Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
مدونة الدكتور عبد الإله كنفاوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان- المغرب
15 décembre 2015

المتلقي ودوره في بناء القصيدة الشعرية بين الممارسة والتنظير

 

إن دور القراءة والتلقي في تجسيد الأدبية، عملية تتحقق في تحيين النصوص الأدبية من طرف القارئ الذي يقرأ والناقد الذي يتأمل والكاتب نفسه الذي يدفع بدوره الى الكتابة. فهؤلاء جميعا في نظر ياوس قراء، و ليس بالإمكان تصور حياة العمل الأدبي عبر التاريخ دون المشاركة الحية لهؤلاء جميعا .

فالتجربة المسبقة التي كونها القارئ عن الجنس الأدبي الذي ينتمي اليه العمل، وشكل وموضوع الأعمال الأدبية التي تفرض معرفته بها والتعارض الحاصل بين اللغة الشعرية واللغة العلمية، من شأنها جميعا أن تساهم في الإقتراب من دور المتلقي وأفق انتظاره أو توقعه في بناء النص الشعري القديم واكتماله .....موضوع هذه المداخلة

1-الملاحظ العام وجمالية الإسماع والإطراب:

لقد نظر إلى الشعر نقديا في المراحل الأولى من بدايات تكونه عبر معيار التأثير المطرب، و بنيت الشعرية على جمالية الإسماع والإطراب التي حولها البعد البلاغي الى نوع من جمالية الإقناع و التأثير، بحيث يصبح الشعر فنا قوليا يؤثر بطريقته الخاصة في النفوس سواء كان مدحا أو هجاء أو ترغيبا أو ترهيبا.

والمتتبع لدور المتلقي في بناء القصيدة العربية، سيرى أن هذا الأخير لعب دورا كبيرا في الخروج بالقصيدة العربية إلى الصيغة التي انتهت إليها، لما تراكم لهذا الأخير من إحساس وذوق فطري، يميز بين الجيد والرديء والسالم والمكسور.

وقد ظهر هذا الإحساس في شكل ملاحظات رويت وقيلت في بعض ما وصل إليه من الشعر، وهي ملاحظات وإن كانت تبدو بسيطة، فإنها قد شكلت في مرحلة التنظير نواة صلبة تعبد لشعر الشعراء اللاحقين طرقا جديدة، وتفسح لهم آفاقا جديدة يتميز بها عمله عما قبله وما بعده.

فمن صور التلقي هذه، ما كان للقدماء من آر اءكثيرة، شملت المستوى الإيقاعي والمستوى الدلالي بألفاظه ومعانيه وصياغته. فعلى المستوى الإيقاعي، توجد لدينا حكايات طريفة تتعلق بالقافية وعيوبها، كعنصر من العناصر التي ستحقق للمتلقي أفق انتظاره، والمتمثل في الخروج بالشعر من بداياته والملتبسة أحيانا بسجع الكهان. بحيث ستصبح القافية خاصية شعرية جوهرية في العربية على خلاف  اللغات الأرامية والسريانية والعبرية واليونانية، ولذلك كانت عنايتهم بها تستأثر باهتمام خاص، لأنها قرار المعنى، ولأنها الصوت الطبيعي الذي ينزل من البيت منزلة الإشارة التي تصحب كلام المتكلم. ويمكن أن نمهد لهذه الحكاية بقول المرزباني أبي عبيد الله محمد بن عمران بن موسى (ت 384هـ)، يقول: " سألتَ، حرس اللبه النعمة عليك، وأسبغ الموهبة لديك، أن أذكر لك طرفا مما أُنكر على الشعراء في أشعارهم من العيوب التي سبيل أهل  عصرنا هذا ومن بعدهم أن يجتنبوها ويعدلوا عنها، وأودعت هذا الكتاب ما سهلَ وجودُه، وأمكن جمعخ، وقرُب متناوله من ذكر عيوب الشعراء التي نبه عليها أهل العلم، وأوضحوا الغلط فيها من اللحن، والتضمين، والكسر، والإحالة، والتناقض، واختلاف اللفظ، وهلهلة النسج، وغير ذلك  من سائر ما عيب على الشعراء قديمهم ومُحدَثِهم في أشعارهم خاصة.."

فقد جمع هذا النص بين مجموعة من الأخطاء التي تنبه إليها ذلك المتلقي المتمرس بسماع الشعر وتذوقه، ورسم خريطة طريق له من خلال إبداء مثل هذه الملاحظات النقدية. وأغلب هذه الأخطاء  أو الملاحظات تمس الجانب المتعلق بالقافية في علا قتها بالوزن وباللفظ وبالمعنى، وفي علاقة هذه العناصر جميعا بالمستوى الأفقي والعمودي للقصيدة من الناحية الجمالية والدلالية والإيقاعية.

يحكى أن النابغة الذبياني، على جلالته ومهابته، بحكم ممارسته للشعر وتذوقه ونقده، فإن شعره هو أيضا لم يسلم من الإقواء، "وهو اختلاف المجرى"، أي "اختلاف حركةحرف الروي الذي تبنى عليه القصيدة"، من الرفع إلى الجر مثلا. فقد قيل أنه دخل المدينة، فعيب عليه ذلك، فلم يأبه إلى أ، جاؤوه بجارية، فقالوا لها إذا صرت إلى القافية، فرتِّلي، إي اعملي على إبانة النطق، فجعات تغنيه "أمن آل مية"، وتبين الياء في "مغتدي" و"مزوّدي"، ثم غنت البيت الآخر، فبينت الضمة في قوله"الأسود" بمن الفساد عد الدال، ففطن لذلك فغيره، وقال:  "وبذاك تنعاب الغرابُ الأسودِ". وقال: قدمت الحجاز وفي شعري "صنعةٌ" ورحلت عنها  وأنا أشعر الناس. وفي رواية أخرى: "قدمت الحجاز وفي شعري بعض العهدة، وهو العيب، فصدرت وأنا أشعر العرب".

فكثيرا ما استعانت العرب (من أهل الشعر)، بالجواري في الغناء بالنصب، والنصب في القوافي  أن تسلم القافية من الفساد وتكون تامة البناء. وكانت أيضا تستعين بالغناء في وزن الشعر.

كما نبهوا إلى اجتناب " الإكفاء" و"السناد" و"الإيطاء" و"التضمين". وألأشادوا بوحدة البيت لفظا و معنى و وزنا و قافية من خلال حديثه عن التضمين,فعابوا منه

و اشادوا بوحدة البيت لفظا و معنى و قافية، من خلال حديثهم عن التضمين كأحد العيوب الخمسة للقافية، حين عابوا على النابغة قوته:

و هم وزدوا الجفار على تهيم وهم اصحاب قوم عكاط اني شهدت لهم مواطن صالحات أتينهم بحسن الود مني و هذا نوع من أنواع التضمين، و ليس فيه أقبح منه، لأنه حل قافية الأول.

و لولا احساسهم بهذه العيوب، و أثرها على السماع... و على بلاسة الشعر و حلاوته،

لما وجدنا منهم من يفتخر بخلو شعره من مثل هذه الهنات، كقول جرير|:

فلا إقواء إذ مرس القوافي    بأفواه الرواة ولا سنادا

وإذا كانت هذه العيوب، قد وردت بكثرة في شعر الأعراب، وفي من دون الفحول من الشعراء، فيبدو أنه لا يجوز لمولد بعدهم، أن يأتي به في شعره وقد عرف عيبه. وفي ذلك يقول علي بن الرقاع:

وقصيدة قد بت أجمع بينها   ؛تى أُقوم ميلها وسِنادها

نظر المثقف في كعوب قناته   حتى يقيم ثقافه منآدها

ومن النواذر والمُلح في هذا الباب، أ،هم قد تهاجوا بهذه العيوب التي تنسب إلى ظفولة الشعر، وهم بذلك إنما ينبهون إلى ضرورة اجتنابها والابتعاد عنها، حتى لا تكون أشعارهم أشعارا مرقعة. من ذلك قول أحدهم، ولعله حماد عجرد، أو مساور الوراق في حفص أبي وده:

فأذناك إقواء، وأنفك مكفأ      وعيناك إيطاء، فأنت المرقع

2 ـ الملاحظ اللغوي وضرورة الفهم والإفهام:
من صور التلقي هذه، ما تناول اللفظ والمعنى والصياغة التي تناوات الصورة الشعرية:

ـ يروى أن طرفة بن العبد سمع المسيب بن علس يقول:

وقد أتناسى الهم عند احتضاره  بتاج عليه الصيعرية مكدم

فقال له طرفة: استنوق الجمل، أي أنك كنت في صفة الجمل، فلما قلت " الصيعرية" عدت إلى ما توصف به النوق

ـ ومن صور المعنى، قول الأعشى من قصيدة مدح بها قيس بن معد يكرب الكندي:

ونبئت قيسا ولم أبله     كما زعموا خير أهل اليمن

فجئتك مرتاد ما خبروا     ولولا الذي  خبروا لم ترن

ففي هذا البيت خطأ معنوي، لأ، عدم اختيار الممدوج يضعف الحِلم، ولأن الزعم في عرف العرب مطية للكذب.

ـ كذلك التفت المتلقي في الجاهلية إلى الصورة الشعرية، من حيث قدرة الشاعر على أدائها ، وقصة علقمة وامريء القيس، واحتكامهما إلى أم جندب معروفة...

فقد قالت لهما قولا شعرا تصفان فيه الخيل على وزن واحد، وروي واحد، وقافية واحدة، فأنشداها، فقالت لامريء القيس: علقمة أشعر منك، قال كيف؟ قالت: لأنك قلت:

فللسوط ألهوب وللساق درة    وللزجر منه وقع أهوج منعب

فجهدت فرسك بسوطك ومريته بساقك، وقال علقمة:

فأدركهن ثانيا من عنانه    يمر كمر الرائح المتحلب

فأدرك طريدته وهو ثان من عنان فرسه، لم يضربه بسوط، ولا مراه بساق ولا زجره.

وبغض النظر أنة تكزن هده المحاكمة موضوعة، أو أنها من صيغ المتأخرين، فهي لا تنفي دور المتلقي في النظر إلى كيفبة بناء الصورة.

وأم جندب في نظرنا لم تكن امرأة عادية، فهي صاحبة خمارة. و كانت تأتيها الشعراء بحثا عن اللذة،و سماع الشعر، و التفاخر بما كانت تجود به قرائحهم، و الاحتكام الى بعضهم البعض، و ايذاء الملاحظات، التي من شأنها تذوق الشعر ، و صقل الذوق. كل هذا و غيره، من شأنه أن  يبصرها               يجيد الشعر من رديئه.

و من هنا انتقد استعمال الأتفاظ الغربية في الشعر و الكلمات التي تتركب من حروف يثقل النقط بها، و يعذب سماعها. و هذا ما لخصه الجاحظ لاحقا. بقوله: 'وكذلك حروف الكلام، و أجزاء الشعر من البيت، تراها ملسا و لينة المعاطف سهلة، و رطبة مواتية سلسلة النظام خفيفة على اللسان، حتى كان البيت بأسره كلمة واحدة، و حتى و كأن الكلمة بأسرها حرف واحد.

  فلا يقال فيه:

و شعر كبعر الآرام فرق بينه     لسان دعي  في القريض دخيل         

وفي ذلك يقول عبد العزيز عتيق: "ولكننا لا نستبعد صدور مثل هذا النقد عن عربية جاهلية، لأن الحياة الأدبية في عصر امرئ القيس، لم تكن من البساطة إلى حدِّ عدم القدرة على إدراك مثل هذه الملاحظات النقدية... "

ـ كذلك تنبه المتلقي إلى الغلو في المبالغة، وعدَّها من العيوب التي يجب تجاوزها في بناء الشعر. ولذلك عابوا على مهلهل بن ربيعة "الغلو" في القول بادعاء ما هو ممتنع عقلا وعادة حين قال:

وكأن غذوة وأبي أبينا    بِجَنْبِ عُنَيْزةٍ  رَحيا مدير

فلولا الريح أُسمِع من بحجر   صليلُ البيضِ تُقرعُ بالذّكور

فقد كان بين "حجر" وبين "عنيزة"محلَّ الوقعة والتي فيها قيلت القصيدة مسيرة أيام

وهذه من المبالغات المغرقة في الغلو، ليس من شأنها إفساد المعنى فحسب، وإنما هي أيضا مُنافية للصدق، وكأنّ في ذلك التفاتا مبكرا إلى ضرورة اعتماد عنصر الصدق في الشعر واتخاذه أصلا من أصوله.

ـ ولا نريد أن نتناول هنا الأحكام العامة التي كان يصدرها المتلقي على شعر الشاعر جملة وتفصيلا، كأن يصف شعره بمزادةٍ أُحكم خِرزها، أو يحكم له انطلاقا من بعض القصائد، فيُقدّم حسان على النابغة مثلا، ويخلع على هذه القصيدة أو تلك تسمية من التسميات المعروفة لدينا جميعا، كاليتيمة، والبتارة، وسمطا الدهر، أو كالمعلّقات.

فالغرض من الحكم على شعر شاعر، أو من الحكم بتفضيله على سائر الشعراء، نوع "منالاشادة بالمنزلة التي يستحقها، ونوع من التمييز بين صِغار الشعراء وكبارهم، حتى لا يتقدّم الصِّغارُ الكبارَ، والضِّعافُ الفحولَ.

وهي أيضا إشادة ضمنية بالأشعار والشعراء الذين سيأتون فيما بعد، وسينهلون من أساليبهم، وسيقتفون أثرهم.

ولا يجب أن ننسى كذلك ، أن من الشعراء الجاهليين، "من كان له أساتذة ومرشدون يأخذ عنهم رسوم الشعر ، ومنهم يتعلّم أصوله. وفي هذا التلقي شيء من الهداية والتوجيه. فزهير بن أبي سلمى كان متصلا ببشامة الغذير، وكان لهذا أثره الواضح في تقويم ما اعوجَّ من شعره، إلى أن سلك به سبيل الاجادة والاتقان. ولا نستثني في هذه المناسبة دور الراوي الذي كا يتخيَّرُ جيِّد الشعر من رديئه، فيُلقيه في الأسواق ، إذا أعجب به وطرب له، إشاعة له بين القبائل، حتى إذا تلقٌّفهُ الرُّواة، بنى عليه اللاحقون أشعارهم، وراحوا يقتفون قوافيه وأساليبه ومعانيه وأوزانه وصوره..

ويجدر بنا أن نذكر في هذا المجال، جملة من أعلام الاختيارات الشعرية العامة، أمثال أبي عمرو بن العلاء، وأبي عبيدة، والأصمعي وغيرهم كثير ممن ساهموا كذلك في عملية التدوين الشعري، وجمع الدواوين الفردية والجماعية (كالمفضليات، والأصمعيات، وحماسة أبي تمام، وحماسة البحتري، وجمهرة أشعار العرب، ومجموعات أشعار العرب)، فكان لهم تأثير حاسم في المصادر الأساسية التي ظهرت بعدهم، وبما كان لهم منآراء في تصنيف الشعراء الجاهليين والاسلاميين إلى طبقات، وإلفى ما أقاموه من اختيارات وموازنات بين مجموعات تنتمي إلى عصور مختلفة، مرورا بمصنفات أخرى تهتم بالتراجم وأخبار الشعراء والشعر، وغيرها من كتب الأدب التي كان للشعر حضور بينها (ككتاب الحيوان للجاحظ، وعيون الأخبار لابن قتيبة، والكامل للمبرد، والعقد الفريد لابن عبد ربه.

والنظر إليها، وكأنها ألواح التشريع الشعري، فمن سار على نهجها، ارتقلى إلى معالمها ومقامها، وما لم يسر على هداها ولم يلتزم بقوانينها وقواعدها، كان إلى الرداءة أقرب، ومن درجات الجودة أبعد..

ويعني هذا المنهج في الاختيار  للنوذج الأمثل، دعوة صريحة إلى التشبث بالنموذج العربي في بناء القصيدة العربية، في اتجاه ترسيمها وحصرها في القصيدة المدحية.

3ـ المتدخل الحاكم وضرورة الاستجابة لبنيات تحت الطلب، أي معدّة مسبقا:

ولنا ىعلى مستوى الأغراض مجموعة من القراءات التي يمكن التعويلف عليها  في هذا الجانب المتعلق ببناء القصيدة الشعرية، من ذلك مثلا هذه القراءة التي وجهها النابغة الذبياني لحسان بن ثابت (وطبعا للذين سيأتون من بعده)، حينما أشار عليه بضرورة الافراط والغلو في الفخر (حيقث قال له أنت شاعر، ولكنك أقللت جفانك، وأسيافك، وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك)، لأن المقصود من مضمونه، إنما هو بلوغ الغاية القصوى لكل فضيلة نفسية، أو معنى أخلاقي، وذلك حين قال حسان:

لنا الجفنات الغر، يلمعن في الضحى    وأسيافنا تقطر من نجدة دما

ولدنا بني العنقاء، وابني محرق    فأكرم بنا خال وأكرم بنا بْنما

والحديث عن الفخر، هو حديث عن المدح، فالأمر فيهما لا يعدو أن يكون تغنيا بالفضائل والأمجاد المرتبطة بالذات والعشيرة فيحال، والمتعلقة بالمخاطب أو الممدوح في حال ثانية. فالقيم الأخلاقية التي يتغنى بها الشاعر في هذين الغرضين واحد.

وقد اعتبر عبد الملك بن مروان "الإفراط والغلو" في ذكر الفضائل، سمة من السمات البلاغية التي يجب أن بعيرها الشاعر الاهتمام في قصائده المدحية، فانتصر للأعشى على كثير عزة.
أما قيس الرقيات فقد عتب عليه في مدحه إياه. فقال له: إنك قلت في مصعب بن الزبير:

إنما مصعب شهاب من اللــــــــــــــــــــــــه تجلت عن وجهه الظلماء

وقلت في:

يأتلق التاج فوق مفرقه   على جبين كأنه الذهب

"من أجل أن هذا المدح عدل به عن الفضائل النفسية التي هي العقل، والشجاعة والعفة، وما يليق بأوصاف الجسم من البهاء والزينة.

    

 

Publicité
Publicité
Commentaires
مدونة الدكتور عبد الإله كنفاوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان- المغرب
Publicité
Archives
مدونة الدكتور عبد الإله كنفاوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان- المغرب
Publicité