أرقى نماذج اللون الأول تعبيرا عن صلاحية الأوزان الطويلة لاحتواء مثل هذه الفجيعة المؤلمة التي حطت بأظافرها على المعتمد، وقد نُعِيَ إليه خبر مقتل ابنيه: المامون، والراضي على يد جيوش ابن تاشفين: (طويل).[297]

يقولون صبرا، لا سبيل إلى الصبر

 

سَأَبكي وَأَبكي ما تَطـاوَل مِن عُمري

نَرى زُهرَها في مأتمٍ كُلَّ لَيــلَةٍ

 

يُخَمّشنَ لَهَفاً وَسطَهُ صَفحَةَ الــبَدرِ

يَنُحنَ عَلى نَجمَين أَثكَلــنَ ذا وَذا

 

وَيا صَبرُ ما لِلقَلبِ في الصَبر مِن عُذرِ

مَدى الدهر فَليَبكِ الغَمام مُـصابَهُ

 

بِصنوَيهِ يُعذَر في البُكاءِ مَــدى الدهرِ

والقصيدة تعبير صادق عن الآلام التي أحسها الشاعر، وهو يرى في شخصه الملك الأسير الذي لم يعد يملك سوى الدموع والزفرات الحرى، يطلقها في جمل طويلة معبرة عن هذه الحالة المزرية التي مست أهله جميعا، فخطفت المامون والراضي، وهدّت منه ومن زوجته العليلة وبناته الحسيرات: [298]

فَلَو عُدْتُما لاخْتَرتُما العوْدَ في الثَّرى

 

إِذا أَنتُما أَبصَرتُمـــاني في الأَسرِ

يُعيدُ عَلى سَمعي الحَديدُ نَــشيدَهُ

 

ثَقيلاً فَتَبكي العــَينُ بالجسّ وَالـنَقرِ

مَعي الأَخَواتُ الهالِكــاتُ عَلَيكُما

 

وَأمُّكُما الثَكلى المُـــضَرّمَة الصـَّدرِ

تُذَلِلُها الذِّكْرى فَتَـفْزَعُ  لِلْبُــكا

 

وَتَصبرُ في الأَحيانِ شُحّاً عَلى الأَجْـرِ

فتبْكي بِدمْعٍ ليسَ للقَطْرِ مثلُهُ

 

ويَزجُرُها التّقوى فَتُصْغي إلى الزَّجْرِ

إن هذا الخطب الجلل الذي كانت تتمزق له نفسية ابن عباد، هو الذي دفعه إلى أن ينظم مراثيه على أطول أوزان الشعر العربي، وأنسبها للتعبير عن الحالات اليأس والجزع، وما يؤلف بينهما من حزن وأسى عميق، يعتبر السمة الغالبة على شعر المراثي.[299]

وقد وجدناه فاضَلَ بين الطويل والبسيط، فاختار أولهما خمس مرات، وجاء بالبسيط مرتين. أما الشعراء الذين هالهم أمره، فلم يخالفوه النهج في اختياراتهم لما هو أرحب من هذه الأوزان اتساعا لبكائهم على مجد ابن عباد ووفائهم لحبه إلا ما كان من تنويع شمل الكامل، والوافر، والخفيف. واقتصر على شعر ابن اللبانة الذي كان أكثرهم وفاء له.[300]

وتلتقي هذه النماذج مجتمعة، مع نوع الرثاء الذي يبكي الأوطان، وذهاب السلطان، خاصة فيما تتطلبه هذه الأخيرة من أوزان طويلة تستطيع نقل جسامة المصاب. وهي لا تختلف عن غيرها إلا من حيث اتجاهها نحو استدعاء التاريخ، والحكم، والأمثال، وقوارع الزمن وبلوائه.

وهذا لا يعني خلو قصائد الشواهد السابقة أو أغلبها من مثل هذه النظرات العقلية، أو خلو هذه الأخيرة من العواطف الذاتية والتوجعات النفسية والزفرات الحرى، بل ثمة فرق دقيق بين استخدام هذه النظرات. فنحن هنا لم نعد أمام شعر عزائي يتوجه إلى الذات الفردية، فيخفف من بلوائها عن طريق استدعائها إلى الارتكان لأحكام الله في عباده، وإنما أصبحنا أقرب ما نكون أمام رثاء جاهلي حماسي، يستهدف تحريك النفوس والهمم، والدفع بها إلى الثأر  بدل الارتكان إلى الحزن العميق. وفي ذلك يقول ابن عبدون، من قصيدة في رثاء بني الأافطس التي دخلتها جيوش المرابطين سنة 487هـ، وقتلت بها المتوكل وولديه الفضل والعباس: (بسيط).[301]  

 

أنهاكَ أنهاكَ لا ألُوكَ موعــظةُ

 

عن نوْمةٍ بين نابِ الَّليْــثِ والظُّـفُرِ

فالدّهرُ حرْبٌ وإنْ أبْدَى مُسَالمَةً

 

والِبيضُ والسُّودُ مثْلَ البيضِ والسُّمْرِ

وقد ذكر فيها الشاعر من العبر التي تستقي موادها من التاريخ والحكم والأمثال، ما جعلها أنسب في بحر البسيط لطوله وبهائه. ولم يكن فيها ابن عبدون ذلك الإنسان المكلوم فقط، بل كان أيضا ذلك الخطيب صاحب الصوت الجهير، والكلمة المؤثرة، والوزن الخطابي الطويل الذي ينقل إليك المعنى ويؤكد عليه من خلال مقاطعه الطويلة التي تتجه في معناها ومبناها، نحو مخاطبة العقل أكثر من اكتفائها بمخاطبة العاطفة، كقوله:

سُحْقاً ليومكم يوما، ولاَ حَمَـلَتْ

 

بِمِثْلِهِ ليْلـــةٌ في غابِـرِ العُمُـــرِ

مَنْ للأُسرَّةِ، أو مَنْ للأعِنَّةِ، أو

 

من للأسِنّة يُهْديـــها إلى الثَّــغَر

من للظُّبَى وعَوالِي الحَطِّ قد عُقِدَتْ

 

أطرافُ ألْسُنِها بالعَيِّ والحَصَــرِ

وطوَّقَتْ بالمنايا السُّود بيضُــهم

 

فَأَعْجِبْ لذاك وما منها سوى الذِّكـَرِ

مَنْ لليراعَةِ أو مَنْ للبراعَـــةِ أو

 

مَنْ للسَّماحةِ أو للنَّفْـعِ والضّـــرَرِ

أو دفْع كارثـــــةٍ أو رَدْع آزِفةٍ

 

أو قمْعَ حادثةٍ تَعْيــَا على القَـــدَرِ

وَيْبَ السَّماحَ ووَيْبَ البَأْسِ لوْ سَلِمَا

 

وحسْرةُ الدِّينِ والدُّنْيَـا علَى عُمَــرِ

 

 

 

 

 

 

وقد كان الميل إلى الأوزان الطويلة، السمة الغالبة على الأشعار التي بكت الأندلس الحبيب،ونادت من خلال الدمعة الحزينة، أو الثائرة إلى تداركها وإنقاذها من التسوس الذي أخذ ينخر عظامها بدءا من سقوك غرناطة سنة 479هـ. [302]

ولم يكن اختيارنا لهذه النماذج التي حظي فيها الطويل بالاهتمام الأول، اختيارا متعمدا، بل فرضته علينا طبيعة الرثاء في اختلاف مقاصده السالفة ومدى اتساعه لهذا الوزن الذي جاوز (38.72٪) من الوحدات، (38.22٪) من الأبيات، (42.02٪) من المقطعات، (37.03٪) من القصائد، و(70.37٪) من التداول.

وقد التفت عبد الله الطيب إلى أتساع الطويل للرثاء المحض والحزن العميق، ثم أخضع الكامل والبسيط لذوقه، وجعلهما يشتدان حينما يراد بهما إلى الشدة، ويلينان حينما يراد بهما إلى اللين، وقبِل أيضا بدخول الرثاء مجال الوافر والخفيف.[303]

ومن يتأمل النتائج الإحصائية لمراثي الجاهليين، أو لمراثي شعراء الرثاء في السيرة النبوية، لن يمانع في القول بصلاحية الرثاء لهذه الأوزان التي حافظ الشعر الأندلسي على صدارتها بمعدل (84.79٪) من الوحدات، و (87.02٪) من الأبيات، و (78.23٪) من المقطعات، و (87.38٪) من القصائد. [304]

أما نسبتها من التداول، فتصل في الطويل (70.37٪)، في حين لا تتجاوز في الكامل، والبسيط (55.55٪) لقرب نسب وحداتها وعلو شأن الطويل عليها. وغالبية الشعراء الذين اختاروا هذه المجالات الإيقاعية، نادرا ما كانوا يميزون بين أهمية الطويل وبين الكامل والبسيط، إلا ما كان من اختيار التطيلي وابن عبدون للبسيط الذي فاق عندهما الطويل بفارق لا يتعدى وحدتين شعريتين، ثم اختار عبد الكريم القيسي الذي يزد فيهما عن وحدة شعرية.

أما ابن هانئ وابن زيدون فقد اتفقا على تغييب الطويل والبسيط. وانفرد ابن دراج بتنكب الطويل والكامل. وعمل غير هؤلاء على تغييب الكامل تارة وتنكب البسيط تارة أخرى. فغاب الأول عن ابن عباد، وابن اللبانة، وأمية الداني، وابن عبدون، وأبي حيان الأندلسي. وغاب الثاني عن ابن شهيد، والألبيري، والرصافي البلنسي وابن سهل.

ويعتبر ابن حمديس وابن الخطيب وحدهما من بين الشعراء الذين ركبوا أوزان: الخفيف، والوافر، والمتقارب. في حين اختار غيرهما فيما بين الخفيف والمتقارب وبين الخفيف والوافر. وقد غاب الأول والثاني عن مراثي شاعرين فقط، هما: أبو حيان وعبد الكريم القيسي. أما الخفيف والمتقارب فاتسعت دائرة غيابهما بين الشعراء الذين اختاروا بين هذه الأوزان، فشمل مراثي أمية الداني ويوسف الثالث والرصافي البلنسي وابن الآبار.

أما حاصل الإنتاج الفردي لوزن المنسرح فلا يتعدى خمس وحدات، ولا يخرج عن تداول ابن عبد ربه، وابن هانئ، وابن حمديس، وابن الخطيب، ويوسف الثالث. بل إنه لا يتجاوز في السريع أربع وحدات، ومعدل (7.78٪) من التداول.

 وتكفي النتائح الإحصائية في مقاييسها المتعددة- كما يلخصها الجدول رقم"45"- لرفض رأي حازم القرطاجني في الرمل والمديد جملة وتفصيلا، حيث أن معدلها معا لا يزيد عن (3.87٪) من الأبيات، (5.78٪) من المقطعات، (2.22٪) من القصائد، و(3.43٪) من الوحدات. أما نسبتها من التداول فتنحصر ما بين (11.11٪)  في وزن الرمل وبين (7.40٪) في وزن المديد.

ونفور الشعراء من هذين الوزنين لا ينظر إلى ما يمتاز به من خصائص موسيقية، بقدر ما ينصرف إلى أهميتهما من التداول بين أغراض الشعر العربي. وقد حاولت من خلال ما توفر لدي من نصوص، بحث هذه الخصائص فيما إذا كانت تجعل الرمل والمديد أخص بالرثاء،[305]فوجدت في قصيدة ابن هانئ التي تقدم بها إلى ولد إبراهيم بن جعفر،[306] نموذجا لا يختلف عن مذهب الشعراء في المراثي السلطانية التي حازت كل الأوزان الطويلة، إلا من حيث استدعائها-هذه المرة- لوزن الرمل، ليس لأنه يضيق قليلا عن الفضاء الذي تتمتع به البحور الطوال، أو باعتباره وزنا فيه لون من اللين والرقة، بل لأنه لا يتصف بأية خاصيات موسيقية ثابتة. وإذا افترضنا أن هذه الوزن يتمتع بهذه الخاصيات في حالته المجردة، فإننا لا نحس له في قصيدة ابن هانئ بهذه الخصائص، خصوصا وأن الشاعر قد مال به إلى التجلد بدل إظهار الحزن، فقال: [307]

يا أبا أحْمَدَ والحكـمةُ في

 

قولِ من قال إلى الله المـرَدْ

لا ملومٌ أنت في بعض الأسى

 

غيرَ أنَّ الحُرَّ أولى بالـــجَلَدْ

وإذا ما جهَشَتْ نــفسُ الفَتى

 

كان في عَسْكَرِهِ الصَّبرُ مَدَدْ

لو يَرُدُّ الحزْنُ مَيْتاً هالِكــــاً

 

رُدَّ قحــطانَ وَردَّ بـــنُ أُدَدْ

واكتستْ أعظُمُ كِسْرَى لحمَها

 

وسعى لُقمـــــانُ أو طارَ لُبَدْ

في عليٍّ مِنْ عليٍّ أُسْــوَةٌ

 

صَدَعَ الضِّلعَ الذي أنكى الكَبِدْ

وفي هذه الخصائص التي يمكن أن تظهر في معرض الحزن والألم، تختفي بصفة نهائية من قول ابن شهيد:[308]

أيُّها المعْتدُّ في أهلِ النُّهى

 

لا تذُبْ إثــــر فَقيـدٍ وَلَـها

وإذا الأُسْدُ حَمَتْ أغْيَالَها

 

لم يَضُرَّ الخِيسَ صَرْعاتُ المَها

وغريبٌ يا ابنَ أقمارِ العُلا

 

أن يُراعَ البدْرُ من فَقْدِ السُّـها

       

ولا تطالعنا هذه الرقة التي تحدث عنها حازم القرطاجني، ثم سليمان البستاني وعبد الله الطيب،[309]إلا في قول أبي حيان الأندلسي الذي كرس جل مراثيه لابتنه نضار، وذلك قوله: [310]

ما لقلبي غَرَضٌ في أحدِ

 

منذُ بانت قطعةٌ من كبدِ

كيْف لي عينٌ تَرَى غَيْرَ التي

 

هيَ روحِي ذهبتْ من جسدِي

دُرَّةٌ بيضاءُ حلَّت مُهْجَتي

 

خُطِفتْ مني فأوْهَتْ جَلَدِي

إنَّ عيني مثلُ عينٍ ثَرَّةٍ

 

إن نَزَحْتَ الماءَ منها تزِدِ

وفُؤادي شفَّهُ الحزْنُ فما

 

هو إلا دائماً في نَكَدِ

أرْقُبُ الموتَ وأستبْطِئُهُ

 

ليلْةَ اليومِ أتَى أو في غَدِ

وأما بالنسبة للمديد، فإن كل ما تجمّع من نصوصه لا يعدو تسعة أبيات. منها قول يوسف الثالث وقد اشتد وجده على أخيه: [311]

يا صدىً بالثَّغْر أرَّقَنِي

 

حين بانَ الصَّبْرُ والجَلَدُ

قَرُبْتْ منِّي مسافتُهُ

 

وطريقٌ وصْلُهُ صدَدُ

ويقولُ النَّاسُ في مَثَلٍ

 

كيفَ يَسْلُو الوالِدَ الولَدُ

 

وتنم هذه المقطوعة عن حزن عميق، ملك على الشاعر لحظته التعبيرية، فلم يسعفه على نقل أحاسيسه في هدوء وإطالة. وتقترب هذه الأبيات قليلا من قول ابن خفاجة،[312] يعارض مقطوعة للوزير أبي بكر بن الصائع في رثائه الأمير أبا بكر بن علي:[313]

يا صدىً بالثَّغْر مُرتَهِناً

 

بمَمَرِّ الرِّيحِ والدِّيَمِ

لا أرى أخَا كَمَدٍ

 

باكياً منكَ أخَا كَرَمِ

كم بِصَدْري فيك منْ حُرَقٍ

 

وبكَفِّي لكَ مِنْ نِعَمِ

وقد ظهر لي من خلال المقارنة أن الشاعر لم يكن فقط معجبا بقول أبي بكر الصائغ، بل وقف أيضا من قوله موقف الشاعر الذي يهمه إبداء الرغبة في السيطرة على النظم، خصوصا إذا علمنا أنه أقدم ثانية على معارضة أبياتها، ملتزما بغرضها ووزنها وعدد أبياتها:[314]

لا لَعَمْرُ المَجْدِ والكَرَمِ

 

ومَزارِ البيْتِ والحَرَمِ

لا سلَوْتُ الدَّهْرَ عن ملِكٍ

 

طلْقِ وجْهِ العُرْفِ والشِّيَمِ

هذه نُعْمَاهُ مِلءُ يَدِي

 

وثَنا حُسْناهُ مِلْءُ فَمي

ويبدو أن الأخذ برقتهما يحتاج إلى نوع من التريث، لأن الشاعر لم يصدر فيهما عن تجربة شعرية صادقة، بالحجم الذي أحسه وهو يعارض مقطوعة صديقه. ولا يخفى على أحد ما للمعارضة من قيمة نقدية وإشهارية، تستطيع  أن تضفي على الوزن مسحة جمالية تؤهله في باب الرثاء، أن يصبح في مرحلة لاحقة وربما كما كان في السابق، نموذجا معياريا.

أما علاقة الرثاء بالأوزان القصيرة فتصل في مجزوء الكامل ومخلع البسيط ومجزوء الرمل ومجزوء الخفيف، ما مجموعه  (1.41٪) من الأبيات، (2.88٪) من المقطعات، (2.94٪) من الوحدات.

ويتجلى نفور الشعراء من هذه الأوزان في ضيق مجالها الإيقاعي، وعدم اتساعها لغير حالات الانفعال الشديد، خاصة في مثل هذه المواقف الارتجالية التي حدثت لابن الأبار- مثلا- إلى حصر نفَسَهُ الشعري في البيتين التاليين: [م. الكامل].[315]

عِشْنا لمَوْتِ إمامِنا

 

أينَ الوفاءُ؟ لقدْ ذَهَبْ

ما بَاُلنَا لم نُفْدِهِ

 

ونُفُوسُنَا مِمّا وَهَبْ؟

 

ولم يستطع أبو حيان الأندلسي، وعبد الكريم القيسي، ويوسف الثالث، التخلص من طابع الارتجال الذي حفّ بقصائدهم من كل جانب، فجاءت قريبة المرمى، سهلة المأخذ، بعيدة عن التكلف، والجري وراء استدعاء المعاني البعيدة.[316]ونموذجها قول يوسف الثالث من أبيات في التفجع على ولده: [م.الرمل].[317]

إن لِلْهَمِّ خميسٌ

 

ثارَ في يوْمِ الخميسِ

ضَحِكَتْ سِنُّ الرَّدى

 

عنهُ في يومٍ عَبوسِ

فَلَكَمْ للدَّهْرِ مِنْ

 

حالتيْ نُعْمَى وبُؤْسِ

والحِمَامُ كم له

 

من مُعاطاةِ كؤوسِ

قِطعةٌ من كبدي

 

جُعِلَتْ فوق الرُّؤوسِ

وإذا كانت هذه القصيدة تؤكد من خلال أبياتها البالغ عددها تسعة عشر بيتا، أن الشاعر قد نظمها بعد أن هدأت ثورته، فإنه- مع ذلك- ظل محكوما فيها بالموقف الشعوري الذي لازمه إلى حين، فشغله عن أي مقياس معياري يربط القصار بالانفعال الشديد والقصائد الطوال بلحظات الهدوء والاستكانة.

 ومن خلال هذه النتائج التي يدلي بها المنهج الإحصائي نؤكد مرة أخرى، خضوع المراثي لهيمنة الأوزان الشعرية. فإذا كان نصيبه منها قد جاء متباينا، فقد خضع لتباين نسبها العامة من الشيوع، ناهيك عن أهمية هذا الغرض وشيوعه بين الشعراء، وما يمكن أن تلعبه بعض الميول الشخصية من دور في تباين هذه الاختيارات، وفي بناء قاعدة عامة لا تلغي ما سبق تقريره من خضوع الشاعر الأندلسي في اختيار أوزانه لحالات نفسية متباينة، جعلته في غالب الأحيان يميل إلى الأوزان الطويلة والكثيرة المقاطع.

 

 

6- الفخـــر:

جاء في  لسان العرب "الفخر" التمدح بالخصال والافتخار، وعدُّ القديم. وتفاخر القوم، فخر بعضهم على بعض. والتفاخر: التعاظم. وفي الحديث: ادعاء العظم والكبر والشرف، لا تبجحا، ولكن شكرا لله وتحدثا بنعمته.[318]وهو في الاصطلاح الأدبي بمعنى واحد. يقول ابن رشيق: "والافتخار هو المديح بعينه، إلا أن الشاعر يخص به نفسه وقبيلته".[319] فالفضائل التي كان قد ذكرها قدامة بن جعفر وفصل فيها الحديث غيره من النقاد، لا تختلف بين هذين الغرضين إلا من حيث استعمال الضمير الذي يعود في المدح على المخاطب وفي الفخر على المتكلم أو الجماعة.

والحقيقة أن هذا الغرض لا تتبين مقاصده بوضوح إلا في سياق الشعر الجاهلي. فقد تميز به العرب في الجاهلية، وجعلوه على رأس الأغراض الشعرية التي اشتهروا بها، فتغنوا بأمجادهم وذكروا مآثرهم وعددوا فضائلهم وفضائل آبائهم وأجدادهم وما تميزوا به من رفعة وبطش وبسالة وكرم وتفوق في نظم الشعر..تحذوهم في غلو وإفراطٍ رغبةٌ أكيدة في بلوغ الغاية القصوى من هذه المعاني التي سجلها الشاعر الجاهلي اعتزازا بنفسه وافتخارا بقبيلته التي بادلته الاحتفاء، فرأت فيه حماية لأعراضها وذبا عن أحسابها وتخليدا لمآثرها وإشادة بذكرها.[320]

أما وقد تغيرت وظيفة الشعر والشاعر من المفاخرة والمنافحة عن القبيلة إلى الدعوة السياسية والمدح الإشهاري إبان مطلع القرن الثالث للهجرة، فإنه كان لابد أن ينصرف عنه الشعر العربي قليلا، ويتجه نحو المديح كجنس فرضه عصر ابن قتيبة الذي فهمه في إطار البدخ والترف.[321]

وقد أقل منه الشاعر الأندلسي فأقعده في الرتبة العاشرة، حيث لم ينظم منه سوى نسبة (2.27 %) من الوحدات، وما يعادل (1.85%) من الأبيات، و(1.97%) من المقطعات، و(2.88%) من القصائد، رغم ارتفاع نسبة تداوله إلى (62.96%). ذلك أن الشعراء الذين تطرقوا لهذا الغرض لم يتجاوزوا به ثلاث عشرة وحدة شعرية، ولم يكثروا منه شأن يوسف الثالث لاعتبارات تتعلق بشخصه، حيث نظم منه سبعا وأربعين وحدة شعرية معدلها (42.47%). هذا وقد عمل على تغييبه كل من: الغزال، وابن عبد ربه، وابن هانئ، وابن دراج، والألبيري، وابن زيدون، وأبي الحسن الششتري، وحازم القرطاجني، وعبد الكريم القيسي.

ويمكن أن نجد تفسيرا آخر لتراجع هذا الغرض في ما انتهى إليه حازم من قول بأن للشعر اعتبارات بحسب اختلاف أنماطه وطرقه، وبحسب اختلاف الأزمنة والأمكنة، واختلاف أحوال القائلين، وأحوال ما يتعرضون للقول فيه.[322]

وقد التفت جودة الركابي إلى بعض هذه التفسيرات، فأرجع هذه القلة إلى نفسية الشاعر الأندلسي الوادعة المستسلمة لأحلام الطبيعة والرخاء التي لم تكن تلائم هذا النوع من الشعر الصاخب القوي الذي امتاز به شعر المشرق، حيث قال: "ولا شك أن للظروف الإقليمية أثرا في هذا الاتجاه النفسي الذي أضعف فيهم روح الحماسة وقلل من حدة البداوة".[323]

وكان ابن رشيق قد اشترط جملة من الشروط الضرورية، يكملها مشروع حازم القرطاجني الذي يقوم على مبدأ التناسب أساس نظريته في الشعر، فقال: "فكل ما حسن في المدح حسن في الافتخار، وكل ما قبح فيه قبح في الافتخار".[324]وأوضح حازم قوله فقال: "فإذا كان مقصده الفخر كان الوجه أن يعتمد من الألفاظ والنظم والأسلوب ما يكون به بهاء وتفخيم".[325]

والأخذ برأي ابن رشيق لا يدع مجالا للشك في صلاحية أوزان المدح لغرض الفخر. فقد أفاد الإحصاء هذه الحقيقة التي سكت عنها ابن رشيق، وأوضحها حازم القرطاجني حين خصه بأوزان الطويل والكامل والبسيط.[326] أما فيما يتعلق بالأوزان الأخرى التي أحصيناها لغرض المدح، فإنه لم يشد سوى عن: المتدارك، والمديد، ومجزوء الرجز، ومجزوء الخفيف، ومشطور الرجز، ومجزوء الوافر، والمقتضب، والرجز. ونسبة هذه الأوزان مجتمعة لا تتعدى في غرض المدح (2.05%) من الوحدات، و(2.74%) من الأبيات، و(1.42%) من المقطعات، و(2.11%) من القصائد، أما نسبة تداولها فلم تزد في أحسن الاختيارات عن (14.81%).[327]

وباستثناء هذه النسب الباهتة، فقد رفض حازم وعبد الله الطيب صلاحية هذه الأوزان للأغراض الجادة،[328]فأكد الفخر ثانية على عدم اتساعها لذلك، ربما لما تمتاز به من خصائص موسيقية تجعلها نابية في غرض كالفخر، أو لضيق مجالها الإيقاعي وعدم اتساعها للمعاني الجادة التي غالبا ما تتطلب مجالا إيقاعيا يمتاز بفضاء واسع يتمكن من استيعاب هذه المعاني، فلا يحتاج فيها الشاعر إلى الاختصار والحذف.[329] إلا أننا لا نستبعد أن يكون نفور الشاعر من هذه الأوزان راجعا إلى قلة وحداته الشعرية وضعف هيمنتها في الشعر الأندلسي، فاقتصر لذلك على ثلاثة عشر وزنا.

وتفيد قراءة سريعة للنتائج الإحصائية، أن الشاعر الأندلسي كان يفضل أوزان: الطويل، والكامل، والبسيط. وهي تأتي عنده في الاختيار الأول بمجموع معدل يصل إلى (76.08%) من الوحدات، و(73.25%) من الأبيات، و(79.98%) من المقطعات، و(70.82%) من القصائد، أما نسبتها من التداول فبلغت في الطويل (48.14%)، وفي الكامل (25.22%)، وفي البسيط (33.33%).

وتدل هذه النسب في وضوح تام على التزام الشاعر الأندلسي بنظرية حازم في تناسب هذه الأوزان لغرض الفخر، وهو من جهة أخرى لم يحد عن العرف السائد بين شعراء المشرق، وخاصة عن نهج الشاعر الجاهلي.[330]

أما بقية الأوزان التي يلخصها الجدول رقم "45"، فلا تتجاوز في علاقتها بالفخر نسبة (23.82%) من الوحدات، (23.09%) من الأبيات، (19.93%) من المقطعات، و(29.04%) من القصائد. وهي في مجموعها لا تخرج عن أشعار يوسف الثالث، وابن عبدون، وابن حمديس، وابن شهيد، وأبي الصلت الداني، وأبي حيان، وابن الخطيب. ولا تتجاوز في أقصى الاختيارات معدل(11.11%) من التداول، بحيث لا تتعدى خمس وحدات في الوافر، وأربع وحدات في الخفيف والرمل، وثلاث وحدات في الوافر ومجزوء الكامل، ووحدتين في السريع ومخلع البسيط ومجزوء الرمل، ووحدة شعرية في المجتث والمنسرح. وتنضاف نسب هذه الأوزان منفردة لتؤكد مرة أخرى صلاحية الفخر للأوزان الطويلة بما لا يدع مجالا للشك خاصة بالنسبة للطويل، والكامل، والبسيط.

وقد أجمع عبد الله الطيب وسليمان البستاني، ثم ابراهيم أنيس من بعدهما على هذه الأوزان، بعد استقراء مكن أحدهم من القول بأن "حماسة الجاهلين وفخرهم كان من النوع الهادئ الرزين الذي يتطلب التأني والتؤدة، ولذلك جاء في قصائد طويلة وأوزان كثيرة المقاطع".[331]

بل لأنه لا يوجد في نصوص الفخر الأندلسي ما يطعن في صحة رأي هؤلاء، إلا ما كان من ذلك التشويش الذي تمارسه لعبة الخصائص الموسيقية المجردة، والتي تظهر حدتها مع عبد الله الطيب ـ في الغالب من الأحيان ـ حين يخضع اختياراته لذوقه ولنظريته في الأوزان، أما إذا لم تستجب لهذه الخصائص، فإنه لا يتوانى في طردها وإبعادها عن دائرة الوزن الذي هو بصدد الحديث عنه.[332]

وقد حذر جيروم ستولنيتز من مغبة التجريد الباطل لما له من نتائج وخيمة لا تتنبه إلى العلاقات الجديدة التي تؤثر في العنصر المجرد، وتحدث اختلافا في طبيعته حين يتصل بالعناصر الأخرى للموضوع، أو عندما تصبح له علاقات متبادلة في مواضيع مختلفة ومتعددة.[333]

وسبق أن تبين لنا كيف استجابت هذه الأوزان لغرض الرثاء، وكيف همشت الرمل و المديد وجرفت معهما رأي حازم وعبد الله الطيب وسليمان البستاني. ولعل الجدول العام لأوزان الشعر الأندلسي وأغراضه كفيل بإبراز هذه الحقيقة التي لا تقف عند غرض معين، بقدر ما تسمح لهذه الأوزان بالدخول في علاقات متنوعة ومختلفة.[334]

وليس تقرير هذه التشبيهات والاختلافات بين الفخر والمدح، أو بينه وبين أغراض أخرى كالرثاء إلا إحدى غايات هذه الدراسة لما تتيحه لنا مقارنة غرض بغرض من تفسير جزئي يمكِّن من تسليط الضوء على قضية الوزن والغرض.ولا يقف الهدف من التفسيرات التي يسمح بها المنهج المقارن عند هذا الحد، بل يتيح لنا فرصة اكتشاف التأثيرات والاقتباسات التي قد تلحق الوزن والغرض في علاقتهما الشعرية ومسيراتهما التاريخية، فتوجههما نحو الاختيار المناسب. ومن جهة  أخرى، فإن من شان هذه المقارنات أن تسمح لنا باستخلاص القوانين العامة والقواعد الكلية.[335]

إن خروج الرمل كفضاء إيقاعي من دائرة الاتجاه المؤيد لقضية الوزن والغرض، لا تسمح نسبه بإبعاده عن الفخر، رغم ما تمتاز به من ضعف في كفايتها التمثيلية، والتي لا تتجاوز(3.53%) من الوحدات، و(3.40%) من الأبيات، و( 1.53%) من المقطعات، و(6.25%) من القصائد، و(7.40%) من التداول.

وللاستئناس بلا جدوى هذا الإبعاد، نستحضر في ذهننا نسبه من الرثاء داخل الهرم الإيقاعي الذي شكل البنية الإيقاعية لهذا الغرض، والذي لم تتجاوز فيه ـ مع الأسف ـ نسبة (1.96%) من الوحدات، (2.54%) من الأبيات، (2.89%) من المقطعات، (1.48%) من القصائد، و(11.11%) من التداول. فقد كان من المقرر حسب رأي حازم وعبد الله الطيب وسليمان البستاني أن يتصدر هذا الوزن قائمة الهرم الإيقاعي الذي يتشكل منه غرض الرثاء.

فهذا عبد الله الطيب يرفض أن يتخلص الرمل من صبغة الأسى التي تميزه في حالته المجردة، ويخطئ العراقيين لتعاطيهم لهذا الوزن في ملاحمهم، إذا لم يكونوا قد اختاروه لخفته وسهولته على الحفظ. وعنده أن "الشعر الغزلي يناسب الرمل أكثر من هذا النوع الملحمي".[336]

فما هي ـ إذن ـ الغاية من شعر يتغنى بالفضائل إذا لم يضمن لنفسه الحفظ والذيوع بين الناس، سواء اختار هذا الوزن أو غيره من الأوزان ؟ أم أن الناقد تعمد تجاهل هذه الحقيقة سعيا منه إلى تدشين رؤية جديدة تخضع لجمالية الوزن في حالته المجردة ؟

إن نماذج الرمل لا تخرج عن شعر ابن عباد ويوسف الثالث. وقد اختاره الأول لتمثيل عواطفه والتغني بأمجاده فقال: [337]

مَنْ عَزَا المَجْدَ إلينا قدْ صَـدَقْ

 

لَــمْ يُلَمْ منْ قالَ مهمـــا قـــالَ حقْ

مــجدُنــا الشَّــمسُ سناءً وسَنا

 

منْ يَرُمْ سَتْرَ سنــــاها لـــمْ يُطَـــقْ

أيُّهـــا النَّاعـِــــي إلينا مجدُنــا

 

هلْ يضرُّ المجدُ إنْ خطبُ طَرقْ؟

لا نُـرعْ للدّمــــعِ في أمــــاقِنا

 

مَزَجَتـــــهُ بدمٍ أيـْــدِي الحـُــــرَقْ

حَنِقَ الــــدَّهرُ عليــــنا فسَطـا

 

وكــــــــذا الدَّهرُ على الحُرِّ حَنِقْ

وقديمــا كَلِفَ المُـــلكُ بنــــــا

 

ورأى منـّــا شُموســــا فعشِـــــقْ

قدْ مَضى منّا مُلوكٌ شُهِروا

 

شُهْرَةَ الشّمـــسِ تجلّــتْ في الأُفُقْ

نحن أبناءُ بني مـاءِ السّمـــاءِ

 

نَحْونَــــا تطمـــعُ ألحـــاظُ الحُدَقْ

وإذا ما اجْتمعَ الدِّيــــنُ لنـــا

 

فحقـــيرٌ مـــا مِنَ الدُّنيــا افْتــــرَقْ

حِجَجاً عَشْراً وعَشراً بعدهـا

 

وثلاثيــــنَ وعشـــــرينَ نَسـَــــقْ

أَشرَقتْ عشرونَ منْ أنفُسنا

 

وثلاثٌ نيِّراتٌ تَأتلِقْ

وتنطوي هذه القصيدة عن احتجاج وثورة دفعت بالشاعر إلى اختيار الرمل لقصره النسبي. إلا أن مسحة الأسى لا تفارق معانيها. فقد أطلقها الملك الأسير زفرة حرى وهو في سجنه بأغمات، وربما لذلك استدعى الرمل ليس لأنه يمتاز في حالته المجردة باللين والرقة، بل لأنه اكتسب هذه الخاصيات بعد دخوله في هذه العلاقة التي تطابق حالة الشاعر النفسية.

والذي أريد أن أؤكد عليه، هو أن الوزن لا يمكن أن يحتفظ بخاصية موسيقية واحدة، وإنما يمكن أن نجد له خاصيات أخرى مخالفة لما كان عليه في السابق. ويمثل قول يوسف الثالث من قصيدة وجهها ارتجالا إلى مجلس علماء حَضْرتِه في وليمة شرعية اتخذها لهم احتفاء بالمزيد من تأنيسهم، نموذجا صالحا لإثراء هذه الرؤية. يقول فيها: [338]

يَومُنا يومُ صبـــاحٍ مُشرِقٍ

 

فأجيبُوا يا نُجـومَ الأُفــُــقِ

يُوسُفِيـّـا قــــدْ أقـــامَ سُنــَّةً

 

نُظِمَتْ أشرافُهــا في نَسَقِ

في ريّاضٍ حُسنُهـا مُتـَّـحِدٌ

 

شائعٌ في مَغربٍ ومَشـرقِ

وأنا يوسُفــُـها مِــنْ دَولَــةٍ

 

أَطِلَعَ الأَنْجُمَ مِلِأَ الحُـــدَقْ

بينَ أبطالِ جهادٍ تمتـــطي

 

للوَغَى غُرَّ الجِيــّـادِ السُبَّقِ

ووفودُ المُلكِ قد حفُّوا بــه

 

دُرَرَ العِقْدِ وتاجَ المَفْــــرِقِ

بذَلَتْ يُمنايَ ما شاءَ النَّدَى

 

وعلى اللهِ جــزاءُ المُنْفِـــقِ

وتنم هذه القصيدة البالغ عدد أبياتها ثلاثة عشر بيتا – عن روح بلغت من الانتشاء بمجدها وحسبها وشجاعتها وكرمها، ما دفعها إلى اختيار هذا الوزن لتناسبه لمثل هذه الخفة التي تطلبها المقام الشعري. وقد جمع الملك الشاعر حول مائدته مجموعة من العلماء، كان من المفروض أن يتلقاهم بنظم خفيف متناسب لا يثقل عليهم ولا يُذهِلُهم عن مأدبة تتطلب نوعا من اللباقة في الترحيب بضيوفها. وقد صدر في قصيدة له من نفس الوزن، عن همة توجهها طبيعته الملوكية التي لا يعز عليها مطلب، فعارض بها قصيدة الشريف الرضي، مظهرا فيها عن براعته الشعرية وقدرته على النظم الجيد.[339]

وإذا تحولنا نحو الشطر الثاني من رأي أنيس في مسألة النفس الشعري، أدركنا إلى أي حد تبدو طوال الفخر الأندلسي دون رأيه.[340]  فقد سجل الإحصاء ميل الأوزان الطويلة نحو المقطعات بفارق يصل (8.98%)، وفي مقابل ذلك مالت المجزوءات نحو القصائد بمعدل (10.40%)، ولم تتجاوز في المقطعات (3.06%). وقد تنبه إبراهيم أنيس إلى هذه الحقيقة، فتعمد إخفاءها مكتفيا بتخصيص المقطعات للأوزان القصيرة في حالة الانفعال الشديد الذي يكون عليه الشاعر حين "تثور نفسه الأبية لكرامتها ويمتلكها انفعال نفساني".[341]

وعلى قلة نصوص هذه الأوزان في الشعر الأندلسي، فإننا نجد في مقطوعة ابن عباد ما يخالف رأي أنيس. يقول فيها: [م.الكامل].[342]

لابُدَّ مِنْ فَـرَجٍ قَريب

 

يأتيكَ بالعُجبِ العَجيبْ

غزوٌ عليكَ مُبــاركٌ

 

في طيِّهِ الفتحُ القريبْ

للـّـهِ سيفكَ إنّــهُ

 

سُخْطٌ على دينِ الصَّليـبْ

لا بُدَّ مِنْ يومٍ يكـــو

 

نُ لــهُ أخٌ يومَ القَلـيبْ

وهذه المقطوعة لا تصور انفعالا شديدا، بقدر ما تترقب فرجا قريبا، سيعمل فيه الشاعر سيفه المسلول في وجه الصليب. والظاهر أن  إبراهيم أنيس قد اعتمد في حكمه هذا على مقطعات المجزوءات والأوزان القصيرة، فانطلق من الفخر الجاهلي الذي كانت تثيره العصبية القبلية، والذي لم يكن الشاعر فيه يقوى على تملك مشاعره خاصة في لحظة المشاحنات والمساجلات الشعرية التي لا تتطلب غير الارتجال والتقصير بديلا.[343]

إن تشكل البنية الإيقاعية لديوان الفخر الأندلسي من هذه الأوزان مجتمعة، لا يجب أن يلهينا عن الحقيقة العلمية التي أثبتها الإحصاء لأوزان الطويل والكامل والبسيط، وما تتمتع به من هيمنة تعود في الأصل إلى اتساع مجالها الإيقاعي، وقدرتها على استيعاب وتحمل أكثر المعاني شعرية، وأقربها إلى العقل، وأبلغها على خلخلة أفق انتظارالمتلقي الذي يُحتمل أن يكون من الأشخاص الذين يعنيهم الشاعربقصيدته، فيستلذ بهذا الوزن وبحمولته المثقلة بالمعاني الخالدة، أو أن يكون عدوا له، يقدر حجم الكلمة المتمكنة في سياقها الفضائي الواسع الذي ينزل عليه كالصاعقة، فيرجُّه ويُظهر له تفوقه على خصمه.

 

 

7- أغراض أخرى:

إن وعينا بأهمية القراءة العمودية في فهم إشكالية تناسب الوزن والغرض، وما تطرحه هذه الدراسة في بعديها الأفقي والعمودي من نتائج بالغة الأهمية، يدفعنا إلى أن نختصر حال بقية الأغراض وعلاقتها بالأوزان الشعرية في جداول خاصة تستحضر نتائج الموضوع من خلال المقاييس الإحصائية.

وتجمع هذه الأغراض، بين واحد وستين غرضا شعريا، تتمتع فيها الأوزان المشهورة بالمراتب الأولى، وهذه الأخيرة نادرا ما تتبادل المواقع. ويأتي الطويل على رأس هذه الأوزان، حيث ناسب ثمانية وأربعين غرضا شعريا لم يتنازل فيها عن المراتب الأولى، فجاء أولا: ثلاثا وثلاثين مرة، وثانيا: إحدى عشرة مرة، وثالثا: أربع مرات. وبلغ نصيب الكامل منها إلى أربعين غرضا شعريا، فاحتل الرتبة الأولى إثني عشرة مرة، والرتبة الثانية ثماني عشرة مرة، والرتبة الثالثة ثماني مرات. أما البسيط فناسب تسعة وثلاثين غرضا شعريا، فجاء أولا: إحدى عشرة مرة، وثانيا: إثني عشرة مرة، وثالثا: إحدى عشرة مرة، وجاء رابعا: أربع مرات، ولم يتأخر إلا مرة واحدة في غرض المداعبة، حيث احتل هناك الرتبة العاشرة.

 وتوجد هذه الأغراض في علاقتها بالأوزان الثلاثة، على اختلاف نسبتها وعددها وتقارب رتبها، على علاقة هامة بالأوزان المذكورة، ولا يكاد يوجد ما يطعن في صحة هذه النتيجة إلا ما كان من ضعف على مستوى تداولها في بعض الأغراض المركبة أو القليلة الشيوع بصفة خاصة، وهذا وحده لا يكفي لرفض هذه الأوزان في علاقتها بهذه الأغراض التي قلت نسبها من التداول وارتفعت في باقي المقاييس الإحصائية. بل إن من هذه الأغراض ما يختص بوزن واحد ولا يتعداه إلى غيره.

ومن بين هذه الأغراض: (غزل/ فخر)، (مدح/ اعتزاز)، (مدح/ فخر/ حنين)، (حنين/ فخر/ عتاب)، و(تقريظ/ فخر). فهذه الأغراض توجد على علاقة متميزة بوزن الطويل وإن كانت نسب تداولها في هذا الوزن لا يتجاوز (3.70 %).

وتنطبق هذه الملاحظة على وزن  الكامل والبسيط في علاقتهما بالأغراض التالية. فقد اختصت بالأول أغراض هي (مدح/ نصح/ استعطاف)، (فخر/ نصح ) و(تصوف/ مدح). واختصت بالثاني أغراض هي: (النحو)، (مدح/ نصح)، و( شكوى/ هجاء).

والجدير بالذكر أن وضع هذه الأغراض في علاقتها بالأوزان المذكورة، تخالف بصورة كبيرة وضعها في القراءة الأفقية، فهي هناك لا تعدو أن تكون مجرد أغراض باهتة، وغير ذات قيمة تذكر في هذه الأوزان، ومن ثمة كانت للقراءة العمودية أهميتها في فهم إشكالية تناسب الوزن والغرض.

أما بالنسبة لمجموعة الأغراض التي ناسبت المتقارب، والوافر، والخفيف، والسريع، والرمل، ومج.الكامل، ومخ.البسيط، ومج.الرمل، والمنسرح، والمجتث، والرجز، فهي نفس الأغراض التي كانت تعرف نسبة متوسطة من الشيوع إلى ضعيفة داخل المتن الأندلسي.

وتتمتع هذه الأوزان في علاقتها بهذه الأغراض بنسب متوسطة في جميع مقاييسها الإحصائية، إلى عالية في بعض الأحيان. ولا يوجد ما يعكر من صفاء قيمتها في هذه الأغراض، إلا ما كان من نسب تداولها التي تراوحت في أغلب الأحيان بين (18.51%)، و(3.70%).

وهي في توسطها لا تخرج عن نسبة (33.33%)، ولا تنزل عن (25.92%). أما وضع الأغراض النادرة، فقد احتلت فيها بعض الأوزان مكانة عالية تقدر ب(100%) في علاقة المتقارب بـ(هجاء/ تحريض)، وب(40%) في علاقته بالتوديع. وتصل في علاقة الوافر ب(عتاب/ فخر) نسبة (66.66%)، وفي علاقته ب(رثاء/ فخر) (40%)، أما نسبتها من التداول، فتراوحت بين (7.40%)، و(3.70%).

 وإذا استثنينا تلك القيمة التي تفرضها العلاقة الأفقية من حين لآخر بالنسبة للمديد، ومج.الرجز، والهزج، ومج.الخفيف، ومج.الوافر، والمتدارك، ومشط. الرجز، ومج.البسيط، والمضارع، فإن علاقتها بالأغراض التي ناسبتها، لا تشكل أية قيمة تذكر، إلا ما كان من وضع مج.الخفيف الذي ناسب (عتاب/ فخر) بنسبة (33.33%) من الوحدات، و(25%) من الأبيات والمقطعات، وإن كانت نسبته من التداول لا تتجاوز (3.70%).

أما المضارع ومنهـ.المنسرح ومج.المتقارب ومنهـ.الرجز ومشط.السريع، فلا نجد لها أثرا يذكر في واحد من الأغراض التي أحصيناها للشعر الأندلسي.

 

 

ـ

خلاصة:

بعد هذه الحقائق المنطقية التي تفصح عن عدم اطراد المواقف النقدية، والتي تعتمد في جانب منها على نماذج شعرية ذات كفاءة تمثيلية، يأتي الإحصاء ليؤكد- مرة أخرى[344]- دور الهيمنة التاريخية للغرض الشعري، في مجموع طرقه وحالاته النفسية، في احتضان أكبر عدد ممكن من الأوزان الشعرية، وخاصة منها الأوزان التي نالت نفس الحظوة من الشيوع على طول الخط الشعري العربي، إلا ما كان من بعض الاختلافات البسيطة التي لا تتجاوز تبادل المواقع بين هذه الأوزان في النادر من الأحيان.

أما الحقيقة الثانية، فلا تختلف عن الأولى إلا من حيث قلة أوزان الأغراض التي توسطت نسبتها من الشيوع، أو كادت لا تظهر إلا ضمن بعض الإبداعات التي تبعدها عن القاعدة العامة، دون أن تلغيها، حيث يبدو أن الغرض كلما كانت نسبه مرتفعة، إلا واحتضن أكبر عدد من الأوزان الشعرية، والعكس هو الصحيح بالنسبة للأغراض التي مالت نحو القلة، أو الندرة. فقد سجل الإحصاء اختفاء هذه الأخيرة في الأغلب الأعم من هذه الأغراض.

وموقع هذه الأوزان مجتمعة من أغراض الشعر الأندلسي، لا يخرج عن دور الهيمنة التي خضعت له بنية الهرم الإيقاع في الشعر العربي، هذا الهرم الذي يعتبر جزءا من بنية أعم ظلت توجه الشعراء نحو اختيار أوزانهم، ليس بدافع التقليد فقط، بل لانسجامها – كذلك- مع هذه الأغراض، لما تزخر به من طاقات موسيقية، أو نفسية، تفيد من تعدد مناجي الشعراء، واختلاف أساليبهم، وطرقهم الشعرية، وتوجهاتهم الظرفية التي كانت تحكمها أحيانا مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية والبيئية، فاستجابت لها، من دون أن تبدو نافرة عنها أو شاذة.

ولم يكن ميلها نحو الأوزان التي حظيت فيها بنسب ضعيفة، إلا محاولة من الشعراء لخلق مجموعة من العلاقات الجديدة، لا تقف عن الأغراض والأوزان المهيمنة، ومن ثمة فإنه لا يعقل طرد شواهدها من دائرة الإبداعات الشعرية، بحكم أنها ظلت خارج حدود التنظيرات الشعرية، والاعتماد في ذلك على مجموعة من المؤهلات المعيارية أو الذوقية،[345] التي طالت أيضا مجموعة من الأغراض الهامة، فخصتها بأوزان معينة، دون أن تستفتيها الرأي، فتقوم بتشريح موسع لنصوصها، بعيدا عن خصائص الأوزان المجردة، وبعيدا عن الحالات النفسية التي تسلب النص كل خصوصية لغوية لا يسمح بضبط بنياتها ودلالتها، والاقتصار فيها على المواجهة الحرة للنصوص المعتمدة في الكثير على الاستجابة العرضية والآنية خلال عملية التلقي.[346]

وفي مقابل ذلك، تجدنا لا نقبل على عقد مقارنة خارج حدود الغرض الواحد، لأن ذلك غالبا ما يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يصبح الغرض الذي حضي بقصيدة واحدة في وزن "كالطويل" أنسب منه في الغرض الأول، وقد جاءت هذه الدراسة لتكمل هذا المشروع النقدي، فتقف عند هذا الجانب الذي أغفلته مجموعة من الدراسات الحديثة في فهمها لقضية الوزن والغرض، وتدعو إلى أخذ الاحتياط من نتائجها الراهنة، خاصة في الأبواب التي تعقد للمقارنة، أو لاستخلاص النتائج ووضعها في مقام القاعدة العامة.

 

 

 

فهرس المصادر والمراجع

أ- مصادر المادة الشعرية:

1- ديوان الأعمى التطيلي. تحقيق: إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت. ( د.ت).

2- ديوان الألبيري. حققه وشرحه وقدم له محمد رضوان الداية، دار قتيبة، بيروت – دمشق. ط 2/ 1982.

3- ديوان ابن الآبار. قراءة وتعليق: عبد السلام الهراس. الدار التونسية للنشر، تونس. 1985.

4-  ديوان ابن حمديس. صححه وقدم له: احسان عباس، دار صادر، بيروت. 1960.

5- ديوان أبي الحسن الششتري. حققه وعلق عليه: سامي النشار. منشأة المعارف بالاسكندرية. ط 1/ 1960.

6- ديوان أبي حيان الأندلسي. تحقيق: أحمد مطلوب و خديجة الحديثي، مطبعة العاني، بغداد. ط 1/ 1969.

7- ديوان ابن خاتمة الأنصاري. حققه وقدم له: رضوان الداية، منشورات دار الحكمة، دمشق. 1978م.

8- ديوان ابن خفاجة. تحقيق: سيد غازي. منشاة المعارف بالاسكندرية. ط 2. (د. ت).

9- ديوان ابن دراج القسطلي. حققه وعلق عليه وقدم له: محمود علي مكي. المكتب الاسلامي، بيروت. ط 2/ 1961م.

10- ديوا ابن زقاق البلنسي. تحقيق: عفيفة محمود ديراني. دار الثقافة. بيروت. (د.ت).

11- ديوان ابن زيدون. شرح وتحقيق: علي عبد العظيم. دار نهضة مصر، الفجالة القاهرة. (د.ت).

12- ديوان ابن سهل الاسرائيلي. جمعه وحققه وقدم له: محمد قوبعة. منشورات الجامعة التونسية، تونس. 1985.

13- ديوان ابن شهيد الأندلسي. جمعه وحققه: يعقوب زكي، وراجعه محمود علي مكي. دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة. (د.ت).

14- ديوان ابن عبد ربه. حققه وجمعه وشرحه: رضوان الداية. مؤسسة الرسالة، بيروت. ط 1/ 1979.

15- ديوان ابن عبدون. إعداد وتحقيق وتأليف: سليم التنير. دار الكتاب العرب، دمشق  - سوريا. ط 1/ 1988.

16- ديوان ابن فركون. تقديم وتعليق: محمد ابن شريفة. مطبواعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة الثرات، الرباط. ط 1/ 1987.

17- ديوان ابن هانئ (تبيين المعاني في شرح ديوان ابن هاني). تحقيق وشرح: زاهد علي. مطبعة المعارف، مصر. 1352هـ .

18- ديوان حازم القرطاجني. تحقيق: عثمان الكعاك. دار الثقافة، بيروت. (د.ت).

19- ديوان الحكيم أبي الصلت أمية بن عبد العزيز الداني. جمع وتحقيق وتقديم: محمد المرزوقي. دار الكتب الشرقية، تونس. 1974.

20- ديوان الرصافي البلنسي. جمعه وقدم له: احسان عباس. دار الثقافة، بيروت. ط 1/ 1960.

21- ديوان عبد الكريم القيسي. تحقيق: جمعة شيخة ومحمد الهادي الطرابلسي. المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات "بيت الحكمة". قرطاج – تونس. 1988.

22- ديوان لسان الدين ابن الخطيب. صنعه وحققه وقدم له  محمد مفتاح. دار الثقافة . البيضاء. ط 1/ 1989.

23- ديوان المعتمد بن عباد. جمع وتحقيق: رضا الحبيب السويسي. الدار التونسية للنشر، تونس. 1975.

24- ديوان ملك غرناطة يوسف الثالث. حققه وقدم له: عبد الله كنون. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة. ط 2/ 1965.

25- ديوان يحيى بن حكم الغزال. حققه وشرحه وقدم له: محمد رضوان الداية. دار قتيبة، بيروت – دمشق. ط 1/ 1982.

26- شعر ابن الحداد الأندلسي. جمع وتحقيق وتقديم: منال منيزل. مؤسسة الرسالة بيروت. ط 1/ 1985.

27- شعر ابن اللبانة الداني. جمع وتحقيق: محمد مجيد السعيد. دار الكتب، جامعة الموصل. 1977.

ب ـ المصادر والمراجع:

-  الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة. أحمد هيكل. دار المعارف، القاهرة. ط 1 /1979.

ـ  الأغاني. أبو الفرج الصفهاني. تحقيق واشراف: لجنة من الأدباء. الدار التونسية للنشر، تونس. 1983.3.

ـ  تاج العروس من جواهر القاموس. الزبيدي. طبعة حكومة الكويت.

- ابن الجياب الغرناطي، حياته وشعره. علي محمد النقراط. رسالة لنيل د.دع، مرقونة بكلية الآداب بالرباط بحت رقم: 811.5 نقر. السنة الجامعية: 1991- 1992.

- ابن زقاق البلنسي، حياته وشعره. الهادي الصيد عمار. رسالة لنيل درجة الماجستير، مرقونة بكلية الآداب بالرباط تحت رقم 811.5 عما. السنة الجامعية: 1983.

- ابن شهيد الأندلسي الأديب الناقد. محمد سعيد محمد. رسالة لنيل درجة الماجستير، مرقونة بكلية الاداب بالرباط تحت رقم 810.905 محم. السنة الجامعية: 1984.

- ابن عبد ربه وشعره – دراسة وتحليل . محمد عيسى موسى. رسالة لنيل دكتوراه السلك الثالث، مرقونة بكلية الآداب بالرباط تحت رقم 811.5 موس. السنة الجامعية: 1985- 1986.

- ابن هانئ الأندلسي، متنبي المغرب. عارف تامر. سلسلة أعلام الفكر العربي 16. منشورات دار الشروق، بيروت. ط 1/ 1961.

- أبو العلاء المعري بين قيود الفن وحرية الفكر. رشيد أوباعز. رسالة لنيل د.د.ع، مرقونة بكلية الآداب بالرباط تحت رقم 811.6 أوب. السنة الجامعية: 1983- 1984.

- اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري. مصطفى هدارة. دار المعارف القاهرة. 1963.

- اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري. يوسف حسين بكار. دار الأندلس، بيروت. ط 2. (د.ت).

- اتجاهات النقد الأدبي في القرن الرابع للهجرة. أحمد مطلوب. بيروت. ط 1/ 1973.

- أدب السياسة والحرب في الأندلس من الفتح الإسلامي إلى نهاية القرن الرابع الهجري. علي لعزيوي. مكتبة المعارف الجديدة، الرباط. ط. 1987.

- أدباء العرب  في الأندلس وعصر الانبعاث، حياتهم، آثارهم، نقد آثارهم. بطرس البستاني. دار صادر، بيروت، ط 3/ 1973.

ـ أساس البلاغة. أبو القاسم الزمخشري. تحقيق: عبد الرحيم محمود. دار المعرفة، بيروت – لبنان. (د.ت).

- أسلوبية الرواية، مدخل نظري. حميد لحميداني. مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء. ط 1/ 1989.

- أصول النقد الأدبي. أحمد الشايب. مكتبة النهضة المصرية، القاهرة. ط 7/ 1964.

- الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه. مصطفى الشكعة. دار العلم للملايين، بيروت. ط 2/ 1974.

- الأدب العربي في الأندلس. عبد العزيز عتيق. دار النهضة العربية، بيروت. ط 2/ 1976.

- الأدب وفنونه. محمد مندور. دار نهضة مصر، الفجالة – القاهرة. (د.ت).

- الأسس الجمالية في النقد العربي. عز الدين إسماعيل. مطبعة الاعتماد بمصر. 1955.

- الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة. مصطفى سويف. دار المعارف، القاهرة. ط 2/ 1959.

- الأسلوب، دراسة بلاغية تحليلية لأصول الأساليب الأدبية. أحمد الشايب. مكتبة النهضة المصرية، مطبعة السعادة. ط 1 (د. ت).

- الأسلوب، دراسة لغوية إحصائية. سعد مصلوح. دار البحوث العلمية. ط 1/ 1980.

- الأصول الفنية للشعر الأندلسي – عصر الإمارة. سعد اسماعيل شلبي. دار نهضة مصر الفجالة – القاهرة 1983.

- الأعلام. خير الدين الزركلي. دار العلم للملايين، بيروت – لبنان. ط 5/ 1986.

- الأمراء الأمويين الشعراء في الأندلس. دراسة في أدب السلطة. إبراهيم بيضون. دار النهضة العربية، بيروت. (د.ت).

- البديع في وصف الربيع. أبو الوليد الحميري. اعتنى بنشره وتصحيحه: هنري بيرس. مطبوعات العلوم العليا المغربية. (د.ت).

- البرهان في وجوه البيان. ابن وهب الكاتب. تحقيق: أحمد مطلوب وخديجة الحديثي. بغداد. ط 1 /1967.

- البلاغة تطور وتاريخ. شوقي ضيف. دار المعارف، القاهرة. ط 6/ 1983.

- البلاغة والأسلوبية، نحو نموذج سيميائي لتحليل النص. هنريش بليث. ترجمة وتقديم وتعليق: محمد العمري. منشورات دراسات سال، البيضاء. ط 1/ 1989.

- البيان والتبيين. أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ. تحقيق وشرح: عبد السلام هارون, دار الفكر، بيروت. ط 4. (د.ت).

- البيئة الأندلسية وأثرها في الشعر – عصر ملوك الطوائف. سعد اسماعيل شلبي. دار نهضة مصر الفجالة – القاهرة. 1978.

- التفسير النفسي للأدب. عز الدين اسماعيل. دار العودة ودار الثقافة، بيروت. (د.ت).

- التكملة لكتاب الصلة. ابن الآبار القضاعي. تحقيق: السيد عزت العطار الحسيني. مطبعة السعادة بمصر. 1956.

- الحياة العربية من الشعر الجاهلي. أحمد محمد الحوفي. دار نهضة مصر، الفجالة – القاهرة. (د.ت).

- الحيوان. أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ. تحقيق: عبد السلام هارون. مكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة. 1938.

- الخصائص. أبو الفتح عثمان بن جني. تحقيق: محمد علي النجار، دار الكتاب العربي، بيروت. (د. ت).

- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة. ابن بسام الشنتريني. تحقيق: احسان عباس. الدار العربية للكتاب، ليبيا – تونس. 1975.

- الرسالة الموضحة في ذكر سرقات المتنبي. أبو علي بن الحسن الحاتمي. تحقيق: محمد يوسف نجم. دار صادر، بيروت. 1965.

- الشعر الأندلسي في القرن التاسع الهجري، موضوعاته وخصائصه. قاسم الحسيني. الدار العالمية للكتاب، البيضاء. الدار العالمية للكتاب، بيروت. ط 1/ 1986.

- الشعر الأندلسي. بحث في تطوره وخصائصه. اميليو غرسيه غومس. ترجمة: حسين مؤنس. مكتبة النهضة المصرية. (د.ت).

- الشعر الجاهلي، خصائصه وفنونه.  يحيى الجبوري. مؤسسة الرسالة – بيروت. ط 3/ 1982.

- الشعر العربي الحديث، بنياته وابدالاتها (التقليدية)، محمد بنيس. دار توبقال للنشر، البيضاء. ط 1/ 1989.

- الشعر بين البلاغيين والبلغاء. شكري عياد. ضمن "كتاب أرسطو طاليس في الشعر".

- الشعر في عهد المرابطين في الأندلس والمغرب. فاطمة طحطاح. رسالة لنيل د.د.ع، مرقونة بكلية آداب الرباط تحت رقم 811.5 طحط. السنة الجامعية: 1984 -1985.

- الشعر والبيئة في الأندلس. ميشال عاصي. منشورات المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت. 1970.

- الشعر والشعراء. ابن قتيبة. تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر. دار الثرات العربي للطباعة... 1977.

- الشعر والغناء في المدينة ومكة لعصر بني أمية. شوقي ضيف. دار المعارف، القاهرة. ط 4/ 1991.

- الشعرية العربية – الأنواع والأغراض. رشيد يحياوي. افريقيا الشرق، البيضاء. ط 4/ 1991.

- الشعرية العربية. أدونيس (علي احمد سعيد)، دار الآداب، بيروت. ط 1/ 1985.

- الصاحبي في فقه اللغة. أبو الحسن احمد بن فارس. المكتبة السلفية، القاهرة. 1910.

- الصناعتين. الكتابة والشعر. أبو هلال العسكري. تحقيق: مفيد قميحة. دار الكتب العلمية، بيروت. ط 1/ 1981.

- الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي. محمد الولي. المركز الثقافي العربي، البيضاء. ط 1/ 1990.

- الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي. جابر عصفور. دار المعارف، القاهرة: 1980.

- الطبيعة في الشعر الأندلسي. جودت الركابي. طبعة جامعة دمشق. 1959.

- العروض والقافية- دراسة في التأسيس والاستدراك. محمد العلمي. دار الثقافة، البيضاء. ط 1/ 1983.

- العقد الفريد. ابن عبد ربه. تحقيق: أحمد أمين، أحمد الزين وابراهيم الأبياري. دار الكتاب العربي، بيروت. 1986.

- العمدة في محاسن الشعر وآدابه. ابن رشيق القيرواني. تحقيق: محمد قرقزان. دار المعرفة، بيروت. ط 1/ 1988.

- العيون الغامزة على خبايا الرامزة. بدر الدين أبو عبد الله الدماميني. تحقيق: الحساني حسن عبد الله. طبعة المدني، القاهرة. 1973.

- الغربة والحنين. فاطمة طحطاح. الرباط كلية الآداب. ط 1/ 1993.

- الفصول والغايات في تمجيد الله والمواعظ. أبو العلاء المعري. تحقيق: محمود حسن زناتي. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1977.

- الفن ومذاهبه في الشعر العربي. شوقي ضيف. دار المعارف، مصر. ط 7/ 1969.

- القاموس المحيط. الفيروز آبادي. تحقيق: مكتبة تحقيق الثرات في مؤسسة الرسالة، بيروت. ط 2/ 1987.

- القصيدة المغربية المعاصرة – بنية الشهادة والاستشهاد. عبد الله راجع. منشورات عيون، البيضاء.ط 1/ 1987.

- الكتابة والتناسخ. مفهوم المؤلف في الثقافة العربية. عبد الفتاح كليطو. ترجمة عبد السلام بنعبد العالي. دار التنوير، البيضاء. ط/ 1985.

- الكشف عن مساوئ المتنبي. الصاحب بن عباد (ضمن كتاب "الابانة عن سرقات المتنبي" للعميدي). تقديم وتحقيق: إبراهيم الدسوقي البساطي، دار المعارف، مصر. ط 2/ 1969.

- اللغة العربية معناها ومبناها. تمام حسان. دار الثقافة ، البيضاء. (د.ت).

- المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر. ضياء الدين ابن الأثير. تقديم وتعليق: أحمد الحوفي وبدوي طبانة، دار نهضة مصر للطبع والنشر، الفجالة – القاهرة. (د.ت).

- المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها. عبد الله الطيب. دار الفكر، بيروت. ط 2/ 1970.

- المصطلح النقدي في نقد الشعر- دراسة لغوية تاريخية نقدية. ادريس الناقوري. دار النشر المغربية، البيضاء. 1982.

- المعتمد بن عباد الاشبيلي- دراسة أدبية تاريخية لقطب الحركة الأدبية وأبرز سلاطين الأندلس في عصر ملوك الطوائف. صلاح خالص. مطابع دار الاخبار، بغداد. 1958.

- المعجم الأدبي. جبور عبد النور. دار العلم للملايين، بيروت ط 1/ 1979.

- المعجم العربي الأساسي. تأليف جماعة من كبار اللغويين، بتكليف من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. لاروس. (د.ت).

- المعجم الفلسفي. جميل صليبا. دار الكتاب اللبناني، بيروت – لبنان، ط 1/ 1973.

- المعلقات العشر. دراسة أسلوبية. لطيفة لرزك. رسالة لنيل دد.ع مرقونة بكلية  الأدب بالرباط تحت رقم 811.1 لزر. موسم: 1988- 1989.

- المعيار في أوزان الأشعار والكافي في علم القوافي. ابن السراج الشنتريني. تحقيق: محمد رضوان الداية. المكتب الاسلامي، بيروت. ط 2/ 1971.

- المغرب في حلى المغرب. ابن سعيد الأندلسي. تحقيق: شوقي ضيف. دار المعارف، القاهرة. 1978.

- المفضليات. أبو العباس المفضل بن محمد الضبي. تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون. بيروت. ط 2/ 1973.

- المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع. أبو محمد القاسم السجلماسي. تقديم وتحقيق: محمد الحبيب بن الخوجة. دار الغرب الاسلامي، بيروت، ط 3/ 1986.

- الموازنات الصوتية في الرؤية اللاغية. نحو كتابة تاريخ جديد للبلاغة العربية. محمد العمري. منشورات دراسات سال. النجاح الجديدة. البيضاء. ط 1/ 1991.

- الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء. أبو عبيد محمد بن أبي عمران المرزباني. تحقيق: علي محمد البجاوي. دار نهضة مصر، القاهرة. 1965.

- النظرية والتطبيق في الأدب المقارن. ابراهيم عبد الرحمان محمد. دار العودة، بيروت. 1982.

- النقد الأدبي الحديث. محمد غنيمي هلال. دار الثقافة، دار العودة. بيروت – لبنان. 1973.

- النقد الأدبي في القيروان في العهد الصنهاجي. أحمد يزن. مكتبة النعارف الجديدة، الرباط. 1985.

- النقد الأدبي. احمد امين. دار الكتاب العربي، بيروت. 1967.

- النقد الفني – دراسة جمالية وفلسفية. جيروم ستولنيتر. ترجمة: فؤاد زكريا. المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت. ط 2/ 1981.

- النقد النفسي المعاصر – تطبيقاته في مجال السرد. حميد لحميداني. منشورات دراسات سال، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء. ط 1/ 1991.

- النقد واللغة في رسالة الغفران. أمجد الطرابلسي. مطبعة الجامعة السورية، دمشق. 1951.

- النوريات في الشعر الأندلسي. مقداد رحيم. عالم الكتب، بيروت، ط / 1986.

- الوافي بالوفيات. خليل بن أبيك الصفدي. ج1: باعتناء هلموت ريتر. دار النشر ستايز بقيسبادن. ط 2/ 1962. ج3: باعتناء س. ديدرينع. المطبعة الهاشمية، دمشق. 1953. ج6: باعتناء س. ديدرينع. دار صادر، بيروت 1972. ج7: باعتناء احسان عباس، دار صادر، بيروت: 1969.

- الوافي في العروض والقوافي. الخطيب التبريزي. تحقيق: عمر يحيى و فخر الدين قباوة. دار الفكر، دمشق. ط 3/ 1979.

ـ الوافي في نظم القوافي. أبو الطيب صالح بن شريف الرندي. تحقيق: محمد الخمار الكنوني. رسالة مرقونة بكلية آداب الرباط تحت رقم 811.5 كنو.

- الوساطة بين المتنبي وخصومه. علي بن عبد العزيز الجرجاني. تحقيق وشرح: محمد أبو الفضل ابراهيم وعلي محمد البجاوي. القاهرة، عيسى الحلبي. 1966.

- بناء القصيدة في الشعر الأندلسي. قاسم الحسيني. أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، مرقونة بكلية آداب الرباط تحت رقم 811.5 حسي. السنة الجامعية: 1989- 1990.

- بناء القصيدة في النقد العربي القديم، في ضوء النقد الحديث. يوسف بكار. دار الأندلس، بيروت. ط 2/ 1983.

- بناء قصيدة المدح في القرن الثاني من خلال دواوين بشار بن برد، أبي نواس، ومسلم بن الوليد. الراضي أحمد. رسالة لنيل د.د.ع، مرقونة بكاية الأدب بالرباط تحت رقم 811.02 راض. السنة الجامعية: 1986- 1987.

- بناء قصيدة المدح في القرن الرابع الهجري من خلال ديواني أبي الطيب المتنبي وابن هانئ الأندلسي المغربي. المنزيل العربي. رسالة لنيل د.د.ع، مرقونة بكلية الآداب بالرباط تحت رقم 811.02 منز.  السنة الجامعية: 1986ـ 1987.

- بناء قصيدة المدح في القرن الهجري الأول من خلال ديواني الحطيئة والأخطل. حلوي عبد العزيز. رسالة لنيل د.د.ع، مرقونة بكلية الأداب بالرباط تحت رقم 811.02 حلو. السنة الجامعية: 1986- 1987.

- بنية القصيدة الغزلية في شعر أبي الربيع سليمان الموحدي. عبد الاله بوشامة. رسالة لنيل د.د.ع، مرقونة بكلية الآداب بالرباط تحت رقم 811.5 بوش. السنة الجامعية: 1988.

- بنية اللغة الشعرية. جان كوهن. ترجمة: محمد الولي ومحمد العمري. دار توبقال، البيضاء. ط 1/1986.

- تاريخ آداب اللغة العربية. جرجي زيدان. منشورات دار مكتبة الحياة بيروت، لبنان. ط 2/1978.

- تاريخ الأدب الأندلسي، عصر سيادة قرطبة. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت – لبنان. ط 6/ 1981.

- تاريخ الأدب العربي. كارل بروكلمان. ج5. ترجمة: رمضان عبد التواب، مراجعة يعقوب بكر. دار المعارف. ط 2. (د.ت).

- تاريخ الأدب العربي، العصر الجاهلي. شوقي ضيف. دار المعارف، القاهرة. ط 1977.

- تاريخ الشعر العربي حتى آخر القرن الثالث الهجري. نجيب محمد البهبيتي. دار الفكر، بيروت. ط 4. (د.ت).

- تاريخ النقد الأدبي عند العرب من العصر الجاهلي إلى القرن الرابع الهجري. طه أحمد إبراهيم. دار الحكمة، بيروت. ط 4. (د.ت).

- تاريخ النقد الأدبي عند العرب. نقد الشعر من القرن الثاني حتى القرن الثامن الهجري. إحسان عباس. دار الشروق، عمان – الأردن. 1986.

- تاريخ النقد الأدبي في الأندلس. محمد رضوان الداية. مؤسسة الرسالة، بيروت. ط 2/ 1981.

- تحليل الخطاب الشعري – استراتيجية التناص. محمد مفتاح. المركز الثقافي العربي، البيضاء – المغرب. ط 2/ 1986.

- تحليل الخطاب الشعري – البنية الصوتية في الشعر. محمد العمري. الدار العالمية للكتاب، البيضاء. ط 1/ 1990.

- تلخيص كتاب أرسطو طاليس في الشعر. أبو الوليد ابن رشد. ترجمة: عبد الرحمان بدوي، ضمن "فن الشعر" لأرسطو. دار الثقافة، بيروت. ط 2/ 1973.

- تيارات النقد الأدبي في الأندلس في القرن الخامس الهجري. مصطفى عليان عبد الرحيم. مؤسسة الرسالة، بيروت. ط 1/ 1984.

- تيسير علم العروض والقوافي. محمد بن عبد العزيز الدباغ. مكتبة الفكر الرائد، فاس. ط 1/ 1989.

- حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر. دراسة حول الإطار الاجتماعي الثقافي للاتجاهات والبنى الأدبية. كمال خير بك. ترجمة لجنة من أصدقاء المؤلف. المشرق للطباعة والنشر. ط 1/ 1982.

- حول النظائر الايقاعية للشعر العربي. محمد أحمد وريث. المنشأة العامة للنشر والتوزيع والاعلان، طرابلس. ط 1/ 1985.

- خصائص الأسلوب في الشوقيات. محمد الهادي الطرابلسي. منشورات الجامعة التونسية. السلسلة السادسة. المجلد عدد: 20.

- دائرة الوحدة في أوزان الشعر العربي. عبد الصاحب المختار. المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس. 1985.

- دراسات في علم العروض والقافية. أحمد محمد الشيخ. الدار الجماهيرية للنشر والاعلان، طرابلس. ط 2/ 1988.

- دلائل الإعجاز في علم المعاني. عبد القاهر الجرجاني. تصحيح وتعليق: محمد رشيد رضا. دار المعرفة، بيروت. 1982.

- رسالة الغفران. أبو العلاء المعري. تحقيق: عائشة عبد الرحمان. دار المعارف بمصر. ط 3/ 1963.

- رسائل ابن حزم. أبو محمد بن حزم الأندلسي. تحقيق: إحسان عباس. ط. مكتبة الخانجي بمصر، ومكتبة المثنى ببغداد. (د.ت)

- رسائل إخوان الصفا وخلان الوفاء. إخوان الصفا. عني بتصحيحه: خير الدين الزركلي. مصر. 1928.

- رسائل الجاحظ. أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ. تحقيق: عائشة عبد الرحمان بنت الشاطئ. دار المعارف بمصر. 1975.

- سر الفصاحة. ابن سنان الخفاجي. دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان. 1982.

- سوسيولوجيا الغزل العربي (الشعر العذري نموذجا). الطاهر لبيب. ترجمة: مصطفى المسناوي. منشورات عيون، دار الطليعة، البيضاء. 1987.

- شخصية بشار. محمد النويهي. مكتبة الخانجي، دار الفكر، بيروت. ط 2/ 1971.

- شذرات الذهب في أخبار من ذهب. ابن العماد عبد الحي. المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان. ( د. ت).

- شعر الرثاء في السيرة النبوية لابن هشام. جمع المتن الشعري وتحقيقه ودراسته: صالح أزوكاي. رسالة لنيل د.د.ع، مرقونة بكلية الآداب بالرباط تحت رقم 811.03 أزو. السنة الجامعية: 1987- 1988.

- شعر النبويات في عصر بني مرين. سلاوي عز الدين. رسالة لنيل د.د.ع، مرقونة بكلية الآداب بالرباط تحت رقم 811.02 سلا. السنة الجامعية: 1984- 1985.

- ضرورة الفن. ارنست فيشر. ترجمة: ميشال سليمان. المكتبة الاشتراكية، دار الحقيقة، بيروت. (د.ت).

- طبقات فحول الشعراء. ابن سلام الجمحي. تحقيق: محمود محمد شاكر. مطبعة المدني، القاهرة. (د.ت).

- طوق الحمامة في الألفة والألاف. أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم. تحقيق: حسن كامل الصيرفي. تقديم: ابراهيم الابياري. المكتبة التجارية الكبرى، مصر. (د. ت).

- ظاهرة التكسب وأثرها في الشعر العربي ونقده. درويش الجندي. دار نهضة مصر الفجالة – القاهرة. 1970.

- ظاهرة التورية في الشعر المغربي الأدلسي في القرنين السابع والثامن الهجريين في إطار التواصل الأدبي بين المشرق والمغرب. الحسين رحمون. رسالة لنيل د.د.ع، مرقونة بكلية الاداب بالرباط تحت رقم 811.5 حم. السنة الدراسية: 1988- 1989.

- عروض الورقة. أبو نصر اسماعيل بن حماد الجوهري. تحقيق محمد العلمي، دار الثقافة، البيضاء. ط 1/ 1984.

- عوامل التطور اللغوي. دراسة في نمو وتطور الثروة اللغوية. أحمد عبد الرحمان حماد. دار الأندلس، بيروت. ط 1/ 1983.

- عيار الشعر. ابن طباطبا العلوي. شرح وتحقيق: عباس عبد الستار. مراجعة نعيم زرزور. دار الكتب العلمية، بيروت. 1982.

- فن التشبيه. بلاغة، ادب، نقد. علي الجندي. مكتبة الانجلو المصرية. ط 2/ 1966.

- فن التقطيع الشعري والقافية. صفاء خلوصي. منشورات مكتبة المنى، بغداد. ط 5/ 1977.

- فن التوشيح. مصطفى عوض الكريم. دار الثقافة، بيروت. ط 2/ 1974.

- فن الشعر من كتاب الشفاء. أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، ترجمة: عبد الرحمان بدوي، ضمن "فن الشعر" ، دار الثقافة، بيروت – لبنان. ط 2/ 1973.

- فن الشعر. أرسطو طاليس. ترجمه عن اليونانية وشرحه وحقق نصوصه: عبد الرحمان بدوي. دار الثقافة، بيروت. ط 2/ 1973.

- فن الهجاء وتطوره عند العرب. إليا حاوي. دار الثقافة، بيروت. (د.ت).

- فنية التعبير في شعر ابن زيدون. عباس الجراري. مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء. 1977.

- فوات الوفيات. ابن شاكر محمد الكتبي. تحقيق: محيي الدين عبد الحميد. مطبعة السعادة بمصر، مكتبة النهضة المصرية. 1951.

- في الأدب الأندلسي. جودت الركابي. دار المعارف، مصر. ط 3. (د.ت).

- في البنية الايقاعية للشعر الجاهلي- علاقة الوزن بالغرض دراسة احصائية. لمومني مصطفى. رسالة لنيل د.د.ع، مرقونة بكلية الآداب بالرباط تحت رقم 811.1 لمو. السنة الجامعية: 1987-1988.

- في البنية الايقاعية للشعر العربي، نحو بديل جذري لعروض الخليل ومقدمة في علم الايقاع المقارن. كمال أبو ديب. دار العلم للملايين ، بيروت. ط 2/ 1981.

- في الشعر الاسلامي والأموي . عبد القادر القط . دار النهضة العربية للطباعة والنشر. 1979.

- في الميزان الجديد. محمد مندور. مطبعة نهضة مصر، الفجالة – القاهرة. ط 2. (د.ت).

- في النقد الأدبي. شوقي ضيف. مكتبة الدراسات الأدبية، دار المعارف، القاهرة. ط 2/ 1966.

- في سيمياء الشعر القديم – دراسة نظرية وتطبيقية. محمد مفتاح. دار الثقافة ، البيضاء. 1989.

- قدامة بن جعفر والنقد الأدبي. بدوي طبانة. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة. ط 3/ 1969.

- قصة الأدب في الأندلس. محمد عبد المنعم خفاجي، منشورات مكتبة المعارف، بيروت. 1962.

- قضايا الشعر المعاصر . نازك الملائكة. منشورات مكتبة النهضة، بغداد. ط 2/ 1965.

- قضايا الشعر في النقد العربي. ابراهيم عبد الرحمان محمد، دار العودة، بيروت. ط 2/ 1981.

- قضايا الشعرية. رومان جاكبسون. ترجمة: محمد الوالي ومبارك حنون. دار توبقال، البيضاء. ط 1/ 1988.

- قضايا النقد الأدبي عند حازم القرطاجني من خلال كتابه منهاج البلغاء وسراج الأدباء. دراسة تحليلية مقارنة بين القديم والحديث. محمد أديوان. رسالة لنيل د.د.ع، مرقونة بكلية الأدب بالرباط تحت رقم 801.956 أدي. السنة الجامعية: 1988.

- قضية الشعر الجديد. محمد النويهي. دار الفكر، مكتبة الخانجي، القاهرة. ط 2/ 1971.

- قواعد الشعر. أبو العباس ثعلب. تحقيق وتقديم وتعليق: رمضان عبد التواب. دار المعرفة، القاهرة. 1966.

- كتاب أرسطو طاليس في الشعر. نقل أبي بشر متى بن يونس من السرياني إلى العربي. حققه مع ترجمة حديثة ودراسة لتأثيره في البلاغة العربية: محمد شكري عياد. دار الكتاب العربي، القاهرة. 1967.

ـ كتاب التشبيهات من أشعار أهل الأندلس. ابن الكتاني الطبيب. تحقيق: إحسان عباس. دار الثقافة بيروت- لبنان (د. ت).

- كتاب العروض. أبو الحسن الأخفش سعيد بن مسعدة. تحقيق ودراسة: سيد بحراوي. ضمن مجلة فصول. المجلد السادس، العدد الثاني، يناير، فبراير، مارس. 1986.

- لزوم ما لايلزم (اللزوميات). أبو العلاء المعري. ط. دار صادر، بيروت. 1961.

- لسان العرب. ابن منظور الافريقي. ط. دار صادر، بيروت (د.ت)

- مبادئ النقد الأدبي. إ.ا. رتشاردز. ترجمة وتقديم: مصطفى بدوي، مراجعة: لويس عوض، المؤسسة المصرية العامة للتاليف والترجمة والطباعة والنشر. ( د.ت).

- محاولة في دراسة بعض مكونات البنية الايقاعية في ديوان البحتري. عبد الفتاح لكرد. رسالة لنيل د.د.ع، مرقونة بكلية الأدب بالرباط تحت رقم 811.6 لكر. السنة الجامعية: 1990- 1991.

- مدارس الأدب المقارن دراسة منهجية. سعيد علوش. المركز الثقافي العربي ، البيضاء. ط 1/ 1987.

- مدخل إلى مناهج الدراسات الأدبية. عمر محمد الطالب. منشورات عكاظ، الرباط. 1988.

- مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان والتبين للجاحظ. الشاهد البوشيخي. دار الافاق، بيروت. ط 1/ 1982.

- مفتاح العلوم. أبو يعقوب السكاكي. ضبط وتعليق: نعيم زرزور. دار الكتب العلمية، بيروت. 1983.

- مفهوم الأدبية في التراث النقدي إلى نهاية القرن الرابع. توفيق الزيدي. منشورات عيون، النجاح الجديدة، البيضاء. ط 2/ 1987.

- مفهوم الشعر – دراسة في التراث النقدي. جابر عصفور. دار التنوير، بيروت – لبنان. (د.ت).

- مقالة في قوانين صناعة الشعر. أبو نصر الفرابي. تحقيق: عبد الرحمان بدوي ضمن "فن الشعر" دار الثقافة، بيروت. ط 2/ 1973.

- مقدمة ابن خلدون. عبد الرحمان محمد بن خلدون. تحقيق: عبد الواحد وافي، دار نهضة مصر، الفجالة – القاهرة. ط 3. ( د.ت).

- مقدمة الاليادة، ضمن (إليادة هوميروس) سليمان البستاني. دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان. (د.ت).

- مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي. حسين عطوان. دار الجيل، بيروت. ط 2/ 1987.

- مقدمة الموزوقي على شرح ديوان الحماسة. أبو علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي. تحقيق: أحمد أمين وعبد السلام هارون. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة. ط 1/ 1951.

- مقدمة في البيان العربي من الجاحظ إلى عبد القاهر. طه حسين، ضمن كتاب "نقد النثر" المنسوب خطأ لقدامة.

- ملامح الشعر الأندلسي. عمر الدقاق. دار الشرق العربي. بيروت (د.ت).

- مناهج الدراسات الأدبية. حسين الواد. منشورات عيون، النجاح الجديدة، البيضاء. ط 4/ 1988.

- مناهج النقد الأدبي في الأندلس بين النظر والتطبيق خلال القرنين السابع والثامن للهجرة. علي لعزيوي. أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، مرقونة بكلية الأدب بالرباط تحت رقم 801.956 لغز. موسم : 1989- 1990.

ـ منهاج البلغاء وسراج الأدباء....

- موسيقى الشعر العربي (مشروع دراسة علمية). شكري محمد عياد. دار المعرفة، القاهرة. ط 2/1978.

- نظريات الشعر عند العرب – الجاهلية والعصور الإسلامية. مصطفى الجوزو. دار الطليعة، بيروت. 1982.

- نظرية الأدب. رينيه وليك، أوستين وارين.. ترجمة: محيي الدين صبحي. مراجعة: حسام الخطيب. المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.ط 2/ 1981.

- نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين (من الكندي حتى ابن رشد). ألفت كمال الروبي. دار التنوير، بيروت.ط 1/ 1983.

- نظرية المحاكاة في النقد العربي القديم (دراسة تطبيقية في شعر أبي تمام وابن الرومي والمتنبي). عصام قصبجي. دار القلم للطباعة والنشر، ط 1/ 1980.

- نظرية المعنى في النقد العربي. مصطفى ناصف. دار الأندلس، بيروت. (د.ت).

- نظرية المنهج الشكلي – نصوص الشكلانيين الروس. ترجمة ابراهيم الخطيب. الرباط – بيروت. ط 1/ 1982.

- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب. أبو العباس أحمد بن محمد المقري. تحقيق: احسان عباس. دار صادر، بيروت. 1988.

- نقد الشعر عند العرب حتى القرن الخامس للهجرة. أمجد الطرابلسي. ترجمة: ادريس بلمليح. دار توبقال، البيضاء. ط 1/ 1993.

- نقد الشعر. قدامة بن جعفر. تحقيق وتعليق: محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان. (د.ت).

- نقد النثر. منسوب خطأ لقدامة بن جعفر. حققه وعلق على حواشيه: طه حسين، وعبد الحميد العبادي. القاهرة، ط. المطبعة الميرية. بولاق. 1941.

- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. أحمد بن محمد بن خلكان. تحقيق: احسان عباس، دار صادر، بيروت. 1971- 1972.

- يتيمة الدهر في محاسن اهل العصر. أبو نصر عبد الملك الثعالبي. شرح وتحقيق: مفيد محمد قميحة. دار الكتب العلمية، بيروت. ط 1/ 1983.

ج ـ المراجع  باللغة الأجنبية:

1- Critique du Rythme . Henri Meschonnic. Edition verdier/ Paris/ 1982.

2- Poétique Arabe. Essai sur les voie d’ une création. Jamal Eddine benchikh. Edition Anthropos. Paris 1975.

3- La Structure du Texte Artistique/ Louri lotman. Bibliothique des sciences Humaines. N.R.F. Gallimard. Paris 1973.

د ـ المقالات:

1- ابن قتيبة محاور الماضي ومبرمج المستقبل. نزار التجديتي. مجلة دراسات سيميائية أدبية لسانية. العدد 7/ 1992.

2- أدبية النص في البلاغة العربية، في ضوء المشروع والمنجز من كتاب سر الفصاحة. محمد العمري. مجلة دراسات أدبية ولسانية. العدد 4/ 1986.

3- الإطار الشعري وفلسفته في النقد العربي القديم. يوسف حسين بكار. مجلة فصول. المجلد السادس. العدد الأول. أكتوبر. نونبر. ديسمبر/ 1985.

4- الايقاع الموسيقي في شعر ابن زيدون. شوقي ضيف. مجلة الثقافة، دمشق. العدد 2/ 1975.

5- البحث عن قصيدة البيت الواحد. خليفة محمد التليسي. مجلة الآداب. العدد 6- 9/ 1975.

6- بنية التقابل والتوازن – قراءة في البلاغة العربية.محمد العمري. مجلة دراسات أدبية ولسانية. العدد 6/ 1987.

7- البنية الصوتية في الشعر العربي بين الانشاء والكتابة. المقصورات نموذجا. محمد الدناي. مجلة دراسات ادبية سيميائية لسانية. ع 2/ 87- 88.

8- البنية الطوباوية لقصور الحمراء. إلى صناع الحمراء في ذكرى المائة الخامسة من سقوط غرناطة. ترجمة المؤلف: جوسيه ميغل بويرطا. مجلة العرب والفكر العالمي. ع 29/ 1992..

9- تحليل إيقاعي لقصيدة السياب: "غريب على الخليج". سيد البحراوي. مجلة البحوث والدراسات العربية. ع 12/ 1985.

10- تداخل المصطلحات وإشكالية الأنماط الشعرية العربية الضائعة. محمد الدناي. مجلة كلية الآداب فاس.ع 4/ 1988.

11- تداخل النقدي والشعري وإشكالية الخطاب النقدي الصامت – القصيدة العباسية نموذجا. محمد الدناي. مجلة دراسات أدبية لسانية. ع 5/ 1991.

12- عيوب القافية. قصور الأداة أم بلاغة التقنية. محمد عبد الصمد الاجراوي. مجلة دراسات سيميائية أدبية لسانية. ع 4/ 1990.

13- في التشخيص الأسلوبي الاحصائي للإستعارة. سعد مصلوح. مجلة الحياة الثقافية التونسية. ع 46/ ديسمبر 1987.

14- قانون التناسب. ابن حزم القرطاجني بين بنية الايقاع والتركيب اللغوي. علوي هاشم. مجلة الحياة الثقافية التونسية. عدد 45/ نوفمبر 1987.

15- قضية النبر في الشعر العربي. ملاحظات حول منهج دراستها. سيد بحراوي. ضمن "دراسات في الفن والفلسفة والفكر القومي في شرف المغفور له عبد العزيز الأهواني" مطبوعات القاهرة، مصر: 1984.

16- لسان الدين بن الخطيب. الكاتب الساخر. عبد الله كنون. مجلة البحث العلمي. المركز الجامعي للبحث العلمي الرباط، جامعة محمد الخامس. ع 2/ ماي، غشت 1964.

17- محنة ابن زيدون كما يصورها شعره. عبد المنعم خفاجي. مجلة الثقافة، دمشق، عدد 2/ 1975.

18- مخلع البسيط ليس من البسيط، بحث عن الهوية الموسيقية لبحر فقد هويته من خلال ديوان مهيار اليلمي. محمد الدناي. مجلة كلية الآداب، فاس. عدد 10/ 1989.

19- معاناة القدماء للشعر. الصعوبات التي يلاقونها عندما ينظمون الشعر وكيف يتغلبون عليها. طرقهم في استجداء الشعر. محمد بن عبد الجليل،  ضمن "القراءة والكتابة". منشورات جامعة تونس الأول. سلسلة ندوات، عدد 1. تونس 1989.

20- مفهوم الوصف بين النظرية والتطبيق. العياشي السنوني. مجلة كلية الآداب فاس. عدد 4/ 1988.

21- ملاحظات حول الشكل في شعر عمر بن أبي ربيعة. صالح بن رمضان، مجلة حوليات الجامعة التونسية. ع 28/ 1988.

22- من أصول الشعر العربي القديم – الأغراض والموسيقى. دراسة نصية. ابراهيم عبد الرحمان محمد. مجلة فصول. المجلد الرابع. عدد 2/ 1984.

23- موقف حركة التجديد في مصر من موسيقى الشعر. أحمد يزن. مجلة الموقف. عدد1/ مارس 1987.

24- نشأة النقد العربي وقضاياه. عبد الله الطيب. مجلة دراسات أدبية ولسانية, عدد 2/ 1986.

25- نظرية النظم بين المعتزلة والشاعرة. احمد أبو زيد. مجلة كلية الآداب، فاس. عدد 4/ 1988.

26- النقد الأدبي ودراسة الأغراض الشعرية. رضا الحبيب السويسي. مجلة الحياة الثقافية التونسية. عدد 3/ السنة الأولى. نوفمبر 1975.

 

فهرس الموضوعات

ـ الاهداء

ـ مقدمة:

ـ سياج أولي:

ـ مدخل نظري: قضية تناسب الوزن والغرض في النقد الأدبي:

ـ تقديم:

1 ـ في النقد الأدبي القديم:

                1ـ 1ـ الوزن والمزسيقى

                1ـ 2 ـ الوزن والبيئة الحضارية:

                1ـ 3 ـ الوزن والمعنى:

                1 ـ 4 ـ الوزن والغرض:

                               1ـ 4 ـ أ ـ الفلاسفة المسلمون

               1ـ 4 ـ ب ـ حازم القرطاجني:

                1 ـ 5 ـ الوزن والطبائع:

2  ـ تناسب الوزن والغرض في الدرس النقدي الحديث:

                2 ـ 1ـ الاتجاه الانطباعي:

                2 ـ 2 ـ  لاتجاه الاحصائي:

2 ـ 3 ـ الاتجاه الايقاعي:

خلاصة:

ـ الفصل الأول: الدلالات الإحصائية العامة لأوزان الشعر الأندلسي وأغراضه:

ـ تقديم:

1 ـ ترتيب الشعراء حسب كمية أشعارهم:

2 ـ شيوع الأوزان:

3 ـ الدلالات العامة لنسب الأوزان وشيوعها:

أـ المجموعة الأولى المهيمنة:

ب ـ المجموعة الثانية المتوسطة الهيمنة:

ج ـ المجموعة الثالثة الضعيفة الهيمنة:

د ـ المجموعة الرابعة الناذرة الشيوع:

ـ استنتاجات:

4 ـ الأغراض الشعرية:

أ ـ تعددها:

ب ـ نسبتها من الشيوع:

ـ استنتاجات:

ج ـ دلالاتها العامة:

أ ـ المجموعة الأولى المهيمنة:

ب ـ المجموعةالثانية المتوسطة الهيمنة:

ج ـ المجموعة الثالثة الأقل هيمنة:

د ـ المجموعة الأخيرة الناذرة:

ـ استنتاجات:

ـ الفصل الثاني: القراءة الأفقية لقضية تناسب الوزن والغرض:

ـ تقديم:

1 ـ  الطويل:

2 ـ  الكامل:

3 ـ  البسيط:

4 ـ  الوافر:

5 ـ  الخفيف:

6 ـ  السريع:

7 ـ  المتقارب:

8 ـ  الرمل:

9 ـ  م. الكامل:

10 ـ  مخ. البسيط:

11 ـ  المنسرح:

12 ـ  م. الرمل:

13 ـ  المجتث:

14 ـ  م. الرجز:

15 ـ  المديد:

16 ـ  الرجز:

17 ــ م. الخفيف:

18 ـ  م. الوافر:

19 ـ الهزج:

20 ـ  المتدارك:

21 ـ  مشط. الرجز:

22 ـ م. البسيط:

23 ـ المقتضب:

24 : منهـ. المنسرح:

25 ـ 1ـ م. المتقارب:

25 ـ 2ـ المضارع:

25 ـ 3ـ منهـ. الرجز:

25 ـ 4ـ مشط. السريع:

ـ خلاصة:

ـ الفصل الثالث: القراءة العمودية لأغراض الشعر الأندلسي وأوزانه:

ـ تقديم:

1 ـ الغزل:

2 ـ المدح:

3 ـ الوصف:

4 ـ الهجاء:

5 ـ الرثاء:

6 ـ الفخر:

7 ـ أغراض أخرى:

ـ خاتمة:

ـ فهرس المصادر والمراجع:

ـ فهرس الموضوعات:



[1]- انظر: العمدة1/246، 248. ج2/752، 771، 798، 824 ،827، 839، 844، 854، 1059. وقارن بقسمة ثعلب. قواعد الشعر، ص: 35، 37. وانظر: نقد النثر، ص: 89، 90. والبرهان في وجوه البيان: 170، 171، والمثل السائر:4/7. والوافي في نظم القوافي811.5 كنو، ص:43. ومنهاج البلغاء: 351، 352، 336، 340، 349 .

[2]  - منهاج البلغاء: 349.

[3]  - وقد أرجع  "Graf Schack" عناية الأندلسيين بالغزل إلى غلبة الدم الجرماني الروماني عند أولئك الشعراء الذين لا ينتمون إلى الساميين في الواقع إلا باللغة. (تاريخ الأدب العربي لبروكلمان، ترجمة رمضان عبد التواب، دار المعارف، ط 2، (د.ت)، ج 5/118.

[4]  - نقد الشعر: 134.

[5]  - نفس المرجع: 134.

  [6]- انظر العمدة: 2/753.

[7]  - نقد الشعر: 134.

[8] - انظر: اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري ليوسف حسين بكار. دار الأندلس، بيروت، ط 2، (د. ت)، ص: 45-49، والأوصول الفنية للشعر الأندلسي ـ عصر الإمارة: 175-252، والبيئة الندلسية وأثرها في الشعر ـ عصر ملوك الطوائف: 454، وتاريخ الشعر العربي حتى آخر القرن الثالث الهجري: 147، 148. وقد أبدت الأستاذة فاطمة طحطاح  تبرمها من هذا التقسيم. حيث تقول: " قد نجد شاعرا يصف المفاتن والأعضاء الجسمية للمرأة... ويكون أعف وأصدق تجربة وأخلص في حبه من شاعر يشكو الهجر والصدع واللواعج، فقد يكون أحيانا أفحش في نظريته، وفيما يتمناه ويقاسيه من الحرمان الجنسي، أو الوصال بتعبير القدماء. (الشعر في عهد المرابطين في الأندلس والمغرب)، رسالة لنيل د.د. ع، مرقونة بكلية آداب الرباط تحت رقم: 811.5 طحط، ص: 132.

 [9] - انظر: المعجم الأدبي، مادة [غزل]، ص: 186، 187. ومنهاج البلغاء: 304.

[10]  - منهاج البلغاء: 304.

 [11]- انظر: لسان العرب مادة [نسب]، [غزل]، [شبب]. ومن جملة ما يتعلق بالنسيب: "التشوق والتذكر لمعاهدة الأحبة بالرياح الهابة والبروق اللامعة والحمائم الهاتفة، والخيالات الطائفة، وأثار الديار الدوارس، ومقاساة طول الليل، وجميع ذلك إذا ذكر احتيج أن تكون فيه أدلة على عظيم الحسرة والحنين وشدة الأسف". (نقد الشعر :134 ـ 135 )، وانظر: الصناعتين، 146، ومنهاج البلغاء: 304.

[12] - نقد الشعر : 134.

[13] - الصناعتين: 146.

[14] - العمدة: 2/752. وانظر: الوافي في نظم القوافي .811.5 كنو، ص:44، ومنهاج البلغاء 230، 310، 315.

[15] - انظر: رسالة مراتب العلوم ضمن "رسالة ابن حزم"، تحقيق: إحسان عباس، ط ، مكتبة الخانجي بمصر، ومكتبة المثنى ببغداد، (د.ت)، ص:66، وكتاب: طزق الحمامة في الألفة والآلاف لابن حزم، تحقيق: حسن كامل الصيرفي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، (د.ت). فقد تضمن دعوة إلى التعفف في العلاقات العاطفية، ما بين الصفحات142 وما بعدها. وانظر العقد الفريد لابن عبد ربه، تحقيق: أحمد أمين، أحمد الزين، وابراهيم الابياري. دار الكتاب العربي، بيروت: 1986، ج5/281. ويوجد رأي عبد القاهر الجرجاني على خلاف ذلك. انظر دلائل الاعجاز في علم المعاني، تصحيح محمد رشيد رضا. دار المعرفة، بيروت، ط :1982، ص:9

[16] - منهاج البلغاء: 205.

[17] - البيئة الأندلسية وأثرها في الشعر، عصر ملوك الطوائف: 454. وانظر: الأدب العربي في الأندلس لعبد العزيز عتيق. دار النهضة العربية، بيروت، ط 2/1976، ص: 170.

[18]  - انظر: الأصول الفنية للشعر الأندلسي، عصر الإمارة. ص: 252، 253.

[19]  - منهاج البلغاء: 206.

[20]  - المرشد: 389.

[21]  - ديوان حازم. ق: 40، ص:112.

[22]  - ديوان المعتمد بن عباد. ق: 42/ ص:51.

[23]  - ديوان يوسف الثالث. ق، ص: 29.

[24]  - صفح السيف وصفحه: عرضه. والجمع أصفاح، وصفحتا السيف: وجهاه. اللسان، مادة: صفح.

[25]  - المرهف: الفرس اللاحق البطن، المتقارب الضلوع، وهو عيب. اللسان، مادة: رهف وأنــــي مقــــتـــول، لما قــيل: "حانت".

[26]  - ديوان ابن سهل. ق: 16، ص: 73.

[27]  - الصدغ: ما انحذر من الرأس إلى مركب اللحيين، وقيل: هو ما بين العينين والأذنين. اللسان، مادة: صدغ.

[28]  - ديوان ابن سهل. ق: 167. ص: 414.

[29]  - ديوان ابن عبد ربه. ق، ص: 90

- [30]  رجل أشهل العين، بين الشهل وعين شهلاء، أن يشوب سوادها زرقة. اللسان، مادة: شهل.

[31]  - المرشد: ج 1/246، 415.

[32]  - مقدمة الاليادة: ج 1/92.

[33]  - ديوان ابن زيدون. ق، ص: 183، 184.

[34] - ديوان ابن الآبار. ق: 100، ص: 220- 222. وطالع القصيدة:

ياقرة العين إن العين تهواك       فما تقر بشيء غير مراك

[35] - ديوان الأعمى التطيلي. ق: 82، ص: 248. وطالع هذه المقطوعة:

ركبت هول الهوى من غير تجربة      وراكب الهول محمول على العطب.

[36] - ديوان ابن زقاق. ق: 72، ص: 207.

[37] - النطاق: شبه إزارفيه  تكة كانت المرأة تنتطق به، وجمعه مناطق. اللسان، مادة: نطق.

[38] - ديوان ابن فركون. ق، ص: 261. وطالع القصيدة:

وما كنت أهوى ربع سلمى وإنما      أحب الحمى من أجل من سكن الحمى

[39]  - انظر: الأسلوب، دراسة بلاغية تحليلية لأصول الأساليب الأدبية لأحمد الشايب، مكتبة النهضة المصرية، مطبعة السعادة، ط 1، (د.ت)، ص:87-84.

[40]  - انظر رأي عبد الله الطيب في هذه الوزان (المرشد إلى فهم أشعار العرب، ج1/153، 192، 322 ، 332، 350). ويعتبر الوافر في رأي  طاهر لبيب  من البحور التقليدية، بينما اعتبر السريع والمتقارب والخفيف من البحور الغنائية. انظر: (سوسيولوجيا الغزل العربي، الشعر العذري نموذجا .ترجمة مصطفى المسناوي، منشورات عيون، دار الطليعة ، البيضاء، ط 1987، ص: 173 – 174)

[41] - منهاج البلغاء: 205.

[42]  - لم يتوان محمد النويهي في الأخذ بهذه الصفة في كتابيه: "الشعر الجاهلي. منهج في دراسته وتقويمه، ج 1/61، وشخصية بشار، ص: 172، 266 ،267 أثناء تحليله لرائية بشار (قد لامني في خليلتي عمر)، ونونيته التي منها:

لولا رضى الخليفة ما          أعطيت ضيما علي في شجن.

                                                        

[43]  -  المرشد: 1/ 175 – 183.

[44]  - ديوان أمية الداني، ص: 157.

[45]  - أقبل في قرمزية: خرج في زينته، قال كالقرمز، هو صبغ أحمر. اللسان، مادة: قرمز.

[46]  - إن عبد الله الطيب كثيرا كما يلجأ في تقرير أحكامه إلى الاستعانة بقصائد خارجة عن إطار الوزن الذي يشتغل عليه. انظر على سبيل المثال الصفحتين: 181 و182 من جزء كتابه الأول. ومثل هذه المقارنات التي تتم خارج الوزن الواحد، غالبا ما تكون نتائجها قاصره، إن لم تؤد بثاحبها إلى الوقوع في الخطأ والزلل.

[47]  -  انظر: موسيقى الشعر العربي 18 -19، واتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري: 539، واتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري:341

[48]  - راجع نسبة الغزل من هذه الأوزان هناك فستجدها على خلاف ما تمليه الدراسة العمودية.

[49] - المرشد: 1/87، (79-80)، (98-101)، 107، (243-245)، (116-120)، (94-97)، (76-77)، (102-103).

[50] - مقدمة الإليادة: 1/ 94.

[51] - من أصحاب هذا الرأي الدكتور شوقي ضيف: (الفن ومذاهبه في الشعر العربي. ص:163. والشعر والغناء في المدينة ومكة لعصر بني أمية. ص:85- 86). ونجيب البهبيتي (تاريخ الشعر العربي حتى آخر الثالث الهجري: 145-146). ومصطفى هدارة  (اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري: 536)، واسماعيل سعد شلبي (الأصول الفنية للشعر الأندلسي، عصر الإمارة، 361)، ومصطفى عوض الكريم (فن التوشيح، ص: 66)، وطه ابراهيم (تاريخ النقد الأدبي عند العرب من العصر الجاهلي إلى القرن الرابع الهجري: 98).

[52] - في الشعر الإسلامي والأموي. عبد القادر القط، ص:251-252. وملاحضات حول الشكل في شعر عمر بن ربيعة. مقال صالح بن رمضان، ضمن مجلة حوليات الجامعة التونسية، عدد 28 سنة 1988، ص: 305-307.

[53] - اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري: 342- 345.

[54]  - انظر موسيقى الشعر العربي ـ مشروع دراسة علمية، 84- 85، وموسيقى الشعر: 193- 196، والأسس الجمالية في النقد العربي:375-376، والتفسير النفسي للأدب، ص: 59، 60، 81، 82.  والنقد الأدبي الحديث: 468. والشعر الجاهلي، منهج في دراسته وتقويمه : 60-62. فهذه الرؤية ترفض الانصياع لخصائص الوزن المجردة، وتفتح المجال لهذا الخير لاحتضان حالات انفعال مختلفة ترتبط بنوع الايقاع ودرجته.

[55]  - انظر: نقد الشعر، 94. ونقد النثر المنسوب خطأ لقدامة. ص: 90، والعمدة: 1/78، 82، 649. والمنزع البديع في تجنيس أساليب  البديع، للسجلماسي. ص: 274، 218.

[56]  - نقد الشعر: 138.

[57]  - انظر: الشعر في عهد المرابطين والموحدين بالأندلس، محمد مجيد السعيد، ص:158، والأدب العربي في الأندلس: 174.

[58]-  موسيقى الشعر: 196. 

[59]  - يثبت الاحصاء وجود أربعة أوزان فقط ذات نسب قصائدها في الغزل عن المقطعات وهي الهزج، ومجزوء الرجز ومشطوره، ثم المتدارك الذي جاءت منه قصيدة واحدة من نظم أبي حيان الأندلسي معدلها (0.44%)

[60]  -  ميزة الميل في الغزل إلى المقطعات، تعم جميع شعراء الأندلس باستثناء ابن فركون الذي غلب  جانب القصائد فبلغ بها تسع قصائد مقابل مقطوعة واحدة. والأهم من ذلك ان هذا الغرض رغم ميله إلى القطع القصار، فقد جاءت أغلب مقطعاته من الأوزان الطويلة. أما نسبته من الأوزان القصيرة والمجزوءة، فلا تشجع على القول برأي ابراهيم أنيس في الغزل الثائر الذي ربطه بالقصائد القصار، وشدها معا إلى الأوزان القصيرة والمعتدلة.

[61]  - انظر: فنية التعبير في شعر ابن زيدون للدكتور عباس الجراري. ص: 16. ومحنة ابن زيدون كما يصورها شعره، مقال الدكتور عبد المنعم خفاجي. مجلة الثقافة، دمشق، عدد 2/ 1975، ص: 11-18. والايقاع الموسيقي في شعر ابن زيدون، مقال شوقي ضيف ضمن المجلة نفسها، ص: 5.       

[62]  - ديوان ابن عبد ربه، ص: 86- 87.

[63]  - ديوان ابن زيدون، ص: 149.

[64]  - ديوان ابن عبد ربه، ص: 140.

[65]  - القذال: جماع الرأس من الإنسان. اللسان، مادة: [قذل].

[66]  - لقد كانت هذه الرؤية وليدة التطور الحضاري الذي وصلت إليه البيئة الأندلسية بما أتاحته للمرأة من مكانة اجتماعية، مثلث "ولادة" إحدى مظاهرها الهامة. انظر: الأمراء الأمويين الشعراء في الأندلس، دراسة في أدب السلطة . ابراهيم بيضون، دار النهضة العربية، بيروت، (د.ت)،ص: 134- 135.

[67]  - ديوان ابن عبد ربه، ص: 140.

[68]  - ديوان ابن زيدون، ص: 187.

[69]  - فنية التعبير في شعر ابن زيدون، ص: 34.

[70]  - المرجع نفسه: 35. وطالع القصيدة الأولى (ديوانه :406)

لبيض الطلى ولسود اللمم     بعقلي – مذ بن عني – لمم

وطالع الثانية (ديوانه: 127)

وغصن ترشف ماء الشباب     ثراه الهوى، وجناه الأمل

[71]  - انظر: التفسير النفسي للآدب، 60 -81. والأسس الجمالية في النقد العربي: 375- 376. والنقد الأدبي الحديث: 468.

[72]  - الشعر الجاهلي، منهج في دراسته وتقويمه: 61.

[73]  - يجمع هذا الغرض بين مجموعة من القصائد والمقطعات التي قيلت في التهاني، إذ يصعب التمييز بينهما أحيانا. انظر (المنهاج: 352).

[74]  - انظر: مادة [مدح]، لسان العرب، والمعجم الأدبي: 245. والمصطلح النقدي في نقد الشعر، دراسة لغوية تاريخية نقدية. إدريس الناقوري. ص: 354.

[75]  - نقد الشعر: 96.

[76]  - المصدر نفسه: 95 ـ 110. وانظر: العمدة: 2/771، 784. وسر الفصاحة: 265- 266. ومنهاج البلغاء: 169.

[77]  - منهاج البلغاء: 351.

[78]  - المصدر نفسه: 330.

[79]  - راجع: العمدة: 1/347، 388. ومنهاج البلغاء: 351. والشعر والشعراء: 82- 83. ومقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي. حسين عطوان، ص: 118، 130، 139، 151، 173.

[80]  - وهذه العوامل لا تخرج في نظر درويش الجندي عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. (ظاهرة التكسب وأثرها في الشعر العربي ونقده، ص: 87). وانظر: "ابن قتيبة محاور الماضي ومبرمج المستقبل من خلال مقدمة الشعر والشعراء". مقال: نزار التجديتي، منشورات دراسات سال، العدد 7/1987، ص: 48.

[81]  - الشعر والشعراء: 83.

[82]  - منهاج البلغاء: 205.

[83]  - انظر قطع ديوانه الموجودة تحت رقم: 3،5 ، 10، 12، 13، 15، 17، 24، 30، 34، 37.

[84]  - المصدر نفسه، القطع رقم : 2، 4، 7، 14، 18، 22، 23، 33، 38.

[85]  - المصدر نفسه، القطع رقم: 16، 20، 26، 27، 42.

[86]  - انظر مقدمة الاليادة، 1/92.

[87]  - انظر المرشد، 1/ (156-157)، ( 164-165-167-168)، (185-186)، (192-195)، 246-314-321-324)، (332-336)، 406،431.

[88]  - موسيقى الشعر: 196. ورغم  ما يمكن أن يقال عن المدح، فإن التوتر النفسي يعتبر من أهم الفعاليات التي تصاحب إبداع الشعر. غير ان الكيفية التي ينتج لها المبدع عمله الشعري لا تستغل فيها الفعاليات النفسية وحدها، بل تظل الذات في ارتباط دائم بالإطار الشعري وبالوضع الاجتماعي والسياسي، وبالظروف المادية للشخص المبدع. ويكون العمل الشعري نتيجة من نتائج هذه العناصر مجتمعة، حيث يصبح من غير المعقول القول بأن المدح لا يعبر في جوانبه عن حالة المبدع النفسية. انظر: (النقد النفسي المعاصرـ تطبيقاته في مجال السرد. حميد الحميداني، ص:47)

[89]  - النقد الأدبي الحديث: 468.

[90]  - انظر: موسيقى الشعر، 196. والتفسير النفسي للأدب: 81.

[91]  - تشير النتائج الاحصائية إلى غلبة النفس الطويل على مدائح الطويل والكامل والبسيط. وهي في الوافر  والمتقارب والخفيف والسريع، أكثر ميلا إلى المقطعات القصيرة . انظر الجدول رقم "39 "،ص؟؟؟

[92] -  المقصود بهذه العبارة ما تعانيه النفس الشاعرة من متاعب يومية تؤرق ذهن الشاعر، فتلقي به إلى طرق الأبواب طلبا للأمان.

[93]  - ديوانه، ق/ ص: 154-155.و طالعها:

                           أمنها سرى طيف إلى حبيب       وليس سوى نجم السماء رقيب

[94] - المرع الكلأ، ومرع المكان والوادي: أخصب. اللسان، مادة: [مرع].

[95]  - انظر: عيار الشعر:15. وظاهرة التكسب وأثرها في الشعر العربي ونقده: 87. والشعر الجاهلي، خصائصه وفنونه. يحيى الجبوري: 249. وبناء القصيدة في النقد العربي القديم في ضوء النقد الحديث: 271. ومناهج الدراسات الأدبية. حسن الواد: 40. ونقد الشعرعند العرب حتى القرن الخامس للهجرة. أمجد الطرابلسي: 229.  والشعرية العربية، الأنواع والأغراض. رشيد يحياوي: 90.

[96]  - مقدمة ديوان ابن الخطيب: 20.

[97]  - انظر مقال احمد بن عبد الجليل: "معاناة القدماء للشعرـ الصعوبات التي يلاقونها عندما ينظمون الشعر وكيف يتغلبون عليها، طرقهم في استجداء الشعر . منشورات جامعة تونس الأول 1988ع 1/ 1989. ص: 141-142.

[98]  - يمكن ان نمثل لذلك بمدائح ابن دراج في المنصور العامري، وفي ذلك يقول محمود مكي: "فهو مدح لا يقوم فقط على الطمع والرغبة ... وإنما المصدر الأول فيه هو شعور قوي من الإعجاب بشخصية الممدوح". (مقدمة  ديوان ابن دراج :38). ولعل الشهادة التي أدلى بها ابن خفاجة في حق مدائحه، خير شاهد على صدق مشاعره تجاه ممدوحيه حين قال: "فعطفت هنالك على نظم القوافي عناني، وسننتها عند ذلك حللا على معاطف سلطاني، مصطنعا لا منتجعا، ومستميلا لا مستنيلا، اكتفاء بما في يدي من عطايا منان، وعوارف جواد وهاب.." (خطبة ديوانه: 8). وقد أخذ بنزعته هذه ابن اخته الشاعر ابن زقاق، إلا انه لم يلتزم بذلك في جميع مدائحه. هذا وتعتبر القصائد التي قيلت في مدح النبي (ص) أكثر هذه النماذج استجابة لعواطف الشعراء وصدق معاناتهم.

[99] - انظر: الشعر في عهد المرابطين في الأندلس والمغرب. 881.5 طحط، ص: 198-199.

[100] - هو علي بن يحيى بن تميم بن المعز الصنهاجي صاحب افريقية، وليها بعد وفاة ابيه سنة 509هـ (الأعلام: 5/32).

[101] - ديوانه، ق: 139، ص: 240-244. ونماذجها [من الطويل] أيضا، ق: 34، 35، 36، 93، 132،199، 246، 248، 256، 286. [من الكامل] .ق: 36، 64، 82، 137، 144، 247، 254. و[من البسيط]، ق: 127، 218، 255، 239.

[102] - مقدمة ديوان ابن حمديس:12، وانظر الصفحتان: 5 -6 من نفس الديوان.

[103] - وتحوز هذه جميع القصائد التي قيلت في الصراع السياسي الديني والتي تدخل ضمن التجربة الجماعية. وتضم أيضا قصائد الاستنجاد والاستصراخ. ونصيب هذه الأغراض من الأوزان الطويلة لا يختلف عن وضعها في القصائد المدحية الخالصة. انظر الجدول رقم"8": ص: ؟؟؟

[104] - ديوانه، ق: 40

[105]  - هو تميم بن المعز بن بادس بن منصور، أبو يحيى الصنهاجي من ملوك الدولة الصنهاجية بافريقيا الشمالية، ولد بها في المنصورية، وولاه أبوه المهدية سنة 445. وقد اعتلت أموره في أوخر أيامه فكان يتنقل بين المهدية وقابس وجربة وصفاقس، إلى أن توفي بالمهدية، وذلك سنة 501هـ . (الأعلام 2/88).

[106]  - فالرجل كان ضريرا ينطوي على حزن عميق لما يستشعره من ضياع في ميدان الحياة عامة. والحالة هذه فقد كان عليه أن يتوجه إلى الاسترزاق بشعره.

[107]  -  ونموذجها من [الطويل]، ق: 2، 3، 18، 34، 35، 39، 44، 52، 56، 70، 74. ومن [البسيط]، ق: 5، 19، 41، 75. ومن [الكامل]، ق: 54.

[108]  - يعتمل: يقال تعملت لك أي تعنيت من أجلك.

[109]  - ديوانه، ق: 92. ويدخل في إطار هذا النموذج، كل القصائد التي قيلت في بيعة بعض مدن الأندلس والمغرب. انظر على سبيل المثال: ديوان ابن الابار، ق: 25، 62، 95، 162، 172، 189، 193.

[110]  - من مشاهير ملوك الطوائف، أصحاب بطليوس وما إليها. (نفح الطيب: 3/380)

[111]  - ديوان ابن دراج، ق: 92. وانظر القصائد رقم: 14، 26، 27، 33، 35، 36، 40، 41، 42، 43، 47،  50، 52، 53، 55، 65، 71، 72، 82، 102، 103، 104، 105، 106، 170، 108، 109، 111، 112-، 114، 117، 120، 122، 123، 146، 142.

[112]  -  انظر : مقدمة الاليادة 1/092-93، والشعر الجاهلي منهج في دراسته وتقويمه، ص: 61.

[113]  - انظر : المرشد 1/125. ومنهاج البلغاء: 269. ومقدمة الاليادة: 1/93.

[114]  - انظر : المرشد: 1/126-131.

[115]  - انظر: منهاج البلغاء: 268. والمرشد: 1/175.

[116]  - انظر: الوافي في العروض والقوافي، 196- 197. ورسالة الصاهل والشاحج. للمعري: 258.

[117]  - ديوان امية الداني، ق:/ص: 150-151.

[118]  - ندب: خفيف في الحاجة، سريع ، ظريف، نجيب. وندس: أي فهم سريع السمع فطن. وشرس: إذا تحبب إلى الناس.

[119]  - إن دخول هذا العروض إلى فن المدح، لم يكن مع ابن حزمون الذي كان موجودا سنة 614هـ ، ولا مع  الشاعر أبي بن سكن (تـ 560هـ) كما يشير محمد مجيد السعيد في كتابه الشعر في عهد المرابطين والموحدين بالأندلس، ص:354-355)، فقد توفرت لدي ثلاثة نصوص قديمة ترجع إحداها إلى امية الداني (تـ 529هـ) وهي التي استشهدنا بها اعلاه، وترجع الثانية والثالثة لابن حمديس (تـ 527هـ)، وهما القطعتان: 75 و320.

[120]  - يصل معدل تناسبهما على المستوى الأفقي 80%، بعد إضافة قصيدة واحدة مركبة من (المدح، والتقريظ)، معدلها (10%). انظر الجدول رقم "32"، ص:؟؟؟؟.

[121]  - ديوان ابن الخطيب، ق: 620. وانظر، ق: 616.

[122]  - المرشد: 1/80.

[123]  - مقدمة الاليادة: 1/93.

[124]  - انظر منهاج البلغاء: 268-269. والمرشد: 1/140. ومقدمة الاليادة: 1/94.

[125]  - ديوانه، ق: 35. أما القطعة الثانية فطويلة جدا وتوجد تحت رقم 39.

[126]  - منهاج البلغاء: 268.

[127]  - المصدر نفسه: 238.

[128]  - المصدر نفسه: 330.

[129]  - ديوان حازم، ق: 8.

[130]  - الأرب : الحاجة.

[131]  - هو يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي الحفصي، أبو زكريا من ملوك الدولة الحفصية بتونس، (تـ :647هـ ). الأعلام: 8/155-156.

[132]  - ديوان حازم، ق: 41.

[133] ـ انظر: تقديم محمد الحبيب بن الخوجة لكتاب منهاج البلغاء، ص: 45 ـ 60.

[134] ـ ديوان حازم. ق: 41.

[135]  - الخلم: الصديق.

[136]  - صنفت الدابة صنوفا إذا قامت على ثلاث وثنت سنبك يديها الرابع.

[137]  - اللحاء: ممدودة: الملاحاة كالسباب. واللحاء اللعن. والحين بالفتح: الهلاك.

[138]  - انظر: الجدول رقم : 40، ص:؟؟؟؟.

[139]  - انظر: لسان العرب، مادة [وصف]

[140]  - انظر عل سبيل المثال مقدمة المرزوقي لديوان الحماسة: 9. والعمدة 2/1059.

 ملامح الشعر الأندلسي: 205-206.

[142]  - نقد الشعر: 130.

[143]  - أبو هلال العسكري (الصناعتين 145). وابن رشيق (العمدة 2/1059). وأبو الطيب صالح بن شريف الرندي (الوافي في نظم القوافي: 811.5، كنو. ص؟؟؟ ). وحازم القرطاجني (منهاج البلغاء: 71، 105، 336).

[144]  - منهاج البلغاء: 105.

[145]  - انظر تمييز قدامى وابن رشيق بين الوصف والتشبيه (نقد الشعر: 124- 130). و(العمدة 2/1059). وانظر: "مفهوم الوصف بين النظرية والتطبيق" مقال العياشي السنوني ضمن مجلة كلية الاداب ـ فاس، ع 4/ 88، ص: 189.

[146]  - انظر: المنزع البديع، 218.

[147]  - نقد الشعر عند العرب حتى القرن الخامس للهجرة: 240.

[148]  - انظر: نقد الشعر، 130-133. والصناعتين: 145. والعمدة 2/1071.

[149]  - العمدة : 2/1059. وانظر : الوافي في نظم القوافي، 811.5 كنو، ص:103.

[150]  - منهاج البلغاء: 336.

[151]  - انظر : العمدة: 2/1061.

[152]  - تحاشينا إيراد النماذج التي استشهد بها أبو الطيب صالح بن شريف الرندي (تـ 684هـ ) لتأخره زمنيا عن النقاد القدامى الذين كان لهم أكبر الأثر في توجيه الشعراء السابقين لعصره، وثانيا: لأنه ينقل عن شعراء أندلسيين من أمثال ابن خفاجة، وأمية الداني، وابن حمديس، والرصافي البلنسي، والمعتمد بن عباد، وابن هاني. ودراستنا في غنى عن هؤلاء ما دامت تقدم إحصاء شاملا بمجموع نتاجهم الشعري.

[153]  - من جملة الأوزان التي غيبها الشاهد الشعري ولم تخل من الشعر الجاهلي: مجزوء البسيط (4.61%)، والهزج (2.40%)، والمديد (1.42%). انظر الجدول  رقم: 43. ص: ؟؟؟.

[154]  - لقد أتحفنا حازم بقطعتين من سبعة أبيات، إحداهما من الطويل (ديوانه. ق: 21)، وثانيهما من الكامل (ديوانه ق:1)، وسلك فيهما مسلك الشعراء المهتمين بالرؤية البصرية التي أكد عليها قدامة بن جعفر  ومن سار في ركبه.

[155]  - مقدمة الاليادة: ص:1/91-92-92. وبخصوص البسيط، فإنه لم يشر صراحة إلى صلاحيته لغرض الوصف، ولكنه اكتفى بالقول بقرب هذا الوزن من الطويل وأنه لا يتسع مثله لاستيعاب المعاني، ولا يلين لينه للتصرف بالتراكيب والألفاظ. (المرجع نفسه: 1/91) وانظر: المرشد 1/193، 260، 262، 375، 376، (415-421)، (146-148)، (209-225)، (125-126)، (238-239)، 84.

[156]  - المرشد: 1/312، 314، 316.

[157]  - المرجع نفسه: 1/185، 119، (125-126)، 102، 96، 84.

[158]  - المرجع نفسه: 1/(146-148)، (202،209،225)، (125-126).

[159]  - انظر الجدولين رقم: 41 و43. ص: ؟؟؟؟

[160]  - مقدمة الالياذة: 1/94.

[161]  - المرجع نفسه: 1/94.

[162]  - ان استعمال الدارس لصيغ التفضيل (أجود، إذا جاد ، يجود، يحسن، أصلح) تحتمل وعي الرجل باتساع الوزن الواحد لأغراض متعددة. وقد استعمل هذه الصيغ في اوزان الكامل والخفيف، والرمل، والسريع، والرجز، وكذا المتقارب. كما استعمله في أوزان: المضارع، والمقتضب، والمجتث، والهزج. أنظر: مقدمة الالياذة 1/92-94.

[163]  - انظر: البيئة الأندلسية وأثرها في الشعر، عصر ملوك الطوائف، 214. والشعر والبيئة في الأندلس. ميشال عاصي: 11. ويرى أحمد هيكل أن وقوف الأندلسيين على شعر الصنوبري أحمد بن محمد بن الحسن الضبي الحلبي (تـ 334هـ)، وتأثرهم به كان من أسباب نضج شعر الطبيعة الأندلسي وازدهاره". (الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط غرناطة: 278). ورد إحسان عباس إكثار بعض الأندلسيين من غرض الوصف "إلى التكوين النفسي للفرد الذي مارس هذا اللون من الشعر". (تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف والمرابطين: 215.).

[164]  - انظر : الأصول الفنية للشعر الأندلسي- عصر الامارة، 222-223. والطبيعة في الشعر الأندلسي، جودت الركابي:6.

[165]  - الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط غرناطة: 50.

[166]  - انظر: النوريات في الشعر الأندلسي لمقداد رحيم: 81-83. وأدباء العرب في الأندلس وعصر الانبعاث، حياتهم آثارهم، نقض آثارهم لبطرس البستاني: 29. وقصة الأدب في الأندلس لمحمد عبد المنعم خفاجي: 62-63.

[167]  - ونعني بهذه الاختيارات: "كتاب التشبيهات من أشعار الأندلس" لأبي عبد الله محمد بن الكتاني الطبيب (توفي نحو 420هـ)، و"البديع في وصف الربيع، لأبي الوليد اسماعيل بن عامر الحميري (تـ 440هـ ).

[168]  - انظر: مقدمة احسان عباس لكتاب التشبيهات، ص: 16.

[169]  - البديع في وصف الربيع للحميري، ترجمة: هنري بيرس:3.

[170]  - وهي بحسب نماذج "كتاب التشبيهات" مرتبة على الشكل التالي: الطويل(29.18%)، الكامل(24.40%)، الخفيف(10.36%)، البسيط(9.56%)، الوافر(6.85%)، المنسرح(5.42%)، السريع(4.78%)، المتقارب(4.30%)، الرمل(2.07%)، الرجز(1.43%)، الهزج(0.63%)، المديد(0.47%)، المجتث(0.15%)، م.الكامل(0.15%)، م.الرمل(0.15%). وقد اعتمدنا في بناء هذا الاحصاء على التخريجات  التي ذيل بها احسان عباس كتاب التشبيهات من أشعار أهل الأندلس.

[171]  - ديوان ابن عبد ربه. ق، ص: 130، 151، 74، 136، 166، 115.

[172]  - المستن : الشيء إذا نظر إليه من بعيد شبهه بشخوص الناس.

[173]  - اتظر على سبيل المثال: ديوان ابن دراج. ق:17، 20، 18، 22، 19. وديوان ابن اللبانة. ق: 30، 36، 40، 76، 21، 17. وديوان ابن حمديس. ق: 23، 31، 50، 52، 73، 84، 43، 355، 22، 198، 200، 300. وديوان ابن زقاق. ق: 144، 20، 140، 74. وديوان ابن خفاجة: ق:31، 44، 47، 70، 290، 20، 36، 8، 138. وديوان الرصافي. ق: 2، 9. وديوان ابن سهل: ق: 43، 51، 67، 83،96، الخ.

[174]  - انظر موسيقى الشعر: 196.

[175]  - نريد ان نؤكد مرة أخرى تذبذب موقف الاتجاه الايقاعي من قضية الوزن والغرض، فهو مرة يربط الأوزان الطويلة بحالات اليأس والجزع (أنيس، عز الدين اسماعيل، وغنيمي هلال)، ومرة يدع الاختيار للشاعر (غنيمي هلال)، أو يقول بأن البحور لا تختلف في نوع العواطف التي تصلح لها، بل تختلف في درجة العاطفة وثورتها. (النويهي، عز الدين اسماعيل).

[176]  - فن التشبيه: بلاغة، أدب ، نقد. علي الجندي: 2/60.

[177]  - انظر: بناء القصيدة في الشعر الأندلسي. 811.5 حسي: 246. وربما لهذه الأسباب تجده يقبل على المقطعات ولا يستقيم على القصائد إلا في النادر من الأحيان.

[178]  - ديوان ابن حمديس. ق: 43.

[179]  - ديوان ابن زقاق. ق:67.

[180]  - ديوان ابن الابار. ق: 36.

[181]  - الحباب: الحية ، والخباب : نفاخاته وفقاقيعه التي تطفو كانها القوارير، وهي اليعاليل.

[182]  - ديوان ابن خفاجة. ق: 87.

[183]  - أناف: ارتفع به وأشرف.

[184]  - أناخ: جلس.

[185]  - الغربة والحنين في الشعر الأندلسي. فاطمة طحطح: 218.

[186]  - انظر ديوانه. ق، ص: 80، 107، 164.

[187]  - انظر: ديوان ابن خاتمة. ق، ص: (22-25)، (25-27)، (93-94)، (94-97)، 104، 98. وديوان ابن الخطيب. ق: 247، 966، 642، 492، 57، 254، 480، 615، 698، 132.

[188]  - انظر: ديوان ابن شهيد. ق: 41. وديوان ابن الحداد. ق: 60. وديوان أمية بن أبي الصلت الداني. ق. ص: (60-61)، 109، ( 155-156 ). وديوان ابن حمديس.ق: 115. وديوان ابن خفاجة. ق. ص: 115. وديوان ابن الابار. ق:  64، 192. وديوان ابن الخطيب. ق: 204، 224.

[189]  - ديوان ابن عبد ربه. ق،ص: 68، 96.

[190]  - هو محمد بن عبد الرحمان بن الحكم بن هشام الأموي أبو عبد الله. من ملوك الدولة الموية في الأندلس، مولده ووفاته في قرطبة، ولى بعد وفاة أبيه 238هـ، أما وفاته فكانت سنة: 273هـ ، (الأعلام 6/1989).

[191]  - انظر: الأدب الأندلسي، موضوعاته وفنونه: 32.

[192]  - انظر: ديوان ابن الخطيب. ق: 51، 18، 233، 234، 248، 270،321، 326، 366، 127، 128، 141، 154، 200، 226، 290، 442، 558، 653، 95، 693، 166، 462...الخ. وديوان يوسف الثالث. ق. ص: 330، 114. وديوان ابن فركون. ق. ص: 281، 286، 282، 271، 272، 273، 274، 277، 278، 281، 279..الخ. وديوان عبد الكريم القيسي. ق. ص: 241.

[193]  - ديوان ابن الخطيب. ق: 462.

[194]  - البنية الطوباوية لقصور الحمراء. مقال خوسيه ميغل بويرطا، مجلة العرب والفكر العالمي، ع 29/ 1992. ص: 12.

[195]  - انظر ديوان ابن عبد ربه. ق. ص: 105، (76-77)، 82. وديوان ابن هاني. ق. ص: 378، 379، 647، 648، 396، 121، 364. وديوان ابن شهيد. ق: 48، 5، 17. وديوان ابن اللبانة. ق: 63. وديوان ابن حمديس. ق: 87، 91، 146، 166، 212، 251، 329، 61، 211، 250، 200، 462، 252، 276، 51، 259، 315. وديوان ابن زقاق. ق: 107، 124، 22، 46. وديوان ابن خفاجة. ق: 157، 207، 209، 276، 294، 85، 206، 73، 211، 158. وديوان ابن سهل. ق: 56، 68. وديوان ابن الابار. ق: 126. وديوان أبي حيان. ق: 12.

[196]  - هو يحيى بن علي بن حمود العلوي الحسنين من ملوك الدولة الحمودية ممن صار إليهم ملك الأندلس بعد الأمويين، نشأ في دولة أبيه قرطبة، وتلقب بالمعتلي بالله بعد أن صار إليه ملك أبيه (تـ 422هـ ). (الأعلام 8/ 127).

[197]  - ديوان ابن هاني. ق. ص: 364.

[198]  - انظر : "البنية الطوباوية لقصور الحمراء " خوسيه ميغيل بويرطا. مجلة العرب والفكر العالمي. ع 2/ 1992. ص: 16.

[199]  - ديوان يوسف الثالث. ق. ص: 53.

[200]  - انظر: ديوان ابن الخطيب. ق: 478، 552. وديوان يوسف الثالث. ق. ص: 53، 73، 130، 165، 54، (104-105). وديوان ابن فركون. ق. ص: 276، (267-268)، 269، ( 269-270)، 270، (270-271)، 279، (278-279)، 279، 280. وديوان عبد الكريم القيسي. ق: 171، 118، 120، 152، 153، 166، 228، 238، 239، 240، 245، 246، 247، 248، 252.

[201]  - انظر الجدول رقم 43. ص: ؟؟؟؟

[202]  - في الأدب الأندلسي: 114. ولا يفوت صاحب هذا الكتاب، أن يسجل تأثر الشاعر الأندلسي أيضا، بالشعر الأموي والعباسي، وشعر المحدثين وآدابهم .(المرجع نفسه: 63).

[203]  - الشعر الأندلسي، بحث في تطوره وخصائصه. إميليو غرسيه غومس: 94-95.

[204]  - انظر: العمدة. 2/1062.

[205]  - اللسان، مادة [هجأ].

[206]  - انظر: نقد الشعر: 113-117. وعيار الشعر: 18-19. والصناعتين: 120.

[207]  - منهاج البلغاء: 352.

[208]  - الوافي في نظم القوافي: 5/811 كنو. ص: 100

[209]  - الوساطة بين المتنبي وخصومه للجرجاني: 24.

[210]  - العمدة: 2/850.

[211]  - الذخيرة: ق 1/م1/544. وقد ساق منه أمثلة تضمنها المجلد الثاني من القسم الأول: 586.

[212]  - الذخيرة: ق 1/م1/307.

[213]  - العمدة: 2/850

[214]  - هو أحمد بن عباس القرطبي، أبو جعفر: وزير من الكتاب المترسلين. استوزره زهير العاملي الصقلبي، فاستمر معه أن اقتتل زهير وباديس بن حبوس. (ت: 530هـ). الاعلام: ج1/151.

[215]  - الذخيرة: ق1/ م1/307

[216]  - المصدر نفسه: ق1/م 1/546

[217]  - رسالة مراتب العلوم، ضمن "رسائل ابن حزم": 66

[218]  - العمدة: 2/845. وانظر: اللسان، مادة [قذع].

[219]  - العمدة: 2/845

[220]  - حيث تجده مرتبطا بالفخر، "حين يكون هجاء قبليا تحركه الحروب، أو رغبة في الانتقام أو الثأر، ومرتبطا بالمديح حين يتوجه إلى مدح شخص يرجو نواله فيعرض بخصم ممدوحه وينال منه، فيقيم هجاءه على المفاضلة والمخايرة". (الشعر الجاهلي، خصائصه وفنونه: 225)، ونماذج هذين النوعين في الشعر الأندلسي لا تتجاوز نسبة (0.26/). انظر الجدول رقم "6"، ص: ؟؟؟؟

[221]  - انظر: فن الهجاء وتطوره عند العرب: 8 ـ 9. والأدب الأندلسي: 280. والشعر الأندلسي في القرن التاسع الهجري، موضوعاته وخصائصه: 238.

[222]  - الحيوان: 1/37. أما ظهور هذا النوع فيرجعه إليا حاوي إلى العصر العباسي، حيث بلغت الحضارة أوجها، واستنفذ الإنسان طاقته في التحري عن الغاية الكبرى. انظر: فن الهجاء وتطوره عند العرب: 9.

[223]  - دلائل الأعجاز: 11

[224]  - انظر: الأصول الفنية للشعر الأندلسي، عصر الإمارة: 169. والشعر والغناء في المدينة ومكة: 71. والشعرالأندلسي في القرن التاسع الهجري: 239. وربط إحسان عباس قلة الشعر الهجائي في "العصر الموحدي"، بظهور الزجل الذي أصبح يحتل فيه مكانة هامة، لقربه من العامة، وتأثيره عليها. وقدر قلته في "عصر الطوائف" بانعدام حرية التعبير، وخوف الناقمين والمتمردين، من سطوة الحكام. انظر: (تاريخ الأدب الأندلسي، عصر ملوك الطوائف والمرابطين: 139-140).

[225]  - انظر: ابن هانئ الأندلسي، متنبي المغرب. عارف تامر: 86.

[226]  - راجع الجدول رقم "7"، ص ؟؟؟ فستطالعك قصيدة هجائية مرتبطة بالمدح، وأخرى متصلة بالفخر، وقد اعتبرتهما خارج إطار الهجاء كغرض مستقل بذاته. أما الأولى فهي من نظم الأعمى التطيلي (ديوانه. ق: 47)، وأما الثانية فهي من نظم يوسف الثالث. (ديوانه. ق.ص: 115-116).

[227]  - يرجع جودت الركابي هذا التفوق إلى غياب الهجاء السياسي بالمعنى المعروف عند المشارقة في دفاعهم عن العرب، وذم الشعوبية. انظر: (في الأدب الأندلسي: 115-116).

[228]  - العمدة: 2/849.

[229]  - العقد الفريد: 5/296. وانظر: البيان والتبيين: 1/207. والعمدة: 1/1-346-349. والأغاني: 12/264.

[230]  - انظر على سبيل المثال الخلاف الذي وقع فيه ابن شهيد وابن بسام حول نموذج أورده الأول على أساس أنه من مليح التعريض: (الذخيرة: ق 1/م1/307).

[231]  - ومن نماذجه على سبيل المثال: (ديوان الغزال. ق:1. ديوان ابن عبد ربه. ق. ص: 92، (159-160)، 80، 92، 25. وديوان ابن الخطيب. ق: 333).

[232]  - ونماذجه كثيرة جدا، منها على سبيل المثال: ديوان الغزال. ق: 43، 13. ديوان ابن عبد ربه. ق. ص: 19، (30-31)، (158-159). ديوان ابن هانئ. ق: 29. ديولن ابن اللبانة. ق: 80. ديوان ابن زيدون. ق. ص 590، 592، 196، 593.

[233]  - منهاج البلغاء: 329، 331، 335.

[234]  - المصدر نفسه: 327.

[235]  - الحيوان: 3/39.

[236]  - منهاج البلغاء: 334ـ 335.

[237]  - المصدر نفسه: 266.

[238]  - انظر على سبيل المثال: ديوان أمية الداني. ق.ص: 79، (97-98). ديوان  ابن الأبار. ق: 160، 144، 13 م (1). ديوان ابن الخطيب. ق: 29، 672، 663. ديوان عبد الكريم القيسي. ق: 145، 174.

[239]  - ديوان الغزال. ق: 1.

[240]  - ديوان ابن زيدون. ق: 282.

[241]  - ديوان ابن شهيد. ق: 21.

[242]  - هبنقة: نسبة إلى رجل كان أحمقَ بني قيس بن ثعلبة، وكان يقال له ذو الوداعات، واسمه يزيد بن ثروان، وكان يضرب به المثل في الحمق. ومخ رار: ذائب فاسد من الهزال.

[243]  - وتبلغ نسبة هذه الأوزان الثلاثة من المقطعات(50.5٪)، مقابل (49.99٪) من القصائد. وهذا يتنافى مع رأي عبد العزيز عتيق الذي يذهب إلى القول بخلو الهجاء الأندلسي من القصائد، موازاة له بالهجاء المشرقي. انظر: (الأدب العربي في الأندلس: 245).

[244]  - منهاج البلغاء: 268.

[245]  - انظر الجدول رقم: "44"، ص: ؟؟؟

[246]  - منهاج البلغاء: 268.

[247] - انظر: ديوان الغزال. ق: 26. ديوان ابن خفاجة. ق: 125. ديوان ابن الأبار. ق: 23م. ديوان ابن عبدون. ق. ص: 134، 168. وديوان ابن الخطيب. ق: 181، 501.

[248]  -  ديوان الغزال: ق 26.

[249]  - آبدات جمع أبدة: الأمر العظيم الذي ينفر منه ويستوحش

[250]  - هو القاضي يخامر بن عثمان الشعباني. ولاه الأمير عبد الرحمن الأوسط قضاء الجماعة. فعامل الناس بخلق صعب،  ومذهب وعر، وصلابة جاوزت المقدار، فلم تحتمل له العامة ذلك، فسلطت عليه الألسنة وكثرت فيه المقالة. (ديوان الغزال: 68)

[251]  - المرشد: 1/94.

[252]  - انظر مقدمة الالياذة: 1/91-94.

[253]  - ولم يستثن منها سوى: مشط. الرجز، م.الوافر. وقد ذكر في الجزء الأول من كتابه: الطويل، ص 406. والكامل: 258، 265، 274. والبسيط: 431. والخفيف: 195. والوافر: 333. والمتقارب: 312، 314-315. والمنسرح: 175-176. والمجتث: 94. وم.الرمل: 117. وم.الكامل: 99. ومخ. البسيط: 102. والرمل: 125، 131. وم.الخفيف: 74. والهزج: 107.

[254]  - وفي ذلك يقول: "ويستقيم على الطويل كل الاستقامة، شعر الفكاهة، الخالص لها...ثم السخرية الخفيفة المدخل التي يكون موضوعها أمرا عاما لا شخصا بعينه، فإن ذلك يحصر دائرتها ويدخلها في دائرة الحقد، ويبعدها عن العمق، ويقلل من قيمتها، ويضعف من قوتها". (المرشد: 1/406).

[255]  - المرشد: 1/381.

[256]  - المرجع نفسه: 1/406

[257]  - انظر: في البنية الإيقاعية للشعر الجاهي، علاقة البحر بالغرض. 811.1 لمو: 363.

[258]  - انظر على سبيل المثال: ديوان ابن شهيد. ق: 50. ديوان الألبيري. ق. ص: 98. ديوان ابي حيان. ق: 7، 103، 181، 189، 190، 195. ديوان ابن الخطيب. ق: 74، 174، 162، 241، 398، 695، 701. ديوان القيسي. ق: 112، 142، 286.

[259]  - ديوان ابن خفاجة. ق: 310. وهي توجد عندي في باب النصح.

[260]  - وقد ظهر أيضا في إطار هذا النوع من الهجاء ما يمكن تسميته بنقد الشعر، وتوزعت نماذجه ما بين ابن الخطيب (ديوانه. ق: 137)، وعبد الكريم القيسي (ديوانه. ق: 48، 278). وأبيات هذه الأخيرة: (طويل).

وقفت على بيتين من شعر شاعرٍ

 

إليــه انتهى فيما استفاض التَّـــــــخَوُّخُ

ولما بدا لي منــــهُما ما رأَيْتُــــهُ

 

من الضُّعْفِ لا يُرْوَى ولاَ الدَّهْرُ يَنْسَخُ

سَأَلْتُ خَلِيلي ما الجــزاءُ عليهِما

 

فقال الجَـزَا صــــفعُ القَفَا أو يُدَبَّـــــــحُ

 

[261]  - ديوان الغزال: 5. وانظر ديوانه. ق: 17، 46، 48، 64، 9، 54، 8، 14، 38، 39، 21، 66، 59. وديوان ابن عبد ربه. ق/ص: 24، 116، 86، 163. وديوان ابن الحداد. ق: 55. وديوان ابن حمديس. ق: 151، 175.

[262]  - انظر: ديوان الغزال. ق: 23، 24، 26، 49، 60، 62، 68. ديوان ابن شهيد. ق: 1. ديوان ابن زقاق. ق: 143. ديوان ابن خفاجة. ق: 305. ديوان ابن الخطيب. ق: 90، 379، 380، 398، 695، 701، 701، 676، 694، 712، 458، 568، 383، 501، 619. وديوان عبد الكريم القيسي. ق: 142، 165، 175، 191، 194، 250، 265، 274، 277، 193، 109، 303، 217، 113، 192، 23.

[263]  - ديوان القيسي. ق: 165.

[264]  - هو علي بن عبد الله بن محمد بن الحسن الجذامي المالقي النباهي، أبو الحسن المعروف بابن الحسن: قاض من الأدباء المؤرخين...توفي بعد 720هـ. ولد بمالقة ورحل عن غرناطة، ثم ولي خطبة القضاء بها. وكان صديقا لابن الخطيب، ثم انقلبا عدوين، فنال منه ابن الخطيب ولقبه بجعسوس (القصير) ازدراء له. وكتب رسالة في هجائه سماها "خلع الرسن في وصف القاضي ابن الحسن". (الأعلام: 5/121-122).

[265]  - ديوان ابن الخطيب. ق: 670.

[266]  - نفس الديوان. ق: 619. وقد حذفنا البيت الثاني لذهاب شطره الأول في أصل الديوان.

[267]  - انظر منهاج البلغاء: 266. وراجع رأي عبد الله الطيب في الطويل والمجتث: المرشد 1/460-94

[268]  - انظر موسيقى الشعر: 196، 197. والنقد الأدبي الحديث: 468. والأسس الجمالية في النقد العربي: 375، 376. والتفسير النفسي للأدب: 61، 60. والشعر الجاهلي، منهج في دراسته وتقويمه: 61، 62.

[269]  - ديوان القيسي. ق: 23.

[270]  - ديوان ابن سهل. ق: 70.

[271]  - وقد رد الأستاذ عبد الله كنون هذه السخرية، إلى الطبيعة الأندلسية المغراة بالنكتة والفكاهة والتي لا تحتمل الحياة على أنها جد كلها فتسوغها بالبسط والانشراح. انظر: "لسان الدين بن الخطيب: الكاتب الساخر" . مجلة البحث العلمي. ع2/ 1964. ص: 125. وانظر: ظاهرة التورية في الشعر المغربي الأندلسي في القرنين السابع والثامن الهجريين في إطار التواصل بين المشرق والمغرب.811.5 رحم، ص: 161.      

[272]  - انظر: الأصول الفنية للشعر الأندلسي- عصر الإمارة: 168. والشعر الجاهلي- خصائصه وفنونه: 360.

[273]  - إن الأخذ بهذا الرأي له ما يدعمه على مستوى الدراسات التي اهتمت بالتفسير النفسي للأدب. فهذا مصطفى سويف يرفض الأخذ بفكرة التلقائية، ويكاد يحتم الأخذ بفكرة الفعل الموجه. وفي ذلك يقول: "إن القول بأن العمل الفني إبداع على غير مثال، خطأ من بعض الوجوه، أو هو على أقل تقدير، قول غير دقيق إلى حد بعيد". (الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة: 173). 

[274]  - وقد ناسب "الهجاء" جميع الأوزان التي أحصيناها لغرض "المدح" مع اختلاف بسيط في ترتيبها. انظر الجدول رقم: "39"، ص ؟؟؟؟ ولم يشد من أوزانه سوى في المتدارك، والمديد، ومجزوء الرجز، والمقتضب، والرجز. وانفرد بمقطوعة هزجية من نظم ابن عبد ربه. (ديوانه. ق. ص: 158ـ 159).

[275]  - إن مثل هذا الاختيار كثير في الشعر الأندلسي، ولكنه غير مفيد في بناء قاعدة عامة تستجيب لطبيعة موضوع بحثنا، ومثله ما نجده عند البحتري من ميل إلى وزن المتقارب بنسبة (20.39٪)، يليه الطويل، ثم الوافر، ولا يأتي عنده الكامل إلا في الرتبة السابعة. راجع: محاولة في بعض مكونات البنية الإيقاعية في ديوان البحتري 811.8 لكر، ص: 148.

[276]  - انظر : في البنية الإيقاعية للشعر الجاهلي، 811.1 لمو، ص: 363. والرتب هنا تشير إلى نسبة الأبيات.

[277]  - انظر جدول أوزان الشعر الجاهلي وأغراضه (المرجع السابق: 311-325)، واختلاف نسبة شيوعها في الشعر الأندلسي (الجدولين رقم: "6" و"7" ص: ؟؟؟؟؟؟)

[278]  - في البنية الإيقاعية للشعر الجاهلي: 811.1 لمو: 363.

[279] - نفسه: 311-313

[280]  - اللسان، مادة [رثا]. والمعجم العربي الأساسي، مادة [رثى- رثو]

[281]  - نقد الشعر: 118.

[282]  - الوافي في نظم القوافي. 811.5 كنو، : 80-81.

[283]  - فدلالتها اللغوية، تدل على أن "التوجع" معناه التفجع، والتشكي، ورثاء الإنسان إذا وقع له مكروه. مادة. [وجع]. تاج العروس. أما "التأبين"، فيعني مدح الرجل وبكاؤه بعد موته. مادة. [أبّن]. اللسان. و"العزاء": معناه الصبر عن كل ما فقدت. مادة [عزا]. اللسان.

[284]  - العمدة: 2/805

[285]  - منهاج البلغاء: 351. وانظر: الأسلوب دراسة بلاغية تحليلية لأصول الأساليب الأدبية، 86.

[286]  - العمدة: 1/251.

[287]  - البيان والتبيين: 1/225.

[288]  - العمدة:1/251.

[289]  - تاريخ الأدب العربي: العصر الجاهلي، ص 207.

[290]  - انظر: الكتابة والتناسخ: مفهوم المؤلف في الثقافة العربية. عبد الفتاح كيليطو: 40-41.

[291]  - نقد الشعر: 119-120.

[292]  - فن الشعر من كتاب الشفا: 169.

[293]  - ديوان ابن فركون. ق.ص: 58، 358-360. ومن نماذجها: ديوان ابن هانئ. ق: 16، 59. ديوان ابن دراج. ق: 83، 125، 38، 147. ديوان ابن شهيد. ق: 57. ديوان ابن اللبانة. ق: 45. ديوان الأعمى التطيلي. ق: 50، 72، 8، 37. ديوان ابن حمديس. ق: 96، 103، 301، 257. ديوان أبي الصلت. ق. ص: 49-50. ديوان ابن عبدون. ق. ص: (137-138)، (127-130)، (160). ديوان ابن خفاجة. ق: 133، 175، 165. ديوان ابن سهل. ق: 132. ديوان ابن الأبار. ق: 124، 129. ديوان ابن فركون. ق. ص: (132-133)، (385-386)، (361-362). واللائحة طويلة لأنها لا تفصل بين الأوزان الكثيرة المقاطع.

[294] -  انظر: (في الأدب الأندلسي: 144). و(أدباء العرب في الأندلس وعصر الانبعاث: 38).

[295]  - منهاج البلغاء: 250.

[296]  - انظر: المعتمد بن عباد الإشبيلي. دراسة أدبية تأريخية لقطب الحركة الأدبية وأبرز سلاطين الأندلس في عصر ملوك الطوائف. صلاح خالص. ص:1، 189-192.

[297]  - ديوان المعتمد بن عباد. ق: 160.

[298]  - ديوان المعتمد بن عباد. ق:160. وانظر مراثيه رقم: 110، 110م، 111، 161، 162، 187.

[299]  - انظر: موسيقى الشعر. 196. والتفسير النفسي للأدب: 81. والنقد الأدبي الحديث: 468.

[300]  - انظر: ديوان ابن اللبانة. ق:5، 13، 26، 48، 51، 55، 61، 68، 69، 79.

[301]  - ديوان ابن عبدون. ق. ص: 139-153. ومطلعها:

الدَّهْرُ يَفْجعُ بعْدَ العينِ بالأثر   فما البكاءُ على الأشْبَاحِ والصُّورِ؟

 

[302]  - انظر: (ديوان ابن شهيد. ق:26). و(ديوان الألبيري. ق.ص: 71-74). و(ديوان ابن حمديس. ق: 157). و(ديوان ابن خفاجة. ق: 154). و(ديوان ابن الأبار. ق: 57، 186، 149، 77). و(ديوان القيسي. ق: 220، 271، 171).

[303]  - انظر: (ديوان ابن شهيد. ق: 26). و(ديوان الألبيري. ق. ص: 71-74). و(ديوان ابن حمديس. ق: 157). و(ديوان ابن خفاجة. ق: 154). و(ديوان ابن الأبار. ق: 57، 186، 149، 77). و(ديوان القيسي. ق: 220، 271، 171).

[304]  - انظر: حازم. (المرشد.1/364، 282، 429، 434، 195، 332. وذكر المتقارب: 313. والمنسرح: 175. والرمل: 125. والمديد: 74، 75. ومجزوء الكامل: 100).

[305]  - إن رأي حازم لا يستقيم على أحد هذه الأوزان، إلا إذا أخذنا بالقراءة العمودية حيث نجد "المديد" يحتل الرتبة الأولى (3.17٪). انظر: (الجدولين رقم: "20"، "70". ص: ؟؟؟؟؟؟ )

[306]  - هو إبراهيم بن جعفر أمير المؤمنين أبو إسحاق المتقي بالله بن المقتدر ابن المعتضد، استخلف سنة 329هـ بعد أخيه الراضي فوليها سنة 333هـ،. أما وفاته فكانت سنت سنة 357هـ.. (الوافي بالوفيات: 5/341).

[307]  - ديوان ابن هانئ. ق: 14.

[308]  - ديوان ابن شهيد. ق: 71

[309]  - انظر: حازم. (منهاج البلغاء. 268). والبستاني. (مقدمة الإلياذة: 1/93). وعبد الله الطيب. (المرشد: 1/125).

[310]  - ديوان أبي حيان الأندلسي. ق: 31.

[311]  - ديوان يوسف الثالث. ق. ص: 56.

[312]  - ديوان ابن خفاجة: 58.

[313]  - يقول في هذه المقطوعة. (ديوان ابن خفاجة. ص: 105).

 

يا صدىً بالثَّغْر جاوَرَهُ

 

رِمَمٌ بُورِكتْ من رِمَمِ

صَبَّحَتْكَ الخيلُ غاديةً

 

وأثارَتْكَ فلم تَرِمِ

قد طَوَى ذا الدهر غُرَّتَهُ

 

عنكَ فالبسْ حُلَّةَ الكرمِ

 

[314]  - ديوان ابن خفاجة. ق: 29.

[315]  - ديوان ابن الأبار. ق: 35.

[316]  - انظر: (ديوان أبي حيان. ق: 15). و(ديوان عبد الكريم القيسي. ق: 215).

[317]  - ديوان يوسف الثالث. ق. ص: 155-156.

[318]  - اللسان. مادة [فخر].

[319]  - العمدة: 2/ 798. وانظر: حازم. (منهاج البلغاء: 352)

[320]  - انظر: ابن رشيق. (العمدة: ا/ 153)

[321]  - انظر: كليطو. (الكتابة والتناسخ: 40). ونزار التجديتي. (ابن قتيبة محاور الماضي ومبرمج المستقبل من خلال الشعر والشعراء. مجلة دراسات سأل عدد 7/ 92. ص: 48).

[322]  - منهاج البلغاء: 347-375. وانظر : ابراهيم عبد الرحمان محمد. (قضايا الشعر في النقد العربي.: 109).

[323]  - في الأدب الأندلسي: 119-120.

[324]  - العمدة: 2/ 799.

[325]  - منهاج البلغاء: 310.

[326] - المصدر نفسه: 206.

[327] - انظر: الجدول رقم 39 ، ص: ؟؟؟.

[328] - انظر: (منهاج البلغاء، 266-268)، و(المرشد: 1/79، 80، 83، 87، 245).

[329] - انظر: (منهاج البلغاء: 204- 205).

[330] - تشير إحصائيات الفخر الجاهلي إلى أن هذا الأخير قد ناسب أوزانا هي حسب نسبة أبياتها: الطويل(37.57 %)، الكامل(20.20%)، الوافر(17.47%)، البسيط (8.39%)، المتقارب (4.39%)، السريع(2.48%)، المنسرح(2.46%)، الرمل(2.13%)، مشط.الرجز(2.03%)، الخفيف(1.44%)، مج.الوافر(0.71%)، مج.الكامل(0.15%)، الهزج(0.20%)، منهـ.الرجز(0.10%)، ومج.البسيط (0.03%). ولم يشد الشاعر الأندلسي عن أوزانه سوى في : مشط. الرجز، ومج. الوافر، والهزج، ومنهـ.الرجز، ومج. البسيط. وعلاقة هذه الأوزان بالفخر لا تثير إشكالا لضعف التصاقها بالفخر. انظر: (البنية الإيقاعية للشعر الجاهلي. 811.1 لمو، ص: 327).

[331] - موسيقى الشعر: 196. وانظر: (مقدمة الاليادة:1/92-91)، و(المرشد:1/368، 372- 416، 419،  246، 258.)

[332] - انظر: (المرشد: ا/175). فقد رفض عبد الله الطيب صلاحية السريع لكل ما هو جاد وعميق، وخطأ أبي تمام، لأن مذهبه مذهب تأن واستعارة وتجنيس لا يصلح للسريع، ويفيد الإحصاء علاقة واهية لهذا الوزن بغرض  الفخر، حيث لا تتجاوز (1.76%) من الوحدات.

[333] - النقد الفني، دراسة جمالية وفلسفة. جيروم ستولنيتر. ترجمة فؤاد زكريا. ص: 323 – 324.

[334] - انظر: (الجدول رقم 8. ص: ؟؟؟؟؟؟).

[335] - انظر : إبراهيم عبد الرحمان محمد. (النظرية والتطبيق في الأدب المقارن: 16 )، وسعيد علوش.(مدارس الأدب المقارن، دراسة منهجية: 7)

[336] - المرشد: ا / 131. وانظر: نسبة هذا الوزن من الغزل. (الجدول رقم 27. ص؟؟؟؟)

[337] - ديوان المعتمد بن عباد. ق: 147. ومن نماذجها: (ديوان يوسف الثالث. ق. ص: 166).

[338] - ديوان يوسف الثالث. ق. ص: 148.

[339] - انظر: (ديوان يوسف الثالث. ق.ص: 131).

[340] - موسيقى الشعر: 196.

[341] - المرجع نفسه: 196.

[342] - ديوان ابن عباد. ق: 131.

[343] - تبلغ نسبة هذه الأوزان القصيرة والمجزوءة في فخر الجاهلين: (3.22%) من الأبيات، وتظم: مشطور الرجز (2.03%)، ومجزوء الوافر(0.71 %)، ومجزوء الكامل (0.15%)، ومنهوك الرجز (0.10%)، ومجزوء البسيط (0.03%)، والهزج بنسبة (0.20%). انظر: في البنية الإيقاعية للشعر الجاهلي، 811.1 لمو، ص: 327.

[344] - اانظر الخلاصة التي ذيلنا بها حديثنا عن العلاقة الأفقية، الفصل الثاني، ص:؟؟؟؟؟؟.

[345] - هذه المؤهلات غالبا ما كانت تعتمد على خصائص الأوزان القبلية.

[346] - انظر الانتقاد الذي وجهه محمد الولي لعز الدين إسماعيل كنموذج "الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي": 161- 166.

3 janvier 2014

مصطلحات بلاغية

 

 

مصطلحات بلاغية

 

 

مطبوع دراسي في مادة:

بلاغة وعروض

لطلبة مسلك الإجازة

 في الدراسات العربية

الفصل الأول

 

 

 

السنة الدراسية: 2014 ـ 2015

                                     2015 ـ 2016                  

 

إعداد: الدكتور عبد الإله كنفاوي

 

مصطلحات بلاغية

1 ـ التوشيح:  

يوضح هذه التسمية، أو هذه العلاقة بين الموشح والتوشيح، استعمال هذه الكلمة للتعبير عن بعض المعاني البلاغية:

 " وهو أن يبنى الشاعر أبيات قصيدته على بحرين مختلفين، فإذا وقف من البيتين على القافية الأولى، كان شعرا مستقيما من بحر على عروض، وإذا أضاف إلى ذلك ما بنى عليه شعره من القافية الأخرى، كان أيضا شعرا مستقيما من بحر آخر على عروض، وصار ما يضاف إلى القافية الأولى للبيت كالوشاح،كذلك يجري الأمر في الفقرتين من الكلام المنثور،فإن كل فقرة منهما تصاغ في سجعتين،وهذا لا يكاد يستعمل إلا قليلا وليس من الحسن في شيء،واستعماله في الشعر أحسن منه في الكلام المنثور".[1]

 وقد استعمل ذلك الحريري في مقامته الشعرية، نحو قوله: ( من الكامل التام المقطوع، على روي الراء )

يا خاطب الدنيا الدنية إنها  /0/0//0 | /0/0//0 | ///0//0 مستفعلن | مستفعلن| متفاعلــــن   دار متى ما أضحكت في  يــومها

***

***

شرك الردى وقرارة الأكدار ///0//0   | ///0//0  | /0/0/0 متفاعلن | متفاعلن | مفعولن أبكت غـــدا بـــعدا لها مــــن دار

هذا النوع سماه ابن حجة " التشريع " (خزانة الأدب: 266 )، نقلا عن ابن أبي الإصبع، الذي فضل أن يسميه " التوأم" قائلا: " وهذا الباب أيضا سماه الأجدابي التشريع، وفسره بأن قال:  هو أن يبني الشاعر البيت أو الناثر النثر على قافيتين إذا اقتصر على إحداهما كان البيت له وزن، وإن كمله على القافية الأخرى كان له وزن آخر، وتكون القافيتان متماثلتين، وتكونان مختلفتين، وهذه التسمية وإن كانت مطابقة لهذا المعنى فهي غير معلومة عند الكافة، فسميته التوأم ". ( تحرير التحبير: 3/ 522 )

. وقد أطلق أسامة ابن منقد هذه التسمية على نوع آخر من النظم، عرفه بقوله: " وهو أن تريد الشيء، فتعبر عنه بعبارة حسنة، وإن كانت أطول منه ". ومثل له بقول ابن المعتز: (البديع في نقد الشعر: 89).

آذريون، أتاك في طبقـة        قد نفض العاشقون ما صنع الـ

 

كالمسك في ريحه وفي عبقه هجر بألوانهم على ورقــــه    

بينما عرفه كل من قدامة، والعسكري، وابن أبي الأصبع، وابن حجة بتعريف واحد، لعل أقربها إلى الفهم هذا التعريف: " وهو أن يكون في أول البيت معنى إذا علم علمت منه قافية البيت، بشرط أن يكون المعنى المتقدم بلفظه من جنس معنى القافية بلفظه، أو من لوازم لفظه، كقول الراعي النميري:

      فإن وزن الحصى فوزنت قومي *** وجدت حصى ضريبتهم رزينا

2 ـ التغصين:

 هذه التقنية التي أتينا على ذكرها لم تكن مقتصرة على الشعر المنظوم وحده ، وإنما كانت تشمل نوعا من النثر، استعار له الكلاعي ( ت : 545 ـ 550 ) اصطلاح   " المغصن" لما له من فروع وأغصان، كما يتبين من نحو قوله:

"وقد يكون من النعم والإحسان، ما يصدر عن الفم واللسان، ومن النعماء والمعروف، ما يسر بالأسماء والحروف ".[2]

والمقصود بالتغصين، حسب فهم الكلاعي، هو مقابلة سجعتين بسجعتين، كل سجعة موافقة لصاحبتها. فـ ( النعم )  يقابلها ( الفم )، و ( الإحسان )  يقابله ( اللسان )، و(المعروف )  تقابله ( الحروف )، هكذا كما يتضح من الخطاطة التالية:  

الفـــــروع                                 الأغصـان

وقد يكون من  النعــم      ما يصدر مــــن  الفـــم

ومـــــــــن النعــــــــماء

ما يســـــــر بـالأســماء

 

والإحسـان  واللســان  والمعروف والحـــروف

وقد ذكر من أنواع "المغصن"، ما تكون فيه مقابلة ثلاث سجعات بثلاث، نحو قوله يخاطب أبا بكرسعيد البطليوسي:[3]

ويا عجبا كيف انقلبت من ذلك الجانب  ولــــــم تحــــظ مـــــن الجـــــــــــواب

 

بيـــد      بعسجـد

 

صفـــــر  ولا صفر

 ومنه مقابلة أربع بأربع، نحو قوله:[4]

ومن السلام  ومن الكلام

 

سلام  كلام

 

وإن لاح   وإن لاح

 

جوهرا   عنبــــرا

ومنه ما تصل فيه المقابلة إلى ثمان سجعات ، كقوله:[5]

وتلا  وجـلا

من  مـن

شرائع  بدائــع

مفاخره  مآثـره

سورا   صـورا

قصرت أد رت

عليها إليــها

درسي نفســي

 

3 ـ التفريع:

وهو نوع من التغصين والتوشيح، يقوم على التوليد حسب تبديل ألفاظ البيت الواحد، بالتقديم والتأخير، وتغيير محل وقوعها،

 ويشترط فيه أن يكون البيت مثمن الأجزاء، من المتقارب أو المتدارك، وأن تكون كلمات البيت ثمانية ألفاظ، حتى تقابل بها الأجزاء الثمانية، فتجري على وزنها، فيسهل نقلها وتغييرها بالتقديم والتأخير، فيتولد من البيت الواحد الذي هو بهذا الشكل، ما مجموعه( 40320 ) أربعون ألف بيت وثلاثمائة بيتن وعشرون بيتا.[6]

وهذا الشرط ليس ضروريا حتى يتولد هذا النوع من التفريع الشعري، اللهم أن يكون قد أريد به العدد الناتج من أجزاء المتقارب أو المتدارك الثمانية، في حالة ورود أجزائهما العروضية على زنة كل كلمة على حدة، إذ لا مانع أن يكون البيت من السداسي، على وزن الرجز أو الرمل، أو الكامل، أو السريع،  آنذاك فسيكون إجمالي التفريع، هو ناتج: 1 × 2 × 3 × 4 × 5 × 6 = 720 صورة. ونموذجه هذا البيت من عروض الكامل:

بشرى لنا، يا سعدنا، بنبينا ***  نلنا المنى، حق الهنا، وجب الغنا

وقد يصل إلى أكثر من ذلك بكثير، إذا كان البيت من هذا النوع بخمس قواف: (من السريع)

يا شامخ القدر الجليل المجيدْ  **  يا باذخ الفخر الأثيل السعيدْ

المنيفْ * العظيمْ * الخطيرْ * العجيبْ

فهو يتفرع إلى ثمانية وثمانين، وخمسة وعشرين ألف نوع ( 25088). وكل نوع منها فيه مخالفة ما لغيره من الأنواع، ولو بكلمة واحدة، وذلك باعتبار تقديم بعض كلماته على بعض وحلول بعضها محل بعض، مع اختلاف أجزاء المصراعين واتحادهما.[7]

فإن كان من مجزوء الكامل، تنوع إلى أنواع أخر، وهي خمسمائة واثني عشر صورة ( 512)، كل صورة بينها وبين غيرها من بواقي الصور مخالفة ما. " بيانها أن كلا من المصراعين فيه ثلاثة ألفاظ، فإن كان اللفظ الأول يا شامخ فاللفظ الثاني الذي يليه إما القدر أو الفخر فهاتان صورتان، وكل منهما إما أن يكون بعده الجليل أو واحد من الألفاظ الثمانية تضرب في اثنين بستة عشر وكذا المصراع الثاني وإن ركبت كل صورة من صور المصراع الثاني فإنه يتفرع من ذلك خمسمائة وإثنا عشر".[8]

 

1 ـ الترصيع و التطريز:

أما" التطريز" فقد عرفه العسكري بقوله: "هو أن يقع في أبيات متوالية من القصيدة كلمات متساوية في الوزن، فيكون فيها كالطراز في الثوب".[9]

وأما" الترصيع"، فـ"هو أن يتفق اللفظان في الوزن فيكونان مسجوعين، وفي الحرف الذي يختمان به، وفي مناسبة الوضع".[10]

 وهو عند ابن أبي الإصبع:" كالتسجيع، في كونه يجزئ البيت إما ثلاثة أجزاء إن كان سداسيا أو أربعة أجزاء إن كان ثمانيا".[11]

ويمكن أن نمثل لهما بقول الشاعر:

وتلك هيكلـ   عذب مقبلـ  سود ذوائبــ سمح خلائقــــ

ـة ـها ـها ــها

خود مبتلـ خدل مخلخلـ بيض ترائبـ درم  مرافقــــ

ـة  ـها ـها ــها

صفراء رعبلـ كالدعص أسفلـ محض ضرائبـ يروي معانقــــــ

ـة ـها ـها ــها

في منصب سنـ مخضوبة القد صيغت على الكر مـــن بارد شبـــــــ

م م م م

 

2 ـ التوشيع:

يعتبر" التوشيع" من عناصر التوازن التي تم استغلالها استغلالا كبيرا، وموفقا في بناء الموشحات وملإ فراغاتها." وهو من الوشيعة، وهي الطريقة في البرد المطلق، فكأن الشاعر أهمل البيت كله إلا آخره (...)  وهو عند أهل الصناعة، عبارة عن أن يأتي المتكلم أو الشاعر باسم مثنى في حشو العجز، ثم يأتي تلوه باسمين مفردين هما عين ذلك المثنى، يكون الأخير منهما قافية بيته أوسجعة كلامه، كأنهما تفسير ذلك ".[12]

ومن أمثلة هذا الباب في الشعر:[13]( بسيط)

أمسي وأصبح من تذكاركم وصبا قد خدد الدمع خدي من تذكركم وغاب عن مقلتي نومي لغيبتكم     لا غرو للدمع أن تجري غواربه كأنما مهجتي شلــــو بمسبعـــــــــــة  لم يبق غير خفي الروح في جسدي 

 

يرثي لي المشفقان: الأهل والولد واعتادني المضنيان: الوجد والكمد وخانني المسعدان: الصبر والجلد وتحته المضرمان: القلب والكبد ينتابها الضاريان: الذئب والأسد فدى لك الباقيان: الروح والجســـــد

 ومنه نوع يحسن أن يسمي بـ" تطريف التو شيع"، ومثاله:(بسيط)

بي محنتان ملام في هوى بهما  لــــولا الشفيقان مـن أمنية وأســـى       

 

يرثى لي القاسيان: الحب والحجر  أودى بي المرديان: الشوق والفكــر   

3 ـ التسميط :

يعتبر " التسميط " من بين المكونات القافوية الأساسية التي قامت عليها المسمطات، أو ينتمي إلى النظام العروضي الذي يلتزمه الشاعر عندما يختاره من أول القصيدة إلى نهايتها. وهذا النوع هو الذي عرفه ابن رشيق بقوله:

"وهو أن يبتدئ الشاعر ببيت مصرع ثم يأتي بأربعة أقسمة على غير قافيته ثم يعيد قسيما واحدا من جنس ما ابتدأ به، هكذا إلى آخر القصيدة".[14]

4 ـ التشطير:

تحيل مادة: [ شطر]  في المعاجم اللغوية على نصف الشيء. والجمع أشطر وشطور، وشطرته جعلته نصفين، وكل ما نصف فقد شطر, والمشطور من الرجز والسريع، ما ذهب نصفه. وهو محدث، ووجه العلاقة أنك قد قسمت البيت على نصفين، أذهبت أحدهما وأبقيت الآخر، وهو مصدر نقل على حاله، وتقول في الصفة منه شعر مشطور.[15]

وفي الاصطلاح: " التشطير": " وهو أن يقسم الشاعر بيته شطرين، ثم يصرع كل شطر من الشطرين، لكنه يأتي بكل شطر مخالفا لقافية الآخر، ليتميز من أخيه ".[16]

وكان العسكري قد عرف هذا النوع بقوله: "وهو أن يتوازن المصراعان والجزآن وتتعادل أقسامهما مع قيام كل واحد منهما بنفسه واستغنائه عن صاحبه". ومثل له بقول أوس بن حجر: ( الصناعتين: 463)

 

ومن نماذجه قول أبي تمام: (بسيط)

تدبير معتصم         أ                مستفعلن فعلن

باللــــه منتقم        أ                مستفعلن فعلن

 

للـــــه مرتغب       ب              مستفعلن فعلن

في الله مرتقب    ب              مستفعلن فعلن

ويسمى هذا النوع بـ"تشطير التصريع[17] تمييزا له عن نوع آخر يطلق عليه      " تشطير الترصيع". والمقصود به: "استواء آخر جزء في الصدر، وآخر جزء في العجز في الوزن والإعراب والتقفية ".[18]

والفرق بينه وبين النوع الأول، أن تشطير الترصيع، يقوم على المخالفة، أو بمعنى آخر، فإن قسيمه الأول والثاني، يخالفان القسيم الثالث والرابع من التقفية لاغير. أما " تشطير التصريع"، فيقوم على المؤالفة، كما يتبين من خلال هذا النموذج: (طويل)

ألا إننـي بال          ل             فعولن مفاعيلن

 

على جمل بال     ل              فعول مفاعيلن

 

يقـود بنا بال      ل              فعول مفاعيلن

 

ويتبعــنا بال      ل              فعول مفاعيلن

 

5 ـ التسجيع والتجزئة:

5 ـ 1ـالتسجيع:

 يعتبر التسجيع والتجزئة من مواد التوازن التي تم استغلالها في بناء الموشحات. والفرق بينهما أن التسجيع: '' هو أن يتوخى المتكلم أو الشاعر في أجزاء  كلامه، بعضها غير متزنة بزنة عروضية ولا محصورة في عدد معين، بشرط أن يكون روي الأسجاع روي القافية''.[19]

وقد ذهب ابن حجة إلى أبعد من ذلك فاعتبر هذا النوع مستقلا بذاته، مقسما السجع إلى أربعة أقسام هي: المطرف، والموازي، والمشطر، والمرصع . وحد النوع الثاني بقوله: ( خزانة الأدب: 2 / 411 ) "وهو أن تتفق اللفظة الأخيرة من القرينة مع نظيرتها في الوزن والروي، كقوله تعالى: ( سرر مرفوعة وأكواب موضوعة). وذكر من أمثلته الشعرية قول أبي الطيب المتنبي:

فنحن في جدل والروم في وجل ** والبر في شغل والبحر في خجل

 وعرف النوع "المشطر"بقوله: "وهو أن يكون لكل نصف من البيت قافيتان مغايرتان لقافيتي النصف الأخير، وهذا القسم مختص بالنظم، كقول أبي تمام:

تدبير معتصم بالله منتقم ** لله مرتقب في الله مرتغب

وقد مثل له ابن أبي الأصبع  بقول أبي تمام:  

تجلى به رشدي، وأثرت به يدي** وطاب به ثمْدي، وأورى به زَنْدي

وفرق بينه وبين ' التسميط"، انطلاقا من كون أجزائه على روي قافيته،[20]على عكس ما توجد عليه هذه الأجزاء، أو بعضها في مخالفتها لقافية البيت المسمط. وهذا النوع هو الذي سبق أن مثلنا له بقول الشاعر: (طويل)

هم القوم إن قالوا

أ

أصابوا

ب

وإن دعـوا

ج

**

 

أجابوا

ب

وإن أعطوا

د

أصابوا

ب

وأجزلوا

أ

ويتبين الفرق بينهما بصورة واضحة من خلال هذا التقسيم الذي يجد مادته في التعريف السابق:

 

تجلى به  //0/0 //0  فعولن مفا    

1

رشدي  /0/0

عيلن 

2

وأثرت به    //0/0 //0  فعولن مفا

3

يدي //0

علن

4

**

 

وطاب به  //0/ //0   فعول مفا  

5

ثمدي  /0/0   عيلن 

6

وأورى به  //0/0 //0  فعولن مفا 

7

زندي  /0/0    عيلن 

8

فالأجزاء المسجعة من هذا البيت، لا تفصح عن اختلاف نظام القافية في بيت التسميط الذي تطلب رويا مخالفا لروي الأسجاع فحسب، بل أبانت عن أجزاء غير متزنة زنة عروضية (الخانة رقم:2، 4 ،6 ،8 )، وأبانت كذلك عن أجزاء تماثلت في زنة بعضها لبعض (الخانة رقم:1 ،3 ،5 ،7 ).

وأما النوع "المرصع" فتحدث عنه في باب الترصيع.( خزانة الأدب: 2/ 409 )، "وهو عبارة عن مقابلة كل لفظة من صدر البيت أو فقرة النثر، بلفظة على وزنها ورويها ". ومثله قوله تعالى: ( إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم). ومنه قول الحريري في المقامات:" يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه ". ومن أمثلته الشعرية قول أبي نواس:

وأفعالنا للراغبين كرامة ** وأموالنا للطالبين نهاب

 

5 ـ 2 ـ  التجزئة:

وقد عرف ابن حجة " التجزئة " بقوله: "هي أن يأتي المتكلم ببيت ويجزئه جميعه أجزاء عروضية، ويسجعها كلها على وزنين مختلفين، جزءا بجزء، أحدهما على روي يخالف روي البيت، والثاني على روي البيت ".[21]ونموذجه، قول الشاعر: (م.الكامل)       

هندية

لحظاتها

خطية

خطراتها

دارية

نفحاتها

أ

ب

أ

ب

أ

ب

/0///0

///0//0

/0///0

///0//0

/0///0

///0//0

مفتعلن

متفاعلن

مفتعلن

متفاعلن

مفتعلن

متفاعلن

ومثل له أسامة بن منقد، بقول المتنبي:[22](بسيط)

فنحن في

جذل

والروم في

وجل

والبر في

شغل

والبحر في

خجل

//0//0

///0

/0/0//0

///0

/0/0//0

///0

/0/0//0

///0

متفعلن

فعلن

مستفعلن

فعلن

مستفعلن

فعلن

مستفعلن

فعلن

أ

ب

أ

ب

أ

ب

أ

ب

1

2

3

4

5

6

7

8

وبخلاف التسميط، فإن " التجزئة" تقسم البيت إلى ثلاثة أجزاء مسجعة ومتوازية من حيث البناء التركيبي إن كان البيت سداسيا. ويمكن أن يكون من أربعة أجزاء إن كان ثمانيا.[23]

 فالبيت الأول سداسي، من الكامل يسمح بالتجزئة التالية:

هندية لحظاتها   *** خطية خطراتها  *** دارية نفحاتها

1                       2                      3

أما البيت الثاني فهو من البسيط الثماني، وهذا ما يسمح بتقسيمه إلى أربعة أجزاء:

فنحن في جدل** والروم في وجل ** والبر في شغل ** والبحر في خجل

1                 2                 3                     4

ثم إن هناك فرقا آخر يفصل بينهما، ويتمثل في اختلاف زنة أجزاء "التجزئة"، ومجيئها على غير عدد محصور معين، كما يتبين من النموذجين السابقين. أما في "التسجيع" فتأتي بعضها غير متزنة بزنة عروضية. وهذه الأجزاء توجد في الأبيات السابقة، دائما محصورة بين الخانة رقم: 1ـ 3 ـ 5 ـ 7، إن كان البيت ثمانيا، والخانة رقم:1 ـ 3 ـ 5، إن كان البيت سداسيا. هذا بغض النظر عن اتفاق القافية في أبيات التسجيع، ومجيئها على غير عدد معين محصور.

6 ـ قضايا بديعية أخرى: 

ومن عناصر التوازن الأخرى التي تم استغلالها استغلالا موفقا في بناء الموشحات نذكر: المماثلة، والموازنة.

6 ـ 1ـ المماثلة:

والمقصود بالمماثلة: " تماثل ألفاظ الكلام أو بعضها في الزنة دون التقفية ".[24]وقد تأتي بعض ألفاظ المماثلة مقفاة من غير قصد، لأن التقفية في هذا الباب غير لازمة. من ذلك قول امرئ القيس:[25](متقارب)

كأن المــدام

وصـوب الغمام

وريـح الخزامى

ونشـر القطـر

//0/0 | //0/

 //0/0 | //0/

//0/0 | //0/0

//0/0 | //0

فعولن | فعول

 فعولن | فعول

 فعولن | فعولن

فعولن | فعـو

+

+

+

+

ومما تماثلت فيه بعض أجزاء الكلام في الزنة دون بعض قول امرئ القيس:

صفوح

كريـم

رصيـن إذا

رأيت العقـول بــدا طيـشها

//0/0

//0/0

//0/0| //0

//0/0 | //0/ | //0/0| //0  

+

+

ـ

ـ

 

 

 

6 ـ 2 ـ الموازنة:                                                                    

وهو'' أن تأتي الجملة من الكلام، أو البيت من الشعر متزن الكلمات، متعادل اللفظات في التسجيع والتجزءة معا في الغالب ".[26]

ونموذجه قول امرئ القيس: (متقارب)   

أفـاد

وسـاد

وقـاد

وزاد

وشاد

وجاد

وزاد

وأفضل

//0/

//0/

//0/

//0/

//0/

//0/

//0/

//0/0

فعول

فعول

فعول

فعول

فعول

فعول

فعول

فعولن

أ

أ

أ

أ

أ

أ

أ

ب

1

2

3

4

5

6

7

8

 

  

ومن نماذجه أيضا قول الشاعر: (متقارب)

وهـوب

مهـيب

رحيـب الفناء

ربيـع

مـريء

رفيـع الذُّرا

//0/0

//0/0

//0/0//0/

//0/0

//0/0

//0/0| //0

فعولن

فعولن

فعولن فعول

فعولن

فعولن

فعولن فعو

أ

أ

ب

ج

د

ه

+

+

ـ

ـ

ـ

ـ

  ويكمن الفرق بين الموازنة والمماثلة، في التزام التسجيع في الموازنة، وخلو المماثلة عنه. وأما الفرق بينها وبين التجزئة، فيتجلى في مخالفة تسجيع أجزاء التجزئة، ومشابهة أجزاء الموازنة. ولتوضيح ذلك نعمد إلى إعادة كتابة هذه الأبيات:

ـ بيت الموازنة:

  أفاد، وساد، وقاد، وزاد      وشاد، وجاد، وزاد، وأفضل.

ـ الوزن:    +     +     +    +          +     +     +     +.

ـ القافية:    +     +     +    +          +     +     +      ـ .

ـ بيت التجزئة :    هندية لحظاتها، خطية خطراتها، دارية نفحاتها

 ـ الوزن  :       +      ـ       +       ـ       +     ـ.

 ـ القافية  :       ـ      +       ـ        +       ـ     +.

ـ بيت المماثلة:      معتقة، مصفقة، عقار      شآمية، إذا جلبت مروح

 ـ الوزن  :         +       +      +          +             ـ.

 ـ القافية :                 +       +      ـ          +             ـ.


 

 



[1] ـ المثل السائر: 3/ 216.

 

[2] ـ إحكام صنعة الكلام: 145. هذا النوع هو الذي عناه ابن الأثير ب " التوشيح "، ويرى أن استعماله في الشعر أحسن منه في الكلام المنثور. (المثل السائر: ج3 /216).

[3] ـ  إحكام صنعة الكلام: 145.

[4]  ـ  نفسه: 145.    

  [5]ـ  نفسه: 145.

[6] ـ ظاهرة التفريع عند أدباء المغرب خلال القرن 12 هـ، مظاهرها ومكوناتها: 238.

[7] ـ  انظر بيان ذلك : الأنيس المطرب: 45 ـ 46، والمسلك السهل في توشيح ابن سهل، ص 140 ـ 141.

[8] ـ الأنيس المطرب: 45 ـ 46.

[9] ـ الصناعتين: 480. وانظر:( البديع في نفد الشعر: 60 ـ 61)، و(تحرير التحبير: 314 ـ 315).

[10] ـ  الروض المريع في صناعة البديع: 168. وانظر: (نقد الشعر: 70)، و(الصناعتين: 416)، و(البديع في نقد الشعر:116)، و(المثل السائر: 1/277)، و(تحرير التحبير: 302 ـ 303)، و(خزانة الأدب: 409)، و(المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع : 509).

[11] ـ تحرير التحبير: ج2/ 302.

[12] ـ  تحرير التحبير: ج2/316. وانظر: خزانة الأدب: ج1/ 372 ـ 373.

[13] ـ  نفسه: 2/ 316 ـ 317.

  [14]ـ العمدة: 1/ 332.

[15] ـ اللسان وتاج العروس، مادة: [شطر].

[16] ـ  نفسه: 302، وانظر: خزانة الأدب :381. وكان العسكري قد عرف هذا النوع بقوله: "وهو أن يتوازن المصراعان والجزآن وتتعادل أقسامهما مع قيام كل واحد منهما بنفسه واستغنائه عن صاحبه". ومثل له بقول أوس بن حجر: ( الصناعتين: 463)

فتحذركم عبس إلينا وعامر *** وترفعنا بكر إليكم وتغلب

     وذكره أسامة بن منقذ مقرونا بالمقابلة، فقال: "اعلم أن المقابلة والتشطير هو أن يقابل مصراع البيت الأول كلمات المصراع الثاني، كقول جرير: ( البديع في نقد الشعر: 128)

وباسط خير فيكم بيمينه *** وقابض شر عنكم بشماليا

[17] ـ  تحرير التحبير: 2/ 305.

[18] ـ  نفسه: 2/ 305.

[19]ـ تحرير التحبير: 2/ 300،

 وأما النوع "المرصع" فتحدث عنه في باب الترصيع.( خزانة الأدب: 2/ 409 )، " وهو عبارة عن مقابلة كل لفظة من صدر البيت أو فقرة النثر، بلفظة على وزنها ورويها ". ومثله قوله تعالى: ( إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم). ومنه قول الحريري في المقامات:" يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه ". ومن أمثلته الشعرية قول أبي نواس:

وأفعالنا للراغبين كرامة ** وأموالنا للطالبين نهاب

[20] ـ نفسه: 2/ 300.

[21] ـ  نفسه: 2/ 437.

[22] ـ  البديع في نقد الشعر: 63، وتحرير التحبير: 2/ 299.

[23] ـ انظر: البنيات المتوازية في الشعر. مقال: محمد الولي. مجلة علامات، العدد: 2/ 2004، ص: 26.

[24] ـ تحرير التحبير: 2/ 297، وخزانة الأدب: 2/ 293. وأما تعريف العسكري " للمماثلة "، فيندرج ضمن المحسنات المعنوية، وهو "أن يريد المتكلم العبارة، فيأتي بلفظة تكون موضوعة لمعنى آخر..إلا أنه ينبئ إذا أورده عن المعنى الذي أراده ..كقولهم:  فلان نقي الثوب. يريدون به أنه لا عيب فيه ". ( الصناعتين: 389).

[25] ـ  نفسه : 2/ 297.

[26] ـ تحرير التحبير: 3/ 386.

26 novembre 2013

أنساق الإيقاعية لبحور الشعر العربي وأوزانه

ماستر الأدب العربي

  في المغرب العلوي

 

الأنساق العروضية لبحور الشعر العربي

 وأوزانه

 

 

مطبوع دراسي في مادة:

العروض

لطلبة ماستر الأدب العربي

في المغرب العلوي

الفصل الأول

 

 

 

السنة الدراسية: 2012 ـ 2013

                  2013 ـ 2014

 

 

 

إعداد: الدكتور عبد الإله كنفاوي

 

 

 

 

الأنساق الإيقاعية لبحور الشعر العربي وأوزانه

 

الدكتور: عبد الإله كنفاوي

 

1ـ الأسس والمفاهيم:

لا شك أن نشأة الشعر في أساسها قد ارتبطت بالغناء سواء كان ذلك ممثلاً بالحداء الذي جاء أكثره على بحر الرجز، أو في أهازيج العمل والقتال وما أشبهها، مما أضاف إلى ذخيرة الوزن أنساقاً باتت مقبولة للنظم في أي غرض يشاؤه الشاعر الذي انتقل من الغناء إلى الإنشاد بعد أن ترسخت الأوزان في ذاكرته.

وتتبنى هذه الأطروحة تقديم رؤية جديدة لعروض الخليل بن أحمد الفراهيدي، انطلاقا من الأسس والمفاهيم التي بنى عليها مفهومه للأوزان الشعرية ومصطلحاتها،[1]  بدءا من مفهوم الحركة والسكون، ونهاية بمبدإ الزحاف والعلة وما يطرحانه من أوزان شعرية جديدة. وهذه جميعا ستروق للشعراء ولعلماء العروض الذين لم يجدوا حرجا في

هذا، وقد بنى الخليل نظامه على مفهوم الحركة والسكون، وهو مفهوم كان شائعا ومستعملا في اللغة والنحو والصرف، فجعل السبب الخفيف متحركا وساكنا: (-0) والسبب الثقيل متحركين: (--) والوتد المجموع متحركين وساكنا: (--0). والوتد المفروق متحركا وساكنا ومتحركا: (-0-) والفاصلة الصغرى ثلاثة متحركات وساكنا: (---0)، والفاصلة الكبرى أربعة متحركات وساكنا: (----0).

وجعل الأجزاء التي يوزن بها الشعر عشرة، منها اثنان خماسيان، وهما:         [ فعولن/ فاعلن ]، وثمانية سباعية، وهي: [ مفاعيلن / فاعلاتن / مستفعلن / مفاعلتن / متفاعلن / مفعولات / مستفع لن / فاع لاتن ].[2] واتبع في طريقة تكوينها الطريقة التي استعملها في حصر مواد معجمه »العين« وهي التقليب، بعد أن ألغى كثيرا من التفعيلات الناتجة من التقليب لأن اللغة ترفضها ، وهذه التفعيلات هي التي تحتوي على ثلاثة سواكن أو أكثر أو التي تبدأ بساكن، أو التي يوجد بها ساكنان في وسطها وليس في آخرها، أو التي تحتوي على خمسة متحركات متتالية فأكثر. ولاحظ أن التفعيلات الصحيحة إما أن تكون خماسية أو سباعية، وأن التفعيلات الثلاثية وبعض الرباعية ناتجة من الخماسية، وبعض الخماسية والسداسية ناتجة من السباعية نتيجة نقص بها. وأطلق على هذا النقص مصطلحات كثيرة تحت مفهومي الزحاف والعلة، كما لاحظ أن هناك زيادة  بحرف ساكن أو بسبب خفيف على بعض التفعيلات فأطلق عليها علة ولكنها بزيادة، وسمى كل نوع منها.

وبنى الأنساق الإيقاعية أو البحور الخمسة عشر وتكوينها من الأجزاء السابقة، وميَّز بينها، بأن وضع لكل بحر إسما يميزه عن غيره، نظرا لما يمتاز به كل واحد منها من خصوصيات إيقاعية مختلفة.[3] ولم يأت تحديده لها، وتمييزه بعضها عن البعض، نتيجة عمل اعتباطي، بل لأن العرب تميز بينها أولا، فلا يخلط الشاعر في قصيدة بين إيقاع وآخر. وقد وصف ذلك التميُّز عن طريق الدوائر الخمس التي جعلها في مقابلة الشعر العربي.[4] وحدد وظيفتها في الربط بين البحور بالاعتماد على مكوناتها من الوحدات الإيقاعية التي تتكون بدورها من الوحدات الصوتية الوظيفية.

ولاشك أن الخليل، وهو يبنى الأجزاء من الوحدات الصوتية، كان يريد أن يمثل إيقاع البحور بالتفاعيل. وربما لذلك، عبر عن الإختلاف والتعدد الذي لاحظه بين الوحدات والأنساق المنتسبة إلى صنف واحد، بمبدإ التحول الذي هو الزحاف والعلة. وقد جعل " الزحاف " وهو يحدد العلاقة بين الوحدات المختلفة وسيلة لتمييز إيقاع بحر عن آخر، لا وسيلة لخلط إيقاع هذه بذاك وإدماجه فيه. أما النوع الثاني من التحولات وهو " العلة "، فقد قصر دوره على تحديد العلاقة بين النماذج النظرية والتطبيقية لوحدات بعينها هي التي تقع فيما سماه بالأعاريض والضروب.

ولاحظ أن أقصى ما ينتهي إليه عدد الأعاريض في البحر الواحد أربع، وذلك في بحري الرجز والسريع. أما الضروب ، فغاية ما ينتهي الواحد منها إلى تسعة، وذلك في بحر الكامل. وهذا يعني أن الأعاريض في مفهوم الشعرية القديمة، التي تستند إلى آراء الخليل، لا تزيد في البحر الواحد على أربعة، ولا تزيد ضروبها على تسعة.

وعلى هذا الأساس من الاختلاف بين الأعاريض والضروب، أقام الخليل فهمه للأوزان الشعرية، والتمييز بينها وبين الأنساق الإيقاعية الكبرى التي أطلق عليها اسم البحور. وقد قاده وصف أعاريض هذه البحور وضروبها إلى وصف عدد كبير من الأنساق الإيقاعية في الشعر العربي حتى حين وضعه لعلم العروض.[5] " فالأعاريض أربع وثلاثون والضروب ثلاثة وستون[6] وكلها استعملتها العرب، وكثرت أشعارها عليها، فأما ما شذت وأهملت فكثير.

ولمّا كان الخليل بن أحمد قد اقتصر على الشعر الجاهلي والإسلامي والأموي، " فقد كان لابد أن تختلف المواقف، فتضاف إلى النظام أسس وتختفي منه أخرى، بناء على الشعر الموصوف الذي اقتضى تطور التاريخ أن يختلف من مرحلة إلى أخرى ".[7]

فعندما جاء المحدثون، أضافوا إلى النظام بحرا سُمِّيَ بـ" المتدارك"، وأنكرالأخفش وجود بحرين هما : المضارع والمقتضب.[8] بينما اقتصر الجوهري صاحب "عروض الورقة " على اثني عشر بحرا فحسب.[9] ولائحة الإستدراكات طويلة، وهي وإن مست جوانب عروضية محددة مثل: الأسباب  والأوتاد، والدوائر أو البحور، أو الزحافات والعلل، أو الأعاريض والضروب، فإنها في مجملها العام لا تخرج عن إطار عروض الخليل، ومجال عمله ووظيفته.[10]

ومن عجيب الأمر أن القيود التي وضعها علماء العروض، لم تمنع من اختراع بحر جديد، فهذه كانت مهمة  كل الشعراء الذين سيأتون في ما بعد، فانقادوا لحركات التجديد التي عرفتها الساحة الشعرية مع شيوع فن الغناء، وانفتاح الثقافة الشعرية العربية على ثقافات شعرية جديدة، أعادت فتح دائرة الرخص في استعمال الزحاف والعلل، وأعادت كثيرا من الأوزان القديمة، كما أحيت مجموعة من الأوزان القصيرة والمهملة التي لم يكن لها أهمية كبيرة في العصور الأولى نتيجة ظروف تاريخية مغايرة. فخلق إيقاع شعري حديث، إذن ليس عملا مفتعلا، إنه حتمية تاريخية، ونتيجة طبيعية لدور المؤثرات الخارجية التي يمكن أن يكون لها أكثر من فعل في تطور الايقاع الشعري، أو في خلق أنماط شعرية جديدة لها عروضها الخاص.[11]

 

 

 

1 ـ 1 ـ الأجزاء أو التفاعيل:

يفضي الحديث عن الأسباب والأوتاد والفواصل بجميع أنواعها، انطلاقا من مفهوم الحركة والسكون الذي أقام عليه الخليل نظامه العروضي، إلى تناول التفاعيل أو الأجزاء التي تتكون منها البحور الشعرية. والحقيقة أن هذه الأخيرة ليست ثمانية، كما يتضح من لفظها، بل هي عشرة، بإضافة "مستفع لن"، و"فاع لاتن" المنفصلتين، هكذا هي في حكمها، إذا نحن راعينا الوحدات أو الأسباب والأوتاد التي تدخل في تركيبها، والغاية منها.

فالجزءان الخماسيان " فعولن" و" فاعلن" يتكونان من سبب خفيف ووتد مجموع، على اختلاف في الترتيب أو التقليب :

ـ  فـعو/ لن/ تتركب من وتد مجموع وسبب خفيف.

ـ  و/فا/علن/ تتركب من سبب خفيف ووتد مجموع .

بينما تتركب ثلاثة من السباعية، من وتد مجموع وسببين خفيفين، وهذه الثلاثة هي :

ـ مفا/عيـ/لن : تتركب من وتد مجموع بعده سببان خفيفان.

ـ مسـ/تفـ/ـعلن : تتركب من سببين خفيفين، بعدهما وتد مجموع.

ـ فا/علا/تن : تتركب سبب خفيف، بعده وتد مجموع، ثم سبب خفيف.

ويتركب إثنان من السباعية، من وتد مجموع بعده فاصلة صغرى في "مفا/علتن/"، ومن فاصلة صغرى بعدها وتد مجموع في: متفا/علن/، أو من سبب ثقيل، بعده سبب خفيف، ثم وتد مجموع.

أما "مفـ/ـعو/لات/" فتتكون من سببين خفيفين بعدهما وتد مفروق. فإذا كانا بعده، فتلك "فاع/لا/تن/". وإذا كان أحدهما قبله، والثاني بعده، فتلك "مسـ/ـتفع/لن/". وهذان الجزءان هما اللذان يرفعان الأجزاء في حكمها إلى عشرة، وهي في لفظها ثمانية فقط، لاشتراك التفعيلتين الأخيرتين في لفظهما مع "مستفعلن" و "فاعلاتن".

وهذه الأجزاء في مجموعها لا تحتمل أكثر من وتد واحد،[12] فإذا تكون الجزء من وتدين وسبب، نتج الثماني، أما إذا تكون من ثلاثة أسباب ووتد، فذاك التساعي، ومثل هذه التركيبات لا يقبل بها الخليل في نظامه، وذلك حفاظا – منه – على مبدأ التناسب.

1ـ 2 ـ البحور:

إنها مجموعة من الأنساق الإيقاعية التي تقوم على احترام نظام معين في تتابع الحركات والسكنات، وبتعبير أدق، فالبحر هو القالب الإيقاعي المنتظم الذي يوجد خارج النص ومستقلا عنه، والذي يمكن أن يتحقق في نصوص كثيرة، أو لا يمكن أن يتحقق، مادام أن العرب لم يأتوا به على صورته النظرية.[13]

 وما يهمنا الآن هو النظر إلى الطريقة التي درس بها واضع العروض بنية البحور، وكيف يمكن أن نولِّد من خلالها أوزانا جديدة يسمح بها نظامه.

فهذه الأخيرة إما خماسية أو سباعية، أو مركبة من سباعية وخماسية.

  • فالخماسية، ما تركبت من أجزاء خماسية، هي :

ـ المتقارب: (فعولن): [1+1+1+1]

ـ المتدارك : (فاعلن): [1+1+1+1]

  • · والسباعية، ما تتركبت من أجزاء سباعية، وهي:

1 ـ إما مركبة من جزء واحد، وهذه هي:

ـ الوافر: (مفاعلتن): [1+1+1]

ـ الكامل: (متفاعلن): [1+1+1]

ـ الهزج :(مفاعيلن): [1+1+1]

ـ الرجز : (مستفعلن): [1+1+1]

ـ الرمل : (فاعلاتن): [1+1+1]

وإما مركبة من جزأين سباعيين، وهذه هي:

ـ السريع : (مستفعلن/ مفعولات): [1+1+2].

ـ المنسرح : (مستفعلن/ مفعولات): [1+2+1].

ـ الخفيف : (فاعلاتن/ مستفع لن): [1+2+1].

ـ المضارع : (مفاعيلن/ فاع لاتن): [1+2+1].

ـ المقتضب : (مفعولات/ مستفعلن): [1+2+2].

ـ المجتث : (مستفع لن/ فاعلاتن): [1+2+2].

  • أما الخماسية السباعية، فهى التي تتركب من أجزاء خماسية وسباعية، وهي:

ـ الطويل : (فعولن/ مفاعيلن): [1+2+1+2].

ـ المديد : (فاعلاتن/ فاعلن): [1+2+1].

ـ البسيط :(مستفعلن/ فاعلن): [1+2+1+2].

هذه إذن الأجزاء والتركيبات التي تتألف منها بحور الشعر العربي في صورتها النظرية.[14]

وتنتمي إلى هذه اللائحة من البحور، مجموعة من الأوزان المهملة، كان قد أفرزها نظام الخليل الدائري، وهي:

ـ مقلوب الطويل:  وهو الذي سماه ابن الحداد بالوسيط، ومفكه من الدائرة الأولى، وبناء الشطر فيه على: [ مفاعيلن/ فعولن/ مفاعيلن/ فعولن].

ـ مقلوب المديد: ويخرج هو الآخر من الدائرة الأولى، ويسمى عندهم بالوسيم، ووزنه: [ فاعلن/ فاعلاتن/ فاعلن/ فاعلاتن ]. ويستعمل مثمنا، ويستعمل مربعا، فمن مثمنه قوله: ( وسيم).[15]

قَدْ شَجانِي حَبيبٌ وَاعْتَرانِي اذِّكارٌ **  لَيْتَهُ إِذْ شَجانِي مَا شَجَتْنِي الدِّيارُ

وبيت مربعه: ( مشطور الوسيم).

مَنْ لِصَبٍّ مَعَنَّى ** بِالَّذِي يَتَمَنَّى

ـ ويخرج من دائرة المؤتلف: مهمل سماه ابن الحداد بالمعتمد، وسماه ابن كيسان السالم، وسماه آخرون المتوافر أو المتوفر، وبناء شطره على:

[ فاعلاتك/ فاعلاتك/ فاعلاتك ].

 

 

ـ ويخرج من دائرة المجتلب، حسبما اقتضاه تفكيكها، ثلاثة أبحر مهملة، قال عليها المحدثون، وهي:

ـ المتئد: [ فاعلاتن/ فاعلاتن/ مستفع لن ].

ـ المنسرد: [ مفاعيلن/ مفاعيلن/ فاع لاتن ].

ـ المطرد: [ فاع لاتن/ مفاعيلن/ مفاعيلن ].

وتفسر لنا هذه المهملات جزءا  كبيرا من عمل الخليل في علم العروض، لم تأبه إليها دراسات عروضية كانت قد عابت عليه فهمه لنظام الدوائر وما يتفرع عنها من أوزان مهملة. فهي تضيف رؤية جديدة لهذا العمل، تتمثل في أن إمكانات اللغة العربية من التفعيلات التي بنى عليها مفهومهه للعروض، ليست خمسة عشر بحرا، ولا ستة عشر بحرا أو غير ذلك ، بإضافة هذه المهملات، بل هي أكثر من ذلك بكثير، ولذلك فإنه لا يجب إلغاؤها أو إهمالها.[16] فقد كانت رؤيته لنظام الإيقاع الشعري تجمع بين جانب المثال وجانب الواقع، أي تجمع النظام والاستعمال في صورة تنبئ عن نفاذ بصيرة تؤكد الإحساس بما هو موجود، والتطلع إلى ما يمكن وجوده. [17].

 

         1ـ 3 ـ الزحافات والعلل:

وهي تغييرات تحدث في موازين الشعر وتفاعيله، بالنقص أو الزيادة ، بتقديم أوتأخير، أو تسكين، أو حذف أوغير ذلك مما سنأتي على ذكره.

1 ـ 3 ـ 1ـ الزحاف:

وهو تغيير يختص بثواني الأسباب بالحذف، أو التسكين. ومن خصائصه أنه لا يلتزم في القصيدة، إلا في أماكن خاصة كالقبض في عروض الطويل والخبن في بعض أعاريض البسيط. ولا يختص بمكان ما، فقد نجده في العروض والضرب والحشو. " والزحاف نوعان: مفرد ومزدوج.

أ ـ الزحاف المفرد:

وهو ما وقع في مكان واحد من الجزء. وقد أعطى الخليل لكل صنف من أنواعه الثمانية، بحسب موقعه إسما خاصا به، بعد أن وجد أن موقعه في الجزء لا يعدو أن يكون ثانيا، أو رابعا، أو خامسا، أو سابعا. ( وهذه خاصية يشاركه فيها المزدوج كذلك).

فالذي يدخل ثاني الجزء:

ـ حذف الثاني الساكن : الخبن.

ـ تسكين المتحرك: الإضمار.

ـ حذف الثاني المتحرك: الوقص.

والذي يدخل رابع الجزء، فله حالة واحدة:

ـ وهي : حذف الرابع الساكن، وقد سماه بالطي.

والذي يدخل خامس الجزء:

ـ حذف الساكن: القبض.

ـ تسكين المتحرك: العصب.

ـ حذف المتحرك سمي: العقل.

والذي يدخل سابع الجزء، فله حالة واحدة هي:

ـ حذف السابع الساكن، وهذا هو الكف.

ب ـ الزحاف المزدوج:

وهو الذي يأتي في موضعين من التفعيلة. وأنواعه أربعة هي:

ـ الخبل: وهو اجتماع الطي مع الخبن، بتوالي الحذف في موضعين، فيحذف الرابع والثاني، في مثل: مفعولات = معلات ¬ فعلات.

ـ الخزل: وهو اجتماع الطي مع الإضمار، بتوالي الحذف والتسكين في موضعين، فيحذف الرابع ويسكن الثاني، وهو منحصر في تفعيلة: متفاعلن، فيحذف ألفها، وتسكن تاؤها فتصبح : مُتَفعلن، وتنقل إلى: مُفْتعلن.

ـ الشكل: وهو اجتماع الكف مع الخبن، بتوالي الحذف في موضعين، فيحذف السابع الساكن بالكف، ويحذف الثاني الساكن بالخبن، فتصير فاعلاتن ¬ فعلات.

ـ النقص: وهو اجتماع الكف مع العصب، فيحذف السابع الساكن، ويسكن الخامس المتحرك، فتصير: مفاعلتن = مفاعلْتُ ¬ مفاعيل.

1 ـ 3 ـ 2 ـ العلل:

وهذه بخلاف الزحاف، فهي لا تختص بثواني الأسباب، وإنما تختص بالعروض والضرب. ولا تأتي في الحشو، وإذا دخلت العروض أو الضرب لزمها الشاعر في القصيدة كلها، لا كالزحاف الذي لايلزم،[18] وهي قسمان: علل بالزيادة وعلل بالنقص. وهي حين تعرض للتفعيلة بالنقص، تعطيها خِفَّة قد تبعد بها عن الثقل، والرتابة. وحين

والجدير بالذكر، أن الخليل حين قلَّلَ العلل ، فإنما كان يريد أن يحصر جميع الصور المتعددة لأعاريض الأنساق الخمسة عشر وضروبها. ولذلك نجده قد بدأ بوصف هذه الأعاريض والضروب من النموذح الذي جعله نظريا في شطر البحر في الدائرة، ثم قاس عليه باقي النماذج، وفرع العلة بقسميها إلى أنواع، وميز كل واحد منها باسم خاص.

ولا بأس أن نقف عند الأوزان التي تطرحها هذه العلل، انطلاقا من نظام الخليل نفسه. فما هي هذه الأوزان، أو ما هي هذه الأجزاء التي تدخل عليها هذه العلل.؟

يمكن رصد هذه الأجزاء أو الأوزان في علاقتها بالعلل، من خلال التفريعات التالية:

1 ـ فعولن                              المتقارب + م.

                                 الوسيط ( مقلوب الطويل).

2 ـ فاعلن                              البسيط

                                  المتدارك + م. المتدارك

                                 م. الوسيم ( مقلوب المديد)

3 ـ  مفاعيلن                   الطويل

                                 الهزج

                                 م. الوسيط( مقلوب الطويل)

                                 م. المنسرد

                                 المطرد + م. المطرد

4. مستفعلن                    الرجز + م.+ مشط. + منهـ. الرجز.

                                         م. الخفيف

                                        المقتضب

                                 المنسرح

                                 م. البسيط

4    . فاعلاتن                        المديد

                                 الخفيف

                                 المضارع

                                 المجتث

                                 الرمل + م. الرمل

                                 الوسيم + مشط. الوسيم

                                        م. المتئد

6. مفاعلتن                     الوافر + م. الوافر

7. متفاعلن                     الكامل + م. الكامل

8. مفعولات                    السريع + مشطوره

                                 منهـ. المنسرح

9. فاع لاتن.                   م. المضارع

                                 المنسرد

    10.مستفع لن.                     م. الخفيف

                                  المتئد

+ فاعلاتك                             المعتمد أو المتوافر ومجزوءه.

 

 

 

 

 

أ ـ علل النقص: وهي تسعة أنواع. وقد خصها صاحب الرياضة الغامزة بأوزان دون غيرها، وهي التي تشير إليها التفريعات التالية:

1 ـ الحذف: (حذف السبب الأخير من آخر الجزء)، ويدخل:

 1. 1.  فعولن           المتقارب (ضربه فقط) ← [فعو]

1 . 2.  مفاعيلن               الطويل ( ضربه فقط )             

                                  الهزج ( ضربه فقط ) ←[مفاعي ← فعولن]

1. 3. فاعلاتن         المديد  (عرضه وضربه): [فاعلن]

                           الرمل  (              ): [  ]

                           الخفيف (              ): [  ]

2 ـ القطف: ( تسكين الخامس مع حذف السبب الأخير من آخر الجزء)، ويدخل:

2. 1. مفاعلتن           الوافر:(عروضه وضربه) ← [مفاعل ← فعولن].

3 ـ القصر: (حذف ساكن السبب الأخير من آخر الجزء مع إسكان متحركه)، ويدخل:

 3 .1. فعولن           المتقارب (ضربه فقط): ← [فعول]

3 . 2 . مفاعيلن                    الطويل: [مفاعيل]← صورة متحققة عند الأخفش.

3 .3. فاعلاتن         المديد: (ضربه فقط) :←  [فاعلان]

                         الرمل: (            )

                         الخفيف (مقرونا بالخبن): [ فعلان]

4 ـ القطع: (حذف آخر الوتد المجموع وإسكان ما قبله)، ويدخل:

4. 1. فا[عـ(لـ)(ن)]           البسيط (ضربه فقط).

                                 المتدارك (عروضه وضربه).

4. 2. متفا[عـ(ل)ن)]         الكامل (ضربه فقط) ← [متفاعل ← فعلاتن]

4. 3. مستفـ[عـ(لـ) (ن)]              الرجز* (ضربه فقط)

                                   م. البسيط

5 ـ البتر : حذف السبب الخفيف من آخر الجزء مع آخر الوتد المجموع وإسكان ما قبله)، وتكون في:

 5. 1. فعـ(و)(لن)                     المتقارب (ضربه فقط) ←[ فَعْ]

5. 2. فاعل(ا)(تن)             المديد (ضربه فقط) ← [فعْلنْ].

6 ـ الحذذ : ( حذف الوتد المجموع من آخر الجزء)، ويكون في:

6. 1. متفا(علن)                        الكامل (ع. ض) ← [متفا ← فعلن]

6. 2. مستفـ (علن)                  (المقتضب، الرجز بأنواعه، المنسرح، م. البسيط). وهذه كلها أوزان لا يجيز فيها الخليل هذه العلة، وأجازه ابن بري)

7 ـ الصلم : (حذف الوتد المفروق من آخر الجزء)، ويكون في:

7. 1. مفعو(لات)              السريع (ضربه فقط) ← [مفْعو ← فعْلن]

8 ـ  الوقف ← ( إسكان السابع المتحرك)، ويكون في:

8. 1. مفعولا(ت)                      السريع (ضربه فقط مقرونا بالطي)                                         مشط. السريع ← مفعولان

                                 منهـ. المنسرح ← مفعولان

9 ـ  الكسف ← (حذف السابع المتحرك)، ويدخل:

9. 1.مفعولا(ت)               السريع (عروضه وضربه معا، إما مقرونتان                               بالطي= [فاعلن]، أو مقورنتان بالخبل= [فعلن].

                           مشط. السريع ← [مفعولن]

                          منهـ. المنسرح ← [مفعولن]

ويمكن أن نضيف إلى علل النقص هذه، كما يتبين من هذا التشجير،  أنواع ثلاثة من التحولات التي تساهم بدورها في وصف أعاريض وضروب الأنساق الإيقاعية، ستساهم هذه الأخرى بدورها في خلق أوزان شعرية قصيرة. وهي:

*. الجزء: وهو ذهاب جزء من آخر الصدر، وآخر من آخر العجز، وهذا هو المجزوء. ويصيب فقط: البسيط، الوافر، الكامل، الرجز، الرمل، الخفيف، المتقارب، المتدارك. ثم أوزان لا تأتي إلا مجزوءة، وهي : المديد،  المضارع، المقتضب، المجتث. فهذه الأوزان كلها لاتأتي على صورتها النظرية. أما الطويل والسريع والمنسرح، فلا يصيبها الجزء.

*. الشطر: وهو ذهاب شطر بأكمله، وبقاء شطر، وهذا هو المشطور. ويصيب هذا التغيير : الرجز والسريع.

*. النهك: وهوذهاب أربعة أجزاء من البحر، وبقاء جزأين، وهذا هو المنهوك. ويصيب هذا التغيير: الرجز والمنسرح.

*. وإذا بقي جزء واحد، سميبالمقطع.

 

ب ـ علل الزيادة: وهي ثلاثة أنواع، ولا تقع إلا في الأوزان القصيرة وهذه هي:

1 ـ  التذييل ← (زيادة حرف ساكن على ما آخره وتد مجموع)، ويكون في:

1.1. فاعلن               م.المتدارك ← فاعلن ← [فاعلان]: ابن غازي

1. 2. مستفعلن         م. البسيط ← [مستفعلان]          

1. 3. متفاعلن          م. الكامل ← متفاعلن ← [متفاعلان].

 

2 ـ الترفيل ← (زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع)، ويدخل:

2. 1. فا(علن)         المتدارك

                         م. المتدارك

2. 2.متفاعلن        م. الكامل                 [متفاعلاتن]

 

وإذا كانت هذه العلة، لا تصيب سوى المجزوءات من الأوزان، فإنها لا تدخل مجزوء البسيط، أو بتعبير أصح، فإن الخليل لا يسمح بدخولها هذا الوزن، كما لايسمح بدخولها الرجز المجزوء.

3 ـ التسبيغ ← (زيادة حرف ساكن على ما آخره سبب خفيف)، ويدخل:

 فاعلاتن             م. الرمل.

1 ـ 3 ـ 3ـ أشباه العلل : ( زحاف تقوم مقام العلة في اللزوم)

يلاحظ من خلال عرض البنيات الإيقاعية أن الزحاف في بعض الأحيان، يخالف المبدأ العام الذي سبق الحديث عنه، فيلزم في بعض الصور، ويعامل معاملة العلة في اللزوم.

فالحالات التي يقوم الزحاف فيها بتعويض العلة في مهمة تحديد العلاقة بين مختلف صور الأعاريض والضروب، وتمييز بعضها عن بعض هي :

ـ القبض : وهو حذف الخامس الساكن في كل من :

فعولن             المتقارب.          

                  مفاعيلن ← الطويل← م. الهزج.

وهذه كلها أوزان تنتهي أعاريضها وأضربها بواحدة من هذه الأجزاء، ولكن هذا الزحاف لايقوم مقام العلة فيها، إلا في الطويل.

ـ الخبن: وهو حذف الثاني الساكن في كل من:

  فاعلن                                البسيط     ← [فعلن]

                                         المتدارك + م        ← [ فعلن]

                                        م. المتدارك ← المرفل  ← [فعلاتن]

 

فاعلاتن                                      الرمل + م

                                        الخفيف

                                     المضارع + المجتث

                                    المديد م. المحذوف ← فاعلن ←[فعِلنٍ]

مستفعلن                           الخفيف + المقتضب + المنسرح + م. البسيط .

ـ الطي: (وهو حذف الرابع الساكن)

 

                مستفعلن            البسيط

                                             م. الخفيف

                                              المقتضب ← مستفعلن ← [مفتعلن]

                                              المنسرح  ← مستفعلن ← [مفتعلن]

 

         مفعولات                    السريع ← الموقوف ← [فاعلان]

                                       السريع المكسوف ← مفعولات ← [فاعلن]

 

ـ العصب : (وهو إسكان الخامس المتحرك)

         مفاعلتن               الوافر ← مفاعلتن ← [فعولن]

 

                       

     1 ـ 3 ـ 4ـ أوزان مغيبة:

    ونأتي الآن إلى الأوزان التي يغيبها نظام الخليل، باعتماد العلل، وأشباه العلل :

أ/ أوزان العلل:

ـ علة الحذف     ← لا تلحق                          المضارع

                                                        المجتث

 

ـ القصر  ← لا يلحق                         المضارع

                                                  المجتث

                                                الطويل

 

ـ القطع  ← لا يلحق                        المقتضب

                                            المنسرح

 

ـ البتر    ← لا يلحق                          الخفيف  

                                                    الرمل

                                                   م. الرمل

                                                 المجتث                                                                         المضارع

 

ـ الحذذ   ← لا يلحق                        البسيط

                                                المتدارك

                                               المقتضب

                                               الرجز بأنواعه الأربعة

                                               المنسرح

                                                 البسيط

     ـ الصلم   ← لا تلحق                           منهـ. المنسرح

 

 

التذييل  ← لا تلحق                              البسيط

                                                المتدارك

                                                    الرجز + م + مشط + منهـ

                                                      المقتضب

                                                       المنسرح

                                                     الكامل     

 

الترفيل← لا يلحق                             البسيط

                                                 المتدارك

                                                  الرجز + م مشط + منهـ

                                                المقتضب

                                             المنسرح

                                                 م. البسيط

                                                        الكامل

التسبيغ ← لا يلحق                                     المتقارب

                                                    م. المتقارب

                                                         الطويل

                                                          الهزج

                                                           الرمل

                                                          الخفيف

                                                         المضارع

                                                        المجتث

 

ب/ أوزان أشباه العلل :

 

ـ القبض← لا يلحق            المتقارب

                           الهزج

 

ـ الخبن  ← لا يلحق                   الرمل

                                         م. الرمل

                                         الخفيف

                                         المضارع

                                         المجتث

                                         الرجز + م + مشط + منهـ

                                         م. الخفيف

                                         المقتضب

                                         المنسرح + منهـ

                                         م. البسيط

                                         السريع + مشط

 

ـ الطي   ← لا يلحق           البسيط

                                  الرجز بأنواعه

                                  م. الخفيف

                                  منهـ. النسرح

 

ـ العصب← لا يلحق        م. الوافر

 

 

 

 

 

ج ـ أوزان البحور المهملة:

أما الأوزان التي يمكن توليدها من البحور المهملة، فهي كثيرة، ويمكن أن نقتصر فيها على الأوزان التي تسمح بها التغييرات التي تطرأ على العروضة، دون الضرب، وهذه هي: [19]

مقلوب الطويل التام وأوزانه:

1. الوزن التام،: [ مفاعيلن/ فعولن/ مفاعيلن/ فعولن × 2 ]

2 . المحذوف، ووزنه: [ ــ / ــ / ــ ** ــ / ــ / فعو]

3 . المقصور، ووزنه: [ ــ / ــ / ــ ** ــ / ــ / فعول ]

4 . الوزن المبتور: [ ــ / ــ / ــ ** ــ / ــ / فع ]

5 . الوزن المسبغ: [ ــ /ــ / ــ ** ــ / ــ / فعولان ]

6 . الوزن المقبوض: [ ــ / ــ / ــ ** ــ / ــ / فعول ]

مقلوب الطويل المجزوء وأوزانه:

1. المجوزء الصحيح: [ ــ / ــ/ مفاعيلن ** ــ/ ــ/ مفاعيلن ]

2 . المجزوء المحذوف:[ ــ / ــ / ــ ** ــ / ــ / فعولن ]

3 . المجزوء المقصور:[ ــ / ــ/ ــ ** ــ / ــ / مفاعيل ]

4 . المجزوء المسبغ:[ ــ / ــ / ــ ** ــ / ــ / مفاعيلان ]

5 . المجزوء المقبوض:[ ــ / ــ / ــ ** ــ/ ــ/ مفاعلن ]

وقد يأتي مشطورا على نفس الصور التي جاء عليها في حالة التمام.

ويمكن أن يأتي منهوكا، على نفس الصور التي جاء عليها في حالة الجزء.

البحر الثاني:

[ فاعلن / فاعلاتن / فاعلن / فاعلاتن× 2 ]

ويسمح بأن يأتي تاما على الصور التالية:

1. صحيحا : [ ــ/ ــ / ــ / ** ــ / ــ/ فاعلاتن]

2. مقصورا : [ ــ/ ــ / ــ / ** ــ / ــ/ فاعلان]

3.مسبغا [ ــ/ ــ / ــ / ** ــ / ــ/ فاعلاتان]

ـ ويمكن أن يأتي مجزوءا على الصور التالية:

1. م. صحيحا: [ ـــ/ ـــ ** ــــ / فاعلن]

2. م. مقطوعا: [ ـــ/ ـــ ** ــــ / فعْلن ]                           

3.م. مذيلا: [ ـــ/ ـــ ** ــــ / فاعلان]

4. مرفلا: [ ـــ/ ـــ ** ــــ / فاعلاتن]

ويمكن أن يأتي مشطورا على نفس الصور التي جاء عليها في حالة التمام،  أو منهوكا على نفس الصور التي جاء عليها في حالة الجزء.

البحر الثالث :

فاعلاتك/ فاعلاتك/ فاعلاتك ** فاعلاتك/ فاعلاتك/ فاعلاتك

ـ ويأتي في حالة وروده تاما، على الصور التالية :

1. صحيحا : [ ــ / ــ / ــ ** ــ / ــ / فاعلاتك ]

2. موقوفا : [ ــ / ــ / ــ ** ــ / ــ / فاعلاتن ]

3. مكسوفا : [ ــ / ــ / ــ ** ــ / ــ / فاعلات ]

4. مخبونا : [ ــ / ــ / ــ ** ــ / ــ / فعلاتك ]

ـ وفي حالة وروده مجزوءا أو مشطورا أو منهوكا، فإنه يحتفظ بنفس الصور السابقة.

البحر الرابع :

[ فاعلاتن/ فاعلاتن/ مستفع لن × 2 ]

أ ـ في حالة وروده تاما، يأتي :

1 . تاما صحيحا : [ ــ / ــ / ــ**  ــ / ــ / مستفعلن ]

2 . صحيحا مرفلا [ ــ / ــ / ــ**  ــ/ ــ / مستفعلاتن ]

 3 . مذيلا صحيحا : [ ــ/ ــ / ــ** ــ / ــ / مستفعلان ]

 4 . مخبونا صحيحا [ ــ/ ــ / ــ**  ــ / ــ / متفعلن ]

ب ـ ويمكن أن يأتي مشطورا على نفس الصور

 

ج ـ وقد يأتي منهوكا على جزأين:

1 . صحيحا منهوكا : فاعلاتن/ فاعلاتن

2 . منهوكا محذوفا : ـــ / فاعلن

3 . منهوكا مبتورا : ـــ / فعلن

4 . منهوكا مسبغا : ـــ / فاعلاتان

5 . منهوكا مخبونا : ـــ / فعلاتن

6 . منهوكا مقصورا :  ـــ / فاعلان

فهذه الصور، لم يشير إليها الخليل أثناء تناوله للرمل، ولذلك لم نتعرض للأوزان المجزوءة التي يسمح بها هذا البحر لأنه سيلتبس في هذه الحالات بمجزوء الرمل.

البحر الخامس :

مفاعيلن/ مفاعيلن/ فاع لاتن**مفاعيلن/ مفاعيلن/ فاع لاتن

أـ هذا البحر، في حالة وروده تاما، يأتي :

  1. صحيحا : ــ / ــ / فاعلاتن** ــ / ــ / فاعلاتن
  2. محذوفا :  ـــ / ـــ  ** ـــ / ـــ / فاعلن
  3. مسبغا : ـــ / ـــ  ** ـــ / ـــ / فاعلاتان
  4. مقصورا : ـــ / ـــ  ** ـــ / ـــ فاعلان

ب ـ ولا يمكن أن يأتي مجزوءا، لأنه سيلتبس بمجزوء الهزج.

ج ـ ويمكن أن يأتي مشطورا، فيحتفظ بنفس الصور السابقة.

د ـ وقد يأتي منهوكا، على جزأين، هكذا :

1. منهوكا صحيحا : مفاعيلن/ مفاعيلن

2. منهوكا محذوفا : ـــ/ فعولن

3. منهوكا مقصورا : ـــ/ مفاعيل

4. منهوكا مسبغا : ـــ/ مفاعيلان

5. منهوكا مقبوضا : ـــ ـــ / ـــ / مفاعلن

البحر السادس :

فاع لاتن/ مفاعيلن/مفاعيلن **فاع لاتن/ مفاعيلن/ مفاعيلن

أ ـ في حالة وروده تاما، يأتي :

1. صحيحا : ـــ/ ــــ** ـــ/ ــــ/ مفاعيلن

2. محذوفا ـــ/ ــــ ** ـــ/ ــــ / فعولن

3. مقصورا :  ـــ/ ــــ** ـــ/ ــــ / مفاعيل

4. مسبغا : ـــ/ ــــ** ـــ/ ــــ / مفاعيلان

5. مقبوضا : ـــ/ ــــ** ـــ/ ــــ / مفاعلن

ب ـ وفي حالة وروده مجزوءا، فإنه سيأخذ نفس الصورالسابقة.

ج ـ أما في حالة وروده منهوكا، فإنه سيحتفظ بنفس الصور السابقة، إلا أنه هذه المرة سيأتي على جزأين هكذا:

1. منهوكا صحيحا : فاعلاتن/ مفاعيلن

2. منهوكا محذوفا : ـــ / فعولن

3. منهوكا مقصورا: ـــ / مفاعيل

4. منهوكا مسبغا : ـــ / مفاعيلان

5. منهوكا مقبوضا: ـــ / مفاعلن     

وهذه الأوزان لم يأت بها الخليل أثناء تناوله للأوزان الشعرية. وهي في مجموعها تبين لنا الطريقة التي اتبعها في تفريع أوزان كل بحر على حدة، وتوليد أوزان من أخرى بدءا من مفهوم الزحاف والعلة، ومرورا بعمليتي الجزء والشطر والنهك. لذلك تجدنا لا نستغرب إذا كانت الشعريات العربية قد تنبهت إلى طرق التوليد هذه التي أبانت عنها القواعد السابقة، فمالت نحو التجديد والابتكار

.فجربوا تامها ومجزوءها ومشطورها ومنهوكها، وخلطوا أحيانا بين تامها ومجزوئها، وتارة بين تامها ومنهوكها، وتارة أخرى بين مجزوءها ومقطعها، وشطروا ما لا يشطر، وجزءوا ما لا يجزء.. دون أن يخرجوا عن عروض الخليل وما يطرحه من إمكانات إيقاعية هائلة لا ينضب ماؤها.

1 ـ 3 ـ 5 ـ العلل الجارية مجرى الزحاف:

هذا ومن العلل ما يجري مجري الزحاف في عدم اللزوم، وهذه العلل، أو أشباه العلل التي تخالف مبدأ العلة، فلا تقع في موقعها، وحين تقع، لاتلزم، هي:

-            الحذف في العروض الأولى لبحر المتقارب.

-            والتشعيب، ثم الخرم، والخزم.[20]

  • فالتشعيت هو حذف أول الوتد المجموع، وهو خاص بالضرب دون العروض إلا عند التصريع، ففي مثل هذه الحالة يدخل العروض، ويصيب كلا من الخفيف، والمجتث، والمتدارك. فـ (فاعلاتن) الموجودة في بحر الخفيف، تصير: (مفعولن).    
  • أما الخرم، فهو حذف أول الوتد المجموع في الجزء الأول من البيت. ويقع في فعولن، ومفاعيلن، ومفاعلتن، من الطويل والمتقارب والهزج والمضارع والوافر.

وقد خرموا " مستفعلن " في الرجز والمنسرح والكامل لما آل إلى: (//0//0) " فعولتن".[21] وأكثر ما يقع في أول البيت الأول وقد يقع قليلا في أول عجز البيت، ولا يكون أبدا إلا في وتد.[22]  وللخرم بحسب مواقعه، ثلاثة ألقاب، هي: الثلم،[23] والخرم،[24] والعضب.[25] وله أسماء خاصة مع ما يكون له من تغييرات أخرى من الزحاف في التفعيلة ذاتها: هي الثرم،[26] والشتر،[27] والخرب،[28] والقصم،[29] والجمم،[30] والعقص.[31]

وهو حيث وقع قبيح باتفاق من الناس، " ومن شأنهم مد الصوت، فجعلوه عوضا من الخرم الذي يحذفونه من أول البيت ". [32] فقد كانت العرب تأتي به " لأن أحدهم يتكلم بالكلام على أنه غير شعر، ثم يرى فيه رأيا، فيصرفه إلى جهة الشعر، فمن ها هنا احتمل لهم، وقبح من أفعال غيرهم".[33]

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الخليل، وإن اعتبر الخرم قبيحا فإنه قد بذل في وصفه وتحديد فروعه وتسميتها جهدا كبيرا يدل على إخلاصه واحترامه لما سمع من الشعر، وهذا دليل آخر يمكن استثماره في بحث التطورات التي لحقت نظام الخليل على يد الشاعريين الجدد. وخاصة في جانب كبير من مقطوعاتها التي تكاد تلتبس بالنثر. فما كان بالأمس رخصا لا يسمح به إلا عند الاضطرار، أصبح قاعدة ألزم بها الشاعر نفسه، ما دام أنه يلبي حاجة موسيقية لفئة عريضة من ذوي المهارات الغنائية الشعبية، التي وجدت ضالها في المقطوعات الشعرية النثرية على يد المتأخرين.

ـ أما الخزم : فهو ضد الخرم، بالراء غير معجمة، الناقص منهما ناقص نقطة، والزائد منهما زائد نقطة. وغالبا ما يكون بزيادة حرف من حروف المعاني، أو كلمة، وقل ما يخزم بحرف من نفس الكلمة. إلا أنهم لم يأتوا فيه بأكثر من أربعة أحرف.[34] وهذه الزيادة غير لازمة ولا دخل لها في تقطيع البيت، وهي غير مختصة ببحر من البحور. وقد يقع في أول الشطر الثاني، لكن بحرف أو حرفين لا غير، وهو أيضا غير لازم . وإذا سقط لم يفد المعنى، ولا أخل به ولا بالوزن.[35] 

غيرأن هناك  من نظر إلى الخرم على أنه وسيلة من وسائل تصرف الشاعر حين الإلقاء أو الإنشاد، فكأن الشاعر وهو يلقي البيت يريد أن يصرف المستمع إلى أنه من بحر، ثم سرعان ما يعدل عنه إلى بحر مخالف، وهو مدرك لقيم التوازن. وفي ذلك يقول أحمد كشك: " فإن أراد التنويع وكسر الرتابة أنشد تفعيلاته على أنه من بحر مخالف ثم يعدل بعد ذلك إلى بحره. وإن أراد ايجاد بحره حافظ على سكتاته التي تحدد بحره". وتابع قائلا: " ذلك أن إنشادا سيجعلنا نحس أنه أمام بحر تخدعنا بدايته في أنه الكامل كما في قول المتنبي:

لاَ يُحْزِن اللهُ الأَميرَ فَإِنَّنِي *** لَآخُذُ مِنْ حالاتِهِ بِنَصِيبِي

الشطر الأول يوحي ببيت من الكامل، حيث يكون التقسيم  على النحو التالي:

لا يحزنل / لاه الأمي / رفإنني : متْفاعلن/ متْفاعلن/ متفاعلن

لكن توقيع الشاعر المنشد يستطيع أن يزيل هذا التوهم مستخدما ما يراه من سكتات كي يكون الشطر على النحو التالي:

لا يح / زنل لاهل / أمير / فإنني

وبذلك ندخل في إطار بحر الطويل".[36]

بحيث يصبح وزنه:عولن/ مفاعيلن/ فعول/ مفاعلن.

وبالنسبة للظاهرة الأخرى المتمثلة في الزيادة على إطار البيت، فقد تم النظر إليها أيضا على أساس أن بينها وبين الوزن الشعري سكتة توحي بأن ما بعدها من الإيقاع غير موصول بما قبلها، ولذلك فإن ترك المنشد لها أو إتيانه بها، لا يخل بإيقاع الشعر ولا يضر بالوزن ولا بالمعنى. فهذه الزيادة غالبا ما تشكل بالنسبة للشاعر، هامشا من التصرف الإنشادي لوصل البيت بما يليه


2 ـ المستدرك على أوزان الخليل:

قد تقدم أن الشعر محصور في خمسة  أو ستة عشر بحرا، كلها محصورة في خمس دوائر، مدار الأمر فيها على ثلا ثة وستين وزنا، موزعة على أربع وثلاثين عروضة ، وثلاثة وستين ضربا، وكلها نظمت عليها العرب. وأما ما زادت عليها فكثير. وهذه الأوزان هي التي تنبهت إليها الشعريات العربية، فاستدركتها على نظام الخليل، الذي تكمن أهميته  في بنائه الشجري، وتصيدت لها أكثر من شاهد عروضي، نرى ضرورة الوقوف عندها، حتى يتسنى لنا ملاحقة الأوزان التي مالت إليها الشعريات التي مالت إلى التجديد، فجعلت منها إحدى بنياتها العروضية المميزة. [37]  

2 ـ 1ـ المستدرك على الطويل:            

مستعمل الطويل كأصله مثمن في الدائرة، مبني من: فعولن/ مفاعيلن. وله عند الخليل، ثلاثة أوزان.[38]

+ وزاد الأخفش لعروضه الأولى المقبوضة [ مفاعلن ] ضربا رابعا مقصورا، [ مفاعلان

+ وزاد ابن السمان في هذه العروض ضربا خامسا دخله الحذف ثم القصر، فجاء على وزن: [ فعول

+ وقد طوله باستعمال التسبيغ فيه بعض المحدثين، فجاء به على وزن[مفاعيلان

+ واستعمل المتنبي العروض تامة في غير التصريع لأجل التصريع،

+ وزاد الأخفش عروضة ثانية محذوفة،[ فعولن] لها ضرب مقبوض، [مفاعلن

+ وأضاف لنفس العروضة المحذوفة، ضربا ثانيا محذوفا مثلها[ فعولن

+ وزاد ابن السمان في هذه العروض ضربا ثالثا حذف منه سببا مفاعيلن، فآل إلى [ فعل ].

+ ولم يستعمل الطويل مجزوءا، وقد أتى للمحدثين،

+ واستعملوه مجزوءا محذوفا

2 ـ 2 ـ مقلوب الطويل:[39]   

وقد سماه ابن الحداد " الوسيط "، وزعم ابن كيسان أن بعض المحدثين سماه  " السبيل" وقد غيره أبو عبد الله الحداد جملة تغييرات، فنظمه:

1/ تاما:

مفاعيلـن فعولن مفاعيلن فعولن* مفاعيلن فعولن مفاعيلــن فعولن

2/ ثم نظمه مقصورا [ فعولن ] / [ فعول]

3/ ثم نظمه محذوفا[ فعولن ] / [ فعو]،

 4/ ثم نظمه مجزوءا،

5/ ثم نظمه مجزوءا محذوفا،

 

 

2 ـ 3 ـ المستدرك على المديد:[40]

وزنه في الدائرة مثمن مبني من " فاعلاتن فاعلن"، وليس هذا بالمستعمل ولا المعروف في أشعار العرب، وإنما قد التزموا حذف جزء من عروضه وجزء من ضربه، وهو " فاعلن "، فصار مسدسا، هكذا:

فاعلاتن فاعلن فاعلاتن *** فاعلاتن فاعلن فاعلاتن

ويعد  المديد من الأبحر الشعرية التي يسمح فيها توالي النواتين الإيقاعيتين:   [ فا ] / [ علن ] بتعدد أوزانها، وهي عدا الأوزان المعروفة عند الخليل:[41]

الوزن السابع:وحكاه ابن السمان، عروضه الأولى تامة [ فاعلاتن] وضربها مقصور، [ فاعلان

الوزن الثامن: وحكى له ضربا محذوفا، [ فاعلن

الوزن التاسع: وحكى له ضربا محذوفا مخبونا،[ فعِلن

الوزن العاشر: وحكاه الأخفش لعروض الوزن المجزوء المحذوف، [ فاعلن]، وذكر له ضربا مجزوءا [ فاعلاتن

الوزن الحادي عشر: ولم يجيء المديد عن العرب تاما، وقد أتى منه للمحدثين قول الناشيء:

إِنّهُ لَوْ ذاقَ لِلْحُبِّ طَعْماً ما هَجَــرْ ** كُلُّ غِرٍّ في الهَوَى أنتَ مِنْهُ في غَرَرْ

لَيْسَ مَنْ يَشْكُو إلى أهلِهِ طولَ الكَرَى** كالَّذِي يَشْكُو إلى أهلِهِ طولَ السَّهَـرْ

 

2 ـ 4 ـ مقلوب المديد:

وسماه ابن الحداد" الوسيم "، وزعم ابن كيسان أن بعض المحدثين سماه " البديع "، وصنع عليه قوله:

كُلُّ أَمْرٍ تَوَلَّى مُدْبِرًا ذُو اعْتِيَاصٍ ** فَالْهُ عَنْهُ وَطَالِبْ مُقْبِلاَتِ الأُمُورِ

وقد غيره أبو عبد الله بن الحداد تغايرا، فجاء به: [42]

1/ تاما،

2/ واستعمله مقصورا، [ فاعلان]،

3/ واستعمله محذوفا،

4/ واستعمل هذا الضرب مخبونا،

5/ واستعمله مجزوءا مخبونا،

إِ

 وجعل أبو الطيب صالح بن شريف الرندي، أجزاء شطره، تتألف من:

[ فاعلاتن | فعولن ] مرتين، وهو مثمن ومربع، واستشهد على مربعه بهذا البيت:

مَنْ لِقَلْبِي المُعَنَّى ** بِالَّذِي يَتَنَّى

 

         2 ـ 5 ـ المستدرك على البسيط:

وقد أتى منه للعرب ستة أوزان،[43] وثبت عن الأعشى استعماله تاما في ديوان شعره، وذلك قوله:

قَفْرُ الفَيافِي تَرَى ثَوْرَ النِّعاجِ بِهَا  * يَرُوحُ فَرْداً وَيُلْفِي إِلْفَهْ طاوِيَهْ

وهذا هو الوزن السابع. ومن مصرع هذا الضرب، أنشده عامة أهل العروض:

 

وعده النديم على أنه " مشطور البسيط "، وليس كذلك في نظر القللوسي، لأن الشطر لم يجئ في المثمنات.

الوزن الثامن: أتت عروضه تامة [ فاعلن]، وضربها تام [ فاعلن] ،

الوزن التاسع: استعمال الحذذ مع الخبن في عروض البسيط المجزوء: [ فعو] / [ فعول]

الوزن العاشر: من مجزوء البسيط، ضربه مثل عروضه، استعمل فيه الحذذ مع الخبن: [ فعو] / [ فعو]،

الوزن الحادي عشر، من البسيط المجزوء، استعمله دون خبن، جماعة من المحدثين منهم أبو العتاهية في قوله: [فعْلن] / [فعْلن]

الوزن الثاني عشر: وفيه أدخل بعضهم القصر على فعولن حملا على فعولن في المتقارب، فجاؤوا به على وزن: [ فعولن] / [فعول]،

الوزن الثالث عشر: وفيه أدخل أبو العتاهية الطي على مستفعلن المقطوع، فغير الضرب وحده، فآل إلى [فاعلن


 2ـ 6 ـ مخلع البسيط: ( اللاحق).

وهو الوزن السادس للبسيط المجزوء المقطوع، لكن على التزام الخبن في "مفعولن " في الضرب والعروض، وتسمى هذه العروض بمخلع البسيط[44].  وهذا الوزن في رأي العروضيين، وزن متفرع عن البسيط بعد خبن عروضه المجزوءة المقطوعة ذات الضرب المماثل.

وهو في رأي حازم، عروض قائم بنفسه مركب شطره من جزأين تساعيين، تقديره: " مستفعلاتن / مستفعلاتن ". وكأنهم يلتزمون حذف السين من الجزء الثاني. والعبارة الأخيرة، إشارة إلى الصورة الأخيرة لمخلع البسيط: " مستفعلن / فاعلن / فعولن"، المتفرعة عن الوزن الأصلي المضارع لهذا المخلع: " مستفعلاتن / مستفعلاتن " بعد حذف ساكن جزءه الثاني، كما يتضح من المقاربة التالية:

مستفعلاتن / مستفعلاتن

/0/0//0/0. /0/0//0/0

ــــــــــــــــــــــــــــــــ  = الوزن المضارع للمخلع

مستفعلاتن .   متفعلاتن

/0/0//0/0.  //0//0/0

ــــــــــــــــــــــــــــــــ  = المخلع ( بعد دخول الخبن على جزءه الثاني).

مستفعلن. فا  علن. فعولن

  وهذه الصورة ليست إلا تركيبا جديدا لمخلع البسيط في صورته الأصلية. فإذا أضفنا إليها الصورة الأصلية قبل الخبن، كان عندنا:

مستفعـلاتن .  مستفعلاتـن

/0/0//0 /0. /0/0 //0/0

مستفعلن مفــعولن فعولن

وقد تفرعت عنه أوزان، استدرك القللوسي البعض منها في تناوله للبسيط، وعدها من الناذر فيه، وهذه الأوزان هي:

1 ـ وقوع [ مفعولن] في موضع فاعلن، ومنه قول ابن المعتز:

اَلْعَيْشُ مُرٌّ والمَوْتُ هَمٌّ        أَنْقُلُ رَحْلِي مِنْ كـُـلِّ  دارٍ        

 

فَأَيُّ هاذَيْنِ لاَ أَذُمُّ             خَوْفَ المَنايَا والأرضُ سُــمُّ         

2 ـ كذلك فعول [//0/] في موضع فعولن [//0/0]، [فعول]، في قول ابن المعتز:

قالتْ وَقَدْ رَاعَهَا مَشِيبِي         فَقُلْتُ لاَ تَعْجَبِـي  وأنتِ             

 

كُنْتَ ابْنَ عَمِّى فَصِرْتَ عَمَّا       قَدْ كُنْتِ بِنْتاً فَصِــرْتِ أُمَّا           

2 ـ 7 ـ المستدرك على الوافر:

وهو في أصل البناء على ستة أجزاء، [ مفاعلتن] ست مرات. والذي تُكُلِّمَ به منه ثلاثة أوزان.[45]

+ وقد روي الوافر تاما عن العرب،

 

+ وروى له الأخفش عروضا مجزوءة مقطوفة، ضربها مثلها، [فعولن] / [فعولن]،

+  وذكر الزجاج أنه جاء في ضرب الوافر المقطوف القصر،

+ وقد جاء في عروض الضرب الأول المقطوف القبض.[46] فقد شبه بعضهم فعولن في الوافر بفعولن في الطويل والمتقارب، فأدخله القبض، وهو في الحقيقة عقل

+ وذكر الزجّاج أنه جاء في ضرب الوافر المقطوف القَصر،

+  وقد حق أبو العتاهية الشبه فأدخله الحذف، وقال: [فعو]

ـ تنبيهان:

تَرَى الحاجاتِ حَيْرَى إذا اعْتَلَّ الوَرَى                               وَيَبْقَى النّاسُ كالرَّكْبِ ضَلُّوا وَسْطَ أَرْضٍ  فَبَيْنَا هُـمْ علـى حالِهِـمْ واللّيْــلُ داجٍ        

 

ويُظْلِمُ كُلُّ صُقْعٍ وَتَعْتَلُّ الأُمُورُ    فَلَيْسَ بِهَا دَليلٌ فَيَهْدِي مَنْ يَجُورُ   بَدَا لَهُــمُ فَسَارُوا بِـهِ قَمَرٌ  مُنِيرُ   

1/ جعل علي بن المنجم بيتين من العروض المجزوءة المقطوفة، ذات الضرب المماثل، بيتا واحدا، وصنع على ذلك قوله: [فعولن]

2/ وقد نقل فعولن لأول الصدر وأول العجز من العروض والضرب الأولى، علي بن يحيي المنجم، فقال: [مفاعلتن]

بِنَفْسِي حَبِيبٌ صَدَّ وَاجْتَنَبَا      وَوَاللهِ مَا أَذْنَبْتُ أَعْلَمُهُ         بَلَى لاَمَهُ في الصَّدِّ لاَئِمُـهُ     //0/0| //0/0/0| //0///0     

فعولن | مفاعيلن | مفاعلتن  

 

وَأَظْهَرَ لاَ مِنْ رِيبَةٍ غَضَبَا      إليهِ ولاَ أَوْجَدْتُهُ سَبَبَا           فقالَ لَهُ أَقْضِي بِـهِ أَرَبَا    //0/0  //0/0/0 //0///0        فعولن | مفاعيلن | مفاعلتن         

 

 

 

  والأبيات عندي يمكن حملها على السريع المكسوف، مع التزام الخزم أول الصدر وأول العجز. وهي زيادة لا دخل لها في تقطيع البيت، إلا أنها تعتبر مكونا أساسيا في التجربة الغنائية،

         2 ـ 8 ـ المستدرك على الكامل:

وعروض الكامل هذه كثر استعمالها، فاتسع مجالها، ووقع فيها من التغييرات ما جعل أوزانه تزيد عن العدد المعروف عند الخليل.[47] من ذلك:

+ أن الضرب الثالث، من العروض الأولى، جاء أحذ دون إضمار[ فعِلن ]

+ وجاء لها ضرب مرفل [ متفاعلاتن

+ وجاء لها ضرب مذال [ متفاعلان

+ وأتى للعروض الثانية الحذاء[ فعِلن]، ضرب تام مرفل،[ متفاعلاتن ]،

2 ـ 9 ـ المعتمد

 هذه التسمية لابن الحداد، ووزن شطره في الدائرة:

" فاعلاتك / فاعلاتك / فاعلاتك"، مرتين.

وهذا النوع يعد من الأوزان المستثقلة، ولذلك أهمل. وسماه بعضهم السالم، لسلامته من الزحاف،

 وقد غيره ابن الحداد تغاييرَا، منها:

1/ أنه استعمله تاما موقوف الآخر [فاعلاتن

2/ واستعمله أيضا موقوف العروض والضرب [ فاعلاتن] / [فاعلاتن]،

3/ واستعمل لهذه العروض الموقوفة، ضربا ثانيا حذف فيه السبب الثقيل، [فاعلاتن] / [فاعلن]

4/ واستعمله أيضا محذوف العروض [فاعلن] ، موقوف الضرب [فاعلان]،[48]

5/ واستعمله محذوف العروض والضرب، [ فاعلن] / [فاعلن]،

وهذا الوزن الأخير أعدل وزنا وأسلس ذوقا من هذا النوع كله، وقد غيره تغايرا خرج فيها عن القانون المستتب، لم يتعرض لها القللوسي تحاميا للطول.

6/  وأنشد الخولاني مجزوءا سالما محذوفا، ونسبه لعبيد بن الأبرص، وهو قوله: [فاعلاتك].[49]

لاَ أَعُوقُ وَلاَ أَجُوبُ وَ **  لاَ أُغِيرُ عَلَى مُضَرْ

ثم قال بعده:

لَكِنَّمَا غَـزْوِي إِذَا               بِكَتِيبَةٍ جَأْواءَ تَــرْ     

 

صَحَّ المَطِيُّ مِنَ الدُّبُرْ           فُلُ فِي الحَدِيدِ لَهَا   دَفَـرْ

 

2 ـ 10ـ المستدرك على الهزج :

وأصله في الدائرة مسدس مبني من " مفاعيلن" ست مرات. أما بحسب الاستعمال، فهو مجزوء وجوبا. ولهذا البحر وزنان فقط:[50]

+/ وزاد الأخفش ضربا ثالثا مقصورا، [مفاعيلن]

+/ ولم يأت عن العرب تاما إلا قليلا،

+/ وقد أتى له عروض محذوفة [فعولن]، لها ضرب مثلها [فعولن]، وهي ناذرة،

+/ وقد أتت العروض في الضرب الثاني مقبوضة،: [مفاعلن] / [فعولن]

 

        2 ـ 11 ـ المستدرك على الرجز:

يعد ها الوزن من الأنماط الإيقاعية الكبرى التي توسع العرب في استعمالاتها، حتى إن العروضيين قد ذكروا له أوزانا أخرى غير التي ذكرها الخليل وابن القطاع،وهي: [51]

+ الوزن المقطوع العروضة والضرب،[ فعولن] / [ فعولن]، والخبن لازم في هذه العروض وضربها.

+واستعمل بعض المحدثين للعروضة الثانية المجزوءة، ضربا ثانيا مقطوعا [ مستفعلن] / [ مفعولن]،

+واستعمل ابو العتاهية لها ضربا ثالثا أحذ [ مستفعلن] / [ فعْلن

+ واستعمل أبو نواس له عروضا مجزوءة مقطوعة لها ضرب مثلها :[ مفعولن] / [ مفعولن]، وتحتمل هذه العروض أن تحمل على المنسرح.[52]

+ وقد أتى للعروض الأولى من الرجز، ضرب مرفل، وضرب مذال في الناذر منه.

1- فأما المرفل، فأنشد ابن السمان عليه قوله :

هَلْ تَعْرِفُ الدَّارَ عَفا رُسومُها ** كُلُّ مُلِثٍّ ذو أَهاضِيبَ سَجُومُ

2- وأما المذال، فأنشد عليه قوله، وهو من الضرب الثاني المقطوع منها  [ مستفعلن] / [ مفعولاتن]:

عُوجَا عَلَيْهَا عَوْجَةً كَيْ تَسْأَلا **عَنْ أَهْلِها إِنْ جُزْتُما بِالْأَطْلاَلِ

+ وقد أتت الإذالة أيضا في الضرب الثاني الشاذ من العروض الثانية المجزوءة الصحيحة،: [ مستفعلن ] / [ مفعولان ]

+  وقد أتى لهذه العروض المجزوءة الصحيحة [ مستفعلن]، ضرب أحذ [ فعْلن]، في مسمط أنشده الجوهري في الصحاح،

+ وقد استعمل أبوالعتاهية الرجز مثمنا،

+ ومثله ما أنشده بعضهم وزعم أنه للعرب، إلا أنه مقطوع الضرب:

وَبَلْدَةٍ قَطَعْتُهَا بِجَسْرَةٍ أَعْمَلْتُهَا    تُخْذَى إِلَى ابْنِ جَعْفَرٍ لِأَنَّهُ مُذَهَّبٌ                        

 

مَـوَّارَةٍ أَذالَهَا التَّرْحيلُ وَالذَّمِّيلُ     رَحْبُ الْفِنَاءِ سَيِّدٌ  يَفْعَلُ مَا يَقولُ

+ وقد استعمله على بن المنجم، على جزء واحد. والجوهري يسمي هذا المقطع.

 

     2 ـ 12 ـ المستدرك على الرمل:

ومستعمل هذا البحر كأصله مسدس في الدائرة، مبني من " فاعلاتن "، ثلاث مرات. وله عند الخليل عروضان وستة أضرب.[53]

+ وزاد الزجاج عروضة ثالثة مجزوءة محذوفة، لها ضربان عنده.[54].

1/ ضرب مثلها،

2/ وضربها الثاني مخبون،

+ وزاد غيره ضربا ثالثا مجزوءا مقصورا،

+ وزاد أبو العتاهية فيها ضربا رابعا أبتر [/0/0]،

+ وقد أتى للعروض الثانية المجزوءة في شعر المحدثين، ضرب رابع مجزوء محذوف مخبون،

+ وقد أتت العروض الأولى من الرمل تامة مثل ضربها

        2 ـ 13ـ المستدرك على السريع:

مستعمل السريع كأصله مسدس في الدائرة مبني من: [ مستفعلن / مستفعلن / مفعولات ] ومثلها عند الخليل. وهو عند الأخفش مبني من: [ مستفعلن / مستفعلن / فاعلاتن ].[55]

ولهذا البحر سبعة أوزان موزعة ما بين أربع أعاريض وسعبة أضرب عند الخليل،[56] وهي ستة ضروب عند الأخفش والزجاج ومن تبعهما، ومنهم ابن القطاع. فقد ذكروا أن العروض الثانية منه لها ضرب واحد.

 + ومن شواذ السريع، وهو من المستدركات، قول الأعشى:[57]

أَقْصِرْ فَكُلُّ طالِبٍ سَيَمَلْ             أَقْصَرَهُ رَيْبُ المَنونِ وَمَا           

 

إَذْ لَمْ يَكُنْ على الحَبيبِ عَوَلْ        للموتِ في هذا الأنامِ  بَـدَلْ        

ثم قال :

فَهْـوَ يَقولُ لِلسَّفِيهِ إِذْ  ***    يُؤَامِرُهُ فِي بَعْضِ مَا يَفْعَلْ

فاستعمل العروض صلماء مخبونة، وخزم أول النصف الثاني ببعض كلمة. وقد روي:

فَهْـوَ يَقولُ للسَّفيهِ إذا  **   يَأْمُرُهُ فِي بعضِ ما يَفْعَلْ

وما يهمنا من هذا الشاهد، بروايتيه معا، تداخل هذه الأعاريض فيما بينها:

ـ فقد جاءت في البيت الأول مخبولة مكشوفة، وجاء ضربها مثلها. وهذا هو الوزن الخامس الذي لم يشر إليه القللوسي، وأشار إليه غيره.

ـ وجاءت في البيت الثاني صلماء مخبونة، وجاء ضربها أصلم.

ـ وجاءت في الرواية الثانية مخبولة مكشوفة، وجاء ضربها أصلم.

+ ومن الشاذ فيه أيضا وقوع الضرب الأول والثاني في قصيدة واحدة من العروض الثانية:

 

ع. مخبولة مكشوفة:///0                              مثلها: ///0

                                                       أصلم: /0/0

    

+ ومن تمام بناءه ما أنشده الأستاذ أبو الحسن، فقد كان ينشد على كل عروض بيتا من أتم بنائه، وذلك قوله:

مَاذَا وُقوفُ الصَّبِّ بَيْنَ الأَطْلالِ  ***  في مَنْزِلٍ مُسْتَوْحِشٍ رَثِّ الحَالِ

ولم يدخل الجزء السريع لأن مفعولات طرف، ولو حذف من الضرب والعروض لم يبق ما يدل عليه، وأمر آخر، وهو أن مبنى هذه الدائرة إنما هو على الوتد المفروق، وبه خالفت سائر الدوائر.

 

2 ـ 14 ـ المستدرك على المنسرح:

وزنه في الدائرة : مستفعلن /مفعولات / مستفعلن، ومثلها.  

ولهذا البحرعند الخليل ثلاث أعاريض وثلاثة أضرب:[58]

+ وزاد بعضهم في العروض الأولى الصحيحة ضربا ثانيا مقطوعا:[ /0/0/0 ]،

+ وقد استعمل بعض المحدثين لهذه العروض ضربا أحذ في قوله:

+ واستعمل ابن بسام لهذه العروض، ضربا على وزن " فعلان":

+ وزاد بعضهم عروضا مجزوءة مكشوفة لها ضربان:

1/ ضرب مثلها،

2/ الضرب الثاني موقوف،

+ وزاد بعضهم عروضا مجزوءة مكشوفة مخبونة،[ فعولن]، لها ضرب مثلها،     [ فعولن

+ وأنشد أبو الحسن من أتم بناءه:

إِنَّ ابْنَ زَيْدٍ لاَزالَ مُسْتَعْمِلاً  ***  بِالخَيْرِ، يُفْشِي في مِصْرِهِ العُرُفَا

 

2 ـ 15 ـ المستدرك على الخفيف:

 مستعمل الخفيف كأصله مسدس في الدائرة، مبني من:" فاعلاتن / مستفع لن / فاعلاتن "، ومثلها. وله عند الخليل خمسة أوزان، أي: ثلاث أعاريض وخمسة أضرب، غير الأوزان التي استدركها غيره.[59]

 فقد أتى للعروض الأولى التامة:[/0//0/0]

ضرب مقصور، أنشده ابن السمان: [ /0//00]

2 ـ وضرب أبتر: [/0/0]،

3 ـ وضرب محذوف مخبون: [ ///0]،

+ وقد أتى للعروضة الثانية المحذوفة:[/0//0]، ضرب أبتر:[/0/0

+ وجعل الخليل الخبن في هذه العروض الثانية المحذوفة وضربها، زحفا،

والتزمه الطرماح في هذه العروض، فجعلها أخرى، وجعل لها ضربا مثلها، [ فعِلن] / [ فعِلن]،:[60]

+ وقد أتى لهذه العروض المخبونة المحذوفة:[ ///0]، ضرب تام: [ /0//0/0]،

+ وأنشد أيضا لها ضربا مقصورا، [ ///0] / [/0//00]:

+ وأنشد لها  ضربا أبتر، [ ///0] / [/0/0]:

+ وزاد المحدثون عروضا بتراء:[/0/0]، لها ضرب مثلها:[/0/0]،

+ وقد أتى له عروض مجزوءة مقصورة مخبونة:[//0/0]، لها ضرب مثلها: [//0/0].

+واستعمل هذه العروض وضربها مرفلين، [مفعولاتن] / [مفعولاتن]،

 

 + وعمد أبو العتاهية إلى العروض الأولى والضرب الأول، واستعمل فيهما الترفيل، فزاد: [فا]

أَيُّهَا النّاسُ إِنَّكُــــمْ سَتَمُوتُونَا ** وَأَرَاكُمْ للموتِ لاَ تَسْتَعِــدُّونَا

تَجْمَعُونَ الحُطامَ بَعْضاً إلى بَعَضٍ ** وَتَخالُونَهُ تُراثاً وَتَمْضُــونَا

"والترفيل" هو زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع، ولا أرى وتدا مجموعا تنتهي به "فاعلاتن"، وأظن أن القللوسي يقصد زيادة حرف ساكن على ما آخره سبب خفيف، وهذه الزيادة هي "التسبيغ" وأن الأبيات يجب أن تقرأ ضروبها بالتقييد، هكذا: [فاعلاتان]

أيُّها النّاسُ إنّكــــمْ ستموتونْ ** وأراكمْ للموتِ لا تَستعِــدّونْ

تجمعونَ الحُطامَ بعضاً إلى بَعْضْ ** وتَخالونَهُ تُراثاً وتَمْضــونْ

+ وعمد أبو العتاهية إلى مجزوءه ومقصوره المخبون، فجعل بيتين بيتا واحدا، فقال:

كلُّ حَيٍّ على الزَّمانِ فلاَ بُدَّ فانٍ      يَنْبَغِي لِي أَنْ آخُذَ الزّادَ للموتِ عُدَّةً     فاعلاتن / مستفعلن* فاعلاتن/ فعولن

 

أيُّ شَيْءٍ يَبْقَى عَلَى حادِثاتِ الزَّمانِ     فَكَأَنِّي أَرَى بِداعٍ لهُ قَدَ دَعَانِي         فاعلاتن / مستفعلن* فاعلاتن / فعولن        

+ وكثيرا ما يأتي أكثر القصيدة مشعثا، والتشعيث حذف متحرك، فتصير: فاعلاتن، إلى: "مفعولن" وهو حسن، ولم يستعمل المحدثون حذف متحرك عداه، يكاد كل شعر من الخفيف لا يخلو منه، ومن ذلك قول الوليد بن يزيد بن عبد الملك:[61]

اِسْقِنِي يا يَزيدُ بالقَرْقارَهْ ** قَدْ طَرِبْنَا وَحَنَّتِ الزَّمَّـارَهْ

اِسْقِنِي مُتْرَعاً فَإِنَّ ذُنُوبِي** قَدْ أَحَاطَتْ، فَمَا لَهَا كَـفَّارَهْ

2 ـ 16 ـ مهمل الخفيف:

  وتناوله حازم بالحديث في معرض كلامه عن الخفيف، فقال ما نصه:      " ومن تركيب السباعيات المتغايرة ما يتوسط فيه المفرد ويتطرف الجزءان المتماثلان كالخفيف... أما ما يتقدم فيه المفرد على المزدوجين فمهمل في أوزان العرب، لأن الجزأين المتكررين أثقل من المفرد. فالصدر أولى بهما على قياساتهم، وتصدير الأشطار أيضا بما يظهر فيه التناسب أولى من تصديرهما بما لا يظهر فيهما تناسب. ولهذا، ولاعتبارات أخرى، أهملوا هذا الضرب من الأبنية الوزنية.

  وقد وضع بعض الشعراء الأندلسيين على هذا البناء وزنا إلا أنه جعل الجزأين المزدوجين خماسيين فرارا من الثقل الواقع بتشافع السباعيين في النهاية، فكان التشافع في ذلك الوضع أخف من الخماسي، وذلك قوله:

أَقْصَرَ عنْ لَومِيَ اللاَّئِمُ *** لمَّا دَرَى أنَّني هائِمُ

تقدير شطره: مستفعلن / فاعلن / فاعلن".[62]

 

 

 

 

2 ـ 17ـ المستدرك على المقتضب:

هذا الوزن أنكره الأخفش، وادعى أنه لم يسمع منه شيء ينسب لشاعر من العرب.[63] وقال الزجاج وأما المقتضب فقليل إلا أنه مسموع، قد روي أنه سمع  على عهد النبي صلى الله عليه وسلم:[64]

هَلْ عَلَيَّ، وَيْحَكُمَا *** إِنْ لَهَوْتُ مِنْ حَرَجٍ

 وهو عكس السريع، أصله في الدائرة مبني من:

[ مفعولات / مستفعلن/مستفعلن ].[65]

إلا أن هذا  ثقل لكثرة الأوتاد فيه والأسباب الثقيلة وتكرر الفاصلة ووقوعها في النهايات، فلهذا لم يستعملوه إلا مجزوءا على أربعة أجزاء، مطوي العروض والضرب: [/0///0] / [/0///0].

+ وروى بعضهم لعروض هذا الشطر المطوي المجزوء [/0///0]، ضربا مجزوءا مقطوعا: [/0/0/0]،

+ وزاد أبو العتاهية لهذه العروض ضربا أحذ:[/0/0]،

+ وروى بعضهم له عروضا مجزوءة سالمة من الطي [/0/0//0]، لها ضرب مثلها:   [ /0/0//0]،

+ وكذلك روى له عروضا حذاء [/0/0]، لها ضرب مثلها [/0/0]،

+ وكان الأستاذُ أبو الحسن ينشدُ على كل عروضٍ بيتا من أتم بنائه، فمما أنشده على المقتضب، قوله:

يَا مَنْ حالَ عَنْ عَهْدِنَا بَعْدَ الوَفَا *** كَمْ لاَقَيْتُ لَوْ تُنْصِفونَا في الهَوَى

2 ـ 18 ـ المستدرك على المجتث:

وأصله في الدائرة مبني من: ( مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن )، ومثلها.

 وله عند الخليل عروضة واحدة مجزوءة [ فاعلاتن]، لها ضرب مثلها[ فاعلاتن].

+ ـ وقد أنشدوا وزعموا أنه قديم:

جِنٌّ هَبَبْنَ بِلَيْلٍ **  يَنْذُبْنَ سَيِّدَهُنَّهْ

وقيل إنه للوليد بن يزيد بن عبد الملك، جاءت عروضه وضربه معا مخبونتين، وهذا الزحاف حسن في مستفع لن، صالح في فاعلاتن.

+ وقد أتى لها ضرب مسبغ ، وبيته :

أَبُو سَعيدٍ حَصيرٌ **  ماتَ طَريداً بِحُورَانْ

+ وزاد غيره عروضا محذوفة [/0//0]، لها ضربان:

ـ ضرب محذوف مثلها [/0//0]،

ـ الضرب الثاني مجزوء محذوف مخبون [///0]،

+ ومن أتم بنائه، ما أنشده أبو الحسن:

صَدَّتْ وَحالَتْ سُلَيْمَى يا خَلِيلِي *** عَنْ عَهْدِنَا، لَيْتَ شِعْرِي مَا دَهَاهَا

ويرى القلوسي أنه إذا دخل البتر هذه العروض، والكف مستفع لن، وفاعلاتن كان مجزوء الدوبيت:

مستفع لن/فاعلاتن/فاعلاتن       مستفع ل /فاعلات / فعلن       /0/0//   /0//0/   /0/0       فعلـن/ متفاعلـن/ فعولن            

 

مستفع لن/ فاعلاتن/ فاعلاتن   مستفع ل /فاعلات / فعلن       /0/0//   /0//0/     /0/0       فعلـن/ متفاعلــن/ فعولن            

وكذلك العروض السابعة من الدوبيت، هي مجزوء المجتث مع لزوم الكف لـ"مستفع لن" و العروض الثامنة أيضا، مع لزوم الكف في مستفع لن، فيصر الوزن هو:[ مستفع ل/فاعلن]، مرتين ويحول إلى:[فعلن / متفاعلن].[66]

 

2 ـ 19ـ مقلوب المجتث:

وسماه ابن الحداد "المتئد"، وهو " فاعلاتن فاعلاتن مستفع لن"، ومثلها، وبيته أنشده الأستاذ أبو الحسن للمحدثين:

مُذْ نَأَى الْمَحْبُوبُ خَلاَّنِي مُغْرَمَا ** ليتَ شِعْرِي أَيُّ أَرْضٍ قَدْ يَمَّمَا

وقد غير ابن الحداد هذا المهمل تغييراً لا يصح أكثرها في نظر القللوسي، ولذلك اعتذر عن ذكرها، واكتفى فيها بالقول ـ وهو يتناول بالدرس كذلك "مقلوبي المضارع" (المنسرد والمطرد) وعلة إهمالهما: " إنما كان لأن أصليهما اللذين هما المضارع والمجتث لا يوجدان في أشعار العرب إلا في النادر، وقد أًنكِر أن يكونا في شعر العرب، وإذا كان الأصل هكذا، فما ظنك بالفرع ؟ ألا ترى أنهما لم يُفَرَّعْ عليهما ضروب ولا أعاريض، وما هذا لسوء ذوقهما، فإن الطباع لا تنقاد لذوقهما إلا بالصناعة، والعرب تنفر مما يثقل على ألسنتها، ألا ترى أنهم لم يبنوا من اليوم فعلا اشتثقالا للإعلال الذي يلزمه، ولم ينطقوا بهمزتين في كلمة إلا وإحداهما مخففة، وأمثال ذلك كثير". [67] 

2 ـ 20 ـ المستدرك على المضارع:

المضارع من البحور الرباعية التي لم يقدر لها أن تتطور إلى بحور سداسية، وما نظم منه من النماذج السداسية تلاشى قبل أن يقوم له عمود، ولذلك حكم العروضيون عليه بالجزء وجوبا، على اعتبار أنه لم يرد إلا مجزوءا صحيحا، وأن وزنه هو: [68]

مفاعيلن / فاعلاتن ** مفاعيلن / فاعلاتن

+ وقد أتى لهذه العروض مما لم يذكره الخليل، ضرب ثان محذوف،: [فاعلاتن] / [فاعلن]

+ وقد أتى له عروض ثانية محذوفة، لها ضرب مثلها، [فاعلن] / [ فاعلن].

+ ومن تام بنائه قوله:

أَرَى لَيْلَى يَا خَلِيلِي قَلَّتْ وَصْلِي *** وَصَدَّتْ مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ سَبَتْ عَقْلِي

 

        2 ـ 21 ـ 1 ـ المنسرد:

هذا الوزن أحد مقلوبي المضارع، وزنه: [ فعولاتن / فعولاتن / فاعل اتن ]، وبيته:[69]

شَجَا قَلْبِي حَمَامٌ بالشِّعْبِ عَنِّي ***  كَذَا المُشْتاقُ إِنْ غَنَّى الطَّيْرُ حَنَّا

 

2 ـ 21 ـ 2 ـ المطرد:

وهذا هو المقلوب الثاني للمضارع، وهو: " فاع لاتن فعولاتن فعولاتن" أو" فاع لاتن / مفاعيلن / مفاعيلن "، ومثلها

1/ ومنه، تاما:

حَيِّ بَانَ الحِمَى يَا حَادِيَ الرَّكْبِ** وَلْتَسَلْ أَهْلَهُ عَنْ قَلْبِيَ الصَّبِّ

2/ ومن المطرد مجزوءا سالما:

مَا قَضَى اللهُ مِنْ شَيْءٍ        لَيْسَ لِلْمَرْءِ إِلاَّ مَا             مِنْ رَشَادٍ وَمِنْ غَيٍّ            كُلُّ هَــذَا مَقَادِيــــــــــرٌ                

 

وَاقِعٌ غَيْرُ مَدْفُوعِ                    كَانَ قَدْراً بِتَوْقِيعِ                     وَاعْتِلاَءٍ وَتَوْضِيعِ                   مُبْرَمٌ غَيْـرُ  تَبْدِيـــعِ                    

 

2 ـ 22 ـ  المستدرك على المتقارب:

لهذا البحر عند الخليل عروضان وخمسة أضرب:

ـ العروضة الأولى تامة، ولها أربعة أضرب:                       مثلها

                                                                        مقصور

                                                                محذوف

مبتور

وتأتي هذه العروضة تارة تامة على فعولن، وتارة محذوفة على فعل(//0)، وذلك في قصيدة واحدة،لكثرة تصرف العرب في عروض المتقارب، ولتوافق أجزائه وتقاربها.

 فمما جاءت فيه العروض محذوفة وغير محذوفة، قول امرئ القيس:

كَأَنَّ الْمُدامَ وَصَوْبَ الْغمامِ ** وَرِيحَ الْخُزامَى وَنَشْرَ الْقُطُرْ

فجاءت العروض الأولى على فعولن غير محذوفة، ثم قال:

يُعَـلُّ بهِ بَـــرْدَ أَنْيابِهَا ** إِذَا غَرَّدَ الطّائِرُ الْمُسْتَحِــرُّ

فجاءت العروض على "فعل" محذوفة ".[70]

وقد تأتي تارة محذوفة وتارة مبتورة في قصيدة واحدة، وذلك قوله:

أَطاعَ الفَريضَةَ والسُّنَـهْ

كَأَنَّ لَنَا النّارَ مِنْ دُونِـهِ

 

فَتَاهَ عَلَى الإِنْسِ والجِنَّهْ

وَأَفْـرَدَهُ اللّـهُ بِالجَنَّـهْ

+ واستدرك أبو العتاهية للعروض الثانية المجزوءة، وزنا عروضه وضربه غير محذوفين [فعولن] / [ فعولن]، فقال

+ وزاد الزجاج للعروض الثانية، ضربا ثانيا أبتر [فعو] / [فع]،

+ وعلى رواية الزجاج استعمل أبتر العروض محذوف الضرب [فع] / [فعو]،

+ واستعمل بعضهم مجزوءه، محذوف العروض، تام الضرب [فعو] / [فعولن] ،

+ وقد استعمل أبو العتاهية في المجزوء البتر في العروض والضرب [فع]،  

أَيَفْرَحُ مَنْ يُقْبَرْ ** وَيُنْسَى فَلاَ يُذْكَرْ

والبيت يسمح بالتقطيع التالي: [فعولن/ مفاعيلن] / [ فعولن/ مفاعيلن]. وهذا من مشطور الطويل حسب تجزءة ابن الحداد.

+وقد استعمله بعض المحدثين مشطورا، أنشده ابن رشيق: [فعولن/ فعولن]

وَقَفْتُ هَنَيَّهْ *** بِأَطْلاَلِ مَيَّهْ

+ وكان الخليل قد ذكر له عروضا مقصورة، لها ضرب تام [فعول] / [فعولن]، لكنه لم ينص عليها، إنما ساق البيت في أثناء زحاف التام، وكتب على جزء العروض " مقصور حسن "، والبيت:

رُمْنَا قِصَاصاً، وَكَانَ التَّقَاصْ *** فَرْضاً وَحَتْماً عَلَى المُسْلِمِينَا

2 ـ 23 ـ المتدارك:

هذا الوزن مهمل لم تقل عليه العرب، ولا حكاه الخليل، ولا غيره من القدماء. وقد أهمله الخليل لقلته في شعر العرب، وَلِمَا دخل في الأوتاد فيه من الإخلال في الحشو في الناذر الذي أتى منه،[71]

 وإنما استدركه الأخفش، وقيل استدركه الجوهري وغيره من المحدثين، كابن النديم، وابن رشيق، وابن السمان، وجماعة من العروضيين، وأدخلوه في المستعمل، ولذلك سماه نصر بن إسماعيل بن حماد الجوهري" المتدارك "، وقد سماه النديم " الغريب "، وسماه ابن كيسان " المترادف "، وسماه المعري " ركض الخيل"، تشبيها له في السرعة، وبوقع قوائم الفرس أو البعير على الأرض. وأهل الأندلس يسمونه " مشي البريد "، وابن السمان يسميه "المتداني"، وسماه بعضهم " المخترع "، ذكره أبو الصلت، وسماه بعضهم   " قطر الميزاب "، ذكره الأستاذ أبو الحسن، وسماه بعضهم " العقال "، ذكره القرطبي، ومن أسمائه "المخلوع " و" الشقيق " و" المحدث " و" المتسق "، وأشهر أسمائه "الخبب".[72]

ومستعمله كأصله مثمن في الدائرة مبني من: [ لن/ فعو]، أي: " فاعلن "، وله ثلاثة أعاريض وأربعة أضرب.[73]

1/ عروضه الأولى تامة سالمة من الخبن، لها ضرب مثلها:[/0//0] / [/0//0]،

2/ العروض الثانية مخبونة، لها ضرب مثلها: [///0] / [///0]،

3/ ـ العروض الثالثة مجزوءة مخبونة، لها ضربان:

3/1ـ ضرب مثلها:

ــــــ/ ـــــ/ فعلن *** ــــــ/ـــــ/ فعلن

                                         ///0                 ///0

3/2ـ الضرب الثاني مقطوع:

                      ــــــ/ ــــــ/ فعلن *** ـــــــ/ ـــــ/فعلن

                                  ///0                    /0/0

وذكر ابن غازي في تذييله، أن له خمس أعاريض وثمانية أضرب، بزيادة:[74]

4/ العروض المقطوعة وضربها, وهما مشعتان،

5/ وزاد ابن غازي تبعا لابن الحاجب عروضا مجزوءة من غير خبن: [/0//0]، كان هذا الأخير قد نص على شذوذها. ولهذه المجزوءة  ثلاثة أضرب: 

5/1 ـ الضرب الأول مرفل، وزنه " فاعلاتن"، وبيته:

دَارُ سَلْمَى بِبَحْرِ عُمَانِ *** قَدْ كَسَاهَا الْبِلَى الْملَوانِ

 والبيت مصرع، تفعيله: فاعلن فاعلن فاعلاتن، ومثلها. والخبن الذي في عروض البيت غير لازم ، أما إذا كان لازما فالعروض المجزوءة المخبونة أولى بهذا الضرب.

5/2 ـ الضرب الثاني مذيل، وزنه "فاعلان"،

5/3 ـ الضرب الثالث مثلها: "فاعلن"، تفعيله: فاعلن، مسدسا.

+ وذكر أبو الطيب صالح بن شريف الرندي : أن الخبب من الأوزان المستحدثة، وذكر أنه يأتي مثمنا ومربعا، وأن أجزاءه تستعمل مقطوعة أو مخبونة، واستشهد على مربعه بقوله:[75] [فعلن]

إِنَّنِي صَابِ *** جَمُّ أَوْصابِ

 



[1] ـ عن أهمية المصطلح في الدرس النقدي، يراجع: إدريس الناقوري. (المصطلح النقدي في نقد الشعر، دراسة لغوية، تاريخية نقدية: 7 ـ 8)، والشاهد البوشيخي. (مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان والتبين للجاحظ: 16)، و صلاح فضل. (إشكالية المصطلح الأدبي بين الوضع والنقل. مقال ضمن مجلة كلية الأداب ـ فاس. عدد 4/ 1988، ص: 69)، و محمد الكتاني. (مصطلح الشعر بين الثرات والمعاصرة. مقال ضمن نفس المجلة، عدد 4/ 88، ص: 134 ـ 135).

[2] ـ وقد جعلها البعض من ثمانية أجزاء، وذلك بإسقاط " مستفع لن" و" فاع لاتن" المنفصلتين.  انظر:  ابن عبد ربه. ( كتاب العقد الفريد: 5/ 425 )، وابن السقاط. ( مقدمة في العروض: 37 ). وأنكر الجوهري "مفعولات" بحجة أنه منقول من "مستفع لن" مفروق الوتد. ( عروض الورقة: 11). ومن شأن هذا النظرة التجزيئية أن تلغي أهمية الوتد المفروق في تكوين البنية الإيقاعية لغالبية الأوزان العربية، ولذلك كنا حريصين على تبني وجهة نظر الخليل التي قوبلت بالرفض من طرف غالبية المحدثين كذلك، وبخاصة منهم، الذين تبنوا النظرية المقطعية في تحليل الأجزاء المكونة لبحور الشعر العربي.

[3] ـ انظر: ابن رشيق. العمدة I/ 270- 271. والحقيقة أن هذه الخصائص ليست ثابتة، وإنما تتحدد مع الحالة النفسية التي يوجد عليها الشاعر. انظر: عز الدين اسماعيل. (التفسير النفسي للأدب: 78 ـ 79). وقد قدمنا في الموضوع رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، انتهينا فيها إلى نفس النتيجة. انظر: (قضية تناسب الوزن والغرض في الشعر العربي بالأندس ـ دراسة إحصائية. قيد الطبع).

[4] ـ  انظر:  الدباغ عبد العزيز. (تيسيرعلم العروض والقافية: 17).

[5] ـ راجع كتاب: وريث محمد أحمد. (حول النظائر الإيقاعية للشعر العربي: 185 وما بعدها).

[6] ـ  هذا العدد لا يشير إلى المستدركات، ولا يشير إلى المرفوض منها، وإنما يعبر عن عدد الأوزان التي قام الخليل بحصرها فقط. انظر: الصاحب بن عباد. (الإقناع في العروض وتخريج القوافي: 4).

[7] ـ العلمي محمد. العروض والقافية (دراسة في التأسيس والإستدراك) : 13.

[8] ـ انظر: الدماميني. (العيون الغامرة على خبايا الرامزة : 201).

[9]ـ فلم يذكر السريع، والمنسرح، والمجتث، والمقتضب. (عروض الورقة: 11) وهي عند " جويار " ثلاثة عشر بحرا فقط، ليس من بينها المضارع، والمقتضب، والمجتث. (نظرة جديدة في العروض العربي: 137).

[10] ـ انظر: سيد بحراوي. (العروض وإيقاع الشعر العربي، محاولة لإنتاج معرفة علمية: 13)، وبابكر السيد. (المدارس العروضية: 338).

[11] ـ كمال أبو ديب. في البنية الايقاعية للشعر العربي وفي اللابنية أيضا. قصيدة النثر وجماليات الخروج والانقطاع. مجلة نزوى، العدد: 17/ 1999، ص: 19. 

[12] ـ من خلال تحليل الأجزاء إلى وحداتها، يتضح أن الوتد له في الخماسي حالتان : إما أن يتقدم السبب أو يتأخر عنه. وفي السباعي يزيد حالة ثالثة، وهي أنه يتوسط السببين.

[13] ـ وقد سميت بحورا لأن كل منها يأتي على وزن ما كالبحر الذي لا يفنى بما يغترف منه. ( شرح المقصد الجليل في علم الخليل لابن الحاجب. تعليق على لامية ابن الحاجب في العروض المسماة المقصد الجليل في علم الخليل. ضمن مجموع. مرقون بخزانة تطوان تحت رقم: 795، ص: 2).

[14] ـ أما إذا أخذنا بصورها في حال الإنجاز، فإن الأوزان التالية ستأخذ الرسم التالي:

ـ الهزج: [1+1] مفاعيلن مفاعيلن.

ـ المضارع: [1+2] مفاعيلن فاع لاتن.

ـ المقتضب: [1+2] مفعولات مستفعلن.

ـ المجتث: [1+2] مستفع لن فاعلاتن.

ـ المديد: [1+2+1] فاعلاتن فاعلن فاعلاتن.

[15] ـ ابن زاكور. النفحات الأرجية: 34.

[16]ـ وقد قام خلفان بن ناصر الجابري بعملية التقليب للتفعيلات الخليلية، لمعرفة إمكانات العربية من الأوزان، فوجدها (5514) وزنا، مع العلم أنه قد استثنى التفعيلتين المنفصلتين، بالإضافة إلى إهماله للمجزوءات والصور الأخرى التي تنتج عن هذه البحور. والبحور المهملة ستة في الدوائر العروضية، وإذا أسقطنا الستة عشر بحرا من (5514) بحرا، يكون لدينا (5498) بحرا مهملا من إمكانات اللغة، نظم المولدون على بعضها مجموعة من الأبيات الشعرية وسموها بأسماء معينة، وقد عدها بعضهم صناعة عروضية وتكلفا لا أساس له من الصحة. انظر: خلفان بن ناصر الجابري. (رؤية خاصة حول الدوائر العروضية. مجلة نزوى. ع 32/ 2002 . ص: 110 ـ 111).

[17] ـ أحمد كشك. محاولات التجديد في الإيقاع الشعري: 67.

[18] ـ وهناك فرق آخر بين الزحاف والعلة، وهو أن الزحاف لايكون إلا بالنقص، أما العلة فتكون بالزيادة والنقصان. ويلاحظ من خلال عرض العلل، أنها لا تختص بالعروض والضرب فقط، بل وبآخرهما دون أولهما أو وسطهما.

 

* بالنسبة لمجزوءه، ومشطوره، ومنهوكه، فإن الخليل ربما يكون قد استبعدها لسبب من الأسباب. وأشار إليه السبتي، فقال:" فيكون في البسيط والكامل والرجز ومجزوء البسيط وشطر الرجز"، ولم يشر إلى المتدارك. ( الرياضة الغامزة في شرح الرامزة: 45).

[19] _ اكتفينا بهذه التحولات التي تصيب الضرب دون العروضة، لأنها في نظرنا كافية لتفسير أوزان الموشحات التي تقوم على نظام الشطر.

[20] ـ هناك خلاف في الرأي حول الخرم والخزم، فجماعة ـ ومنهم صاحب الخزرجية ـ ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن محمد الخزرجي، وابن زاكور، وغيرهما ـ ترى أنه علة. وجماعة أخرى ترى أنه زحاف، ومن هؤلاء ابن السقاط، والقللوسي الذي وجدناه قسم الزحاف إلى ستة أقسام: أولي، ويشمل: الخرم والخزم، وثنائي، ورباعي، وخماسي، وسباعي، وما ازدوج منها مفردا مركبا. ( انظر: النفحات الأرجية والنسمات البنفسجية بنشر ما راق من مقاصد الخزرجية: 73)، و( الختام المفضوض: 114 )، و( شرح الغموض: الورقة: 21. مخطوط ).

[21] ـ القللوسي. الختام المفضوض: 16.

[22] ـ ابن رشيق. العمدة 1/ 276.

[23] ـ الثلم: حذف فاء (فعولن) ← عولن /0/0، فينقل إلى: فعْلن.

[24] ـ الخرم: حذف فاء (مفاعيلن) (فعولاتن) ← فاعيلن /0/0/0.

[25]ـ العضب: حذف ميم (مفاعلتن) ← فاعلتن /0///0   

[26] ـ الثرم: اجتماع الثلم والقبض في فعولن، فتصير: عول، فتنقل إلى: فعْل.

[27] ـ الشتر: هو اجتماع الخرم والقبض في مفاعيلن، فتصير: فاعلن.

[28] ـ الخرَب: هو اجتماع الخرم والكف في مفاعيلن، فيصير: فاعيل، وينقل إلى: مفعول.

[29] ـ القصم: هو اجتماع العضب والعصب في مفاعلتن، فيصير: فاعلتن، فينقل إلى: مفعولن.

[30] ـ الجمم: هو اجتماع العضب والعقل في مفاعلتن، فيصير: فاعتن، فينقل إلى: فاعلن.

[31] ـ العقص: هو اجتماع العضب والنقص في مفاعلتن، فيصير: فاعلت، فينقل إلى: مفعول.

[32] ـ ابن رشيق. العمدة: 1/ 281.

[33] ـ نفسه: 1/ 277.

[34] ـ الشريف السبتي. (الرياضة الغامزة: 68). ويرى القللوسي أن القياس يقتضي، إذا جاز الخزم بكلمة، أن تبلغ الكلمة سبعة أحرف عدد أطول ما تبلغه الكلم بالزيادة . (الختام المفضوض: 125).

[35] ـ ابن رشيق. العمدة: 1/ 278.

[36]  ـ الزحاف والعلة ، رؤية في التجريد والأصوات والإيقاع: 361

[37] ـ اعتمدنا في هذا الباب، أهم المصادر العروضية، وعلى رأسها الختام المفضوض، والعيون الغامزة، والمفاتيح المرزوقية، وشرح الغموض في علم العروض، وغيرها من الكتب العروضية التي تتضمنها لائحة المصادر والمراجع.

[38] ـ  الوزن الأول: عروضه مقبوضة، و ضربه تام. الوزن الثاني مقبوض. الوزن الثالث: عروضه مقبوضة، وضربه محذوف معتمد.

[39]  ـ هذا البحر في نظر القللوسي من الأوزان المستثقلة في الذوق، وقد أُهمِل لأن أهل الموسيقى يقولون أن الانتقال من بُعْدٍ كبير إلى بُعْدٍ صغير يُولِّد تباينا في المسموع واضطرابا في النفس، وأهل البلاغة يستحسنون قصر الفقرة الأولى وطول الثانية لأجل ذلك. (الختام المفضوض: 183، 184).

[40] إن استعمال أوزان هذا البحر في الشعر العربي ضعيف جدا، وتصاحب هذه النذرة على مستوى الشيوع، ما قد يعرف عن هذا البحر في صورته المجردة من خصائص موسيقية، تجعله أنسب لأغراض شعرية دون أخرى. راجع: (المرشد 1/ 140، 75، 74)، و(الفصول والغايات: 267، 266)، و(منهاج البلغاء: 276، 269، 267، 205)، و(قضية التناسب: 259).

[41] ـ ومجمل البحث في هذا البحر، ثلاثة أعاريض وستة أضرب: الوزن الأول مجزوء صحيح [/0//0/0]. الوزن الثاني عروضه مجزوءة محذوفة:[/0//0]، وضربه مجزوء مقصور:[/0//00]:والردف لازم له لالتقاء الساكنين. الوزن الثالث مجزوء محذوف. وهذا الوزن والذي قبله شاذان عند أبي الحسن. الوزن الرابع عروضه م. محذوفة، وضربه م. مبتور:[/0/0]. الوزن الخامس م. مخبون محذوف:[///0]. الوزن السادس عروضه م. مخبونة محذوفة، وضربه م. مجزوء مبتور.

[42] ـ القللوسي. الختام المفضوض: 185.

[43] ـ الوافي: 313.

[43] ـ 1/ الوزن الأول مخبون، وقد التزموه في جزأي العروض والضرب مع تصريع وغير تصريع :[///0]

2/ الوزن الثاني عروضه مخبونة : [///0]، وضربه مقطوع : [/0/0]. والردف لازم له، وقد شذ غير مردوف

3/ الوزن الثالث عروضه مجزوء صحيحة: [/0/0//0]، وضربه مجزوء مذال: [/0/0//00]. والردف لازم له. وهذا الوزن ألحقه حازم بالمجتث. انظر: (منهاج البلغاء: 237 ـ 238 ).

4/ الوزن الرابع مجزوء صحيح: [/0/0//0]

5/ الوزن الخامس عروضه مجزوءة صحيحة: [/0/0//0]، وضربه مجزوء مقطوع: [/0/0/0].

6 / الوزن السادس مجزوء مقطوع العروضة والضرب. " ويسمى مخلعا ". ابن القطاع: 99.

[44] ـ انظر : الختام المفضوض: 177ـ 178.  

[45] ـ الوزن الأول مقطوف، الوزن الثاني مجزوء صحيح. الوزن الثالث عروضه مجزوءة صحيحة وضربه مجزوء معصوب.

[46] ـ نفسه: 114.

[47] ـ  أوزان هذا البحر المعروفة، تسعة أوزان: الوزن الأول صحيح [متفاعلن ] / [ متفاعلن]. الوزن الثاني عروضه صحيحة [ متفاعلن] وضربه مقطوع [ فعلاتن]. الوزن الثالث عروضه صحيحة [متفاعلن] وضربه أحذ مضمر: [ فعْلن]. الوزن الرابع أحذ: [ فعِلن] / [ فعِلن]. الوزن الخامس عروضه حذاء،[ فعِلن] وضربه أحذ مضمر [فعْلن]. الوزن السادس عروضه مجزوءة صحيحة، [متفاعلن] وضربه مجزوء مرفل: [ متفاعلاتن]. الوزن السابع عروضه مجزوءة صحيحة، [متفاعلن] وضربه مجزوء مذال: [متفاعلان]. الوزن الثامن مجزوء صحيح [متفاعلن] / [متفاعلن]. الوزن التاسع عروضه مجزوءة صحيحة، [ متفاعلن] وضربه مجزوء مقطوع:   [ فعلاتن ].

[48] ـ وليس الحذف والوقف هنا على ما هو في العروض، لكنه تسامح في العبارة، ولعله يقصد بالوقف هنا، حذف السابع المتحرك، وهذا هو الكسف، ثم تسكين ماقبله.

[49] ـ والشعر كما نص الجاحظ في كتاب الحيوان من مجزوء الكامل، والبيت الأول: [متفاعلن]

لاَ، لاَ أَعُوقُ وَلاَ أَجُو *** بُ وَلاَ أَغارُ عَلَى مُضَرْ

 

[50] ـ هذا البحر له وزنان، هما: الوزن الأول المجزوءالصحيح: [ مفاعيلن] / [مفاعيلن]. الوزن الثاني: عروضه مجزوءة صحيحة، وضربه مجزوء محذوف[ فعولن].

[51] ـ لهذا الوزن عند ابن القطاع عروضان فقط ، وخمسة أضرب، بناء على أصله في أن المشطور والمنهوك لا عروض له. ( كاتب البارع في علم العروض: 136 ـ 138). وكان الخليل قد ذكر له أربع أعاريض وخمسة أضرب هي: الوزن الأول مسدس تام كأصله في الدائرة: [مستفعلن]/ [مستفعلن]. الوزن الثاني عروضه صحيحة[ مستفعلن ]، وضربه مقطوع [مفعولن]. الوزن الثالث مجزوء صحيح [ مستفعلن]/    [ مستفعلن]. الوزن الرابع المشطور( العروضة هي الضرب). الوزن الخامس المنهوك: مستفعلن / مستفعلن. ( العروضة هي الضرب).

[52] ـ القللوسي.الختام المفضوض: 208.

[53] ـ الوزن الأول عروضه محذوفة[ /0//0]، وضربه تام [ /0//0/0]. الوزن الثاني عروضه محذوفة[ /0//0]، وضربه مقصور[ /0//00]. الوزن الثالث المحذوف[/0//0]/ [/0//0]. الوزن الرابع عروضه مجزوءة صحيحة[ /0//0/0]، وضربه مجزوء مسبغ[ /0//0/00]. الوزن الخامس المجزوء الصحيح [/0//0/0]/ [/0//0/0]. الوزن السادس عروضه مجزوءة صحيحة[/0//0/0]، وضربه مجزوء محذوف[ /0//0].

[54] ـ كتاب العروض للزجاج: 30. وعده الجوهري من مربع المديد. (عروض الورقة: 18).

[55] ـ  وعلى الرأي الأول مذهب القللوسي. انظر: الختام المفضوض: 225. أما حازم فذهب إلى القول بأن تجزئته الصحيحة التي تشهد بها القوانين البلاغية، هي: مستفعلن / مستفعلن / فاعلان. منهاج البلغاء: 236.

[56] ـ الوزن الأول عروضه مطوية مكشوفة (أو مكسوفة): [ /0//0]، وضربه مطوي موقوف: [/0//00]. ومنهم من أجاز خبن هذه العروض، والردف لازم له لالتقاء الساكنين. (ابن القطاع151). الوزن الثاني المطوي المكشوف: [ /0//0]. الوزن الثالث عروضه مطوية مكشوفة: [/0//0]، وضربه أصلم: [/0/0]. الوزن الرابع المخبول المكشوف: [///0]. الوزن الخامس عروضه مخبولة مكشوفة: [///0]، وضربه أصلم: [/0/0]. الوزن السادس المشطور الموقوف [ مفعولان ] (العروضة هي الضرب). والردف لازم له لالتقاء الساكنين. (ابن القطاع: 152). الوزن السابع المشطور المكشوف [مفعولن ] (العروض هي الضرب). والرف مستحسن فيه.(ابن القطاع: 153). وهذان الأخيران ممنوعان من الطي، لأن الوتد فيهما معتل.

[57] ـ الختام المفضوض: 227.

[58]  - العروضة الأولى تامة [ /0/0//0 ] لها ضرب مطوي [ /0///0 ]. العروضة الثانية منهوكة موقوفة لها ضرب مثلها: [ مفعولان]. العروضة الثالثة منهوكة مكشوفة لها ضرب مثلها: [ مفعولن ].

[59] ـ وهذه الأوزان هي: الوزن الأول التام: [فاعلاتن] / [ فاعلاتن]. الوزن الثاني عروضه صحيحة:     [ /0//0/0]، وضربه محذوف جائز فيه الخبن عند الخليل:[ /0//0]. الوزن الثالث المحذوف:[/0//0 ]. الوزن الرابع المجزوء الصحيح: [مستفع لن] / [مستفع لن]. الوزن الخامس عروضه مجزوءة صحيحة:[/0/0//0]، وضربه مجزوء مقصور مخبون:[//0/0].

[60] ـ. القللوسي. الختام المفضوض: 238.

[61] ـ نفسه: 242.

[62] ـ منهاج البلغاء: 241.

[63] ـ محمد العلمي. العروض والقافية ـ دراسة في التأسيس والاستدراك: 204.

[64] ـ المرزوقي. المفاتيح المرزوقية: 473.

[65] ـ وذهب حازم إلى أبعد من ذلك، فجعل أصل بناء شطره من " فاعلن / مفاعلتن / فاعلن / مفاعلتن". مشيرا إلى أنه لم يستعمل إلا منصوفا، أي محذوف النصف من كل شطر. انظر: (منهاج البلغاء، 234 ـ 235).

[66] ـ نفسه: 253.

[67] ـ نفسه: 256.

[68] ـ  جلال الحنفي. العروض تهذيبه وإعادة تدوينه: 69، 70.

[69] ـ القللوسي. الختام المفضوض: 255.

[70] ـ  أبو القاسم السبتي. الرياضة الغامزة: 250.

[71] ـ وفي ذلك يقول السكاكي: " فاعرف وإياك إن نقل إليك وزن منسوب إلى العرب، لا تراه في الحصر، أن تعد فواته قصورا في المخترع، فلعله تعمد إهماله لجهة من الجهات". مفتاح العلوم: 518.

[72]ـ انظر: (الختام المفضوض: 264)، (ابن زاكور: 160)، و(الاقناع في العروض: 76)، و(العيون الغامزة: 59، 60)، و(المفاتيح المرزوقية: 497) و(عروض الورقة: 68)، و(الوافي في العروض والقوافي: 194 ـ 196)، و(تاج العروس،  مادة: [ خبب ]).

[73]ـ انظر: ابن زاكور.(النفحات الأرجية: 160 ـ 166)، ابن مرزوق. (المفاتيح المرزوقية 498)، والقللوسي. (الختام المفضوض 264 ).

[74] ـ ابن غازي. إمداد بحر القصيد، ببحري أهل التوليد، وإيناس الإقعاد والتحريد بجنسهما من الشريد.تخريج المرابط الترغي. مرقون. وانظر: المرادي. (شرح المقصد الجليل لابن الحاجب: 16)، والأسنوي. (نهاية الراغب في شرح عروض ابن الحاجب: 336)، وذكر له جار الله الزمخشري، عروضة واحدة مخبونة لها ضرب مثلها، وصرح أنه يأتي أحيانا مقطوعا. (القسطاس في علم العروض، ص: 128 ـ 129).

[75]  ـ الوافي في نظم القوافي: 315.

24 novembre 2013

الأوزان والأغراض في الشعر الأندلسي بين التنظير والتطبيق

ماستر الشعر العربي القديم ومشروع التحول

 

إشكالية الوزن والغرض

في الشعر العربي بالأندلس

 

 

مطبوع دراسي في مادة:

التمايز والتماثل في الشعر الأندلسي

لطلبة ماستر الشعر العربي القديم

 ومشروع التحول

الفصل الثالث

 

 

 

السنة الدراسية: 2012 ـ 2013

                 

 

 

 

إعداد: الدكتور عبد الإله كنفاوي


 

الأوزان والأغراض في الشعر الأندلسي

بين التنظير والتطبيق

 

تقديم:

   نقصد من وراء هذه الدراسة، معرفة ما ناسب الغرض الواحد من أوزان شعرية، في ضوء ما تمليه نسبها من المقاييس الاحصائية.

    ومما ساعدنا على تتبع هذه القراءة، حرص أستاذنا المشرف ووعيه الكبير بازدواجية أبعاد قضية تناسب الوزن والغرض وأهميتها في الدرس النقدي. هذه القضية التي شغلت كثيرا من النقاد والدارسين، دون أن يلتفتوا إلى ازدواجية بعدها، وما تطرحه من نتائج تستدعي إعادة النظر في ما أنجز من أعمال سابقة في الموضوع، والتعامل مع نتائجها الراهنة بحذر شديد.

    فالنسب العامة التي تدلي بها المقاييس الاحصائية، على اختلافها، تغري بتتبع القراءتين من زاويتيها المنفصلتين، بلافيا لكل انتقاد أو نقص قد يشوب هذه الدراسة في غياب التوقف عند هذا الجانب.

    وتراعي خطتنا في هذا المحورن نفس الطريقة التي اتبعناها في رصد نتائج العلاقة الأفقية، حيث سنضع الدارس امام جداول ذات قيمة إحصائية عالية ومتنوعة، تمكنه من معرفة أوزان الغرض الشعري، واختلافها داخل نفس الغرض.

     وستتجلى أهمية هذا المبحث في مساءلته للإتجاهات النقدية التي تناولت بالدرس علاقة الغرض بالوزن، وذلك من خلال طرح بعض الإشكالات المفيدة في بحث الموضوع وتعميقه ومحاولة ال‘جابة عنها، عن طريق استدعاء بعض النصوص الشعرية التي يغلب عليها طابع النموذج الشعري، وتسمح بها النتائج الإحصائية المتنوعة لديوان الشعر الأندلسي ويدعمها الواقع الإحصائي لديوان الشعر العربي.

      ويتناول هذا المحور الأغراض التي حظيت باهتمام الشعراء، وقبلتها الأذواق. وهي نفس الأغراض التي راج حولها الحديث في الدرس النقدي، ووقع عليها اتفاق جماعي، دون مراعاة لأصل أو فرع.  وذلك رغم وعي أحدهم باختلاف طرق الناس في الشعر وتباين أذواقهم وأساليبهم، ومنازعهم، ومآخذهم في جميع ذلك، وما تقتضيه القسمة الصحيحة من الاقتصار على الأقسام الأربعة التي هي: التهانين والتعازين والمدائح، والأهاجي.

     وهذه الأغراض هيك النسب، والمدح، والوصف، والهجاء، والرثاء، والفخر. أما بقية الأغراض في علاقتها بالأوزان الشعرية، فسنكتفي فيها بجداول خاصة توضح نسبها من المقاييس الاحصائية.

 

 

 

1 ـ الغزل:

    

يأتي الغزل في مقدمة الأغراض التي تداولها شعراء الأندلس، بوحدات معدلها (21.89%) وبنسبة أبيات لا تزيد عن (10.75%)، لتشكل هذا الغرض من مقطوعات شعرية بلغت نسبتها (26.06%)، دون أن تتجاوز نسبة (13.62%) من القصائد، أما نسبته من التداول، فتقدر بـ (92.52%).

         وكان قدامة بن جعفر قد ميّز بين النسيب والغزل، فخص الأول بـ " ذكر خلق النساء وأخلاقهن وتصرف أحوال الهوى به معهن".  وعرف الثاني بقوله: " والغزل إنما هو التصابي والاستهتار بمودات النساء". .

      وجعلهما ابن رشيق بمعنى واحد،  استنادا إلى رأي قدامة الذي يفهم من ظاهره أن "الغزل هو المعنى الذي إذا اعتقده الانسان في الصبوة إلى النساء نسب بهن من أجله، فكأن النسيب ذكر الغزل، والغزل المعنى نفسه". .

     ومن تم يظل التمييز بينهما ضروريا لفهم صلتهما بالأوزان الشعرية، ويتعلق الأمر بأنواع الغزل التي عرفها الشعر العربي بصفة عامة، والتي يمكن إجمالها في اتجاهين كبيرين:

-          اتجاه حسي .

-          واتجاه عفيف.

ونماذج الاتجاهين، إما حديث عن جمال المرأة ومفاتن جسدها وخفة روحها، أو  حديث عن الآلام التي يحس بها العاشق المهجور والحرقة  التي تعتمل في قلبه. وهي في بعض الأحيان مؤلمة تنضح بالقلق واليأس، أو ملذة تفيض بأمل اللقاء واجتماع الشمل، أو تجمع بينهما معا.  يقول حازم: " فكل قول نسيبي لا يخلو من أن يكون متعلقا بوصف المحبوب ومحاكاته أو وصف بعض أحواله وما له به علقة من زمان أو مكان أو غير ذلك. أو يكون متعلقا بوصف المحب أو وصف  بعض أحواله وما له بذلك علقة، أو يكون متعلقا بوصف حال تقاسماها معا".

        وتدعم هذه القسمة آراء نقدية تناولت بوضوح ما يجب أن يعتمد من الأساليب والألفاظ والمعاني والأوزان، إذ قصد الشاعر إلى الغزل بمعنى النسيب وما يتعلق به من رقيق الشعر في النساء.

         ومعظم  هذه الأراء تؤكد أن "النسيب" الذي يتم به الغرض، "هو ما كثرت فيه الأدلة على التهالك في الصبابة، وتظاهرت فيه الشواهد على إفراط الوجد واللوعة، وما كان فيه من التصابي والرقة أكثر مما يكون من الخشن والجلادة، ومن الخشوع والذلة أكثر مما يكون من الإباء والعز"،  ودل على الحنين وشدة التأسف.

        ومن آرائهم في هذا الباب، أن يكون اللفظ مستعذبا رشيقا، حسن السبك، والمعنى رقيقا حلوا، لطيف المنازع، سهلا غير متوعر " وان يختار به من الكلام ما كان طاهر الماءن لين الأثناءن رطب المكسر، شفاف الجوهرن يطرب الحزين، ويستخف الرصين " .

       ولم يتناول أحد من النقاد، في حديثه عن الغزل الذي يميل إلى وصف مفاتن المراة والاستهتار بمودتهان في جرأة وصراحة تفيض بالشهوة العارمة، ما يليق بذلك من المعاني والألفاظ والأساليب والأوزان.

     وإبعاد هذا الاتجاه الحسي الفاحش عن دائرة النقد الشعري، لم يكن ليروق الناقد العربي لأسباب  دينية وأخلاقية.  ومن جانب آخر، فإنه لم يستطع إبعاد هذا النوع الغزلي عن متناول الشعراء.

       ولعل هذه النظرة الأحادية لشعر الغزل الذي أباحه الناقد العربي، هي التي أوحت لحازم القرطاجني بالقول بضرورة اختيار الشاعر للأوزان التي فيها حنان ورقة وضعف كذلك، يقول: "وأما المقاصد التي يقصد فيها إظهار الشجو والاكتئاب، فقد تليق بها الأعايض التي فيها حنان ورقة، وقلما يخلو الكلام الرقيق من ضعف مع ذلك، لكن ما قصد به من الشعر هذا المقصد، فمن شأنه أن يصفح فيه عن اعتبار القوة والفخامة، لآن المقصود بحسب هذا الغرض أن تحاكى الحال الشاجية بما يناسبها من لفظ ونمط تأليف وزن. فكانت الأعاريض التي بهذه الصفة غير منافية لهذا الغرض، وذلك نحو المديد والرمل".

       وإذا كان شعر "حازم" لا يخالف هذه النظرة النقدية، فإن الشعر الأندلسي عرف جميع ألوان الغزل التي شاعت في المشرق. "ولم يكن صادقا كله، بل كان جله لونا من ألوان البراعة الفنية، والتباهي  بالمقدرة الشعرية، والغلبة في التفوق على الأقران من الشعراء، فصار يحمل آثار الفكر الكادح، ولونا من الرياضة العقلية، والترف الثقافي والذكاء الإجتماعي"،  وأسهم فيه الحكام ومن يلوذ بهم، كما أسهم فيه خاصة الشعراء وعامتهم، وقد ظل الاتجاه المحافظ يتراءى في جميع أنواعه، وربما ليس بدافع من التقليد، بل لأنه يتلاءم مع واقع الشعراء، وتنوع أحوالهم واتجاهاتهم.  لكل ذلك، لم يكن غريبا أن تتعدد أوزانه، وتتباين نسبها كما يتضح من الاستنتاجات التالية:

 

إن نظرية حازم وأنصاره من المحدثين، لا تتضح في الغزل وضوحا يمكن من القول بها، واتباع شعراء الأندلس لها، حيث يتبين من الاحصاء، في جميع مقاييسه المعتمدة، أن "الغزل" ناسب مجموعة من الأوزان الشعرية ذات أوصاف وخصوصيات موسيقية لا تتماشى في معظمها مع ما صرح به أصحاب نظرية تناسب الأوزان والأغراض الشعرية.

     ويأتي "الطويل" في مقدمة هذه الأوزان، حيث تصل نسبه إلى (25.73%) من الوحدات، و(30.09%) من الأبيات، و(23.46%) من المقطعات، و(34.36%) من القصائد، و(88.88%) من التداول. ولم يسجل غيابه سوى عند أبي إسحاق الألبيري، وابن عبدون، وحازم القرطاجني.

        ويحتل "الكامل" الرتبة الثانية، بوحدات معدلها (17.09%) وبنسبة (16.26%) من الأبيات، و(17.65%) من المقطعات، و( 14.97%) من القصائد، و(85.18%) من التداول. ثم يليه "البسيط" في الرتبة الثالثة، بنسب تقدر بـ (13.05%) من الوحدات، و(13.23%) من الأبيات، و(13.70%) من المقطعات، و(10.57%) من القصائد، و(85.18%) من التداول.

        وتمتاز هذه الأوزان إلى جانب طولها بالقوة والشدة والجزالة، وهي لا تصلح - في نظر حازم – إلا لمقاصد الجد،  وإن تعلق الأمر بالغزل. فهذا عبد الله الطيب يقول بصدد الطويل: " ولما كان الطويل بحر جد وعمق فإن مجرد العبث الغزلي لا يكاد يستقيم فيه...وإنما يصلح فيه الغزل إذا ما زجته نفحة من جد وعمق".

ولعل إحساس حازم القرطاجني بخاصية هذه الأوزان الموسيقية وما يلائمها من الأغراض الشعرية التي تذهب مذهب الجد والعمق، هو الذي جعله يتنكبها إلى جانب الغزل بصفة نهائية لا تتضح إلا في بيت شعر يتيم من وزن البسيط، يقول فيه: 

سلطان حُسْنٍ عليه للصِبا علم            إذا رأته جيوش الصبر تنهزمُ

وهذا البيت لا يخلو من نفحة جد وعمق، فهو يستوحي معانيه من معجم المدح، وما يتصل بألفاظه وأساليبه وصوره وأوزانه. ومن نماذجه في الشعر الأندلسي قول المعتمد بن عباد من الطويل: 

أدار النوى كم دار فيك تلددي             وكم عقتني عن دار أهيف أغيد

حلـفت به لو تـــــعــــرض دونه           كماة الأعادي في النسيج الـمسرد

لجردت للضرب المهند فانقضى           مرادي، وعـــزما مثل حد المهند

ومن أمثلة أيضا قول يوسف الثالث في نفس المعنى: :

              جُفُــــونُ لِحاظٍ أم جـفــــون سـلاح            وسُمْرُ قدودٍ أم نصول رماحِ

              لها الغارة الشعـــواء يفعل حـــدُّها             بأفْــئِــدَةِ العشاق فعل صفاحِ

              وتقصرُ عنها المرهفات إذا انْبَرَتْ           إلى ملــتقى الأبطالِ يوم كفاحِ

والحقيقة أن هذه النماذج – على كثرتها في الشعر الأندلسي – لا تعني القول المطلق برأي حازم، وعبد الله الطيب. فهناك من شواهد العبث التي ناسبت هذه الأوزان، ما يدحض رأيهما ويقلل من قيمة نظريتهما واستقرائهما للموضوع.

يقول الشاعر (الطويل):

                  أبــو طالب في كـــفه وبخـده             أبـــو لهــب، والقــلب منه أبـــو جهل

                  وبنــتــا شعيب مقلتاه، وخاله             إلى الصدغ موسى قد تولى إلى الظل

ومن نماذج الكامل، قول ابن سهل أيضا: 

              والنجم في خذ الحبيب إذا هوى             ما ظل قلبي عن هواه وما غـــوى

ونموذجه من البسيط، قول ابن عبد ربه: 

              خرجت أجتاز قفرا غير مجـتاز             فصادني أشهل العينين كالبازي

              صقــــر على كــفه صقر يؤلفه              ذا فوق بغـــل وهذا فــوق قفــار

    وقد كان عبد الله الطيب – فيما يبدو – على وعي بتنوع الطرق الشعرية، وتباينها داخل حقل الغزل بتباين الشعراء واختلاف أمزجتهم، وميولهم الشخصية، لذلك وجدناه يسير في اتجاه المبادئ العامة التي سطرها حازم القرطاجني، ويلين من موقفه بخصوص الكامل والبسيط، فيجعلهما يلينان في مواقف اللين، ويشتدان في مواقف الشدة.

     ولم يكن سليمان البستاني على هذا المستوى من الوعي بحقيقة هذه الأوزان ومدى ملاءمتها أو عدم ملاءمتها للغزل، بل إن كل ما ورد له في الموضوع لا يتجاوز قوله أن الكامل " إذا دخله الجذذ، وجاد نظمه بات مطربا مرقصا، وكانت به نبرة تهيج العاطفة ... وهو كذلك إذا اجتمع فيه الحذذ والاضمار".

    ومثل هذا الرأي لا يحتاج إلى إيراد شواهد في الغزل، لبحث مدى صحة إطرابها ورقصها، لأن هاتين الصفتين يمكن أن تطالعنا في أماكن متعددة من أغراض الشعر العربي.

ولا بأس أن نشير في هذا المقام إلى أن الطابع الغالب على هذه الأوزان ، هو إظهار الحزن والآلام التي يتكبدها الشاعر عند صد محبوبته وهجرها او بعدها وانفصالها، وما يخلفه الهجر والفراق من تعلق وشوق شديد إلى المحبوبة كقول ابن زيدون:   ( طويل )

أجــد، ومــن أهــواه في الحـــب، عابث            وأوفــــي لـــــه بالعـــهد، إذ هــــو ناكت

حبيب نأى عني – مع القرب – والأسى            مقـــيــــم له في مضمر القــلب ماكــــث

جــفـــانــي بإلطـــاف العـــــدا، وأزالـه              عن الوصل – رأي في القطيعة – حادث

تغيرت عــــــن عهدي، ومازالت واثقا               بـــتعـــهدك، لــكــــن غيــرتك الحوادث

وما كنت – إذ ملــــكتك القلب – عالما               بــــــأني – عن حتفي – بكـــفي بــاحث

فديتك، إن الشـــوق لي – مذ هجرتني               مميت، فهــل لي – من وصالك – باعث

ستبلي اللـــيالي – والــــــوداد بحــــاله             جــــديــد – وتفــنى وهو للأرض وارث

ولـــــو أنني أقســـــمت، أنــــــك قاتلي             وأنــــي مقــــتـــول، لما قــيل: " حانت "

      وفي مثل هذه المواقف، غالبا ما يلجأ الشاعر إلى تذكر أيامه الماضية السعيدة، حين كان يصل محبوبته فيسرد في جرأة وصراحة مغامراته، وقطعه للمخاطر أيام شبابه وفتوته. وقد يركز – في مثل هذه القصائد – على وصف المشاعر المتبادلة بينه وبين محبوبته في أسلوب قصصي يتناسب والأوزان الطويلة، فيقول مثلا:   (بسيط )

وكــــم لــــيـــال قطـعناها بكـــــاظمة                نجوى وشكوى بما يلقــــاه مضناك

كتمت مسراك فيها خوف عـــــــــاذلة               وعـــاذل فـــأذاع المسك مســــراك

غنى الوشاح على خصريك من طرب              فيها فأصغى لما غناك حـــجــــلاك

وقـــــد عففت على حــرصي، بآية ما                  بذلت طوعان فلم أعرض لهن فاك

أو يقول على لسان " أم المجد " وقد أسر إليها بما يلقاه من صاحبته من جفاء وإهمال:   (طويل)

                   فقالت أشك إليها ما لقيت ولا             تــــــرهب فلن تبلغ الآمال بالرهب

                   عسى هواك سيعديها فيعطفها            فقد يكون الهوى أعدى من الجرب

   وهو في بعض الأحيان، كان يكتفي بوصف مفاتن محبوبته، فيتناول جسدها عضوا عضوا، في إطالة واستفصاء حينا، وإيجاز وإشارة حينا آخر، أو يتجاوز ذلك إلى ذكر ما تخلفه هذه المفاتن من حب وشهوة في نفسه، نحو قول ابن زقاق من الكامل:

               أترى مخصرها أعير سوارها            والجيد لؤلؤ ثغــرها البراق

               فتطـــوقت من ثغرها بقــلادة             وتوشحت من حليـها بنطاق

ونحو قول ابن فركون من الطويل: 

               وقد كان قلبي يحذر الحب جهده          وما كان ذاك الحــــذر إلا ليسلما

               إلـــى أن بـــتدا للقلب لــما بداله          محيا يفوق الشمس في أفق السما

               ولله در راق من ثـــــغرها الذي          سقاني كؤوس الحب حين تبسما

    وهذه الطرق وإن كانت تختار من رقيق اللفظ ورقيق المشاعر ما يتناسب مع الغزل،  فإن حضورها بصفة مكثفة في هذه الأوزان، لا يدع مجالا للشك بالتزام الشاعر الأندلسي للإطار الشكلي الذي تميزت به المقدمة الغزلية، في اتجاهاتها المختلفة، قبل أن تستقل بنفسها عن القصيدة المدحية، ناهيك عن الأثر الفعلي الذي مارسته هذه الأخيرة على أغراض الشعر العربي في اختيار الأوزان الطويلة التي تذهب مذهب الخطابة والإقناع.

    ولا نبعد إذا قلنا إن هذا الاختلاف في الطرق الشعرية، كما هيأت له عوامل مختلفة لاختلاف الشعراء وتوجهاتهم حينا، وتعددها حينا آخر، قد تكررت نماذجها بشكل متفاوت النسب بين مجموعة من الأوزان، تجمعها أوصاف  أخرى تميل بالكلام إلى الاعتدال على عكس ما يوجد فيه مع غيرها من الأوزان القوية العارضة وصلابة النبع.

   وهذه الأوزان هي: الخفيف والسريع والوافر والمتقارب. وكان من المفروض حسب رأي بعض الدارسين والنقاد،  أن تتصدر هذه الأخيرة قائمة الأوزان التي ناسبت الغزل، نظرا لما تمتاز به من خصوصيات موسيقية تشاكل هذا النوع من الأغراض الشعرية. وتأخرها في الغزل الأندلسي لا يلغي صلاحيتها بالمرة، بقدر ما يدل على توسط نسبها داخل هذا الحقل، حيث يأتي "الخفيف" في الرتبة الرابعة بمعدل (7.35%) من الوحدات، و(6.42%) من الأبيات، و(7.43%) من المقطعات، و(7.04%) من القصائد، و(74.07 %) من التداول.

      ويأتي "السريع" في الرتبة الخامسة بفارق لا يتعدى (0.27%) من الوحدات، و(7.40%)من التداول، ويزيد في الأبيات بـ (0.54%). ويحتل "الوافر" الرتبة السادسة بمعدل ينزل إلى (4.87%) من الوحدات، و (4.29%) من الأبيات، و(5.22%) من المقطعات، و(3.52%) من القصائد، و(51.85%) من التداول. ولا ينقص "المتقارب" عن "الوافر" إلا بوحدتين فقط، وتأتي نسبه كالتالي: (4.68%) من الوحدات، و (3.98%) من الأبيات ، و( 4.87%) من المقطعات، و (3.96%) من القاصائد، أما نسبة تداوله فترتفع إلى (66.66%).

   ولا يأتي "الرمل" و"المديد" على ما فيهما من رقة وحنان وضعف، تجعلهما أنسب لهذا الغرض،  إلا في مرحلة متأخرة.

فالأول احتل الرتبة الثامنة بوحدات معدلها (3.30%)، وبنسبة أبيات تصل (4.34%)، وهي موزعة ما بين (2.90%) من المقطعات، و (4.84%) من القصائد. ورغم ارتفاع نسبة تداوله إلى (55.55%)، فإن استعمالاته الفردية بقيت محدودة في ما دون خمس وحدات، بحيث لا تتجاوز في مجموعها ستا وعشرين قصيدة ومقطوعة شعرية.

    واحتل "المديد" الرتبة الثانية عشرة بوحدات معدلها (1.37%) من المقطعات، و(0.44%) من القصائد، و(18.51%) من التداول. ويأتي ابن عبد ربه على رأس الشعراء الذين ناسبوا بين هذا الوزن وغرض الغزل، حيث وصل به إلى عشر وحدات شعرية.

أما "المنسرح" الذي وصفه عبد الله الطيب بالتخنث،  لشيوعه بين طوائف المرققين في العصر الأموي، وقلته عند شعراء الفخامة، أمثال كثير، والأخطل، والقطامي ، وجرير، وابن الرقاع، والفرزدق،  فإن نسبته من الغزل في الشعر الأندلسي لا تتجاوز (2.02%) من الوحدات. وهي نسبة تقعده في الرتبة العاشرة، حيث لا تتجاوز (1.59%) من الأبيات، و(2.09%) من المقطعات، و(1.76%) من القصائد. ورغم ارتفاع نسبة تداوله إلى (48.14%)، فإن استعمالاته الفردية لا تزيد عن أربع وحدات شعرية، بل هي دون ذلك عند أغلب الشعراء.

    ويمثل قول الحكيم أبي الصلت الداني – إلى حدما – نموذجا صادقا على تخنث المنسرح: 

                 أقبل يسعى أبو الفوارس في            مــرأى عجـــيب ومنظر أنق

                 أقبل في قــرمـــزيـة عجـب             قد صبغت لون خـده الشرف

                 كأنـــمــا جــيــده وغـــــرته            من دونها إن برزت في نسق

                 عـــمــود فــجــر فــويقه قمر             دارت به قطعة من الشفـــق

    وإذا كان هذا الشاهد يطبعه نوع من التخنث، يستشف من هذه الأوصاف التي ألصقها الشاعر بغلامه، والتي تفصح عن أنوثة ظاهرة، تعلقت بمشيته، أو بلباسه، أو بمنظره، إلى غير ذلك من الأوصاف التي تضمنتها هذه المقطوعة، فإننا لانعدم أن نجد أوصافا أخرى لهذا الوزن، كان على عبد الله الطيب أن يعمل على اكتشافها وإبرازها من خلال تحليليه لنماذج من أغراض الوزن الواحد، بدل القيام بمقارنات خارج هذا الوزن.

ولا أدل على ضيق رؤيته لوزن المنسرح، من تلك الانتقادات التي وجهت له من قبل دارسين، تفصح عن مفارقات وخصوصيات مختلفة لهذا الوزن، سواء داخل هذا الغرض أو خارجه. 

وكما يلاحظ، فإن نتائج رقيق غزل هذه الأوزان الثلاث، يأتي على عكس ما تمليه الدراسة الأفقية،  ويدعمه الواقع النظري، شانها في ذلك شأن بقية الأوزان التي يختصرها الجدول، بما في ذلك الأوزان المجزوءة والقصيرة.

        وكان عبد الله الطيب على وعي كبير باتساع الغزل لهذه الأوزان الأخيرة، حيث ذكر منها: المتقارب القصير، والمقتضب، والمنسرح القصير، والبسيط المنهوك، والهزج، والرجز، ومجزوء الرمل، والمجتث، ومجزوء البسيط، ومخلعه.  ولم يشد عن استقرائنا إلا فيما يتعلق بمجزوء الوافر، ومشطور الرجز، ومنهوكه، ثم بإضافته لمنهوك البسيط، والمضارع.

وهو في كل ذلك، نادرا ما كان يقف عند بعض الشواهد الشعرية، يستفتيها الرأي فيما يخص موسيقية هذه الأوزان وما تستدعيه من أغراض شعرية.

    أما سليمان البستاني، فلم يكن قد تعرض لواحد من هذه الأوزان إلا من خلال إشارة عابرة، يقر فيها بصلاحية المضارع، والمقتضب، والجتث، والهزج، للأناشيد والتواشيح الخفيفة.

وعلى العموم، فإن نسب هذه الأوزان الأخيرة، لا تفيد علاقة وطيدة بينها وبين الغزل، رغم خضوعها لنفس الاتجاه الذي سارت فيه المقطوعة الغزلية من حيث الرقة والضعف وقصر الوزن. وتؤكد هذه الحقائق التي أتينا على ذكرها، النتائج  الاحصائية التالية:

    وهي نتائج  تقلل بدورها من قيمة القواعد النظرية، والتقريرات الإجمالية المتسرعة، وتتجاوز بنتائجها الأحكام الانطباعية التي لا تستند إلى دليل علمي.

    فهي لا ترى استدعاء "الغزل" لأوزان فيها حنان أو رقة، أو لأوزان قصيرة، كانت قد تطلبتها موجات الغناء، فتسربت إلى الشعر إلى الأندلسي بعد شيوع مجالس الطرب وألوان الغناء واللهو والمجون، فمالت به عن الأوزان الطويلة تأثرا بالنهضة المشرقية. 

     وقد رد كل من عبد القادر القط، وصالح بن رمضان على هذا الادعاء انطلاقا من تناولهما بالاحصاء لشعر عمر بن أبي ربيعة.  في حين تركز رد حسين بكار على أشعر بشار بن برد، ومسلم بن الوليد، والعباس بن الأحنف، والحسين الضحاك ومطيع بن إياس.

ولا جدال في أن "الغزل" قد تأثر بالغناء، ولكن في تلك الحدود التي تخلق عند الشاعر حسا عاما بموسيقى العصر، دون أن تؤثر تأثيرا مباشرا في صوره وأساليبه وموسيقاه.

    ونستطيع أن نقول بعد هذا الجرد الاحصائي المتنوع أن الشاعر الأندلسي – كغيره من القدامى – لم يكن  يتخذ للغزل وزنا خاصا يلتزم به في قصائده ومقطوعاته بالأحرى أن يلتزم بهذه الأوزان القصيرة والمجزوءة وهي التي لم تصادف شيوعا موسعا بين الشعراء.

    إلا أن السؤال الذي يظل مطروحا بعد ذلك، هو هل كان هؤلاء الشعراء صادقين في التعبير عن أحاسيسهم  حتى يتسنى لنا القول برؤية الاتجاه الايقاعي التي تترك الاختيار للحالة النفسية التي يحياها الشاعر ساعة النظم؟

قديما تنبه الناقد العربي إلى ما يشبه الحديث عن التجربة الشعرية بالمفهوم الحديث، إلا أنه لم يلزم فيها الشاعر بضرورة الاخلاص في التعبير عن تجربته الذاتية، كما يستفاد من حديثه عن قضية الصدق والكذب في الشعر بصفة عامة،  ومنه الغزل بصفة جاصة . يقول قدامة بن جعفر في معرض كلامه عن نعت النسيب: " ووصف الششاعر لذلك هو الذي يستجاد لا اعتقاده إذا كان الشعر إنما هو قول، وإذا أجاد فيه القائل لم يطالب بالاعتقاد". 

    فلا مجال لعقد مقارنة بين الفهم القديم للقصيدة الشعرية، وبين فهم المحدثين لها. إلا أننا لا نجادل في صحة الرأيين ونسبيتهما، والأخذ بأحدهما يعتبر جناية في حق الآخر، فهناك نصوص كثيرة من الغزل لم تكن بدافع تجربة ومعاناة حقيقية، وإنما كانت بدافع الرغبة في إبداء الشاعرية والقدرة على الاغتراف من كل لون شعري.

      وإذا كانت علاقة الوزن بالحالات النفسية لا تتضح في مثل هذه الأشعار، فإن الاقتراب من النصوص التي عبر فيها الشعراء عن تجاربهم الشخصية، تسمح بتقسيمها ـ حسب رأي الاتجاه الايقاعي ـ إلى نمطين من الأشعار:

ـ نمط يحتفظ لنفسه بأوزان كثيرة المقاطع، في حالة اليأس والجزع.

ـ ونمط يحتاج إلى أوزان قصيرة المقاطع، في حالة السرور والبهجة، أو إذا قيل الشعر وقت المصيبة والهلع. ومن بين أشعار النمط الثاني ما اصطلح عليه إبراهيم أنيس "بالغزل الثائر". فقد ذهب هذا الأخير إلى القول: "أما الغزل الثائر العنيف الذي قد يشتمل على وله ولوعة، فأحرى به أن ينظم في بحور قصيرة أو متوسطة وألا تطول قصائده ". 

وكان بودنا أن نضع القارئ أمام مجموعة من النماذج الشعرية، نوضح من خلالها مدى صحة رأي أنيس، لولا الغموض الذي شاب اصطلاحه. فهو لم يبصرنا بحقيقة الغزل الثائر، ولم يقدم لنا سوى مؤشرات خارجية تستند إلى الوجدان وإلى قصر النفس الشعري من حيث أوزانه وعدد أبياته. لذلك تجدنا نطرح السؤال التالي : هل كل غزل قيل في الأوزان القصيرة أو المتوسطة، دون أن تطول أبياته، يعتبر غزلا ثائرا؟ إذا كان كذلك، فماهو موقع القصائد التي جاءت من هذه الأوزان؟

   إن قراءة الجدول الإحصائي بمقطعات الغزل الأندلسي وقصائده، تؤكد أن ابراهيم أنيس جانبه الصدق – إلى حد ما – من ناحية تعلق هذه الأوزان  بالمقطوعات القصيرة.  لكن إذا حاولنا الاقتراب من جسد هذه المقطوعات، فإننا لن نجد ما يؤكد اطراد رأي أنيس في الموضوع.

ويعود احتضان أوزان هذه المقطوعات لحالات انفعال متنوعة، إلى تعدد تجارب الشعراء، واختلافها باختلاف أحوالها الشخصية وظروفهم الاجتماعية والسياسية.

    فهذا "ابن عبد ربه" ـ على سبيل المثال ـ أكثر شعراء الأندلس ميلا في الغزل إلى المقطعات والأوزان القصيرة المجزوءة،   لا يشارك "ابن زيدون" في تجربته الشعرية التي كانت وليدة حبه لولادة، ولتطلعاته السياسية،   ولكنه لا يتوانى في ركوب نفس الأوزان التي اتخذها ابن زيدون مطية للتعبير عن شدة انفعاله.

يقول من مجزوء الخفيف: 

                      أشرقـــت لــــي بــدور      فــــي ظـــلاتم تـــنــــيــر

                      طـــار قــــلبـــي بحبها      مـــــن لقــــلبـــي يطــيــر؟

حيث صور نفسه بصورة الطائر المنتشي الطرب بحبه، وهو بذلك يفارق ابن زيدون في تجربته حين يقول من المجتث: 

                         متى أبـــثــــك مــا بــي     يـــا راحـــتـي وعــذابي

                         متى يــنـــوب لســـانـي     في شـــرحه عن كـتابي

ثم استمع إليه يقول، وقد تطاول به العمر وأدركته الشيخوخة، يعبر عن انفعال ممزوج بالهدوء والثورة لفقدان أيام الشباب والوصال:   ( مجزوء البسيط )

                    يا طالبا في الهوى ما لا ينال        وسائلا لم يعف ذل الســـؤال

                   ولت ليــالي الصبــــا محمودة        لو أنها رجعت تلك اللــــيالي

                   وأعقبتها التي واصــــــــلتــها        لاهجر لما رأت شيب القذال 

                   لا تلتمس وصــــلة من مخلف        ولا تـــكـــن طاـلبا مالا ينال

  إن هذه الرؤية الطربية  التي صدر عنها ابن عبد ربه لم تفارق جل قصائده ومقطوعاته. وقد جاء نصيس الأوزان الطويلة منها أوفر حظا من الأوزان القصيرة والمجزوؤة.

يقول:   ( من الطويل )

           معــــتذبتــي رفـــقا بــقــلب مــعـذب           وإن كـــان يرضـــك العذاب فعـــذبي

           لعـــمري لقد باعــدت غير مـباعـــد            كما أنـــني قـــربت غيــر مــقـــــرب

           بنــــــفـــسي بدر أجمل البدر نــوره            وشمس متى تطلع إلى الشمس تغرب

           لو أن امرئ القيس بن حجر بدت له            لمـا قــال: " مـــرا بي على أم جندب"

ويكشف هذا النموذج عن تجربة مخالفة لتجربة ابن زيدون في قصيدته المتقاربية: 

            ليــن قصر اليأس منك الأمــــــــل            وحــــــال تجـــنيك دون الحـــــيل

    فقد علق عباس الجراري على هذه القصيدة، فقال: " نحس من خلال تقطيعها أنها تعبر عن انفعال هادئ وشعور متزن"،  يخالف إيقاع قصيدتين له من نفس الوزن، يعبر إيقاعها السريع، عن جيشان عاطفة، وتعجل في نيل ما تهفو له نفسه من متع.

    ولا أدل – كذلك – على قصور رأي إبراهيم أنيس وعدم اطراده، من تلك القصائد والمقطوعات الشعرية التي كانت وليدة صناعة كلامية لا تسمح بتلمس هذه العلاقة، ناهيك عن الاستدراكات التي طالت فهم أنيس للموضوع على يد كل من عز الدين إسماعيل، ومحمد غنيمي هلال، ومحمد النويهي. وإحساس الأولين باتساع الوزن الشعري لحالات متنوعة من الانفعال النفسي،  هو الذي قاد ثالتهما إلى القول: "إن البحور المختلفة، وإن لم تختلف في نوع العواطف التي تصلح لها فهي تختلف في ( درجة)  العاطفة ".

وعلى كل حال، فلسنا مؤهلين لمعرفة أي درجات الحالات النفسية، ينتمي "الغزل" الذي قيل في هذه الأوزان التي أتينا على حصرها، فالتحليل المقطعي يظل دائما في حاجة لمعرفة جرس الألفاظ ودلالتها، ولن يتسنى ذلك إلا عن طريق معالجة غزل هذه الأوزان من منظور ايقاعي محض لا يغفل جانبا من جوانب البنى الايقاعية.

    ولكننا نستطيع أن نؤكد من خلال هذه الاحصائيات على احتفاظ الغزل الأندلسي بصلاحيته للأوزان الطويلة التي ظل لها قصب السبق على مستوى الشيوع بين أوزان الشعر العربي وأغراضه، وخاصة: الطويل، والكامل، والبسيط، إلى جانب الخفيف، والسريع والوافر، والمتفارب، بنسب متوسطة إلى ضعيفة، أو شبه منعدمة في غيرها من الأوزان القصيرة أو المجزوءة.

 

 

 

 

2 ـ المدح:

         المدح في اللغة هو الثناء الحسن، والمدائح جمع المديح الذي يمدح به.  كان قدامة بن جعفر قد قدم له في باب المعاني الدال عليها الشعر بقوله: "إنه لمدح الرجال بهذه الأربع  الخصال مصيبا، والمادح بغيرها مخطئا".  حيث لا تجد ما يطعن في جدة هذه الفضائل التي عليها مدار المدح، أو ما يتفرع عنها من انواع وأقسام،  وأوصاف عرضية، أو جسمية كانت موضع خلاف،  غير ما يتعلق بقضية المقام، وذلك لاختلاف طبقات الممدوحين، وتباينهم في الارتفاع، والاتضاع، وضروب الصناعات، والتبدي والتحضر، فكان من الواجب أن يمدح الرجل بما يكون له وفيه، وبما يليق به، ولا ينفر عنه.

     وفيما يتعلق بالبناء الداخلي لقصيدة المدح، روعي "أن تكون ألفاظه ومعانيه جزلة مذهوبا بها مذهب الفخامة في المواضع التي يصلح فيها ذلك. وأن تكون فيه مع ذلك عذوبة ورقة"،  إذ لا بأس ان ينحرف ذو الجد إلى طريقة الهزل، على جهة المزح والدعابة حين يليق ذلك بالحال والموطن، "فإن الكريم قد يطرب وقد يحتاج إلى أطرابه".

   وقد التزم الشاعر العربي بهذه الرسوم والقوالب، حتى فيما يتعلق بطول القصيدة،  وما يتقدمها من نسيب أو غيره،  وفق ما يمليه نقد الشعر الذي سار في كثير من شرعته في ركاب الممدوحين وأهوائهم.

     وهكذا ساعدت ظاهرة التكسب، إلى جانب عوامل أخرى،  على ازدهار المديح، فاحتل في الشعر الأندلسي الرتبة الثانية، بوحدات معدلها ( 21.05%)، ثم الرتبة الأولى من حيث عدد الأبيات، بمعدل (49.13%). وبلغت نسبته من المقطعات (10.50%)، وفي القصائد (41.96%). أما نسبة تداوله، فارتفعت إلى الرتبة الأولى بمعدل (96.29%)حيث لم ينظم منه سوى أبي الحسن الششتري.

         ولما كانت الأوزان مما يتقوم به الشعر، وتعد من جملة جوهره،  وجب أن يحاكى هذا الغرض بمناسبة من الأوزان، ويخيله في نفس متلقيه لبعثه على المكافأة وهزه للسماح.  وفي ذلك يقول حازم: أن المقاصد " التي تحتاج إلى جزالة نمط النظم يجب أن تنتظم في سلك الأعاريض التي من شأن الكلام أن يكون فيها جزلا نحو عروض الطويل والكامل"  و"البسيط" باعتباره كذلك من الأعاريض الفخمة التي تصلح لمقاصد الجد.

 فهل وفق الشاعر الأندلسي في اختيارهذه  الأوزان؟

          لقد حاول حازم أن يسير في مدائح ديوانه على هدي الخطوات النظرية، فجعل "الكامل" في مقدمة هذه الأوزان بثلاث عشرة وحدة شعرية،  موزعة ما بين ثلاث مقطوعات وعشر قصائد، مجموع أبياتها خمسمائة وستة وسبعون (576) بيتا، ثم جاء "بالطويل" في الرتبة الثانية، فوزعه ما بين مقطوعتين وثمان قصائد،  مجموعها من الأبيات خمسمائة وثمان وخمسون (558) بيتا، ولم ينظم من "البسيط" سوى خمس وحدات شعرية،  مجموع أبياتها مائتان وثلاثة وسبعون (273) بيتا شعريا، وهي موزعة عنده بين مقطوعة واحدة وبين أربع قصائد، مكنته جميعا من احتلال الرتبة الثالثة.

        ومن تتبع كلام الشعراء في جميع هذه الأعاريض، وجد الكلام الواقع فيها لا تختلف أنماطه من حيث الجلالة، والفخامة، والبهاء، والقوة، والجزالة، وما يخالطها من عذوبة ورشاقة.

وإذا تقدمنا خطوة إلى عموم المديح الأندلسي وأوزانه، فإننا سنلاحظ اتساع الغزل لأوزان، توضح أن حازما الناقد، قد جانبه الصدق إلى حد كبير في ما انتهى إليه من ضرورة تناسب الأوزان الباهية والأغراض الجادة، وهي هنا لا تخرج عن "الطويل" و"الكامل"، و"البسيط "، على اختلاف نسبها الفردية، وعلاقتها بالمدح إنتاجا وتداولا.

وتشكل في مجموعها نسبة (71.68%) من الوحدات، و(77.63%) من الأبيات، و(61.65%) من المقطعات، و(76.67%) من القصائد. وتبلغ نسبها من التداول (88.88%) في الطويل، و( 77.77%) في كل من الكامل، والبسيط.

     والجدير بالذكر، أن الشعراء الذين تنكبوا هذه الأوزان في مدائحهم، وخاصة وزن البسيط، لم يُعْرَفُوا بإكثارهم من المدح، بل إن أبا الحسن الششتري قد استبعده بصفة نهائية من أشعاره. ومن جهة أخرى فإن الغياب لم يستطع أن يقلل من أهمية هذه الأوزان في علاقتها بغرض المدح.

ولم يكن سليمان البستاني قد أشار في صراحة إلى صلاحية هذه الأوزان لغرض المدح،  كما هي عادة عبد الله الطيب حين يعرض لوزن من الأوزان الشعرية. فقد أبان هذا الأخير عن أوزان أخرى تشارك الطويل، والكامل، والبسيط في صلاحيتها لغرض المدح، فذكر "السريع الثاني، والثالث"، و"الكامل الأحذ المضمر"، وذكر "المنسرح"، و"الخفيف"، و"المتقارب" و "الوافر".

وإلى قريب من ذلك، انتهى إبراهيم أنيس، ومحمد غنيمي هلال. يقول أنيس: "أما المدح فليس من الموضوعات التي تنفعل لها النفوس، وتضطرب لها القلوب، وأجدر به أن يكون في قصائد طويلة وبحور كثيرة المقاطع كالطويل والبسيط والكامل".

       وذهب غنيمي هلال إلى القول بأن الشاعر " قد يقع على البحر ذي التفاعيل الطويلة... لملاءمة موسيقاه لأغراضه الجدية الرصينة من فخر وحماسة ودعوة إلى قتال أو ما إليها، ولهذا كانت البحور الغالبة في الأغراض القديمة هي: الطويل، والكامل، والبسيط ، والوافر".

وحكمهما يتضمن صلاحية " المدح " لكل الأوزان الطويلة، إلا أنه يلغي كما مهما من القصائد المدحية التي قيلت في هذه الأوزان، وأمام هذا القصور تجدنا نعمل على توسيع دائرة الإتجاه الذي ينتمي إليه كل من الدارسين، فنقول إن الشاعر في حالة اليأس والجزع ، يختار أوزانا طويلة،  ذات مقاطع كثيرة تناسب العاطفة الشعرية وحركاتها المتتابعة في استنفاد سائر الوزن لكل ما يريد الشاعر إبلاغه عن ممدوحه.

ويتضمن رأي هذا الاتجاه:

- قصائد مدحية لا تنفعل لها النفوس، ولا تضطرب لها القلوب، وهي ـ في نظر إبراهيم أنيس ومحمد غنيمي هلال ـ أخص بالأوزان الكثيرة المقاطع، وبالقصائد الطويلة حسب فهم أنيس وحده. 

- وقصائد مدحية تنفعل لها النفوس في حالة اليأس والجزع وهي ـ في نظر الاتجاه الايقاعي ـ أخص بالأوزان الطويلة كذلك.

      وتعتبر القصائد التكسبية التي تشد رحالها إلى الممدوح دونما إشارة إلى متاعب السفر وأهواله،  نموذجا صالحا للأخذ برأي الدارسَين الأوَّلَين وذلك لخلوها من صدق العاطفة والشعور والوفاء. ويمكن أن نمثل لذلك بقول "ابن فركون" وقد وجه إليه يوسف الثالث بيتي شعر أولهما: "وكم عائد"، وأمره بالتصدير لهما والتدليل عليهما بحسب الغرض في الإنحطاط  عن الجزالة، وفي قريب من التاريخ:  [ الطويل ]

  

            ومدحي على من جاد قبل سؤاله        ومن أركب الامال وهي ركوب

           هـو الملك العلى الهمام الذي غذا         لـــديه مجــال العز وهو رحيب

            فيــهمي نداه كــلمــا بخــل الحيا         وإن مطل الإ صباح عنه يـنوب

            فتســعف قصـاد وتقضي مآرب         ويمرع من ربع العـفـاة جـديــب

            ينــــم من المداح طيــب ثنــائــه         فـــتــنـعم أسمــاع بــه وقـلــوب

            أمـولاي عذرا إن وصفك معجز         ولـــوجــاء بشــار بــه وحبيـب

            ولكــنــني أرجوك في كـل حالة         على أن من يرجوك ليس يخيب

            فكـــل مَــرامٍ أبــتــغــيه مــبــلغ          وكـــــل بعـــيد أرتجـــيه قريب

        ونماذج هذا اللون الشعري لا تخلو من أعاريض البسيط، والكامل، وهي في جميع ذلك، تمتاز بالرصانة وإعمال الفكر والروية في اختيارها لما يتطلبه المقام من معان شعرية، وما يلحق بها من ألفاظ وأساليب، كان قد سلكها من تقدم درب المديح، ليس فقط اجدتراما لهذه القوانين التي استجمعها الناقد العربي من شتات الشعر الجيد، بل نزولا عند رغبة الممدوح وذوقه.

       وهكذا انعكس هذا التضييق على نبض القصيدة المدحية فجاء فاترا، خاليا من كل معاناة شعرية صادقة، حيث لم يعد الشاعر يلتفت في قصيدة المدح لعواطفه وصدق مشاعره، وإنما انصرف إلى إرضاء الممدوح، رغبة في الاستمناح والطمع في العطاء، وهو ما جعل كثيرا من معانيه وصيغه عبارة عن كلام جاهز، مكرور بين الشعراء، لا يترددون في صبغه بما يتوافق وأفق انتظار الممدوح داخل طبقته وعثره، ويليق وأخلاقيات مقتضى الحال. 

     وقد ارتبطت معظم قصائد هذا اللون الشعري بمناسبات رسمية، إما بتكليف من ممدوحي البلاط، أو لأن شعراءها قد اختصوا بشخص معين في غالب الأحيان. ناهيك على أن "المدح تقليد شعري، لا يمكن للشاعر أن يطير ذكره في الأفاق، إلا إذا كان من مداح الملوك والأمراء". 

ولم تكن قصائد هذا اللون الشعري وقفا على شاعر معين، فالطمع والخوف حركا كثيرا من الشعراء إلى القول ارتجالا أو على البديهة، كلما وجد الشاعر نفسه بحضرة خليفة ، أو وزير أو أمير، أو ذي جاه يطمع في عطائه أو يرهب جانبه.

      إلا أنه في غياب الظروف الخارجية، المحيطة بالقصيدة المدحية، فإنه يغدو من الصعب ـ أحيانا ـ تمييز هذا الضرب الشعري عن غيره من الأشعار، لا تخرج ـ هي الأخرى ـ عند الشاعر الواحد ـ عن بعض هذه المناسبات، ليس رغبة في العطاء، أو رهبة من الممدوح، ولكن إعجابا بهذا الأخير، ووفاء بحبه.

      وقد مثل الممدوح في هذه القصائد خلاص الشاعر من ضيق المكان والزمان، فجاءت معبرة عن تجربة صادقة، وشعور يحركه، أحيانا ما يوجد عليه الشاعر من يأس وجزع.

وتعتبر نماذج هذه الأشعار، قاعدة صالحة لمناقشة رأي إبراهيم أنيس الذي يقف عند القصائد التكسبية الخالية من كل عاطفة شعرية، وإن كنا نرى أنه كغيره من أصحاب الإتجاه الإيقاعي ـ قد صاغ عامة ، مفادها أن الشاعر في حالة اليأس والجزع يختار أوزانا طويلة يصب فيها من أشجانه ما ينفس عنه حزنه وألمه.

     ولا جدال في أن الشعر الأندلسي، قد خضع في بعضه لمجموعة من البواعث النفسية، تعددت بتعدد الشعراء، واختلاف تجاربهم الشخصية وظروفهم الاجتماعية ، فارتبط " بالغربة" عند شاعر كابن حمديس، و" بالشكوى " عند آخر كالتطيلي، و"بالاضطراب والتوزع والخوف والرجاء" ، كما عند ابن اللبانة،  وأن نماذج هذه البواعث لا تختلف من حيث المغزى العام عن التصور الذي صاغه الإتجاه الإيقاعي حين ربط بين الأوزان الطويلة وبين حالات من اليأس والجزع، سواء كانت هذه النماذج تعبر عن ذات الشاعر أو عن ذات الجماعة أو تجمع بينهما معا.

   ويمكن أن نمثل للأشعار التي تعبر عن ذات الشاعر بنموذج لابن حمديس ، في مدح علي بن يحيى  يقول من الطويل: 

          فقـــل لأناس عرسوا بسفاقـــس         لطــائر قلبــــي في مُعَرســكـــم وكـــر

          وفرخ صغير لانهوض لمثـــله          يـــراطـــن أشكــــالا ملاقطــــها صفر

         إذا ما راى في الجو ظل محلــق         ترنم واهـــــتـــزت قــــوادمــته العـشر

         يظن أباه واقعـــــا فـــــإذا أبـــى         وقــــوعا عــليـــه شب في قلــبه الجمر

         يلد بعيني أن ترى عيـــنــه وأن          يـــلــف بنـــحر في التـــلاقي له نحـــر

         أحـــن إلى أوطـــانكم وكــــأنما          ألاقي بها عصر الصـــبا، سقي العصر

         ولم أر أرضا مثل أرضكم التي          يقبل ذيـــــــل القصر في شطها البـحـــر

         يــمد كجيـــش زاحف فإذا رأى         عـــــطاء علــــي كان من مـــــــده جزر

    وقد افتتح قصيدته بمقدمة في وصف الطيف، تناسب الجو النفسي الذي حرك شاعريته، واختار لذلك وزنا طويلا يلائم ما يحسه من غربة وحنين إلى وطنه وأحبته بسرقوسة، بعد أن غادر وطنه فظل يتشوق إليه، ويعلل نفسه بمدح الملوك والوزراء وغيرهم، "يستشعرهم الإقلال وضيق الحال، إذا امتنع عنه الرسم، أو أبطأ عليه الرسم".

      ولا تختلف القصائد التي تمتزج بين الفردي والجماعي  في مغزاها العام عن الحالة الشعورية التي خضع لها معظم الشعراء أثناء مثولهما بين يدي الملوك والأمراء. ويمكن أن نستحضر شاهدا على ذلك، قول الأعمى التطيلي  من قصيدة يمدح فيها أبا يحيى:  (البسيط)

فسائل الروم هل مانت على ثقة        من غزو اروعيعطي الغزو ما يسال

قــاد الجـــياد إليها من مرابطها         مـــــاض إذا عرض الهيابة والوكل

       والقصيدة طويلة جدا وهي تجمع بين كل المعاني التي دونها الشعراء في مدائحهم إلى ذوي السلطان وقد ابتغى الشاعر من وراءها تحقيق غايتين: وتتجلى الغاية الأولى في الدفاع عن الأمة الإسلامية من خلال، الحفاظ على قيمها، ومثلها العليا، وصون ملكها وتوسيعه، أما الثانية  فتتجلى في سعي الشاعر إلى تحقيق أماله الخاصة، وطموحاته الفردية،  كما يتضح من هذه الأبيات التي اختتم بها قصيدته. يقول: 

                يأيــها المـــلك المــيــمون طائـره           يا بدر يا بحر ياضرغام يا رجــل

                أتاركي لصروف الدهر تلعب بي           وقــــد حدلني إليك الحب والأمـل

                شكـــرت نعـماك لما قل شاكرهـا           إن الكــريم علـــى العلات يعتمــل

                وهاكها يقتــضيك الحسن رونقـها           وإن لوتها به الأعــدار والعــــلــل

                تطــاول الدهر منها لـو يعارضـه           دهر علاك به الأسحار والأصول

                سيارة في أقاصي الأرض شاردة           مـــما تـروي لك العلـــيا وترتجل

      أما القصائد التي ظلت تنوه بالبطل، سواء كان ملكا، أو أميرا، أو قائد جيش، فلا أجدها تصلح للإطار الذي صاغه الإتجاه الإيقاعي، حين ربط بين الأوزان الطويلة وبين حالات من اليأس والجزع. فكيف والحالة هذه، أن تنطبق أشعاره تعبر عن جو حماسي بطولي، عن هذه القاعدة العامة؟

 يقول بن دراج في مدح المظفر يحيى بن المنصور  أبي الحكم:  [ من البسيط ]

                   إقبال جـــدك للإســـــــتلام إقبـــال      وعز نصرك للإشراك إذلال

                   ولا مـــعــــقـب للحكم الذي سبقت       به مــــن الله أحكــام وأفعـال

                   أحق حقك في الملك الذي ضمنت       ميراثه لك أمـــلاك واقــيــال

                   وحق للــفـــخـتر المـرفوع معلمه       حق وللباطل المجهول إبطال

                   فاسـعد بمـلك مفـــاتيح الفتوح ولا       خابــت بسعـيك للإسلام آمال

                   ولا كفــــتح غـــذت أعلام دعوته       ترسوبه وكئيب الشرك ينهال

        وقد صدر فيها الشاعر عن حماسة دينية متأججة تنوه بشجاعة الممدوح وقوته، وببسالة أسوده، وصموده في قتال العدو، وشل شوكته، دفاعا عن ثغور المسلمين. وتتكرر نماذج هذه القصيدة لدى جل شعراء الأندلس، من أمثال ابن حمديس، والأعمى التطيلي، وابن خفاجة، وابن الآبار، وابن الخطيب، وابن فركون.

      ومثل هذه القصائد "التوثيقية" التي تذهب مذاهب الجلالة في إظهار عظمة الممدوح وما كان له من انتصارات وفضل على الرعية، لا تستطيع إخفاء حماسة الشاعر، وإعجابه بممدوحه، وما يلاقيه من ترحاب تخرج إليه الرعية، أثناء قفوله من معركته التي أبلى فيها بلاء حسنا:  

                  فتح – كفاتحه في الخلق – ليس له       مما خلا من فتوح الأرض أشكال

                 أضــحـــت بــه حلل الدنيا لنا جددا       ولبس والــي العدى والغدر أسمال

                 وشب شيباننا من ذكــــره فــــرحا        وشاب من خزيه في الشرك أطفال

                 وغنــت الطير في أغصانها طربا         وشدو طير العدى والكفر إعـــوال

      وغالبا ما تأنق الشعراء في صياغة هذه القصائد غاية التأنق، بحيث نوعوا في أساليبها بين الجزالة والفخامة، والرقة والسهولة، طبقا لما تقترحه عليهم طبيعة المعاني وأقدار الممدوحين.

وتمثل هذه القصائد جانبا مهما من جوانب المديح الأندلسي  كان على "إبراهيم أنيس" أن ينتبه إليه قبل أن يصوغ نظريته العامة خصوصا وأن هذه القصائد قد اختارت لنفسها أوزانا طويلة تناسب هذا المذهب البطولي والقصصي الذي يفصح عنه كم لا يستهان به من القصائد الشعرية الطويلة النفس.

      وحضور هذه الألوان الشعرية بصورة مكثفة على وزن الطويل، والكامل، والبسيط، لم يقف دون مجيئها على بعض من الأوزان الطويلة الأخرى كان أن تأخرت قليلا في الشعر العربي وأغراضه، وخاصة في الشعر الجاهلي الذي ظل يمثل النموذج الراقي طوال الأزمنة الشعرية المتوالية.

    وهي أوزان تضمنتها أحكام كل من حازم القرطاجني، وعبد الله الطيب، وإبراهيم أنيس، ومحمد غنيمي هلال. وتمتاز هذه الأوزان في صورتها المجردة بأوصاف وخصوصيات موسيقية مختلفة فيما بينها وبين سابقتها من الأوزان الطويلة. وهي أوصاف تجعلها لا تتماشى مع وجهة النظر التي ترفض تخصيصها بهذا الغرض الشعري أو تسمح لها بحالة واحدة من الحالات النفسية. 

      ويعتبر "الوافر" أحد هذه المجالات الايقاعية، إلا أن نسبة وحداته لا تزيد عن (6.21%)، رغم ارتفاع نسبة تداوله إلى (62.96%)، بل تنزل في الأبيات إلى(4.15%) لاقتصارها على المقطعات بنسبة (9.22%)، مقابل (4.72 %) من القصائد، ناهيك عن قلة اختيارات الشعراء له، والتي لم تزيد في أقصاها عن اختيار ابن الآبار الذي وصل به إلى إحدى عشرة وحدة شعرية.

        ويأتي المتقارب في الرتبة الخامسة بعد أن كان في المديح الجاهلي يحتل الرتبة الثانية. ولم أجد أحدا من  الأندلسيين استعمله بكثرة في مدائحه، غير أن ابن دراج الذي ركبه سبع عشرة مرة . وهو عند غيره لا يزيد عن خمس وحدات فما دون ذلك.

       وعلاقة هذا الوزن بالمدح لا تزيد عن ( 5.73%) من الوحدات، و(5.36%) من الأبيات، و(6.05%) من المقطعات،  و(5.57% ) من القصائد، و(74.07%) من التداول، وسجل غيابه عند الغزال، وابن عبد ربه، والألبيري، وابن اللبانة، والرصافي البلنسي، وأبي الحسن الششتري، وحازم القرطاجني.

      واحتل الخفيف الرتبة؟؟؟ بنسب تنزل إلى (4.68% ) من الوحدات، و(3.27%) من الأبيات، وتصل في المقطعات إلى (7.20%)، مقابل (3.43%) من القصائد.

      وقد بلغ عدد الشعراء الذين اختاروا هذا الوزن لمدائحم تسعة عشر شاعرا، لم تتجاوز استعمالتهم الفردية له، أكثر من ثمان وحدات شعرية إذا نحن استثنينا ابن الخطيب الذي وصل به إلى هذا العدد.

       وينتمي إلى هذه المجموعة الثانية،  وزن "السريع" بنسب وحدات لا تتجاوز (4.20%)، موزعة ما بين تسعة عشر شاعرا، يتقدمهم ابن الخطيب من حيث الاتجاه بسبع وحدات.

وتبلغ نسبة أبياته (2.70%)، لارتفاع مقطعاته إلى (7.49%)، مقابل (2.57%) من القصائد. أما نسبة تداوله فتصل (62.96%).

      ونماذج هذه الأوزان لا تختلف في ألوانها المتعددة، عن وضعها بين الأوزان السابقة، من حيث البهاء، والقوة، والجزالة، وما يخالطها من رشاقة، وعذوبة، يقتضيها معرض الجد والجلالة، سواء كانت هذه النماذج تصدر في ألوانها المتعددة عن رغبة نفسية مبعثها الحزن والفرح، أو عن حب وتملق يدفع إليها الطمع في العطاء والاستمناح.

        بعد هذه الفئة التي قلت نسبتها في المدح، دون نسب تداولها كما تبين، يأتي الرمل على رأس مجموعة أخرى، تأخرت نسبها لدرجة تكاد تكون غير ذات دلالة في المديح الأندلسي.

     وتضم هذه المجموعة، أربعة عشر وزنا، يبلغ مجموع نسبها (7.38%) من الوحدات، و(6.56%) من الأبيات، و(8.31%) من المقطعات، و(6.95%) من القصائد. ويمثل فيها "الرمل" نسبة (2.19%) من الوحدات، و(2.57%) من القصائد، و( 1.44%) من المقطعات، و(2.47%) من الأبيات، و(37.03%) من التداول.

      ويمتاز هذا الوزن برقة وعذوبة ورشاقة منسابة تجعله  في رأي عبد الله الطيب – ينبو عن الصلابة  والجد وما إلى ذلك. وحكمه هذا يتفق مع الأغراض التي خصها بنه حازم القرطاجني وسليمان البستاني. 

      وقد التجأ عبد الله الطيب إلى الإستشهاد بأوزان وأغراض مختلفة، من أجل تمرير وجهة نظره المسبقة عن هذا الوزن، وذلك بعد أن اصطدم  بمجموعة من النصوص المدحية وعمل على رفضها وتخطيء شعرائها، من حيث عدم مناسبة هذا الوزن لفحوى معاني المدح وتنافرها مع رقته.  

      ومثل هذا الحكم يصعب الأخذ به، ما لم نقم بدراسة جميع الأشعار التي جاءت أوزانها المختلفة في غرض المدح، لا خارجه، ونبحث فيما إذا كانت تجمعهما بنية مشتركة، أو لا تجمعها، وفيما إذا كانت أوزانه تحتفظ بخصائصها الموسيقية المجردة، أم تستمد إيقاعها من مادة صياغة الشعر ذاتها. وهذا باب كبير، نأمل أن نقوم مستقبلا بتحمل جانب منه.

     وإذا استثنينا "مجزوء الكامل" الذي قارب الرمل قليلا من حيث نسبه من المقاييس الإحصائية، فإن بقية الأوزان المنضوية تحت هذه الفئة، لا توجد على علاقة بالمدح إلا بنسب ضعيفة جدا.

فهذا وزن "المنسرح" لا تزيد وحداته عن (0.86%) موزعة ما بين قلة من الشعراء فمنهم: ابن عبد ربه، والغزال، وابن هانئ، وأمية الداني، وابن سهل، وابن الخطيب. وعدم إكثار شعراء الأندلس من هذا الوزن وعزوف معظمهم عنه في مجال المدح، لا يرجع إلى اضطرابه وتقلقله،  وإنما لقلته عند شعراء الفخامة امثال كثير، والأخطل، والقطامي، وجرير، وابن الرقاع، والفرزدق، وممن سبقهم من طلاب الجزالة والفحولة.

    أما "مخلع البسيط" فلم ينظم منه سوى ابن عبد ربه، والمعتمد بن عباد مرة واحدة، ثم ابن دراج، والتطيلي مرتين.

       ويمتاز "المتدارك" بسرعة وخفة شبيهة بوقع الفرس على الأرض وضرب النواقس.  يقول أمية الداني من قصيدة في مدح الحسن بن علي الصنهاجي:

                       ندب ندس حلو شرس       شهم فـطــن لـيــن حسن

                       لــو لـــلأيـــام شمائله       لـم تحن عليك ولــم تحن

                       ولـــو أن البحر كنائله      لــم يدنو مداه على السفن

      وكونه كذلك هو الذي أثار استحسان شعراء المديح الأندلسي، وإقبالهم على تداوله، والنظم عليه. فقد اختاره ابن حمديس، وابن الخطيب مرتين، واستعمله أمية الداني، وابن الآبار مرة واحدة. 

وإذا أخدنا بعين الاعتبار هذه الحقيقة إلى جانب نسبة المدح بين الأغراض التي لاءمت هذا الوزن أفقيا،  أو حاولنا النظر إليه من خلال مدائحه التي منها قول ابن الخطيب:

         وافيــت إلــــيك بها راكضا           ولغــمر نــوالـــك مستــبـقا

         فســـبــكت التــــبر له لجما            وجعـــلت أعنتـــها ســرقا

         فأنل، واحمل، وأعد، وأبد،           وانعم، في ظل حمى، وبـقا

         مـــا لاح النــــور بـمشرقه            أو هـــزت ريح غصن نقا

    وجدنا أن عبد الله الطيب، لم يكن محقا حين ذهب إلى هذا الوزن بكل ما يصلح للحركة الراقصة الجنونية.  

       وربما لو كان تنبه - كسليمان البستاني -   لما يوحي به هذا الوزن المسمى ركض الخيل من معاني الفروسية والإقدام ـ تجعله أنسب لهذا الغرض لما كان قد أخرجه من دائرة المدح.

ولا تتعدى بقية الاختيارات الوزنية، ثلاث وحدات في "المديد" ، و" مجزوء الرجز"، ووحدة شعرية في "مجزوء الوافر"، و" المقتضب "، و"الرجز".

     وهذه الأوزان لا تخرج – في بعضها عن أشعار ابن دراج، وأمية الداني، وابن الآبار، وحازم القرطاجني، وعبد الكريم القيسي، وابن زيدون، وابن الخطيب، وابن سهل، وأبي حيان، وابن عبد ربه، والأعمى  التطيلي.

     ونشير إلى أن اختيار هؤلاء الشعراء لأحد الوزان السابقة، لم يكن اختيارا عشوائيا، وإنما دفعت إليه أسباب سنأتي على ذكرها، من خلال الوقوف عند نماذج بعض هذه الأوزان، وخاصة تلك التي أثارت أشكالا وانتباها متعددين داخل حقل الإبداع الشعري ونقده. وهذه الأوزان هي : المديد ، ومجزوء الرمل، والمقتضب.

       فقد أشار الإتجاه التقليدي إلى خاصية هذه الأوزان الثلاث، وربطها بأغراض معينة لا يتسع لها المدح. فنظرا لما يحمله "المديد" من رقة ولين وضعف أو قعقعة، أو ثقل يجعله ينبو على الذوق،  فإن الشاعر الأندلسي قد اقل منه بكثرة، ولم ينظم منه سوى ابن الآبار، وأمية الداني، وابن دراج.

أما حازم القرطاجني ففضل أن يبتعد به قليلا عن المدح، ربما نزولا عند نظريته النقدية التي تقارن بين الأوزان وبين المقام الشعري فاختاره "للتقريظ" في قصيدتين شعريتين، أحجم عن ذكر صاحبهما، يقول في إحداهما: 

                     بـــنــت فكــر لا نظير لها      صاغها من لا نظير له

                     أمـــــــــد الله خــــاطـــره       بــهــــداه حين أعــمله

                     فــحــــباها الله إذ كـــملت       ما حــــــابه حين كمله

                     وعلى الأقول فضـلها من       من على الأقوام فضله

 

     إلا أن حماسة حازم للربط بين الأوزان الطويلة وبين المدح لا تستقيم في ديوانه، فقد اختار قصيدتين مدحيتين على "مجزوء الرمل"، و"المقتضب" ليس جهلا بالقواعد التي وضعها بين يدي الشاعر أو قصد التنويع وإظهار البراعة الشعرية، وإنما لغاية لا يمكن أن تخرج عن الافتراضات التالية:

    ويتمحور الافتراض الأول في قلة حلاوة المقتضب وطيشه،  وفي طيب مجزوء الرمل. 

أما الافتراض الثاني فيتجلى في ما قد تحدثه مثل هذه الأوزان القصيرة من وقع طيب في النفوس التواقة إلى الإطراب والتخفيف من عبء الدولة ومسؤولياتها.

     وقد نظم حازم القرطاجني مدحته التني جاءت على "المقتضب"، لنفس هذه الغاية، فتغنى بخصال ممدوحه وما كان له من انتصارات أمن بها بلاده وحماها من الأعداء، يقول من أبياتها:

 

                   كــــم  علا ومكرمة       أحـــرزت به العرب

                   جـــــود كـــفه مطر       والخـــــلائق العشب

                   كـــــاد لا يكون لهم        في الحـــــيا به أرب

                   فالـــبحار فائــــضة        في يـــديــه والسحب

                   نخــــبة الملوك متى       يـــــبـــدو للعدا يغبوا

 

      ويتعلق الافتراض الأخير، بالحالة النفسية التي حركت الشاعر لاختيار هذين الوزنين. فإذا كان دافعه إلى انتقاء "المقتضب"، لا يخرج عن حبوره وإعجابه المتزايد بممدوحه.  فإن باعثه لركوب "مجزوء الرمل" في مدحته التي توجه بها إلى الأمير أبي زكريا، يلتقي مع تفسير إبراهيم أنيس حين يقول: "فإذا قيل الشعر وقت المصيبة والهلع تأثر بالانفعال النفسي، وتطلب بحرا يتلاءم وسرعة التنفس وازدياد النبضات القلبية".

؟؟؟؟؟؟؟؟

             أَيـــمَنُ الـــرَّكبُ فَيَامِنْ      تـــــــزجر الطير أيامن

             ولتســــل عنــهم نسيما      ضاع من تلك الضعائن

             واستـــــــمع نغمة شاد       للـــــحلى في جـــد شاد

             يا نـــوى الحباب كائن       هجت من خطب وكائن

             آه مــــن حـــلم مضاع       يــــوم ذاك الخلم ظاعن

 

     وانتقل بعده إلى مدح أبي زكريا بما تمدح به الأمراء، ومستصرخا إياه تدارك "سبتة" وإعداد العدة إلى أهلها لاسترجاعها إلى أهلها:

 

              فَــــادرِكْها بالجـــيَّادِ الـ         ـلاَّحِقِـــــيَاتِ الصوافن

              فمغـــــــــاني غربها قد         أوحشت منها المساكن

              ومغاني الشرق داجـــن         أفـــــــقها بالنقع داجن

              أصبحت وهي مواطــن         للــــعـدا تلك المواطن

              ياربــــوعا أقفــرت من         ناطق فـــيـــها وقاطن

              كـــــم حــديث عن قديم         منك شاج لي شـــاجن

              آه مــــن رشـــــد مفات         فـــيـــك عن إي مفاتن

              ولحـــــــــاء بالمواضي         جــــالـــب حينا لحائن

              عل يـــــحيى منك يحي          مــــا أماتته الضغائن

              بخمـــــــيس ضاقت الأ          فــــاق عنه والأماكن

      والنموذجان معا، يؤكدان ما سبق أن كشف عنه تحليل شواهد بعض الأوزان الطويلة أو المتوسطة الطول من حيث عدم اختصاصها بحالة معينة، وأن الأمر متروك فيها إلى الشاعر وما قد يعانيه من حالة نفسية ساعة النظم، قد تكون يأسا وجزعا، أو إعجابا بالممدوح، أو مجرد صناعة شعرية خالية من أية عاطفة صادقة، فتتطلب أنذاك بحورا قصيرة أو خفيفة.

      وتؤكد إحصائيات في الموضوع،  صحة هذه النتائج العامة واتخاذها كقوانين وقواعد ترسمها الشاعر العربي، وخاصة بالنسبة لأوزان الطويل، والكامل، والبسيط، ثم الوافر، والمتقارب، والخفيف.

فالاحتكام إلى نتائج المديح الجاهلي، في عدد أبياته، لا يطعن في صحة ما توصلت إليه دراستنا من نتائج تعطي الأولوية للأوزان الطويلة، غير ما كان للمتقارب من حب نفس الشاعر الجاهلي، دفعه لسبب ما، إلى تفضيله على الكامل، والبسيط، وتفضيل هذا الأخير على الكامل.

       وتشير نتائج إحصائيات ديوان أبي تمام، وأبي نواس، وابن الجياب الغرناطي، والحطيئة، والأخطل، والمتنبي، والبحتري، وبشار بن برد، ومسلم بن الوليد، وشوقي، وشعر النبويات في عصر بني مرين، إلى تناوب الرتب في ما بين  الطويل، والكامل، والبسيط وتنازل بعضها  للوافر، والخفيف عن الرتبة الثالثة. أما  المتقارب  فتأخر قليلا عن وضعه في الشعر الجاهلي، وخلا بصفة نهائية من مدائح أبي نواس، وابن الجياب، وبشار بن برد، ومسلم بن الوليد، وشوقي.

           وقد حافظت بقية الأوزان التي يختزلها الجدول على وضعها في جميع هذه الاحصائيات، مع بعض الاستثناءات شملت تأخر  بعضها أو تقدمها هنا أو هناك.

          وتنطبق هذه الملاحظة على وزن المنسرح الذي تأخر في الشعر الجاهلي، فجاء في الرتبة الحادية عشر بمعدل (1.10%) في حين عرف  الرمل، والرجز قفزة نوعية ، بلغ معدل أولها في مدائح ابن الجياب (12.82%)، ليحتل ثانيها الرتبة الرابعة في مديح بشار بن برد ومسلم بن الوليد، بمعدل (9.25%).

      ولا تسير أوزان هذه المجموعة على وتيرة واحدة من الشيوع، فوزن المديد – مثلا – لا يسجل حضوره إلا بقلة فقط في مدائح الشعر الجاهلي، وشعر أبي نواس، وابن الجياب. أما  السريع، و الرمل، فلم يغيبا سوى عن مدائح الأخطل، والحطيئة، والمتنبي، وشوقي.

     وقد أظهرت هذه الاحصائيات نفور شعرائها من الأوزان القصيرة والمجزوءة، بحيث لا نرى لها أثرا في مدائح أبي تمام، والحطيئة، والأخطل، والمتنبي، وشوقي. وهي عند غير هؤلاء، لا تتكرر بصفة مطردة تمكن من اتباع الشعراء لها . ووضعها هذا لايسمح بطرحها بعيدا عن دائرة الأوزان التي لاءمت غرض المدح، لأسباب تتعلق بجمالة القصيدة العربية في خروجها عما هو مألوف ومتداول.

      ولعل قلة شيوع هذه الأوزان في مدائح الشعر العربي بصفة عامة، هو الذي أوحى لحازم القرطاجني بتنكبها نهائيا في نظريته التي تربط بين المدح وبين الأوزان الطويلة التي لقيت أعلى مراتب الشيوع في الشعر العربي إلى حدود القرن الخامس الهجري.

      وهكذا لم يتم النظر إلى هذه الظواهر على أنها انزياخات شعرية، قد ترقى في وقت لاحق إلى النموذج أو القاعدة العامة. ويعتبر مجزوء الكامل الذي اجتل في الشعر الجاهلي نسبة (4.08%) خير مثال شعري، أمكن للشعراء على أساسه ان يعملوا على طرق الأوزان القصار، ومحاولة تكييفها مع غرض المدح. وقد سبق أن سجلنا في ارتياح كبير صلاحية المدح لوزن  المتدارك" بمعدل (70%.).

      هذا، وقد أبانت بعض هذه الدراسات عن اتساع المدح لأوزان أخرى يمكن إضافتها إلى ما انتهى إليه الجرد الاحصائي لآوزان المديح الأندلسي، وهذه الأوزان هي: المضارع، وكشف عنه شعراء النبويات في عصر بني مرين بمعدل (1.20%)، ثم الهزج، ونظم منه ابن الجياب، وأبو نواس، والبحتري بمعدل (1.32%). وأخيرا مجزوء البسيط الذي اختاره البحتري بمعدل (0.14%).

    وإذا كان هناك من اختلاف، فلا مناص من الإشارة إلى أن معظم هذه الاحصائيات قد اقتصرت على متن شاعر واحد، دون أن تتجاوزه إلى غيره من الشعراء، أو توقفه على عصر معين إلا في النادر من الأحيان. ومن جهة فإن من هذه الدراسات، ما كان يبحث في تطور على مستوى الأغراض، فلم تحاول البحث عن قاعدة عامة تمكن الدارس من عقد مقارنة سليمة، ولذلك بدت نتائجها مخالفة في بعض الأحيان لما انتهى إليه بحثنا.

     وعلى العموم فقد حافظت هذه الأوزان عبر تاريخ الشعر العربي على وضعها في عرض المدح، مع بعض الاختلافات البسيطة كان لعامل الزمن وربما لعوامل كثيرة، الأثر في توجيهها وجهة مختلفة، لم يستطع الشاعر الأندلسي هو الآخر الإفلات منها، خصوصا إذا حاولنا أن نتعامل مع أشعاره من زاوية تنظر إلى إبداعه الفردي.

 

 

3 ـ الوصف:

     تحيل لفظة "وصف" في لسان العرب على التحلية، والنعت، والابانة، والظهور.  أما على  المستوى الاصطلاحي فللكلمة معنى آخر استعمله النقاد استعمالا عاما وخاصا.

أ- الاستعمال العام: ويعنون به القول العري عامة،  فقلما كان النقاد القدامى يعدون الوصف من أغراض الشعر المستقلة بذاتها فهم كانوا يعتقدون" بأن الوصف عنصر أصيل لاغنى عنه في كل غرض من أغراض الشعر، أو كل موضوع من موضوعاته، فلا ضرورة في ضنهم في إفراده في غرض مستقل إذ المديح نوع وصف خصال الممدوح، والرثاء ضرب من وصف مناقب الفقيد، والغزل نمط من وصف محاسن المرأة". 

ب ـ  الاستعمال الخاص: هو الذي عناه قدامة بن جعفر بقوله: "الوصف إنما هو ذكر الشيء بما فيه من الأحوال والهيئات. ولما كان أكثر وصف الشعراء إنما يقع على الأشياء المركبة من دروب المعاني، كان أحسنهم من أتى في شعره بأكثر المعاني، التي الموصوف مركب منها، ثم بأظهرها فيه وأولاها حتى يحكيه بشعره ويمثله للحس بنعته".

    وقد أجمع جل النقاد على هذا التعريف،   مؤكدين على أن " المحاكاة التامة في الوصف"، لا يمكن أن تتحقق إلا عن " طريق استقصاء الأجزاء التي بمولاتها يكمل التخييل الشيء الموصوف"،  ويجعله في متناول حاسة البصر خاصة.

    أما التشبيه،  والاستعارة، والمجاز، والتمثيل، فليست إلا اصطلاحات تستند بعضها في تقديم صورة مستوفاة عن الشيء المراد تخييله.   

      إن هذا الحد الذي وضعه القدامى، ينم عن "واقعية مثالية "،  تستند إلى معايير نموذجية كان قد صورها الشعراء في كل موضوعات وصفهم العامة، فعبر الناقد العربي عن اهتمامه بها من خلال مجموعة من النماذج الشعرية لا تنحصر مرجعيتها في غرض الوصف، بل تتجاوزه إلى أغراض متعددة.  حيث لم يستطيع أن يتخلص من الاعتقاد السائد بأن " الشعر ـ إلا أقله ـ راجع إلى باب الوصف، فلا سبيل إلى حصره واستقصائه".

      وقد نبه حازم القرطاجني إلى هذا الخلط الذي وقع للناقد العربي، وهو يتحدث عن الوصف فقال: "جاعل الوصف قسما إنما يعني الأوصاف التي ليس للإنسان حاجة إلى حمد موصوفاتها ولا إلى ذمها ولا هي أيضا يصل إليها من ذلك شيء، وإنما القصد بوصفها سبر الخواطر ورياضتها. وقد يكون الباعث على ذلك اعتبار أو استغراب".

     وفي المعرض، نشير إلى أن موضوعات الوصف، كغرض مستقل بذاته، لا يمكن حصرها بصفة نهائية. فهي ـ في نظر ابن رشيق ـ تكثر بتعدد الموصوفات واختلاف العصور والأمصار.

    ولا نستغرب بعد ذلك، إذا كان الوصف غير مضاف إلى غرض من الأغراض الشعرية، قد أخذ قسطا كبيرا من اهتمامات الشاعر الأندلسي، فاحتل الرتبة الثالثة بمعدل وحدات بلغت (11.31%)، وإن بنسب تنزل إلى (3.76%) من الأبيات، و( 3%) من القصائد، فهو غالبا ما كان يأخذ صورة مقطوعات يضمن فيها الشاعر أحاسيسه وفكره نحو المنظر الذي ينفعل به، ولذلك تجد نسبته من المقطعات قد ارتفعت إلى  (15.50%)، لتصل إلى (88.88%) من التداول.

    أما الأوزان التي ناسبت هذا الغرض، وكشف الجرد الاحصائي عن صلاحيتها لغرض الوصف، فتستدعي الاجابة عن الساؤلات التالية:

   ما هو التأثير الذي يمكن أن يكون قد مارسه النقد العربي القديم، بعد اختياره لنماذج شعرية، تعددت مرجعياتها، دون أن تنحصر في غرض الوصف؟ وما هو موقف النقد المؤيد لإشكالية الوزن والغرض؟ وهل كان القصد من هذه الموصوفات سبر الخواطر ورياضتها، أم أن الباعث على ذلك اعتبار أو استغراب، كما يرى حازم القرطاجني؟ وهل كانت هذه الموصوفات، أو هذه المقطوعات تستدعي أوزانا قصارا تنطبق ومذهب المقعد الذي يشد القصار بالارتجال والقول على البديهة، وبشكل  يساير الرأي الذي يرى مناسبة هذه الأوزان للحالة النفسية الي يعيشها الشاعر أثناء مواجهته للشيء الموصوف وانفعاله به، وما قد يتطلبه الموقف في حالات مغايرة من أوزان طويلة تلائم العاطفة الشعرية، أم أن هذه الموصوفات ـ طويلة كانت أو قصيرة ـ لا تختلف في اختيار مجالاتها الايقاعية؟ ثم ما هي الأوزان التي يضيفها الشاعر الأندلسي إلى قائمة الانجازات الاحصائية في الموضوع؟ وماهي أسباب اختياره لها؟

     إن العودة إلى الكتابات المقعدة للشعرية العربية واستنطاقها لمعرفة الأوزان التي أتبث الجرد الاحصائي صلاحيتها لغرض الوصف، تفيد ممارسة فعلية للنموذج الشعري على أكثر من واجهة ايقاعية.

    ولن نهتم بما تفصح عنه النسب لأن هدفنا يتمحور حول معرفة الأوزان التي اعتمدت "كشاهد"، عمل الشعراء على احتذائه والقول على منواله. وبهذه المناسبة لا نرى مانعا من اقحام القارئ في متاهة هذه الشواهد نظرا لطرافتها وانفتاحها على أغراض شعرية متعددة، أهمها المدح، والغزل، وهما حقلان يوجدان على طرفي نقيض من حيث الجزالة، والرقة، وما يتطلبانه من أوزان تناسب مذهبيهما.

      وتتجه الغاية الأولى من وراء هذا الجدول، إلى ملإ الفراغ المعلن عنه في منهاج حازم القرطاجني، حين لم يعمل على تعيين الأوزان التي تصلح لهذا الغرض ومقاصده، وذلك من خلال اختيارنا لإحدى المرجعيات التي كان لها حضور قوي في الساحتين الابداعية والنقدية على السواء، إلى ما بعد  حازم وشعراء عصره.

      أما الغاية الثانية فتتجه نحو الأوزان التي أعرض عنها الفكر المؤيد، أو الرافض لقضية الوزن والغرض. وسنتخذ من المنهج الاحصائي، ومن النص الشعري شاهدا على الأوزان التي لاءمت غرض الوصف في الشعر الأندلسي، كغرض مستقل بذاته.

       إن انفتاح الأندلسيين على الأوزان التي أبان عنها الشاهد الشعري وكذا الشعر الجاهلي بما أضاف هذا الأخير من أوزان أهمها: الخفيف، والسريع،  ليس إلا دليلا على احتفائهم بجمالية الشعر العربي القديم في تراتبية أوزانه، وصلاحيته لغرض الوصف.

        إلا أننا لانعدم وجود بعض الاختلافات ـ سنأتي على ذكرها ـ والتي تتجه نحو أوزان خاصة وتدبر عن أخرى، في ما تقبل على أوزان قد ظلت خارج حدود الوصف في الابداعات التي وصلنا إحصاء أوزانها.

       وإذا كان حازم القرطاجني يفجر على مستوى إبداعه الشخصي، صمته ـ إلى حد ما ـ باتخاذه للطويل، والكامل نواتين إيقاعيتين لهذا الغرض،  فإن سليمان البستاني، وعبد الله الطيب، يتفقان حول صلاحية الوصف لأوزان: الكامل، والطويل، والبسيط، السريع، والخفيف، والرمل، والرجز، والمتدارك.

       واشتغال عبد الله الطيب على غير الإلياذة، جعله ينفرد بالإشارة إلى وزن المتقارب.  أما بالنسبة  للمنسرح، ومجزوء الرمل، ومخلع البسيط، والرمل، والمجتث، ومجزوء الرجز، ومجزوء الخفيف، فلم يخصها بهذا الغرض إلا من خلال مجموعة من الأبيات الشعرية،  التي كان يستشهد بها للتأكيد على ما تمتاز به هذا الأوزان من خصائص موسيقية تلائم تصوره الشخصي، وما تصلح لها من أغراض، تضل فيها محتفظة بهذه الخاصيات المسبقة. وقد كان هذا صنيعه حتى بالنسبة للسريع، والخفيف، والرمل.

      ولم أجده قد تطرق لـ " الوافر" ولـ " مجزوء الكامل" رغم الحضور القوي الذي امتاز به الأول في أوصاف الجاهليين وغيرهم من الشعراء، أمثال أبي تمام، والبحتري، وشوقي، أو غيرهم من الأندلسيين.

          كما أنه لم يتعرض بصفة نهائية في كتابه لمجزوء الوافر، ومشطور السريع، ومشطور الرجز. والحقيقة أن نسب هذه الأوزان من الوصف، ضعيفة جدا بحيث لا تزيد في أحسنها عن ( 0.53%). إلا أن السؤال الذي يظل مطروحا وهو لماذا لم يتطرق عبد الله الطيب إلى هذه الأوزان الثلاثة في مرشده؟

        وكان سليمان البستاني قد تعرض، فيما تناول من أوزان عن بحر"المنسرح" لعدم استقامته على إحدى موضوعات الالياذة.  أما "المجتث"، فلا يجود ـ في نظره ـ إلا في الأناشيد والتواشيح الخفيفة.  واستعمال الدارس لصيغة التفضيل هاته تجعلنا نقبل بضم هذا الأوزن إلى قائمة الأوزان التي ذكرها لغرض الوصف،  رغم أن نسبته لا تزيد في الشعر الأندلسي عن (1.77%) من الوحدات.

     إن انفتاح "الوصف" في الشعر الأندلسي على هذا العدد من الأوزان الشعرية كان يوازيه جمال الطبيعة من جهة، والحياة اللاهية التي عاشها الشعراء في اتصال ببعض الملوك والأمراء، ناهيك عن الظروف العامة التي أحاطت بالشاعر الأندلسي في ظل التقلبات السياسية التي عرفتها بلاد الأندلس.

وشغف الأندلسيين ببيئتهم الطبيعية، وبمظاهر حضارتهم في ظل هذه الظروف، كان ينطوي على ما اصطبغت به الأندلس من مرح وأوجه قلق واضطراب،  "جعلها تسعى إلى ما يشعرها بالأمن أو إلى ما يسكن على الأقل بعض هذا القلق.  وهو نتيجة لذلك، امتاز بالرقة والسهولة والبساطة والوضوح، فضلا عن جزالة الألفاظ خصوصا في مراحله الأولى وحتى القرن الخامس الهجري.

تدل الاختيارات  التي عرضت للمجالات التي التي اتصلت بها ملكة التصوير عند الأندلسيين، على مبلغ ما بذله هؤلاء من عناية بالصورة منذ وقت مبكر من تاريخ الشعر الأندلسي "حتى أصبح طلب الصورة فيه غاية كبرى، بل أصبح بعد زمن أكبر غاية ".  وفي ذلك يقول الأديب أبو الوليد إسماعيل بن عامر الحميري (تـ 440هـ ): "فلهم  في وصف الربيع أحسن المعاني مجتلى وأطيبها مجتنى"، و" لهم فيه من الاختراع الفائق، والإبداع الرائق وحسن التمثيل والتشبيه ما لا يقوم أولئك مقامهم فيه ". 

     إن غلبة هذا التوجه على شعر الوصف، هو الذي حذا بالشاعر الأندلسي إلى ركوب الأوزان الطويلة، وتفضيلها على سائر الأوزان الأخرى.  وقد استطاع كثير من الشعراء ولا سيما شعراء القصور، وغيرهم من أبناء النعمة والرفاهية، أن يتحفونا بإبداعات شعرية تعتبر غاية الصنعة، وإعمال الفكر، والتأنق في العمل، كقول الشاعر:  [ من البسيط ]

 

وما روضة بالحزن حاك لها الندى        بـــرود من الــــموشي حمر الشقائق

يقـــيــم الــدجـــــى أعناقها ويميلها        شعاع الضحى المستن في كل شارق

إذا ضـــاحكتها الشمس تبكي بأعين        مكــــلــــلة الأجفــــان صفر الحمالق

حكت أرضـها لون السماء، وزانها         نجوم كأمثــــال النجـــــــوم الخوافق

بأطيب نشرا مــن خلائقه التي  لها         خضعت في الحسن زهر الخــــلائق

        فأنت ترى أناقة اللفظ، وبهجة الصورة التي خلعها الشاعر على روضته، وقد كساها من الألوان والزينة البديعية، ما جعلها أنسب في هذا الوزن، لطوله واتساعه لمثل هذا الترف في الخيال، والتأنق في الفكر.

       ونماذج هذا الشاهد، لا حصر لها في الشعر الأندلسي، بحيث تراها تكتسح كل الفضاء الذي تعاملت معه الدراسة، وخاصة فيما تعلق منه بالأوزان الطويلة.  ولم تشد سوى عن نتائج ثلاثة من الشعراء هم: أبو إسحاق الإلبيري، وابن زيدون، وأبو الحسن الششتري، وليس ذلك إلا لعدم تعرضهم لهذا الغرض في استقلال بذاته.

       وتفصح نماذج هذا اللون الشعري، عن علم بأسرار اللعبة الشعرية، وما تتطلبه من حذق ومهارة فائقة، تجعلها لا تنبو عن الأوزان الطويلة، ولا تخالف مذهب إبراهيم أنيس الذي يعتبر الوصف من الأغراض التي لا تنفعل لها النفوس، وتضطرب لها القلوب، وأن الأجدر به أن يكون في قصائد طويلة وبحور كثيرة المقاطع.

       واعترافنا بهذا الجهد المبذول في ترقيش الصورة الشعرية، وشحنها بغرائب الأشكال وروائع الأصباغ، لا يجب أن يذهلنا عما تحمله نماذج كثيرة من انتقادات تضعف من بعض جوانب رأي إبراهيم أنيس، ومن سار على ركبه. 

        وتمتاز هذه النماذج بدفق وحيوية يؤكدها "اندماج الفنان في الطبيعة وفناؤه في شخصيتها، وتلاشيه في روحها الشامل، فإذا هو ...يصدر عنها في حركاته وخلجاته وأحاسيسه المختلفة ".  ذلك أن اهتمام الشاعر الأندلسي بالطبيعة لم يكن شكلا من أشكال الزينة ومعرضا للجمال فقط، بل كان أيضا مصدرا لمرحه وطربه، كما أنه كان مرتعا لتأملاته واعتباراته". 

      ومن شواهد النوع الأول قول ابن حمديس يصف النارنج:   [ كامل ]

 

باكر صبوحك من سلاف القهــــوة       وامزج بسمعك صرفها بالنغمــة

وانظر إلى النارنْج في الطبق الذي       أبدى تداني وَجْنَــةٍ مـــن وجْنــةِ

ومن العجائب أن تضرَّم بينـــنـــــا       جمـــراتُ نارِ تجتــنى من جنَّـة

 

ونظيره من المتقارب، قول ابن زقاق: 

أرق نسيــــم الصبــــا عــرفه      وراق قضيــب النقا عطفه

ومــــر بنـــا يتهــــادى وقـــد      نضـــا سيف أجفانه طرفه

ومــــر لمــــبســمه راحـــــة       فخلــــــت  القاح دنا قطفه

أشـــــار لتقبيلها فــي السـلام       فقــــال فمـــــي ليتني كفه

 

          ولامجال لإنكار هذه الرؤية الطربية التي تشد الشاعر بشدة إلى أن يباكر صبوحه، وينعم بهذا الجمال الذي حسبه ابن زقاق غادة حسناء هم بتقبيلها.

       وربما انقياد الإتجاه الإيقاعي وراء الفكر الأجنبي، وعدم وقوفه عند النص العربي، هو الذي جعله لا يلتفت إلى ما يزخر به هذا الأخير من حالات نفسية متباينة، تسير جنبا إلى جنب في الوزن الواحد، وبخاصة إذا كان من الأوزان التي تمتاز بنسبة مهمة من الشيوع.

     وعلى نماذج هذا اللون الشعري عن الرأي الذي يشد الطوال إلى حالات اليأس والجزع فقط، لا يرفض الإستجابة لرأيهم في الأوزان القصيرة ـ على قلتها ـ حين يربطون بينها وبين هذه الرؤية الطربية الغالبة في الأوزان الطويلة.

     ويمكن أن نستدعي شاهدا على ذلك، قول ابن الآبار يصف نهرا: 

لله نهــــر كالـــحــــــبــــاب       تــــرقيشه سـامي الحبــاب

يصــــــف السمــاء صفاؤه        فحصاه ليس بذي احتجاب

وكـــــأنـــــما هــــو رقــــة       من خالص الورق المـذاب

غــــازلـــــت في شطــيه أبـ      ــكار المنى عصر الشبـاب

والظـــــتل يـــبــدو فـــــوقه      كالخــال فـــي خــد الكعاب

     واختيار الشاعر لمجزوء الكامل، يناسب هذه الرؤية الطربية التي أعرب من خلالها عن إعجابه بهذا النهر، وبما كان له فيه من مغازلات أيام الشباب.

    وتطلعنا بعد هذا الإتجاه الذي تملأه نوع من الطربية بمباهج الطبيعة، نصوص قيلت لقصد الإستغراب والإعتبار. وهي أقرب ما تكون إلى التعبير المطلق عن حالات اليأس والجزع التي تناسبها البحور الكثيرة المقاطع. وربما لذلك رفض الشاعر أن يختار لها غير هذا الوزن، فقال ابن خفاجة:  [ طويل ]

 

ألا رب رأس لا تــزاور بيـنـه       وبــيــن أخــيه والمحل قريب

أناف به صلد الصفا وهو منبر       وقام على أعلاه وهو خطيب

يقول حذارا لا اغترارا فطالما       أنـــاخ قتـــيـل بي ومر سليب

وينشــــدنا إنـــا غريبان هاهنا       وكـــل غريب للغريب نسيب

فإن لم يزره صاحب او خليلية       فــقــد زاره نسر هناك وذيب

فها هو اما منظرا فهو ضاحك       إلــيــك وأمــا نصبـــه فكئيب

      ومن يتأمل هذه المقطوعة التي يصف فيها ابن خفاجة هذا الخرق المخوف، وهذين الرأسين، وقد وضعا على كدس صخر ببعض الطريق، يدرك إلى أي حد لاءم " الطويل " هذا المعنى الذي قصد إليه الشاعر.

     فقد وقف ينصت إلى أحدهما كأنما ينصت إلى خطيب اتخذ من مرتفع صلد منبرا له، وقام خاطبا في الناس يعظهم ويقدم لهم العبر التي استخلصها من كل النوائب التي مرت به. فطالما كان موطن قتيل، ومعبر سليب، ومرتع ذيب ونسر. وليست هذه الغربة التي عناها الشاعر بقوله:

وينشدنا: إنا غريبان هاهنا      وكل غريب للغريب نسيب

سوى غربته نفسه، وإحساسه الحاد بمشكلة التحول الزمني، وذهاب الأقران. ولعل ارتياح ابن خفاجة للطبيعة هو الذي جعله يلفت نظره إلى "كل ما يوحي بالسكون والرهبة والامتداد، ويوحي بالسؤية والمجهول "،  فيضطر من وصف الجبل والقمر والليل. 

     أما عبر ابن خاتمة، وابن الخطيب، فكانت تغذيها رؤية وثقافية دينية، تنذر باغتراب الأندلس الحبيب. ولجسامة المصاب وما يقابله من تعلق بالدين والوطن، أقبل الشاعران على أوزان: الطويل، والكامل، والبسيط، والمتقارب، والسريع، لما  تمتاز به من نفس طويل يناسب هذه الدفقة المكلومة بهاجس السقوط.  إلا أن طول هذه القصائد لايخضع لمقياس معين.

      وإن المتتبع لنصوص الوصف وموضوعاته التي تناسبه البحور الطوال، يدرك إلى أي حد ارتبط في جانب منه بقضية المقام، وبأهمية الشيء الموصوف تاريخيا في الشعر العربي.

أما الأشعار التي ارتبطت بالمقام، فهي التي قيلت في القصور وما يتصل بها من برك، وتماثيل وبساتين، وأطعمة فاخرة، كانت تستدعي إليها  الشعراء.    

  يقول ابن عبد ربه في وصف "منية كنتش"،  التي بناها الأمير محمد بن عبد الر حمان:  [طويل] 

ألــــما على قصر الخليفة فـــانـظـــرا          إلى مـنــية زهــــراء شــيــــدت لأزهـــــرا

مــــــزوقــتة تــستـــودع النجم سرها           فـــتـــحـــسبــه يـــصــــغــي إلــيها لـتخبرا

هي الزهراء الـــبــيــضاء فــي ألبست           لها الزهر الحمـراء في الجــو مـــغـــفـــرا

     يود ودادا كل عـــضــــــو ومــفــصـل          لـمـبـــــصـــــرها لـو انه كــــــان أبـــصرا

     بنـــــــاء إذا ما اللـــيــــل حـــل قناعه           بدا الصــبح من أعــــرافــه الشم مـــسفـــرا

     تعالى علوا فـــــات عن كل واصـــف           إذا اكــثروا في وصــــــفـه كـــان أكــــثــرا

     ترى المنية البـيـــــضاء في كل شارق          تـــــــلـــبـس وجــه الشمس ثــــوبا معصفرا

      إذا سدلت سترا على كــــل كـــوكـــب          كــبــا نــوره مــــن نــــورهـــا فــتــســتــرا

     فإن عذرت شمس الضحى في نجومها         على الجو كان كان القصر في الشمس أعذرا

     ودونك فانظر هل ترى من تــفــــاوت        بـــه أو رأت عــيـنـاك أحــســن مــنــظــــرا؟

 

      وتصف هذه القصيدة فنا معماريا معجزا، يحكي عن الفخامة والبذخ اللذين صاحبا إنشاء هذه القصور، والتنافس في تشييدها والولع بتزيينها.  وهي من حيث قيمتها الفنية، ترقى إلى المستوى الذي ينبغي أن يرتفع فن رسم، في اختيار صوره وأوزانه، وطول نفسه الشعري.

     ويوازي نصوص هذا النموذج، تلك الأشعار التي دوَّنها بشكل واسع كل من ابن الخطيب، ويوسف الثالث، وابن فركون، وعبد الكريم القيسي، لتؤرخ لهؤلاء السلاطين، من خلال النقش على الجدران، والطيقان والسيوف، والحمالات، والأسرة، وآنيات الفخار التي كان يشرب منها هؤلاء.

    ومن ذلك قول ابن الخطيب في مقطوعة لتنقش على طاق الماء بباب القبة.  [ الخفيف ]

               أنا طــــاق تزهو بي الأيام       تعــبـــــــت في تدائع الأفهام

               وتبديت للــــنواضر محرا        با، كأن الإنــــاء فــي إمـــام

               واقف للصلاة حـتى إذا ما        جئت للشرب حان منه سلام

      وتتبنى هذه الكتابات في غالب الأحيان وظيفة متنوعة:

1 ـ  فهي من جهة تقدم صورة ذاتية للسلطان.

2 ـ ومن جهة ثانية  تسجل دلائل الدين ونصوصه

3 ـ ما من الناحية الفنية، فتوحي بعمارة خيالية موازية للعمارة المبنية الحقيقية. 

   وبتعبير أدق فإن هذه الكتابات تؤرخ للقصور بكل محتوياتها، وتخصصها للأسرة الحاكمة وملوكها، وللسبب نفسه اختارت من الأوزان التقليدية ما يكمل هذا المشروع الفني والرمزي للسلطة.

وتتعلق نماذج النوع الثاني، بكل ما يتصل في الشعر العربي بمعاني الشجاعة والفروسية، والإقدام في ميدان الحرب، من خيول، وسيوف، ودروع، وأقواس، ورماح، وأساطيل.

       إلا أن من شواهد هذه الموصوفات ما ارتبط أحيانا، في شعر ابن هاني بالمقام الشعري، متخلية عن التزامها بالأوزان الطويلة في قطعة واحدة تصف سيف "يحيى بن علي"،  يقول فيها ابن هانيء:  [ مخلع البسيط ]

                       أكـــوكب في يمين يحيى      أم صـــارم باتك الغرار

                       حـــــامــــلــه للمعز عبد      والسيف عبد لذي الفقار

 

     وكان علينا أن ننتظر طويلا عصر الكتابة التأريخية التي اتخذت من النقش وسيلة متطورة لتدشين نمط شعري جديد، يناظر الفضاء الزخرفي الذي عم قصور الأندلس، حتى نشاهد كيف أدت الأوزان القصيرة تلك الوظيفة التي لعبتها البحور بهما معا، ثم نرى أيضا كيف قامت في جانب منها باختصار تلك القصائد السلطانية، واختزال محتوياتها، حتى تنتج خطابا شعريا دقيقا في معانيه وصوره، بعيدا عن ثقل وإفراط تلك القصائد الرسمية،  كقول يوسف الثالث، لترسم في مبنى:  [ مجزوء الرمل ]

 

                      فـــتــــأمــل مصـــنــعــتي        تـــلـــفــــه روضا مجود

                     والظــــــــــلال حـــــولـــه        كـــــخــــوافــــــق البنود

                     وأمــــامــــي وقــــفـــــت         ربـــــة الــثـــغـر البرود

                     خــــصـــــة مـــعــجـــبـة         أخــــذت أوج الصــعـود

                     كــــلـمــا تــبـــصــرنـــي         تــتـــرامـــى لــــســجود

                     خــــجــلــــت فــي مشيها         حـــيـن ريـــعت بالأسود

                     لاتــــــراع إنــــــــــــهــا         في حمى مولـــى الوجود

 

     ويأتي مجزوء الرمل على رأس الأوزان القصيرة التي ناسبت هذا النمط الشعري، يليه مجزوء الكامل، ثم المجتث، ومجزوء الرجز، ويعدهما مخلع البسيط، ومجزوء الخفيف، ثم مجزوء والوافر، والمتدارك.

       أما على المستوى الإحصائي تسمح النتائج بإمكانيات تقسيم الأوزان التي ناسبت غرض الوصف إلى مجموعها ثلاثة:

ـ المجموعة الأولى: وهي الأكثر تناسبا وتضم الكامل، والطويل، ثم البسيط، بمجموع نسب تصل (54.43%) من الوحدات، (58.22%) من الأبيات، (53.50%) من المقطعات، و(64%) من القصائد. أما نسبتها من التداول فتتراوح ما بين (48.14%)، و(77.77%).

وتشير نسبها الفردية، إلى مزاحمة الكامل لوزن الطويل بفارق لا يتعدى (0.53%) من الوحدات، و(0.99%) من المقطعات، في حين توجد حصصه من المقاييس الإحصائية الأخرى، دون حصص الطويل. ومن جهة ثانية، فإن هذا الأخير، قد فاق في بعض استعمالاته الفردية، اختيارات الكامل، حيث استعمله ابن الخطيب، وابن حمديس، وابن خفاجة بزيادة تقدر في إنتاجهم بعشر وحدات.

     وعلى تقدم رتبة البسيط، فإنه لم يتجاوز نسبة (10.14%) من الوحدات، و( 8.54%) من الأبيات، و( 9.96%) من المقطعات، و (12%)من القصائد، و(48.14%)من التداول، حيث لم أجد أحد من الأندلسيين قد أكثر منه غير ابن الخطيب، وابن حمديس. وقد استعمله الأول خمس عشرة مرة، أما الثاني فركبه إحدى عشرة مرة. في حين اقتصرت بقية استعمالاته فيما دون خمس وحدات شعرية.

       وتضم المجموعة الثانية: السريع، والمتقارب، والخفيف، والوافر، بنسب أكثر تقاربا فيما بينها إلى حد ما. وهي في السريع، والمتقارب أقرب إلى نسب البسيط منها إلى نسب الخفيف، والوافر، فهما دون معدلاتهما وتناسبهما للوصف، ومما يؤكد ذلك هذا الفارق الكبير بين استعمالاتها، والذي يقدر من حيث الوحدات بـ (3.46%).

      ونشير إلى أن مجموع استعمالات هذه الأوزان، لا يتعدى تسعا وأربعين وحدة شعرية في وزن "السريع"، ولا ينزل عن ثلاث وعشرين مقطوعة شعرية في وزن الوافر.

     أما استعمالات الشعراء لهذه الأوزان، فلا تتجاوز خمس عشرة وحدة شعرية في وزن المتقارب، وإثنتي عشرة وحدة شعرية في الوافر. واختيار الوزن الأول والرابع من نظم ابن خفاجة، أما الثاني والثالث فمن نظم ابن الخطيب.

       وتوجد هذه الأوزان، دون هذه الاختيارات عند معظم الشعراء، بل إن غالبيتهم لم يتجاوزوا بها الوحدة الشعرية إلا في النادر من الأحيان. ونتيجة لذلك وجدنا نسبها من الوصف أقل من الأوزان الثلاثة الأولى، ناهيك عن قلة تداولها بين شعراء المتن المدروس.

     ويأتي "المنسرح" على رأس أوزان المجموعة الأخيرة، بنسب غير ذات أهمية في غرض الوصف. وهي في الآن نفسه، لا تسمح لنا برفضها، خصوصا إذا كانت هذه الأوزان على المستوى الأفقي تسمح في معظمها للوصف باحتلال مراكز الصدارة، رغم أنها لا تعرف نسبة كبيرة من الشيوع في الشعر الأندلسي، تؤهلها هنا لاحتضان الوصف بنسب ترقى إلى مقام القاعدة العامة.

      ونحن إذا استثنينا نسبة تداول المنسرح، ثم مخلع البسيط، ومجزوء الكامل، والتي تقدر في الأول بـ (44.44%)،وفي الثاني والثالث ب/ ( 33.33%)، فسنجد أن نسب تداول أوزان هذه المجموعة على كثرتها، لا يتعدى هذه النسب، بل ينزل إلى (3.70%) في مشطور الرجز، ومجزوء الخفيف، والمتدارك، ومشطور السريع.

      وهي من حيث استعمالاتها الفردية، واختيارات الشعراء لها، لا تتعدى في مجزوء الرمل، مع عبد الكريم القيسي، عشر مقطوعات شعرية، بل توجد في غيره من الأوزان دون خمس وحدات.

لكل ذلك، وجدنا نسب هذه الأوزان من الوصف، تتخلى عن موقعها من الإنتاجية العامة، وهي تسر في اتجاه تنازلي باهت، يؤكد على أهمية الإنتاجية الفردية في بناء رؤية شعرية، تستجيب لتوابث الشعر العربي في أوزانه وأغراضه، وللعوامل التي أنتجت هذا الشعر، وعملت من حين لآخر على خلخلة بعض توابثه.

     ولنا في إحصائيات الشعر الجاهلي خاصة،  ما يؤكد ـ إلى حد ما ـ هذه النتائج ويؤازرها.

فاعتماد نسب الأبيات كمقياس للمقارنة، يؤكد أن الشاعر الأندلسي غالبا ما كان يترسم خطى أسلافه من الجاهليين "ولم يشد بوجه عام عن القواعد والأساليب التي اتبعها المشارقة في أشعارهم"،  حيث حافظ على نسب الأوزان الطوال، ولم يخالفه إلا نادرا. وفي ذلك يقول إمليو غرسيه غومس:

" ونظرا لما تمتاز به قوالب الشعر العربي من أبيات طوال، وإيقاع تتخلله الوقفات، وجد الشاعر العربي نفسه مضطرا إلى تأمل ما حوله  وتصويره في فتور وبطء وتراخ ". 

     وقد وجدناه خالف الشعر الجاهلي في ترتيب الوزن الثاني والثالث حين قدم الكامل على البسيط، ونقل السريع إلى الرتبة الرابعة، بعد أن كان يحتل الرتبة السابعة في الشعر الجاهلي، وأخر المتقارب، والخفيف، والوافر برتبة واحدة، والرمل، ومشطور الرجز برتبتين، ونقل مخلع البسيط من الرتبة السادسة إلى الرتبة التاسعة، وأقعد مجزوء الكامل في الرتبة العاشرة، بعد أن كان في الشعر الجاهلي يحتل الرتبة الثالثة عشرة.

     واستبعد من دائرته المديد، ومجزوء البسيط ، والهزج، فربما كانت تفرضها على الشاعر الجاهلي، بداوة الأول والثاني، وسذاجة الثالث.

    أما منهوك الرجز، فلم يثبت لنا وروده إلا من خلال قطعة رجزية لرؤبة أوردها ابن رشيق في عمدته. 

     وقد حاول شوقي النظم على المقتضب، فأتحفنا بقصيدة طويلة من تسعة وسبعين بيتا معدلها (7.10%)، لتعدد بذلك الأوزان التي ناسبت غرض الوصف في الشعر العربي، على اختلاف في النتائج.

     وفي مقابل ذلك، وجدنا الشاعر الأندلسي ينفرد في قصائده ومقطوعاته الوصفية بمجزوء الرمل، والمجتث، والرجز، ومجزوء الرجز، ومجزوء الخفيف، والمتدارك، ومشطور السريع، ربما لقصرها وملاءمة إيقاعها لغرض الوصف، أو لسهولة النظم عليها، أو ربما قصد التنويع، بعد أن رأينا عدم إكثاره منها وخلوها من أشعار غالبية الشعراء، ناهيك عن اختفائها بصفة نهائية من الابداعات الشعرية التي وصلنا إحصاء أوزانها، فجاءت نسبها ضعيفة، ومن قبيل الإنزياحات الفردية التي تسعى دائما إلى خلخلة ما هو تابث.

 

 

 

 

 

4 ـ  الهجاء

للهجاء في أصل اللغة معان، منها: الشتم والذم بالشعر والوقيعة في الأشعار.  وهو في الاصطلاح الأدبي، نقيض المدح، حيث يقوم على سلب الفضائل الإنسانية، وما تركب من بعضها مع البعض، بحسب المراتب، والدرجات والأقسام،  وبالجملة "ما يعلم أو يقدر أن المهجو يجزع من ذكره ويتألم من سمعه مما له به علقة".

وضروبه ثلاثة: تعريض، وتصريح، وتحقير.  ويكاد الاجماع ينعقد على اعتماد "التعريض" بديلا للهجاء، وإباحة القول فيه.

وذكر عبد العزيز الجرجاني، أن أبلغ الهجو "ما جرى مجرى الهزل والتهافت، وما اعترض بين التصريح والتعريض...فأما القذف والإفحاش فسباب محض، وليس للشاعر فيه إلا إقامة الوزن".

وقد خص ابن رشيق "التعريض" بمن هو على قدر في حسبه ونسبه، واعتبره أهجى من التصريح، لاتساع الظن فيه.  وهذا النوع في نظر ابن بسام "لا أدب فيه على قائله ولا وصمة أعظم على من قيل فيه".  وكان ابن شهيد قد اعتبره من محاسن القول.

أما إذا كان المهجو ممن لا يوقظه التلويح والتعريض، فإن ابن رشيق لا يمانع من اعتماد النوع الذي يسمونه "بالتصريح" . وهذا النوع رفضه ابن بسام في رد له، وجهه إلى ابن شهيد حين عرض بأبي جعفر الكاتب قائلا:  [متقارب]

أبو جعفرٍ رَجُـلٌ كاتبٌ    مليحُ شَبَا الخَطِّ حُلْوُ الخَطَابهْ

تَمْلا شَحْماً ولــحماً ومـا  يليـق تملِؤُه بالـكتابهْ

وذو عرَقٍ ليس ماءُ الحياءِ          ولكِنَّه رشْحُ فــضْلِ الجنابِه

جرى الماءُ في سُفْلِهِ جَرْيَ لَيْنٍ    فَأَحْدثَ في العُلْوِ منهُ صَلابَهْ

حيث قال: "وليث شعري ما التصريح عند أبي عامر إذا سمي هذا تعريضا؟ ولولا أن الحديث شجون...لما استجزت أن أشين كتابي بهذا الكلام البارد معرضه، البعيد من السداد غرضه".

            ووقف نفس الموقف من "السباب" الذي أحدثه جرير وطبقته،  لاعتبارات دينية-أخلاقية، يفسرها رأي ابن حزم(ت: 456هـ) في الهجاء جملة وتفصيلا. فهو يعد هذا الضرب من أفسد الأغراض التي ينبغي للشاعر تجنبها لأنه: "يهون على المرء الكون في حالة أهل السَّفَهِ من كناسي الحشوش، والمعاناة لصنعة الزمير المتكسبين بالسفاهة والنذالة والخساسة وتمزيق الأعراض وذكر العورات وانتهاك حرم الآباء والأمهات وفي هذا حلول الدمار في الدنيا والآخرة". 

            وتعود هذه المواقف إلى زمن الرسول(ص) وصحابته الكرام، وبخاصة من "الهجاء المقذع" الذي كان يقوم في المجتمع الجاهلي على أساس من المفاضلة، تدفع بعشائره إلى التطاحن والاقتتال. فقد روي عن النبي(ص) أنه قال: "من قال في الإسلام هجاء مقذعا فلسانه هدر".  والهجاء المقذع على حد تعبير عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو: "أن تقول هؤلاء أفضل من هؤلاء وأشرف، وتبني شعراً على مدح لقوم وذم لمن يعاديهم".

            وطبيعي أن يدعو الإسلام إلى رفض الهجاء المقذع لاستكمال الصرح الحضاري التي تضمنه الرسالة النبوية، من خلال الحفاظ على تماسك المسلمين، وحماية وحدتهم من كل انشقاق تجر إليه مكاوي اللسان. إلا أن ذك لم يحل دون استمرارية هذا التقليد وإعادة حيويته والتشجيع عليه زمن بني أمية الذين أقاموا حكمهم على العصبية والقبلية.

            وعلى العموم، فإن ارتباط هذا الغرض منذ نشأته الأولى بصراع الأفراد في حياتهم الاجتماعية والقبلية،  نتيجة تفاوتهم في الحظوظ من الرزق والجمال والجاه والسلطان، لم يعد في معظمه من العصور المتوالية، مجرد هزل يقتصر على تصوير وجوه القبح في مظهره الفردي، بل انصرف أيضا إلى طرق وظيفة جديدة وجادة، بدافع من الغيرة على الدولة الإسلامية، وعلى تقاليدها وأحكامها، وذلك من خلال ملامح الشر والاختلال الجمعي، محاولة نشر الفضيلة الدينية والسياسية والاجتماعية، بعد أن كان ينظر إلى الهجاء على أنه انحراف عن جادة الفطرة السوية، ومركب ذلول لنشر الفساد والعبث في الدنيا والآخرة.

            وكأني بالشاعر العربي قد تنبه إلى تلك اللمحات النقدية التي كانت تؤسس للهجاء الجاد، بعد أن أجاز نقَدة الشعر بالاجماع شعر الهجاء، بمعنى التفكه والتلمح فقط، حرصا منهم على تفشي العداوة والبغضاء التي يؤدي إليها الهجاء الفاحش المقذع.

            وتمتد هذه اللمحات النقدية ـ فيما نعلم ـ إلى عهد الجاحظ، حين قال: "ولم تدر أن المزاح جد إذا اجتلب ليكون علة للجد".  وقد تحمس عبد القاهر الجرجاني لهذه الفكرة، بعد أن وعى قيمة هذه الأعمال الجدية التي تقدم نفسها كأنها نوع من العبث، فقال في رد وجهه إلى من زهد في رواية الشعر، وذم الاشتغال بعلمه وتتبعه:" رب هزل صار أداة في جد، وكلام جرى في باطل ثم استعين به على حق، كما أنه رب شيء خسيس، توصل به إلى شريف، بأن ضرب مثلا فيه، وجعل مثالا له".

            وربما نتيجة هذا التضييق الذي مارسه النقد العربي على شعر الهجاء، لم يكن هذا الأخير، بجميع أنواعه، غرضا ذا شأن يذكر في الشعر الأندلسي. ولعل أكثر العوامل التي حالت دون ازدهار الهجاء الأندلسي، غير هذا التضييق الذي كان يستمد مقاييسه النقدية من العامل الديني، خلو الأندلس من تلك الأحزاب المتصارعة التي وجدت في المشرق أرضا خصبة، وبخاصة زمن بني أمية.  وتزداد الصورة وضوحا إذا أضفنا إلى هذا العامل، ما كان للبيئة الأندلسية من أثر في خلق طبع رقيق، وذوق رفيع،  دفع مجموعة من الشعراء إلى الإعراض عن أبواب الهجاء، حيث أضرب عن هذا الغرض كل من ابن دراج، والأعمى التطيلي، والرصافي البلنسي، وأبي الحسن الششتري، وحازم القرطاجني، ويوسف الثالث، وابن فركون.

            فكل ما قيل من هذا الغرض، كان وثيق الصلة بظروف الغضب، وسرعة الخاطر، لا يتجاوز نسبة(47٪) من الوحدات، و(1.54٪) من الأبيات، رغم ارتفاع نسبة تداوله إلى (74.07٪) واحتلاله للرتبة الرابعة على مستوى الشيوع.

            وعلى العموم، فإن الشعراء الذين طرقوا هذا الغرض، لم يبلغوا فيه شأن المشارقة زمن بني العباس.  كل ما هنالك أنه حافظ على شكل المقطوعات الشعرية، (6.05٪ مقابل 1.32٪ من القصائد)، سيرا على النهج المتبع عند كافة الشعراء. وفي ذلك يقول ابن رشيق:

            "وجميع الشعراء يرون قصر الهجاء أجود...إلا جريرا، فإنه قال لبنيه: إذا مدحتم فلا تطيلوا الممادحة، وإذا هجرتم فخالفوا".

            ويمكن أن نجد تفسيرا لهذا الإجماع في ما تحفل به المقطوعة الهجائية من علوق وحفظ وسيرورة بين الناس، يلخصها قول ابن الزبعري: "يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق".

ويبدو أنه من الصعب أحيانا، التمييز بين أنواع الهجاء، خصوصا إذا كانت نماذجه وحدوده تظل نسبية متفاوتة بين النقاد.  ولذلك تجدنا نميل إلى التقسيم الثنائي الذي أفرزه التطور الحضاري، لماله من أهمية كبرى في تسليط الضوء على إشكالية الوزن الغرض، بحيث سيسمح لنا بتناول هذا الإشكال من زاويتين: زاوية تنظر إلى أوزان الهجاء الساخر في ذاته، وثانية تنظر إلى أوزان الهجاء الهادف.

ورغم إيماننا بطغيان عنصر السخرية فيهما جميعا، فقد آثرنا هذا التقسيم انطلاقا من الصفة الغالبة والموجهة لهذين النوعين. أما تعريضهما أو تحقيرهما، أو تصغيرهما، أو تصريحهما وما تضمناه من  فحش، وإقذاع، وتهزل، وتهافت، وقذف، فلن نعتني بأمرها إلا بالقدر الذي يخدم هدفنا في هذه الدراسة، سواء أثناء مناقشتنا للاتجاه المؤيد لقضية الوزن والغرض، أو أثناء تعرضنا للفريق القائل بترابط الوزن والعاطفة، أو بتناسب الوزن ودرجة العاطفة.

            وموضوع النوع الأول، شخصي ذاتي، تدفع إليه مصحلة خاصة؛ حيث يعتمده الشاعر، أحيانا، في إرهاب من كانت له بيده حاجة، فمطله بها.  وقد يتخذه مطية للتعبير عن عداءاته وغضبه من الخصوم، وحقده عليهم.  وهذا النوع قد يقف عند الحشمة، فلا يتعرض لأعراض الخصوم بالنبش، وقد يعدوها، في الغالب، إلى التقاذف بالشتائم، والقبيح من القول، أو يتجاوزها إلى السخرية والتنذر؛ حيث يتماجن الشاعر، ويعبث في نسبة العيوب إلى خصمه، في خفة ولهو، وسلاطة لسان. وهو في جميع الأحوال لا يتجاوز السخرية اللاذعة، أو الخفيفة، ولا يقف عند الإقذاع.

            ويستدعي هذا الغرض الألفاظ الساقطة، والعبارات الرشيقة، والمعاني القريبة، البعيدة عن التكلف.  فطريقة الهزل: "مذهب في الكلام تصدر الأقاويل فيه عن مجون وسخف بنزاع الهمة والهوى إلى ذلك".  وقديما قال الجاحظ: "ولكل ضرب من الحديث ضرب من اللفظ...فالسخيف للسخيف". . ولا بأس للشاعر أن يأخذ فيه بطرف من المتانة: "ليس فيه تعرض لما يقدح في الطريقة الهزلية".

والأهم من ذلك، أن "حازما" قد خصه بالأوزان الطائشة القليلة البهاء.  لكنك إذا انصرفت إلى استقراء ما جاء من هذا النوع على الأوزان الباهية، فستجد أن حازما قد خالفه الصواب من هذه الناحية. فأكثر ما قيل من هذا النوع، جاء على وزن الطويل، والكامل، والبسيط.  ومن الأدلة على ذلك قول يحيى بن الحكم الغزال:  [طويل]

قَصَدتُ بِمَدحي جاهِداً نَحوَ خـــالِدٍ           أؤَمَّلُ مِن جَدواهُ فوقَ مُنائي

فلَم يُعطِني مِن مالِهِ غَـــــيرَ دِرْهَمٍ           تَكَلَّفَهُ بَعدَ اِنقِطاعِ رَجـــــائي

كَما اِقتَلَعَ الحَجّامُ ضِرساً صَحيحَةً           إِذا اِستُخْرِجَت مِن شِدَّةٍ بِبُكاءِ

وقد صرح فيها الشاعر بخصمه، وجعله في مرتبة المهجو الذي لا يوقظه إلا التصريح، ثم نسبه إلى البخل، وسلبه فضيلة من الفضائل التي يمدح بها الإنسان.

واسخر منها وألذع، قول ابن خفاجة، معرضا بشعر ابن زيدون:  [كامل]

ومُعَرِّضٍ لِي بالهِجاءِ وَهُجْرِهِ      جَاوَبْتُهُ عَنْ شِعْرِهِ فِي ظَهْرِهِ

فَلَئِنْ نَكُنْ بِالأَمْسِ قَدْ لُطْنَا بِه       فَاليَوْمَ أشْعارِي تَلُوطُ بــــــهِ

وتمثل هذه المقطوعة مبلغ الفحش الذي تقبلته الأوزان الطويلة بصدر رحب، دون أن تبدو نابية فيها. ونموذجا من البسيط، قول ابن شهيد في هجاء كاتب:

وَيْح الكِتَابَةَ من شيخ هبِنَّقَةٍ         يلْقَى العُيُـــون بــرأَسٍ مخه رار

ومُنْتِنِ الرِّيحِ إِنْ نَاجَيتَهُ أَبداً        كأَنَّما مات في خَيْشُومِهِ فـارُ

وقد سلك ابن شهيد في هذه المقطوعة، مسلك غيره من الشعراء الذين أولعوا في هذه الأوزان بالقصار كأداة للهجاء والسخرية والتنذر بخصومهم، فأرسلوها مثالا تَنِزُّ لها القلوب، ويرشح لها الجبين. 

            والظاهر أن أن حازما لم يكن يشجع على هذا اللون الشعري وأنواعه، لدرجة أنه تغاضى عنه بصفة نهائية في ديوانه، واكتفى على مستوى التنظير، بأن خصه بالأوزان الطائشة القليلة البهاء.

            والجذير بالذكر، أن مشروع حازم، لا يفيد أجوبة صريحة وأكيدة فيما يتعلق بالأوزان التي عناها بهذه الصفات. فأعلاها درجة عنده: الطويل والبسيط، ويتلوهما الوافر والكامل عند بعض الناس، ثم الخفيف. أما المديد والرمل ففيهما لين وضعف، تجعلهما أنسب للرثاء وما بمجراه.

            ويظل "المنسرح، والسريع، والمتقارب، والهزج" في حاجة أن تكمل لصفاتها شروط التأويل والمواجهة، إن لم نستطع أن نقدر أنها الأوزان المقصودة بهذه الصفات، وأن حازما كان يسعى إلى الترويج لها من خلال الدفع بالشعراء إلى ركوبها في ما يعرضون له من هزل.

            ولنا في هذه الإحصائيات التي نقدمها لشعر الهجاء الأندلسي،  ما يكمل هذا المشروع النقدي الذي اومأ إليه حازم، أو تغاضى عن بعض أوزانه ثم احتلف فيه ما بين الأوساط الحديثة.

            أما "المجتث والمقتضب"، فهما أوضح هذه الأوزان، وأقربها إلى شعر الهجاء، كما يستفاد من قول حازم: "فالحلاوة فيهما قليلة على طيش فيهما".

 وقد تخلى الهجاء الأندلسي بصفة نهائية عن "المقتضب"، بينما اختار "المجتث" لاحتضان الرتبة السابعة، بمعدل (3.15٪) من الوحدات، و(2٪) من الأبيات، و(3.50٪) من المقطعات، و(18.51٪) من التداول؛ حيث استعمله بمجموع سبع وحدات، كل من الغزال، وابن خفاجة، وابن الأبار، وابن عبدون، وابن الخطيب.

وهجائيات هذا الوزن، تضعف من نظرية حازم القرطاجني، فهي لا تمت بصلة إلى الهزل، بل تدخل في إطار الهجاء الجاد الذي كان يهدف إلى الصلاح العامم كقول الغزال:

لقد سمعتُ عجِيباً           من أبدات "يُخَـامِرْ"

قرا عليه غــــلامٌ           "طه" وسورةَ "غافر"

فقال: من قال هذا؟         هذا لعمري شــــاعرْ

أردْتُ صـــفْعَ قفاهُ         فخفت صولـــة جائرْ

أتيت يوما بتــــيسٍ        مستعبراً متجـــــاسرْ

فقلتُ: قوموا اذبحوهُ       فقال: إني يُخــــــَامرْ

والمقطوعة في التعريض بالقاضي "يخامر"،  وهي إشارة ذكية وجريئة من "الغزال" في التنبيه على سوء استعمال المنصب. فالرجل لا يحفظ القرآن، ولا يميز بين سوره وبين الشعر، ومن ثمة فإنه لا يرقى إلى المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه رجل الدين والقضاء.

            وإن بدت مقطوعات هذا الوزن تتخلص، أحيانا، من جديتها، وتتجه نحو السخرية، أو تبلغ في حدتها منطق الهجاء الذاتي اللاذع، فإن ارتباطها بمقام القضاة والخلفاء، أو ببعض القضايا الاجتماعية، جعلها خارج حدود الرسم الذي سطره حازم لمثل هذا الوزن القصير، وقبله عبد الله الطيب حين اعتبر "المجتث" من الأبحر التي "يحسن فيها تطويل الكلام للإطراب والإمتاع".

            ولم يتطرق سليمان البستاني في صراحة إلى ما يصلح لهذا الغرض من أوزان، إلا ما كان من قوله بصلاحية الطويل، والكامل، والبسيط، والخفيف، لكل نوع من أنواع الشعر. أما بالنسبة للأوزان المتبقية، والتي اتسعت لها ترجمة الإياذة، فاكتفى فيها بصيغ التفضيل، وكفى عنه شر التحصيل.

            وقد وجدنا عبد الله الطيب لا يمانع في معظم هذه الأوزان التي تضمنها الجرد الإحصائي لهجاء الشعر الأندلسي.  ولكنه يشترط "للطويل" شروطا لا يمكن أن تستقيم إلا في الهجاء الجاد. وهو بذلك يحرم هذا الوزن من الهجاء الذي يقصد منه إلى الهزل، ويكون موضوعه شخص بعينه، إن لم أقل، إنه بذلك يمارس نفس الرقابة التي لعبها النقد العربي القديم، حين رفض هذا النوع الشعري، خوفا من الدخول به في دائرة الحقد والابتعاد عن العمق.

            وليس هذا التعارض الحاصل بين عبد الله الطيب وبين الواقع الشعري، في نماذجه اللاهية، سوى إسرار منه على الارتباط بخصائص وزن الطويل التي يلخصها قوله: "وحقيقة الطويل أنه بحر الجلالة والنبالة والجد، ولو قلنا إنه بحر العمق لاستغنينا بهذه الكلمة عن غيرها، لأن العمق لا يمكن أن يتصور بدون جد، وبدون نبل وجلالة".

وإذا كان عبد الله الطيب يستنذ في حكمة إلى أشعار "الفرزدق"،  فإن القبول به كحصيلة أكيدة، ربما يكون غير مطابق لنماذج الهجاء الجاهي الذي احتل فيه الطويل الرتبة الأولى بمعدل(39.78٪).

            والحقيقة أن الواقع الشعري الذي أتحفنا به شعراء الأندلس، لا يعدم مثل هذا التصور الشخصي المعياري لنموذج الهجاء الجاد،  ولا يلغي سابقه.

وتتوزع نماذجه بين الغزال، وابن عبد ربه، وابن شهيد، والألبيري، وابن خفاجة، وأبي حيان، وابن الخطيب، وابن فركون. وتزداد صورة هذا النوع من الهجاء، أكثر وضوحا كلما توجهنا نحو الأوزان التي قمنا بحصرها، فهي تكاد تعم نتاج جميع الشعراء الذين طرقوا هذا الغرض الشعري.

وقد رأينا كيف استجاب "المجتث" كأحد الأوزان القصيرة، أو "الطائشة" لهذا النوع الشعري، وكيف استجابت البحور الكثيرة المقاطع للهجاء الذي يقصد منه إلى الهزل كالطويل، والبسيط، والكامل، وذلك في معرض ردنا على حازم القرطاجني، وعبد الله الطيب، ثم كيف خلصنا للحديث عن الأوزان الطويلة واتساعها للهجاء.

ويمكن أن نختار كنموذج شعري على مصداقية رأي عبد الله الطيب خاصة، هذه المقطوعة التي يقول فيها ابن خفاجة:  [طويل]

لعمري لو أوْضعتَ في منهج التقى         لكان لنا في كل صالحـة نهجُ

فما يَسْتَقيمُ الأمر والمُلْكُ جائـــرٌ  وهل يستقِيمُ الظِّلُّ والعودُ مُعَوَّجُ

فهي تقدم نقدا موجزا عن جور الحكام وتسلطهم على الرعية، في أسلوب تملأه اللمحة الدالة، والنظرة الحكمية التي تتطلب وزنا كثير المقاطع، يصب فيه الشاعر تأملاته وآرائه النقدية.

            ولم يكن ابن خفاجة، سوى فرد من بين مجموعة من الشعراء الذين لم يتوانوا في تسديد انتقاداتهم وتوجيهاتهم السامية، قصد تدارك ما يراه كل واحد منهم يتهاوى تحت ظل هذه الحضارة الفتية التي رامت الانغماس في الترف والملذات، فحادت عن النهج السليم، حتى فيما يتعلق بتدبير الحكم من طرف الخلفاء، والقضاة، والفقهاء، وغيرهم من ذوي السلطة والمسؤولية.

وهكذا لم يتأخر الشاعر الأندلسي، باعتباره صاحب رسالة سامية، في إبداء انتقاداته وتوزيعها ما بين النقد الاجتماعي والنقد السياسي والديني،  فراح يحذر من فساد الأخلاق، ومن شيوع البدع، والموبقات، والمحرمات، وانتشار الدسائس، والكذب، والرياء، والرشوة، وغير ذلك من القضايا التي تمس بالحكم الأندلسي الذي ما فتئ نتيجة لواحدة من هذه الأسباب أن انتهى إلى السقوط والزوال، بعد ذهاب كل القيم الإسلامية التي كان يرتكز عليها الحكم العربي في عهد الرسول (ص) وصحابته الكرام.

ويمكن أن نسوق مثالا على ذهاب القيم الاجتماعية، هذا النموذج الساخر الذي اختار له الغزال وزن "الخفيف" مجالا إيقاعيا، فصب فيه من سخريته وغضبه ما نفس عنه حزنه وألمه:

لا، ومن أَعْمَلِ المَطَايَا إِلَيْهِ         كلُّ من يرتجي إليه نصيباَ

ما أرى هَهُنَا من الناس إلا         ثعْلَباً يطلب الدجاج وذيبا

أو شبيهاً بالقط ألقى بعينيـ          ـه إلى فأرة يريد الوثوبا

وتتجلى الرؤية الجادة من هذه السخرية، في الدعوة إلى قيام مجتمع سليم، تربط بين أفراده أواصر المحبة والمصلحة العامة، بدل المصلحة الفردية التي أصبح لا يميز فيها بين الإنسان وبين الذئب والثعلب والقط.

وتظهر هذه السخرية بصورة أكثر بروزا، سواء على مستوى الكم، أو على مستوى تنويع الأوزان، في القصائد الهجائية التي كانت تسدد بصفة خاصة إلى القضاة والفقهاء، ثم من بعدهم الوزراء الذين أساؤوا استخدام سلطتهم، فعبثوا بالأحكام الدينية والدنيوية والسياسية.

ولنا في النماذج التي تستهدف القضاة، ما يغني الحديث عن قضية الوزن والغرض على أكثر من واجهة. فهي من ناحية الكم، تستأثر باهتمام معظم الشعراء الأندلسيين، ولا تتوقف على وزن معين،  إلا بحسب ما رأيناه من ميل نحو الأوزان الكثيرة المقاطع، والتي تحتفظ بالمراتب الأولى على مستوى الشيوع.

وقد جاءت هذه الأشعار في غاية الجودة والبساطة والوضوح، ومن غير أن تبدو نابية في هذا الوزن ومستقيمة على الآخر. من ذلك، قول عبد الكريم القيسي معرضا ببعض القضاة:  [الكامل]

يا أهْلَ بسْطَةَ دعْوةٌ منْ مُشـْفِقٍ    لوْ فِيكُمْ منْ لدُعَاِئهِ مَنْ يسمُع

إنَّ القَضـــَاَء وظيفةٌ دينــيةٌ        ما قطُّ قام بـحقــها منْ يَسْمَعُ

وأَرى الذِّي وُلِيَ القضاءَ بِمَصْرِكُمْ           قد صارَ يطْمَعُ بالقَضَاءِ ويَجْمَعُ

والحنْش محـــْكُومٌ عليه بأنـه      لِسِواهُ مبْـــتَلع إذا ما يلْمَـعُ

وإن الفتى لقضـــائِه لم يفْتـَقِرْ     قال الرسول فسارقٌ لا يَقْــطَعُ

وتعالج هذه المقطوعة، في سخرية لاذعة، ظاهرة الرشوة والجشع التي كان يتصف بها القضاة بدافع الإثراء السريع. وتكاد لا تجد قطعة فيهم تخلو من وصفهم بالرشوة، والدجل والرياء، والجهل، وإحلال المحرمات، واستعمال السلطة، والدين في تحقيق المصالح الفردية. ولا يستثنى من ذلك، ما قيل فيهم من مقطعات يجوز ضمها إلى الهجاء الساخر لذاته، كقول ابن الخطيب،  في القاضي جعسوس:   [وافر].

إذا "جعْسوسٌ"جاءَ الى صَلاةٍ     وطالَعَنَا بطَلْعَتِهِ النّـحِيسَهْ

رأيْنا منْ يَديْهِ ومن قـــَفاهُ           صَليباً قد أطلَّ علَى كَنيسَهْ

وهذا النموذج لا يختلف عن سابقيه من الارتباط بوزن معين، ولا يختلف عن قول الشاعر من نفس المعنى:  [م. الكامل]

ما عِمَّةُ البُنِّيِّ إِلاَّ ذاتُ أَشْكالٍ طَريفَةْ

فكأنها من حولهِ ملفوفةٌ وبه مطيفةْ

عَصْبَاَنَةٌ مذْ كُوِّرَتْ        أمْعَاؤُها بعظامِ جيفَةْ

وريما قد يطمئن المرء إلى القول بقرب هذين النموذجين من الهجاء الهادف، لاتصالهما بالقضاة، كنادرة، دفعت بالشعراء إلى طرق اكثر المناحي الشعرية الممكنة لكسر شوكة هؤلاء الفقهاء، وتل عروشهم. إلا أن ذلك لا يستقيم من وجهة النظر التي تخص الأوزان الطويلة-دائما- بالأغراض الجادة، وتلصق الأوزان القصيرة والمجزوءة بالأغراض الطائشة.

وتتظافر النماذج التي أتينا على ذكرها(الساخرة، والهادفة) في إعطاء صورة واضحة عن ضياع قضية الوزن والغرض كما حددها الاتجاه المؤيد، في شخص حازم القرطاجني، خاصة.

واضطراب هذه العلاقة، هي التي حدت بجيل آخر إلى محو الحدود الفاصلة بين الأوزان الشعرية، والعمل على تقسيمها إلى مجموعتين، كل مجموعة نرتبط بحالة عامة من أحوال النفس، وفي إطار إحدى هذه الحالات يختار الشاعر وزنا من أوزان المجموعتين اختيارا تلقائيا.

ورغم ما تمتاز به وجهة النظر هذه، من مرونة تتجلى في الحرية التلقائية التي تمنح للشاعر ساعة النظم، فإنه يصعب في ضوء النماذج التي يوفرها لنا الشعر الهجائي، أن نقول بصلاحية الأوزان الطويلة لحالات من اليأس والجزع، وبصلاحية الأوزان القصيرة لحالات الانفعال الشديد.

وقد رأينا كيف عبر الشاعر في وزن الكامل عن سخطه وغضبه من قاضي بسطة، وكيف سخر في "الوافر" من "جعسوس"، دون أن نلمح أثرا لهذا الغضب والجزع، لا فرق بين هذين النموذجين، وبين قول الشاعر من "مجزوء الكامل":

عجبا لقاضٍ حُكْمُهُ         أمضى من السُّمْرٍ الرقاقِ

جازتْ شهادات النِّسَا      ء لديه حتَّى في الطَّلاقِ

وبين قوله من نفئ الوزن: 

إن الدَّقيق ولعْقِه لَمِنَ السَّكينة والوقارِ

للهِ درُّك قــــاضيّاً           قد جاء في مِسْلاَحِ فارْ

لعِق الــهريسة جاهداً      والليل مسدول الإزارْ

وأتى لمــجلسِ حُكْمِهِ      وعليه آثار الــغبارْ

شهِدَتْ على ترْكِ الوضُوء          وكانَ عاراً أيُّ عـارْ

وإذا كانت هذه النماذج تنقض بعضها، وتؤكد في جانب منها على صدق هذه النظرية، فإن أغلب النماذج الهجائية لا تسمح بهذا التأويل. فالسخرية والفكاهة والقدرة على التهكم والتندر تشع فيها جميعا،  ناهيك عن سهولة التعبير، وقرب المعاني من الأفكار العادية المألوفة بين عوام الناس،  لا فرق في ذلك بين نماذج الأوزان الطويلة، وبين نماذج الأوزان القصيرة.

            أما فيما يتعلق "بالتلقائية" التي نفترض أنها كانت توجه الشاعر في اختياره للوزن الذي يصدف له، وأن المقطعات الصغيرة، غالبا ما تكون وليدة الفطنة وسرعة الخاطر، لتجافيها عن التكلف والتقعر وإطالة التفكير، فإن جري الشعراء وراء الأوزان التي حظيت بنسبة عالية من الشيوع، يقلل من هذه التلقائية، ويفسح المجال أمام الهيمنة التاريخية للوزن الشعري بين إجماع الشعراء وأغراضهم، للإسهام في صنع هذه العلاقة، لا دخل في ذلك للمواقف والحالات التي يعبر عنها إلا بالقدر الذي يسمح لهما به أحيانا.

            وتشير النسب إلى اختصاص الهجاء في الدرجة الأولى، بأوزان المدح الثلاثة الأولى، دون اختلاف في ترتيبها. وذلك على نقيض ما خصه به حازم من أوزان طائشة قليلة البهاء، إذا نحن استثنينا وزن "السريع" الذي احتل مع البسيط الرتبة الثالثة بعد الطويل والكامل، وبعد أن كان يحتل الرتبة السابعة في غرض المدح.

ونصيب هذه الأوزان الأربعة، يفوق نصف شعر الهجاء الأندلسي، حيث يقدر ب (61.70 ٪)  من الوحدات، و(58.75٪) من الأبيات، و(61 ٪) من المقطعات، و (68.17٪) من القصائد، أما نسبتها من التداول، فبلغت من الطويل (48.14٪)، وفي الكامل (40.74٪)، وفي البسيط، والسريع (37.03٪).

وتتوزع بقية النسب، مجموعتين من الأوزان، توجد على علاقة بالهجاء بمعدل أقل من سابقاتها، وتضم أولاها: الخفيف، والوافر، والمتقارب بمجموع معدل يقدر ب(20.25٪) من الوحدات، (22.79٪) من المقطعات، و(22.72٪) من القصائد. وقد سجلنا خلو "المتقارب" من القصائد الهجائية، واقتصاره على المقطوعات منها لنسبة لا تزيد عن (5٪). أما نسبتها من التداول، فنزلت إلى (33.33٪) في الخفيف والوافر، وإلى (29.62٪) في وزن المتقارب.

وتضم المجموعة الأخيرة، وبنسب ضعيفة جدا: المنسرح، والمجتث، ومجزوء الرمل، ومجزوء الكامل، ومخلع البسيط، والرمل، ومجزوء الخفيف، ومشطور الرجز، ومجزوء الوافر، والهزج. وهذه الأوزان، لا تتعدى استعمالاتها الفردية سبع وحدات، وهي دون ذلك في أغلبيتها، ولا تتجاوز نسبة (18.51٪) من التداول، ولا تخرج في الأوزان الخمسة الأخيرة عن اختيار شاعر واحد. وتقدر نسبتها العامة ب (18 ٪) من الوحدات، (18.36٪) من الأبيات، (19٪) من المقطعات، و(9.08٪) من القصائد في "المنسرح" و"مخلع البسيط" دون غيرها من أوزان هذه المجموعة الأخيرة.

ولم أجد أحدا نوع من استخدام هذه الأوزان في مجموعها، غير ابن الخطيب، ومن بعده يحيى بن الحكم الغزال، ثم عبد الكريم القيسي. وقد وجدت هذا الأخير قد أعطى الأولوية للكامل خلاف سابقيه.  أما باقي شعراء المتن الهجائي، فخالفوا في اختياراتهم بين هذه الأوزان، دون الإكثار من أوزان المجموعتين الأخيرتين، وكان هذا شأنهم جميعا مع هذه المجالات الإيقاعية، لذلك بدت في علاقتها بالهجاء متوسطة إلى ضعيفة، وخالية من معظم الانتاجات الفردية.

وعلى العموم فقد سار الأندلسي في ركب اختيارات الجاهلي لأوزانه الهجائية، ولم يخالفه إلا مرتين أو ثلاث مرات. مرة حين أنزل "الوافر" من الرتبة الثانية إلى الرتبة السادسة. ومرة حين عاد بـ"السريع" من الرتبة العاشرة إلى الرتبة الثالثة.  وهذا التحول في نظري مرده إلى نسبة اختلاف شيوع أوزانها وأغراضها الشعرية،  وإلى الدور الذي لعبته الهيمنة، في ظل عوامل كثيرة، كانت وراء توجيه الشعرين وجهة مختلفة، دفعت بالجاهلي إلى الاقتصار على الأوزان الطويلة والابتعاد عن الأوزان القصيرة إلا ما كان من "مجزوء الكامل"، و"مشطور الرجز" اللذين احتلا عنده موقعا متميزا في علاقتهما بالهجاء، بنسبة بلغت في الأول(6.30٪)، وفي الثاني (5.38٪).

وربما بدافع من التقليد أيضا، وجدنا الشاعر الأندلسي يقتفي أثره، ويتجاوزه ثالثة في ظل الظروف السابقة، إلى تجريب أوزان أخرى لم تكن محبوبة بين شعراء الجاهلية، فخص بها هجائياته بنسبة (10.35٪). وهذه الأوزان هي المجتث، ومجزوء الرمل، ومخلع البسيط، ومجزوء الخفيف، ومجزوء الوافر، والهزج. وهي أوزان تكاد تختفي بصفة نهائية من الشعر الجاهلي، بحيث لا تشكل سوى نسبة (0.78٪) أي ما يعادل خمسة عشرة وحدة شعرية.  في حين بلغت نسبتها في الشعر الأندلسي إلى (6.19٪)، وتعادل هذه النسبة ثلاثمائة وثماني(308) وحدة شعرية، وهذا وحده كاف لتفسير قيمة الهيمنة في فهم تناسب الوزن والغرض.

 

 

5 ـ  الرثاء:

الرثاء في اللغة، بكاء الميت، ومدحه بعد موته، وكذلك إذا قيل فيه شعر. ومن مغانيه: ما يرثي فلان لي، أي ما يتوجع ولا يبالي. ورثى له: أي رق له، ورأف له، ولرأف لحاله.

وتتآلف هذه المعاني في تقيم مفهوم اصطلاحي متكامل لهذا الغرض الشعري الذي يستمد خصائصه من مقومات المدح، مع ما تتضمنه هذه المعاني من رقة وحزن وتوجع.

            فقد عرَّفه قدامة بن جعفر بقوله: "ليس بين المرثية والمدحة فصل إلا أن يذكر في اللفظ ما يدل على أنه لهالك... لأن تأبين الميت إنما هو بمثل ما كان يمدح به في حياته".

            ومن أنواعه: التوجع، والتأبين، والتعزية،. يقول أبو البقاء الرندي: "وأما التوجع فيكون بتعظيم الرزء، وإجلال الخطب، وإعمال التأسف. وأما التأبين: فبذكر مآثر المرثي ومكارمه، ووصف ما يجب له. وأما التعزية: فبالأخص على الصبر، والترغيب في الأجر، والتأسي بالسلف فيما ناب من فجائع الدنيا وقوارع البلوى، ليأسى بذلك ولي الهالك".

            ويبدو من الصعب على المستوى التطبيقي، وضع حدود فاصلة بين هذه الأنواع،  وما قد تستدعيه من أوزان مختلفة، بحسب اختلاف طبيعتها، واختلاف نمط القول فيها، وتداخل معانيها في معجم الأحيان.

            ثم إننا لا نجد أحدا من النقاد، غير أبي البقاء الرندي، أشار إلى هذه التفريعات في تعريفه لغرض الرثاء، سوى ما كان من النوع الأول الذي تضمنه قول ابن رشيق: "وسبيل الرثاء أن يكون ظاهر التفجع بين الحسرة، مخلوطاً بالتلهف والأسف والحزن والاستعظام إن كان الميت ملكاً أو رئيساً كبيرا".

ويعتبر حازم القرطاجني أحد هؤلاء النقاد الذين لم يميزوا بين هذه الأنحاء الثلاثة، فاكتفى بتسطير قاعدة عامة صدر فيها من بناء المرثية نفسها، مفادها أن "الرثاء" يجب أن يكون شاجي الأقاويل، مبكي المعاني، مثيرا للتباريح، وأن يكون بألفاظ مألوفة في وزن متناسب ملذوذ".

والرثاء من أصعب أنواع الشعر "لأنه لا يعمل رغبة ولا رهبة"،  والأصل فيه أن ينزع إلى الصدق والقوة والحرارة. وقد "قيل لأعرابي ما بال المراثي أجود أشعاركم. فقال: لأنا نقول وأكبادنا تحترق".  إلا أن الغالب على الرثاء الذي مبعثه التكسب، الضعف والفتور. قال أحمد بن يوسف الكاتب لأبي الحزيمي: "أنت في مدائحك لمحمد بن منصور كاتب البرامكة أشعر منك في مراثيك له. فقال: كنا يومئذ نعمل على الرجاء، ونحن اليوم نعمل على الوفاء".  وهذا النوع غالبا ما يقصد به إلى التعزية، أكثر من اتجاهه إلى الحزن على الفقيد والتوجع عليه، وإبداء الألم الشديد لفقده.

ويمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك، فتأخذ  برأي شوقي ضيف الذي يجعل الرثاء من الموضوعات التي تتصل اتصالا واضحا بالحماسة الجاهلية، حيث يقول: "فقد كانوا يرثون أبطالهم في قصائد حماسية يريدون بها أنْ يُثيروا قبائلَهم؛ لتأخذَ بثأرهم، فكانوا يُمجِّدون خلالَهم، ويصِفون مناقبهم، التي فقدتْها القبيلة فيهم؛ حتى تنفر إلى حرب مَن قتلوهم، وكان يُشاركُ الرجالَ في ذلك النساءُ، فقد كُنَّ ما يزلن ينُحن على القتيل؛ حتى تثأر القبيلة له".

وإذا كان الرثاء قد تخلى عن هذه الوظيفة بدخول الإسلام، وبعد أن تهيأت عوامل التأليف والتنظير، فإنه لم يستطع أن يتخلص من الحمولة الثقافية التي كانت تمتاز بها الأوزان الطويلة بين الأوساط الإبداعية والنقدية، بالأحرى وقد قوّمه النقد العربي على أساس أنه مدح بصيغة الماضي.

فقد تم النظر إلى الرثاء في ظل القواعد البلاطية التي كانت تؤرخ للسادة والكبراء من ذوي السلطة والجاه حتى بعد رحيلهم، إما وفاء من الشاعر لهم، أو حرصا على إبرام تعاقد جديد مع أحد أقاربهم.

ومن ثمة، فقد توجب على الشاعر أن يسلك القواعد التي تضمن نجاح "المدحة" فيتغنى بفضائل الميت وبخصاله التي كان يمدح بها في حياته. وفي ذلك يقول قدامة: "فإصابة المعنى به ومواجة غرضه أن يجري الأمر فيه على سبيل المدح".

ونماذجه وإن لم تكن تختص بالطبقة الحاكمة فقط، فإنها قد حافظت في جميع الأحوال على هذا الإرث الثقافي القديم الذي يشد الرثاء إلى الأوزان الطويلة في الأغلب من الأحيان. وقد نبه ابن سينا إلى هذه الخاصية الشكلية في تلخيصه لكتاب الشعر، حين قال: "وكذلك كان يعمل بطراغوديا، وهو المديح الذي يقصد به إنسان حي أو ميت وكانوا يغنون به غناء فحلا، وكانوا يبتدئون فيذكرون الفضائل والمحاسن ثم ينسبونها الى واحد: فإن كان ميتا زادوا في طول البيت أو في لحنه نغمات تدل على أنها مرثية ونياحة".

والحقيقة أن هذه المعطيات النقدية، لا يمكن أن تبدو مفيدة في فهم إشكالية الوزن والغرض، ما لم يتم النظر إليها مقرونة بالخاصية المميزة للرثاء، والتي تتجلى في طابعه الحزين، وما تتطلبه من رقة وحسرة، وتلهف، أو إعمال تأسف، سواء قصد به إلى التأبين، أو التوجع، أو إلى التعزية، أم قصد به إلى ذلك جميعا.

فاستحضار هذه المعاني التي تؤلف مقصدية الرثاء، تؤكد إلى حد ما المقولة التي تربط الأوزان الطويلة بحالة الحزن والجزع. وقد بينا كيف اختلفت مقاصد الشعراء في مراثيهم من حيث صدق العاطفة أو تكلفها، أي بحسب أهمية المرثي، وأثره في نفس الشاعر. وسنلاحظ كيف تعمل هذه المعطيات في توجيه الشعراء نحو الأوزان التي تصدف لهم، وتبدو معبرة عن قصدهم.

ويمكن أن نأخذ كنموذج جامع لهذه المعطيات النقدية قول "ابن فركون" في رثاء شقيق ملك غرناطة أبي الحسن على الملقب بمعز الدين:   [طويل]:

فيا نَجْمَ أُفُقٍ قد هوى بــــيَدِ النـوى          وما كان إلا للــهداية أطلـــــــعا

ويا غَيْثَ سُحْبٍ طالما جادَ بِالنـَّدَى          فرَوَّى جَناباً قد ذَوَى حينَ أقْلَـــعَا

ويا بدْرَ تِرْبٍ ضَمَّهُ التُّرْبُ مُغْـرِباً           مـــــودعَا          فما باله في التُّرْبِ أصْبَحَ مـودَعَا

رَحَلْتَ فما خلَّفْتَ إلا مـــُرَوَّعاً    مَشوقاً مُعنَّى مُغْرمَ القلبِ موجعا

 

تنتمي هذه القصيدة إلى المراثي "البلاطية" التي تذهب مذهب الجلالة في اختيار ألفاظها ومعانيها وطول نفسها الشعري، سواء على المستوى الأفقي، أو على مستوى عدد الأبيات. وقد صدر فيها الشاعر عن إلمام كبير بالمعطيات التي تسيج غرض الرثاء، فلم يترك معنى من المعاني التي كان يمدح بها هذا الأمير في حياته، إلا وضمنها قصيدته، وساق كل ذلك في جمل شعرية طويلة، تسمح باستيعاب آهاته وأحزانه، يقيده في ذلك كل ما يستدعيه الموقف من حض على الصبر، والتأسي بقوارع البلوى، حيث قال في مطلع قصيدته معزيا يوسف الثالث، ومهدئا من روعه فيما ابتلي به:

 

 عزاءً فإن الخطْبَ قد جلَّ مَوْقِعا وصبرا وإن لم يبق للصبر مَوْضِعَا

تأَسَّ أَميرُ المسلمينَ فــإنه           وُرُودُ سبيلٍ لم يـزلْ مُتَوقَّعَا

تعزَّ إمام الأكـــرمينَ فإن في      مــــودعَا           فإن في بقائكَ فينا للحوادث مَرْدَعَا

 

أما الرثاء الذي نظمه الشعراء في البكاء عن المدن والإمارات البائدة والمجد الغابر، فكان أكثر صدقا ورقة، لما في نفوسهم من محبة صادقة لوطنهم، وشغف عظيم بجمال طبيعيته وعمرانه.

وقريب من هذا الرثاء الذي يصدر فيه الشاعر عن معاناة حقيقية، تلك المراثي التي كانت تبكي الآباء والأمهات والأبناء، أو من هم في منزلتهم من الأحباب والأصفياء. فالشاعر لا يصدر فيها عن رغبة أو رهبة، وإنما عن إحساس بعظيم الحزن والتوجع فيما فجع به.

ولهذه الأسباب مجتمعة، وجد الشاعر الأندلسي نفسه أمام عدد هائل من الإمكانات الإيقاعية يتضح من جردها الإحصائي، أن معظم هذه الأوزان- وخاصة منها الطويلة- لا تتماشى مع نظرية حازم القرطاجني التي تقول: "وأما المقاصد التي يقصد فيها إظهار الشجو والاكتئاب، فقد يليق بها الأعاريض التي فيها حنان ورقة...، لأن المقصود بحسب هذا الغرض أن تحاكى الحال الشاجية بما يناسبها من لفظ ونمط تأليف ووزن...، وذلك نحو المديد والرمل".

وعدم خضوع الشاعر لهذه القاعدة، لا ينظر إلى ما يطبع هذا الغرض من رقة، وإنما ينظر إلى معانيه التي تؤلف بينه وبين المدح. أما بالنسبة لصيغة الحزن والأسى التي يجب أن تميزه عن المدح، فللاتجاه الإيقاعي وجهة نظر لا تخدم رأي حازم القرطاجني.

ومن النماذج الصالحة للأوزان الطويلة، تلك المراثي التي تنطلق من الذات الشاعرة، ويكون موضوعها بكاء الأهل أوالوطن.

ويمثل شعر المعتمد بن عباد، بعد سقوطه والزج به في سجن أغمات بعيدا عن وطنه وملكه،  أرقى نماذج اللون الأول تعبيرا عن صلاحية الأوزان الطويلة لاحتواء مثل هذه الفجيعة المؤلمة التي حطت بأظافرها على المعتمد، وقد نعي إليه خبر مقتل ابنيه: المامون، والراضي على يد جيوش ابن تاشفين (طويل ):

يقولون صبرا، لا سبيل إلى الصبر        سَأَبكي وَأَبكي ما تَطـاوَل مِن عُمري

نَرى زُهرَها في مأتمٍ كُلَّ لَيــلَةٍ    يُخَمّشنَ لَهَفاً وَسطَهُ صَفحَةَ الــبَدرِ

يَنُحنَ عَلى نَجمَين أَثكَلــنَ ذا وَذا وَيا صَبرُ ما لِلقَلبِ في الصَبر مِن عُذرِ

مَدى الدهر فَليَبكِ الغَمام مُـصابَهُ  بِصنوَيهِ يُعذَر في البُكاءِ مَــدى الدهرِ

والقصيدة تعبير صادق عن الآلام التي أحسها الشاعر، وهو يرى في شخصه الملك الأسير الذي لم يعد يملك سوى الدموع والزفرات الحرى، يطلقها في جمل طويلة معبرة عن هذه الحالة المزرية التي مست أهله جميعا، فخطفت المامون، والراضي، وهدت منه ومن زوجته العليلة وبناته الحسيرات: 

لَو عُدتَما لاخترتُما العودَ في الثَرى         إِذا أَنتُما أَبصَرتُمـــانيَ في الأَسرِ

يُعيدُ عَلى سَمعي الحَديدُ نَــشيدَهُ   ثَقيلاً فَتَبكي العــَينُ بالجسّ وَالـنَقرِ

مَعي الأَخَوات الهالِكــات عَلَيكُما وَأمّكما الثَكلى المُـــضَرّمة الصـَدرِ

تُذَلِلُها الذِكرى فَتَـزَعُ لِلبُــكا         وَتَصبر في الأَحيان شُحّاً عَلى الأَجـرِ

إن الخطب الجلل الذي كانت تتمزق له نفسية ابن عباد، هو الذي دفعه إلى أن ينظم مراثيه على أطول أوزان الشعر العربي، وأنسبها للتعبير عن الحالات اليأس والجزع،  وما يؤلف بينهما من حزن وأسى عميق، يعتبر السمة الغالبة على شعر المراثي.

وقد وجدناه فاضل بين الطويل والبسيط، فاختار أولهما خمس مرات، وجاء بالبسيط مرتين. أما الشعراء الذين هالهم أمره، فلم يخالفوه النهج في اختياراتهم لما هو أرحب من هذه الأوزان اتساعا لبكائهم على مجد ابن عباد ووفائهم لحبهـ إلا ما كان من تنويع شمل الكامل، والوافر، والخفيف، واقتصر على شعر ابن اللبانة الذي أكثرهم وفاء له.

وتلتقي هذه النماذج مجتمعة، مع نوع الرثاء الذي يبكي الأوطان، وذهاب السلطان، خاصة فيما تتطلبه هذه الأخيرة من أوزان طويلة تستطيع نقل جسامة المصاب. وهي لا تختلف عن غيرها إلا من حيث اتجاهها نحو استدعاء التاريخ، والحكم، والأمثال، وقوارع الزمن وبلوائه.

وهذا لا يعني خلو قصائد الشواهد السابقة أو أغلبها من مثل هذه النظرات العقلية، أو خلو هذه الأخيرة من العواطف الذاتية والتوجعات النفسية والزفرات الحرى، بل ثمة فرق دقيق بين استخدام هذه النظرات. فنحن هنا لم نعد أمام شعر عزائي يتوجه إلى الذات الفردية، فيخفف من بلوائها عن طريق استدعائها إلى الارتكان لأحكام الله في عباده، وإنما أصبحنا أقرب ما نكون أمام رثاء جاهلي حماسي، يستهدف تحريك النفوس والهمم، والدفع بها إلى الثأر  بدل الارتكان إلى الحزن العميق. وفي ذلك يقول ابن عبدون، من قصيدة في رثاء بني الأافطس التي دخلتها جيوش المرابطين سنة 487هـ، وقتلت بها المتوكل وولديه الفضل والعباس:   [بسيط] 

أنهاك أنهاك لا ألو ك موعــظة   عن نوْمةٍ بين نابِ الَّليْــثِ والظُّــفُرِ

فالدهرُ حرْبٌ وإنْ أبْدَى مُسَالمَةً   والِبيضُ والسُّودُ مثْلَ البِيضِ والسُّمْرِ

وقد ذكر فيها الشاعر من العبر التي تستقي موادها من التاريخ والحكم والأمثال، ما جعلها أنسب في بحر البسيط لطوله وبهائه. ولم يكن فيها ابن عبدون ذلك الإنسان المكلوم فقط، بل كان أيضا ذلك الخطيب صاحب الصوت الجهير، والكلمة المؤثرة، والوزن الخطابي الطويل الذي ينقل إليك المعنى ويؤكد عليه من خلال مقاطعه الطويلة التي تتجه في معناها ومبناها، نحو مخاطبة العقل أكثر من اكتفائها بمخاطبة العاطفة، كقوله: 

سحقاً ليومكم يوما،ً ولا حمـلت    بمثله ليلـــة في غابـر العمـــرِ

من للأُسرَّةِ، أو من للأعنَّة، أو    من للأسِنّة يُهْديـــها إلى الثَّــغْر

من للظُّبَى وعوالِي الحطِّ قد عقدت          أطرافِ ألْسُنِها بالعَيِّ والحَصْـــرِ

وطوقَّت بالمنايا السُّود بيضُــهم   فَأَعْجِبْ لذاك وما منها سوى الذِّكـــْرِ

من لليراعَةِ أو من للبراعَـــةِ أو من للسَّماحةِ أو للنَّفْـعِ والضّــــرَرِ

أو دفْع كارثـــــةٍ أو ردْع أزِفةٍ    أو قمْعَ حادثةٍ تَعْيــَا على القــُدَرِ

وَيْبَ السَّماحِ ووَيْبَ البَأْسِ لوْ سَلِمَا          وحسْرةِ الدِّينِ والدُّنْيَـا علَى عُمَـــرِ

وقد كان الميل إلى الأوزان الطويلة، السمة الغالبة على الأشعار التي بكت الأندلس الحبيب،  ونادت من خلال الدمعة الحزينة، أو الثائرة إلى تداركها وإنقاذها من التسوس الذي أخذ ينخر عظامها بدءا من سقوك غرناطة سنة 479هـ.

ولم يكن اختيارنا لهذه النماذج التي حظي فيها "الطويل" بالاهتمام الأول، اختيارا متعمدا، بل فرضته علينا طبيعة الرثاء، في اختلاف مقاصده السالفة، ومدى اتساعه لهذا الوزن الذي جاوز (38.72٪) من الوحدات، (38.22٪) من الأبيات، (42.02٪) من المقطعات، (37.03٪) من القصائد، و(70.37٪) من التداول.

وقد التفت عبد الله الطيب إلى أتساع "الطويل" للرثاء المحض والحزن العميق، ثم أخضع الكامل، والبسيط لذوقه، وجعلهما يشتدان حينما يراد بهما إلى الشدة، ويلينان حينما يراد بهما إلى اللين، وقبل أيضا بدخول الرثاء مجال الوافر، والخفيف.

ومن يتأمل النتائج الإحصائية لمراثي الجاهليين، أو لمراثي شعراء الرثاء في السيرة النبوية،  لن يمانع في القول بصلاحية الرثاء لهذه الأوزان التي حافظ الشعر الأندلسي على صدارتها بمعدل (84.79٪) من الوحدات، و (87.02٪) من الأبيات، و (78.23٪) من المقطعات، و (87.38٪) من القصائد.

أما نسبتها من التداول، فتصل في الطويل (70.37٪)، في حين لا تتجاوز "الكامل"، و "البسيط" (55.55٪) لقرب نسب وحداتها وعلو شأن الطويل عليها. وغالبية الشعراء الذين اختاروا هذه المجالات الإيقاعية، نادرا ما كانوا بين أهمية الطويل وبين الكامل والبسيط، إلا ما كان من اختيار التطيلي وابن عبدون "للبسيط" الذي فاق عندهما "الطويل" بفارق لا يتعدى وحدتين شعريتين، ثم اختار عبد الكريم القيسي الذي يزد فيهما عن وحدة شعرية.

أما ابن هانئ وابن زيدون، فقد اتفقا على تغييب الطويل والبسيط. وانفرد ابن دراج بتنكب الطويل والكامل. وعمل غير هؤلاء على تغييب الكامل تارة، وتنكب البسيط تارة أخرى. فغاب الأول عن ابن عباد، وابن اللبانة، وأمية الداني، وابن عبدون، وأبي حيان الأندلسي. وغاب الثاني عن ابن شهيد، والألبيري، والرصافي البلنسي وابن سهل.

ويعتبر ابن حمديس وابن الخطيب وحدهما من بين الشعراء الذين ركبوا أوزان: الخفيف، والوافر، والمتقارب. في حين اختار غيرهما، فيما بين "الخفيف والمتقارب" وبين "الخفيف والوافر". وقد غاب الأول والثاني عن مراثي شاعرين فقط، هما: أبو حيان وعبد الكريم القيسي. أما الخفيف والمتقارب، فاتسعت دائرة غيابهما بين الشعراء الذين اختاروا بين هذه الأوزان، فشمل مراثي أمية الداني، ويوسف الثالث، والرصافي البلنسي، وابن الآبار.

أما حاصل الإنتاج الفردي لوزن "المنسرح" فلا يتعدى خمس وحدات، ولا يخرج عن تداول ابن عبد ربه، وابن هانئ، وابن حمديس، وابن الخطيب، ويوسف الثالث. بل إنه لا يتجاوز في "السريع" أربع وحدات، ومعدل (7.78٪) من التداول.

 وتكفي النتائح الإحصائية، في مقاييسها المتعددة- لرفض رأي حازم القرطاجني في "الرمل المديد" جملة وتفصيلا، حيث أن معدلها معا لا يزيد عن (3.87٪) من الأبيات، (5.78٪) من المقطعات، (2.22٪) من القصائد، و(3.43٪) من الوحدات. أما نسبتها من التداول، فتنحصر ما بين (11.11٪)  في وزن الرمل، وبين (7.40٪) في وزن المديد.

ونفور الشعراء من هذين الوزنين، لا ينظر إلى ما يمتاز به من خصائص موسيقية، بقدر ما ينصرف إلى أهميتها من التداول بين أغراض الشعر العربي. وقد حاولت من خلال ما توفر لدي من نصوص، بحث هذه الخصائص فيما إذا كانت تجعل الرمل والمديد أخص بالرثاء،  فوجدت في قصيدة ابن هانئ التي تقدم بها إلى ولد إبراهيم بن جعفر،  نموذجا لا يختلف عن مذهب الشعراء في المراثي السلطانية التي حازت كل الأوزان الطويلة، إلا من حيث استدعائها-هذه المرة- لوزن الرمل، ليس لأنه يضيق قليلا عن الفضاء الذي تتمتع به البحور الطوال، أو باعتباره وزنا فيه لون من اللين والرقة، بل لأنه لا يتصف بأية خاصيات موسيقية ثابتة. وإذا افترضنا أن هذه الوزن يتمتع بهذه الخاصيات في حالته المجردة، فإننا لا نحس له في قصيدة ابن هانئ بهذه الخصائص، خصوصا وأن الشاعر قد مال به إلى التجلد بدل إظهار الحزن، فقال: 

يا أبا أحْمَدَ والحكـمةُ في             قولِ من قال إلى الله المـرَدْ

لا ملومٌ أنت في بعض الأسى     غيرَ أنَّ الحُرَّ أولى بالـــجَلَدْ

وإذا ما جهَشَتْ نــفسُ الفَتى        كان في عسكره الصَّبرُ مَدَدْ

لو يَرُدُّ الحزْنُ مَيْتاً هالِكــــاً         رُدَّ قحــطانُ وَردَّ بـــنُ أُدَدْ

واكتستْ أعظُمُ كسرَى لحمَها      وسعى لُقمـــــانُ أو طار لُبَدْ

في عليٍّ من عليٍّ أُسْــوَةٌ صَدَعَ الضِّلعَ الذي أنكى الكَبِدْ

وفي هذه الخصائص التي يمكن أن تظهر في معرض الحزن والألم، تختفي بصفة نهائية من قول ابن شهيد: 

أيها المعْتدُّ في أهل النُّهى           لا تذُبْ إثــــر فقيـد وَلَـها

وإذا الأسدُ حمَتْ أغْيَالَها لم يَضُرَّ الخِيسَ صَرْعاتُ المها

وغريبٌ يا ابنَ أقمارِ العلا          أن يُراعَ البدْرُ من فَقْدِ السُّـها

ولا تطالعنا هذه الرقة التي تحدث عنها حازم القرطاجني، ثم سليمان البستاني وعبد الله الطيب،  إلا في قول أبي حيان الأندلسي الذي كرس جل مراثيه لابتنه نضار، وذلك قوله: 

كيْف لي عينٌ تَرَى غَيْرَ التي      هيَ روحِي ذهبتْ من جسدِي

دُرَّة بيضاءُ حلَّت مُهْجَتي            خطفتْ مني فأوْهَتْ جَلَدِي

إن عيني مثل عينٍ ثَرَّةٍ   إن نَزَحْتَ الماءَ منها تزِدِ

وفؤادي شفَّهُ الحزْنُ فما هو إلا دائماً في نكدِ

وأما بالنسبة "للمديد"، فإن كل ما تجمع من نصوصه، لا يعدو تسعة أبيات، منها قول يوسف الثالث، وقد اشتد وجده على أخيه: 

يا صدىً بالثَّغْر أرَّقَنِي    حين بان الصَّبْرُ والجَلَدُ

قَرُبْتْ منِّي مسافتهُ         وطريق وصْلُه صدَدُ

ويقول الناسُ في مَثَلٍ     كيف يسلو الوالِدَ الولَدُ

وتنم هذه المقطوعة عن حزن عميق، ملك على الشاعر لحظته التعبيرية، فلم يسعفه على نقل أحاسيسه في هدوء وإطالة. وتقترب هذه الأبيات قليلا من قول ابن خفاجة،  يعارض مقطوعة للوزير أبي بكر بن الصائع في رثائه الأمير أبا بكر بن علي:

يا صدىً بالثَّغْر مرتَهِناً   بمَمَرِّ الرِّيحِ والدِّيَمِ

لا أرى أخَا كَمَدٍ  باكياً منك أخَا كَرَمِ

كم بِصَدْري فيك منْ حُرَقٍ          وبكَفِّي لكَ مِنْ نِعَمِ

وقد ظهر لي من خلال المقارنة أن الشاعر لم يكن فقط معجبا بقول أبي بكر الصائغ، بل وقف أيضا من قوله موقف الشاعر الذي يهمه إبداء الرغبة في السيطرة على النظم، خصوصا إذا علمنا أنه أقدم ثانية على معارضة أبياتها، ملتزما بغرضها ووزنها وعدد أبياتها:

 

لا لَعَمْرُ المَجْدِ والكَرَمِ     ومزارِ البيْتِ والحرمِ

لا سلَوْتُ الدَّهْرَ عن ملِكٍ طلْقِ وجهِ العُرْفِ والشِّيَمِ

هذه نُعْمَاهُ ملءُ يَدِي       ونَثَا حُسْناهُ مِلْءُ فمي

ويبدو أن الأخذ برقتهما يحتاج إلى نوع من التريث، لأن الشاعر لم يصدر فيهما عن تجربة شعرية صادقة، بالحجم الذي أحسه وهو يعارض مقطوعة صديقه. ولا يخفى على أحد ما للمعارضة من قيمة نقدية وإشهارية، تستطيع  أن تضفي على الوزن مسحة جمالية تؤهله في باب الرثاء، أن يصبح في مرحلة لاحقة، وربما كما كان في السابق، نموذجا معياريا.

أما علاقة "الرثاء" بالأوزان القصيرة فتصل في مجزوء الخفيف، ما مجموعه  (1.41٪) من الأبيات، (2.88٪) من المقطعات، (2.94٪) من الوحدات.

ويتجلى نفور الشعراء من هذه الأوزان في ضيق مجالها الإيقاعي، وعدم اتساعها لغير حالات الانفعال الشديد، خاصة في مثل هذه المواقف الارتجالية التي حدثت لابن الأبار- مثلا- إلى حصر نفسه الشعري في البيتين التاليين:   [م. الكامل]

عِشْنا لمَوْتِ إمامِنا          ثَاَر في يومِ الخَمِيسِ

ما بَاُلنَا لم نُفْدِهِ    ونفُوسُنَا مما وَهَبْ؟

ولم يستطع أبو حيان الأندلسي، وعبد الكريم القيسي، ويوسف الثالث، التخلص من طابع الارتجال الذي حفّ بقصائدهم من كل جانب، فجاءت قريبة المرمى، سهلة المأخذ، بعيدة عن التكلف، والجري وراء استدعاء المعاني البعيدة.  ونموذجها قول يوسف الثالث من أبيات في التفجع على ولده:   [م. الرمل]

إن لِلْهمَمِ خميسٌ ثارَ في يوْمِ الخميسِ

ضَحِكَتْ سِنُّ الردى       عنه في يومٍ عبوسِ

فَلَكَمْ للدَّهْرِ من   حالتيْ نُعْمَى وبؤْسِ

والحِمَامُ كم له    من مُعاطاةِ كؤوسِ

قِطعةٌ من كبدي جُعِلَتْ فوق الرُّؤوسِ

وإذا كانت هذه القصيدة تؤكد من خلال أبياتها البالغ عددها تسعة عشر بيتا، أن الشاعر قد نظمها بعد أن هدأت ثورته، فإنه- مع ذلك- ظل محكوما فيها بالموقف الشعوري الذي لازمه إلى حين، فشغله عن أي مقياس معياري، يربط القصار بالانفعال الشديد، والقصادئد الطوال بلحظات الهدوء والاستكانة.

ولا يسعنا من خلال النتائج التي يدلي بها المنهج الإحصائي، إلا أن نؤكد مرة أخرى، خضوع المراثي لهيمنة الأوزان الشعرية. فإذا كان نصيبه منها قد جاء متباينا، فقد خضع لتباين نسبها العامة من الشيوع، ناهيك عن أهمية هذا الغرض وشيوعه بين الشعراء، وما يمكن أن تلعبه بعض الميول الشخصية من دور في تباين هذه الاختيارات، وفي بناء قاعدة عامة، هذا بالإضافة إلى ما سبق تقريره من خضوع الشاعر الأندلسي في اختيار أوزانه لحالات نفسية متباينة، جعلته في غالب الأحيان يميل إلى الأوزان الطويلة والكثيرة المقاطع.

6 -  الفخـــر:

جاء في  لسان العرب " الفخر" التمدح بالخصال والافتخار، وعد القديم، وتفاخر القوم، فخر بعضهم على بعض، والتفاخر: التعاظم، وفي الحديث : ادعاء العظم والكبر والشرف، لا تبجحا، ولكن شكرا لله وتحدثا بنعمته.  وهو في الاصطلاح الأدبي بمعنى واحد، يقول ابن رشيق : " والافتخار هو المديح بعينه، إلا أن الشاعر يخص به نفسه وقبيلته".  فالفضائل التي كان قد ذكرها "قدامة بن جعفر" وفصل فيها الحديث غيره من النقاد، لا تختلف بين هذين الغرضين، إلا من حيث استعمال الضمير الذي يعود في " المدح" على المخاطب وفي " الفخر" على المتكلم أو الجماعة.

والحقيقة أن هذا الغرض لا تتبين مقاصده بوضوح إلا في سياق الشعر الجاهلي، فقد تميز به العرب في الجاهلية، وجعلوه على رأس الأغراض الشعرية التي اشتهروا بها، فتغنوا بأمجادهم، وذكروا مآثرهم، وعددوا فضائلهم، وفضائل آبائهم وأجدادهم، وما تميزوا به من رفعة وبطش وبسالة وكرم، وتفوق في نظم الشعر..تحذوهم، في غلو وإفراط، رغبة أكيدة في بلوغ الغاية القصوى من هذه المعاني التي سجلها الشاعر الجاهلي اعتزازا بنفسه وافتخارا بقبيلته التي بادلته الاحتفاء، فرأت فيه حماية لأعراضها، وذبا عن أحسابها، وتخليدا لمآثرها، وإشادة بذكرها.

أما وقد "تغيرت وظيفة الشعر والشاعر من المفاخرة والمنافحة عن القبيلة إلى الدعوة السياسية والمدح الإشهاري"،  إبان مطلع القرن الثالث للهجرة، فإنه كان لابد أن ينصرف عنه الشعر العربي قليلا، ويتجه نحو المديح كجنس فرضه عصر ابن قتيبة الذي فهمه في إطار البدخ والترف.

وقد أقل منه الشاعر الأندلسي، فأقعده في الرتبة العاشرة، حيث لم ينظم منه سوى نسبة (2.27 %) من الوحدات، وما يعادل (1.85%) من الأبيات، و(1.97%) من المقطعات، و(2.88%) من القصائد، رغم ارتفاع نسبة تداوله إلى (62.96%). ذلك أن الشعراء الذين تطرقوا لهذا الغرض لم يتجاوزوا به ثلاث عشرة وحدة شعرية، ولم يكثروا منه شأن يوسف الثالث، لاعتبارات تتعلق بشخصه، حيث نظم منه سبعا وأربعين وحدة شعرية معدلها (42.47%). هذا وقد عمل على تغييبه كل من: الغزال، وابن عبد ربه، وابن هانئ، وابن دراج، والألبيري، وابن زيدون، وأبي الحسن الششتري، وحازم القرطاجني، وعبد الكريم القيسي.

ويمكن أن نجد تفسيرا آخر لتراجع هذا الغرض في ما انتهى إليه حازم من قول بأن للشعر اعتبارات بحسب اختلاف أنماطه وطرقه، وبحسب اختلاف الأزمنة والأمكنة، واختلاف أحوال القائلين، وأحوال ما يتعرضون للقول فيه. 

وقد التفت جودة الركابي إلى بعض هذه التفسيرات، فأرجع هذه القلة إلى نفسية الشاعر الأندلسي الوادعة المستسلمة لأحلام الطبيعة والرخاء التي لم تكن تلائم هذا النوع من الشعر الصاخب القوي الذي امتاز به شعر المشرق، حيث قال: " ولا شك أن للظروف الإقليمية أثرا في هذا الاتجاه النفسي الذي أضعف فيهم روح الحماسة وقلل من حدة البداوة".

وكان الناقد العربي قد اشترط جملة من الشروط الضرورية، يكملها مشروع حازم القرطاجني الذي يقوم على مبدأ التناسب، أساس نظريته في الشعر، فقال ابن رشيق:" فكل ما حسن في المدح حسن في الافتخار، وكل ما قبح فيه قبح في الافتخار".  وأوضح حازم قوله فقال: " فإذا كان مقصده الفخر كان الوجه أن يعتمد من الألفاظ والنظم والأسلوب ما يكون به بهاء وتفخيم".

والأخذ برأي " ابن رشيق" لا يدع مجالا للشك في صلاحية أوزان المدح لغرض الفخر، فقد أفاد الإحصاء هذه الحقيقة التي سكت عنها ابن رشيق، وأوضحها حازم القرطاجني حين خصه بأوزان الطويل، والكامل، والبسيط.  أما فيما يتعلق بالأوزان الأخرى التي أحصيناها لغرض المدح، فإنه لم يشد سوى عن : المتدارك، والمديد، ومجزوء الرجز، ومجزوء الخفيف، ومشطور الرجز، ومجزوء الوافر، والمقتضب، والرجز.

ونسبة هذه الأوزان مجتمعة لا تتعدى في غرض المدح (2.05%) من الوحدات، و (2.74%) من الأبيات، و(1.42%) من المقطعات، و(2.11%) من القصائد، أما نسبة تداولها فلم تزد في أحسن الاختيارات عن (14.81%).  وباستثناء هذه النسب الباهتة، فقد رفض حازم وعبد الله الطيب صلاحية هذه الأوزان للأغراض الجادة،  فأكد "الفخر" ثانية على عدم اتساعها لذلك، ربما لما تمتاز به من خصائص موسيقية تجعلها نابية في غرض كالفخر، أو لضيق مجالها الإيقاعي وعدم اتساعها للمعاني الجادة التي غالبا ما تتطلب مجالا إيقاعيا يمتاز بفضاء واسع يتمكن من استيعاب هذه المعاني، فلا يحتاج فيها الشاعر إلى الاختصار والحذف.

إلا أننا لا نستبعد أن يكون نفور الشاعر من هذه الأوزان راجعا إلى قلة وحداته الشعرية وضعف هيمنتها في الشعر الأندلسي، فاقتصر لذلك على ثلاثة عشر وزنا. وتفيد قراءة سريعة للنتائج الإحصائية، أن الشاعر الأندلسي كان يفضل أوزان: الطويل، والكامل، والبسيط. وتأتي عنده في الاختيار الأول بمجموع معدل يصل إلى (76.08%) من الوحدات، و(73.25%) من الأبيات، و(79.98%) من المقطعات، و(70.82%) من القصائد، أما نسبتها من التداول، فبلغت في الطويل (48.14%)، وفي الكامل (25.22%)، وفي البسيط (33.33%).

وتدل هذه النسب في  وضوح تام، على التزام الشاعر الأندلسي بنظرية حازم في تناسب هذه الأوزان لغرض الفخر، وهو من جهة أخرى، لم يحد عن العرف السائد بين شعراء المشرق، وخاصة عن نهج الشاعر الجاهلي. 

أما بقية الأوزان التي يلخصها الجدول رقم:" 45"، فلا تتجاوز في علاقتها بالفخر نسبة (23.82%) من الوحدات، (23.09%) من الأبيات، (19.93%) من المقطعات، و(29.04%) من القصائد.

وهي في مجموعها لا تخرج عن أشعار يوسف الثالث، وابن عبدون، وابن حمديس، وابن شهيد، وأبي الصلت الداني، وأبي حيان، وابن الخطيب. ولا تتجاوز في أقصى الاختيارات معدل(11.11%) من التداول، بحيث لا تتعدى خمس وحدات في الوافر، وأربع وحدات في الخفيف، والرمل، وثلاث وحدات في الوافر، ومجزوء الكامل، ووحدتين في السريع ومخلع البسيط، ومجزوء الرمل، ووحدة شعرية في المجتث، والمنسرح.

وتنضاف نسب هذه الأوزان منفردة لتؤكد مرة أخرى صلاحية الفخر للأوزان الطويلة بما لا يدع مجالا للشك خاصة بالنسبة للطويل، والكامل، والبسيط.

وقد أجمع عبد الله الطيب وسليمان البستاني،  ثم ابراهيم أنيس من بعدهما على هذه الأوزان، بعد استقراء مكن أحدهم من القول بأن " حماسة الجاهلين وفخرهم كان من النوع الهادئ الرزين الذي يتطلب التأني والتؤدة، ولذلك جاء في قصائد طويلة وأوزان كثيرة المقاطع".

بل لأنه لا يوجد في نصوص الفخر الأندلسي ما يطعن في صحة رأي هؤلاء، إلا ما كان من ذلك التشويش الذي تمارسه لعبة الخصائص الموسيقية المجردة، والتي تظهر حدتها مع عبد الله الطيب ـ في الغالب من الأحيان ـ حين يخضع اختياراته لذوقه ولنظريته في الأوزان، أما إذا لم تستجب لهذه الخصائص، فإنه لا يتوانى في طردها وإبعادها عن دائرة الوزن الذي هو بصدد الحديث عنه.

وقد حذر "جيروم ستولنيتز" من مغبة التجريد الباطل لما له من نتائج وخيمة لا تتنبه إلى العلاقات الجديدة التي تؤثر في العنصر المجرد، وتحدث اختلافا في طبيعته حين يتصل بالعناصر الأخرى للموضوع، أو عندما تصبح له علاقات متبادلة في مواضيع مختلفة ومتعددة.

وسبق أن تبين لنا كيف استجابت هذه الأوزان لغرض " الرثاء" وكيف همشت " الرمل" و " المديد" وجرفت معهما رأي حازم، وعبد الله الطيب، وسليمان البستاني، ولعل الجدول العام لأوزان الشعر الأندلسي وأغراضه كفيل بإبراز هذه الحقيقة التي لا تقف عند غرض معين، بقدر ما تسمح لهذه الأوزان بالدخول في علاقات متنوعة ومختلفة.

وليس تقرير هذه التشبيهات والاختلافات بين "الفخر" و "المدح" أو بينه وبين أغراض أخرى " كالرثاء" إلا إحدى غايات هذه الدراسة، لما تتيحه لنا مقارنة غرض بغرض من تفسير جزئي يمكن من تسليط الضوء على قضية الوزن والغرض.

إن استدعاء " الرمل" كفضاء إيقاعي حظي برفض الاتجاه المؤيد لقضية الوزن والغرض، لا تسمح نسبه بإبعاده عن دائرة الفخر، رغم ما تمتاز به من ضعف في كفايتها التمثيلية، والتي لا تتجاوز(3.53%) من الوحدات، و (3.40%) من الأبيات، و( 1.53%) من المقطعات، و(6.25%) من القصائد، و(7.40%) من التداول.

وللاستئناس بلا جدوى هذا الإبعاد، نستحضر في ذهننا نسبه من الرثاء داخل الهرم الإيقاعي الذي شكل البنية الإيقاعية لهذا الغرض، والذي لم تتجاوز فيه ـ مع الأسف ـ  نسبة (1.96%) من الوحدات، (2.54%) من الأبيات، (2.89%) من المقطعات، (1.48%) من القصائد، و(11.11%) من التداول.

فهذا عبد الله الطيب يرفض أن يتخلص من صبغة الأسى التي تميز الرمل في حالته المجردة، ويخطئ العراقيين لتعاطيهم لهذا الوزن في ملاحمهم، إذا لم يكونوا قد اختاروه لخفته وسهولته على الحفظ. وعنده أن " الشعر الغزلي يناسب الرمل أكثر من هذا النوع الملحمي".

فما هي ـ إذن ـ الغاية من شعر يتغنى بالفضائل إذا لم يضمن لنفسه الحفظ والذيوع بين الناس، سواء اختار هذا الوزن أو غيره من الأوزان ؟ أم أن الناقد تعمد تجاهل هذه الحقيقة سعيا منه إلى تدشين رؤية جديدة تخضع لجمالية الوزن في حالته المجردة ؟

إن نماذج " الرمل" لا تخرج عن شعر ابن عباد، ويوسف الثالث. وقد اختاره الأول لتمثيل عواطفه والتغني بأمجاده فقال: 

مَنْ عَزَا المَجْدَ إلينا قد صـدق           لــم يلم من قال مهمـــا قـــال حق

مــجدنــا الشــمس سناء وسنا           من يرم ستر سنــــاها لـــم يُطَـــقْ

أيهـــا الناعـــــي إلينا مجدنــا           هل يضر المجد أن يخطب طرق ؟

لا نـرع للدمــــع في أمــــاقنا           مزجتـــــه بدم أيـــدي الحـــــرق

حنق الــــدهر عليــــنا فسطـا           وكــــــــذا الدهر على الحر حنق

وقديمــا كلف المـــلك بنــــــا           ورأى منـــا شموســــا فعشـــــق

وقد مضى منا ملوك شهروا            شهرة الشمـــس تجلــت في الأفق

نحن أبناء بني مـاء السمـــاء           نحوهــــا تطمـــع ألحـــاظ الحدق

وإذا ما اجتمع الديــــن لنـــا            فحقـــير مـــا من الدنيــا افتــــرق

حججا عشرا وعشرا بعدهـا            وثلاثيــــن وعشـــــرين نســــــق

أشرقت عشرون من أنفسنا              وثلاث نيرات تأتلق

وتنطوي هذه القصيدة عن احتجاج وثورة دفعت بالشاعر إلى اختيار " الرمل" لقصره النسبي. إلا أن مسحة الأسى لا تفارق معانيها، فقد أطلقها الملك الأسير زفرة حرى وهو في سجنه بأغمات، وربما لذلك استدعى " الرمل" ليس لأنه يمتاز في حالته المجردة باللين والرقة، بل لأنه اكتسب هذه الخاصيات بعد دخوله في هذه العلاقة التي تطابق حالة الشاعر النفسية.

والذي أريد أن أؤكد عليه، هو أن الوزن لا يمكن أن يحتفظ بخاصية موسيقية واحدة، وإنما يمكن أن نجد له خاصيات أخرى مخالفة لما كان عليه في السابق. ويمثل قول يوسف الثالث من قصيدة وجهها ارتجالا إلى مجلس علماء حضرته في وليمة شرعية اتخذها لهم احتفاء بالمزيد من تأنيسهم، نموذجا صالحا لإثراء هذه الرؤية، يقول فيها: 

يومنا يوم صبـــاح مشرق          فأجيبوا يا نجـوم الأفــــق

يوسفيــا قــــد أقـــام سنــة          نظمت أشرافهــا في نسق

في رياض حسنهـا متــحد          شائع في مغرب ومشـرق

وأنا يوسفـــها مــن دولــة          أطلع الأنجم ملأ الحـــدق

بين أبطال جهاد تمتـــطي          للوغي غر الجيـــاد السبق

ووفود الملك قد حفوا بــه          درر العقد وتاج المفــــرق

بذلت يمناي ما شاء الندى          وعلى الله جــزاء المنفـــق

وتنم هذه القصيدة البالغ عدد أبياتها ثلاثة عشر بيتا – عن روح بلغت من الانتشاء بمجدها، وحسبها، وشجاعتها، وكرمها ما دفعها إلى اختيار هذا الوزن لتناسبه لمثل هذه الخفة التي تطلبها المقام الشعري، وقد جمع الملك الشاعر حول مائدته مجموعة من العلماء، كان من المفروض أن يتلقاهم بنظم خفيف متناسب، لا يثقل عليهم، ولا يذهلهم عن مأدبة تتطلب نوعا من اللباقة في الترحيب بضيوفها.

وقد صدر في قصيدة له من نفس الوزن عن همة، توجهها طبيعته الملوكية التي لا يعز عليها مطلب، فعارض بها قصيدة الشريف الرضي، مظهرا فيها عن براعته الشعرية وقدرته على النظم الجيد.

وإذا تحولنا نحو الشطر الثاني من رأي أنيس في مسألة " النفس الشعري" أدركنا إلى أي حد تبدو "طوال" الفخر الأندلسي دون رأيه.   فقد سجل الإحصاء ميل الأوزان الطويلة نحو المقطعات بفارق يصل (8.98%)، وفي مقابل ذلك مالت المجزوءات نحو القصائد بمعدل (10.40%)، ولم تتجاوز في المقطعات (3.06%).

وقد تنبه إبراهيم أنيس إلى هذه الحقيقة، فتعمد إخفاءها، مكتفيا بتخصيص المقطعات للأوزان القصيرة في حالة الانفعال الشديد الذي يكون عليه الشاعر حين " تثور نفسه الأبية لكرامتها ويمتلكها انفعال نفساني".

وعلى قلة نصوص هذه الأوزان في الشعر الأندلسي، فإننا نجد في مقطوعة ابن عباد، ما يخالف رأي أنيس. يقول فيها:  (م.الكامل).

لابد من فـرج قريب                   ياتيك بالعجب العجيب

غزو عليك مبــارك                   في طيه الفتح القريب

للــه سيفك إنــه                      سخط على دين الصليـب

لابد من يوم يكـــو                     ن لــه أخ يوم القلـيب

وهذه المقطوعة لا تصور انفعالا شديدا، بقدر ما تترقب فرجا قريبا، سيعمل فيه الشاعر سيفه المسلول في وجه الصليب.

والظاهر أن " أنيسا" قد اعتمد في حكمه هذا على مقطعات المجزوءات والأوزان القصيرة، فانطلق من الفخر الجاهلي الذي كانت تثيره العصبية القبلية، والذي لم يكن الشاعر فيه يقوى على تملك مشاعره خاصة في لحظة المشاحنات والمساجلات الشعرية التي لا تتطلب غير الارتجال والتقصير بديلا.

إن تشكل البنية الإيقاعية لديوان الفخر الأندلسي من هذه الأوزان مجتمعة، لا يجب أن يلهينا عن الحقيقة العلمية التي أثبتها الإحصاء لأوزان الطويل، والكامل، والبسيط، وما تتمتع به من هيمنة تعود في الأصل إلى اتساع مجالها الإيقاعي، وقدرتها على استيعاب وتحمل أكثر المعاني شعرية، وأقربها إلى العقل، وأبلغها على خلخلة المتلقي الذي يفترض في قصيدة الفخر أن يكون أحد الأشخاص الذين ينتمي إليهم الشاعر، فيستلذ بهذا الوزن وبحمولته المثقلة بالمعاني الخالدة، أو أن يكون عدوا له، يقدر حجم الكلمة المتمكنة في سياقها الفضائي الواسع الذي ينزل عليه كالصاعقة، فيرجه، ويظهر له تفوق خصمه عليه.

7- أغراض أخرى:

إن وعينا بأهمية القراءة العمودية في فهم إشكالية تناسب الوزن والغرض، وما تطرحه هذه الدراسة في بعديها الأفقي والعمودي من نتائج بالغة الأهمية، يدفعنا إلى أن نختصر حال بقية الأغراض وعلاقتها بالأوزان الشعرية في جداول خاصة تستحضر نتائج الموضوع من خلال المقاييس الإحصائية.

وتجمع هذه الأغراض ـ كما يتبين من الجداول الأخيرة   ـ  بين واحد وستين غرضا شعريا، تتمتع فيها الأوزان المشهورة بالمراتب الأولى، وهذه الأخيرة نادرا ما تتبادل المواقع. ويأتي الطويل على رأس هذه الأوزان، حيث ناسب ثمانية وأربعين غرضا شعريا لم يتنازل فيها عن المراتب الأولى، فجاء أولا: ثلاثا وثلاثين مرة، وثانيا: إحدى عشرة مرة، وثالثا: أربع مرات.

وبلغ نصيب الكامل من هذه الأغراض أربعين غرضا شعريا، فاحتل الرتبة الأولى إثني عشرة مرة، والرتبة الثانية ثماني عشرة مرة، والرتبة الثالثة ثماني مرات.

أما البسيط فناسب تسعة وثلاثين غرضا شعريا، فجاء أولا: إحدى عشرة مرة، وثانيا: إثني عشرة مرة، وثالثا: إحدى عشرة مرة، وجاء رابعا: أربع مرات، ولم يتأخر إلا مرة واحدة في غرض " المداعبة" حيث احتل هناك الرتبة العاشرة.

 وتوجد هذه الأغراض  في علاقتها بالأوزان الثلاثة، على اختلاف نسبتها وعددها وتقارب رتبها، على علاقة هامة بالأوزان المذكورة، ولا يكاد يوجد ما يطعن في صحة هذه النتيجة إلا ما كان من ضعف على مستوى تداولها في بعض الأغراض المركبة أو القليلة الشيوع بصفة خاصة، فهذا وحده لا يكفي لرفض هذه الأوزان في علاقتها بهذه الأغراض التي قلت نسبها من التداول وارتفعت في باقي المقاييس الإحصائية. بل إن من هذه الأغراض ما يختص بوزن واحد ولا يتعداه إلى غيره.

ومن بين هذه الأغراض: (غزل ـ فخر)، (مدح ـ اعتزاز)، (مدح- فخر- حنين)، (حنين ـ فخر ـ عتاب)، و(تقريظ ـ فخر). فهذه الأغراض توجد على علاقة متميزة بوزن " الطويل" وإن كانت نسب تداولها في هذا الوزن لا يتجاوز (3.70 %).

وتنطبق هذه الملاحظة على وزن " الكامل" و" البسيط" في علاقتهما بالأغراض التالية. فقد اختصت بالأول أغراض هي (مدح ـ نصح ـ استعطاف)، (فخر ـ نصح ) و(تصوف ـ مدح). واختصت بالثاني أغراض هي: (النحو)، (مدح- نصح)، و( شكوى- هجاء).

والجدير بالذكر، أن وضع هذه الأغراض في علاقتها بالأوزان المذكورة، تخالف بصورة كبيرة وضعها في القراءة الأفقية، فهي هناك لا تعدو أن تكون مجرد أغراض باهتة، وغير ذات قيمة تذكر في هذه الأوزان، ومن ثمة كانت للقراءة العمودية أهميتها في فهم إشكالية تناسب الوزن والغرض.

أما بالنسبة لمجموعة الأغراض التي ناسبت المتقارب، والوافر، والخفيف، والسريع، والرمل، ومجزوء الكامل، ومخلع البسيط، ومجزوء الرمل، والمنسرح، والمجتث والرجز، فهي نفس الأغراض التي كانت تعرف نسبة متوسطة من الشيوع إلى ضعيفة داخل المتن الأندلسي.

وتتمتع هذه الأوزان في علاقتها بهذه الأغراض بنسب متوسطة في جميع مقاييسها الإحصائية، إلى عالية في بعض الأحيان. ولا يوجد ما يعكر من صفاء قيمتها في هذه الأغراض، إلا ما كان من نسب تداولها التي تراوحت في أغلب الأحيان بين (18.51%)، و(3.70%).

وهي في توسطها لا تخرج عن نسبة (33.33%)، ولا تنزل عن (25.92%). أما وضع الأغراض النادرة، فقد احتلت فيها بعض الأوزان مكانة عالية تقدر ب(100%) في علاقة " المتقارب" بـ"هجاء ـ تحريض "، وب(40%) في علاقته " بالتوديع". وتصل في علاقة " الوافر" ب" عتاب- فخر" نسبة (66.66%)، وفي علاقته ب " رثاء- فخر" (40%)، أما نسبتها من التداول، فتراوحت بين (7.40%)، و (3.70%).

وبالنسبة للمديد، ومجزوء الرجز، والهزج، ومجزوء الخفيف، ومجزوء الوافر، والمتدارك، ومشطور الرجز، ومجزوء البسيط، والمضارع، فلا تشكل علاقتها بالأغراض التي ناسبتها أية قيمة تذكر،  إلا ما كان من وضع " مجزوء الخفيف" الذي ناسب " عتاب- فخر" بنسبة (33.33%) من الوحدات، و(25%)من الأبيات والمقطعات، وإن كانت نسبته من التداول لا تتجاوز (3.70%).

أما " المضارع، ومنهوك المنسرح، ومجزوء المتقارب، ومنهوك الرجز، ومشطور السريع" فلا نجد لها أثرا يذكر في واحد من الأغراض التي شملتها الدراسة الإحصائية.

خلاصة:

بعد هذه الحقائق المنطقية التي تفصح عن عدم اطراد المواقف النقدية، والتي تعتمد في جانب منها على نماذج شعرية ذات كفاءة تمثيلية، يأتي الإحصاء ليؤكد- مرة أخرى - دور الهيمنة التاريخية للغرض الشعري، في مجموع طرقه وحالاته النفسية، في احتضان أكبر عدد ممكن من الأوزان الشعرية، وخاصة منها الأوزان التي نالت نفس الحظوة من الشيوع على طول الخط الشعري العربي، إلا ما كان من بعض الاختلافات البسيطة التي لا تتجاوز تبادل المواقع بين هذه الأوزان في النادر من الأحيان.

أما الحقيقة الثانية، فلا تختلف عن الأولى إلا من حيث قلة أوزان الأغراض التي توسطت نسبتها من الشيوع، أو كادت لا تظهر إلا ضمن بعض الإبداعات التي تبعدها عن القاعدة العامة، دون أن تلغيها، حيث يبدو أن الغرض كلما كانت نسبه مرتفعة، إلا واحتضن أكبر عدد من الأوزان الشعرية، والعكس هو الصحيح بالنسبة للأغراض التي مالت نحو القلة، أو الندرة. فقد سجل الإحصاء اختفاء هذه الأخيرة في الأغلب الأعم من هذه الأغراض.

وموقع هذه الأوزان مجتمعة من أغراض الشعر الأندلسي، لا يخرج عن دور الهيمنة التي خضعت له بنية الهرم الإيقاع في الشعر العربي، هذا الهرم الذي يعتبر جزءا من بنية أعم ظلت توجه الشعراء نحو اختيار أوزانهم، ليس بدافع التقليد فقط، بل لانسجامها – كذلك- مع هذه الأغراض، لما تزخر به من طاقات موسيقية، أو نفسية، تفيد من تعدد مناجي الشعراء، واختلاف أساليبهم، وطرقهم الشعرية، وتوجهاتهم الظرفية التي كانت تحكمها أحيانا مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية والبيئية، فاستجابت لها، من دون أن تبدو نافرة عنها أو شاذة.

ولم يكن ميلها نحو الأوزان التي حظيت فيها بنسب ضعيفة، إلا محاولة من الشعراء لخلق مجموعة من العلاقات الجديدة، لا تقف عن الأغراض والأوزان المهيمنة، ومن ثمة فإنه لا يعقل طرد شواهدها من دائرة الإبداعات الشعرية، بحكم أنها ظلت خارج حدود التنظيرات الشعرية، والاعتماد في ذلك على مجموعة من المؤهلات المعيارية أو الذوقية،  التي طالت أيضا مجموعة من الأغراض الهامة، فخصتها بأوزان معينة، دون أن تستفتيها الرأي، فتقوم بتشريح موسع لنصوصها، بعيدا عن خصائص الأوزان المجردة، وبعيدا عن الحالات النفسية التي تسلب النص كل خصوصية لغوية لا يسمح بضبط بنياتها ودلالتها، والاقتصار فيها على المواجهة الحرة للنصوص المعتمدة في الكثير على الاستجابة العرضية والآنية خلال عملية التلقي.

وفي مقابل ذلك، تجدنا لا نقبل على عقد مقارنة خارج حدود الغرض الواحد، لأن ذلك غالبا ما يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يصبح الغرض الذي حضي بقصيدة واحدة في وزن "كالطويل" أنسب منه في الغرض الأول، وقد جاءت هذه الدراسة لتكمل هذا المشروع النقدي، فتقف عند هذا الجانب الذي أغفلته مجموعة من الدراسات الحديثة في فهمها لقضية الوزن والغرض، وتدعو إلى أخذ الاحتياط من نتائجها الراهنة، خاصة في الأبواب التي تعقد للمقارنة، أو لاستخلاص النتائج ووضعها في مقام القاعدة العامة.

 

 

 

10 novembre 2013

الأشكال الإيقاعية للدوبيت والملعبة وللأنماط الشعرية المستحدثة

  ماستر الأدب العربي في المغرب العلـوي

 

 

الأشكال الإيقاعية للدوبيت والملعبة

وللأنماط الشعرية المستحدثة

 

 

مطبوع دراسي في مادة:

 دراسة في ديوان شعري مغربي قديم

لطلبة ماستر الأدب العربي

في المغرب العلوي

الفصل الثالث

 

 

السنة الدراسية: 2012 ـ 2013

                  2013 ـ 2014

 

 

إعداد: الدكتور عبد الإله كنفاوي


 

الأشكال الإيقاعية للدوبيت والملعبة،

 وللأنماط الشعرية المستحدثة،

 

1ـ الدوبيت:

 

الدوبيت قالب شعري دخل  العربية من الفارسية، واصطلح عليه بالرباعية. وقد استعمل العرب المصطلح الفارسي " دوبيت " للتمييز بينه وبين المربع، ولتحديد المقصود منه، وإن كانوا قد حاولوا ـ بكثير من التكلف ـ  أن يجدوا لوزنه أصلا في أوزان العرب.[1]

 فقد جاء في الرسالة الثانية من عروض الدوبيت ما نصه: " اعلم أن الوزن الذي يقال له الدوبيت معناه عند العجم زوج بيت، المقول فيه عند العرب بيتان، إذ هو مزدوج النظم، وقد جرى على قياس العجم في إضافة اسم عدد التثنية إلى العدد كما فعل بعض شعراء العرب ".[2]

وهذا الوزن مما اخترعه المحدثون، وأكثروا منه لعذوبته، حتى أخلوا به في الوزن. [3] ويعتبر مالك بن المرحل السبتي (عاش في القرن السابع، ما بين 604 إلى699)، أول من وضع له ميزانا يرجع إليه عند الاضطرار أو الاختيار. وفي ذلك يقول:

" رأيت النوع المعروف بالدوبيت من أوزان الكلام المنظوم، مستقيم البناء، مستعذبا في الغناء. إلا أن بعض الناس يخلطون في النظم عليه، ويسلك مسلك العجم في الزيادة فيه، والتقصير منه، حتى يخل به. فصنعت له ميزانا وبينت ما يجب أن يلتزم فيه، وما يحسن وما يقبح، قياسا على الأنواع العربية، وإتباعا للأكثر في المساق، والعذب في المذاق ".[4]

فمثل هذا اللون من الشعر جدير بأن تكون له قواعد تضبطه، وتمنع الخلل فيه، ولذلك تجد ابن المرحل قد اعتمد في وضع قوانينه على عناصر ثلاثة، وهي: الأنواع العربية، واطراد الأنساق، والعذوبة في المذاق، حتى لا تبدو غريبة عن الأذن العربية. أما قوله بأنه اعتمد على اضطراد الأنساق العربية ، فيقتضي بأنه سيبعد من النصوص ما شذ عن ذلك.[5]

وقد ذكر أنه مثمن مبني من: فعْلن بسكون العين متفاعلن فعولن فعِلن بتحريك العين:

/0/0

///0//0

//0/0

///0

فعلن

متفاعلن

فعولن

فعلن

وجعله خمس أعاريض وسبعة أضرب: [6]

فالعروض الأولى: [///0] " فعِلن"، وهي التامة الثقيلة، ولها ضربان:

ـ ضرب مثلها: [ ///0] / فعِلن، وبيته:

قَالُوا، وَمَقالُهُمْ يُثِيرُ الشَّجَنَا ** وَالقَلْبُ يَذوبُ مِنْ سَقامٍ وَضَنَا

ـ وضرب مذال: [ ///00 ] / فعِلانْ، وبيته:

عُودُوا وَتَعَطَّفُوا عَلَى قَلْبِ كَئِيبْ ** لَوْ جِيبَ لَبانَ فيهِ حُزْنٌ وَوَجِيبْ

 

العروض الثانية: [/0/0] "فعْلن"، وهي التامة الخفيفة، ولها ضربان:

ـ ضرب مثلها: [ /0/0 ] / فعْلن، ونموذجه:

مَا أَشْوَقَنِي إِلَى نَسِيمِ الرُّنْدِ ** يَشْفِي كَبِدِي إِذَا أَتَى مِنْ نَجْدِ

ـ وضرب مذال: [ /0/00 ] / فعْلانْ، ونموذجه:

حَالِي بِوِصالِ سَيِّدِي نِعْمَ الحَالْ

وقد مثل للثقيلة بقول الشاعر:

إِنْ كانَ عُهودُ وَصْلِكُمْ قَدْ دَرَسَتْ ** فَالرُّوحُ إلى سِواكُمُ مَا أَنِسَتْ

أَغْصانُ هَواكُمُ بِقَلْبِي غُرِسَتْ ** مُنُّوا بِلِقائِكُـمْ وَإِلاَّ يَبِسَـتْ.

ومثل للخفيفة بقول الآخر:

لاَ أَسْمَعُ عَذْلَكُمْ تَجِلًّوا عَذْلِي ** مَا أَعْذَبَ فِي الغَرامِ طَعْمُ القَتْلِ

إِنْ طَلَّ دَمِي فَكَمْ قَتيلٍ مِثْلِي ** قَدْ ضُرِّجَ باللِّحاظِ لاَ بِالنَّبْـلِ

العروض الثالثة: [//0/0] "فعولن"، وهي المجزوءة.

 ولها ضرب مثلها: [ //0/0 ]/ فعولن. ونموذجها:

فِيهَا رَشَأٌ إذا تَثَنَّى **مِنْ قامَتِهِ الغُصونُ تَخْجَلْ

العروض الرابعة: [//0] "فَعِلْ"، وهي المجزوءة المحذوفة.

 ولها ضرب مثلها:[ //0 ] / فعل. ونموذجها:

للهِ مَعاً هَذا الحِمَى ** مَا أَحْسَنَهَا مَعَ الدُّجَى

العروض الخامسة: [///0//0] " متفاعلن"، وهي المشطورة.

ولها ضرب مثلها : [ ///0//0 ] / متفاعلن.  وإنما قيل لها مشطورة، لأنه ذهبت من البيت أربعة أجزاء، من كل شطر جزءان، وبقيت أربعة أجزاء. وبيته: 

[ فعْلن/ متفاعلن]  **  فعْلن / متفاعلن ]

أَهْـلاً بِخَيَالِكُـمْ  **  مَنْ لِي بِوِصَالِكُمْ

والعروضتين الأولى والثانية، استعملتا في الغالب أشطارا، أما العروضة الثالثة، فاستعملت أبياتا، وتستعمل أشطارا. وفي ذلك يقول ابن بري ( ت: 582هـ) ـ معلقا على شواهدها الشعرية: " وهذه الأبيات كلها مصرعة، فيحتمل أن تكون أبياتا، وأن تكون أشطارا، لأنهم كثيرا ما يستعملون هاتين العروضتين أشطارا مربعة ".[7]

وإلى هذه التجزئة أشار ابن غازي ( ت: 919 هـ)، تذييلا لتجزئة صالح بن شريف الرندي ( ت 684 هـ) التي وضعها في أوزان البحور: [8]

فَهَزْهِزْ فَإِنَّ الْقَلْبَ لَوْ جِيبَ لَمْ تَجِدْ **  لِرَنْدٍ وَجِيدٍ أَوْ رَشاً فيهِ مِنْ حِمَـى

فَأَهْلاً بِقَلْبِي رِفْقُهُ ظِلُّ غُصْنِــهِ ** وَشُكْراً لِمَنْ عَافَى مِـنَ الْهَجْرِ وَالْخَنَا

دُوبَيْتِهِمُ عَروضُـــهُ تُرْتَجَـلُ ** فَعْلُــنْ مُتَفَاعِلُـنْ فَعُولُـنْ  فَعِلُنْ

فهزهز للبحر، والهاء منبئة أن أعاريضه خمس، والزاي دالة على أن أضربه سبعة، كما حددها مالك بن المرحل.

وكان قد خالف ابن المرحل في تجزئته أيضا :

ـ أبو إسحاق التلمساني،(ت: 699هـ )، وذهب إلى أن تجزئته هي:[9]

/0/0///0

/0/0//0

/0/0//0

مستفعلتن

مستفعلن

مستفعلن

ـ وقد سماه الرندي بالعميد، وجزأه هكذا: [10]

/0/0///0

/0/0//0/0

/0/0

مستفعلتن

مستفعلاتن

فعلن

وعده من الأوزان المحدثة، فقال عنه:" وأما العميد فخارج عن الدوائر.. ويستعمل مشطورا كما يستعمل الرجز غالبا". وقد ذكر أن له عروضان، الأولى وافية، والثانية مجزوءة. ومثل للأولى، بقوله:

يَا قَوْمُ أَنَا الصَّبُّ المُعَنَّى وَحْدِي ** مَا عِنْدَكُمُ مِنَ الهَوَى مَا عِنْدِي

ومثل للثانية، بقوله:

يَا وَجْدِ وَمَا أَعْظَمَ وَجْدِي ** ما أَشْوَقَنِي لِأَهْلِ نَجْدِ

وكان الرندي أشار أيضا إلى وزن آخر، لا علاقة له بالدوائر، يسمى ب:        " الفريد"، أجزاء شطره:           

/0/0///0

/0/0///0

/0/0//0/0

مستفعلتن

مستفعلتن

مستفعلاتن

وبيته:

القَطْرُ كَمَا الأرْضُ مِنَ الْحُسْنِ فُنُونا *** وفتَّحَ لِلنَّوْرِ ثُغُوراً وعُيونا

ـ  وقد سماه حازم،(ت:684 هـ ) بنفس التسمية، وذكر أن تجزءته هي: [11]

/0/0///0 /0/0//0 /0///0

مستفعلتن مستفعلن مفتعلن

ونبه حازم إلى أن الجزء الأخير قد يجيء على وزن مستفعلن، وهو الأصل، ولكن في الأقل، يمكن أن يستعمل أيضا مقطوعا: مفعولن.

وقد جزأه أبو عبد الله الدراج (ت:693هـ): فعلن بسكون العين فعلن بتحريك العين مستفعلن مستفعلن. [ /0/0 . ///0 . /0/0//0 . /0/0//0 ]

و له عنده ثلاث أعاريض وثمانية أضرب:[12]

ـ فعروضه الأولى مطوية: [/0///0 ] / مفتعلن. ولها ثلاثة أضرب:

ـ الضرب الأول مثلها: [ /0///0 ] / مفتعلن. وبيته:

لاَ يفْزَعُ مِنْ ضَرْبٍ وَطَعْنٍ وَإِذَا ** مَا عَايَنَ مَنْ يُحِبُّهُ يَرْتَعِدُ

ـ الضرب الثاني: مقطوع: [ /0/0/0 ] / مفعولن. ومثاله:

مَا أَحْسَنَ مَا قالَ لَهُ مُذْ وافَى ** تَسْتَوْهِبُ قُبْلَةً فَخُذْ آلاَفاَ

ـ الضرب الثالث: مذال: [ /0///00 ] / مفتعلان. وبيته:

مِنْ حُسْنِكَ لَمَّا صِرْتَ فِي النَّاسِ قَتِيلْ ** ضَجُّوا بِحَدِيثِنَا طَوِيلٌ وَقَصِيرْ.

ولا يلزم في هذا الضرب "الطي"، فقد يأتي سالما: [ /0/0//00 ] / مستفعلان. وقد يدخله " الخبل"، وهو غير لازم، فيصير: [ ////00 ] / فعلتان. وقد يدخله في غير لزوم " التشعيث "، فيصير: [ /0/0/00 ] / مفعولان، وقد يلحق بالعروض إذا كان البيت مصرعا.

ـ وعروضه الثانية، مجزوءة مرفلة: [ /0/0//0/0 ] / مستفعلاتن، لها ضرب واحد مثلها:[ /0/0//0/0 ] / مستفعلاتن. ومثالها:

الوَرْدُ عَلَى الخُدُودِ غَضٌّ **  وَالنّرْجِسُ فِي الغُصونِ ذابِلْ

ـ أما عروضه الثالثة، فمشطورة: [ فعْلن/ فعِلن/ مستفعلن/ مستفعلن ]. ولهذه العروض أربعة أضرب:

ـ الضرب الأول مطوي:[ /0///0]، وبيته:[13]

هَذَا وَلَهِي وَقَدْ كَتَمْتُ الْوَلَهَا

ـ الضرب الثاني مطوي مذال: [/0///00 ]، وبيته:[14]

جُودُوا وَتَعَطَّفُوا عَلَى قَلْبِ كَئِيبْ

ـ الضرب الثالث: مقطوع:[/0/0/0]، وبيته:

وَانَارِي مِنْ هَذَا الهَوَى وَانَارِي

ـ الضرب الرابع: مطوي مشعث مذال [/0/0/00]، وبيته:

حَالِي بِوِصالِ سَيِّدِي نِعْمَ الْحَالْ

 

 

  وهذا النوع عند القللوسي ليس من أوزان العرب، وإنما هو من المهملات مثمن مبني من:

/0/0

///0//0

//0/0

/0//0

فعلن

متفاعلن

فعولن

فاعلن

وبهذه التجزئة كان قد جزأه أبو الحكم بن المرحل في كتابه الذي سماه بالملحة، وهي عنده أصح تجزئة.[15]  وخالف تجزئة أبي إسحاق التلمساني، وتجزئة ابن الدراج، فهما في نظره لا تصحان ولا تثبتان لما يدخل عليهما من الفساد.[16]

وقد أرجعه لدائرة المؤتلف، وزعم أنه مأخوذ من أجزاء الكامل بطريقة تكلفها.[17] ووضع له أسماء علل وزحاف على نحو ما رءاه.[18] فقد وجد الزحافات الواقعة في الدوبيت، إما مفردة أومزدوجة، والمفردة، ثنائية ورباعية وخماسية، والثنائية، هي الخبن والوقص والإضمار، والرباعية، الإضمار فقط، والخماسية، القبض فقط. وأما المزدوجة فلم يعثر فيها سوى على الخزل، وهو اجتماع الإضمار والطي.

وقسم العلل قسمين، علة بأصل الوضع،  وزحف التزم، فصار علة. أما العلل التي هي بأصل الوضع، فتشمل علل النقص من قطع وقصر وحذف وبتر وحذذ وجزء، وعلل الزيادة، وتشمل الإذالة والترفيل والتسبيغ. أما الزحف الذي التزم فصار علة، فالخبن والوقص والخزل

والحقيقة أن القللوسي كان مهووسا بقياس هذا الوزن بأشعار العرب وطريقتها، وإلا فلن يعتبر من أوزانها  ولا من أقاويلها الشعرية. وفي ذلك يقول:

" فما جاء من الدوبيت على طريق لسان العرب وخالف طريق أوزانها في شيء يقال فيه مكسور، وما وافق طريق كلامها وطريق أوزانها يقال فيه موزون، وإن لم يكن من أوزانها، فما قيس على لسان العرب من لسانها، فإن قيس على أشعار العرب، فإنه لا يخلو من أن يجعل من قسم الدوبيت أو لا يجعل، فإن لم يجعل فالحكم فيه أيسر، فإن هذا للضرر مع غيره من تلك القطعة بينهما بون في الطويل، وعدد الحروف يقيم برهان ذلك. فإن جعل من الدوبيت، فإنه لا يخلو من أن يجعل أصل تفعيله:] فعلن فعلن مستفعلن مستفعلن] كما جعله الفقيه أبو عبد الله، أو [مستفعلتن مستفعلن مستفعلن] كما جعله شيخنا أبو إسحاق، وكلا القولين باطل، أو[ فعلن متفاعلتن فعولن فاعلن ] كما جعله شيخنا أبو الحكم وهو الصواب".[19]

ولهذا الوزن ـ عنده ـ  ثلاث عشر عروضا (13)، وتسع وستون ضربا (69) مستعملة على القياس، وستة عشر ضربا (16) على غير القياس:[20]

1/ فعروضه الأولى تامة :

/0/0

///0//0

//0/0

/0//0

فعلن

متفاعلن

فعولن

فاعلن

ولها أربعة أضرب:

1 ـ  ضرب تام : [/0//0] = فاعلن.

2 ـ  ضرب مخبون : [ ///0] = فعلن.

3 ـ  ضرب مقطوع : [/0/0] = فعلن.

4 ـ ضرب أحذ : [/0] = فع.

وقد أتت في الضرب الأول والثاني الإذالة والترفيل على غير القياس، وهما إنما تلحقان المجزوءات، فأصبحت ضروب هذه العروض ـ عنده ـ  ثمانية،[21] وذلك بإضافة:

ـ ضرب تام مذال :[/0//0/] = فاعلان.

ـ ضرب تام مرفل : [/0//0/0]  = فاعلاتن.

ـ ضرب مخبون مذال : [ ///00] =  فعلان.

ـ ضرب مخبون مرفل : [///0/0] =  فعلاتن.

2/ العروض الثانية مخبونة:[22]

/0/0

///0//0

//0/0

///0

فعلن

متفاعلن

فعولن

فعلن

ولها أربعة أضرب:

1 ـ  ضرب تام:        /0//0

2 ـ ضرب مخبون: ///0

3 ـ  ضرب مقطوع: /0/0

4 ـ ضرب أحذ :       /0

وجاء الضرب الأول والثاني على غير القياس، بعد دخول الإذالة والترفيل عليهما أيضا، فأصبحت ضروب هذه العروض ثمانية بإضافة:

ـ ضرب تام مذال .

ـ ضرب تام مرفل

ـ ضرب مخبون مذال.

ـ ضرب مخبون مرفل.

3/ العروض الثالثة مقطوعة:    

/0/0

///0//0

//0/0

/0/0

فعلن

متفاعلن

فعولن

فعلن

ولهذه العروض، أربعة أضرب كذلك، هي:

1 ـ ضرب تام

2 ـ ضرب مخبون

3 ـ ضرب مقطوع

4 ـ ضرب أخذ

 وقد أتت في الضرب الأول والثاني من هذه العروض الإذالة والترفيل على غير القياس.

4/ العروض الرابعة حذاء:

/0/0

///0//0

//0/0

/0

فعلن

متفاعلن

فعولن

فع

ولها أربعة أضرب:

1ـ ضرب تام

2 ـ ضرب مخبون

3 ـ ضرب مقطوع

4 ـ ضرب أحذ

وجاءت لهذه العروض أربعة أضرب على غير القياس، بعد دخول الإذالة والترفيل على ضربيها الأول والثاني. وهنا تكتمل الأضرب الستة عشر التي وردت على غير القياس.

5/ العروض الخامسة مجزوءة:

/0/0

///0//0

//0/0

فعلن

متفاعلن

فعولن

ولها ستة أضرب:

1 ـ  ضرب مجزوء: ــــــــ** فعلن / متفاعلن / فعولن.

2 ـ ضرب، م. مذال: ــــــــ** فعلن / متفاعلن / فعولان[23]

3 ـ ضرب، م. مرفل :ـــــــ** فعلن / متفاعلن / فعولاتن[24].

4 ـ  ضرب، م. مقصور: ــــــــ** فعلن / متفاعلن / فعول.

5 ـ  ضرب، م. محذوف: ــــــــ** فعلن / متفاعلن / فعو.

6ـ  ضرب، م. مبتور : ـــــــــ ** فعلن / متفاعلن / فع.

6/ العروض السادسة مجزوءة محذوفة:[25]

/0/0

///0//0

//0

فعلن

متفاعلن

فعو

ولها أربعة أضرب:

1ـ ضرب تام. م : فعلن / متفاعلن / فعولن.

2 ـ ضرب مقصور. م : فعلن متفاعلن / فعول.

3 ـ ضرب  محذوف. م : فعلن / متفاعلن / فعو.

4 ـ ضرب  مبتور. م : فعلن / متفاعلن / فع.

7 / العروض السابعة، مجزوءة مبتورة:

/0/0

///0//0

/0

فعلن

متفاعلن

فع

وهي من اختراع القللوسي، ولها أربعة أضرب:[26]

1 ـ ضرب م. صحيح: فعلن / متفاعلن / فعولن.

2 ـ ضرب م. مقصور: فعلن / متفاعلن / فعول.

3 ـ ضرب م. محذوف : فعلن / متفاعلن / فعو.

4 ـ ضرب م. مبتور : فعلن / متفاعلن / فع.

8 / العروض الثامنة مشطورة:

/0/0

///0//0

فعلن

متفاعلن

ولهذه العروض تسعة أضرب:

1 ـ ضرب مذال: ــــــــــ** فعلن / متفاعلان.

2 ـ ضرب مرفل : ــــــــــ** فعلن / متفاعلاتن.

3 ـ ضرب مشطوركالعروضة: ــــــ ** فعلن / متفاعلن.

4 ـ ضرب مضمر: ــــــــــ ** فعلن / مستفعلن.

5 ـ ضرب موقوص : ــــــــــ** فعلن / متفعلن.

6 ـ ضرب مخزول: ــــــــــ ** فعلن / فعلتن.

7 ـ ضرب مقطوع : ـــــــــ ** فعلن / فعلاتن.

8 ـ ضرب أحذ، [///0]: ـــــــــــ** فعْلن / فعِلن.

9 ـ ضرب أحذ مضمر، [/0/0]:ــــــ** فعْلن / فعْلن.

9 ـ العروض التاسعة مشطورة موقوصة:

/0/0

//0//0

فعلن

مفاعلن

ولها تسعة أضرب:

1 ـ ضرب مشطور: ـــــــــــ ** فعلن / متفاعلن.

2 ـ ضرب مشط. مذال: ــــــــــ** فعلن / متفاعلان.

3 ـ ضرب مشطور مرفل : ـــــــــ ** فعلن / متفاعلاتن.

4 ـ ضرب مشط. موقوص مرفل: ــــــــ** فعلن /مفاعلاتن.

5 ـ ضرب مشط. موقوص مذال: ــــــــ**فعلن / مفاعلان.

6 ـ ضرب كالعروضة مشط. موقوص: ــــ** فعلن / مفاعلن.[27]

7 ـ ضرب مشطور مقطوع : ـــــــــ ** فعلن / فعلاتن.

8 ـ ضرب مشط. أحذ : ـــــــــــ** فعلن / فعِلن.

9 ـ ضرب مشط. أحذ مضمر: ــــــــ **  فعلن / فعْلن.

10 ـ العروض العاشرة مشطورة موقوصة مرفلة[28]:

/0/0

//0//0/0

فعلن

مفاعلاتن

لها ضرب مثلها: مشط. موقوص مرفل: ـــــــ** فعلن / مفاعلاتن.

11 ـ العروض الحادية عشرة مشطورة مجزولة:

/0/0

/0///0

فعلن

مفتعلن

ولها تسعة أضرب:

1 ـ ضرب مشطور: ـــــــــ ** فعلن / متفاعلن.

2 ـ ضرب مشط. مذال: ــــــــــ ** فعلن / متفاعلان.

3 ـ ضرب مشط. مرفل: ــــــــــ ** فعلن / متفاعلاتن.

4 ـ ضرب مشط. مضمر: ــــــــ** فعلن / مستفعلن.

5 ـ ضرب مشط. موقوص: ــــــ ** فعلن / مفاعلن.( //0//0)

6 ـ ضرب مشط. مخزول : ــــــ** فعلن / مفتعلن. ( /0///0)

7 ـ ضرب مشط. مقطوع : ــــــ ** فعلن / فعلاتن. ( ///0/0)

8 ـ ضرب مشط. أحذ : ــــــــ ** فعلن / فعِلن. ( ///0)

9 ـ ضرب مشط. أحذ مضمر: ــــــ ** فعلن / فعْلن. ( /0/0)

12 ـ العروض الثانية عشرة مشطورة مقطوعة:

/0/0

///0/0

فعلن

فعلاتن

ولها تسعة أضرب:

1 ـ ضرب مشطور: ـــــــــــ ** فعلن / متفاعلن.

2ـ ضرب مشط. مذال: ــــــــــ ** فعلن / متفاعلان.

3 ـ ضرب مشط. مرفل: ــــــــ ** فعلن / متفاعلاتن.

4 ـ ضرب مشط. مضمر : ــــــ ** فعلن / مستفعلن.

5 ـ ضرب مشط. موقوص : ـــــــ ** فعلن / مفاعلن.

6ـ لا يذكره. وهو الضرب المشطور المخزول: فعلن / مفتعلن

7 ـ ضرب مشط. مقطوع : ــــــــــ ** فعلن /فعلاتن.

8 ـ ضرب مشط. أحذ: ـــــــــــ** فعلن / فعِلن.

9 ـ ضرب مشط. أحذ مضمر : ــــــــ ** فعلن / فعْلن.

13 ـ العروض الثالثة عشرة مشطورة حذاء:

/0/0

///0

فعلن

فعِلن

ولها ضربان:

1 ـ ضرب مشط. أحذ: ـــــــــــ ** فعْلن / فعِلن.

2 ـ ضرب مشط. مضمر: ـــــــــ ** فعْلن / فعْلن.

وهنا انتهى القللوسي من تفريع جميع أعاريض الدوبيت وضروبه، وقد كانت أكثر الأبيات التي استشهد بها من وضعه. وفي ذلك يقول:" وأكثر هذه الأبيات، أنا وضعتها، لأنني لم أجد شاهدا فيها إلا أقساما من الموشحات والأزجال، وفيها ما لم ينظم عليه شيء البته، وربما أتيت في بعضها بما يستثقل في الذوق، لكن القياس يقتضيه، فلا يُتَعَرَّضُ علينا به، لأنا أتينا به اتباعا للقياس المعهود في شعر العرب". [29]

لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو هل التزم الشعراء بهذه التجزئة، وبما يتفرع عنها من أوزان..!؟

إن الجواب عن هذا التساؤل يقتضي أولا حصر أغلاط الشعراء في هذا البحر، أو بمعنى آخر حصر النماذج التي لا تستجيب لتجزئة القللوسي، ومقابلتها ثانيا بالتجزئة التي قال بها غيره، وفيما إذا كانت تستقيم عليها، حتى لا نسقط في دائرة العروضيين الذين أبعدوا من الشواهد، كل ما لا يستجيب لنظرياتهم في حصر أوزان الشعر وتقنين عروضه.

ويمكن أن نسترشد في هذا الجانب بنص ـ في غاية الأهمية ـ  للقللوسي نفسه، فيه يكشف عن خلل كثير في الدوبيت، لحق وزنه، فلم تتسع له نظريته، ( وقد يجب طرحه)، أو قبول شواهده دون عرضها على تجزئة غيره، وهذا يتنافى مع طبيعة هذا العمل الذي يروم البحث عن عروض الموشح وأوزانه، خاصة إذا كانت النماذج الشعرية المتوفرة ـ وهي الشاهد الشعري ـ  تستجيب لتجزئة غيره، ولا تنظبط لتجزئته..!

وهذه الأخطاء، بحسب الشواهد التي أوردها، هي:

1ـ  أنشد الجوزي في المدهش:[30]

مَنْ يَرْحَمُنِي وَمَنْ يَطْفِي حُرَقِي *** مِنْ بَعْدِهِمُ وَسَهَرِي وَأَرَقِي

فقد جعل في الصدر [ فعْلن ]، مكان ( فعولن)، وكف في العجز [ متفاعلن ]، ثم جاء بعده، [ فعِلن] :

عَسَى أَنِسْتُ لِبَيْنِهِمْ بِالأَرَقِ *** فَالجَفْنُ بِدَمْعِهِ أَسِيرُ الغَرَقِ

2 ـ ومما جعل فيه [ فعولن/ فعْل]، مكان (متفاعلن)، قوله أنشده الجوزي:[31]        

كَمَ يَرْمِي القَلْبَ حَسْبُهُ قَدْ جُرِحَا *** رِفْقاً بِقَلْبٍ فِيكَ يُقاسِي البُرَحَا

فقوله: ( بقلب) وزنه ( فعولن)، وقوله: ( فيك) وزنه فعْل .

3 ـ وقد جعل أيضا مكان ( متفاعلن) فيه [ متفاعيلن]، نحو قوله، أنشده الجوزي في المدهش:[32]

عُذَّالِي كُفُّوا مِنْ مَلاَمِي أَلِمٌ *** مَنْ بَاتَ عَلَى وَعْدِ اللِّقَا لَمْ يَنَمِ

فقوله: ( لي كفوا من) وزنه متفاعيلن، وقوله: ( تَ على وعد ل)، وزنه متفاعيلن. ومثله، قوله:[33]

قَدْ مَرَّ لَنَا عَامٌ وَهَذا عَامٌ *** وَالعُمْرُ إِذَا طَلَبْتَهُ أَحْلامُ

وهذا النوع هو أكثر الخلل الواقع فيه، فإنه زيادة ساكن، وزيادة ساكن يخفى على من لادربة له بالوزن.

4 ـ وقد حذفوا نون هذا الجزء، فقالوا فيه [ متفاعيل]، ومنه قوله:[34]

السُّقْمُ عَلَى الجِسْمِ لَهُ تَرْدادُ ** وَالصَّبْرُ يَقِلُّ وَالهَوَى يَزْدادُ

فقوله: ( معللجسم)، وزنه ( متفاعيل).

5 ـ ومن الخلل القبيح فيه قوله:[35] [ فعْلن / فعْلن]  

العَيْنُ لَهَا دَمٌ وَدَمْعٌ سَجُّ *** هَذَا يَكْتُبْ شَجْوَهْ وَهَذا يَمْحُوهْ

6 ـ وجعلوا [ فعْلن/ فاعلن ]، مكان  ( متفاعلن)، وذلك قوله: ( يكتبْ شَجْوَهُ )، وزنه: (/0/0 . /0//0 )

7 ـ ومما وضع فيه [ فعِلن/ فاعلن] مكان متفاعلن، قوله:[36]

لاَ ذُقْتَ وَحُوشِيتَ مِنْ عَذابِ الصَّدِّ *** وَجْدِي قَدْ ذُقْتُ فِي هَواكُمْ وَجْدِي

فقوله:( تَوَحُوشِيتَمِنْ)، وزنه: فعِلن/ فاعلن.(///0 . /0//0)

 وهذه ثمانية أخطاء، فقد تضمن الشاهد الأول خطأين، هما:

ـ وضع " فْعْلن" (/0/0)، مكان فعولن

ـ كف متفاعلن، فجاءت: " متفاعل"، (///0//).

أما الخطأ التاسع، فلم ينبه إليه، فقد كان ابن المرحل قد أشار إليه، ضمن ما ينبغي ألا يجوز، حيث قال:

" وأما ما لا ينبغي قوله، فـ .. مثل قوله: " مَرَّ اللَّيْلُ وَلَسْتُ نَائِمْ "، فإنه زاد بعد الميم من ( متفاعلن ) ساكنا، وصار الجزء  (موتفاعلن) ".[37]

وقد تكون هناك أخطاء أخرى، كما يتبن من هذا التصريح الذي يقول فيه:     " وأنواع الخلل كثيرة لا تنضبط بالتمثيل، ولا يحيط بها التأويل. وهذا الذي أوردت كله مردود، لا وجه له عندي".[38]

وربما أحس القللوسي في نفسه بشيء من القصور تجاه هذا الوزن، فنظريته لا تستجيب ـ إذن ـ لكل ما قيل عليه، ولذلك تجده يتلمس العذر للشعراء الذين جاؤوا فيه بهنات كثيرة، استنادا إلى ما قاله الفرابى  في كتابه الأكبر في المنطق:

" واعلم بأن الجمهور وكثيرا من الشعراء إنما يرون القول شعرا متى كان موزونا مقسوما بأجزاء ينطق بها في أزمنة متساوية ". فقد (أعطى) أن الشعر إن عدم فيه التساوي خرج عن أن يكون شعرا. ثم قال: " وبعض الأمم يجعلون ( المعم) التي يلحقون بها الشعر         ( الحرا) للشعر كبعض حروفه، حتى أنه إن وجد القول دون اللحن بطل وزنه. فقد يكون في هذا عذر لمن أتى بالدوبيت ناقصا أو زايدا. وقالوا ذلك صحيحا لأن العجم منهم من يضع الشعر على اللحن، وهم هؤلاء الذين أشار إليهم أبو نصر. فإن اللحن دائرة ، كما أن بيت الشعر دائرة، ألا تراه متساوي الأجزاء متقابل الفرعات والرفعات، متماثل النغمات، ولذلك لم يكن لحن إلا له إيقاع، فإن الإيقاع للحن بمنزله..".[39]

ونأتي الآن بهذه الاخطاء مجتمعة في جدول عام يستطيع أن يحصر مجموعة أخرى من التجزءات للدوبيت ربما قد تستوعب هذه الأخطاء، وتتسع بالتالي لمجموعة كبيرة من الموشحات التي لا تنضبط على تجزئة القللوسي، وتخضع لها، بل تستقيم على هذه:

 

تجزئة

/0/0

///0

//0

//0/0

/0//0

القللوسي

 

فعلن

متفا

علن

فعولن

فاعلن

 

 

/0/0

///0

//0

//0 /0

/0//0

 

 

مستفـ

علتن |

متفـ

علن | مسـ

ـتفعلن

 

خ1

 

فعولن

فعل

 

 

 

 

/0/0

//0/0

/0/

//0/0

/0//0

 

 

مستفـ

علاتن |

مفتـ

علن | مسـ

ـتفعلن

 

خ2

 

فعلن

فعل

 

 

 

 

 

///0

/0/0

 

 

 

 

 

متفا

عيلن

 

 

 

 

/0/0

///0

/0/0

//0/0

/0//0

 

 

مستفـ

علتن |

مستفـ

علن | مسـ

ـتفعلن

ابن الدراج  التلمساني  حازم

 

مستفـ

علتن

مستفـ

علاتن

فعْلن

الرندي

خ3

 

فعِلن

فعْلُ

 

 

 

 

 

///0

/0/

 

 

 

 

 

متفا

عيل

 

 

 

 

/0/0

///0

/0/

//0/0

/0//0

 

 

مستفـ

علتن

مفتـ

علن| مسـ

ـتفعلن

الدراج  التلمساني حازم

خ4

 

فعْلن

فعْلن

 

 

 

 

 

/0/0

/0/0

 

 

 

 

/0/0

/0/0

/0/0

//0/0

/0//0

 

 

مفعو

لاتن

مستفـ

علن| مسـ

ـتفعلن

 

خ5

 

فاعلن

فعْلن

 

 

 

 

 

/0//0

/0/0

 

 

 

 

 

موتفا

عيلن

 

 

 

 

/0/0

/0//0

/0/0

//0/0

/0//0

 

 

؟

؟

؟

؟

؟

 

خ 6

 

فاعلن

فعْلُ

 

 

 

 

 

/0//0

/0/

 

 

 

 

 

موتفا

عيل

 

 

 

 

/0/0

/0//0

/0/

//0/0

/0//0

 

 

؟

؟

؟

؟

؟

 

خ 7

 

فعْلن

فاعلن

 

 

 

 

 

/0/0

/0//0

 

 

 

 

/0/0

/0/0

/0//0

//0/0

/0//0

 

 

؟

؟

؟

؟

؟

 

خ 8

 

فعِلن

فاعلن

 

 

 

 

 

///0

/0//0

 

 

 

 

/0/0

///0

/0//0

//0/0

/0//0

 

 

؟

؟

؟

؟

؟

 

خ 9

 

متفا

عل

فعْلن

 

 

 

 

 

//

/0/0

 

 

 

/0/0

///0

//

/0/0

/0//0

 

 

؟

؟

؟

؟

؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

والخلاصة التي يمكن أن ننتهي إليها، هو أن هذا الجدول يتضمن إحدى عشر خطأ، لأن الخطأ التاسع مركب من خطأين هما:

ـ الخطأ العاشر: وهو  كف متفاعلن، وزنه:

 

ويمكن تحويله إلى:

/0/0 | ///0// | //0/0 | /0//0

مستفعلتــن | فعلتـن | مستفعلن

ـ الخطأ الحادي عشر، وهو مجيء [ فعْلن] مكان فعولن. وزنه:

/0/0 | ///0//0 | [ /0/0] | /0//0         

   ؟        ؟          ؟       ؟   

وتشير علامات الاستفهام إلى ست تجزءات، لا تستجيب لأحد ممن أشرنا إليهم حتى الآن. لكن سؤالا يتبادر إلى ذهننا، وهو ألا يمكن اعتبار تجزئة القللوسي نفسه من التجزءات التي وقع فيها خلل في الوزن، ما دام أنها تتعارض مع تجزئة غيره ! وأن عدد الأخطاء هو إثنا عشر خطأ ؟!

 إن وجود هذه الأخطاء بهذه الكثافة، وهذا الاختلاف في الرأي، يدعونا إلى إعادة طرح هذا الإشكال من زاوية أخرى، فربما نكون أمام إثنا عشر وزنا من تجزئة أخرى تتسع لجميع هذه الأخطاء أو التجزءات، خصوصا إذا كانت هذه الأخطاء لا تأتي عرضا في الموشحة ، وإنما يلتزم بها الوشاح من البداية حتى النهاية كما تؤكد نصوص شعرية ذات قيمة تمثيلية عالية.

نحن ـ إذن ـ أمام خيارين إما نخطأ الشعراء في كل حين عندما لا تنضبط أشعارهم للميزان الذي وضعه القللوسي، أو نستعين على البعض منها بردها إلى إحدى التجزءات التي تنطبق عليها، وإما أن ننحاز إلى اختيار آخر، فنفرغها في أوزان خاصة بها قد تكون أوزان فارسية، على اعتبار أن الدوبيت واحد منها.


 2 ـ الوزن الرباعي:

إن عرض هذه التجزءات التي بان فيها الخلل ـ عند القللوسي ـ على  العروض الفارسي، يبين في وضوح انتسابها إلى الوزن الرباعي،  وهو قالب شعري دخل العربية من الفارسية، واصطلح عليه بالرباعية.

و" الرباعي " في المعاجم الفارسية، مأخوذ من العربية، وهو شعر له أربعة مصاريع. وفي الاصطلاح العروضي: " فالرباعي" عبارة عن أربعة مصاريع، المصراع الأول مع الثاني مع الرابع لهم نفس القافية، أما المصراع الثالث فإن قافيته غير لازمة. وهو غير المثنوي ( المزدوج) الذي تتكون وحدته من بيت واحد، كل شطرتين فيها على قافية واحدة.[40]

 وهو من ناحية أخرى، لا يسير على نظام واحد، فهو إما ساذج أو مرصع، والساذج منه إما موافق أو مخالف.[41] وقد حصر كمال الشيبي أنواعه في ستة أشكال، هي: 1ـ الرباعي السليم، 2ـ الرباعي السليم الدائر، 3 ـ الرباعي السليم الدائر المحشو، 4 ـ الرباعي السليم التام التجنيس، 5 ـ الرباعي السليم المزدوج التجنيس، 6 ـ الرباعي الأعرج أو الخصي.[42] ويتكون النوع الأخير من أربعة أشطر، ويكون شكله: أ أ ؟ أ، وقد يتكون من خمسة ويكون تشكيله. 5 أ.[43]

وهناك أشكال أخرى لهذه الرباعيات المسمات عند العرب بالدوبيت، من حيث التصرف في مصاريعها. وهذه هي:

1ـ  الرباعي الممنطق، وهو ما اجتزئ بشطره الثاني على [فعْلن فعْلن]، وفيه الشطر الأول والثالث أطول من الثاني والرابع .

2 ـ  الرباعي المرفل، ويشترط في شطره الثاني أن يتركب من جزأين، كل واحد منهما متركب من: [ فعلن فعلن ]، أو يكون شطره الثاني مكونا من: [متفاعلن] و [ فعِلن فعِلن ].

 3 ـ  الرباعي المردوف، ويشترط أن يتكون شطره الثاني من: [ فعْلن فعِلن]، ثلاث مرات.[44]

4 ـ الرباعي المستزاد أو المذيل.[45]

كما أن هناك أشكال أخرى ظهرت من هذه الرباعيات ـ سواء كانت بسيطة أو مركبة ـ مثل: القصيد الدوبيتي، والقصيد الدوبيتي المستزاد ، والموشح الدوبيتي، ومجزوء الدوبيت.[46]

 وبناؤه على ثمانية أجزاء من بحر الهزج الأخرب والأخرم، ووزنه الخاص: " لا حول ولا قوة إلا بالله"، وما جاء على غير هذا الوزن، فلا يسمى بالرباعي. ولهذا الوزن شجرتان:

 أ ـ شجرة الأخرب الجزء الأول منها ( مفعول)، يعني أخرب مفاعيلن، ولها إثنا عشر وزنا، ثمانية منها أصول، والأربعة الأخرى فروع مستخرجة من الثمانية الأولى، وهي قليلة الاستعمال

ب ـ شجرة الأخرم الجزء الأول منها ( مفعولن) يعني أخرم مفاعيلن، ولها إثنا عشر وزنا، وهي من مستخرجات شجرة الأخرب. وهذه الأوزان هي:[47]

 

 

أ

أوزان شجرة أخرب:

ب

أوزان شجرة أخرم:

1

مفعول | مفاعيلن | مفاعيلن | فاع.

1

 مفعولن| فاعلن | مفاعيلن | فاع

2

مفعول | مفاعلن | مفاعيلن | فع.

2

مفعولن | فاعلن | مفاعيلن | فع.

3

مفعول | مفاعلن | مفاعيل | فعول.

3

مفعولن | فاعلن | مفاعيل | فعل.

4

مفعول | مفاعلن | مفاعيل | فعل.

4

مفعولن | فاعلن | مفاعيل | فعول.

5

مفعول | مفاعيلن | مفعول | فعول.

5

مفعولن | مفعولن | مفعول | فعل.

6

مفعول |  مفاعيلن | مفعولن | فاع.

6

مفعولن | مفعولن | مفعولن| فاع.

7

مفعول | مفاعيلن | مفعولن | فع.

7

مفعولن | مفعولن | مفعولن| فعول.

8

مفعول | مفاعيلن | مفعول | فعل.

8

مفعولن | مفعولن | مفعول | فعول.

9

مفعول | مفاعيل | مفاعيلن | فاع.

9

مفعولن | مفعول | مفاعيلن | فع.

10

مفعول | مفاعيل | مفاعيلن | فع.

10

مفعولن | مفعول | مفاعيلن| فاع.

11

مفعول | مفاعيل | مفاعيل | فعول.

11

مفعولن | مفعول | مفاعيل | فعول.

12

مفعول | مفاعيل| مفاعيل | فعل.

12

مفعولن | مفعول | مفاعيل | فعل.

 

ومقارنة هذه الأوزان بغيرها من التجزئات التي نبه القللويسي إلى ضرورة اجتنابها، لا تترك لنا مجالا للشك في عدم انتساب هذه التجزئات إلى أوزان الرباعي بفرعيه الأخرب والأخرم، كما يتضح من خلال هذا الجدول الذي يتضمن التجزئتين معا المقبولة هناك، والمرفوضة هنا.

 

أوزان شجرة أخرب

خ

أوزان شجرة أخرم

خ

مفعول | مفاعيلن | مفاعيلن | فاع.  /0/0./0//0/0/0.//0/0./0/00

فعلن| موتفاعيلن| فعولن| فعلان

 

 

1

 

مفعولن| فاعلن | مفاعيلن | فاع /0/0. /0/0//0. //0/0. /0/00

فعلن | مستفعلن| فعولن| فعلان

 

 

+

مفعول | مفاعلن | مفاعيلن | فع.

 /0/0.///0//0.//0/0./0/0

فعلن| متفاعلن| فعولن| فعلن

 

 

 

+

 

مفعولن | فاعلن | مفاعيلن | فع.

/0/0. /0/0//0 //0/0. /0/0

فعلن| مستفعلن| فعولن| فعلن

 

 

 

+

مفعول | مفاعلن | مفاعيل | فعول.

/0/0.///0//0.//0/0.///00

فعلن| متفاعلن| فعولن| فعلان

 

 

+

مفعولن | فاعلن | مفاعيل | فعل.

/0/0. /0/0//0 //0/0. ///0

فعلن| مستفعلن| فعولن| فعلن

 

 

+

 

مفعول | مفاعلن | مفاعيل | فعل.

/0/0.///0//0./0/0./0/00

فعلن متفاعلن فعلن فعلان

 

 

2

 

مفعولن | فاعلن | مفاعيل | فعول.

/0/0. /0/0//0. //0/0. ///00

فعلن| مستفعلن| فعولن| فعلان

 

 

 

+

 

مفعول | مفاعيلن | مفعول | فعول.

/0/0.///0/0/0./0/0.///00

فعلن متفاعيلن فعلن فعلان

 

 

 

3

مفعولن | مفعولن | مفعول | فعل.

/0/0. /0/0/0/0. /0/0. ///0

فعلن | فعلن فعلن| فعلن | فعلن

 

 

 

1

 

مفعول |  مفاعيلن | مفعولن | فاع.

/0/0.///0/0/0./0/0./0/00

فعلن متفاعيلن فعلن فعلان

 

 

 

3

 

مفعولن | مفعولن | مفعولن| فاع.

/0/0. /0/0/0/0./0/0./0/00

فعلن| فعلن فعلن| فعلن| فعلان

 

 

 

1

مفعول | مفاعيلن | مفعولن | فع.

/0/0.///0/0/0./0/0./0/0

فعلن متفاعيلن فعلن فعلن

 

 

 

3

 

مفعولن | مفعولن | مفعولن| فعول.

/0/0. /0/0/0/0./0/0./0//00

فعلن فعلن فعلن| فعلن| فاعلان

 

 

 

1

 

مفعول | مفاعيلن | مفعول | فعل.

/0/0.///0/0/0./0/0.///0

فعلن متفاعيلن فعلن فعلن

 

 

 

3

مفعولن | مفعولن | مفعول| فعول.

/0/0. /0/0/0/0. /0/0. ///00

فعلن| فعلن فعلن| فعلن| فعلان

 

 

 

1

 

مفعول | مفاعيل | مفاعيلن | فاع.

/0/0.///0/0/.//0/0./0/00

فعلن متفاعيل فعولن فعلان

 

 

 

4

مفعولن | مفعول | مفاعيلن | فع.

/0/0./0/0./0/. //0/. 0/0/0

فعلن| فعلن فعل| فعولن| فعلن

 

 

 

2

 

مفعول | مفاعيل | مفاعيلن | فع.

/0/0.///0/0/.//0/0./0/0

فعلن متفاعيل فعولن فعلن

 

 

 

2

مفعولن | مفعول | مفاعيلن| فاع.

/0/0. /0/0/0/. //0/0. /0/00

فعلن| فعلن فعل| فعولن| فعلان

 

 

 

2

مفعول | مفاعيل | مفاعيل | فعول.

/0/0.///0/0/.//0/0.///00

فعلن متفاعيل فعولن فعلان

 

 

 

 

4

مفعولن | مفعول | مفاعيل | فعول.

/0/0./0/0/0/. //0/0. ///00

فعلن|  فعلن فعل| فعولن| فعلان

 

 

 

2

مفعول | مفاعيل مفاعيل | فعل.

/0/0.///0/0/.//0/0.///0

فعلن متفاعيل فعولن فعلن

 

 

 

4

مفعولن | مفعول | مفاعيل | فعل.

/0/0. /0/0/0/. //0/0. ///0

فعلن| فعلن فعل| فعولن| فعلن

 

 

 

2

 

 

 

 

 

 

فالمقبول من شجرة أخرب وزنان هما، الثاني والثالث، والمرفوض منها عشرة أوزان ( 1، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10، 11، 12). والمقبول من شجرة أخرم عند الشاعريين العرب أربعة أوزان ( 1، 2، 3، 4)، والمرفوض منها عند الجميع ثمانية أوزان ( 5، 6، 7، 8، 9، 10، 11، 12). وبذلك يكون مجموع المقبول منها ستة، ومجموع المرفوض منها ستة أوزان أصول، على اعتبار أن الشجرة الأولى قد تضمنت أربعة أخطاء متكررة في ثمانية مواطن، وتضمنت الثانية خطآن تكررا ثمان مرات، كما يتبين من الجدول التالي الذي نخصصه للمقبول والمرفوض منها:

 

 

المقبول من الشجرتين

ش 1

2

3

مفعول | مفاعلن | مفاعيلن | فع = فعلن| متفاعلن| فعولن| فعلن

مفعول | مفاعلن | مفاعيل | فعول = فعلن| متفاعلن| فعولن| فعلان

ش2

1

2

3

4

مفعولن| فاعلن | مفاعيلن | فاع = فعلن | مستفعلن| فعولن| فعلان

مفعولن | فاعلن | مفاعيلن | فع = فعلن| مستفعلن| فعولن| فعلن

مفعولن | فاعلن | مفاعيل | فعل = فعلن| مستفعلن| فعولن| فعلن

مفعولن | فاعلن | مفاعيل | فعول = فعلن| مستفعلن| فعولن| فعلان

 

 

المرفوض من الشجرتين

ش1

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خ1

خ2

خ3

 

 

 

 

خ4

مفعول | مفاعيلن | مفاعيلن | فاع = فعلن|موتفاعيلن| فعولن| فعْلان

مفعول | مفاعلن | مفاعيل | فعل = فعلن| متفاعلن| فعلن| فعِلن

مفعول | مفاعيلن | مفعول | فعول = فعلن| متفاعيلن |فعلن| فعِلان

مفعول |  مفاعيلن | مفعولن | فاع = فعلن| متفاعيلن| فعلن| فعْلان

مفعول | مفاعيلن | مفعولن | فع = فعلن| متفاعيلن| فعلن| فعلن

مفعول | مفاعيلن | مفعول | فعل = فعلن| متفاعيلن| فعلن| فعلن

 

مفعول | مفاعيل | مفاعيلن | فاع = فعلن| متفاعيل| فعولن| فعلان

مفعول | مفاعيل | مفاعيلن | فع = فعلن| متفاعيل | فعولن| فعلن

مفعول | مفاعيل | مفاعيل | فعول = فعلن| متفاعيل | فعولن | فعلان

مفعول | مفاعيل مفاعيل | فعل = فعلن| متفاعيل | فعولن | فعلن

ش2

 

 

 

 

 

خ1

 

 

 

خ2

مفعولن | مفعولن | مفعول | فعل = فعلن | فعلن فعلن| فعلن | فعلن

مفعولن | مفعولن | مفعولن| فاع = فعلن| فعلن فعلن| فعلن| فعلان

مفعولن | مفعولن | مفعولن| فعول = فعلن| فعلن فعلن| فعلن| فاعلان

مفعولن | مفعولن | مفعول | فعول = فعلن| فعلن فعلن| فعلن| فعلان

مفعولن | مفعول | مفاعيلن | فع = فعلن| فعلن فعل| فعولن| فعلن

مفعولن | مفعول | مفاعيلن| فاع = فعلن| فعلن فعل| فعولن| فعلان

مفعولن | مفعول | مفاعيل | فعول = فعلن|  فعلن فعل| فعولن| فعلان

مفعولن | مفعول | مفاعيل | فعل = فعلن| فعلن فعل| فعولن| فع

 

وإذا كانت نظرية القللوسي تتسع للأوزان الأربعة التي أتبثها غيره من الشاعريين العرب، فثمة أوزان أخرى، بقيت خارج حدود التنظير، ولم تتطرق إليها الذهنية العربية، ربما بدافع الاحتفاظ للشعرية العربية بخصوصياتها الايقاعية، وعدم الخروج فيها عن إطار الدائرة التي رسمها الخليل بن أحمد الفراهيدي. ولذلك كان القللوسي حريصا على أن يُلبِس هذا الوزن لباسا عربيا، فأدخله في دائرة العروض العربي وأخرجه من الكامل، وتوسل في أوزانه بكل المقاييس العروضية، فجاء فيه بعدد أوزان البحور الشعرية، فذكر له تسعا وستين وزنا مستعملة على القياس، وستة عشر أخرى على غير القياس، ومعظم هذه الأوزان من اختراعه. وهي أوزان وضعت أصلا لتكون ميزانا يُرجع إليها عند الاضطرار أو الأختيار. وأما ما جاء من هذا الوزن على غير الأنساق العربية ـ وهو كثير ـ فقد تجاهله.

ويتطلب وصف الظاهرة أن نقف عند هذه الأوزان الوافدة من فارس مع زرياب، فربما استطعنا أن نتعرف من خلال نماذجها وما لقيته من إقبال من طرف الشعراء وأهل الطرب والغناء، أثر فارس في إيقاع الشعر العربي، ومنه الموشحات، التي جاءت لتحقق رغبة الغناء في تطويع الأوزان الشعرية إلى الألحان المستعذبة الحلوة منا والمرقصة، وبالتالي عدم حصرها في الأوزان العربية، وجعلها تنفتح على مجموعة أخرى من الشفويات الشعرية الإنسانية، والنغمات الموسيقية التي لا تعترف بالحدود الإقليمية أو الجغرافية.  

 

 

3 ـ الملعبة: (التفريع):

وهو نوع من التغصين والتوشيح، تأخذ فيه عمليات التوليد هذه في الأعمال الشعرية والأدبية في المشرق والمغرب، أشكالا متعددة. "منها ما يرجع إلى صياغة العملية الشعرية وتنظيم أوضاعها في التعبير بصفة من الصفات. ومنها ما يعود إلى رسم هذا الشعر وتشكيل أوضاع جمله وأنساقه وتلاقي الجوانب والأطراف منه".[48] وهذا الوضع هو الذي أنتج أشكالا من التشجير، أو التغصين، والتختيم، و التضفير.[49]

وقد اتخذ الوضع الأول في هذا التفريع ـ والقائم على الصياغة وتنظيم أوضاع الألفاظ والتراكيب ـ أشكالا متنوعة عند المغاربة، أهمها  في هذا الباب، النوع الثاني والثالث.[50]

أما النوع الأول، فلا يعنينا في مبحثنا هذا، فهو َيهتم بالتفريع العمودي، حيث يقوم على تضمين نص ما، يتولد مع كل حرف من حروفه بيت شعر، كما في          "اليواقيت الأدبية بجيد المملكة المحمدية"، حيث وضع صاحبه مربعا من أربعة أبيات، وجعل كل بيت منها ينقسم إلى أربعة أقسام ليتحصل له في النهاية ستة عشر قسما بعدد البحور العروضية ، وفرع كل قسم من هذه الأقسام على بحر من البحور الشعرية، وجعل كل قصيدة تتضمن في أول كل بيت منها حرفا من حروفه، ثم مثلها في العدد. وسمى كل قصيدة منها في بحرها بنزهة، بدءا  بنزهة ذي الإحسان في طويل الأوزان، ونهاية بنزهة الإمام المشارك في أمداح المتدارك.

 وتتم عملية التوليد الشعري في النوع الثاني الذي يهمنا، حسب تبديل ألفاظ البيت الواحد، بالتقديم والتأخير، وتغيير محل وقوعها، وهي تشترط أن يكون البيت مثمن الأجزاء، من المتقارب أو المتدارك، وأن تكون كلمات البيت ثمانية ألفاظ، حتى تقابل بها الأجزاء الثمانية، فتجري على وزنها، فيسهل نقلها وتغييرها بالتقديم والتأخير، فيتولد من البيت الواحد الذي هو بهذا الشكل، ما مجموعه( 40320 ) أربعون ألف بيت وثلاثمائة بيتن وعشرون بيتا.[51]

وهذا الشرط ليس ضروريا حتى يتولد هذا النوع من التفريع الشعري، اللهم أن يكون قد أريد به العدد الناتج من أجزاء المتقارب أو المتدارك الثمانية، في حالة ورود أجزائهما العروضية على زنة كل كلمة على حدة، إذ لا مانع أن يكون البيت من السداسي، على وزن الرجز أو الرمل، أو الكامل، أو السريع،  آنذاك فسيكون إجمالي التفريع، هو ناتج: 1 × 2 × 3 × 4 × 5 × 6 = 720 صورة. ونموذجه هذا البيت من عروض الكامل:

بُشْرَى لنا، يا سَعْدَنَا، بِنَبِيِّنَا ***  نِلْنَا المُنَى، حَقَّ الهَنَا، وَجَبَ الغِنَا

فهو يتفرع إلى سبعمائة وعشرين صورة، وكل صورة بينها وبين بواقي الصور مخالفة ما. فالبيت فيه ستة أجزاء من أجزاء التفعيل، كل منها يصح الابتداء به. "فالتفعيل الأول يصح أن يكون واحدا من الست، وهي إما بشرى لنا أو يا سعدنا أو بنبينا أو نلنا المنى أو حق الهنا أو وجب الغنا. والتفعيل الثاني يصح أن يكون واحدا من الخمس المغايرة للجزء الأول، فإن كان جزءه الأول بشرى لنا، فالجزء الثاني واحد من الخمس الباقية. والتفعيل الثالث يصح أن يكون واحدا من الأربعة الباقية. والتفعيل  يصح أن يكون واحدا من الإثنين الباقيين. فإذا ضربت ستة في خمسة والخارج هو ثلاثون في أربعة والخارج هو مائة وعشرون في ثلاثة والخارج وهو ثلاثمائة وستون في اثنين حصل العدد المذكور، وهو سبعمائة وعشرون صورة".[52]

وقد يصل إلى أكثر من ذلك بكثير، إذا كان البيت من هذا النوع بخمس قواف: (من السريع)

يا شامِخَ القَدْرِ الجَليلِ المَجيدْ  **  يا باذِخَ الفَخْرِ الأَثيلِ السَّعيدْ

المُنيفْ * العَظيمْ * الخَطيرْ * العَجيبْ

فهو يتفرع إلى ثمانية وثمانين، وخمسة وعشرين ألف نوع ( 25088). وكل نوع منها فيه مخالفة ما لغيره من الأنواع، ولو بكلمة واحدة، وذلك باعتبار تقديم بعض كلماته على بعض وحلول بعضها محل بعض، مع اختلاف أجزاء المصراعين واتحادهما.[53]

فإن كان من مجزوء الكامل، تنوع إلى أنواع أخر، وهي خمسمائة واثني عشر صورة ( 512)، كل صورة بينها وبين غيرها من بواقي الصور مخالفة ما. "بيانها أن كلا من المصراعين فيه ثلاثة ألفاظ، فإن كان اللفظ الأول يا شامخ فاللفظ الثاني الذي يليه إما القدر أو الفخر فهاتان صورتان، وكل منهما إما أن يكون بعده الجليل أو واحد من الألفاظ الثمانية تضرب في اثنين بستة عشر وكذا المصراع الثاني وإن ركبت كل صورة من صور المصراع الثاني فإنه يتفرع من ذلك خمسمائة وإثنا عشر".[54]

 إن كل تفريع من هذه التفريعات، تحمل أكثر من صيغة تشكيلية لمفهوم البيت، عدا كونها تسمح بتجاوزات عروضية، لا تستقيم على كل البحور. من ذلك مثلا، بناء بيت الكامل على جزء واحد، أو على جزأين، أو ثلاثة، فيه العروضة هي الضرب. أو مجيئه مشطورا مردوفا، أو تام العروضة مجزوء الضرب. كذلك الِشأن بالنسبة لمجزوءه، لا يسمح فيه بمثل هذه الاختيارات.

وهذا هو النوع الثالث، وفيه تتم عملية التوليد الشعري بالانتقال بالقصيد من بحر إلى آخر، إما بالحذف أو الزيادة، أو بأي تعديل آخر، قد تتولد منه فروع وأنواع شعرية أخرى جديدة. ويمكن أيضا أن تتفرع عنه صيغ غير معروفة في التعبير الشعري المتداول، خاصة على المستوى الأفقي، بحثا عن فضاء آخر يعلن عن ولادة بيت جديد.

فنحن لو وضعنا الأرقام بدل التفاعيل أو الكلمات، لاستطعنا أن نوضح وضع البيت في صوره الجديدة. فمن بين الصور التي تسمح بها عملية التوليد والتفريع ـ وتعتبر مادة صالحة في نظم الموشحات مثلا ـ هذه التفريعات لنفس البيت والوزن: (بشرى لنا..) . فهي وحدها تظم خمس تشكيلات غير مقبولة بالنسبة  للكامل في مفهوم الشعرية العربية القديمة، وهذه الصورـ باستثناء الوجه الأول ـ هي في حالة التمام:

ـ 1      2      3      ***    4     5      6 = الوزن التام

ـ 1      2      3      ***    4      5 ____ =  مشطور، مجزوء

ـ 1      2      3      ***    4 _________ = مشطور، مردوف

ـ 1      2      3   __________________ = مشطور

ـ 1      2 ________________________ = منهوك

ـ 1 __________________________ =  مقطع

وهي صو رتان في حالة الجزء، عدا الصورة الأولى الموروثة عن الشعرية العربية:

ـ 1      2      **     3      4 _____ = المجزوء، وهي صورة متحققة

ـ 1      2      **     3 __________ = مجزوء، مردوف

ـ 1      2 ____________________ =  على جزئين

إذ يمكن أن يتم اختيار الشكل الثالث، بالنسبة للتام، فيأتي البيت على هذه الصورة من التفريعات الغير معهودة في الشعرية العربية بالنسبة للوزن الذي عليه هذا البيت:

بُشْرَى لَنَا، يَا سَعْدَنَا، بِنَبِيِّنَا  ***  نِلْنَا المُنَى

وذلك قول ابن زهر على غير هذا الوزن:[55]

قَلْبِي مِنَ الحُبِّ غيرُ صَاحِ

وإِنْ لَحانِي  عَنِ  المِـلاحِ

وإِنَّما بُغْيَــةُ  اقْتِراحِـي

**

**

**

صَاحِ

لاَ  حِ

را حِ

 ويمكن أن يتعداها  إلى اختيارات ـ عكسية ـ  متفاوتة في الطول والقصر، أو محدودة المدى، فتخضع الكلام لتقطيع كثير الوقف، قد يبدو غير مسترسل، أو كأنه كلام نثري" لا إيقاع يضبط أنغامه ولا وزن ينتظم أجزاءه"، " ولا إطار يربطه بالإطار التقليدي للموشحة الشعرية "[56] وهذا من خواص بنية الموشح الموسيقية ومظهر بارز من مظاهر كسرها للإطار العروضى للقصيدة.

ولائحة الصور والتشكيلات عديدة، وهي التي أبانت عن هذا الكم الهائل من الإطارات الموسيقية، وقد أفرغت في هذه الأبيات، التي يوجد منها المرؤوس، والمجنح، والمفروق، والمردوف، وما يتألف منها من إطارات وتشكيلات لا حصر لها. فقد كانت الغاية من هذه التفريعات عند الشاعر، قبل كل شيء " تحصيل حالة الانبهار، وما يتبعها من إعجاب للقارئ والمشاهد في هذه الصناعات التي تتداولها الأبحر العروضية، وتتناوب عليها بما ينقلها من حال إلى حال، فتتولد من بيت عدة أبيات، ومن قصيدة عدة قصائد، فتكثر بذلك فرجة القارئ، وتتنوع النزه، ليحصل النشاط الزائد، والفرحة الكاملة للمشاهد، مع كل تنزه في هذه النزه المستخرجة والمولدة".[57]

وغالبا ما كان يستعان في هذا النوع بألوان متميزة، يسهل معها جمع ألفاظ كل لون في تفريع قصيدة من أخرى، أو توليد بنت من أمها، أو وزن من آخر، أو إفصاح عن إطار  جديد يغري بتطوير هذه الصناعة البديعية التي تقوم على أساس اللعب بالجمل والكلمات والقوافي والأوزان، وبكل ما يتعلق بمفهوم البيت وتصوراته الكلاسيكية، التي لم تعد قادرة على استيعاب هذا الترف العقلي لهذه المدينة الزاهية بألوان اللعب واللهو والجمال.[58]

ومن النصوص الدالة في هذا الباب، والتي لها عندنا أهمية خاصة في بناء الموشحات، واختلاف أبنيتها وأوزانها، قصيدة ابن عاصم هذه الحبلى بابنتين فموشحتين ، وربما بأكثر، كما صرح بذلك المقري في أزهاره من خلال هذا التعليق الذي يقول فيه:

" ومن أغرب ما صدر عنه، رضى الله عنه، قصيدة، تنفك منها قصيدتان أخريان بديعتان، إحداهما من المكتوب بالأحمر، والأخرى من المكتوب بالأخضر، وكل واحدة من هاتين البنتين تلد موشحة، كما ستراه .. وهذه هي القصيدة: ( من الطويل)

أَمَا والهَوَى «مَا كُنْتُ» مُذْ بانَ عَـهْدُهُ  رَعَى اللهُ مَنْ«لَوْ أَنْصَفَ»الصَّبَّ في الهَوَى     وَلَوْ جادَ مِنْ «بَعْدِ المِطالِ» بِزَوْرَةٍ          كَمَا خانَ صَبْرِى يَوْمَ أَصْبَحَ و «أَصْلَى  لِذاكَ أَسالَ الدَّمْعَ (كالدُّرِّ) مَدْمَعِي                حكَى لُؤْلُؤاً (مِنْ سِلْكِهِ) مُتَناثِراً           ذَخَرْتُ (الثَّمينَ) القَدْرَ مِنْهُ بمُقْلَتي           وَلاَ عَجَبٌ (مُذْ أَعْوَزَ) القُرْبُ أَنْ غَدا  أَيُلْحَقُ باللُّقْيَا أو (الوَصْلِ) مَنْ يَغُو             وَصَيَّرَ جِسْمي للصَّبابَةِ (والتَّلا             أُقَطِّعُ أَنْفاسِي «عَلَيْهِ كَـ» آبَةً             فَمِنْ شَعَرِهِ «اللَّيْلُ البَهيمُ» وَمِنْ سَنَى    (بِـ)حُكْمِ «الدَّلالِ» الجَوْرِ حَكَّمَ جَوْرَهُ      لَهُ مَعْطِفٌ «مُسْتَحْسَنُ القَدِّ» ناعِمٌ         رَمَى في فُؤادِي جَمْراً أَ«ذْكَى» لَهِيبَهُ  فَيَعْبَقُ مِنْ نارِ الحَيَا عاطِرَ «الشَّذَا           وَيَبْدُو بآفاقِ الـ(جَمالِ هِـ)لاَلَــــــــــــــــــــهُ        كَأَنَّ الظُّبَى فِي (مَرْتَعِ) الطَّرْفِ لَحْظُهُ     يَروقُ (العُيونَ) العِطْفَ مِنْهُ فَشُبِّهَتْ           وَيَا نِعْـ«مَ وَرْدُ الخَدِّ» لَوْ جازَ قَطْفُهُ    يَجولُ بهِ ريقٌ «شَهِيٌّ» يُحيلُنِي            وَيَحْمِي المُحَيَّا و«اللَّمَى» بِلَواحِظٍ          فَلِلَّهِ مِنِ ريمٍ ضُلوعِي (كِناسُـ)ــــــــــــــهُ  وَيُمْنَعُ مِنْهُ المُسْتًهامُ (فَمَا لَهُ)              وبالحُسْنِ مِنْهُ (يَسْتَبيحُ) حِمَى النُّهَى     وَيَلْوي بـِ (دَيْنِي) في الهَوَى وَهْوَ مُوسِرٌ     أَفِي العَدْلِ أَنْ (يَحْكُمْ) بِتَحْريمِ ريقِهِ     تَخَيَّلْتُهُ لَوْ نِيلَ (بِالنَّهْبِ فِي) الكَرَى                   فأَجْنِي كما شَاءَ الوِصالُ«رُضابَهُ»           ويَشْفِي بذاكَ المَبْسَمِ «العَذْبِ» ريقُهُ      وَحُلْوُ «الجَنَى» مُرُّ الجَفَا باهِرُ السَّــــــــ    بَدَا «فِي المِثالِ» كالغَزالِ مَحاسِناً      وَلِلْحُبِّ يَدْعُـ «و لَحْظُهُ الأَوْطَفُ» الوَرَى      تَمَلَّكَ رِقِّي طَرْفُهُ «مَعَ سُقْمِهِ»        وَأَظْهَرَ مَكْنونَ الهَوى منذُ جارَ (فِي الْـ      وقَدْ كانض تحتَ الكَتْمْ (عُذْرِي وَ) وَجْدُهُ      ويَحْسَبُهُ في (الحُكْمِ) بالجُور «كَـ»الوَرَى   إذا (بالظُّنونِ) الكاذِباتِ يَنالُهُ            يَلُـ«ـوحُ سَنَـ»ـا «هُ» لِلْمَشُوقِ وَقُرْبُهُ       وَفِي مُجْتَلاهُ «الباهِرِ» الحُسْنِ والرُّوَا       وَأُنْعِشُ بالإنْصافِ «مَهْمَا بَدَا» وَإِنْ        وَيُبْديهِ نورُ الحُسْنِ وَهْناً «لِمُقْلَتِي»        يَميلُ على المُشْتاقِ (بالهَجْرِ) حِكْمَةً        فَيَا هاجِرِي (والصَّدُّ) للصَّبِّ قاتِلٌ         أَمَا (والفُتونِ) البَابِلِيِّ وَسِحْـــــــــرِهِ       وَيَا مِقْوَلِي (مَا لِي سِوا)كَ مُؤازِرٌ        فَصِغْ لُؤْلُؤاَ مِنْ (مَدْحِيَ ابْنَ) مُلوكِنَا      مَنْ أَوْرَثَهُ المُلْكَ المُؤَصَّلَ (نَصْرُ) هُ       لُبابُ العُلَى «قُطْبُ المَعَالي وَ» تاجُهَا      بِهِ قَدْ غَدَا ثغرُ «الهُدَى» وَهْوَ باسِمٌ        «وَ» أَضْحَى «الكَمَالَ طَوْدَ»هُ فَإِنْ اعَتَدَى     ومَهْمَا عَفَا عادَ «الحِجَا» وَهْوَ قائِلٌ       وبِالشُّمِّ يُزْرَى عَقْلُهُ «الأَرْجَحُ» الَّذِي        فَمَعْنَى الحُلَى تُهْديهِ لِلْقَلْبِ ذاتُهُ             وَمِنْ كَفِّهِ (غَيْثُ النَّدَى) وَغَمامـــــهُ        إذا انْهَلَّ منهُ (الواكِفُ الـ)ـثَّرُّ للوَرَى      تَخالُ (هَتونَ) البَذْلِ مِنْهُنَّ زائِلاً          وكُلّ «نوالٍ هـ»ـامِلٍ مِنْ بَنانِهِ         وَفَيْضُ نَداهُ «يَشْرَحُ» الحالَ إِنَّهُ          (وَ) فِي غَيْثِهِ الثَّجَّاجِ «لِلْمُعْتَفِي» الغِنَى    وللفَضلِ والإحْسانِ والبَأسِ (سَبْقُـ)ـهُ     وأفعالُهُ عندَ اسْتِباقِ (المَــــــــــدَا) شَأَتْ    لَهُ مَشْرَفِيٌّ (دَائِمُ الـ)ـقَطْعِ للطُّـــــــــــلاَ   وبينَ (سُكونٍ) في النَّدِيِّ مِنَ الحِجَا        وَزَيَّنَهُ مِنْ (قَصْدِهِ الجَمْعُ) لِلْعُلاَ          وَحَزْمٌ وَعَزْمٌ (بَيْنَ بِكْرٍ) وَثَيِّبٍ           فيومَ النَّدَى الإسلامُ يُسْعِدُ دَهْرُهُ                  وَمِنْ بأسِهِ «أضْحْى الحِمَا مُـ»تَمَنِّعاً       وَتُمْسِي عِداهُ «كالحَمِيمِ» شَرابُهُمْ          وَيَغْدُو «المَوالِـ»ي «فِي»سُرُورٍ وغِبْطَةٍ       قَدِ اعْتادَ «تَرْكَ الكافِرِ»ينَ وَشَأْنَهُمْ         فأبطالُهُمْ «رَهْنَ الفَنا»ءِ «وَ»مَالُهُمْ        وَلَمْ يَبْقَ إلاَّ مَنْ حَمَى الحُسْنَ (لِلْعَطَا)        وَأَصْبَحَ في العَلْياءِ (كالبَحْرِ) كَفُّهُ          فَصَوْبُ الحَيَا ( فِي جودِهِ) بَرْقُهُ الظّبَى      نَداهُ (المَعينَ) الثَّرَّ قَدْ نَعَّمَ الهُدَى          وَأَحْكَـ«ـمَ رَفْعَ» المُلْكِ إِذْ نَصَّبَ العِدَا     أَيَا سَامِيَ «القَدْرِ» الَّذِي جَلَّ ذِكْرُهُ        صِفاتُكَ في العَلْيَا «عَزيـــــــزٌ» مَنالُهَا      فَمَا شِئْتَهُ مِنْ عِزَّةِ الجارِ و«الحِمَى»       وأُبْعِدْتَ في (وصفِ العُلَى) عَنْ مُسابِقٍ    وجودُكَ (فيهِ ذُو) الرَّجَا مُغْرَمٌ فَإِنْ        وَكَمْ مِنْ (فُنونٍ) يُسْتَمَدُّ بها الضُّحَى         وكم باتَ يَتْلُـ(ـو سُورَ)ةَ الفَتْحِ عَزْمُهُ     وأصبحَ باستحقاقِهِ (الحمدَ مِنْ) أُولِي الْـ      بعدلٍ وإحسانٍ قَدَ آخَتْ كِلَيْهِمَا            وبأسٍ وبطشٍ يَحْمِيانِ «حِمَى الهُدَى»      وحِلْمٍ «وُجودُها» تَـ«ـنٍ» وَمَكارِمٍ       وكيفَ «يَنالُ» المَدْحَ أَوْصافُ ماجِدٍ         يعمُّ بعفـ«ـوٍ خُصَّ بالـ»ـذَّنْبِ نُطْقُهُ     وللسَّيفِ نَصْرٌ يَا بْنَ «نَصْرٍ عَلَى» العِدَا        وللمُلْكِ عِزٌّ أكسبَ الذُّلَّ «مَنْ بَغَى»         فَفِي ذِمَّةِ العَلْياءِ (تِلْكَ الحِلاَ) العُلَى        أَنَرْتَ بها مِنْ (فاحِمِ الـ)ـظُّلْمِ مَا دَجَا       فزالتْ (دُجونُ) الجورِ عن مَطْلَعِ الهُدَى        هُوَ «الْمَلْكُ» لَمْ تُغْبِطْهُ إلاّ نزارُهُ           وفِي مُنْتَهاكَ «الأَشْرَفِ» الأَصْلِ للوَرَى     وَيُمْناكَ يَوْمَ الجودِ «تِرْبَ الحَيَا» اغْتَدَتْ       لَكَ المُرْهَفُ السّفاحُ بالفَتْحِ (مُثَّنًى)          وَجَمَّعْتَ شَتَّى الجُودِ (فِي وِتْرِ) راحَةٍ       فَكَمْ كامِلِ (الأَوْصافِ والـ)ـذّاتِ مَاجِدٍ      عَلَيَّ (يَمِينٌ قُلْـ)ـتُهَا غَيْــــــــــرُ حانِثٍ       فَقَدْ عَزَّ فِي الدُّنْيَا (لَهُ المِثْلُ) في العُلَى       وَأَيْنَ المُسامِي (والمُضاهِي) مَجادَةً         كَريمُ المَساعِي حافِظُ الدِّينِ وَ«الهُدَى        فَفِي الفَخْرِ أَضْحَى «الفَضْلُ والمَجْدُ» طَبْعُهُ       ومُحْتَدُّهُ السّامِي «الكَريمِ» نِجارُهُ          فَشَتَّى «الخِلالِ» الغُرِّ جُمِّعْنَ عِنْدَهُ          ودونكَ يا مَوْلايَ حَسْناءَ غادَةً             مُرَنَّحَةَ الأَعْطافِ تَلْعَبُ بِالنُّهَى             هَدِيَّةَ عَبْدٍ مُخْلِصٍ لكَ قَلْبُهُ           فَأَلْـفاظُــهَا تَحْــكِي جُمانَ دُمــوعِــــــــــــــهِ             

 

أَهيمُ بِلُقْيَا مَنْ (تَناثَرَ) وُدُّهُ                   لمَا فاضَ مِنْهُ (الدَّمعُ) مُذْ بانَ صَدُّهُ           لمَا شَيَّبَ أَشْواقِي وقَلْبِيَ زَنْدُهُ             لَظىً» زادَ ماءً (مِنْ حُفونِيَ) وَقْدُهُ        مِنَ «الوَجْدِ» فَاسْتَوْلَى على الجَفْنِ سُهْدُهُ    وَ«إلاَّ لِيَمٍّ» قَدْ تَتابَعَ مَدُّهُ                    وما زِلْتُ مِنْ خَوْفِ«النَّكالِ» أُعِدُّهُ           و«كالقَمَرِ الزّاهِي» سَناهُ وبُعْدُهُ             رُ «فِي نُورِهِ» بَدْرُ السَّماءِ وَجُنْدُهُ   قِي)يُتَيِّمُ قَلْبِي إِذْ تَمَكَّنَ وَجْدُهُ             وَللهِ(مِنْ بَدْرٍ) لِغَيْرِيَ سَعْدُهُ              مُقَبَّلِهِ للـ(حُسْنِ) نَورٍ يُمِدُّهُ              وَمِنْ شَأْنِهِ أَ(لاَّ قَرينَ) يَرُدُّهُ            بِهِ(عَلِقَتْ في الحُبِّ) بالرَّغْمِ أُسْدُهُ            بِهِ (ظَبْيُ أُنْسٍ) قَدْ تَلَهَّبَ خَدُّهُ           كَـ»ـأَنِّي بِذاكَ الخالِ قَدْ نَمَّ نَدُّهُ            لَهُ «اللَّيْلُ فَرْعاً وَ» الكَواكِبُ عِقْدُهُ    كأنَّ«القَنَا فِي» اللِّينِ والفِعْلِ قَدُّهُ             بِهِ قُضُبُ البانِ «اعْتِدالـ»ـاً وَمُلْدُهُ     وَطيبُ رَحيقِ الثَّغْرِ لِـ(وَ حْلِ) وِرْدِهِ      إليهِ لَظىً(فِي القَلْبِ)قَدْ شَبَّ وَقْـــــــــــــدُهُ (عَنِ) الدَّنِفِ المُغْرَى بِهِ  فَتَصُدُّهُ              وَرَوْضٌ يُسَقّيهِ مِنَ الدَّمْعِ عَهْدُهُ    وَ«فِيلَثْمِهِ»لَوْجادَ بِاللَّثْمِ قَصْدُهُ          و«كُلَّ المُنَى»واليُمْنِ يَحْويهِ بُرْدُهُ            لَهُ دُرُّ ثَغْرٍ«لَوْ يُنالُ» وَعِقْدُهُ              لِأَنْ«كانَ للشَّهْدِ»المُعَلَّلِ وِرْدُهُ         «وَمَا ذُقْتُهُ» يَشْفِي منَ السُّقْمِ شَهْدُهُ        وَيَجْنِي على قَلْبِي هَواهُ وصَدُّهُ            (فُؤادِيَ إِذْ) يَشْفِي بِلَثْمِيَ خَدُّهُ                (نَى لَهُ نَهْبُ هَـ)ذاَ القَلْبِ قَسْراً وَرَدُّهُ وَتَخْشاهُ أَبْطالُ (العَرينِ) وَأُسْدُهُ            (أَ) لاَ (هَكَذَا) قَلْبُ المَشوقِ أَقُدُّهُ           وَبِـ(الشَّرْعِ) فِي حُكْمِ الغَرامِ يَرُدُّهُ        ـمُعَنَّى الَّـ)ذى قَدْ طالَ في الحُبِّ جَهْدُه ُ   فـَ«أَسْهَرَ مِنْهُ» مَا اخْتَفَى قبلَ صَدِّهِ       وَهَلْ بِا«لسَّليمِ » القَلْبِ يُحْسَبُ ضِدُّهُ         يَنامُ فَكَمْ عَمَّ «اللَّيالِـ»ـي سُهْدُهُ           عَلَيْهِ حَرامٌ إِذْ (يُحَلِّلُ) بُعْدُهُ            حَياتِي، وَشِبْهُ (القَتْلِ) للنَّفْسِ فَقْدُهُ         أَرَى (مِنْهُ ظُلْماً) عاوَدَ القَلْبَ وَجْدُهُ        وَيُخْفيهِ فَرْعٌ فاحِمُ الوَصْفِ جَعْدُهُ         فَـ«مِنْهُ» اسْتَعارَ المَيْلَ عَنِّيَ قَدُّهُ         وَرَوْضُ «نَعيمِـ»ي فِي رِضاكَ وَخُلْدُهُ    لَيُقْنِعُنِي هَزْلُ «الوِصالِ» وَجِدُّهُ          فـَ«خَلِّ الهَوَى وَامْدَحْ» لِمَنْ حَقَّ حَمْدُهُ    «إَمامَ الوَرَى» البَاهِي عَلَى الخَلْقِ رِفْدُهُ  وَأَكْسَبَهُ المَجْدَ المُؤَثَّلَ سَعْدُهُ              و(بدرُ الهُدَى الـ)وَضّاحِ في الدَّهْرِسَعْدُهُ مُنيرٌ سَناهُ (مُشْرِقُ) الأُفْقِ سَعْدُهُ          عَلَى البَدْرِ نَقَّصَ فَـ(الجَبينُ) يُمِدُّهُ        كَـ(ـذَا الحِلْمُ والصَّفْحُ) الَّذِي أَسْتَعِدُّهُ       لِنَحْـ(ـوِ المَعَالِي) والمَجادَةِ قَصْدُهُ         وَ«سِرُّ العُلَى» يُبْديهِ لِلْعَيْنِ مَجْدُهُ             وَ«مَعْنَى السَّماحِ» المُسْتَماحِ ورَغْدُهُ        فَصَفْـ«وُ النَّدَى وَ» الجُودِ قَدْ لَذَّ وِرْدُهُ   يُكَيِّفُهُ بَرْقُ «الجَلالِ» وَرَعْدُهُ             فأَقْصَى صِفاتِ الجودِ (قَدْ جازَ) جُودُهُ     يَمُدُّ الحَيَا (فِي السَّمْحِ) إِذْ يَسْتَمِدُّهُ         إِذا بِـ(الأَيَادِي) منهُ يبدأ رِفْدُهُ             وللمُلكِ والإسلامِ والعِلمِ عَضْدُ هُ           وَ«فِعْلُ ظُباهُ بِا»لكُماةِ وَجُرْدُهُ           فكلُّ كَمِيٍّ لِـ«ـلْعِدَا فِيـ»ـهِ فَقْــــــدُهُ       (وَ) بَيْنَ مَضاءٍ بِـ«ـالقِتالٍ» يُعِدُّهُ        كَمَا زَيَّنَ ا«لسَّيْفَ» الصَّقيلَ فِرِنْدُهُ        بـِ«ـهِ المُرْهَفُ» الماضِي يُفَلَّلُ حَدُّهُ      و«يومَ الوَغَى» الإشْراكُ يُتْعِسُ جَدُّهُ       و(للفَخْرِ) مِنْهُ صارِمٌ يَسْتَعِدُّهُ            وَمَا شَيَّدُوا (فِي دَهْرِهِ) فَيَهِدُّهُ             مِنَ البِشْرِ أَبْكارٌ (وَعونٌ) تَوَدُّهُ          لَهيبٌ (وَشَأْنُ هَـ)ـامِلِ الدَّمْعِ وِرْدُهُ      إلى (البَذْلِ) عُقْباهُ وبالسَّيْفِ رَدُّهُ         وَشَفَّعَ في أَحْـ(يَا)ئِهِ  مِنْهُ خَــــــــدُّهُ       كَمَا «قَدْ غَدَا مِثْلَ الـ»ـجَواهِرِ رِفْدُهُ      يُريكَ «هَشيمَ» الكُفْرِ مِمَّا يَقُدُّهُ         وَيَشْقَى بهِ حِزْبُ «الضَّلالِ» وَجُنْدُهُ        عَلَى حالِ ذُلٍّ (نالَ مِنْ) ضِلِّ جُهْدِهِ       وَيَا مُحْرِزَ (المَجْدِ) الَّذي عَزَّ ندُّهُ             لَهَا (كُلُّ طَبْعٍ) أَحْرَزَ الفَضْلَ فَرْدُهُ         «وَقَدْ» رَسَمَا فَوْقَ السِّماكَيْنِ مَجْدُهُ        لَهَا وَ«تَدانَى» مِنْ نَوالِكَ رَغْدُهُ           حَمَى «جودَهُ» ذَمَّ المُهَلَّبَ أَزْدُهُ              إِذَا ما تَناءَى«للمَنالِ» مُمِدُّهُ         وَيَحْكُـ«مُ مثلَ الأَمْرِ وَ» النَّهْيِ وَجْدُهُ ـعدالةِ في «الأَحْكامِ قَدْ» بانَ رُشْدُهُ     (حِلاهُ) كما آخَى المُهَنَّدَ غِمْدُهُ                فحتَّى (لَقَدْ تَـ)ـلْفَى مَعَ السَّرْحِ أُسْدُهُ         عَـ(لاَهُنَّ كُلَّ) الوَصْفِ عنها وجهدُهُ      يَوَدُّ العُلاَ (حِينـ)ـاً وحِيناً تَوَدُّهُ          و(تَهْدِي إلى الرُّشْدِ) المبين أَلَدُّهُ      فَساعَةَ(إِذْ يَجْلِي) جَلَى الكُفْرَ حَدُّهُ            فَحاقَتْ بِهِ مِنْ مُؤْلِمِ القَهْرِ نَكْدُهُ          وَ«لَمَّا بَدَتْ» للدّينِ أُنْجِزَ وَعْدُهُ         فَجَلَّتْ «سُعودٌ هُـ»نَّ للمُلْكِ عَضْدَهْ         فنورُ سَناهُ «فِي اقْتِبالٍ» وَسَعْدُهُ             بِمَا ليسَ فِي إِمْـ(ـكانِهَا) وَمَعَدُّهُ          دَليلٌ يَحوزُ (الشَفْعَ) فِي المَجْدِ فَرْدُهُ       أَلاَ (فَهْيَ) أَقْسامُ السَّماحِ وَحَدُّهُ           مَعَ العِلْمِ المَوْعُودِ بالنَّصْرِ جُنْدُهُ          فَـ «ـغَيْثُ النَّدَى» مِنْهَا قَدِ انْهَلَّ عَهْدُهُ      إِلَى ذَلِكَ «الهَامِي العَميمِ» مَرَدُّهُ         لِجُودِكَ تَنْظيمُ «النَّوالِ» وَنَضْدُهُ           فَمَا «يُوسُفٌ إِ» لاَّ الحَيَا طابَ وِرْدُهُ        «لِناصِرِ دِينِ» اللهِ والمَجْدُ مَجْدُهُ            ذُو» الأَنْعامِ والفَضْلِ المُبَجَّلِ عِقْدُهُ           و(في الدَّهْرِ) أَمْسَى ليسَ يوجدُ نِدُّهُ        يُماثِلُهُ (فِي رِفْعَةِ) القَدْرِ بَنْدُهُ                بِمَا حازَ مِنْ عِلْمٍ (وَدِينٍ) يُمِدُّهُ            مُهَذَّبَةً كالدُّرِّ نُظِّمَ عِقْدُهُ                فَتَسْبِي الحِجَا طَوْراً وَطَوْراً تَرُدُّهُ          وَفِي تِلْكُمُ الذّاتِ الكَريمَةِ وُدُّهُ               وَقِــرْطاسُـهَا يَحْكيهِ فِي اللَّوْنِ  خَـــــــــدُّهُ        

قال جامع هذا التصنيف : أشار الرئيس أبو يحيى بهذا الشطر الأخير إلى الكاغد الأصفر الذي كانت فيه هذه القصيدة مكتتبة؛ ثم قال :

وأنفاسُها مِنْ كُلِّ لَوْنٍ غَريبُها             فَأَكْحَلُها مِنْ مُقْلَتِي أَسْتَميحُهُ          وَأَخْضَرُها مِنْ طِيبِ عَيْشِي الّذي مَضَى     وَأَعْجَبُ شَيْءٍ أَنَّهَا بِكْرُ فِكْرَتِي          وَقَدْ وَلَدَتْ بِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ مْثْلَهَا       وَكِلْتاهُمَا قَدْ جُرِّدَتْ مِنْ نِظامِهَا         فَخُذْهَا ففيها للتَّواظُرِ مَسْرَحٌ           بَقِيــتَ كَمَا تَهْــــواهُ مَــا هَبَّــــتِ الصَّـــبَا      

 

 

وتَـرْتيبُها مِنْ ذاتِهِ يَسْتَعِــدُّهُ               وَأَحْمَـرُها مِنَ أَدْمُعِي أَسْتَمِدُّهُ              لَدَيْكَ وَأَرْجُـو بالرِّضَا تَسْتَرِدُّهُ             وَمَا بَلَغَتْ مِعْشـارَ شَهْرٍ نَعُدُّهُ             يَروقُكَ مِنْ مَعْناهُمَا مـا تَوَدُّهُ        مُوَشَّحَةً كالسَّيْفِ راقَ فِرِنْدُهُ               وَمِنْ مَدْحِكَ الحُسْنَ الّذِي تَسْتَمِدُّهُ           فَمــالَتْ بِـهَا بَـانُ العُـذَيْبِ وَرَنْــــــــــــــدُهُ                                   

انتهت القصيدة الفريدة، وهأنا أذكر البنتين اللتين ولدت، ثم أذكر ما ولدت كل واحدة منهما بحول الله وقوته.[59]

فأما القصيدة الخارجة من المكتوب بالأخضر فهذا نصها، وتوشيحها ينتظم من المكتوب فيها بالأخضر: [60]

(تَناثَرَ الدَّمْعُ) مِن جُفونِي      (مُذْ أَعْوَزَ الوَصْلُ) والتَّلاقِى   (عَلِقُتُ في الحُبِّ)  ظَبْيَ أُنْسِ  (وحَلَّ في القلبِ) عَنْ كِناسٍ  (يَحْكُمُ بالنَّهْبِ) فِي فُؤادِي (أهكذا الشَّرْعُ) فِي المُعَنّى(الْـــــ

(يُحَلِّلُ القتلَ) منهُ ظُلْماً        (ما لِي سِوَى مَدْحِيَ) ابنَ نَصْرٍ  (ذا الحِلمِ والصَّفْحِ) والمَعالي  (قد جازَ في السَّمْحِ) والأيادِي (وقصدُهُ الجمعُ) بين بِكْرٍ  (وشَأْنُهُ البَذْلُ) للعطايا         (نالَ مِنَ المَجْدِ) كلَّ طَبْعٍ       (وسُوَرَ الحَمْدِ) مِنْ حُلاهُ  (تَهْدي إلى الرُّشْدْ) إذْ تُجَلّي   (كأنَّها الشَّفْعُ) فَهْيَ مَثْنَى      (قَلَّ لـــهُ المِثْلُ) والمُضاهِــــي      

 

(كالدُّرِ) مِنْ سِلْكِهِ الثَّمينِ   (مِنْ بَدْرِ) حُسْنٍ بِلاَ قَرينِ   (جَمالُهُ) مَرْتَعُ العُيونِ        (فما لَهُ) يَسْتَبيحُ دينِي        (إذْ نالَهُ) نَهْبَهُ العرينِ  ـعذريِّ) والحكمُ بالظُّنونِ  (بالهَجْرِ) والصَّدِّ والفُتونِ  (بَدْرِ الهُدى) المُشْرِقَ الجَبينِ  (غيثَ النَّدى) الواكِفِ الهَتونِ  (سَبْقَ المَدَى) دائِم السُّكونِ  (للفَخْرِ) في دَهْرِهِ وعُونِ  (كالبحرِ) في جودِه المُعينِ  (وصفُ العُلا) فيهِ ذو فُنونِ  (لقد تَلاَ) هُنَّ كُلَّ حينِ       (تلكَ الحِلَى) فاحِمَ الدُّجونِ  (في وِتْرِ) الأوْصافِ واليَمينِ  (في الــــدَّهْرِ) في رِفْعَةٍ ودِينِ   

 انتهت البنت الخضراء، وهذا نص بنتها الموشحة، المستخرجة من الأخضر، وهي الموشحة الأولى:[61]

ـ الموشحة الأولى :

تَناثَرَ الدَّمْعُ، كالــــدُّرِّ    مُذْ أَعْوَزَ الوَصْلُ، مِنْ بَدْرِ

عَلِقْتُ فِي الحُبِّ   وَحَلَّ فِـي القَلْـــبِ   يَحْكُــــــمُ بِالنَّهْـبِ

 

جَمالَـــهْ       فَمالَـــهْ    إِذْ نَالَــــــهْ

أَهَكَـذَا الشَّـرْعُ، الـعُذْرِي يُحَلِّلُ القَتْلَ، بِالهَجْـــرِ

مَالِي سِوَى مَدْحِـي    ذا الحِلْمِ والصَّفِـحِ     قَدْ جازَ فِـي السَّمْـحِ

 

بَدْرَ الهُدَى      غَيْثَ النَّدَى      سَبْقَ المَـــدَى

وَقَصْدُهُ الجَمْعُ، للفَخْـرِ                وَشَأْنُهُ البَذْلُ، كالبَحْرِ

نالَ مِنَ المَجْـــدِ    وَسُوَرَ الحَمْـــدِ       تَهْدِي إلى  الرُّشْــدِ

 

وَصْفَ العُلاَ  لَقَدْ تَـلاَ      تِلْكَ  الْحِـلَى

كَأَنَّهُ الشَّفْعُ، في وِتْرِ                   قَلَّ لَهَا المِثْلُ في الدَّهْرِ

انتهت.ويمكن أن تستخرج باختصار هكذا:[62]

تَناثَرَ الدَّمْــــعُ

عَلِقْتُ فِـــي الحُـبِّ  

أَهَكَذَا الشَّــــــــرْعُ       

مَالِي سِوَى مَدْحِي  

وَقَصْدُهُ الجَمْــــــــعُ     

لَـهُ مِــنَ المَجْــــــدِ      

كأنَّها الشَّفْــــــــــعُ

            **            

** وَحَلَّ بالقَلْــبِ**   

**

** ذا الحِلْمِ والصَّفْـحِ**       

**

** وَسُوَرِ الحَمْـــدِ**        

**

مُذْ أَعْـــــوَزَ الوَصْـلُ

يَحْـكُــــــــمُ بِالنَّهْـبِ       

يُحَـــلِّلُ القَتْــــــــــلَ         

قَدْ حازَ فِي السَّمْـــحِ   

وَشَأْنُهُ البَـــــــــــذْلُ       

تَهْدِي إلى الرُّشْـــــدِ   

قَلَّ لها المِثْـــــــــــلُ

انتهت. وتقتضي أدوارها أن تكتب عموديا، حفاظا على شكلها الوارد في القصيدة المتولدة منها.                                                             وأما البنت الحمراء فهي الخارجة من المكتوب بالأحمر، وتوشيحها ينتظم من المكتوب فيها بالأحمر، وهذا نصها :

«ما كنتُ لَوْ أَنْصَفَ» بَعْدَ المِطالْ «كالقَمَرِ الزّاهِي» في نُورِهِ       «مستحسن القَدِّ» ذَكِيُّ الشَّذَا         «مُوَرَّدُ الخَدِّ» شَهِيُّ اللَّمَى       «كأنَّ للشّهْدِ» وما ذُقْتُهُ         «ولحظُهُ الأَوْطَفُ» مَعْ سُقْمِهِ         «وَحُسْنُهُ الباهِرُ» مَهْما بَدَا         «خَلِّ الهَوَى وامْدَحْ» إِمامَ الوَرَى         «طودَ الحِجَا الأَرْجَحَ» سِرَّ العُلَى    «نوالُهُ يَشْرَحُ» للمُعْتَفِي          «لسيفِهِ المُرْهَفِ» يومَ الوَغَى       «فَيَتْرُكُ الكافِرَ» رَهْنَ الفَنَا         «مُرَفَّعُ القَدْرِ» عَزيزِ الحِمَى         «مُمَثَّلُ الأَمْرِ» والأَحْكامِ قَدْ       «وَخُصَّ بِالنَّصْرِ» عَلَى مَنْ بَغَى         «اَلْمَلِكُ الأَشْرَفُ» تِرْبُ الحَيَا        «يوسفُ اَلنَّاصِــرُ» دينَ الهُـــــــدَى

 

«أَصْلَى لَظَى الوَجْدِ الأَليمِ»النَّكالْ «عليهِ كاللَّيْلِ البَهيمِ» الدَّلالْ      «كاللَّيْلِ فَرْعاً والقَنا» في اعْتِدالْ      «في لَثْمِهِ كُلَّ المُنَى» لَوْ يُنالْ        «رُضابَهُ العَذْبَ الجَنَى» فـــــي المِثالْ 

 «أَسْهَرُ مِنْهُ كالسَّليمِ» اللّيالْ   «لِمُقْلَتِي مِنْهُ نَعيمُ» الوِصالْ    «قُطْب المَعالي والهُدَى» والكَمالْ       «مَعْنَى السَّماحِ والنَّدَى» والجَلالْ        «فِعْلَ ظُباهُ بِالعِدَا» فِي القِتالْ      «أضْحَى الحِمامُ كالحَميمِ» المُوالْ         «وَقَدْ غَدَا مثلَ الهَشيمِ» والضَّلالْ         «وَقَدْ تَدانَى جودُهُ» لِلْمَنالْ         «حَمَى الهُدَى وُجودُهُ» أَنْ يُنالْ   «لمّا بَدَتْ سُعودُهُ» في اقْتِبالْ   «غَيْثُ النَّدَى الهَامِي العَميمِ» النَّــوالْ 

«ذو الفَضْلِ والمَجْدِ الكَريمِ» الخِلالْ

انتهت البنت الحمراء. وهذا نص موشحتها، وهي بنتها، الخارجة منها من المكتوب بالأحمر، وهي الموشحة الثانية:[63]

ـ الموشحة الثانية:

مَا كُنْتُ لَوْ أَنْصَفْ     كالقَمَــرِ الزّاهِـــي                      *                             *

مُسَتَحْسَنُ القَدِّ             مُوَرَّدُ الخَدِّ                 كأنَّ للشَّـــــــهْدِ               *                             *  

وَلَحْظُهُ الأَوْطَفْ         وحُسْنُـــــهُ الباهِرْ            *                             *

خَلِّ الهَوَى وَامْدَحْ        طودَ الحِجَا الأَ رْجَحْ        نوا لُهُ يَشْــــــرَحْ             *                             *              

لِسَيْفِهِ المُرْهَفْ           فَيَتْرُكَ الكافِـــــرْ              *                             *         

مُرَفَّعُ القَدْرِ                مُمَثَّلُ الأَمْرِ              وخُصَّ بالنَّصْــــرِ            *                             *            

المَلِكُ الأَشْرَفْ        يـُـوسُفُ اَلنَّاصِــــــــــــــــــرْ  

 

أَصْلَى لَظَى الوَجْدِ الأَلِيمْ     عليــهِ كاللَّيْـلِ  البَهيـمْ             *                                 *

كالليَّلِ فَرْعاً وَالقَنَا               فِي لَثْمِهِ كّلّ المُنَى          رُضابَهُ العَذْبَ الجَنَـــى           *                                 *

أَسْهَرُ مِنْهُ كالسَّليمْ            لِمُقْلَتِي منهُ نَعــــــيمْ              *                                 *          

قُطْبَ المَعالِي والهُدَى        مَعْنَى السَّماحِ والنَّدَى        فِعْــــــلَ ظُباهُ بالعِدَا               *                                 *            

أَضْحَى الحِمامُ كالحَمِيمْ         وَقَدْ غَدَا مِثْلَ الهَشيــــمْ           *                                 *       

وَقَدْ تَدانَى جُودُهُ               حَمَى الهُدَى وجُودُهُ              لمَّا بَدَتْ سُعــــــودُهُ               *                                 *          

غَيْثُ النَّدَى الهامِي العَميمْ      ذُو الفَضْلِ والمَجْدِ الكَــــــــــريــمْ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ويمكن اختصارها أيضا هكذا :[64] 

مَا كُنْتث لَوْ أَنْصَفْ

مُسْتَحْسَنُ القَـــــــدِّ

ولَحْظُهُ الأَوْطَـــفْ

خَلِّ الهَوَى وَامْدَحْ

لسيفِهِ المُرْهَــــفْ

مُرَفَّـــــعَ القَــــــدْرِ

الملكُ الأَشْـــــرَفْ

**

** مُوَرَّدُ الخَـــــــــــــدِّ **

**

** طودَ الحِجَا الأَرْجَحْ **

**

** مُمَثَّلَ الأَمْــــــــــــرِ**

**

كالقَمَرِ الزّاهِـرْ

كأنَّ للشّهْــــــدِ

وَحُسْنُهُ الباهِـرْ

نَوالُهُ يَشْــرَحْ

فيَتْرُكَ الكافِــرْ

وخُصَّ بالنَّصْـرِ 

يُوسُفُ اَلنّاصِـرْ

والقصيدة في نهاية المطاف، يمكن أن تلد أكثر من هاتين المختصرتين الإضافيتين، ولكن الناظم لم يصرح إلا بالبنتين الحمراء والخضراء، وبما ولدتا من غير المختصرتين . وفي ذلك يقول المقري: "وإنما لم أجزم بهذه المختصرة، لأجل أن الناظم صرح بأن كل واحدة من البنتين الحمراء والخضراء لم تلد إلا موشحة واحدة من البنتين، ولو ولدت موشحتين لصرح بذلك، ولا شك أن الموشحة غير المختصرة أتم معنى، وأكمل مساقا، فالأصوب الإقتصار عليها، وإن كان يمكن استخراج أكثر منها لمن تأمل حق التأمل، والله تعالى أعلم". [65]

فأنت تلاحظ كيف تولدت من هذه القصيدة الأم بنتان، ثم موشحتان، ثم مختصرتان. وقد جاءت كل واحدة منها على وزن مخالف، باستثناء المختصرتان، ولذلك  فإن الناظم لم يصرح بهما ، وهذا كان قصده من إخفائهما. ولعل المقري قد قصد من إظهارهما إلى وجود أكثر من إمكانية لتوليد موشحة من أخرى، ووزن من آخر، وبنية من أخرى، هكذا:

1 ـ الأم:

[ فعولن | مفاعيلن | فعولن| مفاعلن *** فعولن | مفاعلن | فعولن | مفاعلن ]

2 ـ البنت الخضراء:

[ مستفعلن | فاعلن | فعولن *** مستفعلن | فاعلن | فعولن ]

3 ـ ابنتها: ( الموشحة رقم 1)

ق: ـ [ مستفعلن | فاعلن | فعلن *** مستفعلن | فاعلن | فعلن ].

د: ـ [ مستفعلن | فعلن *** فعولن ]

4 ـ مختصرتها: (الموشحة رقم 2)

ق: ـ [ مستفعلن | فعلن *** مستفعلن | فعلن ]

د: ـ [ مستفعلن | فعلن ]

5 ـ البنت الحمراء:

[ مستفعلن | مستفعلن | فاعلن *** مستفعلن | مستفعلن | فاعلان ]

6 ـ ابنتها: ( الموشحة رقم 1)

ق: ـ [ مستفعلن | فعلن *** مستفعلن | مستفعلان ]

د: ـ [ مستفعلن | فعلن *** مستفعلن | مستفعلن ]

7 ـ مختصرتها: (الموشحة رقم 2)

ق: ـ [  مستفعلن | فعلن *** مستفعلن | فعلن ]

د: ـ [   مستفعلن | فعلن ].

وعلى غرار هذه القصيدة، تناسلت أوزان الموشحات ، من وزن إلى آخر، ومن بنية عروضية إلى أخرى، كما تفاجئنا هذه الرباعية البديعية،[66] التي سلك فيها صاحبها مسلكا شبيها إلى حد ما،  فجاءت من وزنين، خرج وزن قفلها من وزن أدوارها مرة، وخرج وزن أدوارها من أقفالها مرة أخرى، هكذا  على هذا المنوال تناسلت أقفال وأدوار الموشحة من أولها إلى آخرها، بالحذف والزيادة. من أوزان الدوبيت التام إلى أوزان الدوبيت المجوزء، بـ" الحذف"، ثم من أوزان الدوبيت المجزوء إلى أوزان الدوبيت التام، بـ" الزيادة "، هكذا:[67] 

ق: [ /0/0| ///0//0 |//0/0 |///0 ** //0 |/0/0//0 |//0/0 |///0] + 2

د: [ /0/0 |/0/0//0| //0/0 ** /0/0 |/0/0//0| //0/0] + 2

أَمْواهُ مَحاجِرِي على الخَدِّ جَرَتْ  شوقاً لِرَشاً عيناهُ عَقْلِي سَحَرَتْ      ريمٌ يَفْتَرُّ عَنْ أَقـاحْ                  قَدْ شيبَ بعَنْبَرٍ وراحْ                                                   يَجري في لُؤْلُؤٍ مَصُونٍ  مَنْظومْ   يا وَيْحَ العاشقِ الشَّجِيِّ المَكْلـومْ        إِنْ ماتَ أَسىً فَهَلْ يَكونْ         بالدَّمْعِ الوابِلِ الـهَتونْ                                                     صَبٌّ باكِ مُضْنىً حَزينْ يَهْوَى    قَدْ غادَرَنِي حَلْفَ السّقامِ نِضْـوَا                                           أُقاسِي الشَّوْقَ والضَّنَا            ظَبْياً إِنْ عَـنَّ أَوْ دَنَا                                               يَرْتَعْ منهُ ليثُ العرِينِ القَسْـوَرْ     أَحْشاءَ الصَّبِّ بالوَجيبِ أَظْهَـرْ      بدرٌ يَعْنُو لَهُ الهِـلالْ                 ما في الخَلْقِ لَهُ مِثالْ                أَصْمَى الأفْلاذَ بالعُيونِ النّجْلِ   مَوْلىً يَرْضَى حياتَهُ فِي قَتْلِـي       إِنْ راقَ دَمِي تَرَكْتُهُ                 وَمَا يَبْغِي وَهَـبْتُـهُ                    .          

 

ونارُ الشَّوْقِ فِي ضُلوعِي زَفَرَتْ   ريمٌ يَفْتَرُّ عَنْ أقاحٍ زَهَـــرَتْ         يُسْقَـى مِنْ كَوْثَرٍ قَراحْ             يَجري فِي لُؤْلُؤٍ مَصونْ              يَبْرَا في رَشْفِهِ العَميدُ المَكْظومْ      إِنْ ماتَ أسىً فَهَلْ يَكونُ مَرْحومْ    مِمَّـنْ تَبْكِي لَهُ العُيونْ             صَبٌّ باكٍ مُضْنىً حَزينْ              ظَبْياً مِنْ حُسْنِهِ يَتيهُ زَهْوَا               أُقاسِي الشَّوْقَ والضَّنَا والبَلْــوَى      أَبْغِي مِنْ وَصْلِهِ المُنَا              يَرْتَعْ مِنْهُ لَيْثُ العَرينْ                يَسْطُو مِنْ لَحْظِهِ بِسَهْمٍ أَحْــوَرْ        بدرٌ يَعْنُو لَهُ الهِلالُ الأَزْهَـــرْ       قد حازَ الحُسْنَ والكَمالْ            أَصْمَى الأَفْلاذَ بالعُيونْ              أحمدَ القسطال البَديعِ الشَّكْـــلِ         إِنْ راقَ دَمِي تَرَكْتُــهُ فِي حِلِّي       وَفِي الأَحْشاءِ صُنْتُــــهُ                مِنْ مَالِيَ وَعِرْضِي المَصونْ         .     

إن مثل هذا التفريع والتوليد والتلاعب بالقوافي، والأوزان، والتشطير والتقسيم، والتجزئة، هو ما يؤكد عندنا فكرة انتماء هذا النمط من الكلام، إلى ما تم الاصطلاح عليه بفن "الملعبة[68] ولذلك كنا حريصين على إيراد هذه الشواهد الشعرية والتدخل فيها من جانبنا، حتى نبرز هذه العلاقة القائمة ما بين الموشح والتوشيح أو التغصين أوالتشريع، كما سيتبين لنا بعد قليل، وبينه وبين فن الملاعب، وكيف أنها ترسخت في ذهن الشعراء، فأوحت لهم بهذا الفن المهذب، الذي وجد مادته في مثل هذه النصوص الشعرية أو النثرية التي سنأتي على ذكرها، والتمثيل لها من خلال ما توفره لنا نصوص في غاية الأهمية. ولذلك تجدنا نعمل على توسيع طموحنا لبحث جملة من القضايا لم يتم الوقوف عندها في دراسة الموشحات، رغم حضورها المنتظم داخل هذه النصوص. ويأتي على رأس هذه القضايا: الترصيع، والتسميط، والتطريز، والتوشيع، والتشطير، والتجزئة، والتضمين. فقد وجدنا في شهادة الأديب أبي الحسن بن سعد الخير( ت : 525 هـ )، ما يدفعنا إلى مسائلة هذه القضايا. حيث قال من جملة كلام يزكي ما ذهبنا إليه بخصوص هذه العلاقة القائمة بين البديعيات والموشح، أو بينه وبين فن الملاعب :

 "ووجدنا بعض المتأخرين كمهيار الديلمي،وأبي القاسم الحريري وغيرهما،قد استنبطوا من تلك الأعاريض أقساما مؤلفة على فقر مختلفة،وقواف مؤتلفة،قلت،يعني بذلك أشعار العرب في أبحر العروض،قال:وسموها ملاعب،واستنبط منها أهل الأندلس ضربا قسموه على أوزان مؤتلفة،وألحان مختلفة،وسموها موشحا،وجعلوا ترصيع الكلام،وتنميق الأ قسام توشيحا،وكانوا أول من سن هذه الطريق ونهجه وأوضح رسمه ومنهجه".[69]

فمن جملة ما يشير إليه هذا النص، أن المشارقة استنبطوا من أوزان العرب وأعاريضهم، شكل شعري جديد، هو فن الملاعب ، وهو بحسب هذا التعريف، تتألف أقسامه من فقر مختلفة، وقواف مؤتلفة. وأما الشكل الثاني الذي تزامن ظهوره مع هذا النمط الشعري الجديد الذي ظهر في المشرق، واستمد منه أصوله، فهو فن الموشحات. فقد استنبطه أهل الأندلس من نفس أوزان وأعاريض أشعار العرب. فجاؤوا به ـ حسب النص ـ على أوزان مؤتلفة وقواف مختلفة.

وسياق المقارنة يقتضي ـ حسب فهم محمد الدناي ـ  أن يكون ما ظهر في المشرق، شكل شعري مختلف الأوزان، مؤتلف القوافي.[70] وقد مرت بنا مجموعة من الشواهد في هذا الباب لكل من الحريري وغيره، اختلفت أوزانها دون قوافيها.

أما بالنسبة لمهيار الديلمي ـ  وورود اسمه في هذا النص ـ فتتجلى أهميته في كونه أحد مبتكري هذا الشكل الشعري الجديد، ناهيك عما سيكون له من تأثير عميق في بناء الموشحات، على نظام خاص ، سيتجاوز هذه المرحلة المبكرة من ولادة الموشحات والتي قامت في بنائها على قواف مختلة، وأوزان مؤتلفة،[71] كما يصرح بذلك ابن سعد الخير.

فبالرجوع إلى ديوانه، وتقطيع قصائده ومقطعاته بيتا بيتا ، يتضح جليا ، أن الشاعر قد استجاب لهذا الوصف في رملياته التي جمع فيها بين العروض المحذوفة والصحيحة،[72]  وفي قصيدته الرجزية المجزوءة، التي جمع فيها بين العروض الصحيحة والمقطوعة،[73] بالإضافة إلى قصائد مخلع البسيط التي جمع فيها مهيار بين الوزن:

[ مستفعلن| فاعلن | فعولن]،  والوزن: [ مستفعلن | مفعولن | فعولن].[74]

وتقتضي طبيعة التطور، أن يكون الموشح الشعري الذي يقوم على قواف مختلفة وأوزان مؤتلفة، هو الأسبق في الظهور ، ثم يليه في الظهور والتطور الموشح المختلف الأوزان والقوافي، وهو النوع الذي سيستفيد من التجارب السابقة، ومن تجربة مهيار في رملياته ، أوفي أرجوزته، التي سيجمع فيها بين عروضتين من نفس البحر: العروضة المجزوءة الصحيحة والعروضة المجزوءة المقطوعة، وهو ما سيوحي لهم  بالجمع بين وزنين من نفس البحر. وأما بالنسبة لقصائد  التخيير والتفريع، وقصائد المخلع،  فستوحي بالجمع بين وزنين من بحرين مختلفين في مرحلة ثالثة، ستليها مراحل عدة كلها ستنحث من فن الملاعب أشكالا قد تكون في غاية الدقة والصنعة، أو في غاية العبث والاستهانة بالشعر، وذلك ناذرا.[75]



[1] ـ انظر: القللوسي. (المقتطف من أزهار الطرف: 225 ـ 235).

[2] ـ ابن الدراج. الرسالة الثانية من رسالتان فريدتان في عروض الدوبيت. ت: هلال ناجي، ص 165.

[3] ـ انظر: كامل مصطفى الشيبي. (ديوان الدوبيت في الشعر العربي: 40)، وشمس الدين الرازي. (المعجم في معايير أشعار العجم: 75)، و(دائرة المعارف الإسلامية، مادة: [ رباعي]).

[4] ـ  ابن المرحل. الرسالة الأولى  من رسالتان فريدتان في عروض الدوبيت: 161.

[5] ـ انظر: عبد السلام شقور. (من مصادر النقد الأدبي في العصر المريني. مجلة كلية الآداب ـ تطوان. العدد 1/ 1987، ص: 104).

[6] ـ  ابن المرحل، الرسالة الأولى من عروض الدوبيت:161، 164.

[7]  ـ  شرح الغموض من مسائل أهل العروض: الورقة 61. ( مخطوط).

[8] ـ انظر: (إمداد بحر القصيد ببحر أهل التوليد، الورقة: 4 ـ 6).

[9] ـ انظر: (زهرة الظرف: الورقة 10 ( مخطوط)).

[10] ـ  الوافي في نظم القوافي: 316 ـ 317

[11]ـ  انظر. منهاج البلغاء وسراج الأدباء: 241.

[12] ـ  ابن الدراج. الرسالة الثانية من عروض الدوبيت: 165 ـ 167.

[13]  ـ الجوزي. المدهش: 423.

[14] ـ نفسه: 206.

[15] ـ وهي التجزئة  التي رجعنا فيها إلى الرسالة الأولى من عروض الدوبيت .

[16] ـ زهرة الطرف: الورقة 9. (المخطوط).

[17] ـ نفسه، الورقة 6ـ 8. (المخطوط).

[18] ـ  نفسه: الورقة 18 ـ 19.  (المخطوط).

[19] ـ زهرة الطرف: الورقة 9 ـ 10. ( مخطوط). وقد بنى رفضه لهذه التجزءات على مجموعة من الحجج، يرجع أليها هناك: الورقة 10 ـ  18 من المخطوط.

[20] ـ زهرة الظرف: الورقة 20 ـ 27 (مخطوط).

[21] ـ كان بإمكانه أن يرفع ضروب الأعارض التي جاءت على غير القياس إلى إثنى عشر ضربا، وذلك بإضافة الترفيل والإذالة إلى الضرب الثالث المقطوع، و الرابع الأحذ، ما دام أنه قد توفرت فيهما شواهد، وإن كانت ناذرة على حد استقراءه، ولكنه لم يفعل، وجاء بأعاريض وضروب كثيرا ما تجده يصرح بأنه هو الذي اخترعها.

[22] ـ العروض الثانية والثالثة والرابعة بجميع أضربها، ساقطة من المخطوط، وقد استخرجتها بالاعتماد على الخطة التي صار عليها القللوسي في توليد أوزان كل عروضة على حدة.

[23] ـ التذييل زيادة حرف ساكن على ما آخره وتد مجموع، وفعولن غير منتهية بوتد مجموع.

[24] ـ والترفيل زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع، والحقيقة أن ضروب هذه العروض، عدا الضرب الأول من اختراع القللوسي، وهو كثيرا ما يصرح بهذا السبق، رغم خروجه عن القوانين العروضية التي وضعها الخليل. ( المخطوط، الورقة: 22).

[25] ـ وفيها يقول: " وهذه العروض، ماعدا ما نبهت عليه، أنا اخترعتها". والإشارة هنا إلى الضرب الثالث، فهو من اختراع أبي الحكم. (المخطوط، الورقة: 22، 23).

[26] ـ المخطوط، الورقة: 23.

[27] ـ هذا الضرب ـ في نظر القللوسي ـ  ليس بمحدث، فهو كثير الاستعمال في التوشيح والأزجال على قديم الزمان. ( المخطوط، الورقة: 24).

[28] ـ هذه العروض خارجة عن القياس، لأن الترفيل لا يكون إلا في الضرب. والأهم من ذلك أن كثيرا من الموشحات منظوم على هذه العروضة، ومن الناس من يردها للمنسرح: مستفعلن / فعولن . والمنسرح إنما استعمل: مستفعلن / مفعولن، ولم يستعمل : مستفعلن / فعولن، على لزوم الثاني. انظر: (زهرة الظرف، الورقة، 23، 24).

[29] ـ زهرة الظرف: المخطوط، الورقة 27.

[30] ـ نفسه، الورقة: 29.

[31] ـ نفسه، الورقة: 29.

[32] ـ نفسه، الورقة: 29.

[33] ـ نفسه ، الورقة: 29.

[34] ـ نفسه، الورقة: 29.

[35] ـ نفسه، الورقة: 29.

[36] ـ المخطوط، الورقة: 30.

[37] ـ الرسالة الأولى من عروض الدوبيت: 164.

[38] ـ زهرة الظرف: الورقة 30. ( مخطوط).

[39] ـ نفسه، الورقة: 30.

[40]  ـ  انظر: إسعاد قنديل. فنون الشعر الفارسي: 119، 167، و نور الدين صمود. تبسيط العروض: 15،  و مصطفى أحمد المكتوني. رباعيات همام، ترجمة ودراسة نقدية، بحث لنيل درجة الماجستير في اللغة الفارسية وآدابها. الاسكندرية: 1992. مرقون، ص: 69، 72، 75.

[41] ـ انظر: ابن سعيد الأندلسي. المقتطف من أزهار الطرف، ص: 225 ـ 235

[42] ـ  انظر: كامل مصطفى الشيبي. ديوان الدوبيت،

[43] ـ  محمد علي الشوابكة. معجم مصطلحات العروض والقافية: 116

[44]  ـ  نفسه: 115.

[45]  ـ  انظر: كامل مصطفى الشيبي. ذيل ديوان الدوبيت، ص: 69ـ 73

[46] ـ نفسه، ص:  68ـ 103.

[47] ـ انظر: سيرس شميسا. سير رباعي در شعر فارسي: 249 ـ 252.

 

 

[48] ـ الترغي عبد الله. ظاهرة التفريع عند أدباء المغرب خلال القرن 12 هـ، مظاهرها ومكوناتها: 233. وكان قد أشار ( ص:235 ) إلى ظاهرة التخيير التي تأصلت مع الشاعر ديك الجن، حينما صنف مقطوعة يحتمل كل بيت فيها أكثر من قافية، كما في قوله:

       قولي لطيفكِ يَنْثَنِي ** عن مضجعي عندَ المنامْ ** الرُّقادْ ** الهُجوعْ ** الهُجودْ ** الوَسَنْ.

[49] ـ صادفتنا هذه الأشكال في شعر حمدون بن الحاج السلمي. فقد أورد منها الباحث عبد الرحيم كنوان، خمسة أشكال من أصل ستة، هي: القضيب، التشجير، الدوحة، النخلة، الخاتم. وهي تندرج عنده ضمن مبحث الإيقاع الخطي البصري.  وهناك أنواع أخرى، أوردها ضمن مبحث الإيقاع البصري الخطي الهندسي، هي: العروضي، الكرسي، الأسل، المنبر، الضفيرة.  انظر: ( الإيقاع في شعر حمدون بن الحاج السلمي. الصفحات: 327، 331، 336، 339، 343، 347، 357، 359، 362 ).

[50] ـ انظر: رسائل أحمد الغزال الأدبية، الصفحات: 41 ـ 58.

[51] ـ عبد الله الترغي. ظاهرة التفريع عند أدباء المغرب: 238.

[52] ـ ابن الطيب العلمي. الأنيس المطرب: 45.

[53] ـ  نفسه : 45 ـ 46، والافراني. المسلك السهل في توشيح ابن سهل، ص 140 ـ 141.

[54] ـ ابن الطيب العلمي. الأنيس المطرب: 45 ـ 46.

[55] ـ الصفدي. توشيح التوشيع، الموشحة 25، والنواجي. عقود اللآل، الموشحة 79، ص: 223.

[56] ـ حسني عبد الجليل. موسيقى الشعر العربي، ج 2 : 63.

[57] ـ عبد الله الترغي. ظاهرة التفريع عند أدباء المغرب: 253.

[58] ـ انظر: محمد الغزال. نتائج الإحسان ومناهج الصلات الحسان. النزهة السادسة عشر، نزهة الصنيعة في المبتدعة البديعة ( ص: 83 ـ 91)، فهي تشتمل على أربعة بحور، أو نزه، تميز باختلاف الألوان:

       1ـ البسيط :          مُساعِدي سيِّدي إِلْفي ومُسْتَنَدي *** خُذْ بيَدِي في العِلاجِ الآنَ خُذْ بِيَدِي .

       2ـ المنسرح:         مُساعِدي سَيِّدي ومُسْتَنَدي ********* خُذْ بيَدِي في العِلاجِ خُذْ بِيَدِي .

       3ـ مديد:              سَيِّدي إلْفِي ومُسْتَنَدِي **************  في العِلاجِ الآنَ خُذْ بِيَدِى .

       4ـ مقتضب:         سَيِّدي ومُسْتَنَدي ********************* في العِلاجِ خُذْ بِيَدِي .

[59] ـ المقري. أزهار الرياض:1/ 146 ـ 153.

[60] ـ نفسه: 1/ 153 ـ 154.

[61] ـ نفسه: 1/ 154.

 [62] ـ نفسه: 1/ 155.

[63] ـ نفسه: 1/ 156 ـ 157.

[64] ـ نفسه: 1/ 157.

[65] ـ نفسه:1/ 158.

[66] ـ وقد سميتها كذلك، لأن الشاعر قد ضحى فيها بقافية الأقفال التي يجب أن تكون متفقة مع بقيتها. والرباعية، مجموعة من المقطوعات، كل واحدة من أربعة اشطر، يكون الروي واحدا في الأولى، ثم قد يكرر في الشطر الرابع من المقطوعات الأخري،  هكذا: أ.أ..أ.أ ـ ب. ب. ب. أ ـ ج. ج. ج. أ..و قد يأتي على روي واحد في كل مقطوعة، هكذا: أ. أ . أ .أ ـ  ب.  ب.  ب. ب. ـ ج. ج. ج. ج. ( انظر: مجدي وهبة وكامل المهندس. معجم مصطلحات العروض والقافية: 115 ـ 119).

[67] ـ ابن بشرى الأغرناطي. عدة الجليس: الموشحة 270.

[68] ـ جاء في ملعبة الكفيف الزرهوني ما يفيد أن " الملعبة " نص شعري البناء،عامي اللهجة، ملحمي المنحى، سياسي المنزع، تاريخي المضمون، يتسم بالطرافة ويتميز بالأهمية، ويتصف بالإبداع. ( مقدمة محمد بن شريفة، ص: 5).  وهي فن أطلقه ابن خلدون على هذا الصنف من القصائد التي ظهرت في الأمصار المغربية. وفيه يقول: " ثم استحدث أهل الأمصار بالمغرب فنا آخر من الشعر في أعاريض مزدوجة كالموشح، نظموا فيه بلغتهم الحضرية أيضا، وسموه عروض البلد ". المقدمة: 3/ 1357.

والظاهر أن ابن خلدون يشير هنا إلى فن آخر من الملاعب غير الفن الذي نشأ في المشرق، وتمثل أيضا في قصائد ابن أبي الخصال (ت: 540هـ)، أطلقت عليها " الملعبات"، وهي من الشعر الفصيح المسمط. (رسائل ابن ابي الخصال: 512). ومن ملاعبه نوع يقوم على " التخميس" والتلاعب بالقوافي. (رسائل ابن أبي الخصال: 39 ـ 50)، وفيه يأخذ الشاعر قصيدة لشاعر آخر، ويضيف إلى كل بيت ثلاثة أشطار على الوزن وعلى قافية صدر البيت، فتتم خمسة أشطار، ويستمر الشاعر على هذا النظام: 4 أ. 1هـ ، هكذا إلى آخر القصيدة، دون أن يغير من قافية الشطر الخامس. وقد ذكر المقري من هذا النوع مجموعة من المخمسات. انظر: أزهار الرياض: ( 1/ 179 ـ 183 )، ( 1 / 319)، ( 2/ 309 ـ 314)، ( 2/ 231 ـ 233)، ( 5 /  174 ـ 298 ).

وقد وجدنا الدكتور محمد مفتاح يعمم هذا الوصف على كل أصناف الشعر، حين يصبح التراكم الصوتي فيه اختياريا، أي مجرد نوع من اللعب اللغوي.  (تحليل الخطاب الشعري ـ استراتيجية التناص: 25).

[69] ـ الصفدي. توشيع التو شيح، ص: 20 ـ 21.

[70] ـ محمد الدناي. مخلع البسيط ليس من البسيط. مجلة كلية الآداب فاس. عدد: 10/ 1989، ص: 23.

[71] ـ هذا النوع هو الذي أشار إليه ابن سناء الملك وسماه بالموشح الشعري. (دار الطراز:  99).

[72] ـ انظر، ديوانه: 1/ 102 " نظرة منك ويوم بالجريب"، 1/ 332 " أنذرتني أم سعد أن سعدا "، 3/ 133  " لا عداك الغيث يادار الوصال "، 3/ 327 " بكر العارض تحذوه النعامى "، 4/ 168 " سل بسلع شجنا كان وكنا  "، 4/ 189 " أتراها يوم صدت أن أراها".

[73] ـ ديوانه: ج3/ 269 " هل لكما من علم ".

[74] ـ ديوانه: ج1/ 84 " يا دارُ لا أنهجَ القشيبُ"، 3/ 45 " لوحملت عتبي الليالي"، 3/ 97 " نوازع الشوق والغليل "، 3/ 157 " يا دار ما أبقت الليالي "، 3/ 174 " يذنب دهر ويستقيل "، 4/ 43 " خذ من يدي صفقة الأماني "، 4/ 112 " طاف عليه بالرقمتين".

[75] ـ والحقيقة أن ماحدث لا يخالف طبيعة التطور التاريخي، وإلا كانت الموشحات الشعرية قد طرقت باب القصيد، لشبهها بالمخمسات. وأكاد أجزم أن الأمر لم يكن يتعلق بازدواجية اللغة فقط، ولكنه شمل أيضا بنية البيت الشعري بأوزانه وقوافيه وأشكاله الهندسية الموغلة في الصنعة والتصنع. ولعل هذا ما أربك النقاد في تلك الفترة الأولى من ولادة الموشح، فأحسوا بقليل من الحرج في إدخاله إلى مدوناتهم الرسمية، رغم أنهم قد أشادوا به، وفتحوا له باب الدعاية من خلال اعترافهم بتلك النماذج التي حفلت بها مؤ لفاتهم

7 octobre 2013

الاتجاهات البلاغية في الدرس النقدي القديم

 

الاتجاهات البلاغية

في الدرس النقدي القديم

 

 

مطبوع دراسي في مادة:

نقــد قــديــم

لطلبة مسلك الإجازة

في الدراسات العربية

الفصل الثالث

 

السنوات الدراسية: 2012 ـ 2018

             

إعداد: الدكتور عبد الإله كنفاوي

 

تقديم:              

إن الحديث عن إشكالية الاتجاهات البلاغية من خلال الدرس البلاغي القديم، لا يخلو من مزالق خصوصا وأن مجموعة من الدارسين المحدثين ـ الذين استأثر باهتمامهم هذا الموضوع ـ قد اختلفوا حول البداية الأولى للطرح النظري لهذا الإشكال.

 ويعتبر الخليل بن أحمد الفراهيدي ـ في نظر سليمان البستاني ـ أول من تنبه إلى هذا الموضوع. كما جعل عز الدين إسماعيل، ومن قبلِه أحمد الشايب من تسمية البحور التي وضعها الخليل البداية الأولى لإرهاصات هذا الإشكال في النقد العربي القديم.[1]

وحتى يستوفي هذا العرض النقدي غايته، سنعمل على إعادة طرح جديد للقضية عبر مسارها النقدي العربي الذي تحكمت فيه الاتجاهات أو المذاهب النقدية التالية في تحديدها لمفهوم الشعر انطلاقا من علاقاته التناسبية بين المستوى الدلالي والمستوى النظمي، ومنه علاقة الوزن بالغرض في تحديد بلاغة شعرية نسقية، لا يمكن الاستغناء فيها باللاحق عن السابق. وهذه الاتجاهات هي :[2]

1 ـ الاتجاه الشفوي: (المرحلة الشفوية)

2 ـ الاتجاه اللغوي (الخليل).

3 ـ البديع ونقد الشعر (ابن طباطبا ـ قدامة).

4 ـ البيان أو بلاغة الإقناع.

5ـ البلاغة العامة (العسكري).

6 ـ بلاغة الإعجاز.

7 ـ الاتجاه الفلسفي ونظرية المحاكاة.

وعلى الرغم من وجاهة هذا التقسيم، باعتبار الطابع الذي يبدو غالبا على كل اتجاه، فإن هذه الاتجاهات أو المذاهب لا تخلو من تداخل فيما بينها، ليس عند مجموعة من النقاد  والبلاغيين فحسب، بل عند الناقد الواحد أحيانا، لأنه قد يجمع بين مذهبين أو أكثر. [3]

كما أن تقسيم المذاهب بحسب تقسيم البيئات، لا يخلو من شطط، لأن البيئة الواحدة قد يتعايش فيها أكثر من مذهب واحد. ولن نبالغ أيضا، إذا ذهبنا نفس المذهب بخصوص التقسيم الذي يفصل بين النقد النظري والنقد التطبيقي. ذلك أن النقاد مهما أغرقوا في التنظير وبيان الأصول والتصورات، فإنهم كثيرا ما يلجؤون إلى توضيح تصوراتهم وآرائهم بالأمثلة والشواهد المناسبة التي تُقرِّبها من الأذهان. ومن ناحية أخرى، فإن النقاد الذين يتجهون إلى تحليل النصوص وبيان قيمتها، قلّما يغفلون ذكر المبادئ والتصورات التي يقيمون عليها أحكامهم، إن تصريحا أو ضمنا.

 

1 ـ الاتجاه الشفوي:( المرحلة الشفوية)

نشأ الشعر العربي ضمن ثقافة صوتية سماعية، لم تُعن بتأصيل الأصول، ولم تكن أكثر من مآخذ يفطن إليها الشعراء في شعرهم، أو يسجلها عليهم سواهم، توجههم في ذلك سليقتهم وما طبعوا عليه. وكان مرجعهم في الاستحسان أو الاستهجان إلى الذوق وحده، دون اللجوء إلى التعليل.[4]

 ففي الأغاني، عن أبي عبيدة قال: "كان فحلان من الشعراء يقويان، النابغة وبشر بن أبي خازم. فأما النابغة فدخل يترب، فهابوه أن يقولوا له لحنت، وأكفأت، فدعوا قينة وأمروها أن تغني شعره، فلما سمع الغناء و(غير مزود)، و(الغراب الأسود)، وبان له ذلك في اللحن، فطن لموضع الخطإ فلم يعد. وأما بشر بن أبي خازم فقال له أخوه سوادة: إنك تقوي. قال: ما ذاك. قال: قولك: (وينسي مثل ما نسيت خدام)، ثم قلت بعده (إلى البلد الشآم)، ففطن فلم يعد."[5]

إن مثل هذا النقد ـ وإن كان لا يصل إلى مستوى التحليل ـ ليَنِمُّ عن ذوق فطري، منشؤه أن الأذن كانت تحظى بتدريب من نوع ما، وأن هذا الذوق كان يمكِّنُها من التمييز بين المتناسق والمضطرب. فالإقواء، اختلافٌ في حركة الروي، يؤذي السمع، ويذهب برونق الشعر، وانسجام موسيقاه. وقديما حرص الشعراء على اجتنابه، إذ لا نكاد نشهده إلا في مواطن يسيرة منه.[6]

 ولو كانوا لا يحسون حقيقة بنشوز الاقواء لكثُر وروده في شعرهم كثرة هائلة، ولَمَا وجدنا منهم من افتخر بخلو شعره من مثل هذه الهِنات التي تؤذي السمع وتذهب بموسيقى الشعر كالسناد والإقواء والإكفاء والإيطاء. ومن ذلك، قول جندل الطهوي:[7](الرجز)

"لم أقو فيهن ولم أساند"

وقول ذي الرمة: (الوافر)

وشعر قد أرِقْتُ له غريبٍ     أُجنِّبُهُ المُسانَدَ والمُحالا

وقول جرير:[8] (الوافر)

فلا إقواءٌ إذْ مرِسَ القوافي    بأفواه الرُّواةِ ولا سنادا

 ولم يكن الشاعر العربي في الجاهلية وصدر الإسلام ـ في حاجة لمعرفة علم العروض والقافية، ومع ذلك، فقد كان شديد الحرص على نسق القصيدة العربية، وعلى طبيعة أوزالنها وأسسها الموسيقية، يعينه في ذلك  الغناء بالشعر. فالغناء كان مقود الشعر ، وكانت العربية ـ منذ الجاهلية ـ تزن به أشعارها، وظل كذلك حتى عهود متأخرة. يقول حسان بن ثابت:[9](البسيط)

تغنَّ في كلِّ شِعْرٍ أنتَ قائلُهُ     إنَّ الغناءَ لهذا الشعرِ مضْمارُ

ولعلَّ النابغة ما كان لينتبه إلى ما في شعره من ضَعِفٍ لولا المُغنِّية غنَّتِهُ:

أمن آلِ ميَّةَ رائحٌ أو مُغتدٍ   عجلانَ ذا زادٍ وغيْرَ مزَوَّدِ

ومدّتِ الوَصْلَ، وأشْبَعَتْهُ ثمّ قالت:

" وبذاكَ خبَّرنا الغُرابُ الأسودُ "

ومَطَلتْ واوَ الوَصْلِ، فلماّ أحسَّهُ عَرَفَهْ، واعتذر منه وغيَّرَهُ ـ فيما يُقال ـ إلى قوله:

" وبذاك تنعابُ الغرابُ الأسودِ "

وقال: دخلت يترب وفي شعري صَنعةٌ، فخرجت منها وأنا أشعرُ العربِ.[10]

ففيما عدا هذه الملاحظات التي مست الجانب الموسيقي، فإننا لا نكاد نظفرُ بما يمت لموضوعنا بصلة، وذلك لسيطرة الشفوية العربية وما صاحبها من غياب نقد موضوعي له قواعدَ وأصول، يُمَكِّنُ من الفحصِ والتأمل.

 

2 ـ الاتجاه اللغوي(العروض)

إن الظروف التي دعت إلى نشأة الدراسات اللغوية عند العرب، كانت العامل الأساس في تحديد مسار هذه الدراسات، خصوصا بعد أن شاع اللحن، وبات يُخشى معه ومنه على اللسان العربي، إذ انعدم الضابط والمقياس بذهاب العرب الخُلّص.[11]

وقد كان العروض من الاهتمامات التي عُنِيَ بها هذا الاتجاه على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت:170هـ). فالخليل، كان مشغولا ـ كعلماء عصره ـ بحماية اللغة والشعر العربيين من اللحن، وذلك عن طريق وضع القوانين والقواعد العامة. فراح يستنبط المكونات الإيقاعية الأساسية في الشعر العربي (الجاهلي والإسلامي والأموي)، وقننها في أطر عامة هي البحور، وميز بينها ، بأن وضع لكل بحر إسما يميزه عن غيره، نظرا لما يمتاز به كل منها من خصوصية إيقاعية.

ولم يأت تحديده لها، وتمييزه بعضها عن البعض، نتيجة عمل اعتباطي، بل لأن العرب تميز بينها أولا، فلا يخلط الشاعر في قصيدة بين إيقاع وآخر. وقد وصف ذلك التميّز عن طريق الدوائر العروضية التي جعلها في مقابلة الشعر العربي.[12] كما لا حظ اختلافا  بين الوحدات والأنساق المنتمية إلى صنف واحد، فعبر عن هذا الاختلاف  والتعدد، بمبدإ التحول الذي هو الزحاف والعلة.

وقد قاده وصف أعاريض الأنساق الخمسة عشر وضروبها إلى وجود صور متعددة لها: " فالأعاريض أربع وثلاثون، والضروب ثلاثة وستون، يلزمها الشاعر في القصيدة كلها، حيث يتخذ أحدها صورة من الصور الممكنة في الشعر. فتمّ له ـ بذلك ـ وصف عدد كبير من الأنساق الإيقاعية في الشعر العربي حتى حين وضعه لعلم العروض.

ويعتبر هذا العمل الذي قام به الخليل، مظهرا من مظاهر البحث عن مكونات الشعر، حيث نجد لأول مرة نوعا من النقد يراد به العلم، وتراد به خدمة الفن الشعري وخدمة تاريخ الأدب، كما يقول أستاذنا الدكتور محمد العمري.[13]

ولما كان الخليل بن أحمد الفراهيدي قد اقتصر على الشعر الجاهلي والإسلامي والأموي، فقد كان لا بد أن تختلف المواقف فتضاف إلى النظام أسس، وتختفي منه أخرى، بناء على الشعر الموصوف الذي اقتضى تطور التاريخ أن يختلف من مرحلة إلى أخرى. فعندما جاء الأخفش، أضاف إلى النظام بحرا سماه ب"المتدارك"، وأنكر وجود بحرين هما: المضارع والمقتضب.[14] بينما اقتصر صاحب "عروض الورقة" على إثني عشر بحرا فحسب.[15] واللائحة طويلة، يمكن اختصارها في أن هذه الاستدراكات، وإن مست جوانب عروضية محددة، مثل الدوائر أو البحور أو الزحافات والعلل أو الأعاريض والضروب، فإنها في مجملها العام لا تخرج عن إطار عروض الخليل. غير أن ما يميز هذه الدراسات هو طابعها المعياري.[16]

فلقد تحول العروض، على يد هؤلاء، إلى علم معياري، يشعر معه المرء، وهو يقرأ كتب العروض، بأن الجوانب العروضية التي كانت ظواهر صوتية في الشعر، قد أصبحت مظاهر معيارية. فالعروضيون فيها يفرضون الواجب منها، ويجيزون الجائز، لا مظاهر توصف من أجل إدراك أفضل لإيقاع الشعر العربي. يوضح هذه القضية نص للأخفش يقول فيه: "وإن قيل: وهل أحطتم بالأبنية كلها؟ ألست لا تدري لعل أبنية كثيرة لم تسمع بها؟ قلت: بلى، غير أني لا أجيز إلا ما سمعت، كما لو أنه لو قلت مررت بأبوك غيرته، وإن كنت لا تدري لعل هذه لغة للعرب. وكذلك بعض البناء الذي لم تسمع به. فإن قال قائل: أليس أول من بنى الشعر إنما بنى بناء أو بنائين، ولم يأت على الأبنية كلها، ثم زاد الذي بعده، فلم يزل يجوز لهم أن يزيدوا. فكيف لا تجوز الزيادة؟ قلت: أما من بنى من العرب الذين سجيتهم العربية بناء، فهو جائز، وإن لم يكن قد سمعه من قبل. فإذا كان ذلك البناء ممن ليست سجيته العربية لم آخذ عنه كما لا آخذ عنه اللغة".[17]

وما يهمنا من هذا النص، على طوله، هذه المعيارية التي تحول إليها العروض على يد الأخفش وغيره من العروضيين أو اللغويين بصفة عامة. وكأن هؤلاء ـ على حد تعبير أدونيس ـ قد قرؤوا ما فعله الخليل قراءة قومية ـ اديولوجية، فرفعوا عمل الخليل الوصفي إلى مرتبة القاعدة المعيارية، وذلك بتأثير الصراع السياسي ـ الثقافي ـ القومي بين العرب وغيرهم ..بدلا من أن يظل حرا يتحرك مرتبطا بالفاعلية الإبداعية. الشيء الذي كان له تأثير سلبي، على ضياع جملة من جملة من الأشعار العربية التي لم تتطابق مع المعايير التي وضعوها على ما سمعوا، فعدت بذلك خارج اللغة والشعر.[18]

إن هذه المعيارية التي لم تكن مقصورة على علم العروض وحده، كانت نتيجة للتحول العام الذي استهدف حماية اللغة من اللحن الذي شاع على ألسنة الموالي وأصابت عدواه بعض العرب الخلص، خصوصا وأن هذه الذهنية الجديدة لا يمكنها أن تتكلم اللغة إلا تعلما، فكان لابد من وضع قوانين وقواعد، يلزم الشعراء بإدراكها والعمل بها.[19]

وقد ظل العروضيون يتدارسون قواعد الخليل، ولا هم لهم إلا تحصيل تلك القواعد يرددون مصطلحاتها، وينشدون شواهدها، لذلك لم نظفر ـ عند هؤلاء ـ بأية إشارة تمس علاقة البحر بالغرض، اللهم تلك الأسامي التي أطلقها الخليل على بحور الشعر العربي، وأثارت بعض الإشكالات والتأويلات عند مجموعة من الدارسين المحدثين، سبقت الإشارة إليهم.

وحتى لا يبقى هناك مجال للشك، فإننا نعيد طرح التساؤلات التالية: إلى أي حد  تنطبق البحور مع مسمياتها؟ بل على أي اساس ارتكز الخليل في نعتها بتلك الأسامي؟ هل كان للتوجه الموسيقي الذي أُثِر عنه ـ أيضا ـ توجه في ذلك؟ وما دور الغناء في تحديد هذه الأسامي؟ أم هل كان الاعتماد على الأغراض الشعرية في نعث البحور بأسمائها؟

هذه ـ إذن ـ مجموعة من التساؤلات، وإن لم نوفق في الإحاطة بجوانبها، فإنها ـ مع ذلك ـ جديرة بتسليط الضوء على هذا الإشكال، خصوصا عند أصحاب هذا الاتجاه.

وتمهيدا لمناقشة هذه القضية، نورد لابن رشيق النص التالي: "ذكر أبو القاسم عبد الرحمان بن إسحاق...أن ابن دريد أخبره عن أبي حاتم عن الأخفش، قال: سألت الخليل بعد أن عمل كتاب العروض: لم سميت الطويل طويلا ؟ قال: لأنه طال بتمام أجزائه. قلت: فالبسيط ؟ قال: لأنه انبسط على مدى الطويل، وجاء وسطه فعلن، وآخره فعلن. قلت: فالمديد؟ قال: لتمدد سباعيه حول خماسيه. قلت: فالوافر؟ قال: لوفور الأجزاء وتدا بوتد. قلت: فالكامل؟ قال: لأن فيه ثلاثين حركة، لم تجتمع في غيره من الشعر. قلت: فالهزج؟ قال: لأنه يضطرب، شبه بهزج الصوت. قلت: فالرجز؟ قال: لاضطرابه كاضطراب قوائم الناقة عند القيام. قلت: فالرمل؟ قال: لأنه يشبه رمل الحصير يضم بعضه إلى بعض. قلت: فالسريع؟ قال: لأنه يسرع على اللسان. قلت: فالمنسرح؟ قال: لانسراحه وسهولته. قلت: فالخفيف؟ قال: لأنه أخف السباعيات. قلت: فالمضارع؟ قال: لأنه ضارع المقتضب. قلت: فالمجتث؟ قال: لأنه اجتث، أي قطع من طويل دائرته. قلت: فالمتقارب؟ قال: لتقارب أجزائه، لأنها خماسية كلها، يشبه بعضها بعضا ".[20]

إن الاستعانة بالمعجم في شرح دلالات البحور كما يطرحها هذا النص، تمكننا من وضع الجدول التالي الذي يمكن على أساسه فحص التساؤلات السابقة:[21]

البحر

اللغة

الموسيقى

الغناء

الاغراض

الطويل

+

+

؟

_

البسيط

+

+

؟

_

المديد

+

+

؟

_

الوافر

+

+

؟

_

الكامل

+

+

؟

_

الهزج

+

+

+

_

الرجز

+

+

+

_

الرمل

+

+

؟

_

السريع

+

+

؟

_

المنسرح

+

+

؟

_

الخفيف

+

+

؟

_

المضارع

+

+

؟

_

المقتضب

+

+

؟

_

المجتث

+

+

؟

_

المتقارب

+

+

؟

_

المتدارك

+

+

؟

_

 

يتضح من خلال هذا الجرد الدلالي للبحور الشعرية، أن هم الخليل كغيره من علماء اللغة والعروض، كان البحث في الأشكال اللغوية لا في المعاني التي تؤديها، أو علاقتها بتلك المعاني، كما يظهر من الخانة الأولى، لذلك لم نظفر عنده ، ولا عند أصحابه إلى ما يمت بصلة لموضوعنا، وذلك ما تعبر عنه الخانة الرابعة من الجدول.

وقد يسمح لنا هذا الجدول، أن نقول ـ أيضاـ مع شكري عياد، إن تسمية بحور الشعر العربي بتلك الأسماء المختلفة، لا يخرج عن الوصف الظاهري للأصوات التي يتألف منها كل بحر.[22] فمن المعقول جدا، أن يكون الخليل قد اعتمد في تسمية بحور الشعر العربي على خصائصها الموسيقية، وقد عرف عنه أنه كان بارعا في علم الموسيقى.  ثم إن العلاقة بين العروض والموسيقى كانت وطيدة. فالجاحظ يرى "أن جنس الشعر من جنس وزن الغناء، وكتاب العروض من كتاب الموسيقى، وهو كتاب في النفوس تحده الألسنة بحد مقنع، وقد يعرف بالهاجس، كما يعرف بالإحصاء والوزن".[23] وعن ابن فارس قال: "إن أهل العروض مجمعون على أنه لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الإيقاع، إلا أن صناعة الإيقاع تقسم الزمان بالنغم، وصناعة العروض تقسم الزمان بالحروف".[24] بل إن الفرابي، وهو فيلسوف وموسيقي كبير، يقرر أن الصناعة الشعرية هي رئيسة الهيئة الموسيقية، وأن غاية هذه تطلب لغاية تلك".[25]

ويبدو انطلاقا من هذه الشهادات كذلك، أن الخليل اعتمد في تسميته للبحور على خصائصها الغنائية كما أنشدها الشاعر العربي. وقد اعتبر أدونيس هذا العمل الذي قام به الخليل، توكيدا للجمالية الشفوية الجاهلية، وانحيازا للبداوة الصافية ضد المدنية الهجينة، وترسيخا لصورة معينة من الشعر هي الصورة الغنائية الإنشادية.[26]

فالأمرـ فيما يبدوـ كان يتعلق بالتقعيد للشفوية الشعرية الجاهلية والإسلامية، في أجلى مظهر من مظاهرها ـ أنذاك ـ وهو الوزن، إن لم نقل إن الأمر كان يتعلق بقراءة عروضية لأنماط إيقاعية، حاول هذا الاتجاه حفظها من الضياع، وتمييزها عن غيرها من الأوزان والإيقاعات الشعرية العربية نفسها والسريانية والفارسية والهندية.

فالأخذ بمثل هذا الرأي وارد ومحتمل، وله ما يدعمه من قراءات نقدية، تُقرُّ بكون العمل الذي قدمه الخليل كان عملا وصفيا استقرائيا لموسيقى الشعر العربي، في إطار غاليته التوكيد على أن للعرب هم أيضا موسيقاهم الخاصة التي تحمل صفات عربية خالصة فيما يتعلق بالإنشاد والغناء على الأخص.[27]

وإذا كانت هذه الدلالات تخفي العلائق التي لا بد أنها قامت قبل الإسلام وبعده، بين الشعر والغناء، في قيام الأشكال الأولية أو النهائية لبعض الأوزان التي اكتشفها علماء العرب، باستثناء الهزج والرجز، فإن الشهادات التالية تؤكد هذه العلائق.

فإلى جانب شهادة الجاحظ، التي  يقول فيها إن جنس الشعر من جنس الغناء، نشير إلى أن ارتباط الشعر بالغناء يعود إلى عهد بعيد لا يمكن أن يقع في حدود المائتي سنة السابقة للإسلام، وهي الفترة التي يقع فيها شعر شعراء الجاهلية المعروفين لنا جميعا.[28] ناهيك عما أثر عن بعض الشعراء أنفسهم مثل قول حسان:[29]

تغنَّ في كلِّ شعرٍ أنتَ قائلُهُ      إنَّ الغناءَ لهذا الشعرِ مِضمارُ

ومن النصوص الأخرى التي تؤكد هذه العلاقة، قول إخوان الصفا: "إن العروض هو ميزان الشعر، يعرف به المستوي والمنزحف. وهي ثمانية مقاطع في الأشعار العربية. وهي: فعولن، مفاعيلن، متفاعلن، مستفعلن، فاع لاتن، فاعلن، مفعولات، مفاعلتن. وهذه الثمانية مركبة من ثلاثة أصول، وهي: السبب والوتد والفاصلة.. وأصل هذه الثلاثة، حرف ساكن وحرف متحرك، فهذه قوانين العروض وأصوله. أما قوانين الغناء والألحان، فهي أيضا ثلاثة أصول، هي: السبب والوتد والفاصلة.. فهذه الثلاثة هي الأصل والقانون في جميع ما يتركب من النغمات.. والذي تركب من هذه في غناء العربية ثمانية أنواع، وهي: الثقيل الأول وخفيفه، والثقيل الثاني وخفيفه، والرمل وخفيفه، والهزج وخفيفه. وهذه الثمانية الأجناس هي الأصل ومنها يتفرع سائر ما في دوائر العروض".[30]

فالنص ـ رغم طوله ـ له أهمية كبيرة، حيث يوضح أن الأصول التي تتشكل على أساسها تفاعيل الأشعار العربية هي ذاتها التي تشكل جميع ما تركب من النغمات والألحان. فإذا كانت الألحان كثيرة، كما يستفاد من هذا النص، أو يُبيِّن صاحب الأغاني الذي جمع منها مائة صوت، فإن صور البحور كثيرة هي الأخرى، وتزيد عن ثلاثة وستين وزنا إذا أضيفت إليها بعض المستدركات، وهي أوزان كانت تتماشى وطبيعة الألحان العربية التي كانت سائدة آنذاك.

هكذا ـ إذن ـ تظل العلاقة بين الوزن والتسمية في إطار التوجه اللغوي، وبين الوزن والموسيقى، ثم الغناء، ممكنة ومحتملة وممهدة لطرح قضية تناسب الوزن والغرض، غير أن المشكلة التي تبقى بعد ذلك، أي هذه المعارف كان الأساس وأيها طغى على الآخر؟ بينما تظل مستحيلة بالنسبة لعلاقة البحر وأوزانه بالغرض الشعري، لأسباب قد تعود إلى تحنيط الشفوية الجاهلية في شكل قوالب جاهزة طوال فترة غير وجيزة من تاريخ النقد الأدبي والشعري منه بصفة خاصة، حيث ساد تبعا لذلك النظر النقدي إلى النص الشعري المكتوب، كما لو أنه نص شفوي، ظلت معها الأوزان حبيسة النظرة التجزيئية ـ المعيارية، بدل أن ينتقل فيها العلم بالأوزان، إلى العلم بالشعر في إطار نظرية شعرية، تسعى إلى توسيع حدود الوظيفة التي اقتصر عليها العروض، حتى تتجه إلى إدراك العلاقة بين الوزن والغرض.

 

3 ـ البديع ونقد الشعر:

يمكن التمييز داخل هذا الاتجاه بين بعدين:

أ ـ بعد تطبيقي، اهتم باستخراج الصور البديعية ورصدها، ويعتبر "بديع" ابن المعتز أنضج صورة لهذا البعد التطبيقي، فقد اهتم فيه صاحبه برصد المحسنات اللفظية التي تزيد الشعر حسنا، ورد ما رآه معيبا ظاهر التكلف. وقد انتقل النقد البلاغي بعده، على يد مجموعة من البلاغيين في المشرق والمغرب إلى إنتاج المفاهيم البلاغية، باقتراح الأسماء لها مهما تعددت، ومهما تداخلت دون اهتمام بالأصل والفرع. وفي مقابل ذلك، كانت هناك محاولات نظرية تسعى إلى تصنيف البلاغة ضمن علوم اللغة، كما هو الحال عند السكاكي، كانت هي الأخرى وراء ضياع خصوصيات الفاعلية الصوتية وفصلها عن بعدها الدلالي فصلا تعسفيا. وقد كان طبيعيا ـ نتيجة لذلك ـ أن يصطبغ الشعر بصبغة البديع، وأن يغالي الشعراء في استعماله إلى حدٍّ أحاله إلى معرض كبير للحلى والزخارف اللفظية، فارغ المحتوى.[31] وهذا البعد لا يسعف في البحث عن إشكالية الوزن وعلاقته بالغرض الشعري، لذا سنتخلى عنه إلى البعد الثاني.

ب ـ البعد النظري: اهتم هذا البعد بتصنيف الصور المستخرجة وإدماجها في علاقات تفاعلية، تهدف إلى البحث عن منظومة نظرية، تعيد إنتاج النص على أساسها. واهتمامنا بهذا البعد النظري، ضمن هذا الاتجاه، والتركيز من خلاله على ابن طباطبا (ت 322هـ)، وقدامة (ت327هـ)، والمرزوقي (ت421هـ)، راجع إلى ما أثارته نصوص لهؤلاء من تأويلات لدى بعض الدارسين، وتساؤلات لدى آخرين بخصوص قضية الأوزان والأغراض الشعرية.      

3 ـ 1ـ ابن طباطبا العلوي (ت322هـ):

 كان الشعر في عصر ابن طباطبا يعاني "محنة" تتمثل في ضيق المجال أمام المحدثين، خاصة بعد أن سبقهم المتقدمون إلى كل معنى بديع ولفظ فصيح وخلابة ساحرة. فوضَعَ كتابه "عيار الشعر" محاولة منه أن يواجه محنة الشاعر المحدث، ويساعد المتذوق على إدراك الأصول النظرية لمفهوم الشعر.[32]

وقد استلزم منه حل الأزمة، إعادة النظر في صَنعة الشعر ذاتها، وتأصيلها تأصيلا نظريا، يساعد الشاعر على تجاوز محنته، والتوجه إليه توجها تعليميا يتجاوز الإطار الشعري أو المجال الثقافي للشاعر، كما يتجاوز ـ أيضا ـ التصور الشائع بأن الإبداع وحي أو إلهام وحسب، وأن ليس ثمة حاجة إلى قراءات متعددة وتمرس بالفكر ومجاهدة للنفس على التحصيل الثري، إلى اعتبار الشعر صنعة من الصناعات قد ينطوي اتقانها على نوع من الاستعدادات الخاصة أو القوى النفسية. ولكن هذا الاتقان لا يمكن أن يكون دون حذق بالقواعد والأصول، ودون تمرس على استخدام الأدوات.[33]

هذه الخاصيات التعليمية التي تكاد تهيمين على مؤلفه، كان من الممكن أن تكون وراء طرح قضية الوزن وعلاقته بالغرض الشعري، وهو ما توهمه يوسف حسين بكار حين عرض للفقرة التالية:[34] "فإذا أراد الشاعر بناء قصيدة، مخض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثرا، وأعد له ما يلبسه إياه من الألفاظ التي تطابقه، والقوافي التي توافقه، والوزن الذي يسلس له القول عليه".

وقبل أن نصدر حكمنا بشأن هذه الفقرة، التي تبدو أنها ليست سوى خطاطة تعليمية، يتوجه بها ابن طباطبا إلى الشاعر المحدث، أو المبتدئ في صناعة الشعر، نضيف بقية كلام ابن طباطبا لأهميته، حتى يكون حكمنا مؤسسا على أرضية صلبة تقوم على التحليل وإعمال الفكر. يقول مستأنفا كلامه: "فإذا اتفق له بيت يشاكل المعنى الذي يرومه، أثبته وأعمل فكره في شغل القوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تنسيق للشعر، وترتيب لفنون القول فيه، بل يعلق كل بيت يتفق له نظمه، على تفاوت ما بينه وبين ما قبله. فإذا كملت له المعاني، وكثرت الأبيات وفّق بينها بأبيات تكون نظاما لها وسلكا جامعا لما تشتت منها، ثم يتأمل ما قد أداه إليه طبعه ونتجته فكرته، يستقصي انتقاده، ويرم ما وهى منه، ويبدل بكل لفظة مستكرهة لفظة سهلة نقية، وإن اتفقت له قافية قد شغلها في معنى من المعاني، واتفق له معنى آخر مضاد للمعنى الأول، وكانت تلك القافية أوقع في المعنى الثاني منها في المعنى الأول، نقلها إلى المعنى المختار الذي هو أحسن، وأبْطلَ ذلك البيت، أو نقض بعضه، وطلب لمعناه قافية تشاكله".[35]

فالنص يتضمن منذ بدايته تفرقة بين التخطيط والتنفيد أثناء العملية الإبداعية، التي لا بد فيها من مراحل أربعة:

ـ المرحلة الأولى: مرحلة التفكير والإعداد، وهي التي دعا فيها ابن طباطبا إلى ضرورة نثر المعنى وإعداد ما يلائمه من القوافي والألفاظ، وما يطابقه من الأوزان، دون أن يشير إلى الغرض الشعري.

ـ المرحلة الثانية: مرحلة الشروع في النظم، وتقوم طريقة ابن طباطبا في هذه المرحلة على إثبات  كل بيت يخطر على البال، دون ترتيب أو تنسيق.

ـ المرحلة الثالثة: مرحلة التأليف والتنسيق، وفي هذه المرحلة يدعو ابن طباطبا إلى لَمِّ شتات الأبيات والتأليف بينها تأليفا يساعد على تسلسل معانيها وارتباط بعضها ببعض.

ـ المرحلة الرابعة: مرحلة التنقيح، وهذه المرحلة ضرورية بعد الانتهاء من المراحل السابقة. إنها مرحلة واعية للقصيدة، لا يحيل فيها ابن طباطبا على الطبع، بل يدعو أثناءها إلى الاستعانة بالفكر لاجتناب كل ما يمكن أن يقع فيه الشاعر من عيوب، سواء على مستوى اختيار الألفاظ، أم على مستوى تركيبها تركيبا ينظر إلى الأبيات والقوافي، أو غير ذلك من الأمور المتعلقة بأركان القصيدة وهيكلها.

ويلاحظ من خلال هذه المراحل الأربعة، أن الأمر يتعلق بفهم آلي لعملية الابداع وتصورها باعتبارها عملية تقوم على مراحل متعاقبة، لم يُحِل ابن طباطبا في أي مرحلة من مراحلها إلى ما يمت بصلة لإشكالية الوزن والغرض. فقد كان مشغولا بالحديث عن المعاني الشعرية  وما يلاءمها من الأوزان ضمن علاقة أفقية تضمن للبيت إلى جانب استقلاله، سلاسته، وإيقاعه. وهو ما عبّرَ عنه بقوله: "فللشعر الموزون ايقاع يطرب الفهم لصوابه، ويرد عليه من حسن تركيبه واعتدال أجزائه، فإذا اجتمع للفهم مع صحة وزن الشعر صحة المعنى وعذوبة اللفظ، فصفا مسموعه ومعقوله من الكدر، تمّ قبوله له، واشتماله عليه، وإن نقص جزء من أجزائه التي يعمل بها وهي: اعتدال الوزن، وصواب المعنى، وحسن اللفظ، كان إنكار الفهم إياه على قدر نقصان أجزائه".[36]

وفيما عدا اهتمامه بهذه العلاقة بين الوزن والمعنى، كغيره من النقاد الذين يتفقون على ضرورة توفير أقصى حد ممكن من شروط السلامة للجملة داخل البيت، فإن حديثه عن الأوزان الشعرية، لا يتجاوز حدود الطبع إلى التعلم عند من اضطرب عليه الذوق.[37]

 وبخصوص الأغراض الشعرية، فقد اقتصر حديثه فيها على المعاني وما يليق منها في غرض غرض، دون أن يشير إلى ما يلائمها من الأوزان.[38] ولذلك لا يحق تأوُّلُ كلامه، لأنه لا يرقى إلى مستوى النظرية، بل لا يرقى إلى مستوى الإشارة أو التلميح.

3 ـ 2ـ قدامة بن جعفر(ت 327هـ):

عُنِيَ قدامة بن جعفر في كتابه "نقد الشعر" بتأصيل علم يُميِّزُ جَيِّدَ الشعر من رديئه على مستوى الفهم والتذوق والحكم، وبالتالي على مستوى تأصيل مفهوم يُنفي النظم الزائف ليؤكد الشعر الحق. وفي ذلك يقول: "فإن الناس  يخبطون في ذلك منذ أن تفقهوا في العلوم، فقليلا ما يصيبون. ولما وجدت الأمر على ذلك، وتبينت أن الكلام في هذا الأمر أخص بالشعر من سائر الأسباب الأخر، وأن الناس قد قصروا في وضع كتاب فيه، رأيت أن أتكلم في ذلك بما يبلغه الوسع".[39]

وقد كان مُنطلقه في ذلك، إيمانه القوي بأن الشعر صناعة كسائر الصناعات الأخرى، له طرفان "أحدهما غاية الجودة، والآخر غاية الرداءة، وما بينهما تسمى الوسائط".[40] وحتى يستطيع أن يضع الشعر في موضعه من الجودة والرداءة، تحدث عن أسباب الجودة وأحوالها، وتناول بالحديث أيضا أسباب الرداءة وأحوالها. وقد تمَّ له استقصاء الصفات المحمودة للجودة المطلقة، والصفات المذمومة للرداءة المطلقة، عن طريق العناصر التي ينطوي عليها تعريفه للشعر، في انفرادها وائتلافها. وهي بحسب وضعها من الكتاب ثمانية: 1ـ الفظ، 2ـ الوزن، 3ـ القافية، 4ـ المعنى، 5ـ ائتلاف اللفظ والمعنى، 6ـ ائتلاف اللفظ والوزن، 7ـ ائتلاف المعنى والوزن، 8ـ ائتلاف المعنى والقافية.[41]

إن هذه الأنواع الثمانية التي يحصر قدامة في داخلها الصفات التي يمكن أن تعثور الشعر في حالتي الجودة والرداءة، نتاج لعملية حصر منطقي للخصائص الشعرية، يراد بها تحديد عنصر القيمة في الشعر تحديدا صارما، يقضي على فوضى الأحكام النقدية التي غالبا ما كانت تلتفت في نقد الشعر إلى علم عروضه ووزنه، أو قوافيه ومقاطعه، أو إلى غريبه ولغته، أو إلى علم معانيه والمقصود به.[42]

وإهمال قدامة لهذه الأقسام الأربعة، يعود بالأساس إلى اشتراك القسم الثالث والرابع في أصل الكلام شعرا أو نثرا. أما القسم الأول والثاني، وإن خصا بالشعر وحده، فإن الضرورة ليست داعية إليهما لسهولة وجودهما في طباع أكثر الناس من غير تعلم.[43]

ويعتبر هذا القسم الذي كرس له مؤلفه، أهم هذه الأقسام وأقربها إلى جوهر العلم بالشعر، "لارتباطه بطبيعة مادته الخاصة، وهي القول الموزون المقفى الدال على معنى، والخروج من علاقة هذه المادة بمجموعة من القوانين  تؤسس للعلم الذي يميز الجيد من الرديء".[44]

إن مثل هذا العمل المنطقي من ناقد كقدامة، يغري ببحث إشكالية الوزن وعلاقته بالغرض الشعري، خصوصا إذا كان هناك من الدارسين من يؤكد على تأثر قدامة بالثقافة اليونانية وبأرسطو خاصة.[45]

فإذا كان شكري عياد يقول: "إن قدامة بن جعفر مع تأثره الشديد بكتاب الشعر لأرسطو والثقافة اليونانية بوجه عام، لا يزيد حديثه عن ائتلاف المعنى والوزن، وائتلاف المعنى والقافية، على تقرير أن الشعر الجيد يجب ألا يحتاج في إقامة وزنه أو الاهتداء إلى قافيته إلى استجلاب معنى خارج عن غرض الشاعر".[46] فإن حسين بكار قد تأوّل كلام شكري الصريح العبارة، مستغربا هو الآخر عن سبب غياب هذا الإشكال عن قدامة. حيث يقول: "وإنني لأستغرب مع شكري أيضا، كيف أغفلها قدامة وهو من الذين لم تشغلهم قضية اللفظ والمعنى، مثلما شغلت أكثر القدماء".[47]

فإذا كان هناك ما يدعو إلى الاستغراب ـ من بكار ـ فلا بأس من القول بأن قدامة لم يطلع على كتاب الشعر لأرسطو، أو ربما اطلع على الأصل اليوناني أو على ترجمة سوريالية، فلم يتيسر له فهمه. فأرسطو ينحي باللائمة في كتابه هذا على من يسمون الكلام المنظوم شعرا. وعنده أن الوزن والمعنى وحدهما لا يكفيان في تكوين الشعر. بل يمكن المُضي في قراءة "نقد الشعر" دون أن نلمح أثرا ما لنظرية المحاكاة المشهورة والتي هي جوهر كتاب الشعر.[48]

وإذا كانت هذه الحجج لا تترك مجالا للاستغراب بخصوص أسباب غياب طرح علاقة الوزن بالغرض عند قدامة، فإننا لا ننفي أثر الثقافة اليونانية على كتاب نقد الشعر، سواء فيما تعلق منها بالقواعد المنطقية التي كانت وراء تناسب العناصر الأساسية المكونة للشعر، أو في احتكامه إليها أثناء حديثه عن معاني الشعر(الصفات الجوهرية).[49]

فبخصوص هذه الأخيرة، لجأ قدامة للحديث عنها من طريق قسمة الأغراض الشعرية التي كانت معروفة أنداك. وهي: المدح، والهجاء، والرثاء، والنسيب، والوصف، والتشبيه. وهي قسمة ساعدته على اختزال المعاني الشعرية التي تفوق الحصر.

ولما كانت معاني الشعر هي مادته، فقد أدرك قدامة أنَّ عليه أنْ يولي المعنى في الشعر قدرا كبيرا من الأهمية، لا باعتباره مادة مفارقة للصورة، ولكن باعتباره محمولُ الصورة التي لا يفارقها قط. غير أنه لم ينتبه إلى أن هناك فرقا كبيرا بين الأغراض الشعرية من حيث المواقف والبواعث النفسية، وما يترتب عن ذلك من تخير للمعاني ومن طرق للصياغة. فليس "الرثاء" ـ مثلا ـ مجرد "مدح" بصيغة الماضي كما يتصور قدامة، بل للرثاء نفسه بواعث مختلفة تتفاوت حرارة وفتورا واختلاقا  وملقا وصدقا وكذبا.[50]

ولم يلتفت أيضا إلى الشاعر أو المتلقي، "فليس يدخل في نقد قدامة أي حديث عن الحالات النفسية بالمعنى الدقيق، ولا عن الطبع وما أشبه ذلك من الأمور التي تعرض لها ابن قتيبة، وليس يهتم كثيرا بالسامعين وحالتهم النفسية عند تلقي الشعر"،[51] وإنما قصر حديثه كله على الشعر نفسه (تمييز الجيد من الرديء)، فكان من الطبيعي أيضا أن لا يتعرض لعلاقة الوزن بالغرض الشعري.

3 ـ 3ـ المرزوقي (ت427هـ):

تعتبر"مقدمة المرزوقي" على شرحه لحماسة أبي تمام حبيب بن أوس الطائي، خلاصة للآراء النقدية في القرنيين الثالث والرابع الهجريين، إن لم نقل إنها الصورة التي اتفق عليها النقاد، واختارها شعراء العربية. "فمن لزمها بحقها وبنى شعره عليها، فهو عندهم المُفلق المعظم، والمحسن المقدم. ومن لم يجمعها كلها، فبقدر سهمته منها يكون نصيبه من التقدم والإحسان، وهذا إجماع مأخوذ به ومُتّبعٌ حتى الآن".[52]

وقد حدد المرزوقي الغرض من مقدمته في قوله: "فالواجب أن يتبين ما هو عمود الشعر المعروف عند العرب، ليتميز تليد الصنعة من الطريف، وقديم نظام القريض من الحديث، ولتُعرفَ مواطئُ أقدامِ المختارينَ فيما اختاروهُ، ومراسِمُ المزيِّفين فيما زيَّفوهُ، ويُعْلَمَ أيضا فرق ما بين المصنوع والمطبوع، وفضيلةُ الأَتِيِّ السَّمْحِ على الأَبِيِّ الصَّعبِ".[53]

وتقوم نظرية "عمود الشعر" ـ عنده ـ على الأسس التالية:

1 ـ شرف المعنى وصحته.

2 ـ جزالة اللفظ واستقامته.

3 ـ الإصابة في الوصف.

 4 ـ المقاربة في التشبيه.

5 ـ التحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الاوزن.

6 ـ مناسبة المستعار منه للمستعار له.

7 ـ مشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية حتى لا منافرة بينهما.[54]

وذهب عز الدين إسماعيل بخصوص نظرية المرزوقي إلى القول: "بأن أرسطو تكلم في مسألة وقف عندها العرب، وتشابهت وجهة نظرهم فيها معه، وهي مسألة اختيار الأوزان الشعرية. وهذا التشابه  يكمن في أن أرسطو ربط بين الأوزان والأنواع الأدبية، والنقاد العرب كانوا يسمون ذلك في عمود الشعر تخير لذيذ الوزن".[55]

وفي مكان لاحق من كتابه، أسقط نتائج بعض المفاهيم الغربية الحديثة على أسس نظرية الشعر عند المرزوقي، وذلك في إطار مقارنتها  بأسس الشعر عند الناقد "استوفر"، مما أوحى له بالقول: "إن عبارة "تخير الوزن" ـ هذه ـ هي صدى الفكرة القائلة أن أغراض الشعر لا تناسبها كل البحور، وإنما تتناسب بعض البحور وبعض الأغراض. فالوزن اللذيذ المتخيَّرُ ـ إذن ـ هو ما ناسب الغرض، كأنهم يفترضون حتما أن تكون هناك علاقة بين الوزن والموضوع".[56]

والصواب أن المرزوقي لم يقصد إلى شيء من هذا القبيل أبدا، فكل الشواهد التي أوردها، تدل على أنه كان يريد "بتخير لذيذ الوزن" مجانبة كل ما من شأنه أن يعكر صفو الشعر إنشادا وسماعا. ودليله على ذلك "الطبع واللسان"، وهما أمران متلازمان، يقود الأول منهما إلى الآخر ويتكاتفان معا، لتجنب انكسار الإيقاع. وفي ذلك يقول: "وعيار التحام أجزاء النظم والثياته على تخيُّرٍ من لذيذ الوزن، الطبع واللسان. فما لم يتعثر الطبع بأبنيته وعقوده، ولم يتحبس اللسان في فصوله ووصوله، بل استمرا فيه واستسهلاه بلا ملال ولا كلال، فذاك يوشك أن تكون القصيدة منه كالبيت، والبيت كالكلمة تسالما لأجزائه وتقارنا".[57]

ومثل لذلك بقول الشاعر:

وشعر كبعر الكبش فرّق بينه    لسانُ دِعِيٍّ في القريض دخيل

وبقول خلف:

وبعضُ قريض الشعر أولادُ عِلَّةٍ     يَكُدُّ لسانُ النّاطق المتحفِّظِ

وبقول رؤبة:

قد قلتُ لو كانَ له قِرانُ

وحدد وظيفة "الوزن اللذيذ" في قوله: "وإنما قلنا على تخير من لذيذ الوزن لأن لذيذَه يَطرَبُ الفهم لصواب تركيبه، واعتدال نظومه".[58]

فهذا الاحتفال بالفصاحة كأجلى مظهر من مظاهر الشفوية الجاهلية أنداك، هي التي كان الجاحظ قد أشاد بها، وخصَّ لها كتابه "البيان والتبيين"، فجمع فيه أمثلة وشواهد كثيرة، من بينها الشواهد السابقة التي نرى ضرورة الوقوف عند شروحها تدعيما لقراءتنا.

يقول في الشاهد الأول: "أما قوله كبعر الكبش" فإنما ذهب إلى أن بعر الكبش يقع متفرّقا غير مؤتلف ولا متجاور. وكذلك حروف الكلام وأجزاء البيت من الشعر.. تراها مختلفة متباينة، ومتنافرة مستكرهة، تشقُّ على اللسان وتكده".[59]

أما قول خلف: "وبعض قريض القوم أولاد علة"، فيقول فيه: "إذا كان الشعر مستكرها، وكانت ألفاظ البيت من الشعر لا يقع بعضها مماثلا لبعض، كان بينها من التنافر ما بين أولاد العلاّت. وإذا كانت الكلمة ليس موقعها إلى جانب أختها مرضيا موافقا، كان على اللسان عند إنشاد ذلك الشعر مؤونة".[60]

فأجود الشعر ما كان له اقتران بين حروفه وألفاظه وتراكيبه "فتراها مُتفقة مُلسا، وليِّنةَ المعاطف سهلة"، وترى القصيدة منه كالبيت والبيت كالكلمة، "متلاحم الأجزاء، سهل المخارج.. قد أُفرٍغ إفراغا واحدا، وسُبك سبكا واحدا، يجري على اللسان كما يجري الدهان".[61]

ولأن عيار "التحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن"، يقوم على الطبع واللسان، فإن المرزوقي يتفق مع القدماء على أن معرفة العروض ليست ضرورية، لذا فإنه لم يحل عليه كعلم يجب التزود به، وإنما اكتفى فيه "بالطبع"، و"صحة الذوق". "فلذيذه يطرب الطبع لايقاعه، ويمازجه بصفائه، كما يطرب الفهم لصواب تركيبه، واعتدال نظومه".[62]

واستشعارا منه بأن الطبع قد يطرب أحيانا، فإنه لم ير بأسا في أن يحتاط الشاعر في ذلك بعرض الشعر على الغناء، مستشهدا بقول حسان:[63]

تغن في كل شعر أنت قائله    إن الغناء لهذا الشعر مضمار

وخلاصة القول، أن أصحاب هذا الاتجاه قد اهتموا بالشعر كصناعة من الصناعات، ينطوي إتقانها إلى جانب الطبع والذوق على حذق بالأصول والقواعد، وتمرس باستخدام الأدوات، فلم يلتفتوا في نظرياتهم الشعرية إلى الشاعر أو المتلقي. ونتيجة لذلك لم يتطرقوا إلى علاقة البحر بالغرض تلميحا أو تصريحا، بل انصب اهتمامهم على جانب اللفظ والمعنى كل من جهة نظر معينة تراعي حدود البيت أو الوزن الذي يُتخذ فضاء للمعنى لا ينفصل فيه الوزن عن اللفظ، حفاظا على سلامة البيت (لفظا ووزنا ومعنى) وسلاسته واستقلاله.

ولعل أهم ملاحظة ميزت هذا الاتجاه، اتفاق أصحابه جميعا، ومن بينهم المعري (ت449ه) وابن رشيق (ت456هـ) على أن صاحب الطبع الجيد يستغني عن تعلم الأوزان.[64] وإذا كان ابن طباطبا يُسوّي بين الطبع وبين المعرفة المستفادة من العروض، فإن ابن رشيق الذي يرى أن صدور الشعر عن الطبع دون العروض أجود ـ لأن المطبوع ينبو ذوقه عما يتساهل فيه أهل العروض من الأوزان المزاحفة التي من شأنها أن تذهب برونق الشعر ـ لا يختلف مع الآخرين من أصحاب هذا الاتجاه.[65]

 

4 ـ البيان أو بلاغة الإقناع:

اهتم أصحاب هذا الاتجاه في شخص الجاحظ وابن وهب الكاتب، بالتنظير للخطابة باعتبارها نموذج الكمال في الحديث الشفوي الذي يقصد منه اقناع المُخاطب. ولو توقفنا عند أي منهما وحاولنا أن نعثر على تصور متماسك لطبيعة الفن الشعري، يُنظر من خلاله إلى إشكالية الأوزان والأغراض الشعرية، لما وجدنا ما يرضي فضولنا.

فكل ما جاء من كلام حول الشعر عندهما داخل في سياق المقام الخطابي وفصاحة الخطيب إلى الحد الذي تسمع فيه الثناء على القصيدة بأنها أحرى أن تُسمى "خطبة بليغة"، وما يفصل بينهما هو الوزن. فهذا الجاحظ يقول: "إن المعول في الشعر إنما يقع على إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء وصحة الطبع وجودة السبك".[66]

بل إن الأمر يبدو أكثر وضوحا مع ابن وهب الذي يقول: "وإنما الشعر كلام موزون، فما جاز في الكلام جاز فيه، وما لم يَجُزْ في ذلك لم يَجُزْ فيه".[67]

وهي نظرة كان لها أثر سلبي على طبيعة النقدين (الخطابي والشعري)، ذلك الأثر الذي جعل النقاد ينظرون إلى الخطابة والشعر على أنهما متساويين في العبارة. فما يقولونه عن أحدهما يقولونه عن الآخر، وقواعد البلاغة التي يطبقونها على النثر تنطبق عندهم على الشعر، بحيث لا يفصل بين الشعر والنثر عندهم إلا الوزن، وإن يكن ثمة فارق فهو في الواقع أمر تقديري.

وإذا كانت هذه النظرة الخطابية هي التي تحكمت في طبيعة الشعر عند أصحاب هذا الاتجاه، وأنها هي التي كانت وراء تغييب قضية الوزن والغرض عندهم، فإنني لا أستبعد أن تكون لهذه النظرة الخطابية أثر كذلك في تغييب هذا الإشكال عند بعض الاتجاهات النقدية العربية الأخرى.

 

5 ـ البلاغة العامة:

اهتم أصحاب هذا الاتجاه بالبحث عن بلاغة عامة تصلح للمنظوم والمنثور، وهي بلاغة تجد موادها عند أبي هلال العسكري، وابن سنان الخفاجي:

5 ـ 1 ـ أبو هلال العسكري (ت395هـ):

افتتح العسكري كتابه "الصناعتين ـ في الكتابة والشعر" بالحديث عن مزايا "البلاغة والفصاحة"، كعلم له وظيفة مزدوجة:

ـ وظيفة نقدية، يلتقي فيها النص القرآني مع النص البشري، ذلك "أن الإنسان إذا أغفل علم البلاغة، وأخل بمعرفة الفصاحة، لم يقع علمه بإعجاز القرآن". وأن "صاحب العربية إذا أخل بطلبه، وفرّط في التماسه، ففاقته فضيلته، وعلقت به رذيلة فوتِه، عفّى على جميع محاسنه، وعمّى سائر فضائله، لانه إذا لم يفرق بين كلام جيد، وآخر رديء، ولفظ حسن، وآخر قبيح، وشعر ناذر، وآخر بارد، بان جهله، وظهر نقصه".[68]

ـ وظيفة تعليمية، تركز على قرض الشعر وتأليف الرسائل وما يجري مجراها. وفي ذلك يقول: "وهو أيضا، إذا أراد أن يصنع قصيدة، أو ينشئ رسالة، وقد فاته هذا العلم، مزج الصفو بالكدر، وخلطَ الغُرَرَ بالعُررِ، واستعمل الوحشي العكر، فجعل نفسه مهزأة للجاهل، وعبرة للعاقل".[69]

وفي نصٍّ بعده مباشرة يقول: "وإذا أراد تصنيف كلام منثور، أو تأليف شعر منظوم، وتخطى هذا العلم، ساء اختياره له، وقبُحت آثاره فيه، فأخذ الرديء المرذول، وترك الجيِّد المقبول، فدلَّ على قصور فهمه وتأخُّرِ معرفته وعلمه".[70]

فالعسكري لم يؤلف كتابه لإثبات إعجاز القرآن، وإن كانت هذه الفكرة من العوامل التي وجهته في تصنيفه. ولذلك تنحى بعد المقدمة مباشرة عن الجانب الأول من الوظيفة النقدية التي يحققها الاشتغال بالبلاغة، واهتم فيه بالبحث عن منظومة تصلح للشعر والنثر، دون غيرهما. وفي ذلك يقول: "فلما رأيت تخليط هؤلاء الأعلام فيما راموه من اختيار الكلام، ووقفت على موقع هذا العلم من الفضل ومكانه من الشرف والنبل، ووجدت الحاجة إليه ماسة، والكتب المصنفة فيه قليلة.. رأيت أن أعمل كتابي هذا مشتملا على جميع ما يحتاج إليه في صنعة الكلام، نثره ونظمه، ويستعمل في محلوله ومعقوده من غير تقصير وإخلال وإسهاب وإهدار".[71]

فمن بين قضايا الوظيفة التعليمية التي أثارت إشكالا وتأويلا عند بعض الدارسين، هذا النص الذي يذهب فيه العسكري إلى القول: "وإذا أردت أن تَعْملَ شعرا، فأحضرِ المعاني التي تريد نظْمها فكرك، وأخطِرْها على قلبك، واطلُبْ لها وزنا يتأتى فيه إيرادُها وقافية يحتملُها. فمن المعاني ما تتمكّن من نظمه في قافية ولا تتمكّنُ منه في أُخرى، أو تكون في هذه أقربَ طريقا وأيْسرَ كُلفةً منه في تلك، ولأن تعلو الكلامَ من فوقُ فيجيئُ سلِسا سهلا ذا طُلاوة ورونقِ خيرٌ من أن يَعْلوكَ فيجيئ كزّاً فجّاً ومُتجعِّداً فلِجا. فإذا عمِلتَ القصيدة فهذِّبْها ونقِّحْها، بإِلقاءِ ما غَثَّ من أبياتها، وَرَثَّ ورَذُلَ، والاقتصارُ على ما حسُن وفخِّم، بإبدالِ حرف منها بآخرَ أجودَ منه، حتى تستوي أجزاؤُها وتتضارعَ هواديها وأعجازها".[72]

فإذا كان  شكري عياد يذهب إلى القول بأن النقاد لم يتناولوا العلاقة بين الأوزان والمعاني "بأكثر من إشارات مبهمة" لعل أوضحها نصيحة أبي هلال العسكري في الصناعتين للمبتدئ في صناعة الشعر،[73]فإن يوسف حسين بكار، يذهب إلى أبعد من ذلك حينما ينُصُّ على أن العسكري وقف عند هذه القضية "ونصَّ في وضوحِ" على الربط بين وزن القصيدة وموضوعها.[74]

وقد أشرنا في معرض تناولنا لابن طباطبا إلى الغموض الذي شاب مصطلح "معنى"، وإلى استعمالاته التي تفتقر إلى الدقة والوضوح في الدرس النقدي العربي، وهو غموض من شأنه ـ في غياب استقرار المصطلح ـ أن يؤدي إلى فهم غير صحيح للمراد، ولذلك خلطا بين "الغرض"، و"المعنى"، و"الموضوع" في بعض الأحيان.

ونص العسكري لا يحتاج إلى تأويل، وإن كانت الخاصية التعليمية التي تطبع جانبا من الكتاب، تُساعدُ على مثل ذلك الفهم الذي أشار إليه شكري عياد، أو يوسف حسين بكار. ولا مناص من القول بأن المؤلِّف كان مشغولا بالبحث عن بلاغة عامة تصلح للمنظوم والمنثور من هذه الرؤية الأحادية، نظرا لمشروعيتها في البلاغة القديمة، وللتقارب الملموس بين الشعر والخطابة. فـ"من أكمل صفات الخطيب والكاتب أن يكونا شاعرين، كما أن من صفات الشاعر أن يكون خطيبا كاتبا".[75] والحال هذه، كان طبيعيا أن تغيب قضية الوزن والغرض عن اهتمامات العسكري، وهو الذي عُني بالبحث عن منظومة تصلح للنثر والشعر.

5 ـ 2 ـ ابن سنان الخفاجي (ت466هـ):

ألّف ابن سنان الخفاجي كتابه "سر الفصاحة" لمعرفة حقيقتها والعلم بسرِّها، بعد أن رأى النّاس مختلفين في مائيتها وحقيقتها.[76] ذلك "أن المتكلمين وإن صنّفوا في الأصوات وأحكامها وحقيقة الكلام ما هو؟ فلم يُبيِّنوا مخارج الحروف، وانقسام أصنافها، وأحكام مهجورها ومهموسها، وشديدها ورخوها. وأصحاب النحو وإن أحكموا بيان ذلك، فلم يذكروا ما أوضحه المتكلمون الذي هو الأصل والأسُّ. ونقد أهل الكلام، فلم يتعرّضوا لشيء من جميع ذلك، وإن كان اهتمامهم كالفرع عليه".[77]

ولعل السّرّ الذي يخفيه الكتاب وراء هذه الحقيقة، هو ما عبّر عنه ابن سنان بقوله: "أما العلوم الأدبية فالأمر في تأثير هذا العلم فيها واضح، لأن الزبدة منها والنكتة نظم الكلام على اختلاف تأليفه، ونقده ومعرفة ما يختار منه مما يكره"،[78] " إذ كان ذلك هو مقصودنا في هذا الكتاب".[79]

هكذا راح يبحث عن كل المكوِّنات التي تمُتُّ بصلة إلى أدبية النص الشعري والنثري بصفة عامة، بعد أن اعتنق مذهب الصرفة  وتخلّص من كل الاعتبارات الخارجة عن الأدب، سواء تلك التي ضللت علماء اللغة ورواة الشعر، أو تلك التي انشغل بها المتعصبون للشعراء لسبب من الأسباب.[80] فتكلّم عن فصاحة الألفاظ في انفرادها وائتلافها،[81] ثم عمّا أسماه "المعاني المفردة"، من حيث توجد في الألفاظ المؤلفة المنظومة على طريقة الشعر والرسائل،[82] ليشمل الكتاب بذلك الحديث عن البلاغة أيضا. وفي ذلك يقول: "فلنذكر الآن الكلام على المعاني مفردة من الألفاظ، ليكون هذا الكتاب كافيا في العلم بحقيقة البلاغة والفصاحة".[83]

فربما تكون الحقيقة الأولى، كما يحددها عنوان المؤلف، قد مارست تضليلا على كل من شكري عياد ويوسف حسين بكار، وقد أبديا استغرابا من غياب إشكالية الوزن والغرض عند ابن سنان، وهو الذي اهتم في كتابه ـ حسب قولهما ـ بالجانب الصوتي كثيرا.[84]

وهذا الاستغراب قد يتلاشى نهائيا، إذا علمنا أن الكتاب، وهو يُسَهِّلُ لنفسه مشروعية اعتماد البلاغة والفصاحة مُنطلقا، إنما يفتح بذلك باب "العبارة"، كما بلورها النقد الخطابي الذي استمر تأثيره على ابن سنان الخفاجي. بحيث لم يعد يفصل ـ عنده ـ بين الشعر والنثر سوى الوزن والقافية، ولا يحيل إلى علم العروض إلا عند اضطراب الذوق، وإن كان يرى أن التزود به واجب وضروري.[85] فلم يتعرض في مؤلفه لإشكالية الوزن والغرض أثناء حديثه عن الأوزان الشعرية، وإنما اكتفى بالحديث عن الجانب الأفقي من العلاقة النظمية بين الوزن والمعنى، في حدود البيت الشعري، من خلال نقطتين اثنتين:

أولهما: ألا تقع الكلمة حشوا لإصلاح الوزن، إلا إذا أريد بها فائدة زائدة، واستدل على ذلك بقول المتنبي:

وتحتقِرُ الدّنيا احتقارَ مُجرٍّبٍ      ترى كلَّ ما فيها ـ وحاشاكَ ـ فانِيا.

وعلّقَ على ذلك بقوله: "لأن حاشاك هنا، وإن كان الكلام دونها صحيحا مستقيما، فقد أفادت مع إصلاح الوزن دُعاءً حسنا للممدوح في موضعه".[86]

وثانيهما: مراعاة التناسب في المقدار، فلا يمكن اختلاف الأبيات في الطوا والقصر.[87]

ولم يتحدث عن هذه العلاقة، في أثناء حديثه عن قسمة الأغراض الشعرية وصحة أوصافها.[88]

فرغم الطابع التعليمي الذي تميَّز به هذا الاتجاه، فإنه لم يُعِر اهتماما لقضية الوزن وعلاقته بالغرض الشعري. فكل اهتماماته كانت منصبة حول البحث عن منظومة تتسع للشعر والنثر، دون أن تتجاوز باب "العبارة".

 

 

6 ـ الإعجاز ونظرية المعنى:

اهتم هذا الاتجاه بالبحث عن مكوِّنات الإعجاز التي بانت بها الفصاحة القرآنية على الفصاحة البشرية، باعتبار القرآن ليس شعرا. وقد كانت إشكالية "اللفظ والمعنى" وما ثار حولها من صراع ومن فوضى الأحكام النقدية، اللبنة الأولى التي تأسس عليها الفكر الأشعري، والذي اتجهت عنايته بشكل خاص لتقديم المعنى على اللفظ، وسلبِ هذا الأخير ـ باعتباره أصواتا مسموعة ـ كل مزية بلاغية.[89]

ونتوقف عند عبد القاهر الجرجاني (ت471هـ) باعتباره من أشهر علماء الأشاعرة الذين ألفوا في إعجاز القرآن، حتى نتمكّن من فحص قضية الأوزان وعلاقتها بالأغراض الشعرية ضمن نظرية الإعجاز.

لقد وقف عبد القاهر في وجه خصومه الذين صرفوا عنايتهم إلى ألفاظ القرآن، وجماليات الصياغة اللفظية، وإلى كل ما له صلة بالأصوات والصور السمعية للكلام. فلم يستطع أن يتصور الفصاحة في اللفظة، وإنما في تلك العملية الفكرية التي تنتظم الكلام. فقد خلُص إلى أن جنس المزية من حيز المعاني دون الألفاظ، وأنها على حد تعبيره "ليستْ لكَ حيثُ تسمعُ بأذنكَ، بل حيثُ تنظرُ بقلبِكَ، وتستعينُ بفِكركَ، وتُراجعُ عقلكَ".[90] لذلك نراه يفضل مصطلح "النظم" على اصطلاح "اللفظ والمعنى".[91]

ومثل هذه النظرية التي تجعل من "القرآن" هدفا ومنطلقا، سوف لن تُسعِفنا في إيجاد نظرية متكاملة للشعر العربي، كما لن تُسعفنا في بحث إشكالية الوزن والغرض. وحكمنا في ذلك موقف الجرجاني نفسه من الأوزان الشعرية، كصورة من الصُّوَّرِ السمعية التي يُعتمد عليها في إعجاز القرآن. يقول في الفصل الذي خصصه للكلام على من زهد في رواية الشعر وحفظه، وذمِّ الاشتغال بعلمه وتتبُّعه: "وإن زعم زاعم أنه ذمَّ الشعر من حيث هو موزون مقفى، حتى كان الوزن عيبا، وحتّى كان الكلام إذا نُظِم نظْم الشعر اتَّضَعَ في نفسه وتغيّرت حالُه.. فلا متعلّق له علينا بما ذكر، ولا ضرر علينا فيما أنكر، فليقل في الوزن ما شاء، وليضعه حيث أراد، فليس يعنينا أمره، ولا هو مُرادنا من هذا الذي راجَعْنا القولَ فيه".[92]

وقد كان هذا الموقف من جهته، لنفي الشعر عن القرآن، وسَلْبِ "الوزن" مزاياه الصوتية القابلة للقياس، بعد أن جلَّى فيه الخطاب البشري، وظهرت له فيه أنساق متميِّزة قننها علم العروض. وفي ذلك يقول: "لا يجوز أن يكون هذا الوصف في تركيب الحركات والسكنات، حتّى كأنهم تحدوا إلى أن ياتوا بكلام تكون كلماته على تواليها في زِنَةِ كلمات القرآن من الوصف في سبيل بينونة بحور الشعر بعضها عن بعض، لأنه يخرج إلى ما تعاطاه مسيلمة من الحماقة في: إنّا أعطيناك الجماهر، فصلِّ لربِّك وجاهر، والطّاحناتِ طحنا ".[93]

وقد برّر استدعاؤه للشعر والاستشهاد به، بأسباب تعود إلى "اللفظ الجزل، والقول الفصل، والمنطق الحسن، والكلام البيِّن، وحُسن التمثيل، والاستعارة والتلويح والاشارة، وإلى صنعة تعمد ـ فيه ـ إلى المعنى الخسيس فتشرفه، وإلى الضئيل فتفخمه، وإلى النازل فترفعه، وإلى الخامل فتنوّه به، وإلى العاطل فتحلّيه، وإلى المُشكل فتجلّيه".[94]

حيث لا يمكن تمييز الجهات التي منها قامت الحجة بالقرآن وبانت، وكانت على حدٍّ من الفصاحة تقصُرُ عنه قوى البشر، إلاّ بمعرفة العلل السّابقة التي كانَ بها التّبايُنُ والتَّفاضل في الشعر الذي لا يشك أنه كان ميدان القوم إذا تجاروا في الفصاحة والبيان وتنازعوا قصب السبق والرهان.[95]

 فقد حصر عبد القادر اهتمامه بالقرآن وبقضية الإعجاز فيه، ولم يكن يتأمل طبيعة الفن الشعري بمعزل عن المؤثرات الدينية القوية التي كانت توجِّه خطاهُ وتحدِّدُ مسارَ تأمله للفن الأدبي بوجه عام والفن الشعري بوجه خاص، ولذلك ظل هذا الاتجا غير مفيد في نقد الشعر وفي طرح إشكالية الوزن والغرض.[96]

 

7 ـ الاتجاه الفلسفي ونظرية المحاكاة:

ارتبط تناول هذا الاتجاه لقضية الوزن والغرض، بقضايا النفس الانسانية وما يطرأ عليها من تأثير تؤديه عناصر الشعر مجتمعة، إن لم نقل إن البداية الأولى للطرح النظري لهذا الجانب إنما نجدها عند الفلاسفة المسلمين ومن تأثر بهم  في إطار نظرية المحاكاة، خاصة عند حازم القرطاجني. فالشعر كما يقول ابن سينا: "كلام مخيل، مؤلف من أقوال موزونة متساوية وعند العرب مقفاة.. تذعن له النفس، فتنبسط عن أمور وتنقبض عن أمور من غير روية وفكر واختيار. وبالجملة تنفعل له النفس انفعالا نفسانيا غير فكري، سواء كان القول مصدّقا به أو غير مصدّق".[97]

7 ـ 1ـ الفلاسفة المسلمون:

ونعني بهم الفلاسفة الذين خصصوا للشعر كتابات مستقلة، وهؤلاء هم: الفارابي، وابن سينا، وابن رشد. فقد اكتفى بعض الدارسين المحدثين في حديثهم عن علاقة الوزن والغرض، بالإشارة إلى هؤلاء باعتبارهم غير مفيدين في طرح هذا الإشكال.[98]

لذلك فإننا لن ننساق في بحث إشكالية الوزن والغرض، إلى ما قد ألح عليه الدارسون من فكرة تبعية الفلاسفة المسلمين لأرسطو، أو القول دائما بإساءة فهم هؤلاء لكتابه، وهم الذين كانت لهم تصوراتهم الخاصة بهم، وطموحات توجهت إلى استخلاص القوانين الكلية للشعر "مطلقا" تشترك فيها جميع الأمم على اختلافها.[99]

فقد انتهى الفارابي (ت: 339هـ) بعد استقراءه للشعر العربي واليوناني إلى القول: "إن جل الشعراء في الأمم الماضية والحاضرة التي بلغنا أخبارهم خلطوا أوزان أشعارهم بأحوالها ولم يرتبوا لكل نوع من أنواع المعاني الشعرية وزنا معلوما، إلا اليونانيون فقط: فإنهم جعلوا لكل نوع من أنواع الشعر نوعا من أنواع الوزن، مثل أن أوزان المدائح غير أوزان الأهاجي، وأوزان الأهاجي غير أوزان المضحكات، وكذلك سائرها. فأما غيرهم من الأمم والطوائف فقد يقولون المدائح بأوزان كثيرة مما يقولون بها الأهاجي إما بكلها وإما بأكثرها، ولم يضبطوا هذا الباب على ما ضبطه اليونانيون".[100]

وذهب ابن سيناء (ت:428 هـ) إلى القول: "والأمور التي تجعل القول مخيلا: منها أمور تتعلق بزمان القول وعدد زمانه، وهو الوزن، ومنها أمور تتعلق بالمسموع من القول، ومنها أمور تتعلق بالمفهوم من القول، ومنها أمور تتردد بين المسموع والمفهوم".[101]

"فالوزن" و"المسموع من القول" ينتميان إلى المستوى الصوتي الموسيقي، و"المفهوم من القول" ينتمي إلى المحتوى الدلالي. أما المتردد بينهما، فالراجح أن يكون هو ما عبر عنه البلاغيون العرب، في حدود البيت، بالوزن والمعنى، فيما يتسعان له من ظواهر صوتية مثل التجنيس والقافية.

وفي حديثه عن حسن ترتيب الشعر، نبه إلى أن "المقصود" يجب أن يكون  "محدودا لا يتعدى ولا يخلط بغيره مما لا يليق بذلك الوزن".[102]ولن يكون "المقصود" هنا سوى "الغرض"، حيث لا يجوز الجمع بين غرض وآخر مخالف للوزن الذي فيه القول، إلا أن يكون ذلك الوزن ملائما لهما معا.

وقد سعى ابن رشد (ت: 595هـ) إلى تطبيق قواعد أرسطو على الشعر العربي. فمما جاء في تلخيصه عن الأوزان والأغراض الشعرية قوله: "فمن تمام الوزن أن يكون مناسبا للغرض، فرب وزن وزن يناسب غرضا ولا يناسب آخر".[103]

وإن كانت أمثلة هذه مما يعسر وجودها في أشعار العرب على حد تعبيره، فإنه قد استطاع أن يميز أوزان المديح عن غيرها من الأوزان، فقال: "وإيجاد صناعة المديح يكون تعلُّمها في الأعاريض الطويلة لا في القصيرة، ولذلك رفض المتأخرون الأعاريض القصار التي كانت تستعمل فيها وفي غيرها من صنائع الشعر، وأخص الأوزان بها هو الوزن البسيط الغير المركب".[104] 

وعليه، فإننا لا نستبعد تبني هؤلاء واستحسانهم لما انتهوا إليه من علاقة بين الوزن والغرض، في إطار صياغة نظرية شعرية، سعت إلى التوفيق بين أفكار اليونان عن الشعر وبين طبيعة الشعر العربي، سيفيد منها حازم القرطاجني في القرن السابع الهجري.

7 ـ 2 ـ حازم القرطاجني: (ت684ه)

إن الحديث عن إشكالية الوزن وعلاقته بالغرض الشعري من منظور حازم، لا يتأتى دون عرضه في إطار الواقع الأدبي الذي كان يحتم على حازم بناء تصور نقدي متكامل لمفهوم الشعر، تساهم في بنيته وإحكامه كل العناصر الشعرية، في انفرادها وائتلافها وتناسبها، سواء تعلق الأمر بالأوزان والأغراض أو بغيرها.

7ـ 2ـ 1 ـ دواعي تأليف منهاج البلغاء وسراج الأدباء:

 وضع حازم كتابه تجاوبا مع وضع أدبي فقَدَ فيه الشعر والنقد قيمتهما. فلم يوجد على مستوى الإبداع منذ مائتي سنة على حد تعبير حازم "من نحا نحو الفحول، ولا من ذهب مذاهبهم في تأصيل مبادئ الكلام وإحكام صَنعته وانتقاء موادِّه التي يجب نحته منها، هذا على كثرة المتقدّمين في الرّعيل الأول من قدمائهم والحلبة السابقة زمانا منهم وإحسانا منهم".[105]

وممّا زاد في تكريس هذا الواقع المتردِّي للشعر وما ترتَّبَ عنه من ضَعف في استجابة المتلقين، اختلالُ الطّباع، واضطراب الأوضاع، وفساد المعايير والقوانين التي يُحتكم إليها في تمييز ما يحسُن وما لا يحسُن من الكلام. هذا بالإضافة إلى ذلك المناخ الذي كان يعادي الشعر. فكثير من "أندال العالم ـ وما أكثرهم ـ يعتقد أن الشعر سفاهة ونذالة.. كلُّه زورٌ وكذب".[106]

ويقتضي الحَلُّ نفيُ هذا الواقع المتردّي، لذلك فهو يرى "أن الشعر لن يعود إليه ازدهاره إلاّ بوضع "منهاج" يهدي عملية التذوّق والتحليل والتَّفسير، وبالتالي التّقييم على مستوى المتلقِّي، ووضع "سِراج" يُضيءُ عمليَّة التّعلُّم على مستوى الإبداع.[107]

فالجانب المتصل بالمبدع أو الإبداع، يمكن أن يحلّ عن طريق تأصيل قواعد وقوانين كُلِّيّة للفن الشعري، يهتدي بها الشعراء في إبداعهم، ويتوصلون بها إلى معرفة القيم الجمالية، تُعيد للشعر ازدهاره  ومكانته القديمة. أما الجانب الثاني المتصل بالمتلقي، فلا يمكن حلُّهُ إلاَّ باستعادة ايمان المتلقي بجدوى الأقاويل الشعرية وآثارها الايجابية في السلوك الإنساني، القصد منها "استجلاب المنافع واستدفاع المضار" بإعمال الحيلة في إلقاء الكلام لتتأثر بمقتضاه.[108]

وقد سعى حازم إلى بناء تصوّر نقدي يقوم على نظرية متكاملة يحتكم فيها إلى القوانين البلاغية الكلية التي يمكن اتخادها معايير ومقاييس لإصلاح واقع الشعر والنقد في آن واحد. وقد أمكنه ذلك بالجمع بين الفلسفة والانجازات النقدية اليونانية والعربية السابقة عليه، دون الابتعاد عن الشعر نفسه. مؤكدا أنه لا يمكن للشاعر أو البليغ بعامة، أن يُبدع دون علم أو معرفة بعلم البلاغة وصناعتها، وأن الناقد لا يمكن أن يكون ناقدا ما لم يجمع إلى جانب المعرفة بالقوانين الكلية جانب المعرفة بالأصول العلمية للصنعة، وبجوانب العملية الابداعية في علاقتها المتميزة، وهذه الجوانب هي: العالم، والمبدع، والعمل الأدبي، والمتلقي.[109]

7ـ 2 ـ 2 ـ مفهوم الشعر:

لقد كانت أول خطوة لنفي هذا الوضع المتأزم، تستدعي من حازم، وضع حد لمفهوم الشعر يميِّزه عن باقي المنظومات الشعرية، خصوصا وقد وجد في عصره نوع من الشعراء "إذا تأتى له تأليف كلام مقفى موزون، وله القليل الغث منه، بالكثير من الصعوبة، بأى وشمخ، وظن أنه قد سامى الفحول وشاركهم، رعونة منه وجهلا من حيث ظن أن كل كلام مقفى موزون شعر".[110]

فالوزن وحده، لا يمكن أن ينتج شعرا، كما أن الشعر لا يمكن أن يتحقق بالعنصر التخييلي وحده، وإنما يتحقق الشعر بأن يجتمع فيه حسن التخييل والوزن. وفي ذلك يقول حازم: "الشعر كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكره إليها ما قصد تكريهه، لتحمل بذلك على طلبه أو الهرب منه، بما يتضمن من حسن تخييل له، ومحاكاة مستقلة بنفسها أو متصورة بحسن هيأة تأليف الكلام، أو قوة صدقه أو قوّة شهرته، أو بمجموع ذلك، وكل ذلك يتأكد بما يقترن به من إغراب. فإن الاستغراب والتعجب حركة للنفس، إذا اقترنت بحركتها الخيالية قوي انفعالها وتأثرها".[111]

ويمكن تعريف الشعر بأي من المصطلحات التي تضمنها قوله، فيصبح "محاكاة" لو نُظر إليه من زاوية علاقته بالواقع وسعيه إلى تصوبر العالم أو الإنسان بمعناه الكامل. ويصبح "تخيُّلا" لو نُظر إليه من زاوية القوى النفسية التي تبدعه، فتغدو المحاكاة تجسيدا لوقع العالم على مخيلة المبدع أو تركيبا ابتكاريا تشكله المخيلة. ويصبح "تخييلا" لو نُظِر إليه من زاوية القوّة النفسية التي تتلقّاه، والتي يخلق فيها العمل آثاره.[112]

فالشعر ـ إذن ـ هذه التجربة الانفعالية التي تساهم في تحريك المتلقي لطلب الشيء أو الهرب منه من غير روية وفكر واختيار، وذلك عبر إرسالية تآلفت عناصرها وتلاءمت وانسجمت في مظاهرها وعلاقتها. وأما ما كان قبيح المحاكاة، فليس يعدّ شعرا وإن كان موزونا مقفى، لأن ما كان بهذه الصفة من الشعر لا تتأثر النفس لمقتضاه.

ويقع التخييل في الشعر من أربعة أنحاء: "من جهة المعنى، ومن جهة الأسلوب، ومن جهة اللفظ، ومن جهة النظم والوزن".[113] فهو فعل شامل تساهم في حركته على مستوى التلقي كل عناصر الشعر، مما يؤكد أن هذه العناصر نفسها نتاج فعل شامل يتحقق على مستوى الابداع، قبل أن يتحقق على مستوى التلقي.

ونظرا لوعي حازم بازدواجية وجهيْ الإشكال، فقد تحمّل على عاتقه وضع قواعد وقوانين لغير المطبوعين، ربما للعلماء أو للمتشاعرين عامة، تُنفي هذا الوضع المتأزم عن الشعر على مستوى الابداع وتعيد للمتلقي إيمانه بجدوى الشعر انطلاقا من هذا الأساس النفسي الواضح الذي يتحكم في نظرية الشعر عنده.[114]

وفي هذا الإطار يقول حازم: "وإنما احتجت إلى الفرق بين الموادِّ المستحسنة في الشعر والمستقبحة، وترديد القول في إيضاح الجهات التي تقبح وإلى ذكر غلط أكثر النّاس في هذه الصناعة، لأرشد من لعلّ كلامي يحل منه محلَّ القَبول من الناظرين في هذه الصناعة إلى اقتباس القوانين الصحيحة في هذه الصناعة، وأزع كل ذي حجر عمّا يتعب به فكره ويصم شعره".[115]

ومما يزيد إيماننا بهذا الدور التعليمي الذي يبدو أمرا صحيحا إلى حد بعيد، مجموعة نصوص كثيرة لا تحتاج إلى تأويل. وهي نصوص في مجموعها تطبع الكتاب ـ في أقسامه الثلاثة ـ بهذا المنحى التعليمي الذي أشرنا إليه. وفي هذا الصدد لا نرى مانعا من الوقوف عند هذه الخطاطة التعليمية لأهميتها وتعلقها الشديد بدراستنا.

فقد مهد حازم لموضوع تناسب الوزن والغرض بخطاطة من ثمان مراحل أو حالات كما يسميها، وهي:

ـ الحال الأولى: أن يتخيل الشاعر مقاصد غرضه الكلية التي يريد إيرادها في نظمه، أو إيراد أكثرها.

ـ الحال الثانية: أن يتخيل لتلك المقاصد طريقة وأسلوبا أو أساليب متجانسة أو متخالفة ينحو بالمعاني نحوها ويستمر بها على مهايعها.

ـ  الحال الثالثة: أن يتخيل ترتيب المعاني في تلك الأساليب، مع مراعاة موضع التخلص والاستطراد.

ـ الحال الرابعة: أن يتخيل تشكل تلك المعاني وقيامها في الخاطر في عبارات تليق بها ليعلم ما يوجد في تلك العبارات من الكلم التي تتوازن وتتماثل في مقاطعها ما يصلح أن يبنى الروي علية. وفي هذه الحال نبَّه إلى ما يجب أن يجعل مبدأ ومفتتحا للكلام، وموضعا للتخلص والاستطراد.

ـ الحال الخامسة: أن يشرع الشاعر في تخييل المعاني معنى معنى بحسب غرض الشعر.

ـ الحال السادسة: أن يتخيل ما يكون زينة للمعنى وتكميلا له، وذلك يكون بتخييل أمور ترجع إلى المعنى من جهة حسن الوضع والاقترانات والنسب الواقعة بين بعض أجزاء المعنى وبعض، وبأشياء خارجة عنه مما يقترن به ويكون عونا له على تحصيل المعنى المقصود به.

ـ الحال السابعة: أن يتخيل لما يريد أن يضمنه في كل مقدار من الوزن الذي قصد، عبارة توافق نقل الحركات والسكنات فيها ما يجب في ذلك الوزن في العدد والترتيب بعد أن يخيل في تلك العبارات ما يكون محسنا لموقعها من النفوس.

ـ الحال الثامنة: أن يتخيل في الموضع الذي تقصر فيه عبارة المعنى عن الاستيلاء على جملة المقدار المقفى، معنى يليق أن يكون ملحقا بذلك المعنى، وتكون عبارة المعنى الملحق طبقا لسد الثلمة التي لم يكن لعبارة الملحق به وفاء بها.[116]

فكيف ـ إذن ـ عالج حازم مبحث تناسب الأوزان والأغراض كأحد أهم المباحث التي يقوم عليها منهجه في بناء نظرية للشعر العربي؟

إن فحص هذا المبحث يُحتِّم علينا الوقوف عند قسمة حازم للأغراض الشعرية، لمعرفة معاييره ومنطلقاته التي يقوم عليها جانب من جوانب نظريته، ننتقل بعدها للحديث عن الأوزان الشعرية وكيفية معالجته لها، للوقوف أخيرا عند ما يناسبها من أغراض شعرية تكون ملائمة للنفوس أو منافرة لها.

7 ـ 2 ـ 3 ـ طرق الشعر وأغراضه:

استهل حازم حديثه عن طرق الشعر وأغراضه، من حيث تكون ملائمة للنفوس أو منافرة لها، بالإشارة إلى اختلاف الناس في قسمة الشعر وتحديد أغراضه وطرقه. وهي تقسيمات تعتبر ـ في نظره ـ غير صحيحة، لكون كل تقسيم منها لا يخلو من أن يكون فيه نقص أو تداخل، مشيرا إلى قسمة قدامة والرماني وابن رشيق.[117]

فحصرُ أغراضٍ بعينها، هو في حقيقته حصر للشعر نفسه في زوايا ضيقة، سعى حازم أن يبتعد عنها، لينظر في قسمتها من جهة ما تنقسم إليه من طرق شعرية، ومن جهة ما تتنوّع إليه المقاصد والأغراض، كما يستفاد من قوله: "والشعر ينقسم أولا إلى طريق جد وطريق هزل. وله قسمة أخرى من جهة ما تتنوّع إليه المقاصد والأغراض".[118]  

وصرّحَ بأن طريقة المعرفة الصحيحة للشعر من حيث تنقسم إلى طرق وأغراض، يجب أن تنطلق من أساس نفسي واضح "تحدث عنها تأثرات وانفعالات للنفوس، لكون تلك الأمور ممّا يناسبها أو ينافرها ويقبضها أو لاجتماع  البسط والقبض والمناسبة  والمنافرة من وجهين".[119]

أ ـ الطرق الشعرية: وتنقسم إلى قسمين: طريق جد وطريق هزل.

ـ 1 ـ طريقة الجد: "وهي مذهب في الكلام تصدر الأقاويل فيه عن مروءة وعقل بنزاع الهمة والهوى إلى ذلك ".[120] وتختص هذه الطريقة ـ لتحقيق الغاية منها: (البسط) ـ بتجنب الهزل، وما ألف فيه من العبارات والمعاني وأنواع الـتأليف، وأن يتجنب فيها الساقط من الألفاظ والمولد، ويقتصر فيها على العربي المحض، وعلى التصاريف الصريحة في الفصاحة المطردة في الكلام العربي، ويتحرى في عباراتها المتانة والرصانة، وأن يعتمد فيها من المعاني ما لا يشين ذكره ولا يسقط مروءة المتكلم. إلا حيث يليق ذلك بالحال والموطن، "كأن يكون في ذكر بعض معاني الهزل، في بعض المواضع، إطراب وبسط للنفوس...فإن الكريم قد يطرب، وقد يحتاج إلى إطرابه، ولكل مقام مقال.. وأن يشعر، بأن ذلك شيء لا حقيقة له، وإنما هو على جهة المزح والدعابة ليبسط بذلك من النفوس ويحرك.. فإن كثيرا من معاني الهزل تحرك ذا الجد وتطربه وإن لم يكن من شأنه، ولا بأس في ذلك، أن ينحى بعباراتها نحو الرشاقة في مثل هذه المواضع".[121]

ـ 2 ـ طريقة هزل: وتعتبر هذه الطريقة "مذهبا في الكلام تصدر الأقاويل فيه عن مجون وسخف بنزاع الهمة والهوى إلى ذلك".[122] ومما يجب أن تختص به هذه الطريقة، لبلوغ المراد من قبض النفوس أو بسطها "أن تكون النفس في كلامها مُسِفّة إلى ذكر ما يقبح أن يوثر، وألا تقف دون أقصى ما يوقع الحشمة، وألا تكبر عن صغير ولا ترتفع عن نازل، وألا تطرح ما له باطن هزلي وإن كان له باطن جدي، وأن ترد ما يفهم منه الجد إلى ما يفهم منه الهزل بتلخيص ذلك إلى حيز الهزل"،[123] وأن تتحرى في عباراتها الرشاقة والحلاوة، ولا بأس فيها من استعمال الساقط من الألفاظ المولد، أو طرف من المتانة وإن كان أليق بطريقة الجد وأنجع فيها وأكثر استصحابا لها.[124]

ـ 3 ـ المعتدلة: وهي طريقة ثالثة متولدة عنهما، وتشمل: "كل كلام اعتمدت فيه المراوحة بين المعاني الجدية وما لا ينافيها كل المنافاة من معاني الهزل"،[125] حكاية عن أرسطو حين قال: "حكاية الهزل لذيذة سخيف أهلها، وحكاية الجد مكروهة، وحكاية الممزوج منها معتدل".[126]

ب ـ الأغراض الشعرية:

لقد جعل حازم من "البسطّ" و"القبض" ـ كما سبقت الاشارة إلى ذلك ـ أساسا فلسفيا ولَّد عنه عددا وافرا من الأغراض الشعرية، من حيث تخييلها في ذاتها وفي نفسية المتلقين لها، فجعلها تتعدد:

ـ  بحسب تأثر النفس بحصول الخير أو الشر أو عدم حصولهما، تأثرا خاصا من: تهنئة، ومدح، وتأسي، وتأسف، وتعزية، وتفجيع، وهجاء، ورثاء، ونسيب.

ـ  وبحسب ما تتنوع إليه، من جهة من يقع منه ما يهرب منه أو يحتمل منه ذلك من: عتاب، وتعديد، وتوبيخ، وتقريع.

ـ وبحسب اختلاف عدد ذوي العناية بالشيء الحاصل، مما شأنه أن يهرب منه أو يطلب، كالاقتصاص أو المشاجرة، أو الفصل في مشاجرة.

ـ  ومن جهة اختلاف توجه المتكلم أو السامع، فيكون أحدهما هو الطالب لها أو الهارب عنها من تلقاء الآخر من: اقتضاء، واستعطاف، واستبطاء، وإيعاد، وتهديد، وإنذار، وتخويف، واستعفاء، واستقالة، وترضي.

ـ  ومن جهة ما يشتكل على القائل أو السامع، فيما يجب أن يطلب، وأيهما يجب أن يهرب منه. وهذه هي الإشارة أو الاستشارة. وقد تكون قصصا أو مشاجرة، أو حكما، أو إشارة، أو استشارة، أو غرضا، أو اقتضاء، أو استكفاء، أو ترغيبا، أو ترهيبا، أو إطعاما، أو إياسا.[127]

وخلُصَ إلى القول بأن هذه الأغراض، ليست سوى أجناس وأنواع، تحتها أنواع أخرى يمكن حصرها على الشكل التالي: "فأما الأجناس الأول: فالارتياح والاكتراث، وما تركب منهما، نحو إشراب الارتياح الاكتراث، أو إشراب الاكتراث الارتياح، وهي الطرق الشاجية.. وأما "الأنواع التي تحت هذه الأجناس، فهي الاستغراب، والاعتبار، والرضى، والغضب، والنزوع، والخوف، والرجاء". وأما الأنواع الأخر فهي، "المدح، والنسيب، والثناء، (.........................................................) وأنواع المشاجرات، وما جرى مجرى هذه الطرق من المقاصد الشعرية".[128]

وليست هذه الأغراض في مجموعها، سوى طرق متباينة أو متداخلة  لأداء الأغراض الأمهات في مجال التعبير الشعري، والتي هي:

ـ التهاني وما معها،

ـ التعازي وما معها،

ـ المدائح وما معها،

ـ والأهاجي وما معها.

وقد ربطها بذلك الأساس النفسي الذي جعله مرتكز تناوله الشعري، فأرجع هذه الأمهات الشعرية وما معها إلى "ما الباعث عليه الارتياح، وإلى ما الباعث عليه الاكتراث، وإلى ما الباعث عليه الارتياح والاكتراث معا".[129]

وأكد على مجموعة أخرى من الشروط، تساهم بدورها في عملية تخييل الأغراض في نفوس متلقيها، من جهة اللفظ، ومن جهة المعنى، ومن جهة الأسلوب، كما سبق أن بين أثناء حديثه عن الطرق الشعرية.[130]

7 ـ 2 ـ 4 ـ في الابانة عن أنماط الأوزان: (من حيث تكون ملائمة للنفوس أو منافرة لها)

إن اقتران الوزن بالتخييل ـ أو المحاكاة ـ لم يكن مجرد إضافة شكلية لتعريف الشعر ـ في نظر حازم ـ وإنما لكونه من عِداد ما يتقوّم به الشعر، ويُعدُّ من جملة جوهره، وذلك من حيث تأثيره في المتلقي.[131]

فقد ذكر أن من الوجوه التي لأجلها حسُن موقع المحاكاة في النفوس "حبُّ الناس للتأليف المتفق أو للألحان طبعا، ثم قد وجدت الألحان مناسبة للألحان، فمالت إليها النفوس وأوجدتها".[132]

ولم يكن من قبيل الصدفة أن يعرّف الوزن على الشكل التالي: "والوزن هو أن تكون المقادير المقفاة تتساوى في أزمنة متساوية لاتفاقها في عدد الحركات والسكنات".[133] إن هذا التعريف للوزن المتفق التأليف، بقدر ما يشير إلى التناسب، يشير أيضا إلى طبيعة الحركة المنتظمة للوزن، وهو ما يساعد على إنجاز الغاية الشعرية (التخييل)، وإلا فإن أي تنافر سيؤدي إلى نتيجة عكسية. ولعل ذلك ما دفع حازم إلى التركيز على تناسب المسموعات والمفهومات، على اعتبار أن التخاييل الضرورية هي تخاييل المعاني من جهة الألفاظ.[134]

فالألفاظ في الشعر غير منفصلة عن الوزن، لأن وزنها خاصية تنبع من كيفية إيقاع التناسب بين عناصرها الصوتية التي تتجاوب في النهاية مع تناسب أغراضها. ولتحقيق التناسب بين المسموعات في الأوزان، نادى حازم بضرورة النظر في تجزئتها من منظور بلاغي، يراعي تناسب المسموعات وانتظاماتها، مؤكدا أن من كان له أدنى بصيرة لم يخالجه الشك في أن الصحيح ما استند إلى علم اللسان الكلي الذي لا تتبين أصول علوم اللسان الجزئية و ومباديه إلا فيه.[135]

وفي هذا المعرض أشار أيضا، إلى أن قيام علم البلاغة (النقد الأدبي) يغدو مستحيلا ما لم يعتمد على أصول منطقية وآراء فلسفية حكمية، وقوانين موسيقية، يستعان بها في معرفة جهات تناسب الأوزان وتجزئتها المتناسبة، دون إغفال للأذواق الصحيحة، وللسماع الشائع عن فصحاء العرب، وأصول علم العروض.[136]

فمعرفة طرق جهات التناسب الصوتي في الخطاب الشعري، لا ينفصل فيها الوزن بأية حال عن مادة الشعر وهي لغته، في تركيب حروفها، وتنسيق ألفاظها، وعباراتها، بحيث تكشف عن التفاعل الوثيق بين العمل الأدبي، والعالم، والمبدع، والمتلقي على السواء.

واستنادا إلى هذه الاعتبارات في تناسب المسموعات وتناسب انتظاماتها، وكون المناسبات الوزنية تدخل تلك الجملة، انتهى حازم إلى أن الأوزان الشعرية يجب أن يقدر كل وزن منها بالتجزئة المتناسبة اللائقة به، وفق منطق يراعي أوجه التناسب والتشاكل بين الأصوات التي تؤلف كل وزن على حدة، فتتضاعف، أو تتضارع، أو تتماثل، أو تتشافع.

فإذا امتد التناسب داخل الأشكال الوزنية كما حددها حازم بدءا من أصغر عناصر الوزن، وهي المتحركات والسواكن وما يتألف منها من أسباب وأوتاد وأرجل، نهاية بالتفاعيل من حيث في ذاتها ومن حيث علاقتها بغيرها، تحققت الخاصية الجمالية للوزن، وهو ما يعنيه "بحلاوة المسموع"، وتحققت الغاية الشعرية. لأن ما ورد على تأليف متناسق ونظام متشاكل: كان "أدنى لتعجيب النفس، وإيلاعها بالاستماع إليه، ووقع منها الموقع الذي ترتاح له"، "لتأتي نسقه واطراد هيئاته وترتيباته المحفوظة".[137]

ولا يقع في اقتران المتضادات والمتنافرات تركيب متناسب أصلا، لأن التنافر والتضاد لا يساعدان على اطراد النغم. وفي ذلك يقول: "وما ائتلف من غير المتناسبات والمتماثلات، فغير مستحلى ولا مستطاب".[138] ولا يعد شعرا ما كان على هذا النحو من التأليف. وفي هذا الصدد لم يخف شكه في وضع العرب لوزن "الخبب"، أما "المضارع" فقد رفضه بشدة استنادا إلى قانون التناسب والأذواق الصحيحة، فهو ـ عنده ـ "أسخف وزن سمع، فلا سبيل إلى قبوله ولا العمل عليه أصلا".[139]

صحيح أن التناسب يمثل أساس قيمة الأوزان في ذاتها، ولكن هذا الأساس قد يختلف من وزن لآخر، استنادا إلى قاعدة عامة مفادها أن النفس الإنسانية مجبولة على حب التنوع، والاستمتاع بالشيء المركب، أكثر من الشيء البسيط الذي لا تنوع فيه. وهو ما حذا بحازم إلى القول: "وما كان متشافع أجزاء الشطر من غير أن يكون متماثل جميعها، فهو أكمل الأوزان مناسبة، وما كان متشافع أجزاء الشطر تال له في المناسبة، وما لم يقع في شطره تشافع أدناها درجة في التناسب، وما وقع التشافع والتماثل في جميعه استثقل ولم يستحل أيضا للتكرار".[140]

إن هذا التركيب وما ينطوي عليه من قيمة صوتية هو الذي دفع حازم إلى القول في شأن الطويل والبسيط: "فإن الطويل والبسيط عروضان فاقا الأعاريض في الشرف والحسن وكثرة وجوه التناسب وحسن الوضع". لكن "إذا أزيل عنهما بعض أجزائهما ذهب الوضع الذي به حسن التركيب وتناهى في التناسب، فلم يوجد لمقصراتهما طيب لذلك. وغيرهما من الأعاريض قد يوجد في مقصراته ما يكون أطيب منه. فلما كانت مقصرات الطويل والبسيط تنحط عن درجة الوزن التام في ذلك انحطاطا متفاوتا، كان لإهمال تلك المقصرات وجه من النظر".[141]

وقد رد حازم القيمة الصوتية للأوزان المركبة إلى صفات أربع، هي: "تمام التناسب" و"تركبه" و"تقابله" و"تضاعفه".[142] وليس يعني هذا اطراد هذه القاعدة في جميع أحوال الأوزان المركبة، بل إن القيمة الصوتية للأوزان بنوعيها البسيطة والمركبة رهينة باكتمال مجموعة من الخصائص الصوتية المستقلة التي تشكل مستويات متعددة للتناسب.

بالاضافة إلى هذه القوانين التي وضعها حازم بين يدي الشاعر، في ما يجب اعتماده من الأوزان المتناسبة، والتي تحقق للشعر غايته (التخييل) وخاصياته الجمالية إنشادا أو سماعا، يشير إلى أنه ينبغي للشاعر أن يدرك أن الأوزان تكتسب أوصافا، بحسب قوة المشاكلة والمناسبة بين الأجزاء، وبحسب ما تكون عليه الأجزاء من كزازة وجعودة، أو سباطة ولدونة أو اعتدال، وذلك بحسب أعداد المتحركات والسواكن في كل وزن منها، وبحسب نسبة عدد المتحركات إلى عدد السواكن، وبحسب ترتيبها ووضع بعضها من بعض، وبحسب ما تكون عليه مظان الاعتمادات، كأن تكون "قوية شديدة" أو "ضعيفة لينة" أو "معتدلة". وتلك الصفات هي: المتانة، والجزالة، والحلاوة، واللين، والطلاوة، والخشونة، والرصانة والطيش، إلى غير ذلك من الأوصاف التي يتضمنها النص التالي: "فالعروض الطويل تجد فيه أبدا بهاء وقوة، وتجد للبسيط سباطة وطلاوة. وتجد للكامل جزالة وحسن اطراد، وللخفيف جزالة ورشاقة، وللمتقارب سباطة وسهولة، وللمديد رقة ولينا مع رشاقة، وللرمل لينا وسهولة".[143]

وهذه الصفات من شأنها أن تساهم في إحداث تأثيرات قوية في النفس الإنسانية، باعتبارها مدخلا لتحديد كيفية مناسبة الوزن للغرض، حيث تتحول من أنماط وتركيبات إيقاعية مجرّدة، إلى إيقاعات نفسية تتماشى مع طبيعة الغرض الذي يناسبها.

7 ـ 2 ـ 5  ـ تناسب الوزن والغرض:

يلح حازم في هذا الباب على ضرورة مراعاة التناسب بين الوزن والغرض، تناسبا جدليا تكون به القصيدة مهيّأة لحصول الغاية المقصودة منها، وإن كان يرى أن الغرض هو الأصل، كما سبق وتبيّن من خلال حديثه عن مراحل بناء القصيدة والتي يدعو فيها الشاعر إلى الابتداء بتخييل مقاصد غرضه الكلية، قبل اختيار الوزن. وهو ما يمكن استخلاصه من خلال شروحه لوصية أبي تمام الطائي لأبي عبادة البحتري. حيث يرى أنه: "حقيق على الشاعر إذا قصد الروية أن يحضر مقصده في خياله وذهنه، والمعاني التي هي عمدة له بالنسبة إلى غرضه ومقصده، ويتخيلها تتبعا بالفكر في عبارات بدد، ثم يخلط ما وقع في جميع تلك العبارات أو أكثرها طرفا أو مهيأ لأن يصير طرفا من الكلم المتماثلة المقاطع الصالحة لأن تقع في بناء قافية واحدة. ثم يضع الوزن والروي بحسبهما لتكون قوافيه متمكنة تابعة للمعاني لا متبوعة لها".[144]

لم نورد هذا النص لنؤكد أسبقية الأغراض على الأوزان أثناء العملية الإبداعية، وإنما لندعم ما ذهبنا إليه في مكان سابق، من أن حازما كان همه الأول، وضع قوانين وقواعد يعاد من خلالها النظر في صناعة القصيدة العربية بالمفهوم الذي رسمه لها ووضع قواعده في حضور المتلقي.

وقد استند حازم في بحث تناسب الوزن والغرض إلى علم البلاغة الكلي كما يستفاد من النص التالي: "إن معرفة طرق التناسب في المسموعات والمفهومات لا يوصل إليها بشيء من علوم اللسان إلا بالعلم الكلي في ذلك، وهو علم البلاغة الذي تندرج تحت تفاصيل كلياته ضروب التناسب والوضع، فيُعرف حال ما خفيت به طرق الاعتبارات من ذلك بحال ما وضحت فيه طرق الاعتبار وتوجد طرقهم في جميع ذلك تترامى إلى جهة واحدة من اعتماد ما يلائم واجتناب ما ينافر".[145]

لذلك فإن ما قصد إليه حازم من تخييل الأغراض الشعرية بالأوزان، لم يكن مجرد نقل أو شرح فارغ من محتواه، بقدر ما كان نتيجة جهد كبير تم له بناؤه انطلاقا من قانون التناسب، هذا القانون الذي يكاد يتحكم في نظريته الشعرية. فقد قاده هذا القانون إلى أن تلاؤما حميما وعميقا يقع بينهما ويشد بعضهما إلى الآخر ويستدعيه، وهو ما عبر عنه بتوافق "المسموع" و"المفهوم" نقلا عن ابن سينا في تعداد الأمور التي تجعل القول مخيلا.[146]

هذه المعطيات هي التي انتهت بحازم إلى القول بضرورة مراعاة أوجه التناسب بين الأوزان والأغراض الشعرية تناسبا جدليا، تكون به القصيدة مهيأة لحصول الغاية المقصودة بها، في نص يقول فيه: "فإذا قصد الشاعر الفخر حاكى غرضه بالأوزان الفخمة الباهية الرصينة، وإذا قصد في موضع قصدا هزليا أو استخفافيا وقصد تحقير شيء أو العبث به حاكى ذلك بما يناسبه من الأوزان الطائشة القليلة البهاء، وكذلك في كل مقصد".[147]

يعتبر هذا النص على تعدد أبعاده ودلالاته، خلاصة مبحث تناسب الوزن والغرض عند حازم القرطاجني. ونظرا لأهمية الموضوع وتعدد قضاياه وتشابكها، فقد أوضح حازم أن للأوزان اعتباران:

 ـ اعتبار من جهة ما تليق به من الأغراض.

ـ  واعتبار من جهة ما تليق به من أنماط النظم.

وفي ذلك يقول: "فمنها أعاريض فخمة رصينة، تصلح لمقاصد الجد كالفخر ونحوه، نحو عروض الطويل والبسيط وفئة ( ...........................) وكثير من مقصرات ما سواه من الأعاريض.

"ومنها أعاريض تليق (......................................)مقاصد التي تحتاج إلى جزالة نمط النظم يجب أن تنظم في سلك الأعاريض التي من شأن الكلام أن يكون نظمه فيها جزلا نحو عروض الطويل والكامل.

"وأما المقاصد التي يقصد فيها إظهار الشجو والاكتئاب، فقد تليق بها الأعاريض التي فيها حنان ورقة، وقلما يخلو الكلام الرقيق من ضعف مع ذلك. لكن ما قصد من الشعر هذا المقصد، فمن شأنه أن يصفح فيه عن اعتبار القوة والفخامة لأن المقصود بحسب هذا الغرض أن تحاكى الحال الشاجية بما يناسبها من لفظ ونمط تأليف وزن، فكانت الأعاريض التي بهذه غير منافية لهذا الغرض، وذلك نحو المديد والرمل".[148]فهما ـ عنده ـ أليق بالرثاء وما جرى مجراه منهما بغير ذلك من أغراض الشعر.[149]

فقد أوضح حازم من خلال هذا النص، أن لتناسب الوزن والغرض أبعادا متعددة، تقوم على المعنى والأسلوب والنظم والوزن، مفيدا في ذلك من الرؤية البلاغية القديمة التي كانت قد أولت لتناسب هذه المستويات حيزا مهما من أبحاثها للشعرية العربية.

ومكنته سعة اطلاعه على التراث الشعري ورهافة حسه وطبعه، من دراسة أنماط الكلام العربي دراسة أسلوبية، من حيث درجة ما يعتريه من قوة ومتانة وجزالة، أو ضعف وليونة ورقة، فانتهى إلى  نتيجة مفادها أن لكل وزن طبعا يصير نمط الكلام مائلا إليه. حيث لاحظ أن الشاعر القوي إذا صنع شعرا على الوافر اعتدل كلامه وزال عنه ما يوجد فيه مع غيره من الأعاريض القوية من قوة العارضة وصلابة النبع.. وإذا قال في المديد والرمل ضعف كلامه وحط عن طبقته في الوافر كانحطاطها في الوافر عن الطويل.[150]

بينما كلام الشعراء الضعفاء في الوافر وما أشبهه من الأعاريض المتوسطة أقل قبحا، بل إنهم حين يلجؤون إلى الأعاريض الطويلة أو القصيرة فإن ضعفهم يبدو واضحا للعيان. ففي الأعاريض الطويلة التي تفضُل عن المعاني، تجدهم يكثرون من الحشو وقبح التذييل لدرجة تتخاذل معه بعض أجزاء الكلام عن بعض. أما في الأعاريض القصار التي تفضل المعاني عنها، فيضطرون إلى التكلف والحذف المخل. فلذلك كان حالهم في نظم الشعر مضادا لحال الأقوياء من الشعراء.[151]

ومن أجل تجاوز ما كان يعتري قسمة الوضع المتناسب من فوضى، سعى حازم مرة أخرى إلى توضيح ذلك بالنظر إلى ما بين الشعراء من اختلاف في الطبائع، في مختلف الأوزان، فقال: "ومن تتبع كلام الشعراء في جميع الأعاريض، وجد الكلام الواقع فيها تختلف أنماطه بحسب اختلاف مجاريها من الأوزان. ووجد الافتنان في بعضها أعمُّ من بعض. فأعلاها درجة في ذلك الطويل والبسيط. ويتلوهما الوافر والكامل. ومجال الشاعر في الكامل أفسح منه في غيره. ويتلو الوافر والكامل عند بعض الناس الخفيف. أما المديد والرمل ففيهما لين وضعف، وقلما وقع كلام فيهما قوي إلا للعرب وكلامهم مع ذلك في غيرهما أقوى.. أما المنسرح ففي اطراد الكلام عليه بعض اضطراب وتقلقل، وإن كان الكلام فيه جزلا. فأما السريع والرجز ففيهما كزازة. فأما المتقارب فالكلام فيه حسن الاطراد إلا أنه من الأعاريض الساذجة المتكررة الأجزاء.. فأما الهزج ففيه مع سذاجته حدة زائدة. فأما المجتث والمقتضب فالحلاوة فيهما قليلة على طيش فيهما. فأما المضارع ففيه كل قبيحة. ولا ينبغي أن يُعدَّ من أوزان العرب، وإنما وضع قياسا، وهو قياس فاسد لأنه من الوضع المتنافر".[152]

ففي هذا النص يوضح حازم أن لكل وزن طابعا خاصا يطغى عليه، وهذا الطابع يميل بالكلام الذي يأتي على هذا الوزن أو ذاك، إلى نوع من القوة والجزالة أو الليونة والحلاوة، أو غيرها من الأحوال التي أشرنا إليها، بحيث يجب على الشاعر الالتزام  بها حتى يتحقق بذلك التناسب بين الوزن والغرض، فتتحقق أيضا الغاية الشعرية، أو القصيدة الجيدة التي سعى حازم جاهدا للعمل على وضع قواعدها، من أجل مستقبل شعري مناف لذلك الواقع المتأزم الذي اتسم برداءة الشعر.

 

 

خاتمة:

خلاصة لما سبق، لم يكن غريبا أن تمهد الاتجاهات النقدية والبلاغية، للطرح النظري لوظيفة الوزن باعتباره عنصرا بنائيا في الشعر، كما حدده الفلاسفة المسلمون ومن تأثر بهم في إطار نظرية المحاكاة. وعلى رأسهم حازم القرطاجني الذي احتكم في عموم نظريته إلى علم البلاغة المعضودة بالأصول المنطقية والحكمية، والآراء الفلسفية الموسيقية، إلى جانب طبعه وذوقه الرفيع، وما تأتى له من إحاطة شاملة بقضايا النقد العربي واليوناني ومن قراءات شعرية رفيعة مكنته من تعيين الجيد من الرديء، ناهيك عن إلمامه الكبير بعلم العروض ومكانته الشعرية بين شعراء الأندلس والعرب قاطبة. بل الأهم من ذلك، هذه الرؤية الجديدة التي عالج بها الأوزان الشعرية، بحيث لا تنفصل فيها الأوزان عن البنية الإيقاعية التي لا تنفصل هي الأخرى عن البنية الدلالية للقصيدة العربية. وهي رؤية جديدة لم يسبقه إليها أحد من النقاد والبلاغيين العرب، أو غيرهم من العروضيين الذين لم يشغلهم هم بناء نظرية شعرية متكاملة، وإن كان قد أفاد منهم ومن آرائهم النقدية والبلاغية التي عرضنا لها. لكل ذلك، كان لحازم السبق في بحث قضية الأوزان وعلاقتها بالأغراض الشعرية إلى جانب الفلاسفة المسلمين الذين تمت الإشارة إليهم ضمن هذا المبحث.

 

فهرس المصادر والمراجع

 

 

 اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري. مصطفى هدارة. دار المعارف القاهرة: 1963.

اتجاهات النقد الأدبي في القرن الرابع للهجرة. أحمد مطلوب. بيروت. ط 1/1973.

أدبية النص في البلاغة العربية، في ضوء المشروع والمنجز من كتاب سر الفصاحة. محمد العمري. مجلة دراسات أدبية ولسانية. العدد 4. السنة 1986.

الأسس الجمالية في النقد العربي. عز الدين اسماعيل. مطبعة الاعتماد بمصر: 1955.

أصول النقد الأدبي. أحمد الشايب. مكتبة النهضة المصرية، القاهرة. ط 7/ 1964.

الإطار الشعري وفلسفته في النقد العربي القديم. يوسف حسين بكار. مجلة فصول. المجلد السادس. العدد الأول. أكتوبر. نونبر. ديسمبر: 1985.

الاغاني. أبو الفرج الصفهاني. ت. لجنة من الأدباء. الدار التونسية للنشر، تونس: 1

البرهان في وجوه البيان. ابن وهب الكاتب. ت. أحمد مطلوب و خديجة الحديثي. بغداد. ط 1 /1967.

البلاغة تطور وتاريخ. شوقي ضيف. دار المعارف، القاهرة. ط 6/ 1983.

بناء القصيدة في النقد العربي القديم، في ضوء النقد الحديث. يوسف بكار. دار الندلس، بيروت. ط2/1983.

بنية التقابل والتوازن – قراءة في البلاغة العربية. محمد العمري. مجلة دراسات أدبية ولسانية. العدد.6. السنة 1987.

البيان العربي. دراسة في تطور الفكرة البلاغية عند العرب ومناهجها ومصادرها الكبرى. بدوي طبانة. مكتبة الأنكلو المصرية. ط3/ 1962.

البيان والتبيين. أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ. ت. عبد السلام هارون. دار الفكر . بيروت. ط4   (د.ت).

تاج العروس من جواهر القاموس. الزبيدي. طبعة حكومة الكويت.

تاريخ الشعر العربي حتى آخر القرن الثالث الهجري. نجيب محمد البهبيتي. دار الفكر، بيروت. ط 4(د.ت)

تاريخ النقد الأدبي عند العرب من العصر الجاهلي إلى القرن الرابع الهجري. طه احمد ابراهيم. دار الحكمة، بيروت. ط 4 (د.ت)

تاريخ النقد الأدبي عند العرب. نقد الشعر من القرن الثاني حتى القرن الثامن الهجري. احسان عباس. دار الشروق، عمان – الأردن: 1986.

تحليل الخطاب الشعري – البنية الصوتية في الشعر. محمد العمري. الدار العالمية للكتاب، البيضاء. ط 1/1990.

التفسير النفسي للأدب. عز الدين اسماعيل. دار العودة ودار الثقافة، بيروت. (د.ت)

تلخيص كتاب أرسطو طاليس في الشعر. أبو الوليد ابن رشد. ترجمة: عبد الرحمان بدوي، ضمن "فن الشعر" لأرسطو . دار الثقافة، بيروت. ط 2/ 1973.

تيسير علم العروض والقوافي. محمد بن عبد العزيز الدباغ. مكتبة الفكر الرائد، فاس. ط 1/ 1989.

الحيوان. أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ. ت. عبد السلام هارون. مكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة: 1938.

الخصائص. أبو الفتح عثمان بن جني. ت. محمد علي النجار، دار الكتاب العربي، بيروت. (د. ت)

دلائل الإعجاز في علم المعاني. عبد القاهر الجرجاني. ت. محمد رشيد رضا. دار المعرفة، بيروت: 1982.

رسالة الغفران. أبو العلاء المعري. ت. عائشة عبد الرحمان. دار المعارف. مصر. ط3/1963.

رسائل اخوان الصفا وخلان الوفاء. إخوان الصفا. عني بتصحيحه خير الدين الزركلي. مصر: 1928.

سر الفصاحة. ابن سنان الخفاجي. دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان: 1982.

الشعرية العربية. أدونيس (علي احمد سعيد)، دار الآداب، بيروت. ط 1/ 1985.

الصاحبي في فقه اللغة. أبو الحسن احمد بن فارس. المكتبة السلفية، القاهرة: 1910.

الصناعتين: الكتابة والشعر. أبو هلال العسكري. ت: مفيد قميحة. دار الكتب العلمية، بيروت. ط 1/ 1981.

عروض الورقة. أبو نصر اسماعيل بن حماد الجوهري. ت. محمد العلمي، دار الثقافة، البيضاء. ط1/ 1984.

العروض والقافية- دراسة في التأسيس والاستدراك. محمد العلمي. دار الثقافة، البيضاء. ط 1/ 1983.

العمدة في محاسن الشعر وآدابه. ابن رشيق القيرواني. ت. محمد قرقزان. دار المعرفة، بيروت. ط1/1988.

عيار الشعر. ابن طباطبا العلوي. ت. عباس عبد الستار. نعيم زرزور. دار الكتب العلمية، بيروت. 1982..

العيون الغامزة على خبايا الرامزة. بدر الدين أبو عبد الله الدماميني. ت: الحساني حسن عبد الله. طبعة المدني، القاهرة: 1973.

فن الشعر من كتاب الشفاء. أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، ترجمة عبد الرحمان بدوي، ضمن" فن الشعر"، دار الثقافة، بيروت – لبنان. ط 2/ 1973.

فن الشعر. أرسطو طاليس. ترجمة عن اليونانية وشرحه وحققه نصوص عبد الرحمان بدوي. دار الثقافة، بيروت. ط 2/ 1973.

في البنية الايقاعية للشعر الجاهلي- علاقة الوزن بالغرض دراسة احصائية. لمومني مصطفى. رسالة لنيل د.د.ع، مرقونة بكلية الآداب بالرباط تحت رقم 811.1 لمو. السنة الجامعية: 1987-1988.

القاموس المحيط. الفيروز آبادي. مكتبة تحقيق الثرات في مؤسسة الرسالة، بيروت. ط 2/1987.

كتاب العروض. أبو الحسن الأخفش سعيد بن مسعدة. ت: سيد بحراوي. ضمن مجلة فصول. المجلد السادس، العدد الثاني، يناير، فبراير، مارس: 1986.

كتاب القيان ضمن رسائل الجاحظ.أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ. ت: عائشة عبد الرحمان بنت الشاطئ. دار المعارف بمصر: 1975.

كتاب الموسيقى الكبير. الفارابي. ت. غطاس عبد الملك خشبة. دار الكاتب العربي. القاهرة.1967.

لسان العرب. ابن منظور الافريقي. ط . دار صادر، بيروت (د.ت)

اللغة العربية معناها ومبناها. تمام حسان. دار الثقافة، البيضاء. (د.ت)

مفهوم الشعر – دراسة في التراث النقدي. جابر عصفور. دار التنوير، بيروت ـ لبنان. (د.ت)

مقالة في قوانين صناعة الشعر. أبو نصر الفرابي. ت. بدوي ضمن "فن الشعر" دار الثقافة، بيروت. ط 2/1973.

مقدمة الاليادة، ضمن (إليادة هوميروس). سليمان البستاني. دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان.(د.ت)

مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي. حسين عطوان. دار الجيل. بيروت. ط2/ 1987.

مقدمة الموزوقي على شرح ديوان الحماسة، أبو علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي. ت: أحمد أمين وعبد السلام هارون. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة. ط 1/ 1951..

مقدمة في البيان العربي من الجاحظ إلى عبد القاهر. طه حسين، ضمن كتاب "نقد النثر" المنسوب خطأ لقدامة.

مناهج النقد الادبي في الاندلس بين النظر والتطبيق خلال القرنين السابع والثامن للهجرة. علي لعزيوي. أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، مرقونة بكلية الأدب بالرباط تحت رقم: 801.956 لغز. موسم : 1989-1990.

منهاج البلغاء وسراج الأدباء. حازم القرطاجني. ت. محمد الخوجة. دار الغرب الإسلامي. بيروت. ط3/ 1986.

الموازنات الصوتية في الرؤية البلاغية. نحو كتابة تاريخ جديد للبلاغة العربية. محمد العمري. منشورات دراسات سال. النجاح الجديدة. البيضاء. ط 1/1991.

موسيقى الشعر العربي (مشروع دراسة علمية). شكري محمد عياد. دار المعرفة، القاهرة. ط 2/1978.

الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء. أبو عبيد محمد بن أبي عمران المرزباني. ت: علي محمد البجاوي. دار نهضة مصر، القاهرة: 1965.

نظريات الشعر عند العرب ـ الجاهلية والعصور الإسلامية. مصطفى الجوزو. دار الطليعة، بيروت. 1982.

نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين (من الكندي حتى ابن رشد). ألفت كمال الروبي. دار التنوير، بيروت.ط 1/1983.

نظرية النظم بين المعتزلة والشاعرة. أحمد أبو زيد. مجلة كلية الآداب، فاس. ع 4/ 1988

النقد الادبي الحديث. غنيمي هلال. دار الثقافة . دار العودة. بيروت ـ لبنان 1973.

النقد الادبي في القيروان في العهد الصنهاجي. أحمد يزن. مكتبة المعارف الجديدة، الرباط. 1985.

نقد الشعر عند العرب حتى القرن الخامس للهجرة. أمجد الطرابلسي. ترجمة ادريس بلمليح. دار توبقال، البيضاء. ط 1/1993.

نقد الشعر. قدامة بن جعفر. ت. محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان (د.ت)

النقد واللغة في رسالة الغفران. أمجد الطرابلسي. مطبعة الجامعة السورية، دمشق. 1951.

 

فهرس الموضوعات

إهداء:

تقديم:

1 ـ الاتجاه الشفوي (المرحلة الشفوية):

2 ـ الاتجاه اللغوي (العروض):

3 ـ البديع ونقد الشعر:

3 ـ 1 ـ ابن طباطبا العلوي (ت322هـ):

3 ـ 2 ـ قدامة بن جعفر (ت327هـ):
3 3 ـ المرزوقي (ت427هـ):

4 ـ البيان أو بلاغة الاقناع:

5 ـ البلاغة العامة:

5 ـ 1ـ أبو هلال العسكري(ت395هـ):

5 ـ 2 ـ ابن سنان الخفاجي (ت466هـ):

6 ـ الاعجاز ونظرية المعنى:

7 ـ الاتجاه الفلسفي ونظرية المحاكاة:

7 ـ 1 ـ الفلاسفة المسلمون:

7 ـ 2 ـ حازم القرطاجني (ت684ه)

7 ـ 2 ـ 1ـ دواعي تأليف منهاج البلغاء وسراج الأدباء:

7 ـ 2 ـ 2 ـ مفهوم الشعر:

7 ـ2 ـ 3 ـ طرق الشعر وأغراضه:

         أ ـ الطرق الشعرية:

        ب ـ الأغراض الشعرية:

7 ـ 2 ـ 4 ـ في الإبانة عن أنماط الأوزان:

7 ـ 2 ـ 5 ـ تناسب الوزن والغرض:

خاتمة:

المصادر والمراجع:

 

 



[1]  ـ مقدمة الإلياذة 1/ 91. التفسير النفسي للأدب: 58 ،59. أصول النقد الأدبي: 322.

[2] ـ استقينا هذه الاتجاهات من أطروحة الدكتور محمد العمري "الموازنات الصوتية في لغة الشعر"، مع اختلاف بسيط لا يسيء إلى جوهر تقسيمه. (الاطروحة: 320).

[3] ـ يشير محمد العمري إلى أن العلاقة الموضوعية بين 1/البديع ونقد الشعر، و2/البيان أو بلاغة الإقناع، و3/ البلاغة العامة، هي علاقة احتواء وتضمُّن. "فإذا كان البديع ونقد الشعر متجهين أساسا إلى النص الشعري، فإن البيان ينطلق من النص الخطابي أساسا دون أن يبعد الشعر، بل يستوعبه كما يستوعب صور الدلالة على المعاني لغوية أو منطقية. أما البلاغة العامة، فقد حاولت أن تستوعب البديع وتستخلص العناصر اللغوية من البيان، أي ما يهم الصناعتين: الشعر والنثر". الموازنات الصوتية في لغة الشعر(الأطروحة: 320).

[4]  ـ  تاريخ النقد الأدبي عند العرب: 24 ـ 25.

[5] ـ الأغاني 11/ ؟؟؟

[6]  ـ أمجد الطرابلسي. النقد واللغة: 120.

[7]  ـ الجاحظ. البيان والتبيين. 1/ 139.

[8] ـ المرزباني. الموشح: 13.

[9]  ـ ابن جني . الخصائص 1/ 240.

[10] ـ نفسه: 1/ 240.

[11] ـ تمام حسان. اللغة العربية معناها ومبناها: 12.

[12]  ـ محمد بن عبد العزيز الدباع. تيسير علم العروض والقافية: 17.

[13]  ـ انظر: الموازنات الصوتية في الشعر: 327.

[14]  ـ الدماميني. العيون الغامزة على خبايا الرامزة: 201.

[15]  ـ الجوهري. عروض الورقة: 11.

[16]  ـ محمد العلمي. العروض والقافية، دراسة في التأسيس والاستدراك: 137.

[17] ـ الأخفش. كتاب العروض للأخفش، ضمن مجلة فصول. ع2/86. ص 144. ت. سيد بحراوي

[18]  ـ أدونيس. الشعرية العربية: 31.

[19]  ـ محمد العلمي. العروض والقافية: 138.

[20]  ـ العمدة1/ 270 ـ271.

[21]  ـ اعتمدنا في وضع هذا الجدول على "لسان العرب"، و"تاج العروس"، "والقاموس المحيط". وتشير علامات الاستفهام إلىاحتمال العلاقة بين باقي الأوزان الأخرى والغناء، وهو ما سنشير إليه لاحقا.

[22]  ـ موسيقى الشعر العربي، مشروع دراسة علمية: 149.

[23]  ـ كتاب القيان، ضمن رسائل الجاحظ: 2/ 161 ـ 162.

[24]  ـ الصاحبي: 230.

[25]  ـ الموسيقى الكبير: 1093.

[26]  ـ الشعرية العربية: 14 ـ 22.

[27]  ـ وعلق محمد العمري ـ مشكورا ـ على هذا الاستنتاج بقوله: "إن الأخذ بمثل هذا الرأي قد يظل محفوفا في الآن نفسه بعدة مزالق، تعود في أساسها إلى تنازل الشعر عن بعض سلطاته ووظائفة للكتابة، بما تتيحه هذه الأخيرة من إمكانات قد لا تتيحها الشفوية. فقد أخذ معها المسموع بُعدا بصريا وبصائريا يتيح للعقل النظر والتأمل في احتمالات البيت والقصيدة".

[28]  ـ تاريخ الشعر العربي حتى آخر القرن الثالث الهجري: 92.

[29] ـ الخصائص1/ 240.

[30]  ـ  رسائل إخوان الصفا وخلان الصفا: 144 ـ 145.

[31]  ـ انظر: محمد العمري. بنية التقابل والتوازن، قراءة في البلاغة العربية. مجلة د.أ.ل. عدد6/87.ص 18 ـ19، والبنية الصوتية في الشعر: 15 ـ 18. وبدوي طبانة، البيان العربي: 99. وعبد العزيز عتيق. تاريخ النقد الأدبي: 399 ـ 400.

[32] ـ عيار الشعر: 15.

[33] ـ انظر: يوسف حسين بكار. الإطار الشعري وفلسفته في النقد العربي. مجلة فصول.ع1/85. ص57 وما بعدها.  وجابر عصفور. مفهوم الشعر: 25.

[34]  ـ بناء القصيدة العربية: 161.

[35]  ـ عيار الشعر: 11.

[36]  ـ نفسه: 21.

[37]  ـ نفسه: 9.

[38]  ـ نفسه: 18، 19.

[39] ـ نقد الشعر: 62.

[40]  ـ نفسه: 65.

[41] ـ نفسه: 69. فالشعر عنده: "قول موزون مقفى يدل على معنى"، نفسه: 64. أي: "لفظ موزون مقفى يدل على معنى"، نفسه: 68.

[42] ـ انظر: نقد الشعر، ص 61,

[43] ـ نفسه: 62

[44]  ـ مفهوم الشعر: 109.

[45] ـ من هؤلاء: طه إبراهيم في كتابه (تاريخ النقد الأدبي عند العرب: 129). وشوقي ضيف (البلاغة تطور وتاريخ: 79 ـ 82)، وعبد المنعم خفاجي (مقدمة نقد الشعر: 57)، وأحمد مطلوب (اتجاهات النقد الأدبي في ق 4هـ: 65)، وشكري عياد (في الشعر: 233)، وإحسان عباس (تاريخ النقد الأدبي : 189 ـ 190)، وغنيمي هلال (النقد الأدبي الحديث: 177)، وغيرهم..

[46] ـ شكري عياد. موسيقى الشعر العربي: 151 ـ 152.

[47]  ـ حسين بكار. مقدمة القصيدة العربية: 164

[48]  ـ  طه حسين. مقدمة نقد النثر: 16 ـ 17.

[49] ـ لا نشك في أن قدامة قد تأثر في كتابه "بخطابة" أرسطو. انظر: طه حسين. مقدمة نقد النثر، ص 16 ـ 17. وغنيمي هلال. النقد الأدبي الحديث، ص 177.

[50]  ـ غنيمي هلال. النقد الأدبي الحديث: 175،  وطه إبراهيم. النقد الأدبي عند العرب: 132 ـ 133.

[51] ـ إحسان عباس. تاريخ النقد الأدبي عند العرب: 208.

[52] ـ المرزوقي. مقدمة ديوان الحماسة: 11. فإحسان عباس لا يستبعد أن يكون المرزوقي، قد اطلع على آراء ابن قتيبة، وابن طباطبا، وقدامة، والجرجاني. كما لا يستبعد أن يكون قد قرأ "الصاحبي" لابن فارس. (تاريخ النقد الأدبي عند العرب: 398، 405).

[53]  ـ المرزوقي. مقدمة ديوان الحماسة: 8 ـ 9.

[54]  ـ نفسه: 8 ـ 9.

[55]  ـ الأسس الجمالية في النقد العربي: 299.

[56]  ـ نفسه: 374 ـ 375.

[57]  ـ نفسه: 10

[58]  ـ  نفسه: 10

[59]  ـ الجاحظ. البيان والتبيين، ج1/67.

[60]  ـ نفسه: 1/ 67.

[61]  ـ نفسه:  1/ 67.

[62]  ـ المرزوقي. المقدمة: 10.

[63]  ـ نفسه: 10. وانظر حديثنا عن دور الغناء في كشف بعض المساوئ العروضية (المرحلة الشفوية).

[64] ـ  رسالة الغفران: 151. والعمدة 1/ 74.

[65]  ـ أحمد يزن. النقد الأدبي في القيروان، العهد الصنهاجي: 206 ـ 207.

[66]  ـ الحيوان: 3/ 164 ـ 165.

[67] ـ  البرهان في أوجه البيان: 164ـ 165.

[68] ـ نفسه: 10.

[69] ـ نفسه: 10.

[70]  ـ نفسه: 11.

[71]  ـ نفسه: 13.

[72]  ـ نفسه : 139.

[73]  ـ موسيقى الشعر العربي: 149.

[74]  ـ بناء القصيدة في النقد العربي القديم: 161.

[75]  ـ الصناعتين: 156 ـ 157. وحصر الفروق بين الشعر والكتابة والخطابة في إطار تفاخري لا يتجار بعض المقامات، أو بعض الفروق الشكلية مثل اختصاص الشعر بالوزن. (نفسه: 154 ـ 155).

[76]  ـ سر الفصاحة: 13.

[77]  ـ نفسه: 15.

[78]  ـ نفسه: 13.

[79]  ـ نفسه: 235.

[80]  ـ محمد العمري. أدبية النص في البلاغة العربية. مجلة د.أ. ل. عدد4/ 86. ص: 96.

[81]  ـ سر الفصاحة: (64ـ 92)، (97 ـ 110).

[82]  ـ نفسه: 235.

[83]  ـ نفسه: 234.

[84] ـ موسيقى الشعر: 152.  وبناء القصيدة العربية: 164.

[85]  ـ سر الفصاحة: 286، 287، 289.

[86]  ـ نفسه: 146 ـ 147..

[87]  ـ نفسه: 192 ـ 193..

[88]  ـ نفسه: 256.

[89]  ـ محمد العمري. تحليل الخطاب الشعري: 17. وأحمد أبو زيد. نظرية النظم بين المعتزلة والأشاعرة. مجلة كلية آداب فاس. ع4/86. ص: 357.

[90]  ـ دلائل الإعجاز: 51.

[91]  ـ نفسه: 44 ـ 52.

[92]  ـ نفسه: 20.

[93]  ـ نفسه: 296.

[94]  ـ نفسه: 20.

[95]  ـ نفسه: 7.

[96]  ـ يتضح ذلك مع أبي بكر الباقلاني (ت403هـ) الذي يرى أن الحديث عن الشعر، وبسط القول فيه خارجٌ عن غرض كتابه، وأن الكلام فيه يتصل بنقد الشعر وعيّاره ووزنه ومعياره. ولم يتردد في وصف كل الأشعار المتفق على جودتها وتقدم أصحابه في صناعتهم بالغثاتة. إعجاز القرآن: 138، (158 ـ 182)، 215، (349 ـ 350).

[97]  ـ ابن سينا. فن الشعر من كتاب الشفاء: 161. وانظر تعريف حازم. منهاج البلغاء: 75.

[98] ـ تؤكد إلفت كمال الروبي أن ما انتهى إليه الفلاسفة من علاقة بين الوزن والغرض، كان نتيجة لتصورهم هم أنفسهم للوزن الشعري وعلاقته بالمعنى، وليس نتيجة لأنهم أساؤوا فهم النص الأرسطي. (نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين من الكندي حتى ابن رشد: 261 ـ 2632).

[99] ـ فهذا ابن سينا يختتم تلخيصه بقوله: "ولا يبعد أن نجتهد نحن فنبدع في علم الشعر المطلق وفي علم الشعر بحسب عادة هذا الزمان، كلاما شديد التحصيل والتفصيل". فن الشعر من كتاب الشفا : 191 ـ 198.

[100]  ـ مقالة في قوانين صناعة الشعر للمعلم الثاني، ضمن كتاب فن الشعر : 152.

[101]  ـ فن الشعر من كتاب الشفاء: 163.

[102]  ـ المصدر نفسه: 183.

[103]  ـ تلخيص الشعر، ضمن كتاب  فن الشعر: 211.

[104]  ـ المصدر نفسه: 208.

[105]  ـ منهاج البلغاء: 10.

[106]  ـ نفسه: 26،  124، 125.

[107]  ـ جابر عصفور. مفهوم الشعر: 136.

[108] ـ منهاج البلغاء: 338، 368.

[109]  ـ جابر عصفور. مفهوم الشعر: 130، 141.

[110] ـ منهاج البلغاء: 27.

[111]  ـ نفسه: 71.

[112] ـ انظر: جابر عصفور. مفهوم الشعر 156، 157.

[113]  ـ  منهاج البلغاء: 72.

[114]  ـ انظر: مصطفى الجوزو. نظريات الشعر 54.

[115]   ـ منهاج البلغاء: 28.

[116] ـ منهاج البلغاء وسراج الأدباء، حازم القرطاجني: 109 ـ 110. وانظر شروحه لوصية أبي تمام، المصدر نفسه: 204.

[117] ـ منهاج البلغاء: 336.

[118]  ـ نفسه: 327.

[119]  ـ نفسه" 11.

[120]  ـ المصدر نفسه: 327.

[121] ـ المصدر نفسه: 328 ـ 333.

[122] ـ المصدر نفسه: 327.

[123]  ـ المصدر نفسه: 331.

[124]  ـ المصدر نفسه: 331 ـ 334.

[125]  ـ المصدر نفسه: 334.

[126]  ـ المصدر نفسه: 330.

[127] ـ المصدر نفسه: 337 ـ 340.

[128]  ـ المصدر نفسه: 12. وتشير النقط إلى حذف بالكتاب مقداره سطر كامل.

[129]  ـ المصدر نفسه: 341.

[130]  ـ انظر المعلم الدال على طرق العلم بما يجب اعتماده في كل غرض من أغراض الشعر. المنهاج: 351 ـ 353.

[131]  ـ منهاج البلغاء: 263.

[132]  ـ نفسه: 117.

[133]  ـ نفسه: 263.

[134]  ـ نفسه: 264.

[135]  ـ منهاج البلغاء: 243 ـ 244.

[136]  ـ المصدر نفسه: 235، 244، 258.

[137]  ـ المصدر نفسه: 227، 245، 249، 267 وما بعدها.

[138]  ـ المصدر نفسه: 267. وانظر حديثه عن "التنافر" و"التضاد"، ص: ( 230 ـ 231)، ( 240ـ 241)، 247.

[139]  ـ المصدر نفسه: 243.

[140]  ـ المصدر نفسه: 267.

[141] ـ المصدر نفسه : 238.

[142] ـ المصدر نفسه: 259.

[143]  ـ المصدر نفسه:  269.

[144]  ـ المصدر نفسه:  204.

[145] ـ منهاج البلغاء: 226 ـ 227.

[146]  ـ المصدر نفسه: 226.

[147]  ـ المصدر نفسه: 266.

[148]  ـ نفسه: 205 ـ 206. تشير النقط إلى بياض في الأصل مقداره  بيت ثلث و نصف سطر

[149]  ـ نفسه: 269.

[150] ـ المصدر نفسه: 269 ـ 270.

[151]   ـ نفسه: 269، 270.

[152]  ـ منهاج البلغاء: 268.

Publicité
Publicité
مدونة الدكتور عبد الإله كنفاوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان- المغرب
Publicité
Archives
مدونة الدكتور عبد الإله كنفاوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان- المغرب
Publicité