Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
مدونة الدكتور عبد الإله كنفاوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان- المغرب
15 décembre 2015

فروسيـة القـدس عند أحمد المجاطي

 

إنها فروسية في اتجاه الرفض للمؤامرة التي تعرض لها الفلسطيني، في بيته الروحي الطاهر : القدس1.

وإن شئت هذه هي الرؤيا في شعر المجاطي، إنها رؤية كارثية، تصدر عن وعي يعرف أنه مهزوم، ولكن يظل يبحث عن مجالات للصراع، لأنه وعي جمعي، يشكل الأمة ويتمثلها، والأمة لا تستقيل، ولا تستسلم، أما القادة والزعماء فنعم2.

 

" منتظرا مازلت

        أرقب العصا

       تفسخ جلد الحية الرقطاء " (الفروسية)

 

سلاح الشاعر -إذن- حسه الشاعري المرهف، وشعوره العميق بمأساة الشعب العربي قاطبة، مأساة أشبه بجنازة سوداء، إستعار لها الشاعر، هذا التعبير الرمادي القاتم، مستهلا قصيدته : "القدس"، بما يشبه الدفن الحقيقي حين قال :

 

" رأيتك تدفنين الريح

 تحت عرائش العتمة

وتلتحفين صمتك

خلف أعمدة الشبابيك

تصبين القبور

وتشربين

فتظمأ الأحقاب"

فماذا يقصد بهذه الريح، التي رآها تدفن في مملكة الظلام ؟ هل هي تلك الفروسية التي كانت تدفع بالعربي أن يكون مثل ريح عاتية. لصد كل عدوان يتهدد خيمته! كل القرائن تخدم هذا الاحتمال.

في البدء، نختار أن نقف عند عنوان هذه المداخلة التي تستمد مشروعيتها من التجربة المجاطية، وبالضبط من قصيدتيه : "الفروسية" و"القدس".

ولا بأس -إذن- أن نتوقف عند لسان العرب، لنتعرف على دلالة الكلمتين، باعتبارهما النواتين المشكلتين لهذه المقصدية التي نريد بلوغها.

فكلمة فرس، تعني الخيل، وتجمع على أفراس، وراكبه فارس، والفارس : صاحب الفرس على إدارة النسب.

وحكى اللحياني وحده، فرس، وفرس إذا صار فارسا. والفَراسة بالفتح، مصدر قولك رجل فارس على الخيل.

الأصمعي : يقال : فارس بين الفروسية والفراسة والفروسية، وإذا كان فارسا بعينه ونظره، فهو بين الفراسة، بكسر الفاء.

ويقال : إن فلان لفارس بذلك الأمر إذا كان عالما به.

ويقال : اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله. وقد فرس فلان بالضم، يفرس فروسة وفراسة إذا حذق أمر الخيل، قال : وهو يتفرس إذا كان يرى الناس أنه فارس على الخيل، ويقال : وهو يتفرس إذا كان يتثبت وينظر[1].

فأين تتموقع قصيدة "الفروسية", والشاعر من هذه المعاني، وما هي علاقتها بقصيدة القدس. ذلك ما سنحاول الإجابة عنه خطوة خطوة.  

أما كلمة "قدس"، فتعني : التقديس، أي تنزيه الله عز وجل، وفي التهذيب، القدس : تنزيه الله تعالى.

والتقديس : التطهير والتبريك، وتقدس أي تطهر.

وفي التنزيل؛ ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك. الزجاج : معنى نقدس لك، أي نطهر أنفسنا لك، وكذلك نفعل بمن أطاعك، نقدسه، أي نطهره.

ومن هذا بيت المقدس، أي البيت المطهر، أي المكان الذي يتطهر به من الذنوب.

وحكى ابن الأعرابي، والمقدس المبارك، والأرض المقدسة : المطهرة. وقال الفراء : الأرض المقدسة الطاهرة " وهي دمشق وفلسطين وبعض الأردن[2].

هذه هي القدس، مكان مقدس، طاهر، ومطهر " جملة معان تستحق أكثر من فارس، وفرس يبديان عن فروسيتهما لحمايتها وتطهيرها من الدنس" ومن "خناجر الثعبان"، من "لسعة العقرب"، و"ضحكة القرصان".

إنها "القدس"، متعطشة للموت :

"ظمئنا والردى فيك

فأين نموت يا عمه".   (الفروسية)

فقد تربع على عرشها، انتصار العدو، وبدت الصحراء، أكثر تعطشا لـ"صريف الموت"، والثعبان والقرصان، يذبح، يشمخ :

 

-" تحز خناجر الثعبان

     ضوء عيونك

الأشيب.

-" تشمخ في شقوق التيه

تسمخ لسعة العقرب.   (القدس)

 

بينما هذه "الهزيمة"، أو هذا "السقوط"، لم يصنع إلا :" أشباحا من خبب بطئ "أو "كئيب"، ولم يعرف سوى "خيولا تعلك المدى" و"قنبا سال من جعبة باروده" و"تائهون في مدار الوخد يحلمون بلحظة ينحسر الزمان فيها وراء كان" ؛.

فـ :"أنت لا تملك أن تسدد المهماز … فتصرع الشيب" حتى "الباروده" "استفاق الثلج في أحشائها"، فقد :

 

"ذب الأسى في مكبس القرس،

واستنامت فورة اللهيب

لنشوة الصمت

خلال رعشة الدخان."    (الفروسية)

 

ولم "تستطع أن ترى "التفاحة في ضحكة الثعبان" إلى أن يقول :

"منتظرا ما زلت

أرقب العصا

تفسخ جلد الحية الرقطاء".     (الفروسية)

 

بمعنى، إذا كان الشيطان قد أغرى آدم وحواء، فإن الشاعر، ما يزال ينتظر أن تتحول العصا إلى ثعبان حقيقي، فتلقف هذه الحية الرقطاء، التي ابتلعت معها " البيت المقدس"، وهذا لن يتحقق إلا بإثارة مشاعر الحماسة والفروسية والإقدام، وبإعادة الدفء والحرارة إلى "مكبس الباروده"، يصاحبه خبب، بالشد والمجدول والكمية، خبب سريع، يسمع صهيله في كل الأرجاء.

فإذا كان الشاعر، قد استند في التخفيف من حدة هذه المأساوية، على أسلوب التوقع والمفاجأة، أو المخادعة، وما يستتبعه من استشارة للهمم العربية، فإنه  موازاة مع ذلك كان يعيى ما تتطلبه حداثة شعرية، تكون تعبيرا موفقا لما يتطلع إليه الوجدان الجمعي للأمة العربية.

فهو، إذا كان قد وجد في النظام الذي خلفته الكلاسيكيات الشعرية القديمة، ما يساعده على التقدم خطوة نحو بنية إيقاعية، تكون وعاء مناسبا لما تحبل به الأسرار الشعرية الجديدة من معان ورؤى، تسعى للانفلات من كل قيد، فإنه من حيث المبدأ العام، لم يخرج عن بحور الخليل ونظامه، وإن كان قد تخلى عن وحدة البيت، واستقلاليته لفظا ووزنا ومعنى.

والحال هذه، فإنه يجب أن لا ننسى أن الشاعر، قد وجد في زمان "التجربة"، إلى جانب كونه أستاذا "ومنظرا، ناهيك أنه كان واحدا من المهووسين بثقل الكلمة، (فسيطرة هوس الكتابة على نفسيته)، كل هذا جعل منه شاعرا حداثيا، مهموما بالطرح الجديد للتجربة الشعرية الحديثة، التي لم تعد تولي للبيت أي اهتمام يذكر، بل وقع التركيز في هذه المرحلة على ما يمكن تسميته بمزايا "الكتابة بالفعيلة"، نظرا لارتباطها بالحالة النفسية أو الشعورية، التي يصدر عنها الشاعر. فالحالة الشعورية أو المعنى هما المتحكمان في قصر الأسطر وطولها، شريطة ألا يتجاوز السطر ثمان تفعيلات، أي أقصى ما يصل إليها عددها في البيت التقليدي. ويمكن أن يصل إلى عشر أو اثني عشر تفعيله1. أما إذا زاد على ست عشر تفعيله، اعتبر جملة شعرية طويلة2.

وقد جرب شاعرنا، جميع الإمكانات المتاحة، فحقق -في قصيدة القدس- نوعا من التصالح بين القصيدة الحديثة، والقصيدة القديمة، فالتزم في أغلب أسطرها بنفس النظام ذي الشطرين، بحيث أن كل سطر من أسطرها مكون من تفعيلتين، وهذا يتماشى مع طبيعة الوافر المجزوء الذي اختاره أن يكون قالبا يصب فيه تجربته الشعرية هذه، باعتبارها تجربة حديثة تتناسب والأوزان الصافية التي منها، هذا الوزن الذي يقوم نظام الشطرين فيه على : مفاعلتن مفاعلتن (مرتين). وقد كان التدوير الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا التصالح، الذي لا نكاد نعثر له عن أثر في قصيدة "الفروسية".

فالسطر الشعري فيها لن يقوم مقام الشطر، وإنما سيخضع لطبيعة الجملة الشعرية والدفقة الشعورية. ولعل هذا هو ما جعل الشاعر يحطم وحدة البنية الإيقاعية، في قصيدته هذه، ويجمع فيها بين وزنين هما :

الرجز /مستفعلن، والمتدارك /فاعن

إلى حدود هنا، نكون قد وصلنا إلى بيت القصيد. فإذا كنا قد ربطنا بين الفروسية والقدس، من خلال الحمولة الثقافية للكلمتين، إن على مستوى المعجم، أو على مستوى التجربة الشعرية عند المجاطي، فإن ما يشجعنا أكثر على هذا الربط بين الكلمتين، هو الاختيار الموفق لأوزانهما الشعرية.

فما هي -إذن- العلاقة المشتركة بين هذه الأوزان، وما هي خاصياتها الموسيقية، أو ما هو الدافع إلى اختيارها لكي تكون وعاء تصب فيها هذه التجربة؟.

للإجابة عن هذه التساؤلات، نختار أن تكون مرجعيتنا وجهات النظر النقدية المختلفة إلى الموضوع، لأننا سواء عملنا على تبني وجهة النظر التقليدية، أو عمدنا إلى تبني وجهة النظر الإيقاعية، فإننا -في نهاية المطاف- سنصطدم بمجموعة من الأوصاف التي تلصقها وجهات النظر المختلفة بالأوزان الشعرية، وهي أوصاف تستدعي مراعاتها أثناء العملية الإبداعية.

 

فالأوزان تكسب أوصافا، بحسب قوة المشاكلة والمناسبة بين الأجزاء، وبحسب ما تكون عليه الأجزاء من كزازة وجعودة أو سباطة أو لدونة أو اعتدال، وذلك بحسب أعداد المتحركات إلى عدد السواكن، وبحسب ترتيب وضع بعضها من بعض، وبحسب ما تكون عليه مظان الاعتمادات، كأن تكون "قوية شديدة " أو" ضعيفة لينة" أو معتدلة1.

إن مثل هذه الصفات الذاتية، وهذا التميز بينها، هو ما جعل الشعراء يتخيرون أنسبها للتعبير عن تجاربهم النفسية.

فما هي الأوصاف التي تميز أوزان هاتين القصيدتين ؟

بدءا، نتوقف عند قصيدة "القدس"، فالبناء الوزني فيها يقوم على "متفاعلتن"، أي على وتد مجموع (- -0) "مفا" وفاصلة صغرى (- - -0) علتن، وإن شئت قلت كل تفعيلة تقوم على خمس حركات وساكنين.

"وما ائتلف من أجزاء تكثر فيه الحركات، فإن فيه لدونة وسباطة"2.

وقد لجأ المجاطي أحيانا كثيرة إلى تسكين خامسه المتحرك، فأبدل "مفاعلتن" "بمفاعيلن" (- -0 - 0 - 0)، وتقوم هذه التفعيلة على وتد مجموع (- - 0) وسببين           حفيفين (- 0) (- 0) مضيفا بذلك إلى هذا الوزن خاصيات أخرى هي : الكزازة والتوعر. "فما ائتلف من أجزاء تكثر فيها السواكن، فإن فيه كزازة وتوعرا3 بحيث أصبحت سكنات شطر المجزوء اثني عشر ساكنا أي بزيادة أربع سواكن في كل شطر.

فعدم استقراره على حالة نفسية واحدة، هو الذي جعله ينوع من إيقاع هذا الوزن، حتى إننا نرى تفاوتا في عدد التفاعيل الصحيحة والمزاحقة في فقرات قصيدته.

فالدفقة الشعورية الأولى، تتكون عنده من عشرين تفعيلة منها ثمان تفعيلات، سكن خامسها المتحرك بالعصب، واثنين سكن خامسها المتحرك وأسقط سابعها الساكن بالنقص، وهما "الشبابيك" و"الردى فيك "، وهذه التقنية سيعاودها مع الدفقة الشعورية الثانية في عبارته "من أين آتيك"، بحيث جمع فيها بين اثنين وعشرين تفعيلة، منها خمسة عشر تفعيلة عمد إلى تسكين خامسها المتحرك، أي بزيادة ثمان تفعيلات عن الفقرة الأولى.

وتزداد الدفقة الشعورية تناميا كلما توجهنا نحو الفقرة الموالية، إذ ستجمع بين سبعة وعشرين تفعيلة، منها ست عشر تفعيلة سكن خامسها المتحرك.

وليست الزحافات والعلل التي يخرج إليها الشاعر عن قصد، أو دون قصد، سوى تعبير عن تلك الحركة النفسية الإيقاعية التي تلح عليه، فتجعله يسرع أو يبطئ. ويمكن القول، بأن مبدأ التحول هذا المتمثل في تسكين الخامس المتحرك. بالنسبة لما مجموعة اثنان وأربعون تفعيلة، وحذف السابع الساكن، مع تسكين الخامس المتحرك، بالنسبة لثلاث تفعيلات، هو ما جعل إيقاع هذه القصيدة، يميل نحو صفات هي :

السباطة والجعودة، مع الاحتفاظ بصفة الاعتدال، وكذا القوة والشدة فيما يتعلق بالتفاعيل الصحيحة والتي يبلغ مجموعها تسعة وعشرون تفعيلة.

 فنسبة التفعيلات التي تمتاز بالسباطة والجعودة، هو حسب الدفقات الشعورية الثلاث كالتالي 10-8-11/ مقابل 10-16-16. وهذا وحده يؤكد غلبة المقاطع الساكنة على الموقف الشعوري الذي ازدادت معه سرعة التنفس، فتطلب بحرا قصيرا يلائم أحزانه وأشجانه.

وكما تلاحظون، فقد عمد الشاعر إلى استخدام تنويعاته الثلاث الممكنة، وهي :

-مفاعلتن / الصحيحة             

-مفاعيلن / المعصوبة

-مفاعيل / الناقصة

فما الذي يجمع بين تنويعات تفاعيل هذا الوزن وخاصياته الموسيقية، وبين البناء الوزني لقصيدة الفروسية، بل لماذا هذا الاقتران بين القصيدتين ؟.

لقد سبقت الإشارة، إلى أن هذه القصيدة تجمع بين تفعيلتين هما :               تفعيلة /الرجز : مستفعلن.

وتفعيلة / المتدارك : فاعلن

وبالرجوع إلى التنويعات التي مست التفعيلتين معا، نلاحظ أن تفعيلة الرجز، أخذت الصور التالية :

-إما صحيحة : مستفعلن (- 0 / - 0 / - - 0)

-أو مخبونة : متفعلن (- - 0 / - - 0)

-أو مطوية : متفعلن (- 0 / - - - 0)

-أو تجمع بين الجنن والطي : فعلتن ( - - - - 0)

-أو تجمع بين الجنن والقطع : فعولن (- - 0 / - 0)

ولن نعرض إلى عدد كل واحدة من هذه التشكيلات الإيقاعية لأنها جميعا، لا تخرج عن طبيعة تفعيلة "المتدارك" والتي أخذت هي  الأخرى التشكيلات التالية :

-صحيحة : فاعلن (- 0 / - - 0)

-مخبونة : فعلن (- - - 0)

-أو مقطوعة : فعلن (- 0 / - 0)

وبالنظر إلى عدد سكنات هذه التشكيلات وحركاتها، فإن هذين الوزنين يكتسبان صفات هي :

-" الجعودة"، بالنسبة (مستفعلن، / 0 / 0 / / 0)" إلى الرجزية، فهي تتوالى فيها ثلاث سواكن من جزء واحد، بالإضافة إلى القوة والشدة لوقوف نهايتها على وتد.

-" الاعتدال" : بالنسبة لـ(متفعلن، / / 0 / / 0) و(فعولن، / / 0 / 0) لتوالي ساكنين من جزء واحد.

-" السباطة" : بالنسبة لـ (مفتعلن، /0 / / / 0)، فهي تتوالى فيها ثلاث حركات من جزء واحد.

-أما (فعلتن، / / / / 0)، فالأصل فيها "مستفعلن"، حذف ثانيها، وطوي رابعها، فبقي :" متعلن"، فنقلت إلى "فعلتن"، وهو "المخبول" والغريزة تنفر منه، فاجتماع أربع حركات يعني : الازدحام والتراكم والاضطراب، ومخالفة المعتاد. وربما لذلك كان استعمال هذا التركيب قليلا في الشعر العربي1.

وتمتاز التشكيلات "المتداركية"، بالخاصيات التالية :

-"الاعتدال والقوة والشدة"، بالنسبة لـ "(فاعلن ، / 0 / / 0)

-"السباطة "، بالنسبة لـ (فعلن، / / / 0)

-القوة والشدة بالإضافة إلى الاعتدال بالنسبة لـ(فعلن، / 0 / 0).

وتبقى "الجعودة" التي تمتاز بها "مستفعلن" الزجرية، هي الغائبة عن تشكيلات المتدارك.

إن هذه الخاصيات الموسيقية التي أتينا على ذكرها، هي التي تميز تشكيلات الوافر :

فـ "مفاعلتن، / / 0 / / / 0)، تمتاز بالسياطة والسهولة،                          و" مفاعيلن، / /0 / 0 / 0) بالجعودة والقوة والشدة، بينما تمتاز (مفاعيل، / / 0 / 0 /) بالقوة والاعتدال.

إذن، ما الذي يوحد بين هذه التفعيلات الثلاث ؟ هل هي هذه الفروسية التي جعلت الشاعر يركض ركض الخيل في قصيدته، باعتماد حركية البطء والإسراع المتمثلة في تقنية تثقيل الخفيف، وتخفيف الثقيل من كل ميزان ؟ !

كان أول ما استرعى انتباهي لطرق هذه الإشكالية، مقطعين شعريين، تضمنا لفظ "الخبب" مقرونا بالبطء والكآبة في قصيدته "الفروسية"2. ولولا أنني لم أعمد إلى تقطيع هذه القصيدة، لقلت إن وزنها هو الخبب، أو ركض الخيل، تشبيها له في السرعة، لكني لم أفاجأ، حينما وجدت الشاعر زواج بينه وبين الرجز، فبينهما خاصيات موسيقية مشتركة، تعود في الأصل إلى نسبة عدد حركات وسكنات كل واحد منهما. وهو ما جعل الشاعر يربط بينهما تحت نسق واحد، هو هذا الركض الذي يؤلف بينهما، وبين "وافر" "القدس" المجزوء، وما يوحي به هو الآخر من معاني الفروسية، بعد تلك التعديلات التي لجأ إليها الشاعر، والمتمثلة في تكسير تثاقله، وتحويل (مفاعلتن، / / 0 / / / 0) إلى          (مفاعيلن، / / 0 / 0 / 0)، بحيث تصبح  "مفاعلتن، هي مفاعيلن"، وكلاهما يتضمنان :        " فعلن / / / 0، علتن" و"فعلن، / 0 / 0) عيلن".

هذه الملاحظة تنطبق هي الأخرى على تفعيلة الرجز فـ"مستفعلن، / 0 / 0 / / 0" تتضمن :( فعلن /مستف) و(فاعلن/ تفعلن).

بالإضافة إلى الخاصيات الموسيقية المشتركة بين هذه التفاعيل، يمكن أن نخلص إلى القول، بأن علاقة القدس بالفروسية، هي علاقة خببية، أفرزها هذا التعديل الذي تعمده الشاعر بجعل اثنين وأربعين تفعيلة مزاحفة، مقابل تسع وعشرين تفعيلة صحيحة، مجموع سكناها جميعا إلى عدد متحركاتها هو واحد وسبعون ومائة ساكن، مقابل تسعة ومائتان حركة، وهذا وحده يكفي للدلالة على أن إيقاع هذه القصيدة، هو إيقاع خببي سريع، ولا يستند إلى المبدأ العام الذي يرى أن عدد السواكن، يجب أن يحوم حول الثلث ولا يتعداه.

وأخيرا، فإنه إذا أخذنا بعين الاعتبار كذلك عنوان الديوان الذي تخيره الشاعر لقصائده، فإنه سيصبح التساؤل عن فروسية القدس (الكئيبة) تساؤلا مشروعا.

 

 

 

المصادر والمراجع :

 

-ديوان الفروسية : أحمد المجاطي، سلسلة الابداع 2، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية. طI /487)

-قضايا الشعر العربي المعاصر : نازك الملائكة. مكتبة النهضة،                 بغداد ط 2/1965.

-لسان العرب لابن منظور. دار صادر. بيروت-لبنان(د.ت)

-منهاج البلغاء وسراج الأدباء : حازم القرطاجني، تحقيق : محمد الحبيب بن الخوجة. دار الغرب الإسلامي ط.3/ 1986.

-موسيقى الشعر، إبراهيم أنيس، دار القلم، بيروت-لبنان (د.ت)

-الوافي في العروض والقوافي : الخطيب التبريزي، تحقيق :عمر يحيى وفخر الدين قباوة، دار الفكر. دمشق ط3/1979.

        الملحق 1

الفروسية (1)

 

سحائب من نشوة الغبار

في الساحه

تصفع وجه النجم

أو تصوغ أشباحا

من خبب بطيء

والخيل تعلك المدى

تدك الواحة

بالشد والمجدول والكمية

والكف في معارك الجواد

والوجه الذي لاح

من خلل الزحام

وعورة اللحام

للريح مرميه،

وتنتشى زغروده

تهل أو تضيء

ويستفيق الثلج في أحشاء

باروده

* * *

التائهون في مدار الوخد

يحلمون

بلحظة ينحسر الزمان

فيها وراء كان

وبعدما يكون

رأيتهم يصاولون النجم

يرقصون

والخمر والمرايا

والكحل في الجراب

دب الأسى في مكبس القرس

استنامت فورة اللهيب

لنشوة الصمت

خلال رعشة الدخان

يا نافش الطاووس في ذيل

بلا سبيب

كيف ارتمت حوافر الجواد

دون أن أرى التفاحه

في ضحكة الثعبان

وقبل أن يهل فجر اللحظة الموعوده

فتنفث الباروده

سحائبا من نشوة الغبار في الساحه

* * *

منتظرا ما زلت

أرقب العصا

تفسخ جلد الحية الرقطاء

ألقيتها على الثرى

فلم تفض

أخشابها باللحم والدماء

منتظرا

تفلت من أصابعي الثوان

ويستفيض البرص الأبلق

في رجائي

وأنت لا تملك أن تسدد المهماز

لا تملك أن تخوض في الحناء

فتصرع الشيب

ولا تملك أن تعيدني

    فتى يمص الخمر من مراضع الدنان

حتى الصهيل الميت

حتى الخبب الكئيب

والقنب المفتول في حبالك

الممدوده

أمسى سرابا سال من جعبته

باروده،

يا نافش الطاووس في ذيل

بلا شيب.

 

 

       الملحق 2

"القدس"1

 

رأيتك تدفنين الريح

تحت عرائش العتمه

وتلتحفين صمتك

خلف أعمدة الشبابيك

تصبين القبور

وتشربين

فتظمأ الأحقاب

ويظمأ كل ما عتقت

من سحب ومن أكواب

ظمئنا

والردى فيك

فأين نموت يا عمه

* * *

تحز خناجر الثعبان

ضوء عيونك

الأشيب

وتشمخ في شقوق التيه

تشمخ لسعة العقرب

وأكبر من سمائي

من صفاء الحقد في عيني

أكبر

 وجهك الأجدب.

أيا بابا إلى الله

ارتمى

من أين آتيك

وأنت الموت، أنت الموت

    أنت المبتغى

الأصعب

* * *

مددت إليك فجرا من حنيني

للردى وغمست محراثي

ببطن الحوت

فأية غشوة نبضت بقلبي

في دم الصحراء

وأي رجاء

تفسخ في نقاء الموت

أشعل ظلمة الثابوت

في عيني

فجئت إليك مدفونا

أنوء بضحكة القرصان

وبؤس الفجر

في وهران

وصمت الرب أبحر في خرائب مكة

أوطور سنينا

* * *

 

وتلتفتين لا يبقى مع الدم

غير فجر في نواصيك

وغير نعامة ربداء

وليل من صريف الموت

قص جوانح الخيمة

تصبين القبور

وتشربين

فتظمأ الصحراء

ظمئنا

والردى فيك

فأين نموت

يا عمه1.

 



1 -اعتمدنا في هذه المداخلة قصيدتي الشاعر :" الفروسية والقدس"، أنظرهما في الملحق 1 و2.

2 - انظر : غلاف ديوان الفروسية لأحمد المجاطي، سلسلة الإبداع 2. منشورات المجلس القومي للثقافة العربية. ط I /1987.

[1] اللسان : مادة /فرس

[2] نفسه.

1 - أنظر : موسيقى الشعر : إبراهيم أنيس : 193 وما بعدها.

2 - أنظر : قضايا الشعر العربي المعاصر، نازك الملائكة. :29.

1-    الكزازة : الانقباض والتوعر

-اللدونة : الليونة

-السباطة : اللدونة والتدفق والاسترسال والسهولة والاستواء.

-الجعودة : أو" الجعدة" فهي "التي تتوالى فيها أربع سواكن من جزءين أو ثلاثة من جزء ". ويعني جازم بتواليها " ألا يكون بين ساكن منها وآخر إلا حركة يفقد معها الوزن استرساله".

-المعتدلة : فهي "التي تتلاقى فيها ثلاثة سواكن من جزءين، أو ساكنان من جزء".

-والقوية الشديدة : هي التي يكون الوقوف في نهاية أجزاءها على وتد أو سببين.

-والضعيفة اللينة : هي التي يكون الوقوف في نهاية أجزاءها على سبب واحد، ويكون طرفاه قابلين للتغيير. (انظر منهاج البلغاء : ص 260 267).

2 - المنهاج : 267.

3 - نفسه : 267.

1 - أنظر : الوافي في العروض -والقوافي : 218.

2 - المقطع الأول هو :

سحائب من نشوة الغبار

في الساحة

تصفع وجه النجم

أو تصوغ أشباحا

من خبب بطيء

والخيل تعلك المدى

تدك الواحة

(……)

المقطع الثاني، فهو :

حتى الصهيل الميت

حتى الخبب الكئيب

والقنب المفتول في حبالك

الممدودة

أمسى سرابا سال من جعبه

باروده

يا نافش الطاووس في ذيل

بلا سبيب

(……)

 

1 - ديوان الفروسية/ : أحمد مجاطي، سلسلة إبداع 2، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية. ط I / 1987.

1 - ديوان الفروسية. أحمد المجاطي، سلسلة الإبداع 2، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية. ط I /1987.

Publicité
Publicité
Commentaires
مدونة الدكتور عبد الإله كنفاوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان- المغرب
Publicité
Archives
مدونة الدكتور عبد الإله كنفاوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان- المغرب
Publicité