Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
مدونة الدكتور عبد الإله كنفاوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان- المغرب
30 janvier 2016

فضاء اشتغال العروض في الشعر العربي المعاصر

                 

                   (عرض قدم ضمن ندوة :أسئلة الشعر المغربي في القرن العشرين، تكريما للشاعر الدكتور حسن الطريبق، أيام:28ـ29 دجنبر2004 برحاب كلية آداب تطوان ).

 

         تقديم:

         لن نعرض هنا للأسباب التي دعت الفاعلية الشعرية الجديدة للتمرد على الأوضاع القديمة المتوارثة، التي كانت تحكمها مجموعة من القوانين الصارمة، وإنما سنتحدث عن الوضع الذي آل إليه العروض مع هذه التجربة الجديدة التي نحثث لنفسها اسما يتلاءم والعصر الذي ولدت فيه، إنها تجربة الشعر المعاصر.

         لقد كان رواد هذه التجربة، على وعي تام بأن الحل لا يكمن في التمرد على سلطة القوانين التي كانت ترسم للشاعر خطوطا لا ينبغي تجاوزها، أو الانحراف عنها، وإنما في نحث قوانين تنبع من صميم التجربة الشعرية الكلاسيكية، علما منها، أن الكتابة الشعرية، لا يمكن أن تكون كتابة سائبة، لا تخضع لأية مقاييس أو معايير. ولم يكن نسف البيت إلا استجابة لصدق حرارة هذه التجربة التي أصبحت تستدعي فضاء شعريا مخالفا لفضاء البيت التقليدي.

         يقول عبد الله راجع:"لقد أدرك الشاعر العربي المعاصر، أنه لكي يعبر عن هذه التجربة الشعرية بكل صدق وحرارة ، مطالب بأن ينصت إلى حركة هذه التجربة في اضطرابها وهدوئها، قبل أن ينصت إلى الحركات التي تفرضها القوالب الجاهزة، فكثيرا ما استلزمت حركة التجربة توفيقا للمعنى أو للصوت داخل البيت، فكان الشاعر يضطر لإكمال البيت، الذي يظل فاغرا فمه منتظرا الألفاظ التي تملأه، وإلى أن يلهث وراء القافية المفروضة فرضا في نهاية كل بيتين وكثيرا ما استلزمت هذه الحركة اندفاعا للصوت وللمعنى، يتجاوز الحدود التي تقيمها القافية، فيجد الشاعر نفسه مضطرا إلى بتر هذه الاندفاعة، بإحداث وقفة تحد من اندفاع الدلالات، بطريقة تحول الكتابة الشعرية على محاولة لإحداث تلاءم قسري بين القالب الجاهز والتجربة المنطلقة".[1]

 

         ـ صيرورة البيت في الشعر العربي:

         1 ـ في الشعر العربي القديم:

 

         يقوم الشكل القديم للقصيدة العربية، على التزام كل بيت من أبياتها، بعدد محدد من التفاعيل، لا يزيد الشاعر عليه ولا ينقص منه، من أول بيت إلى آخر بيت في قصيدته. ويقوم أيضا على انقسام كل بيت إلى شطرين متساويين، بينهما فاصل زمني قصير، قد ينقطع فيه الصوت قليلا في حالة استقلال أحدهما بمعناه، وقد لا يسكت الصوت تماما حين يكون الشطر الأول يقتضي الثاني ، والثاني يفتقر إلى الأول، أو يكون الشطر الأول مدمجا في الثاني. ثم يعود، فيكرر نفس الوزن الذي ابتدأ به قصيدته تكريرا مضبوطا، يراعي ما قد يوجد من فرق بين العروض والضرب، وهو فرق لا يمكن التخلي عنه في البيات اللاحقة، وإلا دخل الشاعر في وزن مخالف للوزن الذي ابتدأ به قصيدته.

         هذا ويظل مفهوم البيت في تصور الشعرية التقليدية ناقصا، ما لم يأبه فيه إلى القافية. "فهي شريكة الوزن في الاختصاص بالشعر، ولا يسمى شعرا حتى يكون له وزن وقافية".[2] وفي ذلك يقول حازم القرطاجني: "وجعلوا القافية بمنزلة تحصين منتهى الخباء (....) ويمكن أن يقال: إنها قد جعلت بمنزلة ما قد يعالى به عمود البيت من شعبة الخباء الوسطى التي هي ملتقى أعالي كسور البيت، وبها مناطها"[3].

         والتصور العام الذي نروم تقديمه للبيت، يجعل من القافية الموحدة، ذلك المنظم للعلاقة بين الوحدات التركيبية والوزنية، من غير أن يكون عاملا أولا لبناء البيت. والتنظيم يعني لحم الصراع بين التركيب والوزن أثناء بناء البيت، حتى تتحقق لهذا الأخير تلك الوقفة التي تنتهي عند القافية، بانتهاء تمام الوزن[4].

         إن تنظيم العلاقة بين وحدات البيت، وبين أبيات القصيدة، معناه أن القافية ليست محايدة في بناء دلالية البيت، والشعر عامة، وهذا هو الشرط الثالث الذي يحقق للبيت استقلاله الدلالي التام. وقد راهنت الشعرية القديمة عليه كثيرا، فأولته عناية فائقة، سواء كان في بداية القصيدة، أو في سياقها، أو في خاتمتها، وذلك ضمن حديثهم عن كثير من الصور البلاغية التي يمكن إرجاعها إلى حقل العناصر العروضية، وكانت بمثابة طرق احتال بها الشعراء على الوزن، حتى يحقق وقفته الوزنية والتركيبية والدلالية.

         ويكفي الرجوع إلى كتاب نقد الشعر لقدامة بن جعفر الذي أعار هذه القضية اهتماما كبيرا أثناء حديثه عن " الايغال" و"الحشو" و"التعطيل"، وغير ذلك من الجوانب الأخرى التي تناولها ضمن نعث ائتلاف اللفظ والوزن، ونعث ائتلاف القافية مع ما يدل عليه سائر البيت.

         وبهذا المعنى، تصبح القافية عاملا من عوامل الإيقاع، وعنصرا من عناصر العروض، تخضع لنظام يعطيها هيئة بنية. فبقدر ما تبني القافية السلسلة اللغوية في البيت، كخطاب، بقدر ما يبنيها الوزن والوقفة.

         وأمام هذا الاهتمام المتزايد بوحدة البيت، أصبح من السهل أن نعزل كل بيت من أبيات القصيدة، دون أن يفقد شيئا من دلالته، أو انسجامه البنائي، أو الجمالي، أو الفني. وفي ذلك يقول ابن خلدون: "وينفرد كل بيت منه بإفادته وتراكيبه، حتى كأنه كلام وحده مستقل عما قبله وما بعده، وإذا أفرد كان تاما في بابه من مدح، أو تشبيب، أو رثاء، فيحرص الشاعر على إعطاء ذلك في البيت ما يستقل في إفادته، ثم يستأنف في البيت الآخر كلاما آخر كذلك".[5]

         وناذرا ما كان الشاعر، يعلق معنى البيت الأول على الثاني، أو يجعل البيت الثاني مفتقرا إلى الأول. لكن لو تأملنا النماذج الشعرية التي تدخل ضمن "التضمين"، كأحد عيوب القافية، فإننا سنلاحظ نزوع هذه البيات نحو تدشين كيان زخرفي أوهندسي، استطاع بفضل تطوره مع الموشحات ، أن يلهم كثيرا من الشعراء،والحركات الشعرية الشعبية الميالة إلى النثرية وتغليب الجملة. من ذلك ـ مثلا ـ هذه الأبيات، وهي أيضا مشطورة، أي ألقي من كل بيت نصف، وبني على نصف[6]:

                   ياذا الذي في الحب يلحى، أما تخشى عقاب الله فينا، أما

(الأبيات)

 

         وقد لاحظ السكاكي ، أن الشاعر الذي نظم هذه الأبيات ( أو الأشطر)، كان يتحدى أحد عيوب القافية، ويروضه ليصبح مصدرا للشاعرية، وفي ذلك يقول: " واعلم أن لك في كثير من عيوب القافية، أن تكسوها بهذا  الطريق ما يبرزها في معرض الحسن...كما فعل الخليل، قدس الله روحه، بالتضمين حيث التزمه، فانظر كيف ملح ذلك".[7]

         وتبرز هذه الظاهرة التي ولدت فكرة الشطر الواحد، بصورة واضحة في الأراجيز، ولزوم ما لايلزم، وغالبا ما كان الشاعر يحتال عليها بالقافية، حتى لا يفقد النظم هويته، يصير نثرا مرسلا.

 

         2ـ مفهوم البيت في الشعر المعاصر.

         ونحن حين ننتقل إلى مفهوم البيت في الشعر المعاصر، لا نصادف أثرا لمفهوم الشطرين، إذ لم يعد الشاعر محصورا بفكرة وحدة البيت دلاليا ونظميا وعروضيا، وغنما أصبح حرا في إطالة بيته، بعد أن تبنى فكرة " الشطر" التي كانت قد وجدت طريقها إلى الشعرية العربية القديمة، انطلاقا من تلك الأراجيز التي تتحقق فيها تلك الوقفة العروضية والنظمية. وقد غذى مفهوم "التضمين" رغبتها الجموحة في التعبير عما يخالج صدرها من دفقات شعورية، ليس من الضروري أن تكتمل في السطر الأول، أو تمتد حتى السطر الثاني أو الثالث، أو يتركب فيها السطر من تفعيلة واحدة، أو فما فوق، المهم أن تتسع لإرادته وحاجته وذوقه.

         وكانت نازك الملائكة، قد تنبهت إلى هذا الخرق الجديد، وحاولت أن تضع له حدودا، أقصاها ثمان تفعيلات في السطر الواحد، ورفضت أن يجمع الشاعر بين خمس تفعيلات، أو تسع تفعيلات في السطر الواحد. وقد اعتمدت في جميع ذلك على حجج واهية، لا تمت بصلة إلى واقع الشعر العربي، وإلى انزياحا ته التي كانت تظهر من حين لآخر، إلا أنها بقيت خارج حدود التنظير.

         والحقيقة، أن محاولتها هذه، لم تصادف حماسا من طرف زملائها الشعراء في  المشرق أو المغرب، فتجاوزوا العدد الذي قالت به، وخالفوا بين الأسطر، حتى إنهم أحيانا كثيرة، كانوا يمزقون التفعيلة إلى جزأين، كما يتبين من هذا النموذج:

         1ـ راية تتناسل أوتتمزق في صخب وثنيٍٍّ

         2ـ غذت رايتينِ

         3ـ غذت مزقا

         4ـ كلما اشتعلت لعنت أختها

         5ـ تغسل الدم بالدم بالفرح الهمجيِّ

         6ـ أكان انهزاما

         7ـ لمن

         8ـ أو كان انتصارا

         9ـ على من

             //0 /0

         إن أول ما يلفت نظرنا في هذا المقطع، هو أن القصيدة المعاصرة، قد أصبحت تعتمد على وحدة "التفعيلة"، كنظام أساسي لها. وهذا ما أكدته نازك الملائكة، حين اقترحت الصياغة التالية لأسلوب الشعر الحر، قائلة إنه: " شعر ذوشطرواحد، ليس له طول ثابث، وإنما يصح أن يتغير عدد التفاعيل من شطر إلى شطر".

         وبالرجوع إلى الأسطر السابقة، نلاحظ أن الشاعر قد عمد إلى تكرار الوحدة الوزنية لبحر المتدارك " فاعلن"ـ كما يتبين من تقطيع الأبيات ـ سبع مرات في السطر الأول، ومرتين في السطر الثاني والثالث، وأربع مرات في السطر الرابع، وخمس مرات في السطر الخامس، وجاء بالسطر السادس موزعا بين الخامس والسابع، واكتفى في هذا الأخير بنصف التفعيلة، وجاء بالثامن مكملا للتاسع، وأوقف هذا الأخير على [فا] مسبوقة ب[علن]، وهذه التقنية لم ينج منها البيت الأول، والثاني ، والخامس. فعروضيا لا يستقيم السطر الثاني إلا بالأول، والثالث إلا بالثاني، ولا يستقيم السادس إلا بالخامس، والسابع إلا بالسادس، والتاسع إلا بالثامن، والأسطر جميعا تربطها علاقة اقتضاء وافتقار.

         وسواء تحققت الوقفة أم لا، فقد أصبحت هذه الأخيرة مرهونة في القصيدة المعاصرة باختيار الشاعر، وباختلاف مشاعره، إن لم نقل إنها قد أصبحت خارج إرادة المبدع، ورهينة كذلك بالقراءة المسترسلة أحيانا، عندما يغيب النص علامات الترقيم. فما دام المعنى لم يتم في السطر الأول، فالقراءة ينبغي أن تستمر إلى أن ينتهي المعنى، وإلا فإنه سيظل ناقصا، وبالتالي فإن الوزن سيختل، وستضيع ملامحه، وسيختل معه الإيقاع العام الذي يؤلف بين هذه الأسطر. ومن الأمثلة الدالة في هذا الباب، قول الشاعر:

         تركت أصابعي في وجهه المبتلِّ، وقعَ يديَّ

         إذ مسحَتْ ستارَ زُجاجهِ الغَبَشِيَّ

         منْ نَفَسٍ ودُخانِ.

         توقَّفَ ما وراءَ الغيم من برقٍ وأمطارِ

         سوى ما عادَ يجري فوقَ جُدْرانِ

         البيوتِ، أو استقرَّ بأغصُنِ الأشجارِ

         مثلَ غمامةٍ، إِنْ حَرَّكَتْها قَبْضَةُ الرِّيحِ

         تَرُشُّ الرَّحْبَ بالمطرِ

         تُنَقِّطُ فوقها ماءَ،

         صَفاَ مِنْ وَقْعِهِ وجهُ المصابيحِ

         وكان من الغُبارِ خبا، ومن ضَجَرِ

         اللَّيالي، من جَناحِ فراشةٍ، فانْهَلَّ أَضْواءَ.

         فمن خلال تقطيع السطر الأول والثاني، نلاحظ أن السلسلة الصوتية الأولى مخالفة للسلسلة الصوتية الثانية:

         س1ـ //0///0  //0/0/0 //0/0/0 //0/0/0 //0///0  /

                مفاعلتن  مفاعيلن   مفاعيلن  مفاعيلن  مفاعلتن م

         س2ـ /0///0  //0///0  //0///0  /

                مفتعلن  مفاعلتن   مفاعلتن م

         لكن قراءة دلالية، تفيد أن السلسلة الصوتية الأولى مكملة للسلسلة الصوتية الثانية، والثانية مقتضية للأولى. وتطابق السلسلتين رهين بقراءة نظمية دلالية، تفيد من كل الإمكانيات التي يقدمها الوقف الدلالي والنظمي إن أمكن.

         إن هذه التدفقية التي سمح بها تفكيك عناصر الوقفة الثلاثية، هي التي منحت للشاعر المعاصر، قدرة على الأداء، وجعلته ينساب وراء عواطفه وأحاسيسه، بدل أن يخضع لتلك القوالب الجاهزة. وربما كانت هذه النقطة بالذات، هي التي غابت عن نازك الملائكة، حين رأت في عنصر التدفق، العنصر المضلل في الشعر المعاصر، طالما أنه يجنح بعباراته إلى أن تكون طويلة طولا فادحا، وثانيا لأن القصائد الحرة، تبدو معه، لفرط تدفقها، وكأنها لا تريد أن تنتهي. وفي ذلك تقول: " وسبب هذه الظاهرة ما سبق أن نبهنا إليه من انعدام الوقفات، ففي نظام الشطرين، تقدم الوقفة القسرية للشاعر مساعدة كبيرة، لأنها هي في ذاتها وقفة، فلا يبقى على الشاعر إلا أن يختم المعنى...أما في الوزن الحر، فإن الوقفات الطبيعية معدومة، حتى إذا استعمل أشد العبارات جهورية وقطعا، يحس أن القصيدة لم تقف، وإنما استمرت تتدفق، وعليه لذلك أن يستمر في تغذيتها وإطالته رغم انتهائه مما أراد أن يقول"

         ولم يتوقف الأمر عند الأوزان الصافية، بل واصلت كل المقاييس والأشكال الوزنية المختلفة الحضور والعمل بشكل أو بآخر في تأثيث فضاء السطر الشعري في التجربة الشعرة المعاصرة، غير أن توزيعها المتماثل والمنتظم سيصبح لاغيا، وسيجد الشاعر الشاعر نفسه أمام فرصة تسمح له باستخدام أوزان البحر الواحد كما شاء، ثم الجمع بين مجمل الصيغ العروضية الجائزة لكل من تفعيلتي البيت الكلاسيكي النهائيتن، ليس في إطار الصيغة التامة لهذا الوزن، أو ذاك وحسب، وإنما حتى في صيغه المختزلة التي يطرحها الجزء والشطر والنهك. وبالإضافة إلى تنوع الضرب، لجأ الشاعر إلى اعتماد إحدى تفعيلتي البحر كملمح يمكن الانتقال من خلاله إلى وزن آخر، تماشيا مع اندفاعاته المتسارعة، وغير المنتظمة لشحنته الشعرية، وما أكثر هذه الأوزان.

         وأما المرحلة ما بعد الأخيرة، فهي التي اهتم فيها الشعراء المعاصرون، بخلق نماذج إيقاعية جديدة للشعر العربي، من الصعب القبض عليها بمساعدة الأوزان الكلاسيكية، أو فروعها العديدة التي خلفها لنا علماء العروض العربية، وهذه المرحلة تحتاج إلى دراسة نبرية، نأمل أن نرجع إليها مستقبلا.



[1]ـالقصيدة المغربية المعاصرة:1/103ـ104

ـ العمدة 1/301[2]

[3]ـمنهاج البلغاء:250ـ251

ـ بنيس.160؟[4]

[5] ـالمقدمة:1299

[6] ـ الأبيات لأبي العتاهية وليست للخليل.

[7] ـ مفتاح العلوم:576

Publicité
Publicité
Commentaires
مدونة الدكتور عبد الإله كنفاوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان- المغرب
Publicité
Archives
مدونة الدكتور عبد الإله كنفاوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان- المغرب
Publicité