Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
مدونة الدكتور عبد الإله كنفاوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان- المغرب
30 juin 2016

نحو قراءة إيقاعية للنص الشعري القديم*

الملخص :

قد يخيل إلينا، أن إشكالية الوزن والغرض، كان يجب أن تنتهي عند حدود الذوق والاستقراء الجزئي، وألا تقف عند أحضان المنهج النفسي وعيوبه، والارتكان إلى نتائجه التي تدعي أنها تستمد أصولها من الدرس الإيقاعي الحديث.

فالنتيجة في النهاية لا تعدو، إثبات هذه العلاقة عند فريق، ونفيها عند فريق آخر. بل ما كان عليها أن تدخل مجال الإحصاء الموسع، وكذا متابعة الإشكالات النقدية التي تميل نحو التنظير للموضوع، واختبارها من خلال ما توفره النصوص الشعرية من نماذج تكتسي صفة الكفاية التمثيلية.

ونحن، إذ نعيد -الآن- مساءلة هذا الموضوع ، انطلاقا من هذه المداخلة التي نختار أن يكون عنوانها هو : " نحو قراءة إيقاعية للنص الشعري القديم "، فإنما نريد، أن ننبه إلى القيمة التي يجب أن يحظى بها الطرح النظري لوظيفة الجانب الصوتي في شموليته، باعتباره عنصرا بنائيا في الشعر، وذلك من خلال اعتماد مبدأ "التناسب" الذي يقوم في جانب كبير منه، عند حازم، على علم البلاغة الكلي الذي لا تتبين علوم اللسان الجزئية ومباديه إلا فيه.

وحتى نمضي، جميعا، بهذه الإشكالية التي رسمها حازم، نختار أن ننهي مداخلتنا -هذه- باستعراض مجموعة من الإشكالات النقدية، كان حازم قد اعتذر عن الخوض فيها لتشعبها، وربما لاحتياجها إلى مقاربات كثيرة لا تستجيب لطبيعة رؤيته النقدية القائمة على التنظير، لا التطبيق.

نص المداخلة:

إن اختيار مبدأ " التناسب "، منطلقا لفهم إيقاع النص الشعري القديم، لم يكن اختارا عشوائيا، فهذا المبدأ شكل منذ بدايات ما قبل التنظير أساس القيمة الجمالية في الشعر والفن بصفة عامة.

فقد نشأ الشعر العربي ضمن ثقافة صوتية سماعية، تدرك بالاستجابة المباشرة، والقائمة على الذوق والحس المرهف المدرب، ما للتناسب من قيمة كبيرة في صيانة الشعر من الخلل، وزيادة حظه من الجمال. حيث لم يقف الأمر عند تقويم الأخطاء الإيقاعية، أو الفخر بالبراءة منها، بل تجلى أيضا في الإحساس بتفاوت والقوافي وجمالها، وفي الاقترانات المعنوية التي تميز هذا البيت عن غيره. وتبع ذلك أن ترجم هذا الإحساس إلى مجموعة من النعوت، كانت تصف الكلام بالحلاوة، والطلاوة، والعذوبة، دون اللجوء إلى التحليل والتعليل في الغالب من الأحيان،[1]  أو الاعتماد على نقد موضوعي له قواعد وأصول تمكن من الفحص والتأمل والنظر.

ونقاد الشعر، قبل حازم، وإن لم يستعملوا مصطلح " التناسب"، فإنهم راموا غيره من الاصطلاحات القريبة منه، " كالموازنة "، و" المشاكلة "، و" التلاؤم "، و" التشابه "، و" الاتلاف"، فجعلوها من شروط فصاحة الكلام، وقواعده البلاغية، وذلك أثناء حديثهم عن " اللفظة" في انفرادها، وائتلافها، وارتباطها " بالمعنى"، أو في أثناء حديث بعضهم عن" الوزن" وعلاقته باللفظ، أو في علاقته بالمعنى، ضمن علاقة أفقية، تضمن للبيت، إلى جانب استقلاله، سلاسته وإيقاعه. وهو ما عبر عنه ابن طباطبا بقوله :

" وللشعر الموزون إيقاع يطرب الفهم لصوابه، ويرد عليه من حسن تركيبه، واعتدال أجزاءه، فإذا اجتمع للفهم مع صحة وزن الشعر، صحة المعنى وعذوبة اللفظ، فصفا مسموعه ومعقوله من الكدر، تم قبوله له، واشتماله عليه، وإن نقص جزء من أجزائه التي يعمل بها، وهي: اعتدال الوزن، وصواب المعنى، وحسن الألفاظ، كان إنكار الفهم إياه على قدر نقصان أجزائه".[2]

ويهمنا من هذه العناصر التي أشرنا إليها " ائتلاف الوزن والمعنى"، فقد ذكر قدامة من نعوته : " أن تكون المعاني تامة مستوفاة، لم تضطر بإقامة الوزن إلى نقصها عن الواجب، ولا الزيادة فيها عليه، وأن تكون المعاني أيضا مواجهة للغرض، لم تمتنع عن ذلك، وتعدل عنه من أجل إقامة الوزن والطلب لصحته ".[3]

فإذا طال المعنى، أن يتحمل العروض بتمامه في بيت واحد وأكمله في البيت الثاني كان عيبا.[4]

وقد تطرق ابن سنان الخفاجي إلى هذه العلاقة الأفقية، بصورة أوضح، من خلال نقطتين  اثنتين :

-أولهما ألا تقع الكلمة حشوا لإصلاح الوزن، إلا إذا أريد بها فائدة زائدة، واستدل على ذلك، بقول أبي الطيب المتنبي:

وتحتقر الدنيا احتقار مجرب          ترى كل ما فيها، وحاشاك، فانيا

وعلق على ذلك، بقوله: " لأن، حاشاك -هنا"، وإن كان الكلام دونها صحيحا مستقيما "فقد أفادت مع إصلاح الوزن دعاء حسنا للممدوح في موضعه".[5]

-وثانيتهما : مراعاة التناسب في المقدار، إذ لا يسمح باختلاف البيت في الطول والقصر.[6]

إن هذه العلاقة الأفقية التي انصبت على جانب اللفظ والمعنى، في إطار حدود البيت، أو الوزن الذي يتخذ فضاء للمعنى،[7] لا ينفصل فيه الوزن عن اللفظ - من أجل أن يتحقق للبيت (لفظا ومعنى ووزنا) سلاسته واستقلاله، هي التي أغرت حازم ببحث إشكالية الوزن والغرض، استنادا إلى مبدأ التناسب الذي جعله عمود نظريته في الشعر.

وقد أهله لطرح هذا المبدأ، احتكامه إلى علم البلاغة، التي لا تتبين علوم اللسان الجزئية ومباديه إلا فيه،[8] فعضد أحكامه بالآراء المنطقية والحكمية والفلسفية والموسيقية، وما تأتى له من إحاطة شاملة بقضايا الشعر والنقد العربي واليوناني، ناهيك عن إلمامه الكبير بعلم العروض، ومكانته الشعرية بين شعراء الأندلس والعرب قاطبة. فنظرا لما يكتسيه مبدأ التناسب هذا، من قيمة تضمن للشعر غاياته التخيلية، وخاصياته الجمالية، إنشادا أو سماعا، لم يتوان حازم في التبصير بقواعده وقوانينه، وإعادة صياغتها في سلك جامع، يقوم على تخييل الأشياء في ذاتها، وفي انتظاماتها، وفق منطق يراعي أوجه التناسب والتشاكل بين المفهوم والمسموع من القول.[9] حيث يقول:

" إن معرفة طرق التناسب في المسموعات والمفهومات، لا يوصل إليها بشيء من علوم اللسان، إلا بالعلم الكلي في ذلك، وهو علم البلاغة الذي لا تندرج تحت تفاصيل كلياته ضروب التناسب والوضع، فيعرف حال ما خفيت به طرق الاعتبارات من ذلك، بحال ما وضحت فيه طرق الاعتبار، وتوجد طرقهم في جميع ذلك تترامى إلى جهة واحدة، من اعتماد ما يلائم، واجتناب ما ينافر".[10]

استنادا إلى تلك الاعتبارات في تناسب المسموعات، وتناسب انتظاماتها، وكون المناسبات الوزنية، تدخل تلك الجملة، انتهى حازم إلى أن تلاؤما حميما يقع بين الأوزان والأغراض الشعرية، ويشد بعضها إلى الآخر ويستدعيه، وهو ما عبر عنه بتوافق "المسموع" و" المفهوم"، نقلا عن ابن سينا في تعداد الأمور التي تجعل القول مخيلا، يقول هذا الأخير:

" والأمور التي تجعل القول مخيلا: منها أمور تتعلق بزمان القول وعدد زمانه وهو الوزن، ومنها أمور تتعلق بالمسموع من القول، ومنها أمور تتعلق بالمفهوم من القول، ومنها أمور تتردد بين المسموع والمفهوم.[11]

" فالوزن" و" المسموع من القول"، ينتميان إلى المستوى الصوتي الموسيقي، و" المفهوم من القول"، ينتمي إلى المحتوى الدلالي، أما " المتردد بينهما "، فالراجح أن يكون ما عبر عنه البلاغيون العرب، في حدود البيت، بالوزن والمعنى، فيما يتسعان له من ظواهر صوتية مثل التجنيس والقافية.

إن معرفة طرق جهات التناسب الصوتي في الخطاب الشعري، لا ينفصل فيها الوزن بأية حال عن مادة الشعر، وهي لغته، في تركيب حروفها، وتنسيق ألفاظها وعباراتها، بحيث تكشف عن التفاعل الوثيق بين العمل الأدبي والعالم والمبدع والملتقي على السواء.

ولعل هذا، هو ما دفع حازم إلى النظر في تحقيق التناسب بين المسموعات من الأوزان، والنظر في تجزئتها من منظور بلاغي يراعي تناسب المسموعات في انتظاماتها، مؤكدا أن من كان له أدنى بصيرة، لم يخالجه الشك في أن الصحيح، ما استند إلى علم اللسان الكلي الذي لا تتبين أصول علوم اللسان الجزئية ومباديه إلا فيه.[12]

وفي هذا المعرض أشار، أيضا، إلى أن قيام علم البلاغة (النقد الأدبي)، يغدو مستحيلا ما لم يعتمد على أصول منطقية وآراء فلسفية حكمية، وقوانين موسيقية، يستعان بها في معرفة جهات تناسب الأوزان، وتجزئتها المتناسبة، دون إغفال للأذواق الصحيحة، وللسماع الشائع عن فصحاء العرب، وأصول علم العروض.[13]

صحيح أن التناسب، يمثل أساس قيمة الأوزان في ذاتها، ولكن هذا الأساس قد يختلف من وزن إلى آخر، استنادا إلى قاعدة عامة، مفادها أن القيمة الصوتية للأوزان بنوعيها البسيط والمركبة، رهينة باكتمال مجموعة من الخصائص الصوتية المستقلة التي تشكل مستويات متعددة للتناسب.[14]

فالأوزان تكتسب أوصافا، بحسب قوة " المشاكلة " و" المناسبة " بين الأجزاء، وبحسب ما تكون عليه الأجزاء من " كزازة "، و" جعودة "، أو" سباطة "، أو" لدونة "، أو" اعتدال ". وذلك بحسب أعداد المتحركات والسواكن في كل وزن منها، وبحسب نسبة عدد المتحركات إلى عدد السواكن، وبحسب ترتيب وضع بعضها من بعض، وبحسب ما تكون عليه مظان الاعتمادات، كأن تكون " قوية شديدة " أو" ضعيفة لينة "، أو" معتدله ".[15]

وتلك الصفات هي:" المتانة "، و" الجزالة "، و" الحلاوة "، و" اللين "، و" الطلاوة "،       و" الخشونة "، و" الرصانة "، و" الطيش "،[16] إلى غير ذلك من الصفات التي يتضمنها النص التالي:

" فالعروض الطويل تجد فيه أبدا بهاء وقوة، وتجد للبسيط سباطة وطلاوة، وتجد للكامل جزالة وحسن اطراد، وللخفيف جزالة ورشاقة، وللمتقارب سباطة وسهولة، وللمديد رقة ولينا، مع رشاقة، وللرمل لينا وسهولة".[17]

وهي صفات تساهم في إحداث تأثيرات قوية في النفس الإنسانية، باعتبارها مدخلا لتحديد كيفية مناسبة الوزن للغرض، حيث تتحول من أنماط وتركيبات إيقاعية مجردة، إلى إيقاعات نفسية، تتماشى وطبيعة الغرض الذي يناسبها.

ولما كانت ، أيضا، أغراض الشعر كثيرة :" وكان منها ما يقصد به الجد والرصانة، وما يقصد به الهزل والرشاقة، ومنها ما يقصد به البهاء والتفخيم، وما يقصد به الصغار والتحقير"،[18] فإنه ليس بالضرورة أن تكون كل الأوزان مناسبة لكل الأغراض، بل يجب أن تحاكى تلك المقاصد بما يناسبها من الأوزان ويخيلها للنفوس.

إن مثل هذه الصفات الذاتية، وهذا التميز بينها، جدير ببحث هذا التصور الذي انتهى إليه حازم عن تناسب الوزن والغرض، ومن الوجهة الإيقاعية.

فالتخيل - كما أشرنا- يتحقق "بالمسموع" و" المفهوم من القول"، والصلة بين الاثنين، هي ما يمكن أن نسميه " بالغرض" الذي يتشكل من خلال المفهومات (المعاني)، ويبحث لنفسه - بعد تشكله- عن أوزان تناسبه وتتجانس مع محتواه، بحكم خصائصها الصوتية المستقلة، فتخيلها في النفوس.

إن هذه المعطيات، هي التي كانت وراء القول بضرورة أوجه التناسب بين الأوزان والأغراض الشعرية، تناسبا جدليا، يلخصه النص التالي :

" فإذا قصد الشاعر الفخر حاكي غرضه بالأوزان الفخمة الباهية الرصينة، وإذا قصد في موضوع قصدا هزليا أو استخفافيا، وقصد تحقير شيء أو العبث به حاكى ذلك بما يناسبه من الأوزان الطائشة القليلة البهاء، وكذلك في كل مقصد ".[19]

هذا النص، على تعدد أبعاده ودلالاته، يعتبر خلاصة مبحث تناسب الوزن والغرض عند حازم. ونظرا لأهمية الموضوع، وتعدد قضاياه وتشابكها، فقد أوضح حازم ان للأوزان اعتباران:

-اعتبار من جهة ما تليق به من الأغراض.

-واعتبار من جهة ما تليق به من أنماط النظم.

وفي ذلك يقول :" ومنها أعاريض فخمة رصينة، تصلح لمقاصد الجد كالفخر ونحوه، نحو عروض الطويل (وفئة … 3/1 سطر، حذف)، وكثير من مقصرات ما سواه من الأعاريض.

" ومنها أعاريض تليق (2/1 سطر …) مقاصد التي تحتاج إلى جزالة نمط النظم، يجب أن تنتظم في سلك الأعاريض التي من شأن الكلام أن يكون نظمه فيها جزلا، نحو عروض الطويل والكامل.

و " أما المقاصد التي يقصد فيها إظهار الشجو، والإكتئاب، فقد تليق بها الأعاريض التي فيها حنان ورقة، وقلما يخلو الكلام الرقيق من ضعف مع ذلك، لكن ما قصد من الشعر هذا المقصد، فمن شأنه أن يصفح فيه عن اعتبار القوة والفخامة، لأن المقصود بحسب هذا الغرض، أن تحاكي الحال الشاجية بما يناسبها من لفظ ونمط تأليف وزن، فكانت الأعريض التي بهذه الصفة غير منافية لهذا الغرض، وذلك نحو المديد والرمل،[20] فهما -عنده- أليق بالرثاء وما جرى مجراه منهما بغير ذلك من أغراض الشعر.[21]

وإذا كان حازم في هذا النص، يشير إلى أن لتناسب الوزن والغرض، أبعادا متعددة، تقوم في مجملها على المعنى، والأسلوب، والنظم، والوزن، فإنه في نص آخر، يطالعنا بمجموعة من المعطيات، يجب أخذها بعين الاعتبار في فهم إيقاع النص الشعري. فبعد دراسته لأنماط الكلام العربي دراسة أسلوبية، من حيث ما يعتريه من قوه ومتانة وجزالة، أو ضعف وليونة ورقة، انتهى إلى أن لكل وزن طابعا يصير نمط الكلام مائلا إليه، بحسب ما بين الشعراء من اختلاف في الطبائع. وفي ذلك يقول:

" إن الشاعر القوي إذا صنع شعرا على الوافر، اعتدل كلامه وزال عنه ما يوجد فيه مع غيره من الأعاريض القوية من قوة العارضة وصلابة النبع.[22]

وأشار أيضا إلى أن الشاعر القوي، إذا قال في المديد والرمل، ضعف كلامه، وانحط عن طبقته في الوافر كانحطاطهما في الوافر عن الطويل.[23]

بينما لاحظ أن كلام الشعراء الضعفاء في الوافر، وما أشبهه من الأعاريض المتوسطة أقل قبحا، بل إنهم حين يلجئون إلى الأعاريض الطويلة، أو القصيرة، فإن ضعفهم يبدو واضحا للعيان. ففي الأعاريض الطويلة التي تفضل عن المعاني، تجدهم يكثرون من الحشو وقبح التذييل لدرجة تتخاذل معه بعض أجزاء الكلام عن بعض. أما في الأعاريض القصار، التي تفضل فيها المعاني فيضطرون إلى التكلف والحذف المخل، فلذلك كان حالهم في نظم الشعر مضادا لحال الأقوياء من الشعراء.[24]

وذهب حازم إلى أبعد من ذلك، فتتبع كلام الشعراء في جميع الأعاريض، فوجد الكلام الواقع فيها تختلف أنماطه بحسب اختلاف مجاريها من الأوزان ووجد الافتتان في بعضها أعم من بعض:" فأعلاها درجة الطويل والبسيط، ويتلوهما الوافر والكامل، ومجال الشاعر في الكامل أفسح منه في غيره، ويتلو الوافر والكامل عند بعض الناس الخفيف، أما المديد والرمل ففيهما لين وضعف، وقلما وقع كلام فيهما قوي إلا للعرب، وكلامهم مع ذلك في غيرهما أقوى … أما المنسرح ففي اطراد الكلام عليه بعض اضطراب وتقلقل، وإن كان الكلام فيه جزلا، فأما السريع والرجز، ففيهما كزازة، فأما المتقارب فالكلام فيه حسن الاطراد، إلا أنه من الأعاريض الساذجة المتكررة الأجزاء، فأما الهزج ففيه مع سذاجته حدة زائدة، فأما المضارع ففيه كل قبيحة ".[25]

وتكمن أهمية هذا النص -على طوله- في الجمع بين نسبة شيوع الوزن، وما يصلح له من نمط القول، ولعل حازم تعمد القيام بهذا الاستقراء، ليكون له سندا، يعضد به آراءه في الموضوع، ويدل به على حسن الاختيار والتدبير.

إن هذه الرؤية التي عالج بها حازم الأوزان الشعرية، بحيث لا تنفصل فيها الأوزان عن البنية الإيقاعية التي لا تنفصل هي الأخرى عن البنية الدلالية للقصيدة العربية، تعتبر - في نظرنا- من أنظج القراءات التي يمكن التعويل عليها في فهم إيقاع النص الشعري القديم.

إلا أن اختزال النتائج التي توصل إليها الناقد، في شكل خلاصات دقيقة، أمر لا يغري الباحث في العلوم الإنسانية، لذلك تجدنا ندعو إلى توسيع دائرة البحث، من خلال طرح الإشكالات التي يولدها موضوع تناسب الوزن والغرض، فتتولد به من جديد، وتعيد تأسيسه من منظور حازم القرطاجني.

وبهذه المناسبة أذكر بالسؤال الذي يطرح نفسه، وهو : هل خص حازم القرطاجني كل وزن بغرض معين ؟ أو حدث أن أعلن عكس ذلك؟

إن نظريته لا تفيد أجوبة صريحة بهذا الشأن، صحيح أنه اكتفى بإبراز بعض القوانين الظاهرة والمتوسطة، واعتبر من تفهمها وأحكما، قادر أن ينفذ منها إلى أسرار هذه الصنعة ودقائقها. وصحيح أن بعض الأوزان تكون أليق ببعض الأغراض، كما أثبتت إحصائيات كثيرة، إلا أن هذه القاعدة لا تطرد في كل الأحوال، نظرا لتعدد أصناف القول والمهيئات والدواعي التي تؤلف بينها، في ظهور الاختلافات الحاصلة باختلاف الشعر نفسه، بحسب طرقه وأنماطه، ثم بحسب اختلاف أحوال الشعراء، واختلاف ملكاتهم وطبائعهم، وقدراتهم الذاتية وتباين بيئاتهم وأزمانهم، وما يوجد فيها مما شأنه أن يوصف ويتعلق به، ثم بحسب اختلاف الأشياء، وما يليق بها من الأوصاف والمعاني، ناهيك عن أحوال المخاطبين، وتباينهم، وما يليق بهم، ويتعلق بأذواقهم المختلفة من الأوصاف والمعاني والأوزان.[26]

أوجه مختلفة لإشكالية واحدة، لا مفر من استنطاقها. ومحاولة تفكيك الموضوع على ضوئها.

ولعل من بين أكثر الدلالات النقدية وأهمها في فهم إشكالية الوزن والغرض، هي التي اعتذر حازم القرطاجني عن ذكرها، لتشعبها وتعذر استقصائها، من ذلك :

-بحث كل نمط من أنماط اللفظ، وما يصلح له من أنماط المعاني والنظم والأساليب والأوزان.

-معرفة ما يصلح لكل نمط من المعاني، من أنماط اللفظ والنظم والأساليب والأوزان.

-معرفة ما يصلح لكل وزن، من أنماط اللفظ والمعنى والنظم والأسلوب

-التمييز بين ما يكون ملائما لهذه الأنماط، وما يكون منافرا لها.[27]

وفي انتظار أن تتضافر الجهود لتقليب الموضوع على جميع مستوياته المتعددة، نتمنى أن تكون قد ساهمنا ولو بقسط ضئيل في تقريب النص الإيقاعي من القراءة والتأويل.

 

 

تطوان : الخامسة من صباح 05-03-2000

د. عبد الإله كنفاوي



[1] ـ راجع: تاريخ النقد الأدبي عند العرب من العصر الجاهلي إلى القرن الرابع الهجري ، لطه أحمد إبراهيم. دار الحكمة، بيروت-لبنان (د.ت)، ص: 24-25، وتاريخ النقد الأدبي عند العرب-نقد الشعر من القرن الثاني حتى القرن الثامن الهجري" لإحسان عباس، دار الشروق، عمان-الأردن: 1986، ص" 14، "والنقد واللغة في رسالة الغفران"، أمجد الطرابلسي، مطبعة الجامعة السورية، دمشق " 1951، ص: 12.

[2] ـ عيار الشعر. ابن طباطبا العلوي، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت1982، ص: 11.

[3] ـ نقد الشعر، قدامه بن جعفر -تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان (د.ت)، ص: 69

[4] ـ نفسه : 166

[5] - سر الفصاحة، ابن سنان الخفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان : 1982، ص :146-147

[6] - نفسه : 192-193

[7] - استعمل مصطلح "معنى" في النقد العربي، بمعان يهمنا منها : الدلالة على الفكرة الجزئية التي يتضمنها اليبت، أو الجزء من البيت حين يستقل بمعناه، وهو بهذا المعنى يرادف الصورة الذهنية من حيث وضع بازاتها اللفظ.

 

[8] ـ - المنهاج : 247-244.

[9] - فهو يرى أن الشعر لن يعود إليه ازدهاره، إلا بوضوح "منهاج" يهدي عملية التذوق والتحليل والتفسير وبالتالي التقييم على المستوى التلقي، ووضع  "سراج" يضيء عملية التعلم على مستوى الإبداع.  المنهاج 26.

[10] - نفسه : 226-227.

[11]- فن الشعر من كتاب الشفاء ضمن كتاب "فن الشعر" لأرسطو، ترجمة عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت. ط 2/73، ص : 163، وانظر : منهاج البلغاء : 266

[12] - المنهاج : 247-244.

[13] -نفسه : 235-244-258.

[14] - انظر، منهاج البلغاء : 227، 243، 245، 249، 267، 238.

[15] - فالأوزان "السبطات" بسكون الباء، أو كسرها -هي التي تتوالى فيها ثلاث متحركات تمنح الوزن لدونة وتدفقا واسترسالا وسهولة واستواء.

و" الجعدة" هي التي تتوالى فيها أربعة سواكن من جزءين، أو ثلاثة من جزء، "ويعني بتواليها " ألا يكون بين ساكن منها وآخر إلا حركة" ، يفقد معها الوزن استرساله، ولذلك يوكد "حازم" أن عدد السواكن -في الوزن- يجب أن تكون حائمة حول ثلث مجموع  المتحركات إما بزيادة قليلة أو نقص، ولأن تكون أقل من الثلث أشد ملاءمة من أن تكون فوقه.

أما "المعتدلة"، فهي :" التي تتلاقى فيها ثلاثة سواكن من جزءين، أو ساكنان في جزء".

و"القوية الشديدة"، هي التي يكون الوقوف في نهاية أجزائها على سبب واحد، ويكون طرفاه قابلين للتغيير"

وتكون "معتدلة "، بين القوة والضعف " إذا تركب الضعيف مع القوي، فربما غطى على ضعفه، وخصوصا إذ حدثت في التركيب جعودة كالحال في الخفيف، أما ذا تركيب "الضعيف" مع "المعتدل" لم يخف عنه ضعفه كالحال في المديد . (المنهاج: 260-267)

[16] -نفسه: 267-268

[17] -نفسه :269

[18] -نفسه : 266

[19] - نفسه : 205

[20] - نفسه : 205

[21] - نفسه : 269

[22] - نفسه : 269

 

[23] - نفسه : 270

[24] - نفسه : 268

 

[25] ـ

[26] - نفسه : 374-375

 

[27] - نفسه : 379-380

 

Publicité
Publicité
Commentaires
مدونة الدكتور عبد الإله كنفاوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان- المغرب
Publicité
Archives
مدونة الدكتور عبد الإله كنفاوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان- المغرب
Publicité